المجموع شرح المهذب
________________________________________
القسم: الفقه الشافعي
الكتاب: المجموع شرح المهذب ((مع تكملة السبكي والمطيعي))
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت ٦٧٦هـ)
الناشر: دار الفكر
(طبعة كاملة معها تكملة السبكي والمطيعي)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تاريخ النشر بالشاملة: ٨ ذو الحجة ١٤٣١
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 1)
________________________________________
المجموع شرح المهذب
للامام ابي زكريا محي الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة ٦٧٦ هـ
الجزء الثاني عشر
دار الفكر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 2)
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
* (باب بيع المصرات والرد بالعيب)
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (إذا اشترى ناقة أو شاة أو بقرة مصراة ولم يعلم بأنها مصراة ثم علم أنها مصراة فهو بالخيار بين أن
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 3)
________________________________________
يسك وبين أن يرد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " لا تصروا الابل والغنم للبيع فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بعد أن يحلبها ثلاثا إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " وروى أن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من ابتاع محفلة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ معها مثل أو مثلى لبنها قمحا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ رَوَاهُ الائمة مالك في الموطأ والشافعي عنه والبخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في شئ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ اللَّفْظُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ الْمَشْهُورُ بِصِحَّتِهِ وَلَفْظُهُ لَا تُصِرُّوا الْإِبِلِ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأبو دواد وَلَيْسَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَفِيهَا زِيَادَةٌ لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ كَذَلِكَ رَوَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْهُ وَقِيلَ إنَّ الْمُزَنِيَّ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله (وَأَمَّا)
الرَّبِيعُ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ كَمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَمِنْ الرُّوَاةِ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ ردها رد معها صاعا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 4)
________________________________________
من طعام " لامراء في رواته مِنْ طَرِيقِهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وصاعا من تمر " لامراء (١) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
* وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ بَعْضَ ذَلِكَ وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ " مَنْ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شاء أمسكها وإن شاء ردها مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (قَالَ) البخاري قال
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 5)
________________________________________
بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا
* وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا والتمر أكتراها كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فلينفلت بها فليحلبها وان رَضِيَ حِلَابَهَا أَمْسَكَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو صَالِحٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَلَفْظُهُ " إذَا مَا أَحَدُكُمْ اشْتَرَى نَعْجَةً مُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يحلبها إما هي والا فليردها وصاع تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الرَّدِّ بِغَيْرِ أَرْشٍ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَابِتٌ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد (وَقَالَ) بَعْضُهُمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَأَنَّهُ أَخَذَ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ
* وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الشَّعْبِيُّ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى مِنْكُمْ مُحَفَّلَةً فَكَرِهَهَا فَلْيَرُدَّهَا وَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ " رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَفِي لَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ " مَنْ اشترى نعجة مصراة أو شاة مصراة فحليها فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَإِنَاءً
مِنْ طَعَامٍ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
* وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَرْفُوعَةٌ إلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 6)
________________________________________
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذِهِ رِوَايَاتُ أبى هريرة ليس في شئ مِنْهَا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِتَمَامِهِ بَلْ طَرِيقُ الْأَعْرَجِ جَمَعَتْ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ التَّصْرِيَةِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الثَّلَاثِ
* وَطَرِيقُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي صَالِحٍ فِيهَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ وَهِيَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ وَلَيْسَا حَدِيثًا وَاحِدًا حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ تُضَافَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ إلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَلْ وَالْمَعْنَى أَيْضًا مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي صَالِحٍ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ (فَالْأَوَّلُ) يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ ابْتِدَائِهِ
(وَالثَّانِي)
يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مُدَّتِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْكِتَابِ يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِحُكْمٍ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِي شئ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْحَلْبِ ثَلَاثًا فَالثَّلَاثُ إمَّا رَاجِعَةٌ لِلْخِيَارِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ حَلْبِهَا ثَلَاثًا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَكُلُّ واحد من الامرين لم يدل عليه شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ صَرِيحًا (وَأَمَّا الثَّانِي) فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ أَصْلًا لَا صَرِيحًا وَلَا ظَاهِرًا وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءً الْعَبْدَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي التَّهْذِيبِ
* وَقَالَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمَا أَصْلَ الحديث لان ذَلِكَ اللَّفْظَ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ حَدِيثُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 7)
________________________________________
مختصر المزني والمنصف تَبِعَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فِي ذَلِكَ وَالْمَوْجُودُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ عَلَى الصَّوَابِ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْخِيَارُ ثَلَاثًا وَلَيْسَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا وَهُوَ مُصَدَّرٌ بِالنَّهْيِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ فِي الْغَرَابَةِ كَاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَذَكَرَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ وثبوته من حديث أبى هريرة رواه عن الْأَعْرَجُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَثَابِتٌ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُمْ وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ وَرِوَايَاتُهُ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِقَرِيبٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو إسحق ويزيد
ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَاهُ عَنْ هؤلاء وعن من بَعْدَهُمْ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ صَارَ إلَى التَّوَاتُرِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ ثَابِتٌ صَحِيحٌ لَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ باللفظ الذى ذكر الْمُصَنِّفُ
* قَالَ الْخَطَّابِيُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 8)
________________________________________
وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ (قَالَ) الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِنَّ جُمَيْعَ بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ ابن بهير هو مِنْ أَكْذِبْ النَّاسِ (وَقَالَ) ابْنُ حِبَّانَ كَانَ رافضا يضع الحديث (قلت) وجميع بن عمير هو الذى له عن ابن عمر هذا الكلام عن ابن بهير وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ أَشَدِّ مَا قِيلَ فِيهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ فَقَالَ مِنْ عِتْقِ الشِّيعَةِ وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ صَادِقُ الْحَدِيثِ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ (وَقَالَ) الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ فِيهِ نَظَرٌ (وَقَالَ) الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ تَفَرَّدَ بِهِ جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لحال جميع ابن عمير هذا وانما أعله بِصَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ الرَّاوِي عَنْ جُمَيْعٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا بِمَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رفعا الحديث (قال) لا يبيع حاضر لباد ولا تلقوا السلع بأفواه الطريق وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَسُمْ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَرُدَّ وَلَا تَسَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أختها لتكتفي مَا فِي صَحْفَتِهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا كُتِبَ لَهَا وَلَا تَبِيعُوا الْمُصَرَّاةَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَمَنْ اشْتَرَاهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَالرَّهْنُ مَرْكُوبٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 9)
________________________________________
وَمَحْلُوبٌ " وَلَيْثٌ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِهِ هُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا حلب ولا جنب ولا إعراض ولا يبيع حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ إذَا حَلَبَهَا بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " وَكَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ
الْكَذِبِ (وَقَالَ) ابْنُ حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ (قَالَ) الدَّارَقُطْنِيّ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ تَابَعَهُ عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ الثِّقَةِ الْمَشْهُورِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نهى أَنْ تُتَلَقَّى الْأَجْلَابُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَمَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ فَإِنْ حَلَبَهَا وَرَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا شَكًّا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَقَالَ صَاعًا مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ ذَاكَ لَا أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي هَذَا الْبَابِ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَإِنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 10)
________________________________________
لِصَاحِبِهَا أَنْ يَحْتَلِبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا فَلْيُمْسِكْهَا وَإِلَّا فليردها وصاعا من تمر " اسماعيل بن ابراهيم مُسْلِمٍ مَتْرُوكٌ وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التميمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا " رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي خلف التيمى لَكِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مَوْقُوفًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي أَحْكَامِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ (وَقَالَ) ابْنُ الْأَثِيرِ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ هِشَامٍ (وَقَالَ) الْإِسْمَاعِيلِيُّ إنَّ أَبَا خَالِدٍ رَفَعَهُ وَإِنَّ ابْنَ المبارك وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَابْنَ أَبِي عَدِيٍّ وَيَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ وَهِشَامًا وَجَرِيرًا وَغَيْرَهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى شرط البخاري وزاد " من تمر ماله " الاسناد وَالْحُكْمُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ شَرْطٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْوَقْفِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ (أَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ فَيَنْبَغِي الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وان أبا خالد وهو سليم بْنُ حِبَّانَ الْأَحْمَرُ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ ومن رفع معه زيادة مَنْ وَقَفَ وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْكُمُ بِصِحَّةِ مِثْلِ ذَلِكَ فَقَدْ تَلَخَّصَتْ رِوَايَاتُ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ جَدِّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَسِ من مالك وابن مسعود
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 11)
________________________________________
رضى الله عنهم (وأصحهما) رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرِوَايَةُ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ سَنَدُهَا جَيِّدٌ وَرِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ ضَعِيفَةٌ فِي رَفْعِهَا وتجب عَلَى طَرِيقَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ التَّمَسُّكُ بِهَا وَتَرْجِيحُ الْحُكْمِ بِالْمَرْفُوعِ وَلَا أَرَى التَّمَسُّكَ بِمِثْلِ هذا لمنصف فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ قُوَّةِ الظَّنِّ بِالْوَقْفِ لِرُجْحَانِ رُوَاتِهِ كَثْرَةً وَجَلَالَةً نَعَمْ ذَكَرَ الماوردي أن الشافعي رواه أعنى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ التَّيْمِيِّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَ الرَّفْعُ فِيهِ مُحَقَّقًا تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ مِمَّنْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَيَكُون عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) اللُّغَةُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَرُّوا - فَهُوَ بِضَمِّ التَّاء الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقَ وَفَتْحِ الصَّادِ وَبَعْدَ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَاوٌ وَفَتْحُ لَامِ الْإِبِلِ عَلَى - مِثَالِ تَرَكُوا (قَالَ) الْقَاضِي عِيَاضٌ كَذَا صَحِيحُ الرِّوَايَةِ مِنْ صَرَّى إذَا جُمِعَ مُثَقَّلٌ وَمُخَفَّفٌ وَهُوَ تَفْسِيرُ مَالِكٍ لَهُ وَالْكَافَّةُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَبَعْضِ الرُّوَاةِ تَحْذِفُ وَاوَ الْجَمْعِ وَتَضُمُّ لَامَ الْإِبِلِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يصير - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الصَّادِ وَإِثْبَاتِ وَاوِ الْجَمْعِ وَنَصْبِ لَامِ الْإِبِلِ - وَخَطَّأَ الْقَاضِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ (وَقَالَ) إنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ إلَّا عَلَى تَفْسِيرِ مَنْ فَسَّرَ بِالرَّبْطِ وَالشَّدِّ مِنْ صَرَّ يَصِرُّ (وَقَالَ) فِيهِ الْمَصْرُورَةُ وَهُوَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ كَأَنَّهُ يَحْبِسُهُ بِرَبْطِ أَخْلَافِهَا وَشَدِّهَا لِذَلِكَ وَخَطَّأَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ وَجَعَلَهُ وهما محتجا بأنه لو كان كذلك مصروة قال وهذا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 12)
________________________________________
لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَهُوَ مِثْلُ الْوَجْهِ الْأَخِيرِ وَقَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَابْنُ مَعْنٍ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ وَالْفَارِقِيُّ أَقَلُّ عُذْرًا لِأَنَّ الْوَاوَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَنُسَخِ الْمُهَذَّبِ (قَالَ) الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ فِي الْمُصَرَّاةِ وَمِنْ أَيْنَ أُخِذَتْ وَاشْتُقَّتْ (فَقَالَ) الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّصْرِيَةُ أَنْ تُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَتُتْرَكَ مِنْ الْحَلْبِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا فَإِذَا تُرِكَتْ بعد تلك الحلبة حلبة أو اثنين عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا (قَالَ) أَبُو عُبَيْدٍ الْمُصَرَّاةُ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَوْ الشَّاةُ التي قد صرى اللبن في ضرعها معنى حُقِنَ فِيهِ أَيَّامًا فَلَمْ يُحْلَبْ وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ وَجَمْعِهِ
يُقَالُ مِنْهُ صَرَيْتُ الْمَاءَ وَيُقَالُ إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُصَرَّاةُ لِأَنَّهَا مِيَاهٌ اجْتَمَعَتْ قال أبو عبيدة وَلَوْ كَانَ مِنْ الرَّبْطِ لَكَانَ مَصْرُورَةً أَوْ مُصَرَّرَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ حَسَنٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ وَالْعَرَبُ تُصِرُّ ضُرُوعَ الحلوبات إذا أرسلتها تسرح ويسمون ذلك الرباط صرارا فان رَاحَتْ حَلَّتْ تِلْكَ الْأَصِرَّةَ وَحَلَبَتْ وَاسْتُدِلَّ لِصِحَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِ الْعَرَبِ (الْعَبْدُ لَا يُحْسِنُ الكر والفر انما تحسن الحلب والصر) ويقول مالك بْنُ نُوَيْرَةَ فَقُلْتُ لِقَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ مُصَرَّرَةٌ اخلاقها لَمْ تُجَدَّدْ
* قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَصْلَ الْمُصَرَّاةِ مُصَرَّرَةٌ أُبْدِلَتْ إحْدَى الرَّاءَيْنِ يَاءً وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 13)
________________________________________
فِي كَلَامِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ جَائِزٌ أَنْ تكون سميت مصراة من صرا خلافها كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ مُصَرَّاةً مِنْ الصَّرْيِ وَهُوَ الْجَمْعُ (يُقَالُ) صَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْتَهُ (وَيُقَالُ) كَذَلِكَ الْمَاءُ صَرَى (وَقَالَ) عُبَيْدٌ
* يَا رُبَّ مَاءٍ صَرًى وَرَدْتُهُ
* سَبِيلَهُ خَائِفٌ حَدَثٌ
* وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ الصَّرِّ قَالَ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ في الاصل مصرورة فاجتمعت ثلاث راآت فقلبت إحداها ياء كما قالوا تظمنت من الظن وكما قال العجاج
* بمضي الْبَازُ إذْ الْبَازِي كُسِرَ
* هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَذْكُورُ وهو فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَنْ النَّجْشِ وَالتَّصْرِيَةِ " قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ يَعْنِي لِلضَّبْطِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) الِاشْتِقَاقُ وَالْمَعْنَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لَهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ إبْدَالِ الرَّاءِ يَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الصَّرِّ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ وَمَدْلُولُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَسَّرَ التَّصْرِيَةَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِهِ مِنْ الرَّبْطِ وَالتَّرْكِ مِنْ الْحَلْبِ حَتَّى يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ وَالشَّكُّ أَنَّ ذَلِكَ فِيهِ مَعْنَى الرَّبْطِ وَالْجَمْعِ مَعًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ وَذَكَرَ الرَّبْطَ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 14)
________________________________________
فِي احْتِبَاسِ اللَّبَنِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مُخَالَفَةٌ لِغَيْرِهِ إلَّا زِيَادَةٌ تبيين مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلَهُ مِنْ رَبْطِ أَخْلَافِ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ
لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الصَّرِّ وَالرَّبْطِ وَحِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ الشافعي اعلم باللغة منا نقله عن الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَرَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ حجة في اللغة قال الربيع وكان ابن هشام بمصر كالأصمعي بالعراق وقالا أَبُو عُبَيْدٍ الشَّافِعِيُّ مِمَّنْ يُؤْخَذُ عَنْهُ اللُّغَةُ أَوْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الشَّكُّ مِنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ الْمَازِنِيُّ الشَّافِعِيُّ عِنْدنَا حُجَّةٌ فِي النَّحْوِ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ الْجَارُودِ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ لُغَةً جَيِّدَةً يُحْتَجُّ بِهَا كَمَا يُحْتَجُّ بِالْبَطْنِ مِنْ الْعَرَبِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْتِ اللُّغَةِ يَجِبُ أن تؤخذ عَنْهُ وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ خُذُوا عَنْ الشَّافِعِيِّ اللُّغَةَ وَقَالَ ثَعْلَبٌ أَيْضًا إنَّمَا يُؤْخَذُ الشَّافِعِيُّ بِاللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هذه الاقول كُلَّهَا لِيَتَبَيَّنَ قَدْرُ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّصْرِيَةَ أَنْ يُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَأَخْلَافٌ جَمْعُ خِلْفٍ - بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ - (قَالَ) ابْنُ قُتَيْبَةَ الْخِلْفُ لِكُلِّ ذَاتِ خُفِّ والطى للسباع وذوات الحافر وجمع أَطْيَاءُ وَالضَّرْعُ لِكُلِّ ذَاتِ ظِلْفٍ قَالَ وَقَدْ يجعل الضرع أيضا لذوات الخف والخلف لِذَوَاتِ الظِّلْفِ وَالثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 15)
________________________________________
(قُلْتُ) فَإِطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ أَخْلَافَ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ (إمَّا) أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ غَلَّبْنَا النَّاقَةَ عَلَى الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي التَّصْرِيَةِ لُغَةُ التَّصْوِيَةِ بَدَلُ الرَّاءِ وَاوٌ قَالَ الْهَرَوِيُّ التَّصْوِيَةُ وَالتَّصْرِيَةُ واحد وهو أن تصرى الشاة أي تجفل قَالَ يُوسُفُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ابن أَبِي الْحَجَّاجِ الْمَقْدِسِيِّ فِيمَا عَلَّقَهُ مِنْ كِتَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى تَصْحِيفِ أَبِي عُبَيْدٍ الْهَرَوِيِّ فِي كِتَابِ الْغَرِيبَيْنِ تَخْرِيجُ ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ الْحَافِظُ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ يُصَرُّ الشَّاةَ بِغَيْرِ يَاءٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُصَرِّيَ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ بَعْدَ الرَّاءِ مِنْ حَدِيثِ النَّاقَةِ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ أَنْ يُصَرَّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَشُدَّ وَذَلِكَ يَجُوزُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَهُ فِي الْغَرِيبَيْنِ إلَّا بِالرَّاءِ وَالْيَاءِ كَمَا نَقَلْتُهُ فَلَعَلَّ النُّسَخَ الَّتِي وَقَعَتْ لِابْنِ نَاصِرٍ كَانَتْ مُصَحَّفَةً وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ النُّسَخِ لَكَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ الْمَعْنَى الْمَنْسُوبِ لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرِدْ عَنْ الصَّرِّ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ الصَّرِّ
وَالتَّصْرِيَةِ حَرَامٌ إذَا قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ وَجَائِزٌ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ خَدِيعَةٌ وَلَا ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ لَكِنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ الرَّدِّ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةٍ يَحْصُلُ فِيهَا اجْتِمَاعُ اللَّبَنِ لَا فِي الصَّرِّ الْمُجَرَّدِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاللِّقْحَةُ - بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَجَمْعُهَا لِقَحٌ مِثْلَ قِرْبَةٌ وَقِرَبٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 16)
________________________________________
وَهِيَ النَّاقَةُ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدُ بِالْوِلَادَةِ نَحْوَ شَهْرَيْنِ أو ثلاثة والمحفلة هي التى جفل اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا وَهِيَ الْمُصَرَّاةُ (وَقَوْلُهُ) بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ هُوَ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ أَوْ يَرُدُّهُ أَيُّهُمَا كَانَ خَيْرًا لَهُ فَعَلَهُ (وَالْحِلَابُ) هُوَ الْإِنَاءُ يملاه قَدْرُ حَلْبَةِ نَاقَةٍ وَيُقَالُ لَهُ الْمَحْلَبُ أَيْضًا وَبَعْضُهُمْ يُطْلِقُ فَيَقُولُ الْحِلَابُ الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ الْأَلْبَانُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَحْلُوبِ وَهُوَ اللَّبَنُ كَالْحِرَافِ لِمَا يُحْتَرَفُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إنَّمَا يُقَالُ فِي اللَّبَنِ الْإِحْلَابَةُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلَابِ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ الْحَلْبَةُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ اللَّبَنُ نَفْسُهُ وَمِنْ الظَّاهِرِيَّةِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَوْا أَنَّ هذا من المجاز للذى لَمْ يَدُلَّ نَصٌّ عَلَى إرَادَتِهِ وَسَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَدَلُ اللَّبَنِ والتمر الحنطة وَالطَّعَامُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْرُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَطْعِمَتِهِمْ (وَالثَّانِي) لِأَنَّ مُعْظَمَ رِوَايَاتِ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا جَاءَتْ " وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغَالِبَ وَلَا أَنْ يَتَرَجَّحَ رِوَايَتُهُ هَذَا مَا فِي حَدِيثِ الْكِتَابِ وَطُرُقِهِ مِنْ اللُّغَةِ وَتَبْوِيبُ الْمُصَنِّفِ الْمَقْصُودُ بِهِ ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُثْبِتَةِ لِخِيَارِ النَّقِيصَةِ وَهُوَ مَا ثَبَتَتْ بِفَوَاتِ أَمْرٍ مَظْنُونٍ يَنْشَأُ الظن فيه من
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 17)
________________________________________
تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ كَالتَّصْرِيَةِ أَوْ نَصٍّ عُرْفِيٍّ كَالْعَيْبِ فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ أَوْ الْتِزَامٍ شَرْطِيٍّ كَشَرْطِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهِ إذَا خَرَجَ بِخِلَافِهِ وَقَدْ ضَمَّنَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ على هذا الترتيب وقدم التصرية لانها هي الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاسَهُ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَقَدْ ورد فِيهِ حَدِيثًا نَصًّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثم ذكره بَعْدَهُ خِيَارَ الْخُلْفِ الَّذِي يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الِالْتِزَامِ الشَّرْطِيِّ وَجُعِلَ مُؤَخَّرًا عَنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (إمَّا) لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ أَيْضًا أَعْنِي الرَّدَّ
بِالْعَيْبِ (وَإِمَّا) لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا ثَبَتَا بِالْقِيَاسِ عَلَى التَّصْرِيَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْلَا التَّصْرِيَةُ وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ لَكَانَ يَقْتَضِي أَنْ يُقَدَّمَ الِالْتِزَامُ الشَّرْطِيُّ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ بِالشَّرْطِ أَوْكَدُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِالْعُرْفِ أَوْ بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ الِالْتِزَامَ الشَّرْطِيَّ هُوَ الْأَصْلُ وَمَا عَدَاهُ مُلْحَقٌ بِهِ يُشِيرُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ ذَلِكَ كَنَصٍّ فِي فَرْعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ حُكْمُ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ مَأْخُوذٌ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوصًا وَهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى فَرْعٍ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَأَمَّا) اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسُكُوتُهُ عَلَى خِيَارِ الْخُلْفِ وَإِنْ كَانَ الْخُلْفُ لَيْسَ بِعَيْبٍ ولكنه فوات فضيلة فلاجل استوائهما فِي النَّقْصِ فِيهِ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلِأَنَّ التَّصْرِيَةَ وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَرْعَانِ لِأَصْلٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فَذِكْرُهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ مُنَبِّهٌ عَلَى أَصْلِهِمَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَوَضَعَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ لِأَنَّهُ فَرْعٌ مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَضَمِّنَةِ شُرُوطَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشُرُوطُهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَبَيْعِ الثِّمَارِ أَخْذٌ فِي أَسْبَابِ الْفَسْخِ وَاسْتِدْرَاكُ مَا يَقَعُ فِي المبيع مِنْ الْعَيْبِ بِالْفَسْخِ أَوْ بِالْأَرْشِ " وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ بَقَرَةً " لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَقْصُورٍ على الابل والغنم اللذين تضمنهما الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَلْ هُوَ شَامِلٌ إمَّا بالقياس إذا اقتصر على الحديث الذى أوره الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّ لَبَنَ الْبَقَرِ أَغْزَرُ وَأَكْثَرُ بَيْعًا مِنْ لَبَنِ الْإِبِلِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 18)
________________________________________
وَإِمَّا بِالنَّصِّ فَإِنَّ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " (وَقَالَ) بَعْضُ شَارِحِي التنبيه إن ذلك للرد علي الظاهريين اللذين خَصُّوا الْحُكْمَ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الظَّاهِرِيِّينَ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ دَاوُد فصرح ابن المعلس وابن حزم الظاهريان بأن شمول الحكم تمسكا بِالنَّصِّ الْعَامِّ وَهُوَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَلَمْ يَحْكِيَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَهُوَ اللَّائِقُ بمذهبهم أخذ بِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلَا يَجِبُ تَقْيِيدُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ بِالْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُطْلَقِ وَالْخَبَرُ هَهُنَا عَامٌّ لِصِيغَةِ مَنْ لَكِنْ يَعْرِضُ هَهُنَا بَحْثَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ
رِوَايَتِهِ أَيْضًا " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مصراة " وهذه الرواية فيها زيادة ليس فِي الْأُولَى وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا وَعَدَمُ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَمُخْرِجَهُ وَاحِدٌ وَوَجْهُ إدْرَاكِ الصَّوَابِ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّا نَظَرْنَا الرِّوَايَةَ الْعَامَّةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " فَوَجَدْنَاهَا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ وَمِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمِنْ رِوَايَةِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ومن رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ فِي النَّسَائِيّ وَنَظَرْنَا الزِّيَادَةَ فَوَجَدْنَاهَا مِنْ طُرُقٍ (مِنْهَا) عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ وَفِيهَا " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَهَذَا اخْتِلَافٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سُفْيَانَ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَالرَّاوِي عَنْهُمَا شَخْصٌ واحد وهو العدلى (وَمِنْهَا) قُرَّةُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَفِيهَا " مَنْ اشترى شاة مصراة " وهذا اختلاف عن ترك أَيْضًا وَكَذَلِكَ مُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَكِلَا السَّنَدَيْنِ إلَيْهِ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ فَلَمَّا رَأَيْنَا هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَالِاخْتِلَافَ نَظَرْنَا مَا يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ فَقُلْنَا جَمِيعُ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ هَهُنَا اُخْتُلِفَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 19)
________________________________________
عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ والشعبى فانه لم يختلف عنهما فِيمَا عَلِمْنَا وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُمَا إلَّا الصِّيغَةُ الْعَامَّةُ وَإِلَّا ثَابِتُ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يرد عنه إلا الطريق المثبتة للزيادة وَهِيَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً " (فَقَدْ) يُقَالُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَجَلُّ مِنْ ثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَجَلُّ وَأَحْفَظُ وَأَتْقَنُ مِمَّنْ خَالَفَهُ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْعُمُومِ لِذَلِكَ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ جَانِبَ الزِّيَادَةِ هُنَا وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ وَاحْتِمَالُ النَّقْصِ فِي رِوَايَةِ الْمُثْبَتِ الْمُتْقَنِ أَوْلَى مِنْ احْتِمَالِ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ بِالزِّيَادَةِ فِي حَقِّ الثِّقَةِ وَاَلَّذِي أَقُولهُ إنَّ الْحُكْمَ بِالْخَطَأِ عَلَى رَاوِي الزِّيَادَةِ هَهُنَا بَعِيدٌ (فَالْأَقْرَبُ) أَنْ تُجْعَلَ الرِّوَايَتَانِ ثَابِتَتَيْنِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهِمَا مَرَّتَيْنِ فَرَوَاهُمَا أَبُو هُرَيْرَةَ كَذَلِكَ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَنَمِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ لَمَا ذُكِرَ فِي الْإِبِلِ وَقَدْ صَحَّ فِي الْإِبِلِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هريرة (والبحث الثاني) إذا ثبتت الروايات في كَلَامِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَفْهُومُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا التَّقْيِيدُ لِمَ لَا يُخَصُّ بِهِ عُمُومُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا مَثَّلَهُ فِي قَوْلِهِ " إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ " مَعَ قَوْلِهِ " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ " حَيْثُ خَصُّوا عُمُومَ الثَّانِي بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِغَيْرِ الْإِفْضَاءِ الَّذِي هُوَ الْمَسُّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَذَلِكَ هَهُنَا (إمَّا) مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِقَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى " (وَإِمَّا) مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ حُجَّةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) الشَّافِعِيُّ وَالْمَفْهُومُ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَسِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ جَانِبَ الْمَفْهُومِ هَهُنَا ضَعُفَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْإِبِلِ صَرِيحًا بِحَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُفْهَمُ الْمَعْنَى مِنْ ذلك بخلاف الاحداث فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّعَبُّدِ فَهَذَانِ الْأَمْرَانِ أَضْعَفَا اعْتِبَارَ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً " وَقَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَالثَّانِي وَحْدَهُ يُضْعِفُ اعْتِبَارَ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ " إذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ نَعْجَةً أَوْ شَاةً " (وَأَمَّا) الظَّاهِرِيَّةُ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ قَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَيَحْتَجُّونَ بالعموم لثبوته على ما تقدم والله أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةً) شرط لابد مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 20)
________________________________________
الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ إنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَيُعَبَّرُ عَنْ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ هَلْ هُوَ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَبَنَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الخيار يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ ثَبَتَ مَعَ الْعِلْمِ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ فَالْبِنَاءُ حينئذ متجه (والمختار) أنه يَمْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَقْرِيرُهُ وَالْجُمْهُورُ هَهُنَا أَنَّ مَتَى عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَبَتَ لِأَجْلِ النَّقْصِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ لَمْ يُثْبِتُوا الْخِيَارَ هَهُنَا فِي حَالَةِ الْعِلْمِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى دَلِيلٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّفْظَ مُتَأَوَّلٌ وَمَا ادَّعَيْنَا نَحْنُ مِنْ ظُهُورِ الْمَعْنَى وَفَهْمِهِ هُمْ لَا يعتبرونه (وقوله) فهو بالخيار إلى آخره هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ (وَمِمَّنْ) قَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ فُتْيَاهُ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ الْقَوْلَ بِهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ (وَمِمَّنْ) قَالَ
بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أبى ليلى وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَاتَّفَقَ) جَمِيعُ أَصْحَابِنَا عَلَى ذَلِكَ تَبَعًا لِإِمَامِهِمْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَرُوِيَتْ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ بِذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ ذَكَرَ العتبى من سماع أشهب بن مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ ابْتَاعَ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " فَقَالَ سَمِعْتُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِالثَّابِتِ وَلَا الْمُوَطَّأِ عَلَيْهِ وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إنَّ لَهُ اللَّبَنَ بِمَا عَلَفَ وَضَمِنَ (قِيلَ) لَهُ نراك تضعف الحديث (فقال) كل شئ يوضع موضع وَلَيْسَ بِالْمُوَطَّأِ وَلَا الثَّابِتِ وَقَدْ سَمِعْتُهُ (قَالَ) ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ رِوَايَةٌ اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا عَنْ مَالِكٍ وَمَا رَوَاهَا عَنْهُ إلَّا ثِقَةٌ وَلَكِنَّهُ عِنْدِي اخْتِلَافٌ مِنْ رَأْيِهِ (قُلْتُ) وَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 21)
________________________________________
الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُهُ " لَيْسَ بِالثَّابِتِ " عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ بِلَا إشْكَالٍ وَقَدْ أَوْدَعَهُ الْمُوَطَّأَ الْمَشْهُورَ عَنْهُ خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَالْقَوْلُ بمقتضى الحديث (قال) ابن القاسم (قلت) لمالك أنأخذ بِهَذَا الْحَدِيثِ (قَالَ) نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ أَوَ لِأَحَدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَأْيٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَخَذْتُهُ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لى أرى لاهل البلدان إذا نزل بِهِمْ هَذَا أَنْ يُعْطُوا الصَّاعَ مِنْ عَيْشِهِمْ (قَالَ) وَأَهْلُ مِصْرَ عَيْشُهُمْ الْحِنْطَةُ (وَقَالَ) ابْنُ عبد البرقى التَّمْهِيدِ إنَّ الصَّحِيحَ عَنْ مَالِكٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّ رِوَايَةَ أَشْهَبَ مُنْكَرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الِاسْتِدْلَال فَدَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخْبَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْمَقْصُودِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأُصُولِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ فِي أَجْوِبَةِ الْمُخَالِفِينَ إنْ شاء الله تعالى
* ومن القياس علي مالو باع طاحونة حبس ماءها زَمَانًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ حَالَةَ الْبَيْعِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ (وَاعْتَمَدَ) الْمُخَالِفُونَ فِي الِاعْتِذَارِ عن الحديث أموار ضعيفة ترجع إلى طريقين طَرِيقَةُ الرَّدِّ وَطَرِيقَةُ التَّأْوِيلِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ مُخَالِفٌ لِقِيَاسٍ مِنْ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْعَمَلُ بِهِ إما كونه مخالف لقياس الاصول المعلومة فمن وجوه
(أحدهما)
أَنَّهُ أَوْجَبَ غُرْمَ اللَّبَنِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهِ (وَثَانِيهَا) أَنَّهُ أَوْجَبَ غُرْمَ قِيمَتِهِ مَعَ وُجُودِ مثله (وثلثهما) أَنَّهُ جَعَلَ الْقِيمَةَ تَمْرًا وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا (وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ جَعَلَهَا مُقَدَّرَةً لَا تَزِيدُ بِزِيَادَةِ اللَّبَنِ
وَلَا تَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ وَمِنْ حُكْمِ الضَّمَانِ أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمَضْمُونِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (وَخَامِسُهَا) أَنَّ اللَّبَنَ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا فَمَا كَانَ مَوْجُودًا مَنَعَ الرَّدَّ وَمَا حَدَثَ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ (وَسَادِسُهَا) إثْبَاتُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِلْأُصُولِ فَإِنَّ الْخِيَارَاتِ الثَّابِتَةَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا تُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ (وَسَابِعُهَا) يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْبَائِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 22)
________________________________________
مَعَ الصَّاعِ الَّذِي هُوَ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا (وَثَامِنُهَا) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعٍ فَإِذَا اسْتَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَقَدْ اسْتَرْجَعَ الصَّاعَ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ شَاةً وَصَاعًا بِصَاعٍ وَذَلِكَ خِلَافُ قَاعِدَةِ الرِّبَا عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَمْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ (وَتَاسِعُهَا) أَنَّهُ أَثْبَتَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطٍ لِأَنَّ نُقْصَانَ اللَّبَنِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا الرَّدُّ بِهِ بِدُونِ التَّصْرِيَةِ (وَعَاشِرُهَا) أَنَّ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَجَازَ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ كَالثَّمَنِ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لَا يَضْمَنُ (وَأَمَّا) الْمَقَامُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ مُخَالِفًا لِقِيَاسِ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ فَلِأَنَّ الْأُصُولَ الْمَعْلُومَةَ مَقْطُوعٌ بِهَا وَخَبَرُ الواح مَظْنُونٌ وَالْمَظْنُونُ لَا يُعَارِضُ الْمَعْلُومَ (الْعُذْرُ الثَّانِي لهم) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ مِنْ أَخْبَارِهِ مَا فِيهِ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ (وَأَمَّا) فِي الْأَحْكَامِ فَلَا يُقْبَلُ وَتَارَةً يَقُولُونَ إنَّهُ غَيْرُ فَقِيهٍ وَالْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَالصَّحَابَةُ يَنْقُلُونَ بِالْمَعْنَى وَلَا ثِقَةَ بِرِوَايَةِ غَيْرِ الْفَقِيهِ (الْعُذْرُ الثَّالِثُ) دَعْوَى النَّسْخِ فِي هذا الحديث وأنه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ جَائِزَةً (الْعُذْرُ الرَّابِعُ) أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَلْفَاظِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ لِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ (الْعُذْرُ الْخَامِسُ) فِي مُخَالَفَتِهِمْ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِتَأْوِيلِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهَا فَشَرَطَ أَنَّهَا تَحْلُبُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ مَثَلًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِهِ فِي مُدَّةِ الخيار صح الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا بَطَلَ (وَأَمَّا) رَدُّ الصَّاعِ فَلِأَنَّهُ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الوقت (والجواب) عن ذَلِكَ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَبِالظَّنِّ فِي الْمَقَامَيْنِ جَمِيعًا (أَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّهُ
مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ وَمُخَالَفَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ وَخَصَّ الرَّدَّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُخَالِفِ لِلْأُصُولِ لَا الْمُخَالِفِ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ وَهَذَا الْخَبَرُ إنَّمَا يُخَالِفُ قِيَاسَ الْأُصُولِ وَقِيَاسُ الْأُصُولِ يُتْرَكُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ الْقِيَاسَ أن
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 23)
________________________________________
الْأَكْلَ نَاسِيًا يُفْطِرُ وَلَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَقَبِلَ أَبُو حنيفة خبر أبى فرارة في جواز التوضى بالنبيذ وخبر زادان في إبطال طهارة المصلى بالقهقهة لانهما إنَّمَا خَالَفَا قِيَاسَ الْأُصُولِ وَرَدَّ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ وَبَيْعَ الْعَرِيَّةِ لِأَنَّهُمَا خَالَفَا أُصُولَ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ وصاحب هذه الطريق يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ كَالْأَوَّلِ وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ يُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ مخالفة الاصول أيضا قادحة ويقول أن كل مَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فَهُوَ أَصْلٌ بِذَاتِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ الْأُصُولِ كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ إبْطَالُ أَصْلٍ لِمُخَالَفَتِهِ أُصُولًا أُخْرَى بِأَوْلَى مِنْ إبْطَالِ تِلْكَ الْأُصُولِ لِمُخَالَفَتِهَا ذَلِكَ الْأَصْلَ (وَالصَّوَابُ) الْعَمَلُ بِهَا جَمِيعًا وَيُعْتَبَرُ كُلٌّ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَصَاحِبُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَقُولُ إنَّهُ لَا فَرْقَ بين مخالفة قياس الاصول ومخالة الْأُصُولِ وَكِلَاهُمَا لَا يُوجِبُ الرَّدَّ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذكروها في النصرية وَالْقَهْقَهَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ أَصَحُّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأُصُولَ الْمُخْتَلَفَ فِي رَدِّ الْخَبَرِ بِهَا هِيَ الْمُسْتَنْبَطَةُ الَّتِي تكون في نفسها متحملة (أَمَّا) الْأُصُولُ الْمَقْطُوعُ بِهَا فَنَصُّ الْكِتَابِ وَالتَّوَاتُرُ والاجماع أو الاوصول الَّتِي فِي مَعْنَاهَا كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فَإِذَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِخِلَافِهِ رُدَّ وَيُعْتَقَدُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ مَا يُخَالِفُ ذلك هكذا قاله الاستاذ أبو إسحق الاسفراينى فَهَذَانِ جَوَابَانِ إجْمَالِيَّانِ عَنْ دَعْوَى مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ سَلَكَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ طريق التفصيل وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُخَالِفًا لِقِيَاسِ الْأُصُولِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا بَلْ فِي الْأُصُولِ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَيُعَاضِدُهُ (أَمَّا) غُرْمُ الْقِيمَةِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ فَإِنَّ رَدَّ اللَّبَنِ فِي التَّصْرِيَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
نَقْصُ قِيمَتِهِ وَذَهَابُ كَثِيرٍ مِنْ مَنَافِعِهِ بِطُولِ الْمُكْثِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ قَدْ خَالَطَهُ مَا حَدَثَ فِي الضَّرْعِ بَعْدَهُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا خَالَطَهُ
(وَعَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ) وَهُوَ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ وَكَوْنُهُ تَمْرًا وَكَوْنُهُ مُقَدَّرًا مَعَ اختلاف
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 24)
________________________________________
قَدْرِهِ إنْ كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ مَجْهُولَ الْوَصْفِ جاز الرجوع فيه إلى بدل مقدور فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مِثْلٍ وَلَا تَقْوِيمٍ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ (مِنْهَا) الْحُرُّ يُضْمَنُ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ (وَمِنْهَا) الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (وَمِنْهَا) الْمُقَدَّرَاتُ من جهة الشرع في الشجاع كَالْمُوضِحَةِ مَعَ اخْتِلَافِهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ (وَمِنْهَا) جَزَاءُ الصَّيْدِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَلَا مِنْ شَرْطِ الْمِثْلِيِّ أَنْ يُضْمَنَ بِالْمِثْلِ وَالْعُدُولُ فِي الامور التى لا تنضبط إلى شئ مَعْدُودٍ وَلَا يَخْتَلِفُ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرْعِ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالتَّشَاجُرِ وَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ تُقَدَّرُ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ وَالتَّمْرُ غَالِبُ أَقْوَاتِهِمْ كَمَا قُدِّرَتْ الدية بالابل لانها غلب أَمْوَالِهِمْ (وَعَنْ الْخَامِسِ) وَهُوَ إيجَابُ الرَّدِّ مَعَ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ النَّقْصِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ النَّقْصَ حَادِثٌ فِي اللَّبَنِ دُونَ الشَّاةِ وَهُوَ إنَّمَا يَرُدُّ الشَّاةَ دُونَ اللَّبَنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النَّقْصَ الْحَادِثَ الَّذِي لَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ إلَّا بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ كَاَلَّذِي يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ إذَا كُسِرَ (وَعَنْ السَّادِسِ) وَهُوَ أَنَّ خِيَارَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِهِ مُخَالِفٌ للاصول بأن الشئ إنَّمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مُمَاثِلًا له وخولف في حكمه وههنا هذه الصُّورَةُ انْفَرَدَتْ عَنْ غَيْرِهَا بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا لَبَنُ الحبلة الْمُجْتَمِعِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَاللَّبَنُ الْمُجْتَمِعُ بِالتَّدْلِيسِ فَهِيَ مُدَّةٌ يُتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ عَلَيْهَا غَالِبًا بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فِيهِمَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ لَيْسَ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبٍ وَعَلَى أَنَّ لَنَا فِي تَقْيِيدِ خِيَارِ الْمُصَرَّاةِ خِلَافًا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَإِنَّمَا جَاءَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لَهُ (وَعَنْ السَّابِعِ) وَهُوَ لُزُومُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ بَدَلٌ عَنْ اللَّبَنِ لَا عَنْ الشَّاةِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ العوض والعوض (الثَّانِي) أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا تُبَاعَ شَاةٌ بِصَاعٍ (الثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بعبد قيمة
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 25)
________________________________________
كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ ثُمَّ زَادَ الْعَبْدُ وَبَلَغَتْ قيمته ألفين ووجد المشترى بالسلعة عيبا فردها ويسترجع العبد
وقيمته ألفان وذلك قيمة الثمن وَالْمُثَمَّنِ (وَعَنْ الثَّامِنِ) وَهُوَ مُخَالَفَتُهُ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا أَنَّ الرِّبَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ وَلَا فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ (وَعَنْ التَّاسِعِ) وَهُوَ إثْبَاتُ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِالتَّدْلِيسِ كَمَا لَوْ بَاعَ رَحًى دَائِرَةً بِمَاءٍ قَدْ جَمَعَهُ لَهَا وَكَمَا لَوْ سَوَّدَ الشَّعْرَ فَإِنَّ الْعَيْبَ إنَّمَا أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ الثَّمَنُ بِهِ وَالتَّدْلِيسُ كَذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ هَذَا التَّدْلِيسَ نَفْسَهُ عَيْبٌ (وَعَنْ الْعَاشِرِ) وَهُوَ كَوْنُ اللَّبَنِ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ بِالْمَبِيعِ وَأَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ كَاللَّبَنِ فِي الْإِنَاءِ (وَقَوْلُهُمْ) لَوْ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَجَازَ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ مَنْقُوضٌ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَأَطْرَافُ الْخَشَبِ الَّتِي فِي الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيْعِ وَيُقَابِلُهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ (وَأَمَّا) الْحَمْلُ قُلْنَا فِيهِ قَوْلَانِ (فَعَلَى) قَوْلِنَا بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ مِنْ الْأُمِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ الْمَخْلُوقِ فِي الْجَوْفِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ دَافِعَةٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ (وَلَئِنْ) سَلَّمْنَا مُخَالَفَتَهُ لِذَلِكَ (فَالْجَوَابُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لَا تَضُرُّ لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُمْ) إنَّ تَقْدِيمَ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ فِيهِ تَقْدِيمُ الْمَظْنُونِ عَلَى الْمَقْطُوعِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَنَاوُلَ تِلْكَ الْأُصُولِ لِمَحَلِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ مَحَلِّ الْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأُصُولَ عَامَّةٌ وَالْخَبَرُ خَاصُّ وَالْمَظْنُونُ يُخَصِّصُ الْمَعْلُومَ (وَأَمَّا الْعُذْرُ الثَّانِي) وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَوْلَا ذِكْرُهُ فِي الْكُتُبِ وَالِاحْتِيَاجِ إلَى الْجَوَابِ لكنا نستحي مِنْ ذِكْرِهِ وَنُجِلُّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ أَوْ نَسْمَعَهُ فِي أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ ثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحِفْظِهِ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَحَلِّ الْمَعْلُومِ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَبِّبَهُ اللَّهُ وَأُمَّهُ إلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 26)
________________________________________
ومؤمنة وروى عن عثمان أنه قال حِينَ رَوَى لَهُمْ " اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ " حَفِظَ اللَّهُ عَلَيْكَ دِينَكَ كَمَا حَفِظْتَ عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضَائِلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ وَالْمُخَالِفُونَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّلُونَ بِظَنِّهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيُوَلِّيَ غَيْرَ فَقِيهٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ أَتُرَى كَانَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ فِقْهٍ؟ وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ فَتَاوَى وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ
عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ وَعِنْدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابن عباس احدى المعطلات يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاحِدَةٌ تثبتها وثلاث تُحَرِّمُهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ زَيَّنْتَهَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَوْ قَالَ نَوَّرْتَهَا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا يَعْنِي أَصَابَ فَفُتْيَاهُ بِحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى فِقْهِهِ وَلَوْ فَرَضْنَا وَحَاشَ لِلَّهِ أَنَّهُ غَيْرُ فقيه فاشترط الْفِقْهِ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَعَ عَدَالَةِ الرَّاوِي وَضَبْطِهِ وَفَهْمِهِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ إحَالَةِ الْمَعْنَى ثُمَّ إنَّ الْمُخَالِفَ قَبِلَ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ جُمْلَتِهَا فِي النَّهْيِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَلَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ فَقَبِلُوا خَبَرَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ الْكِتَابِ قَوْله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فَأَيُّهُمَا أَعْظَمُ مُخَالَفَتُهُ لِعُمُومِ الْكِتَابِ أَوْ مُخَالَفَتُهُ لِقَوَاعِدَ مُتَنَازَعٍ فِي عُمُومِهَا وَمُخَالَفَتُهُ لِلْقِيَاسِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْكِتَابِ بِمَرَاتِبَ ثُمَّ إنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا طَرِيقٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْإِمَامِ الْمُجْمَعِ عَلَى فِقْهِهِ وَعِلْمِهِ وَإِنْ كُنَّا قَدْ رَجَّحْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ طَرِيقَ الرَّفْعِ أَيْضًا جَيِّدَةٌ وَعَلَى طريقه
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 27)
________________________________________
كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ غَيْرِ الْمُحَدِّثِينَ لَا يَبْعُدُ تَصْحِيحُهَا وَقَدْ رُوِيَ رَفْعُهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الاسماعيلي المتقدمة ذكر الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ إذَا صَحَّ فِيهَا الرَّفْعُ طَرِيقٌ قَوِيَّةٌ جِدًّا هَذَا مَعَ مُتَابَعَةِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُبَيِّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ طَرِيقُ الرَّفْعِ فِي رِوَايَةٍ فَكَوْنُهُ مِنْ كَلَامِهِ صَحِيحٌ بِلَا إشْكَالٍ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُمْ حجة لاسيما ابْنَ مَسْعُودٍ وَطَرِيقُ فِقْهِهِمْ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَهُنَا حُجَّةٌ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَاضِدًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى زَعْمِهِمْ (وَأَمَّا) نَحْنُ فَلَا نَقُولُ إنَّ الْحَدِيثَ يحتاج إلى شئ يَعْضُدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ الثَّالِثُ) وَهُوَ دَعْوَى النَّسْخِ فَذَلِكَ مِنْ أَضْعَفِ الِاعْتِذَارَاتِ لِأَنَّهُ دَعْوَى نَسْخٍ بِالِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (وَأَمَّا الاعتذار الرابع) بالاضطراب فان الالفظ الْمُخْتَلِفَةَ الَّتِي وَرَدَتْ مِنْهَا مَا سَنَدُهُ ضَعِيفٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ لَا مُنَافَاةَ فِيهِ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي صَحَّتْ كُلُّهَا
لا تناقض فيها بل الجمع بينهما مُمْكِنٌ ظَاهِرًا (وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ الْخَامِسُ) وَاسْتِعْمَالُهُمْ لِلْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ فَذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّصْرِيَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهُ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالتَّصْرِيَةِ وَمَا اسْتَعْمَلُوهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فَصَارَ ذِكْرُ التَّصْرِيَةِ لَغْوًا (الثَّانِي) أَنَّهُ جَعَلَ الرَّدَّ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الشَّرْطِ لَكَانَ لَهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ يَكُونُ فَاسِدًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا شُرِطَ فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ أَنَّهَا تَحْلُبُ مِقْدَارًا فَنَقَصَتْ عَنْهُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الرَّدُّ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ (وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ جَعَلَ الرِّضَا مُوجِبًا لِلْإِمْضَاءِ وَالسَّخَطَ مُوجِبًا لِلْفَسْخِ وَالرَّدِّ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُتَعَلِّقًا بِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَإِسْقَاطُ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قَالَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 28)
________________________________________
الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقْوَاهَا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ لِكَمَالِهِ هو وغيره فَقَدْ بَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّةُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَانْدَفَعَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَصْمُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ (وَأَمَّا) أَنَّ الْقِيَاسَ هَلْ هُوَ مُعَاضِدٌ لِلْحَدِيثِ فَجَمَاعَةٌ يَدَّعُونَ ذَلِكَ وَيُثْبِتُونَهُ بِمَا عُلِمَ فِي الْأَجْوِبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَعْضُهُمْ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَرْوِي الِاسْتِنَادَ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَدِيثِ وَيَجْعَلُ الْأَجْوِبَةَ الْمَذْكُورَةَ لِدَفْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ فَقَطْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَآخِذِ وَالْإِنْصَافُ أَوْلَى مِنْ الْعِنَادِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ لَوْ لَمْ يَرِدْ لَكُنَّا لَا نُثْبِتُ الْخِيَارَ وقد سلم ما وجد حلة الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ إلَّا مَنْفَعَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَدِيثِ وَهُوَ صَرِيحٌ لَا تَأْوِيلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ الْحَدِيثُ لَكُنَّا لَا نُثْبِتُ الْخِيَارَ لَا يَضُرُّنَا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّا قَدْ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَنَدَّعِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ كَالْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَلَوْ سَلَّمْنَا فَحَيْثُ وَرَدَ الْحَدِيثُ فَهُوَ الْعُمْدَةُ مَعَ فَهْمِ الْمَعْنَى فِيهِ وَأَنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ خَالَفَ فِيهِ الْإِمَامَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّ قَاعِدَةَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ وَذَكَرَ بَيَانَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ تَجْعِيدِ الشَّعْرِ وَتَلْطِيخِ الثَّوْبِ بالمداد وشبه ذلك وسنذكر ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) رَدُّ الصَّاعِ فَالْإِمَامُ مُوَافِقٌ عَلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى
بِالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ نَاظَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أيما رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ " فَقَالَ هَذَا مِنْ أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَانَ مَا هَرَبَ إلَيْهِ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِمَّا هَرَبَ مِنْهُ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنْ قَالَ يَعْنِي الَّذِي رَدَّهُ إنَّهُ يُكْثِرُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ قَبُولَهُ وَيُؤَكِّدُ لُزُومَهُ وَغَزَارَةَ حِفْظِهِ وَسَعَةَ عِلْمِهِ وَكَانَ الشيخ أبو محمد اليافى يُجِيبُ عَنْهُ بِقَوْلِ الْبُحْتُرِيِّ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 29)
________________________________________
إذَا مَحَاسِنِيَّ اللَّاتِي أَدِلُّ بِهَا
* صَارَتْ ذُنُوبِي فَقُلْ لِي كَيْفَ أَعْتَذِرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ نَفْسُهُ قَدْ أَجَابَ عَنْ إكْثَارِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِفْظِ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي عِلَّةِ هَذَا الْخِيَارِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
التَّدْلِيسُ الصَّادِرُ مِنْ الْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
الضَّرَرُ الْحَاصِلُ لِلْمُشْتَرِي بِإِخْلَافِ مَا وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ صَرَّهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ ثُبُوتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وقطع الغزالي بخلافه في الوجيز فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَفِي الْوَسِيطِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ وَجَعَلَ الْأَوْلَى عَدَمَ الثُّبُوتِ وَحَقِيقَةُ الْوَجْهَيْنِ تَرْجِعُ إلَى إلْحَاقِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ أَوْ بِخِيَارِ الْخُلْفِ الْمُجْمَعِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (فَرَجَّحَ) الْبَغَوِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ الْأَوَّلَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْعِرَاقِيِّينَ مِمَّنْ صَرَّحُوا أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ (فَإِذَا حَلَبَهَا ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ) وَقَالَ أَيْضًا (فَإِنْ رَضِيَ الَّذِي ابْتَاعَ الْمُصَرَّاةَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ) (وَرَجَّحَ) الْغَزَالِيُّ الثَّانِيَ وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ فِي حاويه (والمراد) بتحلفها بِنَفْسِهَا أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُهَا حَلْبَهَا أَيَّامًا مِنْ غَيْرِ شَدٍّ لَا عَنْ قَصْدٍ بَلْ نِسْيَانًا أَوْ لِشُغْلٍ عَرَضَ فَإِنَّ اللَّبَنَ يَجْتَمِعُ فِي ضَرْعِهَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَلَدُهَا أَوْ تنفق شَدُّ أَخْلَافِهَا لِحَرَكَتِهَا بِنَفْسِهَا لَا بِصُنْعٍ آدَمِيٍّ وَلَوْ تَرَكَ صَاحِبُهَا حَلْبَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ شَدِّ الْأَخْلَافِ لِقَصْدِ غَزَارَةِ اللَّبَنِ لِيَرَاهُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي مَعْنَى الشَّدِّ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ وَلَيْسَ شَدُّ الْأَخْلَافِ شَرْطًا بَلْ هُوَ الْغَالِبُ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَتْرُكَ حَلْبَهَا قَصْدًا (قُلْتُ) وَذَاكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْحَدِيثِ عَلَى تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ وَاَلَّتِي صَرَّاهَا أَجْنَبِيٌّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 30)
________________________________________
بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَا شَكَّ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ اسْمِ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهَا فَهِيَ كَهِيَ فِي الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الظَّنِّ النَّاشِئِ مِنْ رُؤْيَتِهَا فَظَنَّ السَّلَامَةَ فِي غَيْرِهَا (وَأَمَّا) إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالْخُلْفِ جَعَلَ ذَلِكَ كَالِالْتِزَامِ فَبَعِيدٌ وَلَوْ صَرَّاهَا لَا لِأَجْلِ الْخَدِيعَةِ ثُمَّ نَسِيَهَا فَقَدْ حَكَى الشيخ أو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ الْمَشْهُورُ بِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ خِلَافًا وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كلامهم صريحا لكنه يتخرج على أناهل نَنْظُرُ إلَى أَنَّ الْمَأْخَذَ التَّدْلِيسُ أَوْ ظَنُّ الْمُشْتَرِي (فَعَلَى) الْأَوَّلِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْخَدِيعَةَ وَالتَّدْلِيسَ (وَعَلَى) الثَّانِي يَثْبُتُ لِحُصُولِ الظَّنِّ (وَالرَّاجِحُ) مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى وَفَوَاتِ مَا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَدَّ أَخْلَافَهَا قَصْدًا لِصِيَانَةِ لَبَنِهَا عَنْ وَلَدِهَا فَقَطْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ كَمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا (قُلْتُ) وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَكِنْ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ النِّسْيَانُ وَهُوَ ليس بشرط فانه إذا كان العقد صَحِيحًا لَمْ يَحْصُلْ تَدْلِيسٌ وَخَدِيعَةٌ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّدْلِيسَ حَاصِلٌ بِعَدَمِ تَبْيِينِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَبَاعَهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْحَالِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وابن لرفعة سَقَطَ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْقُشَيْرِيِّ فَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عنه على أَنَّهُ صَرَّاهَا لِأَجْلِ الْخَدِيعَةِ ثُمَّ نَسِيَهَا ثُمَّ اعترض بأنه ينبغى أن تكون هَذِهِ مِنْ صُوَرِ الْوِفَاقِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا نَقَلَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ حَصَلَ التَّدْلِيسُ وَالظَّنُّ وَلَا يُفِيدُ توسط النسيان فإذا الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَخَرَّجَهَا عَلَى مَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْقُشَيْرِيُّ وَاحِدَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقُشَيْرِيِّ بِحَسْبِ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ غَلَطًا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِالْخِيَارِ فِيهَا فَلِذَلِكَ ذَكَرْتُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَوْجَبْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ صَرِيحًا فِيمَا عَلِمْتُ وَاَللَّهُ أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 31)
________________________________________
* (فرع)
* لا خلاف أن فعل التصربة بِهَذَا الْقَصْدِ حَرَامٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ وَالْخِدَاعُ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرِيعَةِ قَطْعًا وَهَلْ يختص اثم فاعله بحاله علم التحريم أولا لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَفْسَدَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا فِي النَّجْشِ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ فِي النَّجْشِ تَخْصِيصُ
مَعْصِيَةِ النَّاجِشِ مِمَّنْ عَرَفَ التَّحْرِيمَ بِعُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ التَّصْرِيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ ولو حصلت التصرية لغير قصد البيع قد رَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالْحَيَوَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ وَلَا يَلْتَبِسُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْرِيمِ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ الَّذِي أَشَرْتُ إلَيْهِ هُوَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي إلْبَاسِ الْعَبْدِ ثَوْبَ الْكَتَّانِ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النصرية (قَالَ) إلْبَاسُ ثَوْبِ الْكَتَّانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْبَيْعِ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ بَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُلْبِسَ عَبْدَهُ كُلَّ مَا يَحِلُّ لُبْسُهُ (وَأَمَّا) تَرْكُ حَلْبِ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ اللَّبَنِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ بِالشَّرْعِ وَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذكرته * قال المصنف رحمه الله
*
* (واختلف أصحابنا في وقت الرد فمنهم من قال يتقدر الخيار بثلاثة أيام فان علم بالتصرية فيما دون الثلاثة كان له الخيار في بقية الثلاث للسنة (ومنهم) من قال إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور فان لم يرده سقط خياره لانه خيار ثبت لنقص فكان على الفور كخيار الرد بالعيب)
*
*
* (الشرح)
* الذى قال بتقدر الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هُوَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ (قَالَ)
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 32)
________________________________________
مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ قَدْ تُعْرَفُ تَصْرِيَتُهَا بَعْدَ أَوَّلِ حَلْبَةٍ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي يَوْمَيْنِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِيهَا فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ إنَّمَا هُوَ لِيَعْلَمَ اسْتِبَانَةَ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ أَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ الْخِيَارُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْعَيْبِ إذَا عَلِمَهُ بِلَا وَقْتٍ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن نصه في الاملاء أيضا ونقله الجوزى وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ صَرِيحًا وَلَمْ يذكر الجوزى غَيْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ وَيَقْتَضِي إيرَادُ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ وَابْنِ سُرَاقَةَ فِي بَيَانِ مالا يشع جَهْلُهُ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ تَرْجِيحَهُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَطَعَ بِهِ الْقُشَيْرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ مَعَ احْتِمَالٍ فِي كَلَامِهِ وَالْخِيَارُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ خِيَارَ تَرْوِيَةٍ كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ عَلَى قَوْلٍ
وَكَخِيَارِ الشَّرْطِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ أَنَّهُ على الفور على قول أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ (وَقَالَ) الرويانى في الحيلة إنَّهُ الْقِيَاسُ وَالِاخْتِيَارُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى جواز الرد إذا اطلع على النصرية فِي الثَّلَاثِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي كَوْنِهِمَا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَلَا بَعْدَهَا أَيْضًا وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ وَهَكَذَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيرِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ اشْتِرَاكًا وَافْتِرَاقًا وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ يَشْتَرِكَانِ فِي اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ فِي التَّصْرِيَةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَيَفْتَرِقَانِ فَأَبُو إِسْحَاقَ يَقُولُ الْمَقْصُودُ بِهَا الْوُقُوفُ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِحَلْبَةٍ وَلَا بِحَلْبَتَيْنِ فَإِذَا حَصَلَتْ الْحَلْبَةُ الثَّالِثَةُ عُرِفَ الْحَالُ وَكَانَ له حِينَئِذٍ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 33)
________________________________________
وَأَبُو حَامِدٍ يَجْعَلُ الْخِيَارَ فِي الثَّلَاثِ كَالْخِيَارِ الثَّابِتِ بِالشَّرْطِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " جَعَلَ الثلاثة ظرفا للخيار وهو مخالف لما يقوله أَبُو إِسْحَاقَ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مُبَايِنٌ لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ الْخِيَارَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّصْرِيَةُ مُوجِبَةٌ لِلْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهَا عَيْبٌ مِنْ الْعُيُوبِ فَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ اشْتِرَاكٌ فِي جَعْلِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ خِيَارَ عَيْبٍ ثَبَتَ عَلَى الْفَوْرِ وَافْتِرَاقٌ فِي أَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَعْتَبِرُ الثَّلَاثَ عِنْدَ عَدَمِ الشرط أصلا وأبو إسحاق يعتبرها ولذلك أنه إذَا اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي هريرة ولا يثبت عن أَبِي إِسْحَاقَ وَتَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ أَبِي حامد وابن أبى هريرة متباعدان جدا لكن بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ وَاحِدٌ فِي جَعْلِ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي صُورَةِ الشَّرْطِ وَتَلْخِيصُ هَذَا أَنَّ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ خِيَارُ شَرْعٍ وَعِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ الثَّلَاثِ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ بِالشَّرْعِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالشَّرْطِ وَعِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ بِالْعَيْبِ (وَأَصَحُّهُمَا وَأَوْفَقُهُمَا)
لِلْحَدِيثِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِيهِ كَمَا حَكَاهُ وَقَدْ قَدَّمْتُ مَنْ حَكَاهُ أَيْضًا وَلِأَجْلِ ذَلِكَ صَحَّحْتُ هَذَا الْقَوْلَ وَخَالَفْتُ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّصْحِيحِ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ لَمْ يصح شَيْئًا وَاَلَّذِينَ صَحَّحُوا قَدْ ذَكَرْتُهُمْ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي التَّصْحِيحِ وَلَيْسَ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآخرة بكثرة
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 34)
________________________________________
وَالرَّافِعِيُّ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيَّ وَهُوَ مُعَارَضٌ بالصيمرى والجوزي وَمَعْنَاهُ الدَّلِيلُ مِنْ الْحَدِيثِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَاعْتَذَرَ الْبَغَوِيّ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى التَّصْرِيَةِ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيُحْمَلُ نُقْصَانُ اللَّبَنِ فِي الْيَوْمَيْنِ عَلَى تَبَدُّلِ الْمَكَانِ وَتَفَاوُتِ الْعَلَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّهُ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا اطَّلَعَ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ عَلَى الْغَالِبِ لَقَالَ " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثلاثة أيام " فإذا هذا العذر مع تصحيح هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجْتَمِعَانِ اجْتِمَاعًا ظَاهِرًا لَكِنْ هَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ (إحْدَاهَا) مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مستندا لابي إسحق وابن أبى هريرة (أما) أبو إسحق فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِهِمْ الْفِقْهِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا " فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثَ حَلَبَاتٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلَا يَمْتَدُّ بَعْدَ الثَّلَاثِ بَلْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا دَلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْخِيَارِ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْتَدُّ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
عَدَمُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ الْمَلْزُومُ
(وَالثَّانِي)
الْقِيَاسُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْعُيُوبِ لَكِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الرواية لم تصح ولا رأيتها في شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ فَتَعَذَّرَ هَذَا الْبَحْثُ وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا مُتَعَلِّقٌ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ وَيَكُونُ الْحَلْبُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالثَّلَاثِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا لَكِنِّي سَأُنَبِّهُ فِي التَّنْبِيهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 35)
________________________________________
الثَّانِي عَلَى زِيَادَةٍ فِي ذَلِكَ فَلْيَكُنْ الْمُسْتَنَدُ فِي رَدِّ ذَلِكَ عَدَمَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ
فَمُسْتَنَدُهُ أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَخِيَارُ الْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ فَيُحْمَلُ وُرُودُ الثَّلَاثِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا وَهَذَا مِنْهُ يُشْبِهُ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي بَعْضِ اعْتِذَارَاتِهِمْ عَنْ الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا فِيمَا ذَكَرُوهُ فِي رَدِّ الصَّاعِ وَقُوَّةُ الْحَدِيثِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالتَّصْرِيَةِ لَا بِالشَّرْطِ ثُمَّ يُقَالُ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْتَ مِنْ الْمُوَافِقِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ فَلْيَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ فِي أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُقَاسُ عَلَى مَا سِوَاهُ من العيوب فان هذا الليل أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَاللَّائِقُ أَنْ يُجْعَلَ الْخِيَارُ فِيهِ ثَلَاثًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فَهُوَ عَامٌّ وَهَذَا خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا مُسْتَنَدَ حِينَئِذٍ لِهَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا لِقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الَّذِي قَبْلَهُ وَالصَّوَابُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَشْهَدُ له من جهة المذهب شئ وَهُوَ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ ثَلَاثًا فِي الْبُيُوعِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ خِيَارَ الْمُصَرَّاةِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَيْفَ كَانَ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ جَوَازُ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا فِي الْبُيُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْعِ مَعَ عَدَمِ الْجَهَالَةِ فِيهِ مُسَوِّغٌ لِاشْتِرَاطِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلشَّرْطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) أَنَّ الْحَدِيثَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 36)
________________________________________
بِاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمُقَابِلِ لِمَا أَبْدَيْتُهُ فِي مَأْخَذِ أَبِي إِسْحَاقَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ابْتِدَاؤُهَا بَعْدَ الْحَلْبِ وَهَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ لَا أَبَا حَامِدٍ وَلَا غَيْرَهُ إلَّا أبا بكر ابن الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ خِيَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْحَلْبِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهَا مِنْ آثَارِ الْعَقْدِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَصِحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَلْفَاظَ الصَّحِيحَةَ فِي الْحَدِيثِ وَرَدَ فِيهَا " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا " وَفِي الْأَلْفَاظِ الصَّحِيحَةِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " فَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِيَارَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَاللَّفْظُ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْحَلْبِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَ ابْنِ الْمُنْذِرِ (وَأَمَّا) أَنْ يُعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ وَيُجْعَلَ أَحَدُهُمَا مُبَيِّنًا لِلْآخَرِ فَيَلْزَمُ هَذَا الَّذِي لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ غَيْرُ ابْنِ الْمُنْذِرِ (وَأَمَّا) أَنْ يُجْعَلَا مُتَعَارِضَيْنِ فَتَقِفُ الدَّلَالَةُ عَلَى تَرْجِيحِ أَنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا " مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الرضى وَالسُّخْطَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَتَبَيُّنِ الْحَالِ وَالْحَلْبُ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الثَّلَاثَةِ فَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اقْتَضَى زِيَادَةً عَلَى مَا اقتضاه قوله " بعد أن يحلبها " فعملنا بِالزَّائِدِ الْمُبَيِّنِ وَحَمَلْنَا الْآخَرَ عَلَى الْغَالِبِ وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَأْبَاهُ اللَّفْظُ بِخِلَافِ حَمْلِ قَوْلِهِ " فهو بالخيار ثلاثة " عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ يَأْبَاهُ اللَّفْظُ وَاللَّائِقُ بِإِرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنْ تَقُولَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَعْدَ ثَلَاثٍ (التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْأَصْحَابَ يُعَبِّرُونَ عَنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْخِيَارَ هَلْ هو خيار
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 37)
________________________________________
شَرْعٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ بِأَنَّهُ هَلْ هُوَ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ عَلِمْتَ مَعْنَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يُوَافِقُ أَبَا إِسْحَاقَ فِي أَصْلِ الْخِيَارِ خِيَارُ عَيْبٍ وَالثَّلَاثَةُ عِنْدَهُ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْطِ لَا لِأَجْلِ التَّصْرِيَةِ بَلْ بِشَرْطِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَيْبِ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِالتَّسْلِيمِ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْفَوْرِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَدَّمْتُهُ فِي جَوَابِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ تَوَجَّهَ ذَلِكَ الْمَنْعُ لِذَلِكَ فَإِنَّا نَقُولُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّرْعُ جَعَلَ خِيَارَ هَذَا الْعَيْبِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ غَالِبًا إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ لَهُ مَعْنَى فَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ وَالْمَعَانِي وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ إنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ يَرُدُّ بِهَا الْمُشْتَرِي إلَى مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَظَاهِرُ هَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ جَعْلِهَا عَيْبًا أَوْ امْتِدَادُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا لَكِنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِيمَا أَقُولُهُ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْتَدَّا بِهِ أَيَّ وَقْتٍ ظَهَرَ لَهُ التَّصْرِيَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يَرُدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَرُدُّ بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَلِذَلِكَ لَمْ أُورِدْهُ وَلَمْ أَرْوِهِ ولذك لَمْ أَذْكُرْهُ مَعَ الْمُوَافِقِينَ لِشَيْخِهِ الصَّيْمَرِيِّ فِي إثْبَاتِ الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ
هَذَا الِاحْتِمَالِ كَمَا قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ وَقَدْ يَظْهَرُ لِهَذَا الْبَحْثِ أَثَرٌ فِي التَّفْرِيعِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ التَّرَدُّدُ فِي إلْحَاقِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 38)
________________________________________
أَوْ بِخِيَارِ الْخُلْفِ وَهَهُنَا فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ جَعَلْنَاهَا رَاجِعَةً إلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ خِيَارُ شَرْعٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُلْفَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَخِيَارَ الْخُلْفِ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا لَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْبَائِعِ كَتَحَفُّلِ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا هَلْ يُثْبِتُ أَصْلَ الْخِيَارِ أَوْ لَا يُثْبِتُ فَاَلَّذِي يَقُولُ هَهُنَا بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ لَا يَخْتَلِفُ نَظَرُهُ وَكَانَ التَّعْبِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ وَبِالْخُلْفِ سَوَاءً (التَّنْبِيهُ السَّادِسُ) أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَتَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْعَيْبِ وَذَلِكَ مُسْتَمِرُّ عَلَى صَحِيحِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ هُنَا أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ (وَأَمَّا) عَلَى مَا صَحَّحْتُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ بِالشَّرْعِ فهل يكون الحكم ثبوت الْخِيَارِ ثَلَاثًا مُسْتَمِرًّا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مُسْتَمِرًّا فَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَشْمَلْ إلَّا الَّتِي صُرِّيَتْ وَإِلْحَاقُهُ بِالْعَيْبِ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الثَّلَاثِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ خِيَارً أصلا كان ذلك مخافة لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُوَافَقَتُهُ هُنَاكَ وَإِنْ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ ذَلِكَ مُوَافَقَةً له هنا فأخذ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ (إمَّا) مُخَالَفَةُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ هُنَاكَ (وَإِمَّا) مُوَافَقَتُهُ هُنَا (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَثْبُتُ لِأَجْلِهِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ مَوْجُودٌ هُنَا وَهُوَ فَوَاتُ الظَّنِّ وَكَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ إثْبَاتَ الثلاث لم تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى إثْبَاتِ الثَّلَاثِ هُنَا أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُوَافَقَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُنَاكَ لِوُجُودِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 39)
________________________________________
مَعْنَى الْحَدِيثِ مُوَافَقَتُهُ هَهُنَا فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ ظَاهِرِ الحديث (التنبية السابع) أن قول أبى اسحق الْمَذْكُورَ وَقَعَ فِي نَقْلِهِ مَا يَنْبَغِي التَّثَبُّتُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ كَمَا حَكَيْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبَعْدَهَا وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ صَرَّحَ بِذَلِكَ
الرُّويَانِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ إذَا أُخِذَ عَلَى إطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ قبل الثلاث باقرار البائع أو نيته وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِسَبَبِهِ فَفِيهِ بُعْدٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ عِنْدَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ قَائِلِهَا فَقَالَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ خِيَارُ التَّصْرِيَةِ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهَا حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ فِي الْحَالِ بِأَنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ شَهِدَ لَهُ الْبَيِّنَةُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ لِلتَّرْوِيَةِ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ فِي قَوْلٍ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا لِأَنَّ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ خِيَارُ عَيْبٍ وَنَقِيصَةٍ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ انْتَهَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) فِي كَلَامِهِ هُوَ قول أبى حامد المروروذى (الثالث) هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ - والله أعلم - قول أبى اسحق وَقَدْ صَرَّحَ عَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا عَلِمَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَمْ يَحْكِ إلَّا قَوْلَ أَبِي حامد وقول أبى إسحق صرح على قول أبي إسحق بأنه إذا علم التصرية بأقرار أو ببينة وَأَخَّرَ الْفَسْخَ بَطَلَ خِيَارُهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ حَكَى الْمَنْعَ عَنْ أَبِي اسحق كَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ إذَا ظَهَرَ لَهُ التَّصْرِيَةُ بِحَلْبَةٍ أَوْ حَلْبَتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يكون بخلل في العلف
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 40)
________________________________________
أو لتبدل الْأَيْدِي (أَمَّا) إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي هَذَا مُوَافَقَةٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْفَوْرِ إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ إذَا حَصَلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَأَبُو إِسْحَاقَ لَا يُثْبِتُهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِذَلِكَ بِمُوَافَقَةٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ مَعَ أَنَّ مَنْعَ الرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْعَيْبِ بَعِيدٌ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ إلَّا بَيْنَ أَبِي حَامِدٍ وأبى اسحق قال ثبت عن أبى اسحق مَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَالْخِلَافُ بين أبى هريرة وأبى اسحق متحقق وان كان أبو إسحق يَقُولُ بِالرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَحِينَئِذٍ يَتَّحِدُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّ الشيخ أبو حَامِدٍ مُصَرِّحٌ بِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَحْكِ
الخلاف الا بين أبى اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو حَامِدٍ لَا يُرَدُّ نَقْلُهُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مُحَقَّقَةٍ وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا أَرْبَعَةٌ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ ما قاله الرويانى عن أبى اسحق مِنْ امْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبِمَا حَكَاهُ القاضى حسين ولم ينسبه فيكون ذلك قَوْلًا مُغَايِرًا لِلثَّلَاثَةِ وَبِهِ تَصِيرُ أَرْبَعَةً هَذَا بَعِيدٌ لَا يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلِاخْتِلَافِ فِي النَّقْلِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَتَنْبِيهِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَلَوْلَا تَصْرِيحُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ بِالْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 41)
________________________________________
لكنت أقول أن كلاهما يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ مُقَابِلٌ لِوَجْهِ أَبِي حَامِدٍ وَهُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ مُطْبِقُونَ عَلَى ذِكْرِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ) أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَيُحْتَمَلُ مُطْلَقًا (فَإِنْ) كَانَ الْمُرَادُ الثَّانِيَ فَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِجَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبَعْدَهَا عَلَى الْفَوْرِ وَيَكُونُ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ حِينَئِذٍ قَوْلًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ لَمْ يتعرض المصنف رحمه الله لِحِكَايَتِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ وَإِنْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الثَّلَاثِ خَاصَّةً فَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِاتِّفَاقِ النَّاقِلِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إلَّا وَجْهَانِ وَتَكُونُ مَسْأَلَةُ الْعِلْمِ بَعْدَ الثَّلَاثِ مَسْكُوتًا عَنْهَا وَفِيهَا أَيْضًا وَجْهَانِ بَيْنَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ فهما متفقان قبل الثلاث ويوافق أبا اسحق فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَعْدَهَا (التَّنْبِيهُ التَّاسِعُ) أَنَّ اتِّفَاقَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ عَلَى جَوَازِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ قَبْلَ الثَّلَاثِ إذَا حصل العلم باقرار البائع وبنيته ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَا يَعْتَبِرُ الْعِلْمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ظُهُورِ التَّصْرِيَةِ بِالْحَلْبَةِ وَالْحَلْبَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ يُصَرِّحُوا عَنْهُ في ذلك بشئ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِأَبِي إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِإِحَالَةِ تَنَاقُصِ اللَّبَنِ عَلَى التصرية مع
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 42)
________________________________________
احْتِمَالِ إحَالَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعَلَفِ وَتَبَدُّلِ الْأَيْدِي غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخَالِفًا لِأَبِي إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ ويكتفي في جواز الرد بظهور ذلك بِالْحَلْبَةِ وَالْحَلْبَتَيْنِ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ لِذَلِكَ كَمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الثَّلَاثِ فَيَكُونُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ الثَّلَاثِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ بَعْضٍ (التَّنْبِيهُ الْعَاشِرُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " إذَا عَلِمَ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ يُسَمَّى عِلْمًا فِي الْحُكْمِ وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ بين أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ فِي جَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مُطْلَقَ الْإِطْلَاقِ وَلَوْ بِدَلَالَةِ الْحَلْبِ فَيَعُودُ فِيهِ الْكَلَامُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ الْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (التَّفْرِيعُ)
* لَوْ اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ (فَعَلَى) قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ قَالُوا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِلتَّرَوِّي كَخِيَارِ الشَّرْطِ فَيَفُوتُ بِانْقِضَاءِ الثَّلَاثِ (وَعَلَى) قَوْلِ ابْنِ أَبِي هريرة وأبى اسحق قد تقدم حكمه (وقال) الجوزى إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَلَهُ الرَّدُّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا جَعَلَ الثَّلَاثَ فُسْحَةً لَهُ إذا علم في أولى يَوْمٍ بِالتَّصْرِيَةِ أَوْ فِي الثَّانِي أَنْ يُؤَخِّرَ الرَّدَّ إلَى الثَّلَاثِ وَيَنْقَطِعَ بِآخَرَ الرَّدُّ بَعْدَ ثَلَاثٍ (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَهَذَا حَسَنٌ وَيُوَافِقُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْإِبَانَةِ وَالْوَسِيطِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّصْرِيَةِ فعلى قول من ابن أبي هريرة وأبى اسحق لا يثبت كسائر العيوب الا أبى حَامِدٍ قَالُوا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ خِيَارُ شَرْعٍ وَشَبَّهُوهُ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا عَالِمَةً بِعُنَّتِهِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي اسحق لَا يَثْبُتُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَثُبُوتِهِ إذَا اشْتَرَاهَا عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ مَيْلٌ إلى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 43)
________________________________________
جَانِبِ التَّعَبُّدِ وَكُلُّ الْمُفَرِّعِينَ ذَكَرُوا ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ حَتَّى الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ نَبَّهْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ اثبات الثلاثة وَجَعْلِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحِكَايَةِ عَنْ نَصِّهِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ يَقْتَضِي مَا قُلْتُهُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ مَعَ قَوْلِنَا إنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ الزَّمَنُ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ لِلْخِيَارِ عَلَى سَبِيلِ التَّرَوِّي قَدْ مَضَى كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ
خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ يَتَّفِقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْفُلُ عَنْ مُلَاحَظَتِهَا فِي مُدَّةِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِأَنْ يَكُونَ فِي يَدِ وَكِيلِهِ أَوْ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ يَطَّلِعُ بَعْدَ الثَّلَاثِ على التصرية وتناقص اللَّبَنِ فِي الْحَلْبَاتِ الْمَاضِيَةِ (وَأَمَّا) إذَا اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّصْرِيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعَ كَوْنِهِ عَيْبًا لِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الْعَادَةِ إلَّا بِالثَّلَاثِ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِكَوْنِهَا مُصَرَّاةً حَتَّى يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ يَعْلَمُ مِقْدَارَ لَبَنِهَا الْأَصْلِيِّ وَقَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ رِضًا بِأَمْرٍ مَجْهُولٍ كَمَا يَقُولُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهِ أَنَّهُ يَنْفُذُ فَسْخُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَنْفُذُ إجَازَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى قَوْلِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَفِي ذَلِكَ تَمَسُّكٌ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى وَبِهِ يَتَّجِهُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ مَعَ الْعِلْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إسْقَاطُ الْخِيَارِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ " بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ " رُوِيَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 44)
________________________________________
ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مسعود والوقف أصح والرفع ضعيف ولكن يستأنس بِذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ يُرْشِدُ إلَى إلْحَاقِ هَذَا الْخِيَارِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا أَنَّ مَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلِمَ عَيْبَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ فَقَدْ حَصَلَتْ مِنْهُ الْخِلَابَةُ (وَهِيَ الْخَدِيعَةُ) وَأَمَّا الَّذِي يَشْتَرِطُ وَصْفًا فِي الْمَبِيعِ بِحَيْثُ إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ لَيْسَ حَالُهُ حَالَ الْمُخَادِعِ فَأَفَادَنَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ أَنَّ الْخَدِيعَةَ فِي الْبَيْعِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَأَنَّ التَّصْرِيَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْبَائِعِ تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ مُخَادِعٌ كَمَا أَنَّ بَائِعَ الْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ مُخَادِعٌ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَيْسَ مِنْهُ فَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ أَيَّ وَقْتٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ
* ثُمَّ فِي الْمُصَرَّاةِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهَا فِي الْعَادَةِ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَزِيدَ فِيهَا هَذَا الْحُكْمُ وَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعِلْمِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّصْرِيَةِ لَا يُفِيدُ الْغَرَضَ وَيَنْخَرِمُ بِهِ الْخَدْشُ عَلَى مِقْدَارِ اللَّبَنِ الْأَصْلِيِّ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا مَعَ الْعِلْمِ وَيَثْبُتُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ بَعْدَ ثلاث على الفور وقد قدمت عن الجوزى القول بذلك وابن المنذور لَمَّا نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِمُشْتَرِيهِ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَالَ) وَفِي مَذْهَبِ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ لَهُ الْخِيَارُ مَتَى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ أَنْ يَرُدَّهَا (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ
خَرَّجَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ لَا خِيَارَ لَهُ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذا توهما أَوْ أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ لَا يَثِقُ بِخَبَرِهِ ثُمَّ تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَهُ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ ثُمَّ لَمْ يَدُمْ اللَّبَنُ بَلْ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّصْرِيَةِ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ دَامَ عَلَى مَا أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَأَنَّ الْخِلَافَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا إذَا رَجَعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ قَدْ شَبَّهُوا ذَلِكَ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا عَنْ غَيْرِهَا عَلَى رَجَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ عِنِّينًا عَنْهَا فَإِذَا تَحَقَّقَتْ عُنَّتُهُ عَنْهَا أَيْضًا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَنَّ عَنْهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ لَكِنَّ الْخِلَافَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 45)
________________________________________
فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ مُطْلَقٌ لِأَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ أَنَّهُ خِيَارُ شَرْعٍ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ جَعَلْنَا الْخِيَارَ خِيَارَ شَرْعٍ فَيَثْبُتُ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ بِالتَّصْرِيَةِ سَوَاءٌ دَامَ اللَّبَنُ أَوْ لَمْ يَدُمْ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ عَيْبٍ فَيَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَلِلْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِمَسْأَلَةِ الْعِنِّينِ (وَفِي) الْإِبَانَةِ وَالْوَسِيطِ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ فَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ يُؤْخَذُ منها أنه علي حد الْوَجْهَيْنِ يَمْتَدُّ الْخِيَارُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ اخْتِيَارِي لَهُ لَكِنِّي لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ الْمَذْكُورُ يُقَوِّي التَّمَسُّكَ بِهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ قَالَ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرْتُ عَلَى قَوْلِ الْفُورَانِيِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ قبله وكان الاولى التَّرْتِيبِ فِي الصِّنْفِ خِلَافَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَجْهٌ بِذَلِكَ فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا اخْتَرْته وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِهِ عَنْ غَيْرِهِ بَلْ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَحْدَهُ يَكُونُ فِي إثْبَاتِ طَرِيقَةٍ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْجَزْمِ بِالْفَوْرِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالتَّرَدُّدِ قَبْلَهَا وَمِنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الْخِيَارُ لِلتَّدْلِيسِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهَلْ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ أَوْ مِنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الْعَقْدِ (وقد) قال الجوزى هنا أن الاصح أن أول وَقْتُ
الثَّلَاثِ مِنْ التَّفَرُّقِ قَالَ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تُبِيحُ لَهُ التَّبَسُّطُ بِالْحَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ لَهُمَا جَمِيعًا وَإِذَا تَفَرَّقَا بَطَلَ خِيَارُ الْبَائِعِ وَحَصَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الثَّلَاثِ (وَفِي) الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الثَّلَاثِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَرْوَزِيِّ التَّفَرُّقُ (وَعَلَى) مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ على وجهين
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 46)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اشْتَرَطَ خِيَارَ الثَّلَاثِ لِلْبَائِعِ فِي المصراة قال الجوزى لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْحَلْبِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفِ وَتَرْكُ الْحَلْبِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الشَّاةِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِالشَّاةِ هَكَذَا قَالَهُ الجوزى وَوَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَسَكَتَ عَنْهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ لِمَ يكن الْحَلْبُ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ لِمَنْ الْمِلْكُ لَهُ فَإِنْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فَلَهُ الْحَلْبُ وَإِلَا فَلِلْمُشْتَرِي وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ إضْرَارٌ بِالشَّاةِ نَعَمْ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى مَحْظُورٍ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِأَنَّ اللَّبَنَ الحادث يكون له تَبَعًا لِلْمِلْكِ وَإِنْ تَمَّ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ فَاللَّبَنُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِلْمُشْتَرِي لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ وَاخْتِلَاطُهُمَا مَعْلُومٌ فَلَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحُكِمَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي اللَّبَنِ الْحَادِثِ لَلَزِمَ هَذَا الْمَحْذُورُ فَيُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّ مُدَّتَهُ قَصِيرَةٌ غَالِبًا وَأَيْضًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ مَا عَلَّلَ به الجوزى صَحِيحٌ وَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي جُزْئِهِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ مُمْتَنِعٌ وَإِنْ كَانَ إذَا تَصَرَّفَ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ (وَأَمَّا) الْحِلُّ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ فَإِنْ ثَبَتَ تَحْرِيمٌ عَلَى التَّصَرُّفِ لَزِمَ ما قاله الجوزى لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْحَلْبِ تَصَرُّفٌ فِي الْمَبِيعِ وَإِذَا مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالشَّاةِ كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اُشْتُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ فِي التَّصَرُّفِ مِنْ انْقِضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي إذَا قُلْنَا عِنْدَ فَقْدِهِ أَنَّهُ مِنْ انْقِضَاءِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حَذَرًا مِنْ اجْتِمَاعِ مُتَجَانِسَيْنِ كَالْأَجَلِ ذَلِكَ قُلْنَا إنَّ ابْتِدَاءَ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ (قُلْتُ) وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ تَتَبَيَّنُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى فَإِثْبَاتُ ثَلَاثَةٍ أُخْرَى لَا وَجْهَ لَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ عَلَى هَذَا
الْقَوْلِ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَكَانَ كَمَا لَوْ شَرَطَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ فان
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 47)
________________________________________
ذَلِكَ لَغْوٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ صَحَّ) ذَلِكَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (وَأَمَّا) شَرْطُهُ لَهُمَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يمنع أيضا أخذا مما قاله الجوزى وَمِمَّا قُلْتُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ وَلَا يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ بِالْحَلْبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ وَمِنْهُ ثبتا في الصورة التي ذكرها الجوزى نَظَرٌ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْعِ لِأَجْلِ التَّصْرِيَةِ فَلَوْ صَحَّحْنَا اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ مَعَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ هَلْ يَكُونُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ كَثُبُوتِهِ بِالشَّرْطِ حَتَّى لَا يحكم بالملك حينئذ أو لَا لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا اشْتَرَاهَا وَهِيَ مُصَرَّاةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى ثَبَتَ لَبَنُهَا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أشعرت به التصرية وصار ذلك عَادَةً بِتَغَيُّرِ الْمَرْعَى فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الخيار لتدليس
(وَالثَّانِي)
لَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ وَشَبَّهُوا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ إلا بعد زواله وبالقولين فيما إذا عنقت الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ عِتْقَهَا حَتَّى عَتَقَ الزَّوْجُ وَفِي تَعْلِيقٍ سَلِيمٍ عَنْ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الشَّيْخُ أَمَّا الْقَوْلَانِ فَعَلَى مَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعَيْبِ (فَأَمَّا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَا أَعْرِفُ لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَجْهًا لِأَنَّ نُقْصَانَ اللَّبَنِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْجَمْعِ وَقَدْ اسْتَدَامَ لَهُ ذَلِكَ (قُلْتُ) وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْعَارِضَةَ عَلَى خِلَافِ الْجِبِلَّةِ لَا يُوثَقُ بِدَوَامِهَا بِخِلَافِ اللَّبَنِ الْمُعْتَادِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْفَرْعِ إذَا جَعَلْنَا لَهُ الرَّدَّ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ (أَمَّا) مَنْ يَجْعَلُ الْخِيَارَ بِالشَّرْعِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ فَلَهُ الرَّدُّ بِلَا إشْكَالٍ وَبَنَى الْجُرْجَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ هَلْ هُوَ خِيَارُ خُلْفٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ خُلْفٍ فَلَا يَثْبُتُ هَهُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِفْ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ عَيْبٍ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَبِهَا عَيْبٌ فَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ هل يثبت له الخيار
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 48)
________________________________________
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (فان اختار رد المصراة رد بدل اللبن الذى أخذه واختلفت الرواية فيه فروي أبو هريرة " صاعا من تمر " وروى أبن عمر " مثل أو مثلى لبنها قمحا " واختلف أصحابنا فيه (فقال) أبو العباس ابن سريج يرد في كل بلد من غالب قوته وحمل حديث أبى هريرة على من قوت بلده التمر وحديث ابن عمر علي من قوت بلده القمح كما قال في زكاة الفطر " صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ " وأراد التمر لمن قوته التمر والشعير لمن قوته الشعير (وقال) أبو إسحق الواجب صاع من التمر لحديث ابى هريرة وتأول حديث ابن عمر عليه إذا كان مثل لبنها من القمح أكثر قيمة من صاع من التمر فتطوع به)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا وَأَنَّ الرِّوَايَةَ إلَى ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ قَوِيَّةٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالْمُشْتَرِي لِلْمُصَرَّاةِ إمَّا أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكَهَا وَإِمَّا أَنْ يَخْتَارَ رَدَّهَا وَإِذَا اخْتَارَ الرَّدَّ فَإِمَّا قَبْلَ الْحَلْبِ وَإِمَّا بَعْدَهُ وَإِذَا كَانَ بَعْدَهُ فَإِمَّا مَعَ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَإِمَّا بَعْدَ تَلَفِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَالَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ لِسُهُولَةِ الْأَمْرِ فِيهِمَا وذكر الحالتين الاخرتين احداها فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْفَصْلِ وَالْأُخْرَى فِي الْقِطْعَةِ الَّتِي سَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ إنْ شَاءَ الله تعالى فلنذكر الاحوال الثلاث ونقدم الصورة الَّتِي فَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَا إذَا أَرَادَ رَدَّهَا (وَصُورَةُ) الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَكَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ رَدِّهَا وَرَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ وَلَا يُخَرَّجُ رَدُّهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اللَّبَنُ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْبَابِ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ عَلَى رَأْيٍ لَا يُقَابِلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَسَيَأْتِي فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ تَحْقِيقُ النَّقْلِ فِي هَذَا الرَّأْي وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَكَى خِلَافًا فِي جَوَازِ الرَّدِّ إلَّا ابْنَ أَبِي الدَّمِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ إذَا حَلَبَ اللَّبَنَ فَتَلِفَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّاةِ قِيَاسًا عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ الْقَائِمِ بَعْدَ تَلَفِ الْآخَرِ وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْوَجْهِ مَعَ الْحَدِيثِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ أَقِفْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 49)
________________________________________
عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ بِالْوَجْهِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذَا رَدَّهَا بِعَيْبٍ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ قَالَ ذَلِكَ الْوَجْهَ فِي النِّهَايَةِ أَمَّا هَهُنَا فَلَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَضْمُومِ إلى المصراة في الرَّدُّ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ
لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ (أَمَّا) الْجِنْسُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا نَسَبَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ سُلَيْمٌ عَنْهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ غَالِبُ قُوتِهَا وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَيْهِمَا وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَسَبَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ عَنْهُ إلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ غَرِيبٌ ونسبه الجوزى لَمَّا تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ إلَى ابْنِ سَلَمَةَ قَالَ فَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ سَلَمَةَ يَرُدَّانِهَا مَعَ صَاعٍ مِنْ أَقْرَبِ قُوتِ الْبَلَدِ فان صحت هذه النقول فَلَعَلَّهُمْ الْأَرْبَعَةَ قَائِلُونَ بِهَذَا الْوَجْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ النَّاقِلِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا الوجه النمر إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا أَوْ يَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ الْقُوتِ الْوَاجِبِ في زكاة الفطر وفيه خلاف والجوزي جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَلِمَ الثَّمَنَ فَحَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُعْتَبَرُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ إلَّا التَّمْرُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ إنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ التَّمْرَ جَازَ وَأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بدله شيئا آخر كالحنطة أو الشعير فيه وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُ غَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ صَاعًا مِنْ قُوتِهِ وَكِلَا هَذَيْنِ المصنفين يُخَالِفُ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوَافِقُ كَلَامَ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ صَوَّرَ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ يَرُدُّ التَّمْرَ ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ فِي تَعَيُّنِهِ وَقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ أَمَّا عِنْدَ التَّرَاضِي فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى فإذا جمعت ما قاله الجوزى وصاحب التتمة مع ما اقتضاه كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ حَصَلَ لَكَ فِي رَدِّ الْغَالِبِ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ (وَالثَّالِثُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ مَوْجُودًا فَيَمْتَنِعَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 50)
________________________________________
أَوْ مَعْدُومًا فَيَجُوزَ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ هُوَ الْوَاجِبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مُحَقَّقَةٍ مِنْ قَائِلِينَ مُخْتَلِفِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافًا فِي تَحْقِيقِ قَوْلٍ وَاحِدٍ (أَمَّا) عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ كَابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَمَا اقتضاه اطلاق الجوزى قَوْلَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَكَ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الثَّلَاثِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ نَقَلَ
الْأَئِمَّةُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ جَعَلَ اخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفَ لَفْظُهُ لِذَلِكَ فَقَالَ " صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ غَالِبَ قُوتِهَا التَّمْرُ وَكَانَتْ الْحِنْطَةُ بِهَا عَزِيزَةً وَقَالَ " صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ " حَيْثُ يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْ الْقُوتِ الشَّعِيرَ أَوْ الذُّرَةَ أَوْ الْأَرُزَّ وَقَالَ " مِثْلُ لَبَنِهَا قَمْحًا " وَأَرَادَ بِهِ الصَّاعَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ مِثْلُ اللَّبَنِ الَّذِي فِي الضَّرْعِ وَقَصَدَ بِهِ اللبن الذى يكون غالب قوته ووراء هذه الاوجه الثلاث غَيْرِ الْقَوْلِ بِتَعَيُّنِ التَّمْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ يَرُدُّ صَاعًا مِنْ أَيِّ الْأَقْوَاتِ الْمُزَكَّاةِ شَاءَ مِنْ تَمْرٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْهُ للوجه الاول والله أعلم (قال) الْمَاوَرْدِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ (وَقَوْلُهُ) " مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا " لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ صَاعًا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْغَنَمِ أَنْ تَكُونَ الْحَلْبَةُ نِصْفَ صَاعٍ يَعْنِي وَيَكُونُ تَرَدُّدُ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى التَّنْوِيعِ مِثْلُ لَبَنِهَا إنْ كان كثيرا قدر لبنها ان كان كثيرا قَدْرَ صَاعٍ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الشِّيَاهِ فِي بِلَادِهِمْ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبُو بَكْرٍ احمد بن ابراهيم بْنُ إسْمَاعِيلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي قَوْلِهِ " صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودُ لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِنَوْعٍ مَعْرُوفٍ (وَقَوْلُهُ) سَمْرَاءَ لَوْ كَانَ نَوْعُ التَّمْرِ هُوَ الْمَقْصُودُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ لَا سَمْرَاءَ مَعْنًى فَثَبَتَ أَنَّ المعنى التمر وما قام مقامه لا يكلف سَمْرَاءَ (قُلْتُ) وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَلَيْسَتْ (لَا) مُتَعَيَّنَةً فِي الْإِخْرَاجِ وَإِنَّمَا هِيَ هُنَا عَاطِفَةٌ مِثْلُهَا فِي قَوْلِكَ جَاءَنِي رَجُلٌ لَا امْرَأَةٌ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ نَفْيُ تَوَهُّمِ أَنْ تَكُونَ السمراء
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 51)
________________________________________
مُجْزِئَةً فَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ التَّمْرَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ غَيْرُهُ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ قَصَرُوا ذَلِكَ عَلَى الْأَقْوَاتِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَهُنَا فِي التَّخْيِيرِ أَوْ فِي اعْتِبَارِ الْغَالِبِ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّمْرِ قَالَ الْإِمَامُ لَكِنْ لَا نَتَعَدَّى هُنَا إلَى الْأَقِطِ بِخِلَافِ مَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلْخَبَرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ يُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ في نقل قوله التَّخْيِيرِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَقْوَاتِ الْمُزَكَّاةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَطْلَقَ النَّقْلَ فِي قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَوَرَاءَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّمْرَ لَا يَتَعَيَّنُ وَجْهٌ خَامِسٌ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ
وَاخْتُلِفَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ (فَقَالَ) وَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ ذَكَرَ شَيْخِي مَسْلَكًا غَرِيبًا زَائِدًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ فَقَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُجْرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ فَإِنْ بَقِيَ عَيْنُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ غَيْرِهِ وَإِنْ تَغَيَّرَ رد مِثْلُهُ فَإِنَّ اللَّبَنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلَ فَالرُّجُوعُ إلَى الْقِيمَةِ وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَلَمْ يُصَرِّحْ وَهَذَا عِنْدِي غَلَطٌ صَرِيحٌ وَتَرْكٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بل هو جيد عَنْ مَأْخَذِ مَذْهَبِهِ وَيَبْطُلُ عَلَيْهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْخِيَارُ فَإِنْ اعْتَمَدْنَا فِيهِ الْخَبَرَ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْخَصْمِ حَمْلُهُ عَلَى شَرْطِ الْغَزَارَةِ مَعَ تَأْكِيدِ الشرط بالتحفيل فهو إذا هَفْوَةٌ غَيْرُ مَعْدُودَةٍ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا عَوْدَ إلَيْهَا هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمُرَادِ وَالِدِهِ وَالْأَمْرُ فِي تَضْعِيفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجَانِبٌ لِلْحَدِيثِ وَالْمَذْهَبِ وَيَقْتَضِي أَنَّ التَّمْرَ لَيْسَ الْوَاجِبَ أَصْلًا وَأَنَّهُ عِنْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ الْوَاجِبِ رَدُّ مِثْلِهِ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَدَّرَ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ يُرَدُّ التَّمْرُ ثُمَّ جَعَلَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّمْرِ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ عَدَلَ إلَى مِثْلِ اللَّبَنِ أَوْ إلَى قِيمَتِهِ عِنْدَ إعْوَازِ الْمِثْلِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَفِي هَذَا تَأْوِيلٌ لِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ لله وَأَنَّ إيرَادَهُ يَرُدُّهُ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّهُ حَتْمًا وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى وَجْهٍ عَلَى قَبُولِ اللَّبَنِ إذَا كَانَ باقيا ومال ابن الرافعة إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَقَالَ إنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ أبى محمد رحمه الله
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 52)
________________________________________
في السلسة يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ لَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَأْبَاهُ ظَاهِرُ حِكَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ يُجْرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَجْهَ الَّذِي سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَالْإِمَامُ وان كان كلامه عن الشيخ أبى حامد فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ نَعَمْ وَأَيْضًا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى بُعْدِهِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ التَّمْرُ وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ إلَى مِثْلِهِ فَعَلَى بُعْدِهِ لَيْسَ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ عَنْهُ وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْحَالَتَيْنِ أَعْنِي حَالَةَ تَلَفِ اللَّبَنِ وَحَالَةَ بَقَائِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ فَفِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْمُصَادَمَةِ لِلْحَدِيثِ وَالْمَذْهَبِ
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنْ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْكَائِنَ فِي الضَّرْعِ قَبْلَ الْحَلْبِ يَسِيرٌ لَا يُتَمَوَّلُ فَصَارَ تَابِعًا لِمَا فِي الضَّرْعِ كَمَا إذا اختلط بالثمرة المبيعة ونحوها شئ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَلِهَذَا حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى رَطْبَةً فَلَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى طَالَتْ أَنَّ الزِّيَادَةَ تكون للمشترى لكبر الثَّمَرَةِ وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ شيخ فِيمَا إذَا بَاعَ صَاعًا مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي فِي الضَّرْعِ وَقَدْ رَأَى مِنْهُ أُنْمُوذَجًا فَقَالَ وَكَأَنَّ شَيْخِي سَابِقٌ فِي التَّصْوِيرِ وَيَقُولُ إذَا ابْتَدَرَ حَلْبَهُ وَاللَّبَنُ عَلَى كَمَالِ الدَّرَّةِ لَمْ يظهر اختلاط شئ بِهِ لَهُ قَدْرٌ بِهِ سَأَلَاهُ وَإِنْ فُرِضَ شئ عَلَى نُدُورٍ لِمِثْلِهِ مُحْتَمَلٌ كَمَا إذَا بَاعَ جزة من قرط قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْخَبَرُ عَلَى هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّدَّ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَاللَّبَنُ إذْ ذَاكَ يَكُونُ تَالِفًا فِي الْغَالِبِ نَعَمْ الْمُشْكِلُ قَوْلُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ اللَّبَنِ يَعْنِي بِالْحُمُوضَةِ بِوُجُوبِ رَدِّ مِثْلِهِ والخبر إذا أخرج مَخْرَجِ الْغَالِبِ يُوجِبُ رَدَّ غَيْرِهِ فَالْغَرَابَةُ فِي هَذَا لَكِنَّهُ قِيَاسُ إيجَابِ رَدِّ اللَّبَنِ عِنْدَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ نَظَرًا إلَى جَعْلِ زِيَادَةِ اللَّبَنِ بِالْحَلْبِ تَابِعَةً وَإِذَا وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ فَتَعَذَّرَ كان الواجب قيمته (قلت) وهذا التكليف عَلَى طُولِهِ لَيْسَ فِيهِ مُحَافَظَةٌ عَلَى ظَاهِرِ مَا نُقِلَ عَنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 53)
________________________________________
الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنْ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُقْتَصِرٌ عَلَى حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى الْغَالِبِ ثُمَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ الرَّدُّ قَبْلَ ثَلَاثٍ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ إبْدَاءُ وَجْهٍ مِنْ الْقِيَاسِ لِرَدِّ اللَّبَنِ وَنَحْنُ لَا نَذْكُرُ أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ الحديث وهو عمدة المذهب في ذلك فَالْعُدُولُ عَنْهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ مُقْتَصِرٌ بِظَاهِرِهِ عَلَى حَالَةِ التَّلَفِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حِكَايَةِ الْوَجْهِ لِلْمُشْتَرِي جَبْرُ الْبَائِعِ عَلَى قَبُولِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا وَإِلَّا عَدَلَ إلَى الدَّرَاهِمِ كسائر المتلفات والله أَعْلَمُ
* فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ الْأَوْجَهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَجْمَعُهَا الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّمْرَ لَا يَتَعَيَّنُ وَعَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى مُشْتَرِكَةٌ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الْخَامِسُ لَا يُشَارِكُهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَدُّ اللَّبَنِ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَيُقَابِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي الذى ذكره المصنف عن أبى اسحق المروزى اتباعا لحديث
أبى هريرة رضى الله عنه وممن صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَمِمَّنْ نَسَبَهُ إلَى أَبِي اسحق كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ لِهَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِ التَّمْرِ وَلَوْ أَعْوَزَ التَّمْرَ أَعْطَى قِيمَتَهُ وَفِي قِيمَتِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
قِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّهُ إنْ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ جَازَ وَإِنْ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ دُونَهُ لا يجوز الا برضى الْبَائِعِ هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَدَلَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 54)
________________________________________
إلى الاعلى جاز من غير رضى الْبَائِعِ وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْحِنْطَةَ أَعْلَى مِنْ التَّمْرِ وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَعْلَى وَقَدْ تَكُونُ أَدْوَنَ وَكَأَنَّهُ رَاعَى فِي ذَلِكَ الْقِيمَةَ وَكَأَنَّ الْبَغَوِيَّ رَاعَى فِي ذَلِكَ الِاقْتِيَاتَ فَحَصَلَ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ عن أبى اسحق وجهان والعجب أن الرافعى رحمه الله عمد به التهذيب ولم يحك عن أبى اسحق مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَإِنَّمَا حَكَى عَنْ أبى اسحق مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ نَقْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يَحْكِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا عِنْدَ الْإِعْوَازِ إلَّا اعْتِبَارَ قِيمَةِ الْمَدِينَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُنْطَبِقٌ عَلَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي جِنْسِ الْمَرْدُودِ مَعَ الْمُصَرَّاةِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ وَلَكَ فِي تَرْتِيبِهَا طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ تَقُولَ فِي الْوَاجِبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ عَلَى ظَاهِرِ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ
(وَالثَّانِي)
التَّمْرُ (وَالثَّالِثُ) جِنْسُ الْأَقْوَاتِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّمْرِ فَهَلْ نَعْدِلُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ أَوْ إلَى غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يكون التمر موجودا فيتعين أَوْ مَعْدُومًا فَيُعْدَلُ إلَى الْغَالِبِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَقْوَاتِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ أَوْ يَتَخَيَّرُ وَجْهَانِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ نَقُولَ الْوَاجِبُ التَّمْرُ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ وَجْهَانِ (فَإِنَّ قُلْنَا) يَتَعَيَّنُ فَهَلْ يُعْدَلُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ وَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَتَعَيَّنُ فَهَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ الْأَقْوَاتُ أَوْ الْأَقْوَاتُ وَغَيْرُهَا وَجْهَانِ (الثَّانِي) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ (وَإِنْ قُلْنَا) الْأَقْوَاتُ وَحْدَهَا فَهَلْ يَتَخَيَّرُ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ وَجْهَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُقْتَضَى تَرْتِيبِ الرَّافِعِيِّ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله لا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَلَمْ يَحْكِ وَجْهَ الْعُدُولِ إلَى الْأَعْلَى وَلَا التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا وَلَا وَجْهَ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ عَلَى ظَاهِرِ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إثْبَاتَ وَجْهٍ ثَامِنٍ جَمْعًا بَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ
فِي النَّقْلِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي فَهْمِ كَلَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا يصح
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 55)
________________________________________
إثْبَاتُ وَجْهَيْنِ لَوْ ثَبَتَا جَمِيعًا عَنْهُ أَوْ قَائِلِينَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هَهُنَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرْتَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ سَكَتَ عَنْهُ مِمَّا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْ أَبِي اسحق قَدْ شَمِلَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الِاعْتِبَارَ بِغَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ يَعْنِي فِي الْقِيَامِ مَقَامَ التَّمْرِ فَهَذَا هُوَ الْعُدُولُ مِنْ التَّمْرِ إلَى أَعْلَى مِنْهُ (قُلْتُ) لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ أَعْلَى مِنْ التَّمْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَلَا فِي القيمة فقد يكون بلد غالب قوتها قُوتٌ هُوَ أَدْنَى مِنْ التَّمْرِ قُوتًا وَقِيمَةً وقد نقل الاصحاب عن أبى إسحق أَنَّهُ جَعَلَ تَرْتِيبَ الْأَخْبَارِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ كَمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَيْهِ فَصَرَّحَ بِالتَّمْرِ فِي حَدِيثٍ وَفِي آخَرَ قَالَ " مِنْ طَعَامٍ " وَأَرَادَ التَّمْرَ وَفِي آخَرَ قَالَ " قَمْحًا " وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَمْحُ أَعَزَّ وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَحَيْثُ قَالَ " مِثْلُ " أَوْ " مِثْلَيْ لَبَنِهَا " أَرَادَ إذَا كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ صَاعًا وَهَذَا التَّرْتِيبُ يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَنْهُ (وَأَمَّا) مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَلَا يُوَافِقُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ غَيْرِ التَّمْرِ أَصْلًا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ مُصَرِّحَةٌ بِالتَّمْرِ وَاَلَّتِي فِيهَا الطَّعَامُ مُطْلَقًا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِيهِ الْقَمْحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ضَعْفِ طَرِيقِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ما تأوله ابن سريج وأبو إسحق عَلَيْهِ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لَكِنْ هَلْ يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي اسحق أَوْ يَقُومُ مَقَامَهُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْبَاقُونَ هَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّيْخِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 56)
________________________________________
أَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَلَمْ يَحْكِ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي اسحق غَيْرَ ذَلِكَ وَظَاهِرُ ذَلِكَ تَصْحِيحٌ لِمَا نَقَلَهُ الماوردى وأن غير التمر لا يجوز وكذلك هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يكون ذلك برضى الْبَائِعِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا التَّصْحِيحِ لِأَمْرَيْنِ
(أحدهما)
أن حكاية الاكثرين عن أبى اسحق أَنَّهُ
يَجُوزُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَكَثْرَةُ الْقَائِلِينَ لِذَلِكَ عَنْ أبى اسحق يقتضي على ما نقله الماوردى عنه وتبين مراد أبى اسحق وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَنَاوَلَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْأَكْثَرِينَ وَإِذَا لم نتحقق هذا الوجه عن أبى إسحق وَلَيْسَ مَنْقُولًا عَنْ غَيْرِهِ فَكَيْفَ نَقْضِي بِصِحَّتِهِ (الثَّانِي) أَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولَ عَنْ الْقُوتِ الْوَاجِبِ إلَى قُوتٍ أَعْلَى مِنْهُ فَإِذَا عُدِلَ عَنْ التَّمْرِ إلَى مَا هُوَ أَعْلَى يَنْبَغِي أَنْ يجوز (والاصح) أن الاعتبار بزيادة الاقنيات وَالْقَمْحُ أَعْلَى بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ فَقَدْ يَكُونُ الْقَمْحُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ التَّمْرِ فَلَوْ كَانَ التَّمْرُ فِي الْمُصَرَّاةِ مُتَعَيَّنًا حَتَّى لَا يَجُوزَ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى (فَالْجَوَابُ) أَمَّا اختلاف النقل عن أبى اسحق وَكَوْنُ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْقَوْلِ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَحَقِّقًا فَهُوَ بَحْثٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ بِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ أَنْ يَرُدَّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ ثَمَنٌ وَاحِدٌ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ نَصُّ الْحَدِيثِ وَنَصُّ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِي ان
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 57)
________________________________________
بدل اللبن هو التمر فتمكن المشترى من إعطاء بدله بغير رضى مستحقه على خلاف القواعد لا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَيَكْفِي التَّمَسُّكُ فِي الصَّحِيحِ بِنَصِّ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلٍ وَأَمَّا مَنْ يَشْتَرِطُ فِي التَّصْحِيحِ مُوَافَقَةَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ أَقِفْ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا عَلَى نِسْبَةِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ إلَى غَيْرِ أَبِي إِسْحَاقَ نَعَمْ الْإِمَامُ قَالَ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ التَّمْرُ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ يوافق ما نقله الماوردى عن أبى اسحق فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْإِمَامِ بِالذَّاهِبِينَ أَبَا إسحق وَمُتَابِعِيهِ وَيَعُودُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ اخْتِلَافِ النَّقْلِ عَنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَمُسْتَنَدُ مَنْ لَمْ يَقُلْ من الاصحاب على كثرتهم يتعين التمر اختلاف الرواية ومجئ الْقَمْحِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ ذَلِكَ الَّذِي مَهَّدَ لِأَصْحَابِ الْقُوتِ مَذْهَبَهُمْ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ الِاتِّبَاعُ وَأَنْتَ إذَا وَقَفْتَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَةِ الْقَمْحِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا الطَّعَامُ تَارَةً وَذُكِرَ التَّمْرُ أُخْرَى لَمْ تُبَالِ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا اتَّبَعْتَ
الْحَدِيثَ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ سَدُّ خُلَّةِ الْمَسَاكِينِ وَالْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ التَّنَازُعِ وَالْخُصُومَةِ مَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مَقْصُودَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِلْآدَمِيِّ مَقْصُودُ الشَّارِعِ فِيهَا قَطْعُ النِّزَاعِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ ضَرْبِ تعبد فَقَدْ بَانَ وَوَضَحَ لَكَ أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ التَّمْرِ وَتَعْيِينُهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى أَوْ أَدْنَى إلَّا برضى الْبَائِعِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهَذَا الصَّحِيحُ خِلَافُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ لِمَا تَبَيَّنَ لَكَ أن مراده عن أبى إسحق أَنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الْأَعْلَى وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا الْكَلَامُ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا مِقْدَارُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ قل اللبن أو كثر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 58)
________________________________________
وإن رادت قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الصَّاعِ أَمْ نَقَصَتْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَهَذَا الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجُزْءِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ قَطْعُ النِّزَاعِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التميز فَتَوَلَّى الشَّرْعُ تَعْيِينَ بَدَلِهِ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ أَسْئِلَةِ الْحَنَفِيَّةِ الَّتِي ادَّعَوْا فِيهَا خُرُوجَ الحديث عن القياس (والثاني) أن الواجب يقدر بِقَدْرِ اللَّبَنِ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي فِيهَا مثل أو مثلى لبنها وعلى هذ فَقَدْ يَزْدَادُ الْوَاجِبُ عَلَى الصَّاعِ وَقَدْ يَنْقُصُ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّاعِ كَانَ فِي وَقْتٍ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ مِقْدَارَ اللَّبَنِ فَإِذَا زَادَ زِدْنَا وَإِذَا نَقَصَ نَقَصْنَا وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِنَصِّ الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَعْفُ الرِّوَايَةِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا وَهَذَانِ الوجهان حكماهما الفورانى والقاضى حسين والشيخ أبو محمد غيرهم مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أنا ننظر إلى قيمة اللبن وتؤدى بِقَدْرِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا زَادَ لَبَنُ التَّصْرِيَةِ عَلَى قِيمَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْأَمْرُ كَمَا قال كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ رُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ كَانَ قِيمَتَهُ أَوْ أقل من قيمته لان ذلك شئ وَقَّتَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةُ
الْكَثْرَةِ وَالْأَثْمَانِ فَإِنَّ أَلْبَانَ كُلِّ الْإِبِلِ وَكُلِّ الْغَنَمِ مُخْتَلِفَةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّبَنِ لَفَاوَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَلَمَّا لَمْ يُفَاوِتْ بَيْنَهُمَا وَأَوْجَبَ فِيهِمَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عُلِمَ قَطْعًا بُطْلَانُ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ أَرَ لِهَذَا الْوَجْهِ ذِكْرًا فِي طريق العراق عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا فِي كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْغَزَالِيِّ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى قِيمَةِ نِصْفِ الشَّاةِ أو كلها كما سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْلَا أَنَّ الرَّافِعِيَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 59)
________________________________________
اعْتَدَّ بِهَذَا الْخِلَافِ وَحَكَاهُ وَتَصْرِيحُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ لَكُنْتُ أَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ تنزيله على ما في كتب العراقيين لكن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ ذَكَرُوهُ صَرِيحًا وَالرَّافِعِيُّ حَكَى الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ إنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَطَعَ بِوُجُوبِ الصَّاعِ فِيمَا إذَا نَقَصَتْ عَنْ النِّصْفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهُ إطْلَاقًا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا مَا يُؤَيِّدُ تَنْزِيلَ هَذَا الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا فِي كُتُبِ العراقيين لكن مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ صَرِيحٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ كَشْفُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ الصَّاعُ أَوْ يَجِبُ مِنْ التَّمْرِ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الصَّاعَ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ فَفِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ فَجَعَلَ حِكَايَةَ الْعِرَاقِيِّينَ الْوَجْهَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى اعْتِبَارِ الصَّاعِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ حُصُولَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ (أَحَدُهَا) وُجُوبُ الصَّاعِ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
وُجُوبُ قَدْرِ قِيمَةِ اللَّبَنِ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةَ الشاة أولا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِقِيمَةِ الشَّاةِ وَجَبَ الصَّاعُ وَإِلَّا وَجَبَ بِالتَّعْدِيلِ وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْدُودَ هُوَ التَّمْرُ إمَّا صَاعٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا يُخَالِفُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ بِاعْتِبَارِ التَّعْدِيلِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمُهَذَّبِ المجموعة من الذخاير وَغَيْرِهَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عمر ثم قال قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَرَادَ الْخَبَرَ أَنَّهُ يَجِبُ الْمِثْلُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ صَاعًا وَيَجِبُ مِثْلَاهُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ نِصْفَ صَاعٍ وَهَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ على ما قاله الشيخ أبو محمد رحمه الله وَغَيْرُهُ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الصَّاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ صَاعًا كَمَا
هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْوَجْهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَدِيثِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ أَيْضًا ابْنُ دَاوُد فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا ضَمَمْتَ الْخِلَافَ فِي المقدار
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 60)
________________________________________
إلَى الْخِلَافِ فِي الْجِنْسِ زَادَتْ الْأَوْجُهُ فِيمَا يَرُدُّهُ بَدَلَ اللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَسَأَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي فَرْعٍ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا زَادَ الصَّاعُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ فَأَمَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى غَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ المجلوب عِنْدَ بَقَائِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُ الْقَاضِيَ ابْنَ كَجٍّ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ إبْدَالِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَكَانَ التَّمْرِ غَيْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَنْعُ مِنْ الِاعْتِيَاضِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ السُّنَّةِ فِي الْخِيَارِ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ حال من غير بيع فلا بأس أنه يَأْخُذَ بِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ إذَا تَقَابَضَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَاحْتَرَزَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْحَالِّ عَنْ الْمُؤَجَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا فِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الطَّعَامِ الْمُؤَجَّلِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى مَنْعِهِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لَهُ هُنَاكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ كَجٍّ مُوَافِقَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الطَّعَامِ مُطْلَقًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَرْبٍ مِنْ الْبُعْدِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ مُطْلَقًا وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَمَا حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ الْمَنْعُ فِي اعْتِيَاضِ الْبُرِّ عَنْ التَّمْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعَدَّى ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَوْلًا فَارِقًا بَيْنَ الْمَطْعُومِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يُعَمِّمُ الْمَنْعَ فِي الْجَمِيعِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونَ قَدْ وَافَقَ ابْنَ الْمُنْذِرِ فِي الْحُكْمِ وَخَالَفَهُ فِي الْمَأْخَذِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الْحُكْمِ وَالْمَأْخَذِ مَعًا وَيَمْنَعُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ الطَّعَامِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَهُوَ خِلَافُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 61)
________________________________________
نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ نَفْيُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى يُسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ كُلُّ خِلَافٍ وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى خِلَافِ الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي قول ابن سريج وقول أبى اسحق رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا ذِكْرُ الْقُوتِ وَإِنَّمَا ذكر الذهب والفضة ومالا يُقْتَاتُ وَرَدَّ اللَّبَنَ وَأَمَّا حِكَايَتُهُ وَحِكَايَةُ الرَّافِعِيِّ عنه الاتفاق على جواز اللَّبَنِ عِنْدَ بَقَائِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صُورَةُ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِهِ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ هَذَا إذَا جَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ كَمَا تَقَدَّمَ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّدِّ فَهَلْ يَكْفِي لانهما تراضيا عليه فيرد الرد عليهما أولا يَكْفِي لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرَّدِّ عَلَى صُورَةِ الْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَنَتَعَرَّضُ لَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي فَرْعٍ الْآنَ فلنبنيه لَهُ
*
* (فَرْعٌ)
* التَّمْرُ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ نَوْعٌ مِنْهُ أَوْ ذَلِكَ إلَى خِيَرَةِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا قَالَ أَحْمَدُ بن سرى فِيمَا نَقَلَهُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ صاغا مِنْ تَمْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ تَمْرٌ وَسَطٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعْطِي تَمْرًا دُونَ تَمْرِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ سَلِيمًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَلَا اعْتَدَّ بِهِ لَا هُنَا وَلَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ والذى اقتضاه النص من تعين تمر البلد يشهد له ما ذكر في الشاة لواجبة عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ قِيمَةِ الْبَلَدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَا ذُكِرَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَأْخُوذَةِ فِي الْجُبْرَانِ فِي الصُّعُودِ أَوْ النُّزُولِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ نَقْدُ الْبَلَدِ قَطْعًا فَإِذَا ثَبَتَ التَّعَيُّنَ هَهُنَا فَالتَّعْيِينُ فِي زكاة؟ ؟ ؟ ؟ ؟ أَوْلَى لِأَنَّ أَطْمَاعَ الْفُقَرَاءِ تَمْتَدُّ إلَى قُوتِ البلد ونوع (نَعَمْ) إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَنْوَاعٌ فَقَدْ ذكروا في الشاة لمخرجة عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْجُهًا نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ به صاحب المهذب بتعين غالب البلد وأصحهما عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ أي النوعين شَاءَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ هَهُنَا ذَلِكَ الْخِلَافُ بِعَيْنِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رحمه الله انه إذا أعوز التمر أو أخرج قيمته
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 62)
________________________________________
بِالْمَدِينَةِ عَلَى وَجْهٍ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَى حِكَايَتِهِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى قول أبى اسحق فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى الشَّاةِ وَاعْتِبَارُ قِيمَةِ الْحِجَازِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَمْرُ الْحِجَازِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْهُ فَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ تَمْرَ الْبَلَدِ لَأَخْرَجَ قِيمَتَهُ (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هُنَا مِنْ تَعَيُّنِ تَمْرِ الْبَلَدِ
وَتَأَيَّدَ بِالنَّظَائِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عِنْدَ إعْوَازِ التَّمْرِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ الْحِجَازِ فَذَلِكَ إنَّمَا قَالُوهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ يَكُونُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُوَافِقُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ من تعين تمر الْبَلَدِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ الْوُجُودِ تَمْرُ الْبَلَدِ فَإِنْ أَعْوَزَ رَجَعَ إلَى قِيمَةِ الْحِجَازِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِكَايَةِ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ قِيمَةَ الْحِجَازِ عِنْدَ الْإِعْوَازِ عَلَى الْمَذْهَبِ ولا شك أن مقتضى قول أبى اسحق اعْتِبَارُهَا فَإِنَّهُ إذَا اعْتَبَرَهَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِعْوَازِ فَفِي حَالَةِ الْإِعْوَازِ أَوْلَى فَتَخَلَّصَ أَنَّ التَّمْرَ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ هُوَ تَمْرُ الْبَلَدِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَفِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق مَا ذَكَرْتُهُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا تَمْرًا فَعَدَلَ إلَى تَمْرٍ أَعْلَى مِنْهُ جَازَ كَمَا قَالُوهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَفِي الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ الْإِبِلِ وَلَوْ عَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجِزْهُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّاةِ هَذَا عِنْدَ الْوُجُودِ وَعِنْدَ الْإِعْوَازِ الْوَاجِبُ قِيمَتُهُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَقِيلَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا عَدَلَ عِنْدَ الْوُجُودِ إلَى نَوْعٍ أَعْلَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْعُدُولِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي السَّلَمِ إنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ هَهُنَا بِغَيْرِ التَّرَاضِي وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لان هذا يجوز الاعتياض عنه على لاصح كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَأَمَّا) الْعُدُولُ إلَى نَوْعٍ أَدْنَى فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي إلَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ وَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ إذَا وَجَبَتْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 63)
________________________________________
عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ نَوْعٍ لَمْ يَعْدِلْ إلَى نَوْعٍ دُونَهُ إلَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ فَفِيهِ خلاف وكذا لا يخرج عن الكرام إلَّا كَرِيمَةً
*
* (فَرْعٌ)
* الصَّاعُ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ بَدَلَ اللَّبَنِ هَلْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ الْأُخْرَى الَّذِي شَمِلَهَا الْعَقْدُ حَتَّى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى رَدِّهِ مَعَ الشَّاةِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ يَرُدُّ الشَّاةَ وَيَبْقَى بَدَلُ اللَّبَنِ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ أَقِفْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَقْلٍ (وَقَوْلُهُ) في الحديث رد معها صَاعًا مِنْ تَمْرٍ يُشْعِرُ بِالْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ إفْرَادَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَجُعِلَ التَّمْرُ قَائِمًا مَقَامَ اللبن لرد عَلَيْهِمَا أَقْرَبُ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَخْذِ بَدَلِ التَّمْرِ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى لَفْظٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ التَّمْرَ لَا ثُبُوتَ لَهُ
فِي الذِّمَّةِ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ وَإِنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ اللَّبَنِ لِيَرِدَ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا وَيُشْكِلُ أَخْذُ بَدَلِهِ لَا لِأَجْلِ التَّعْلِيلِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَلْ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا الَّذِي وَعَدْتُ بِهِ فَلْتَتَنَبَّهْ لَهُ (نَعَمْ) اتِّفَاقُهُمَا عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ وَاضِحٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى اعْتِيَاضٍ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا عُدِلَ إلَى التَّمْرِ خَوْفًا مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ وَوَرَدَ الرد عليهما ويحصل الفسخ في جميع الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ وَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا علي بدل آخر غيره لا يعد ولا غَيْرِهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِمَجْمُوعِ هَذَا فليتنبه لِهَذِهِ الدَّقَائِقَ
*
* (فَرْعٌ)
* يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إذَا جَعَلْنَا التَّمْرَ قَائِمًا مَقَامَ اللَّبَنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ وَتَرَاضَيَا عَلَى رَدِّ الشَّاةِ وَأَنْ يَبْقَى التَّمْرُ فِي ذِمَّتِهِ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الشُّفْعَةِ حَيْثُ يُكْتَفَى بِرِضَا الْمُشْتَرِي بِذِمَّةِ الشَّفِيعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَكْفِي ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَمَلُّكٌ جَدِيدٌ وَهَهُنَا رَدٌّ وَالرَّدُّ يَعْتَمِدُ الْمَرْدُودَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ أَخْذِ الْبَدَلِ عَنْ التَّمْرِ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي الذِّمَّةِ فَيَأْخُذُ عَنْهُ مَا يَقَعُ الِاتِّفَاقُ مِنْ مِقْدَارِ غَيْرِهِ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَتَعْلِيلُهُ وَعَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 64)
________________________________________
الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ رَدُّ التَّمْرِ أَوْ اللَّبَنِ بِاتِّفَاقِهِمَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إقَامَةٌ لِغَيْرِ الْمَبِيعِ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي حُكْمِ الرَّدِّ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ
*
* (فَرْعٌ)
* وَلَوْ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ يَرِدُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ بِذَلِكَ لَمْ أَقِفْ لِأَصْحَابِنَا عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ لَكِنْ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْحَنْبَلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَ كُلِّ مُصَرَّاةِ صَاعًا لِقَوْلِهِ مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا (قُلْتُ) وَمِمَّنْ ذهب إلى ذلك ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَزَعَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (قَالَ) وَمَا أَظُنُّ أَصْحَابَنَا يَسْمَحُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لم يقف في ذلك على نُقِلَ وَكَذَلِكَ أَنَا لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ إلَّا مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ نَقْلِ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ فِي لَبَنِ شِيَاهٍ عِدَّةٍ أَوْ بَقَرَاتٍ عِدَّةٍ إلَّا الصَّاعُ عِبَادَةً وَتَسْلِيمًا
*
* (فَرْعٌ)
* اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ مِثْلِ اللَّبَنِ التَّالِفِ
لِأَنَّ الصَّاعَ بَدَلُ اللَّبَنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَيُفْهَمُ الْمَعْنَى وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ مَعَ التَّمْرِ إنْ كَانَ تَالِفًا وعينه ان كان باقيا وذلك فِي اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْحَلْبَةَ مَصْدَرٌ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَحْلُوبِ مَجَازٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ اللَّبَنِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ بِلَفْظٍ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَكَانَ بِمَا احْتَلَبَ مِنْ لَبَنِهَا وهو يدل على أنه بدل المحلوب لكن فِي سَنَدِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مَعَهَا قِيمَةَ اللَّبَنِ هَكَذَا نَقَلَ عَنْهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ صَاعٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُؤَدِّي أَهْلُ بلد
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 65)
________________________________________
صَاعًا مِنْ أَغْلَبِ عِيشَتِهِمْ وَهَكَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا رَدَّهُ وَلَا يَرُدُّ معها صاع تمر ولا شيأ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَنَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا سَقَطَ خِيَارُهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْأَرْشِ وَهَذَا خِلَافُ الْحَدِيثِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يرد معها شيأ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَخْتَارَ الرَّدَّ قَبْلَ حَلْبِ اللَّبَنِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ فَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ قَبْلَ الْحَلْبِ رَدَّهَا ولا شئ عَلَيْهِ وِفَاقًا فَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ سَخَطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ الْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ طُرُقِ الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَأَيْضًا الْمَعْنَى يُرْشِدُ إلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا يُعَكِّرُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الْحَلْبِ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَضِيَ بِإِمْسَاكِهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا غَيْرَ التَّصْرِيَةِ فَلَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَعَلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَجْهٌ أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ رَدَّ الْآخَرِ فَيُخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ كَثِيرُونَ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ الْإِمَامُ قَطَعَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ
التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيُّ أَجْوِبَتَهُمْ بِذَلِكَ وَعُنِيَ بِالْإِمَامِ وَالِدَهُ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمَعْنَى يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الصَّاعَ بَدَلٌ عَنْ اللَّبَنِ وَالْبَهِيمَةِ مَعَ اللَّبَنِ فِي ضَرْعِهَا كَالشَّجَرَةِ مَعَ ثَمَرَتِهَا فَإِذَا بَلَغَتْ الثَّمَرَةُ وَأَرَادَ رَدَّ الشَّجَرَةِ دَخَلَ هَذَا فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَ هَكَذَا حُكْمُ الْقِيَاسِ وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمِيعَ الْأَصْحَابِ حَكَمُوا بِمَا ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي مِنْ عَدَمِ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (قَالَ) وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فِي مَعْنَى الرَّدِّ بِالْخُلْفِ قَطْعًا وَاللَّبَنُ فِي الْوَاقِعَتَيْنِ عَلَى قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فَرَأَى الشَّافِعِيُّ إلْحَاقَ الْوَاقِعَةِ بِالْوَاقِعَةِ كَمَا رَأَى إلْحَاقَ الْأَمَةِ بِالْعَبَدِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " مَنْ اشْتَرَى شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ " وَذَكَرَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 66)
________________________________________
الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَدَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى مُوجَبِ الْقِيَاسِ وَخَرَّجَهَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (قُلْتُ) وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ يَقْتَضِي أَنَّ رَدَّ التَّمْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْحَدِيثِ لَا بِالْقِيَاسِ لَكِنْ مُرَادُ الْإِمَامِ بِالْإِلْحَاقِ الْإِلْحَاقُ فِي أَصْلِ الرَّدِّ لَا فِي ضَمَانِ بَدَلِ اللَّبَنِ وَاعْتَذَرَ الْغَزَالِيُّ عَنْ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي حَالَةِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ وَصْفٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ زَوَالَهُ عَيْبُ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا وَجْهَ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ فَلْنُؤَيِّدْ به جواز تفريق الصفقة فانه المختار لاسيما فِي الدَّوَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ فِي لَبَنِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ تَخْرِيجًا عَلَى الْحَمْلِ فَقَالَ الْوَجْهُ أَنْ تجعل اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ فِي لَبَنِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ تَخْرِيجًا عَلَى الْحَمْلِ فَقَالَ الْوَجْهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ هُنَا فِي الْمُصَرَّاةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَبَنُ الْمُصَرَّاةِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ إذْ هُوَ مَقْصُودٌ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهَا وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله انه إذا رَدَّ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ بِعَيْبٍ لَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِذَلِكَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْغَزَالِيَّ أَثْبَتَ احْتِمَالَ الْإِمَامِ وَجْهًا وَنَقَلَهُ إلَى لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ عَمَّا ذَكَرَهُ إنَّهُ إنْ قَالَهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِلَّا فَفِيهِ تَعْضِيدٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ (قُلْتُ) وَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ مَفْرُوضٌ فِي الْمُصَرَّاةِ لَكِنْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا وَهِيَ مَا إذَا اخْتَارَ إمْسَاكَهَا ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ
فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ بِالتَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مُصَادِمًا لِلْحَدِيثِ وَإِذَا كَانَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ مَفْرُوضًا فِي الْمُصَرَّاةِ كَانَ مُسْتَنِدًا لِمَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ وَإِلَّا لَمْ يُخَرَّجْ عَلَى تَفْرِيقِ الصفقة عند ارداته الرَّدَّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَأَمَّا امْتِنَاعُ التَّخْرِيجِ عِنْدَ إرَادَةِ الرَّدِّ بِالتَّصْرِيَةِ فَيَصُدَّ عَنْهُ الْحَدِيثُ فَلِذَلِكَ لم يصر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 67)
________________________________________
إلَيْهِ صَائِرٌ وَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَلَيْسَ مَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ خَارِجًا عَمَّا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ التَّخْرِيجِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الْقِيَاسُ بِأَنَّا إنَّمَا نُخَرِّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ كُلُّهُ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّبَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالشَّاةِ بَلْ هِيَ الْمَقْصُودَةُ وَاللَّبَنُ إنْ قُصِدَ فَتَابِعٌ وَلِهَذَا اُغْتُفِرَتْ الْجَهَالَةُ فِيهِ وَالتَّوَابِعُ إذَا فاتت لا تحلق بِالْمَتْبُوعَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا ظَهَرَ عَيْبُهُ وَامْتَنَعَ رَدُّهُ لَا نَقُولُ يُخَرَّجُ الْقَوْلُ فِي الْبَاقِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ كَانَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَقْصُودَةً لَكِنَّهَا تَابِعَةٌ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَاللَّبَنِ مِثْلُهَا (قُلْتُ) وَهَذَا أَمْيَلُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ إنْكَارِهِ لَهُ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ إذا رد بتفريق الصفقة يرده وقد حكي الجوزى قَوْلًا يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ وَيُخَالِفُهُ فِي الْمَأْخَذِ فَقَالَ إنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بَعْدَ مُدَّةٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَرُدُّ كَمَا لَا يَرُدُّ سِلْعَةً اشْتَرَاهَا فَظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ آخَرَ لِأَنَّهُ رَضِيَهَا مَعِيبَةً (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يَرُدُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّلَعِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا بَدَلًا لِلَبَنِ الْمُصَرَّاةِ فَكَأَنَّهُ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ وَاحِدٍ وَسَائِرُ السِّلَعِ لَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا وكان قد رضيه فلا شئ له قال الجوزى قد يجئ فِي السِّلَعِ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمُصَرَّاةَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِعَيْبٍ وَاحِدٍ دُونَ الْآخَرِ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الذى قاله الجوزى هو القياس ولا يلزم من الرضى بعيب الرضى بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ سَائِرَ السِّلَعِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى عيب آخر أنه يمتنع الرد بعيد ولا وَجْهَ لَهُ وَمَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَى ذلك كما حكاه الجوزى مِنْ الْقَوْلَيْنِ بَلْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا
بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ مَنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ ثُمَّ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ الرِّضَا بِمَا عَلِمَ مِنْ الرَّدِّ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ وَجَعَلُوا ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الرَّدِّ هَهُنَا لَكِنِّي رَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يُوَافِقُهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 68)
________________________________________
فانه قال في ذلك منزلته منزلة للمشترى سِلْعَةً فَوَجَدَ بِهَا عَيْبَيْنِ فَرَضِيَ بِأَحَدِهِمَا كَانَ له أنى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ الثَّانِي وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الثَّانِي قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَقَدْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُصَرَّاةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ بُشْرَى فِي مَنْصُوصَاتِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقد حكى ابن الرفعة عن الجوزى هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَقَالَ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي رَدِّهِ إبْطَالَ عَفْوِهِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَجُزْ وَلِهَذَا نَظَرٌ يَأْتِي في الجنايات وما حكاه الجوزى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُصَرَّاةِ قَدْ وُجِّهَ هَذَا الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ السِّلَعِ وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ إمَّا جَزْمًا وَإِمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَلَئِنْ سَلَّمَ (فَالْفَرْقُ) مَا ذَكَرَهُ وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَأْخَذَ الْقَوْلِ بالمنع الذى حكاه الجوزى غَيْرُ مَأْخَذِ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالْحَدِيثُ يَصُدُّ عنه غير أن القول الذى حكاه الجوزى عَلَى غَرَابَتِهِ وَضَعْفِهِ يُعْتَضَدُ بِهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَأْخَذِ لِتَوَارُدِهِمَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَكِلَاهُمَا شَاهِدٌ لِلرَّأْيِ الَّذِي حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إلَّا اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ اللَّبَنُ مُقَابَلًا بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَجَبَ أَنْ لَا يَرُدَّ بَدَلَهُ وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى رَدِّ الْبَدَلِ وَلِذَلِكَ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْثَرُ الاصحاب بأنه مقابل بقسط وقعطوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الرِّبَا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ هُنَاكَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الشيخ أبو على والجوزي فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ من مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ تَابِعًا تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَلَيْسَ أَوْصَافُ السَّلَامَةِ يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا حَتَّى إذَا فَاتَ بَعْضُهَا يَتَخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قسط من الثمن وكون الشئ مُقَابَلًا بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ أَخَصُّ مِنْ كَوْنِهِ مَقْصُودًا هَذَا مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ
إنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ وَرَضِيَ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ فَلَهُ الرَّدُّ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَيَرُدُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 69)
________________________________________
مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَإِنْ كَانَ عِلْمُهُ بِالتَّصْرِيَةِ مَعَ الْعَقْدِ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ فَوَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَتَحَصَّلْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ وَفِي الرَّوْنَقِ جَزَمَ بِرَدِّهَا وَحَكَى فِي رَدِّ الصَّاعِ التَّمْرِ مَعَهَا قَوْلَيْنِ وَهَذِهِ طريقة رابعة غريبة فهذه الاحوال الثلاثة اللَّاتِي تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِذَكَرِهِنَّ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* إذا قلنا بأنه لايرد تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّهُ لَا تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَلَهُ الْأَرْشُ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيَاسُهُ أَنْ يأتي هنا
* (فائدة)
* قال الجوزى: إنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا كَانَ الصَّاعُ إنَّمَا يرده به لا لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ فَقَدْ رُدَّتْ الْعَيْنُ مَعَ قِيمَةِ النَّقْصِ فَهَلَّا كَانَ هَذَا أَصْلًا لِكُلِّ نَقْصٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَقِيمَةَ النَّقْصِ (قِيلَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الشَّاةِ عَيْنُهَا وَاللَّبَنُ تَابِعٌ فَقَدْ رَدَّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا وَرَدَّ قِيمَةَ التَّالِفِ وَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا نَقَصَتْ عَيْنُهُ لَمْ يَرُدَّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا لِأَنَّ الْكُلَّ مَقْصُودٌ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرُدَّهَا وَقِيمَةَ النَّقْصِ لَجَازَ أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهَا كُلَّهَا إذَا تَلِفَتْ (فان قيل) كذا نفعل برد قِيمَتَهَا كُلَّهَا وَإِنْ تَلِفَتْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ (قُلْنَا) هَذَا تَدْفَعُهُ السُّنَّةُ لِأَنَّهُ قِيلَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِيهَا إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَإِنَّمَا جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي قِيمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّصْرِيَةِ إلَّا بَعْدَ تَلَفِ الشَّاةِ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْآنَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَائِدَةٌ)
* قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَهُوَ فِي حُكْمِ وَصْفٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ زَوَالَهُ عَيْبُ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّهُ كَذَلِكَ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ أحد العبدين الباقين فَإِنَّ مَوْتَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ فِي الْبَاقِي عَيْبًا وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَلَيْسَ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ هَهُنَا حَدَثٌ بَلْ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ قَالَ وَلِمُتَكَلِّفٍ أَنْ يَتَكَلَّفَ تَصْحِيحَ كَلَامِهِ بِجَوَابٍ بَعِيدٍ فَيَقُولَ مُرَادُهُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ الْحَاصِلُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ بَعْدَ تَلَفِ الْعَيْنِ الْأُخْرَى وَهَذَا تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ انْتَهَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابن الرفعة لهذا السؤال
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 70)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ قيمة الصاع بقيمة الشاة أو أكثر ففيه وجهان (قال) أبو إسحق يجب عليه قيمة صاع بالحجاز لانا لو أوجبنا صاعا بقيمة الشاة حصل للبائع الشاة وبدلها فوجب قيمة الصاع بالحجاز لانه هو الاصل ومن أصحابنا من قال يلزمه الصاع وان كان بقيمة الشاة أو أكثر ولا يؤدى إلى الجمع بين الشاة وبدلها لان الصاع ليس ببدل عن الشاة وانما هو بدل عن اللبن فجاز كما لو غصب عبدا فخصاه فانه يرد العبد مع قيمته ولا يكون ذلك جمعا بين العبد وقيمته لان القيمة بدل عن العضو المتلف)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا أَرَادَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ وَتَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ وَبَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي مِقْدَارِهِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَطْلَقَ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي تَفَاوُتِ الْمِقْدَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ فَمِنْ الْمُخَصِّصِينَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَا وَهُوَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ الْوَاجِبِ قَدْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا كَذَلِكَ مِثْلُ مَا حَكَى الْمُصَنِّفُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أبو الطيب لكنا فَرَضَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّمْرُ يَأْتِي عَلَى ثَمَنِ الشَّاةِ أَوْ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ وَلَكِنَّهُ يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِهَا أَنَّهُ يُجْرَى الْوَجْهَانِ وَجَوَّزْت أَنْ يَكُونَ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ فِيهَا زِيَادَةً لَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابن الصباع فِي الشَّامِلِ وَهُوَ كَثِيرُ الِاتِّبَاعِ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا فَحَصَلَ الْوُقُوفُ بِمَا فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ هُوَ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نصف قيمة الشاة وقطع بِوُجُوبِ الصَّاعِ إذَا نَقَصَتْ عَنْ النِّصْفِ هَكَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَهَذِهِ النُّقُولُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ قَائِلٌ بِذَلِكَ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَدْ حَكَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 71)
________________________________________
الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْوَجْهَيْنِ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا لَوْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ قِيمَةَ الشَّاةِ أَوْ زَادَتْ وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ
الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى مِثْلِ نِصْفِ قيمة الشاة فالوجهان جاريان وليس في شئ مِنْ ذَلِكَ مُنَافَاةٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَاكِتٌ عَنْ حُكْمِ مَا إذَا زَادَتْ عن النصف ونقصت عن الشاة وكلام أبو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّ الخلاف فيها أيضا والقطع فيما إذَا نَقَصَ عَنْ النِّصْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ إطْلَاقُ حِكَايَةَ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ مِثْلَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ أَقَلَّ وَجَبَ رَدُّهُ عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ سُلَيْمٌ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ مِنْ طَرِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْمُجَرَّدِ مِنْهَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي النِّصْفِ كَالْأَكْثَرِ وَذَكَرَ الْعِجْلِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَجْهًا بِالتَّعْدِيلِ أَبَدًا أَيْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ في ذكرهم الخلاف عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي تَفَاوُتِ ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ اللَّبَنِ وَزِيَادَةُ قِيمَةِ التَّمْرِ عَلَى الشَّاةِ أَوْ نِصْفِهَا فَرَضُوهُ فِي بِلَادٍ يَكُونُ التَّمْرُ بِهَا عَزِيزًا كَخُرَاسَانَ وَالْوَجْهَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا غَيْرُهُمْ إلَّا مَنْ حَكَاهُمَا عَنْهُمْ كَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَذِكْرُهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يُعْرَفُ إلَّا فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضَهُ هُوَ لَا فِيمَا فَرَضَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمُوَافِقُوهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الصُّورَةِ الَّتِي فَرَضَهَا أَبُو الطَّيِّبِ لِذَلِكَ حَتَّى يَصِحَّ استدلاله وفى كلام الامام تعليله بمعنى يكون اطِّرَادُهُ فِيهِمَا فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ نَصَّ عَلَى الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ فَقَدْ أَفْهَمْنَا أَنَّهُ مَبْذُولٌ فِي مقابلة شئ فَائِتٍ مِنْ الْمَبِيعِ يَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعَ التَّابِعِ مِنْ الْمَتْبُوعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَدَّى عَلَى هذا حد التابع والغلو في كل شئ مَذْمُومٌ وَقَدْ يَغْلُو الْمَبِيعُ لِلَفْظِ الشَّارِعِ فَيَقَعُ فِي مَسْلَكِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ وَوَجْهُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ بِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّرَهُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَرِيبًا مِنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ الْمُجْتَمِعِ فِي الضَّرْعِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُضْبَطَ ذلك بنصف
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 72)
________________________________________
قِيمَةِ الشَّاةِ وَإِنَّا إذَا عَلِمْنَا زِيَادَةَ قِيمَةِ الصَّاعِ عَلَى مَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نُوجِبْهُ وَعِلَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ سالمة عن هذا السؤال لكن هذا يوافق الوجه الذاهب بأن الواجب مِنْ التَّمْرِ بِمِقْدَارِ قِيمَةِ اللَّبَنِ مُطْلَقًا
وَسَيَأْتِي فِي التَّفْرِيعِ إيضَاحٌ لِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ نَسَبَ هَذَا الْوَجْهَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ شَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَسُلَيْمٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ سُلَيْمٌ إنَّهُ أَصَحُّ وَهَذَا الْوَجْهُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَسَنَذْكُرُ فِي التَّفْرِيعِ حَقِيقَةَ مَا يُوجِبُهُ وَنَتَعَرَّضُ فِيهِ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي حَكَوْهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّاعَ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ لِلْحَدِيثِ وَإِطْلَاقُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُصَرِّحٍ بِهِ إنَّمَا صَرَّحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْثُرَ اللَّبَنُ أَوْ يَقِلَّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ وَقِيمَةُ اللَّبَنِ سَوَاءً أَوْ مُتَفَاوِتَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (وَأَمَّا) قِيمَةُ الصَّاعِ مَعَ قِيمَةِ الشَّاةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لها في ذلك الكلام لكن إطْلَاقَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ أَيْضًا وَلِأَنَّ الصاع يدل عَنْ اللَّبَنِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لَهُ فَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فَقَدَّمَ اعْتِبَارَ مُسَاوَاتِهِ لِلشَّاةِ أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ مَالَ إلى ذلك القول فلعله الْمُرَادُ بِبَعْضِ الْأَصْحَابِ هُنَا وَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ بِمَا ذَكَرَهُ وهو حق والمسألة التي استشهر بها فيما إذا غضب الْعَبْدَ وَخَصَاهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ أَنَّ جراح العبد يتقدر مِنْ قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ فَالْوَاجِبُ مَا نقص من القيمة فان لم ينقص شئ فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ نَقَصَ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ النَّقْصُ وَهَذَا مُبَيَّنٌ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَقَدْ يَكُونُ النُّقْصَانُ زَائِدًا عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَنَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَكْثَرَ من النصف فانه على القديم صح الِاسْتِشْهَادُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَسْتَشْهِدْ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدَ بِمَا إذَا بَاعَ سلعة العبد وقيمة كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ ثُمَّ يَزِيدُ الْعَبْدُ فَتَبْلُغُ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ وَيَجِدُ الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا فيردها ويسترجع العبد وقيمته ألفان وذلك قيمة الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 73)
________________________________________
فِي الْقِيمَةِ فَقَطْ وَالْعَيْنُ الْمُسْتَرَدَّةُ وَاحِدَةٌ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مَعَهَا شَيْئًا آخَرَ وَمَسْأَلَةُ الْغَصْبِ اسْتَرْجَعَ مَعَ الْعَبْدِ النَّاقِصِ قِيمَتَهُ فَكَانَ نَظِيرَ اسْتِرْجَاعِ الشَّاةِ الَّتِي ذَهَبَ لَبَنُهَا مَعَ صَاعٍ يُسَاوِي قِيمَتَهَا وَقَدْ يَقُولُ الْمُنْتَصِرُ
لِأَبِي إِسْحَاقَ إنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُصَرَّاةِ ضَمَانُ اللَّبَنِ التَّالِفِ بِبَدَلِهِ علي قياس المتلفات لكن الشَّارِعَ جَعَلَ الصَّاعَ بَدَلًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ النِّزَاعِ مَعَ قُرْبِ قِيمَةِ الصَّاعِ مِنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَالِبًا فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةً مُفْرِطَةً فَبَعْدَ إقَامَتِهِ بَدَلًا عَنْ لَبَنٍ لَا يُسَاوِي جُزْءًا مِنْهُ يَقَعُ مَوْقِعًا بِخِلَافِ ضَمَانِ مَا فَاتَ مِنْ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ مُتَأَصِّلٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ فِي لَبَنِ الْغَنَمِ وَلَبَنِ الْإِبِلِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَفَاوُتِهِمَا تَفَاوُتًا ظَاهِرًا بَدَلًا وَاحِدًا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ بَدَلٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالشَّرْعُ إذا أناط الامور المضطربة بشئ مُنْضَبِطٍ لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَدْ يَقَعُ نَادِرًا وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ النَّادِرُ لَا يُلْتَفَتُ إليه بل يجرى على الضابط الشرعي لاسيما والمشترى ههنا متمكن من الامساك فأن أراد الرد فَسَبِيلُهُ رَدُّ مَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ بَدَلًا (وَقَوْلُ) الْإِمَامِ إنَّ الْغُلُوَّ مَذْمُومٌ (جَوَابُهُ) أَنَّ الْمَعْنَى إذَا ظَهَرَ وَسَلِمَ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ وَجَبَ اتِّبَاعُ اللَّفْظِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ غُلُوًّا مَذْمُومًا وَالْمُخْتَصُّ بِأَهْلِ الظَّاهِرِ الَّذِي ذَمُّوا بِهِ هُوَ التَّمَسُّكُ بِاللَّفْظِ مَعَ ظُهُورِ الْمَعْنَى وَصِحَّتِهِ بِخِلَافِهِ وَالْعَالِمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْوَافِي فِيمَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ بِأَنَّ الصَّاعَ وَإِنْ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْمَتْبُوعِ الَّذِي هُوَ الشَّاةُ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ قَطَعَ جَوَابَهُ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْوَسَطِ فِي صُورَةِ الْوَجْهَيْنِ
*
* (التَّفْرِيعُ)
* إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَوُجُوبِ الصَّاعِ لِلِاتِّبَاعِ فَلَا إشكال (وان قلنا) بالوجه الاول وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ صَاعٍ بِالْحِجَازِ وَهَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ يقوم بقيمة
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 74)
________________________________________
الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَخَصُّ فَإِنَّ الْحِجَازَ يَشْمَلُ مَكَّةَ والمدينة واليمامة ومحاليفها كَمَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُيَسِّرَ عَلَيْنَا الْوُصُولَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ مَنْ أَطْلَقَ الْحِجَازَ أَرَادَ الْمَدِينَةَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِيهَا وَيُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِعْوَازِ يُرْجَعُ إلَى قِيمَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى قول أبى إسحق (وَأَمَّا) الْإِمَامُ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ نَرَ إيجَابَ الصَّاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ الْوَسَطَ لِلتَّمْرِ بِالْحِجَازِ وَاعْتَبَرْنَا بِحَسَبِ ذَلِكَ قِيمَةَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ اللَّبُونِ بِالْحِجَازِ وَإِذَا نَحْنُ فَعَلْنَا هَكَذَا جَرَى الْأَمْرُ فِي الْمَبْذُولِ عَلَى الْحَدِّ الْمَطْلُوبِ وَهَكَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ فِيهِ إجْمَالٌ (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَلَى هَذَا الوجه يعدل بالقيمة فنقول قيمة شاة وَسَطٌ وَقِيمَةُ صَاعٍ وَسَطٌ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ (فَإِنْ قِيلَ) هُوَ عُشْرُ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ التَّمْرِ مَا هُوَ قِيمَةُ عُشْرِ الشَّاةِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اخْتِصَارِهِ لِلنِّهَايَةِ إنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ تِلْكَ الْمُصَرَّاةِ بِالْحِجَازِ والقيمة المتوسطة للتمر بالحجاز فتجب مِنْ التَّمْرِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورُ كَالظَّاهِرِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَتَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى نَقْلِهِ يَتَفَرَّعَانِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الصَّاعُ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْآخَرُ الَّذِي حَكَاهُ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ مِقْدَارُ قِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ التَّمْرِ كَيْفَ كَانَ فَلَمْ نَذْكُرْهُ هُنَا لِأَنَّهُ قَسِيمُ الْوَجْهِ الذى عليه يفرغ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا إلَّا وَجْهَ التَّعْدِيلِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي لَبَنِ الْجَارِيَةِ الْمُصَرَّاةِ قَدْرُ قِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الْقُوتِ لَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِهِ الْوَجْهُ المذكور هناك في صدر كلامه ولا يجئ عَلَيْهِ قَوْلُ التَّعْدِيلِ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ إذَا قِيلَ هُوَ عُشْرُ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ التَّمْرِ مَا هُوَ قِيمَةُ عُشْرِ الشَّاةِ مُرَادُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِالشَّاةِ الْأُولَى الشَّاةُ الْوَسَطِ وَبِالشَّاةِ الثَّانِيَةِ الشَّاةُ الْمُصَرَّاةُ الْمَبِيعَةُ مِثَالُهُ إذَا قِيلَ قِيمَةُ الصَّاعِ الْوَسَطِ فِي الْغَالِبِ دِرْهَمٌ وَقِيمَةُ شَاةٍ وَسَطٍ فِي الْغَالِبِ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ خَمْسَةٌ فَإِنَّا نُوجِبُ مِنْ الصَّاعِ نِصْفَ عُشْرِ مَا يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 75)
________________________________________
الشَّاةِ كَمَا إذَا كَانَ الصَّاعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَثَلًا بِخَمْسَةٍ فَنُوجِبُ مِنْهُ عَشَرَةً وَهُوَ يُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ الصَّاعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُسَاوِي ثَلَاثَةً فَوَجَبَ سُدُسُهُ لِأَنَّهُ يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ هَذِهِ الشَّاةِ وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ الْوَسَطَ لِلتَّمْرِ بِالْحِجَازِ وَقِيمَةَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ بِالْحِجَازِ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ عُشْرَ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَلَمْ أَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا مَا حَكَيْتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ إجْمَالٌ وَنَسَبْت الْكَلَامَ الَّذِي فِيهِ إجْمَالٌ إلَيَّ وَالْكَلَامَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْجَارِيَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَبَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ اخْتِلَافٌ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ
يَنْسُبُ قِيمَةَ الصَّاعِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْجَبَ عُشْرَ الصَّاعِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّ آخِرَهُ يَقْتَضِي نِسْبَةَ اللَّبَنِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ عُشْرَ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَاللَّبَنُ لَمْ يَجْرِ لَهُ وَلَا لِتَقْوِيمِهِ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ التَّمْرُ فَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا كَانَ التَّمْرُ وَقَدْ جَوَّزْتُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ اللَّبَنِ بَدَلَ التَّمْرِ سَهْوًا مِنْ نَاسِخٍ لَكِنَّهُ هَكَذَا فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ وَفِي نسخ الروضة أيضا فأول كلام الرافعى رضى الله عنه وآخره لا يلتئمان التآما ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ التَّمْرَ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَذَلِكَ تَعَسُّفٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالْآخَرِ فَقَطْ بِأَنْ يُقَوَّمَ اللَّبَنُ وَتُقَوَّمَ الشَّاةُ وَيُنْسَبَ قِيمَةُ اللَّبَنِ مِنْهَا لَكِنَّ صَدْرَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَكَلَامِ الْإِمَامِ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَقْتَضِي تَقْوِيمَ التَّمْرِ وَأَيْضًا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِتَقْوِيمِ اللَّبَنِ ثُمَّ ان كلام الرافعى والغزالي رحمهم اللَّهُ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّا بَعْدَ النِّسْبَةِ نُوجِبُ مِنْ الصَّاعِ مَا اقْتَضَتْهُ النِّسْبَةُ فَنُوجِبُ فِي المثال المذكور أن يرد من الصاع ما يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ جَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْمَرْدُودَ فِيهِ الصَّاعُ بِالْحِجَازِ وَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَفَاوُتٌ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ التَّمْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بمذهب أبى اسحق فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الصَّاعَ مِنْ التَّمْرِ أَصْلٌ لِأَجْلِ الْخَبَرِ كَيْفَ كَانَ الْحَالُ وَأَنَّهُ الْوَاجِبُ وَمَا يُوجَدُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ أن يجعل بعض صاع بدلا عن صاع
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 76)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ
* اشْتَرَى شَاةً بِصَاعِ تَمْرٍ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْأَصَحُّ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا وَلَا اعْتِبَارَ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَنَقْصِهِ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِقِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَتِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنَّ ذلك سوء تدبير منه في المالك فَيَقْتَضِي الْحَجْرَ (قُلْتُ) وَمَتَى فَرَضَ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُ الرَّدِّ لِأَنَّهُ سَفَهٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا فِيمَا إذَا صَارَفَهُ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ عَلَى عَيْنِهَا وَخَرَجَ بِبَعْضِهَا عَيْبٌ كَخُشُونَةِ الْفِضَّةِ وَقُلْنَا بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِجَازَةُ بِكُلِّ الثَّمَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ لِأَنَّهُ سَفَهٌ فَنُبْقِيهِ عَلَى مِلْكِهِ أَصْلَحُ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَأَنَّ غَيْرَ أَبِي الطَّيِّبِ يُشْعِرُ
كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْعُدُولُ إلَى قَوْلِ الْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ قِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى امْتِنَاعِ الرَّدِّ وَرُدَّ الصَّاعُ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُمْنَعَ الرَّدُّ مُطْلَقًا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ وَإِمَّا أَنْ يُرْجَعَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي سَيَأْتِي وَهُوَ قِيَاسُ الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) فِي هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ يَرُدُّ بِقَدْرِ نَقْصِ التَّصْرِيَةِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِاسْتِدْرَاكِ النَّقْصِ فَعَلَى هَذَا يُقَوِّمُ الشَّاةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةٌ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةٌ قُوِّمَتْ مُصَرَّاةً فَإِذَا قِيلَ ثَمَانِيَةٌ عُلِمَ أَنَّ نَقْصَ التَّصْرِيَةِ هُوَ الْخَمْسُ فَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي مَعَهَا خُمُسَ الصَّاعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَتَأَيَّدَ مَا قَالَاهُ بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا لِأَنَّ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِيمَا إذَا سَاوَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ قِيمَةَ الشَّاةِ لَا الثَّمَنَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا سَاوَى الصَّاعُ الثَّمَنَ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ التمر قد يكون قدر قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ أَقَلَّ نَعَمْ الْغَالِبُ مُقَارَبَةُ الثَّمَنِ لِلْقِيمَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَائِلُهُ نَاظِرٌ فِيهِ إلَى الْغَلَبَةِ وَمَعَ هَذَا يَصِحُّ أَنْ تَعْضُدَ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ بِهِ وَفِي هَذَا الْفَرْعِ وَجْهٌ ثالث ذكره الجوزى أَنَّهُ يَرُدُّ الشَّاةَ وَقِيمَةَ اللَّبَنِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا اشْتَرَى حُلِيًّا بِمِثْلِهِ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَوَجْهٌ رَابِعٌ مَجْزُومٌ بِهِ في تعليق الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا ولا شئ عليه
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 77)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْحِجَازِ أَوْ الْمَدِينَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا أُعْوِزَ التَّمْرُ حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْوَزَ التَّمْرُ وَبَيْنَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الْقِيمَةِ فَإِذَا ضَمَمْتَ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَصَلَ لَكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ أربع أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُ الصَّاعِ (الثَّانِي) وُجُوبُ قِيمَتِهِ بِالْمَدِينَةِ (الثَّالِثُ) وُجُوبُ قِيمَتِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ (الرَّابِعُ) وُجُوبُ بَعْضِ صَاعٍ لِمُقْتَضَى التَّوْزِيعِ لَيْسَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا عِنْدَ إمْكَانِ رَدِّ التَّمْرِ وَمَا حَكَيْنَاهُ عن الجوزى وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا إنْ أُعْوِزَ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا أَوْجَبْنَا رَدَّ الصَّاعِ التَّمْرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا بِتَمْرٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَوْ أَنَّهُ رَضِيَ بِهَا ثُمَّ أَرَادَ
الْإِقَالَةَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ قُلْنَا الْإِقَالَةُ عَقْدٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَ اللَّبَنِ تَمْرًا فَكَأَنَّهُ بَاعَ شَاةً وَصَاعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) الْإِقَالَةُ فَسْخٌ جَازَ لِأَنَّ الْفُسُوخَ لَا رِبَا فِيهَا (قُلْتُ) وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْإِقَالَةِ يَأْتِي عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وأما الذى حكاه الجوزى أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ نَقْدًا فَيَجُوزُ سَوَاءٌ قُلْنَا الْإِقَالَةُ بَيْعٌ أَوْ فَسْخٌ
*
* (فَرْعٌ)
* عَنْ البندنيجى أنه يعتبر قيمة يوم الرَّدِّ كَرَجُلٍ أَقْرَضَ رَجُلًا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْحِجَازِ وَلَقِيَهُ بِخُرَاسَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِقِيمَةِ الْحِجَازِ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّمْرِ كَذَا هَهُنَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (قُلْتُ) فَلَوْ فَرَضْنَا قِيمَةَ التَّمْرِ يَوْمَ الرَّدِّ بِالْحِجَازِ كَثِيرَةً تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ لِغَلَاءِ سِعْرِ التَّمْرِ وَرُخْصِ الشَّاةِ فَكَيْفَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ (يُمْكِنُ) أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقَرْضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ الْوَسَطَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَسَطِ مِنْ الْأَنْوَاعِ حَتَّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِكَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ لَكِنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ وَأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ وَقْتَ الرَّدِّ وَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَقَلُّ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 78)
________________________________________
* (فرع)
* الذى يقول بأيجاب شئ مِنْ التَّمْرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعِ تَمْرٍ وَرَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ بِمُقْتَضَى التَّوْزِيعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ عِنْدَ فَقْدِ التمر فليته قال والظاهر أنه يقول برد مَا اقْتَضَاهُ التَّوْزِيعُ مِنْ الْقِيمَةِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ يَكُونُ الْوَاجِبُ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرِ الْحِجَازِ كَمَا سَلَفَ وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ آخَرُ عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ صَاعِ تَمْرٍ بِأَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ (قُلْتُ) وَمَا قَالَهُ أَنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) إيجَابُ قِيمَةِ بَعْضِ الصَّاعِ بِالْمَدِينَةِ
(وَالثَّانِي)
قِيمَةُ الصَّاعِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ (وَالثَّالِثُ) إيجَابُ قِيمَةِ بَعْضِ الصَّاعِ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّوْزِيعُ (وَالرَّابِعُ) إيجَابُ بَعْضِ قِيمَةِ صَاعٍ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وقد تقدم ما ذكره الجوزى وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ
* (فَائِدَةٌ)
* قَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ أَيْ لِأَنَّ التَّمْرَ هُوَ الْأَصْلُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ بِالْحِجَازِ هُوَ الْأَصْلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ رَجَعْنَا إلَى قِيمَتِهِ بِالْحِجَازِ كَمَنْ أَقْرَضَ تَمْرًا بِالْحِجَازِ وَلَقِيَهُ بِخُرَاسَانَ فَطَالَبَهُ بِقِيمَةِ الْحِجَازِ
** (فَرْعٌ)
* رَأَيْتُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ قِيمَةَ الصَّاعِ فَإِنَّا نُوجِبُ فِيهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْحِجَازِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي النُّسْخَةِ تَصْحِيفٌ وَلَعَلَّهُ يُوجِبُ قِيمَةَ صَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* تَقَدَّمَ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ رَدُّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ وَفِي مِقْدَارِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) صَاعُ تَمْرٍ
(وَالثَّانِي)
بِقَدْرِ قِيمَةِ التَّمْرِ (وَالثَّالِثُ) إنْ زَادَ الصَّاعُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ وَإِلَّا وَجَبَ الصَّاعُ (وَالرَّابِعُ) إنْ زَادَ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ بِالْحِجَازِ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الصَّاعُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُهُ إنَّهُ إنْ زَادَ الصَّاعُ فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّمْرُ فَإِذَا خَلَطْت الْأَوْجُهَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَجَمَعْتَهَا حَصَلَ لَكَ فِيمَا تَرُدُّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي سِتَّةٍ (وَأَمَّا) السَّابِعُ وَهُوَ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَلَا يَأْتِي خِلَافٌ فِي الْمِقْدَارِ فِيهِ وَتَرْتِيبُهَا هَكَذَا (أَصَحُّهَا) أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ مُطْلَقًا كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ (الثَّانِي) صَاعٌ مِنْ الْقُوتِ الْغَالِبِ (الثَّالِثُ) صَاعٌ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ مَا عَدَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 79)
________________________________________
الاقط (الرابع) التمر أو ما هو أعلى مِنْهُ (الْخَامِسُ) التَّمْرُ أَوْ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ (السَّادِسُ) لَوْ كَانَ التَّمْرُ مَوْجُودًا فَصَاعٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَصَاعٌ مِنْ الْغَالِبِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ وَمِثْلُهَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا صَارَتْ اثْنَيْ عَشَرَ وَسِتَّةً إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى الشَّاةِ أَوْ نَصْفِهَا فَالْوَاجِبُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَزِدْ فَالْوَاجِبُ الصَّاعُ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَسِتَّةٌ أَنَّهُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ فَالْوَاجِبُ قِيمَتُهُ وَإِلَّا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ السِّتَّةُ عَلَى الْخِلَافِ وَالْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَلَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* فَإِنْ كَانَ بَاعَ الشَّاةَ المصراة بصاع من تمر فيجئ فِيهَا بِمُقْتَضَى التَّرْكِيبِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ الْمَذْكُورَةُ وَثَلَاثَةٌ أُخْرَى (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الصَّاعِ بِقَدْرِ نَقْصِ التَّصْرِيَةِ مِنْ التَّمْرِ
(وَالثَّانِي)
يَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ ذَهَبًا أَوْ فضة (والثالث) يردها ولا شئ عَلَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ
* وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكِيبَ هَذِهِ الْوُجُوهِ ذُكِرَ لِتُسْتَفَادَ وَيُعْرَفَ كَيْفِيَّةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ إثْبَاتَهَا لِذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ قَائِلٌ بِالْوُجُوهِ الَّتِي تَرَكَّبَ مَعَهَا حَتَّى يَصِحَّ التَّرْكِيبُ وَقَدْ فَعَلَ الْأَصْحَابُ
مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وان كان ما حلب من اللبن باقيا فأراد رده ففيه وجهان (قال) أبو إسحق لا يجبر البائع على أخذه لانه صار بالحلب ناقصا لانه يسرع إليه التغير فلا يجبر على أخذه (ومن) أصحابنا من قال يجبر لان نقصانه حصل لمعني يستعلم به العيب فلم يمنع الرد ولانه لو لم يجز رده لنقصانه بالحلب لم يجز إفراد الشاة بالرد لانه افراد بعض المعقود عليه بالرد فلما جاز ذلك ههنا - وان لم يجز في سائر المواضع - جاز رد اللبن هنا مع نقصانه - بالحلب وان لم يجز في سائر المواضع -)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 80)
________________________________________
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ أَحْوَالِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ وَهِيَ إذَا أَرَادَ رَدَّهَا بَعْدَ الْحَلْبِ وَاللَّبَنُ بَاقٍ وَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ قَدْ حَمَضَ وَتَغَيَّرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُكَلَّفُ أَخْذَهُ (وَالثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَهِيَ صُورَةُ الْكِتَابِ فَفِيهَا وَجْهَانِ (أصحهما) وهو قول أبى إسحق أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَخْذُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ بَلْ لَوْ كَانَ عَقِبَ الْحَلْبِ لَمْ يَجِبْ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ صَارَ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغْيِيرُ فَنَقَصَ عَمَّا كَانَ فِي الضَّرْعِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ تَأْكِيدٌ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَوَّلًا وَيُمْكِنُ تَعْلِيلُ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّبَنَ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْعَقْدِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الْحَادِثِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُشْتَرِي فَإِذَا سَمَحَ بِهِ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ وَهَذَا قَدْ يَخْدِشُهُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَخْبَارِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَمَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَمَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ فَيَكُونُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى أَوْلَى (وَقَدْ يُقَالُ) إنَّهُ لَا يُصَارُ إلَى الْأَخْبَارِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّعْلَ إذَا لَمْ يَكُنْ نَزَعَهُ مَعِيبًا فَلَمْ يَنْزِعْهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَهَهُنَا لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى قَبُولِ اللَّبَنِ لِإِمْكَانِ رَدِّ التَّمْرِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالِاعْتِذَارُ بِكَوْنِ ذَلِكَ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تلك المسألة كأنه إذَا كَسَرَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يُفَرِّقُ بِهِ العيب يرده قَهْرًا وَقَاسُوهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ هَذَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ
بِمَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ الَّتِي قَاسُوا عَلَيْهَا رَدَّ الشَّاةِ بِدُونِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ جائز قولا واحد مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهَا بِالْحَلْبِ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِ الشَّاةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ مَسْأَلَةَ اللَّبَنِ الَّتِي فِيهَا إذْ لَا يَحْسُنُ تَخْرِيجُ قَوْلٍ عَلَى وَجْهٍ وَحِينَئِذٍ فَمَسْأَلَةُ اللَّبَنِ هَذِهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُسْنَدَةِ إلَى رَدِّ الْمُصَرَّاةِ بَعْدَ نَقْصِهَا بِالْحَلْبِ (الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا كَانَ النَّقْصُ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَيْبُ غَيْرَ مَانِعٍ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَبِلَا خِلَافٍ فِي رَدِّ الشَّاةِ نَفْسِهَا بَعْدَ الْحَلْبِ فَلِمَ لَا كَانَ هُنَا فِي رَدِّ اللَّبَنِ كَذَلِكَ؟ وَلِمَ حَكَمَ الجمهور
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 81)
________________________________________
بِأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ؟ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ اللَّبَنَ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ يَقْتَضِي رَدَّهُ بِخِلَافِ الشَّاةِ وَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِسَبَبِهِ يُرَدُّ فَنَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِهِ وَاللَّبَنُ نَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِ غَيْرِهِ وَهُوَ الشَّاةُ وَإِلْحَاقُهُ بِمَا نَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِهِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَافٍ فِي الْفَرْقِ (وَأَيْضًا) النَّقْصُ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَأَدَّى إلَى بُطْلَانِ رَدِّ المعيب وَهَهُنَا لَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ بَدَلًا يَرُدُّهُ مَعَ الشَّاةِ الْمَعِيبَةِ وَاللَّبَنُ لَيْسَ بِمَعِيبٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اغْتِفَارِهِ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ اغْتِفَارُهُ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ (الثَّالِثُ) أَنَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّدِّ فِيمَا نَقَصَتْ قيمته بكسره نقول بأنه يغرم الْأَرْشُ عَلَى قَوْلٍ وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ خِلَافَهُ وَأَمَّا هَهُنَا عَلَى الْوَجْهِ بِأَنَّ لَهُ رَدَّ اللَّبَنِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْرَمُ مَعَ ذَلِكَ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَقِيمَتِهِ مَحْلُوبًا وَهَذَا يُحَرِّكُ لَنَا بَحْثًا وَهُوَ أَنَّ التَّمْرَ يَتَقَسَّطُ عَلَى الشَّاةِ وَاللَّبَنُ الَّذِي فِي ضَرْعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ قِيمَتَيْهِمَا فَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ أَوْ بَعْدَ الْحَلْبِ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّهُ فِي الضَّرْعِ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ لَكِنَّا إذَا كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدَ الْحَلْبِ أَنْقَصُ مِمَّا فِي الضَّرْعِ وَحِينَ الْمُقَابَلَةِ كَانَ فِي الضَّرْعِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْسِيطِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَهَذَا الْبَحْثُ حَرَّكْتُهُ لِنَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ فِي الضَّرْعِ وَبِالْحَلْبِ يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ قِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ إيجَابَ الْأَرْشِ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْحَلْبِ فَلَا نَقْصَ حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ (الرَّابِعُ) أَنَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي رَدَّ اللَّبَنِ فَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ وَرَدُّ الشَّاةِ (قَالَ) صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ كَانَ قَدْ أَمْسَكَهَا زَمَانًا يَحْدُثُ فِي مِثْلِهِ لَبَنٌ لَا يُكَلَّفُ الرَّدَّ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ مِلْكُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَإِنْ حَلَبَ عَقِيبَ الشِّرَاءِ وَقُلْنَا عَلَى
الْبَائِعِ قَبُولُ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ حَقَّهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ إذَا أَرَادَ الْفَسْخَ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَدَلِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي يَدِهِ (الْخَامِسُ) أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ لَهُ هَهُنَا أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنَيْنِ فَوَجَدَ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ إمْسَاكَ اللَّبَنِ وَرَدَّ الشَّاةِ يُجْرَى فِيهَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ فَعَلَى قَوْلٍ يَمْتَنِعُ عليها
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 82)
________________________________________
الْإِفْرَادُ بِالرَّدِّ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَاطِ اللَّبَنِ بِلَبَنٍ جَدِيدٍ وَعَلَى قَوْلٍ لَا يَمْتَنِعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ فَبِمَاذَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قبول وَحَقُّهُ فِي التَّمْرِ وَاللَّبَنِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوجِبَ رَدَّ اللَّبَنِ عِنْدَ بَقَائِهِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ (السَّادِسُ) أَنَّ رَدَّ اللَّبَنِ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ إذَا قُلْنَا الْخِيَارُ فِيهَا عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى إذَا أَخَّرَ بَطَلَ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ وَيُقْتَصَرُ عَلَى رَدِّ الشَّاةِ أَوْ نَقُولُ رَدَّ الشَّاةَ عَلَى الْفَوْرِ وَاللَّبَنَ إلَى خِيَرَةِ الْمُشْتَرِي لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَهُوَ يَلْتَفِتُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِي أَنَّ ذَلِكَ هل هو بطريق الفسخ أولا فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَكُلُّ هَذِهِ التَّفْرِيعَاتِ الْمُضْطَرِبَةِ سَبَبُهَا ضَعْفُ هَذَا الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّ لَهُ رَدَّ اللَّبَنِ قَهْرًا (السَّابِعُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ إلَى آخِرِهِ هُوَ الدَّلِيلُ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ الَّذِي وَعَدْتُ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ نَاظِرٍ إلَى أَنَّ النقصان لاجل الاستعلام أولا وَبِهَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ المسألة ومسألة مالا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ جَمِيعًا يَرْجِعَانِ إلَى مَسْأَلَةِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ مَعَ نَقْصِهَا بِالْحَلْبِ وَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ امْتِنَاعَ رَدِّ اللَّبَنِ مُسْتَلْزِمًا لِامْتِنَاعِ إفْرَادِ الشَّاةِ بِالرَّدِّ وَعَلَّلَ الْأَوَّلَ بالنقص بالحلب والثانى بأنه إفراد بعض المعقود عَلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ النَّقْصِ بِالْحَلْبِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِهِ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ قِيَاسُ النُّقْصَانِ بِالْحَلْبِ عَلَى النُّقْصَانِ بِالْإِفْرَادِ فَإِنَّ إفْرَادَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَقْصٌ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ وَلِذِكْرِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى عَيْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ إمَّا جَزْمًا إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِهِمَا أَوْ عَلَى الْأَظْهَرِ إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا وَإِذَا كَانَ إفْرَادُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَقْصًا فَلَوْ امْتَنَعَ رَدُّ اللَّبَنِ بِنُقْصَانِهِ بِالْحَلْبِ لَامْتَنَعَ إفْرَادُ الشَّاةِ لِنُقْصَانِهَا بِالْإِفْرَادِ
وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ النُّقْصَانِ فَلَمَّا جَازَ رَدُّ الشَّاةِ هَهُنَا وَإِفْرَادُهَا عَنْ اللَّبَنِ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَجْعَلْ النُّقْصَانَ بِالْإِفْرَادِ مَانِعًا - وَإِنْ كَانَ مَانِعًا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ - وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ رَدُّ اللَّبَنِ وَلَا يُجْعَلُ النُّقْصَانُ بِالْحَلْبِ مَانِعًا - وَإِنْ كَانَ مَانِعًا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ - هَذَا تقرير هذا الدليل ولابد مِنْ الْجَوَابِ عَنْهُ إذْ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ (وَطَرِيقُ) الْجَوَابِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النَّقْصَ مَانِعٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ مُخَالَفَتُهُ فِي كُلِّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 83)
________________________________________
مَوْضِعٍ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَثْنَى لِأَجْلِهِ نُقْصَانَ إفْرَادِ الشَّاةِ بِالرَّدِّ عَنْ سَائِرِ مَوَاضِعِ الْإِفْرَادِ مَوْجُودٌ فِي النُّقْصَانِ بِالْحَلْبِ هَهُنَا حَتَّى يُسْتَثْنَى عَنْ سَائِرِ مَوَاضِعِ النَّقْصِ وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ بَيِّنٍ (الثَّامِنُ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ يَقْتَضِي حِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ عن أبى اسحق ولذلك الرويانى قال أن أبا اسحق أَشَارَ فِي الشَّرْحِ إلَى وَجْهَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ جَعَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ قَوْلَ أَبِي اسحق وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَلِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يجبر عليه ذكره أبو إسحق فِي الشَّرْحِ وَقَالَ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَبَقِيَّةُ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُونَ الْوَجْهَيْنِ غَيْرَ مَنْسُوبَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ أن أبا اسحق ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الْوَجْهَ الَّذِي اخْتَارَهُ وَالْوَجْهَ الْآخَرَ (التَّاسِعُ) أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي رَدِّهِ علي جهة القهر أما لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ جَازَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَبَّهْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ أَوْ مِنْ بَابِ الرَّدِّ بِالْفَسْخِ وَأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ خَالَفَ فِيهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الْمُخَالَفَةُ هَهُنَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ وَذَكَرْتُ بَحْثًا هُنَاكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ يجوز فلينظر ذلك البحث هناك فِي فَرْعٍ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ أجاز رد المصراة رد بَدَلَ اللَّبَنِ "
*
* (فَرْعٌ)
* قَسَّمَ الْمَرْعَشِيُّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي إلَى قِسْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُصَرَّاةُ يَرُدُّهَا نَاقِصَةً عَمَّا أُخِذَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ فِي ضَرْعِهَا وَمَا سِوَى الْمُصَرَّاةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أحدها) يرد قولا واحدا كالعنت وَالْخِيَارِ يَغْمِزُهُ بِعُودٍ أَوْ حَدِيدَةٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مر
(والثانى)
فيه قولا كَالثَّوْبِ يُقْطَعُ ثُمَّ يُعْلَمُ عَيْبُهُ
(وَالثَّالِثُ) ثَلَاثَةُ أقوال إذا كسرنا لَا نُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ نَذْكُرهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا اشْتَرَى شَاةً وَجَزَّ صُوفَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا إنْ كَانَ الْجَزُّ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ وَجَرَى مجرى الحلب
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 84)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى جارية مصراة ففيه أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صاعا لانه يقصد لبنها فثبت بالتدليس له فيه الخيار والصاع كالشاة
(والثانى)
أنه يردها لان لبنها يقصد لتربية الولد وَلَمْ يُسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ فَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ ولا يرد بدله لانه لا يباع ولا يقصد بالعوض (والثالث) لا يردها لان الجارية لا يقصد في العادة إلا عينها دون لبنها (والرابع) لا يردها ويرجع بالارش لانه لا يمكن ردها مع عوض اللبن لانه ليس للبنها عوض مقصود ولا يمكن ردها من غير عوض لانه يؤدي إلى إسقاط حق البائع من لبنها من غير بدل ولا يمكن إجبار المبتاع على إمساكها بالثمن المسمى لانه لم يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ مَا دُلِّسَ به من اللبن فوجب أن يرجع على البائع بالارش كما لو وجد بالمبيع عيبا وحدث عنده عيب)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْل وَالْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ (وَكَثِيرٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ يَجْعَلُونَ حُكْمَ الْبَقَرِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْ النَّصِّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " فَإِنَّهُ عَامٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَاتَّفَقُوا عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْبَقَرِ إمَّا بِالنَّصِّ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهَا أَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَالْجَارِيَةِ وَالْأَتَانِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِمَا أَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَعَقَدَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَصْلَ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ لِلْكَلَامِ فِيهِمَا وَاَلَّذِي تُجْرَى أَحْكَامُ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهِمَا فَطَرِيقُهُ
فِي ذَلِكَ إمَّا الْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي الجلاء والظهور كالاولى وَإِمَّا إدْرَاجُهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَاَلَّذِي لَا تَجْرِي عَلَيْهِمَا أَحْكَامُ الْمُصَرَّاةِ طَرِيقُهُ قَطْعُ الْقِيَاسِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مُصَرَّاةً (إمَّا) بِأَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَإِمَّا) بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ اللَّفْظِ بِدَلِيلٍ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 85)
________________________________________
مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِ الْجَارِيَةِ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ " بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا " فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَلْبِ وَفِي إطْلَاقِ الْحَلْبِ عَلَى الْجَارِيَةِ نَظَرٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ قَاعِدَةَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يَدُلُّ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُسَوِّغُ إلْحَاقَ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَنْصُوصِ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ صِيغَةُ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا النَّصَّ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَكَانَ مَا سِوَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى قِسْمَيْنِ (قِسْمٌ) التَّصْرِيَةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِ فِي غَيْرِ الابل والغنم (وقسم) فيه معني بشبه التَّصْرِيَةَ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَارِيَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَالْأَتَانَ فِي الَّذِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُمَا مُلْحَقَانِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ لِشُمُولِ التَّصْرِيَةِ بِالْجَمِيعِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَلِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالتَّصْرِيَةِ فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ وَلَهُ مَرَاتِبُ فِي الظُّهُورِ كَتَجْعِيدِ الشَّعْرِ فَيُلْحَقُ وَالْخَفَاءِ كَنُقْطَةٍ مِنْ الْمِدَادِ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ فَلَا يلحق وبين ذلك ففيه خلاف ونذكره هَذِهِ الْمَرَاتِبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ فِي التَّصْرِيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أنها ليست بعيب
(والثانى)
وهو قول البغدايين أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ عَيْبٌ (وَأَمَّا) تَصْرِيَةُ الْجَارِيَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْخِلَافَ فِيهِ لَيْسَ مِنْ النَّمَطِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ التَّلْبِيسَ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الْجَارِيَةِ كَالتَّلْبِيسِ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الْبَهِيمَةِ وَإِنَّمَا نَشَأَ الْخِلَافُ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي خِيَارِ الْخُلْفِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الشَّرْطِ والفعل الموهم الْمُدَلِّسِ الْخُلْفُ بِالشَّرْطِ وَهُوَ دُونَهُ وَيَقْوَى أَثَرُهُ فيما يظهر توجه القصد إليه فاما مالا يَتَوَجَّهُ الْقَصْدُ إلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ التَّلْبِيسُ فِيهِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مَعَ التَّقْرِيبِ يلتحق بما قدمناه من مواقع الحلاف يَعْنِي مِنْ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي بَيْنَ الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ كما أشرنا إليه من قبل فان الشئ إذَا كَانَ لَا يُقْصَدُ مِمَّا يُجْرَى مِنْ تلبيس فيه وفاقا لا توهم وَيُمْكِنُ أَنْ يَقْرُبَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ
آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْعَ وَالْإِخْلَافَ يُعْتَادُ مُعَايَنَتُهَا وَيُدْرَكُ الْفَرْقُ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّدْيُ فِي بَنَاتِ آدَمَ فَإِنَّ الْمُشَاهَدَةَ لَا تَتَعَلَّقُ غَالِبًا بِهِ وَغَرَضُنَا تَخْرِيجُ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ عَلَى أُصُولٍ ضابطة انتهى ومقصود
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 86)
________________________________________
الامام بذلك أَنَّ الثَّدْيَ إذَا كَانَ لَا يُرَى غَالِبًا وَلَا يَحْصُلُ فِيهِ قَصْدُ التَّغْرِيرِ غَالِبًا فَلَمْ يتحقق كضرع الناقة والشاة الذى هو مرئ الْغَالِبِ وَمَقْصُودُهُ بِمَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ لَبَنَ الْجَارِيَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ أَيْ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ إلَّا عَلَى نُدُورٍ لِأَجْلِ الْحَضَانَةِ فَلَا يُلْتَحَقُ بِمَا هُوَ مَقْصُودٌ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُغْتَرَّ بِرُؤْيَةِ الْحَلَمَةِ وَهُوَ الثَّدْيُ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَهَلْ التَّصْرِيَةُ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا عَيْبٌ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
الرَّغْبَةُ فِي رَضَاعِ الْوَلَدِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ تُحَسِّنُ الثَّدْيَ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يَسْتَرْسِلُ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَلَكِنَّ غَيْرَهُ مُصَرِّحٌ بِالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَشَبَّهُوهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَبَانَتْ اخته فلا خيار لان الوطئ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ غَيْرُ مَقْصُودٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ أَصْلُهَا وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سريج وابن سلمة فيما حكاه الجوزى (وَالْآخَرُ) يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَ متقوما وهذا معني الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْعِوَضِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ بَيْعِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْحَاوِي وَفِيمَا عَلَّقَهُ سُلَيْمٌ عَنْ أَبِي حَامِدٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وهذا قول أبى حفص ابن الوكيل على ما يقتضيه كلام الجوزى وَعَلَى هَذَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ أي ولا شئ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ (وَالْآخَرُ) وَهُوَ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الرَّدِّ وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِهِ فَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَكَرَهُ فِيمَا عَلَّقَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ لا خلاف في أنها عيب إلى مُسْتَدِلًّا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ حَسَنٌ وَاسْتَدَلَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ بِأَنَّهَا نَقَصَتْ عِنْدَهُ
فَهَذَا الْوَجْهُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ مَعَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثَلَاثَتُهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ عَيْبٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 87)
________________________________________
وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُفَرَّقَةً فِي التَّعْلِيقَيْنِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَغَلَّطَهُ قَالَ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ مَنَعَ الرَّدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَقَدَّرَ الدَّارَكِيُّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ لِأَنَّ الْحَلْبَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَقَالَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُغَلَّطُ وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ فَرَّعَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ (وَقَالَ) الْإِمَامُ إذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِتَصْرِيَةِ الْجَارِيَةِ وَإِنْ قَدَّرْنَا التَّمْرَ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ فَلَمْ يَكُنْ للبن الجارية قيمة لم يجب شئ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الصَّاعَ فَهَهُنَا وَجْهَانِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّبَنُ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ كَانَ لَهُ قيمة فلابد مِنْ بَدَلِهِ وَهَلْ يُبْدَلُ بِالصَّاعِ أَوْ بِقِيمَتِهِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قُوتٍ آخَرَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا التَّخْرِيجُ حَسَنٌ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ عند الرافعى وصاحب التهذيب أنه لا يَرُدُّ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَهُوَ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَقْرَبُ عِنْدِي (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيَةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ (وَقَالَ) ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ الْأَقْيَسُ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَضْرَمِيَّ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَمَةً ذَاتَ لَبَنٍ بِلَبَنِ آدَمِيَّةٍ جَازَ وَهُوَ رَدُّ مَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّبَنُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ وَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَمَا صَحَّ بَيْعُهَا بلبن ادمية كمالا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ غنم وعلى ما تقدم من تخريج رَجَعَ النَّظَرُ إلَى تَحْقِيقِ مَنَاطٍ وَهُوَ أَنَّ لبن الجارية هل له قيمة أولا فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ بَدَلِهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ (قَالَ) لِأَنَّ نَفْيَ الْبَدَلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَقْتَضِيهِ خَبَرٌ وَلَا يُوجِبُهُ قِيَاسٌ
*
* (فَرْعٌ)
* حُكْمُ الْخَيْلِ حُكْمُ الجارية ذكره الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْجَارِيَةِ الثَّلَاثَةَ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَنَا فِي تَصْرِيَةِ لَبَنِ الْجَارِيَةِ قَوْلَانِ وَفِي الْأَتَانِ وَجْهَانِ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَارِيَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ رَدَدْتُ الْقَوْلَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 88)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* مِنْ جُمْلَةِ الْعُلَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ حُكْمَ التَّصْرِيَةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَبْوِيبِهِ بَابُ النَّهْيِ " لِلْبَائِعِ أَنْ لَا يُحَفِّلَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ وَالْمُصَرَّاةُ الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ وَجُمِعَ فَلَمْ تُحْلَبْ أَيَّامًا " وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ حَدِيثًا فِيهِ صِيغَةٌ عَامَّةٌ بِنَعْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* حَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يَرُدُّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَرُدُّ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ فَالثَّانِي في التنبيه هو الثاني في المهذب والاولى فِي الثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الثَّالِثَ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَلَا شئ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّابِعَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الرَّدِّ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِ التَّنْبِيهِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ أَيْ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَقَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ هُوَ مَا ظَنَّ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ (قُلْتُ) وَأَمَّا تَفْسِيرُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِكَلَامِ الشيخ فممنوع لما تقدم وأما كلام لبن يُونُسَ فَمُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعْلَهُمَا مُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ وَهُوَ الِاحْتِمَالُ الَّذِي قُلْتُ إنَّهُ الْأَوْلَى وَحِينَئِذٍ لَا يُنْسَبُ إلَى ابْنِ يُونُسَ حُمِلَ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى أتانا مصراة فان قلنا بقول الاصطخرى أن لبنها طاهر ردها ورد معها بدل اللبن كالشاة (وان قلنا) بالمنصوص أنه نجس ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ لَا قيمة له فلا يقابل ببدل
(والثانى)
يمسكها ويأخذ الارش لانه لا يمكن ردها مع البدل لانه لا بدل له ولا ردها من غير بدل لما فيه من إسقاط حق البائع من لبنها ولا إمساكها بالثمن لانه لَمْ يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهُ الْأَتَانُ مع اللبن ولم تسلم فوجب أن تمسك ويأخذ الارش)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 89)
________________________________________
* (الشَّرْحُ)
* الْأَتَانُ الْأُنْثَى مِنْ الْحُمُرِ وَقَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ رحمه الله بطهارة لبنها معروف مشهور
وهوى يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ وَحِلِّ تَنَاوُلِهِ وَعَدَّهُ الْإِمَامُ مِنْ هَفَوَاتِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّ مِنْ أصحابنا من حكم بطهارة لبنها وجزمه وَهَذَا بَعِيدٌ وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَصْرِيَةَ الْأَتَانِ هَلْ هِيَ عَيْبٌ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا عَيْبٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ إذَا عُرِفَ ذلك ففى حكم تصرية الاتان طرق (احداهما) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ لَبَنِهَا رَدَّهَا وَرَدَّ بَدَلَ اللَّبَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَتِهِ فَقِيلَ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا وَقِيلَ يُمْسِكُهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الَّتِي ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حسين من الخراسانيين أنه هل يرد أولا يَرُدُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَةِ لَبَنِهَا رَدَّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِطَهَارَةِ لَبَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ فَهَلْ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى وَجْهَيْنِ كالجارية وأناث الخيل وهذا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْجَزْمُ بِرَدِّهَا وَتَخْرِيجُ رَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ عَلَى الْخِلَافِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِطَهَارَتِهِ رَدَّ بَدَلَهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَتِهِ لَا يَرُدُّ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا بَدَلَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ وَهَذِهِ تُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ يَتَرَدَّدُ فِي رَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَأَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ جَازِمَانِ بِهِ وَتُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ يُمْسِكُهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَقَدْ نَقَلَ الشَّاشِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ الْأَوْجُهَ الَّتِي فِي الْجَارِيَةِ فِي الْأَتَانِ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضُهَا فِي كَلَامِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ) الَّتِي ارْتَضَاهَا الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا اللبن نجس فلا يقابل بشئ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ إذْ قَدْ يَقْصِدُ غَزَارَةَ لَبَنِهَا لِمَكَانِ الْجَحْشِ فَيَلْتَحِقَ هَذَا الْخِيَارُ بِقَبُولِ التَّرَدُّدِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَكَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْمُحَرَّمُ لَا يُتَقَوَّمُ وَإِنْ حَكَمْنَا بِحِلِّهِ فَالْقَوْلُ فِي تَصْرِيَةِ الْأَتَانِ كَالْقَوْلِ فِي تَصْرِيَةِ الْجَارِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 90)
________________________________________
كَلَامُهُ فِي الْجَارِيَةِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُوَافِقُ طَرِيقَةَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي إلْحَاقِهَا بِالْجَارِيَةِ عَلَى قَوْلِ طَهَارَةِ اللَّبَنِ وَحِلِّهِ وَتُخَالِفُهَا فِي أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَحْكِ الْقَوْلَ بِتَحْرِيمِ اللَّبَنِ مَعَ طَهَارَتِهِ وَلَا التَّفْرِيعَ عَلَيْهِ وَفِي أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَبْنِ الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرَ
الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِشُمُولِ الْحُكْمِ لِلْجَمِيعِ فَالْمَاوَرْدِيُّ جَازِمٌ عَلَى قَوْلِنَا بنجاسة اللبن يرد الاتان ولا شئ مَعَهَا وَالْإِمَامُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ التَّرَدُّدُ فِي رَدِّهَا وَطَرِيقَةُ الْإِمَامِ تُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِمْسَاكِهَا بِالْأَرْشِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِطَهَارَةِ اللَّبَنِ مَعَ تَحْرِيمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اخْتِصَارِ النِّهَايَةِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ من التردد في ثبوت الخيار فتلخص مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يردها ويرد معها بدل اللبن (الثاني) أنه يردها ولا يرد معها شيأ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّنْبِيهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ (الرَّابِعُ) الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَنَّهُ لا يردها ولا شئ لَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ وَمُرَادُهُ بِهِ إلْحَاقُهُ بِالْمَرْتَبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَيَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَقْتَضِي كَلَامُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورُ إثْبَاتَ وَجْهٍ كَمَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ حَيْثُ أَلْحَقَ الْأَتَانَ بِالْجَارِيَةِ وَحَيْثُ حَكَى الْخِلَافَ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ فِي أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِيهَا عَيْبٌ أَوْ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ وَكَلَامُ غَيْرِهِ أَيْضًا وَهَذَا الْوَجْهُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ أَنْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا عَيْبٌ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْخِيَارِ مُسْتَمَدٌّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فَيُجَوِّزُونَ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ وَهِيَ نَظِيرُ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 91)
________________________________________
الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَآخِذُ مُخْتَلِفَةٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُهُمْ فِي التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ إنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَ بَدَلِ لَبَنِ الشَّاةِ قَالَ وَعِنْدِي يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْأَرْشَ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَا يُسَاوِي لَبَنَ الْأَنْعَامِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ فِي تَقْدِيرِ بَدَلِهِ كَمَا أَنَّ جَنِينَ الْبَهِيمَةِ لَمَّا لم يساوى جنين الآدمية ضمن بها يقضى مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَوْ ثَبَتَ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَجَعْلِهِ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ لَا يُفَارِقُ لَبَنَ الْأَنْعَامِ وَإِنْ كان أَنْقَصَ قِيمَةً مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَ الْأَنْعَامِ لَبَنُهَا أَنْقُصُ قِيمَةً مِنْ بَعْضٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ
وَلَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَاكَ بَلْ قَالَ إنَّ الْأَقْيَسَ أَنَّهُ يَجِبُ رَدَّ بَدَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* قَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ " لَمْ يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهُ الْأَتَانُ مَعَ اللَّبَنِ " وَكَذَا قوله فيما تقدم في الجارية " لم يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ مَا دُلِّسَ بِهِ مِنْ اللَّبَنِ " رَأَيْتُهَا مَضْبُوطَةً فِي بَعْضِ النُّسَخِ - بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ - وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقْرَأَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ - فَإِنَّ الْبَائِعَ سَلَّمَ الْأَتَانَ مَعَ اللَّبَنِ وَلَكِنْ حَصَلَتْ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةُ لِلْمُشْتَرِي
*
* (فَرْعٌ)
* جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ الْأَتَانَ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَتَرَدَّدَ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ مَعَ الْجَزْمِ فِيهَا بأنه لا يرد بدله اللَّبَنِ فَأَمَّا جَزْمُهُ بِرَدِّ الْأَتَانِ وَتَرَدُّدِهِ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ فَلِأَنَّ لَبَنَ الْأَتَانِ مَقْصُودٌ وَلَا يُسَاوِيهِ لَبَنُ الْجَارِيَةِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُهَذَّبِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ إنَّهُ يأخذ الْأَرْشِ يَكُونُ اللَّبَنُ فِي الْأَتَانِ مَقْصُودًا فَلَمْ يَتَرَدَّدْ قَوْلُهُ لَا فِي الْمُهَذَّبِ وَلَا فِي التنبيه في أن لبن الاتان مقصود لكن امْتِنَاعَ رَدِّ بَدَلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَجْلِ نَجَاسَتِهِ وَإِنْ كُنَّا قَدْ حَكَيْنَا عَنْ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهًا رَابِعًا بِعَدَمِ الرَّدِّ مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ (أما) جَزْمُهُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ بَدَلَ لَبَنِ الْأَتَانِ فَإِنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي نَجَاسَتِهِ وَزَعَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ أَوْ بِطَهَارَتِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيُّ قَالَ وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ يَجِبُ الصَّاعُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ كان الخلاف
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 92)
________________________________________
ثَابِتًا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لَا يَحْسُنُ أَنْ نَشْرَحَ بِهِ كَلَامَ التَّنْبِيهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ فِي الْمُهَذَّبِ جَازِمٌ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِذَلِكَ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الطَّرِيقَانِ حَتَّى يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى طَرِيقَةٍ وَكَلَامُهُ فِي الْمُهَذَّبِ عَلَى طَرِيقَةٍ أُخْرَى وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكَ الطُّرُقُ المذكورة في ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (إذا ابتاع شاة بشرط أن تحلب كل يوم خمسة أرطال ففيه وجهان بناء على القولين فيمن باع شاة وشرط حملها
(أحدهما)
لا يصح لانه شرط مجهول فلم يصح
(والثانى)
أنه يصح لانه يعلم بالعادة فصح شرطه فعلى هذا إذا لم تحلب المشروط فهو بالخيار بين الامساك والرد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِيهَا بِعَدَمِ صحة المبيع
وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَطْعًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ لِلْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ التَّصْرِيَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَجَزَمَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ صَرَّحَ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّهَا لَبُونٌ فَإِنْ كَانَتْ تُدِرُّ لَبَنًا وَإِنْ قَلَّ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ أَصْلًا فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ وَنَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ أَيْضًا وَلَوْ شَرَطَ أنها غزيرة اللبن فتبين نزارته فله الرد قاله الرويانى وكلتا المسئلتين لا إشكال فيه بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ حِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ وَحِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا عَنْ التَّتِمَّةِ وَلَمْ أَرَهُمَا فِيهَا بَلْ الَّذِي رَأَيْتُ فِيهَا الْبُطْلَانُ وَالْمُصَنِّفُ الْمَذْكُورُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي عصرون وذلك وهم مِنْهُ وَلَعَلَّهُ جَاءَ يَكْتُبُ الْمُهَذَّبَ كَتَبَ التَّتِمَّةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلِبُ كُلَّ يَوْمٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 93)
________________________________________
كَذَا وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَقْلٌ خَارِجٌ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ الْعُمْرَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلْمُصَنِّفِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الشَّاةَ تَضَعُ لِرَأْسِ الشَّهْرِ مثلا والمشهور في المسئلتين الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ وَلَمْ أَرَ الْخِلَافَ إلَّا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالرُّويَانِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي النَّقْلِ فَهُوَ الثِّقَةُ الْأَمِينُ وَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ من جهة الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ فَإِنَّ الشَّاةَ الَّتِي خَبِرَهَا الْبَائِعُ وَجَرَّبَهَا دَائِمًا وَهِيَ تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَذَا الْعَقْدُ الَّذِي جَرَّبَ وُجُودَهُ مِنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ دَوَامُهُ أَمَّا وَضْعُ الْحَمْلِ لِرَأْسِ الشَّهْرِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْعُمْرَانِيِّ فَذَلِكَ بَعِيدٌ إلَّا عَلَى إرَادَةِ التَّقْرِيبِ الْكَثِيرِ نَعَمْ هَهُنَا كَلَامَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ اشْتِرَاطِ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ اللَّبَنِ وَاشْتِرَاطُ الْحَمْلِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا حَامِلًا نَظِيرُهُ اشْتِرَاطُ مِقْدَارٍ مِنْ اللَّبَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَاشْتِرَاطِ مِقْدَارٍ أَوْ وَصْفٍ
فِي الْحَمْلِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ به (واعلم) أن ههنا ثلاثة مَرَاتِبَ (إحْدَاهَا) يُشْتَرَطُ مِقْدَارٌ أَوْ وَصْفٌ فِي الْحَمْلِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى عِلْمِهِ وَلَا ظَنِّهِ (الثَّانِيَةُ) اشْتِرَاطُ أَصْلِ الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ لانه معلوم موجود عليه أمارات ظاهرة (الثَّالِثَةُ) اشْتِرَاطُ مِقْدَارٍ مِنْ اللَّبَنِ فَهَذَا قَدْرٌ يَقُومُ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ لِعَادَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَنَحْوِهَا وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَشْبَهَ الْحَمْلَ وَيُفَارِقُهُ مِنْ جِهَةِ أنه متعلق بأمر مستقبل يخرج كثيرا فللذلك جرى التردد فيه (الثاني) أن بناء المصنف الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْحَبَلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ صِحَّةَ الشَّرْطِ هَهُنَا لِأَنَّ الشَّرْطَ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ الْحَبَلِ لَكِنَّ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ مِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى حكاية الخلاف صحح الْبُطْلَانَ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِهِ وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْتُهُ وَجَعَلْتُهُ مِنْ رُتْبَةٍ مُنْحَطَّةٍ غَيْرِ رُتْبَةِ أَصْلِ الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 94)
________________________________________
* (التَّفْرِيعُ)
* إذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فَأَخْلَفَ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْمُصَرَّاةِ بَلْ أَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا بِشَرْطٍ صَرِيحٍ وَذَاكَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ التَّغْرِيرِ وَمُقْتَضَى إلْحَاقِهَا بِالْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الْخُلْفُ قَبْلَ الثَّلَاثِ يُجْرَى فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُصَرَّاةِ فِي أَنَّهُ يَمْتَدُّ الْخِيَارُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ انْقِضَاءِ الثلاث على الاوجه السابقة فلو ظهر الخف بَعْدَ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ كَالْمُصَرَّاةِ وَلَا يَأْتِي هَهُنَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَعْدَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هُنَاكَ مَأْخَذَهُ أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَهَهُنَا ثَابِتٌ بِالشَّرْطِ وَأَيْضًا الْخِيَارُ فِي التَّصْرِيَةِ خِيَارُ عَيْبٍ عَلَى قَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا هُنَا فَخِيَارُ خُلْفٍ لَيْسَ إلَّا نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ نَقْصُ اللَّبَنِ ههنا بعد مدة فان كان ذلك بطريان حَادِثٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَالُهُ بِحَالٍ نَقَصَ اللَّبَنُ عَلَيْهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا أَثَرَ لِلنَّقْصِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا دَامَ اللَّبَنُ وَثَبَتَ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْطِ حَصَلَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ مِزَاجُ الْحَيَوَانِ وَالنَّقْصُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى تَغَيُّرٍ طَرَأَ وَكَذَلِكَ فِي الْمُصَرَّاةِ لِدَوَامِ اللَّبَنِ مُدَّةً ثُمَّ حَصَلَ نَقْصٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِذَلِكَ وُجُودُ التَّصْرِيَةِ بَلْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْصٍ حَادِثٍ وَإِنَّمَا يَبْقَى ثُبُوتُ الْخِيَارِ
حِينَئِذٍ إذَا اعْتَرَفَ الْبَائِعُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَرَّاهَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مُتَعَيِّنٌ (وَأَمَّا) مِقْدَارُ الْمُدَّةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذَا حَلَبَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ واللبن على حاله لم يتغير فنغيره بعد ذلك لا يؤثر وتكون الثلاث ضَابِطًا لِذَلِكَ لِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ إيَّاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُضْبَطَ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ النَّقْصَ لِأَمْرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ طَارِئٍ والله سبحانه أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 95)
________________________________________
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (إذا ابتاع جَارِيَةً قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا سبطة أو سود شعرها ثُمَّ بَانَ بَيَاضُ شَعْرِهَا أَوْ حَمَّرَ وَجْهَهَا ثم بان صفرة وجهها ثبت له الرد لانه تدليس بما يختلف به الثمن فثبت به الخيار كالتصرية وان سبط شعرها ثم بان انها جعدة ففيه وجهان
(أحدهما)
لا خيار له لان الجعدة أكمل وأكثر ثمنا
(والثانى)
أنه يثبت له الخيار لانه قد تكون السبطة أحب إليه وأحسن عنده وهذا لا يصح لانه لا اعتبار به وانما الاعتبار بما يزيد في الثمن والجعدة أكثر ثمنا من السبطة وان ابتاع صبرة ثم بان انها كانت عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظاهرها في الجودة ثبت له الرد لما ذكرناه من العلة في المسألة قبلها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْفَصْلُ يَتَضَمَّنُ مَسَائِلَ مِنْ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ مُلْحَقَةً بِالْمُصَرَّاةِ إمَّا بِلَا خِلَافٍ وَإِمَّا عَلَى وَجْهٍ وَقَدْ كُنْتُ أَشَرْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ وَوَعَدْت بِذَكَرِهَا هَهُنَا وَلْنَجْعَلْ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً عَلَى مَسَائِلِ الْفَصْلِ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ نَصُّوا بِأَنَّ كُلَّ تَلْبِيسٍ حَالٌّ مَحَلَّ التَّصْرِيَةِ مِنْ الْبَهِيمَةِ إذَا فُرِضَ اخْتِلَافٌ فِيهِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فَلَوْ جَعَّدَ الرَّجُلُ شَعْرًا تَجْعِيدًا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ تَجْعِيدِ الْخِلْقَةِ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَنَزَّلُوا التَّجْعِيدَ مَنْزِلَةَ اشْتِرَاطِ الْجُعُودَةِ وَقَدْ طَرَدْت فِي هَذَا مَسْلَكًا فِي الْأَسَالِيبِ وَإِذَا جَرَى الحالف بشئ لَا ظُهُورَ لَهُ فَلَا مُبَالَاةَ بِهِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ نُقْطَةٌ مِنْ مِدَادٍ فَهَذَا لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا وَلَوْ كَانَ وَقَعَ الْمِدَادُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مِنْ مَنْزِلَةِ أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى الْكِتَابَةَ فَإِذَا أَخْلَفَ الظَّنَّ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وجهان وإذا بني الامر على ظهور شئ فِي الْعَادَةِ فَمَا تَنَاهَى ظُهُورُهُ يَتَأَصَّلُ فِي الباب ومالا يَظْهَرُ يَخْرُجُ عَنْهُ وَمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ
فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ منبه على المراتب الثلاثة الَّتِي يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهَا جَزْمًا وَاَلَّتِي لَا يَثْبُتُ جَزْمًا وَاَلَّتِي
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 96)
________________________________________
يَتَرَدَّدُ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَرْتَبَةَ الَّتِي يُجْزَمُ بِعَدَمِ الْخِيَارِ فِيهَا اقْتِصَارًا مِنْهُ عَلَى مَا يُلْحَقُ بِالتَّصْرِيَةِ جَزْمًا أَوْ عَلَى وَجْهٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى أَمْثِلَةً (مِنْهَا) إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا سَبْطَةٌ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِالْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ (وَأَيْضًا) الْجُعُودَةُ قِيلَ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْجَسَدِ وَالسُّبُوطَةُ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ وَلِلْمَسْأَلَةِ شَرْطَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَأَى الشعر فلو لم يرده فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَكُونُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ الصِّحَّةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَعَلَى الثَّانِي إذَا لَمْ يَرَهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا إذَا شَرَطَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا جَعْدَةً فَوَجَدَهَا سَبْطَةً فَلَهُ الرَّدُّ فَالْأَكْثَرُونَ حَمَلُوهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا بِنَاءً عَلَى الصحيح عندهم أنه لابد من رؤية الشعر وعلى وجه الثَّانِي يُحْتَمَلُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا جَعْدَةٌ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ حَمْلِهِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ يرد وَلَا يُعْرَفُ جُعُودُهُ وَسُبُوطَتُهُ لِعُرُوضِ مَا يَسْتَوِي الْحَالَتَانِ عِنْدَهُ مِنْ الِابْتِلَالِ وَقُرْبِ الْعَهْدِ بِالتَّسْرِيحِ وَنَحْوِهِمَا فَفِي كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مَنْصُوصَةً لِلشَّافِعِيِّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي رُؤْيَةِ الشَّعْرِ نَشَأَ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا جَعْدَةً فَوَجَدَهَا سَبْطَةً فَلَهُ الرَّدُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الشَّرْطِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ إذَا جَعَّدَ شَعْرَهَا بِالتَّدْلِيسِ (الشَّرْطُ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ التَّجْعِيدَ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يتيمز عَنْ تَجْعِيدِ الْخِلْقَةِ وَالْأَكْثَرُونَ سَاكِتُونَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّجْعِيدُ يَسِيرًا بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِغَالِبِ النَّاسِ أَنَّهُ مَصْنُوعٌ فَالْمُشْتَرِي مَنْسُوبٌ إلَى تَفْرِيطٍ أَمَّا إذَا كَانَ التَّجْعِيدُ بِحَيْثُ يُوهِمُ كَوْنَهُ خُلُقِيًّا فَهَذَا هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْخِيَارِ وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ (وَشَرْطٌ ثَالِثٌ) فِيهِ نِزَاعٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَجْعِيدَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلَوْ تَجَعَّدَ بِنَفْسِهِ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ في الابانة بعدم الخيار
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 97)
________________________________________
والاشبه يخرجه علي ما إذا تحلفت الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا وَفِي الصَّحِيحِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ ثُبُوتُهُ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ نَظَرَ إلَى شَعْرِهَا فَرَآهُ جَعْدًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَانَ أَنَّهُ سَبِطٌ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعُمُومِهَا تَشْمَلُ مَا إذَا تَجَعَّدَ بِنَفْسِهِ وَمَا إذَا جَعَّدَهُ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْفُورَانِيُّ أَيْضًا فِي الْعُمْدَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَجَعُّدِ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ تُحَفَّلَ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ مِثْلَ مَا نَصُّوا عَلَى تَحَفُّلِ الشَّاةِ لِأَنَّ تَحَفُّلَ الشَّاةَ بِنَفْسِهَا قَدْ يَقَعُ كَثِيرًا (وَأَمَّا) تَجَعُّدُ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ فَبَعِيدٌ لَا يَتَأَتَّى فِي الْعَادَةِ فَأُفْرِضَ وقوعه فهو كتحفل الشَّاةِ بِنَفْسِهَا وَلَعَلَّ الْفُورَانِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا كَمَا رَأَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ فَيَكُونُ جَزْمُهُ فِي تَجْعِيدِ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ
* (تَنْبِيهٌ)
* الْمُرَادُ بِالتَّجْعِيدِ مَا يُخْرِجُ الشَّعْرَ عَنْ السُّبُوطَةِ المكروهة عند العرب وهو ما يظهر إذَا أُرْسِلَ مِنْ التَّكْسِيرِ وَالتَّقَبُّضِ وَالِالْتِوَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَبْلُغَ الْجَعْدَ الْقَطَطَ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا وَأَحْسَنُ الشَّعْرِ مَا كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي وَصْفِ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ شَعْرًا رَجْلًا لَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجْلًا " (وَقَوْلُهُ) سَبْطٌ هُوَ - بِفَتْحِ السِّينِ وَبِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - أَيْ مُسْتَرْسِلَةُ الشَّعْرِ مِنْ غَيْرِ تَقَبُّضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى إذَا سَوَّدَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ بَيَاضُ شَعْرِهَا أَوْ حَمَّرَ وَجْهَهَا ثُمَّ بَانَ صُفْرَةُ وَجْهِهَا ثَبَتَ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا إذَا جَعَّدَ شَعْرَهَا حَرْفًا بِحَرْفٍ وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فِيمَا إذَا حَصَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَ هَهُنَا وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَالْخَدَّيْنِ يَكُونُ بِالدِّمَامِ وَهُوَ (الْكُلْكُونُ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْإِحْدَادِ وَهِيَ - بِكَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ مشددة مفتوحة أيضا ثم كاف ثانية مضمونة ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ -
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 98)
________________________________________
وَأَصْلُهُ كُلْكُونُ - بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ - وَ (الْكُلُّ) الْوَرْدُ وَ (الْكَوْنُ) اللَّوْنُ أَيْ لَوْنُ الْوَرْدِ وَهِيَ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ هَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّهْذِيبِ وَمِنْ مَسَائِلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ إذَا بَيَّضَ وَجْهَهَا بِالطِّلَاءِ ثُمَّ اسْمَرَّ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ والطلاوة بياض وذلك إذا صغ الْحِمَارَ حَتَّى حَسُنَ لَوْنُهُ أَوْ نَفَخَ فِيهِ حتى صار بالنفخ كأنها دَابَّةٌ سَمِينَةٌ قَالَهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَوْ دَهَنَ شَعْرَ الدَّابَّةِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ رَحًى قَلِيلَةُ الْمَاءِ فَأَرَادَ العرض على البيع والاجازة أَرْسَلَ ذَلِكَ الْمَاءَ الْمَحْبُوسَ حَتَّى ظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الرَّحَى كَثِيرَةُ الْمَاءِ شَدِيدَةُ الدَّوْرَانِ ثُمَّ ظهر أن الماء قليل اتفق الاصحاب عليهم وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَ عَلَيْهَا وكذلك إذَا حَبَسَ مَاءَ الْقَنَاةِ ثُمَّ أَطْلَقَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَعْنِي إجَارَةَ الْأَرْضِ فَكَذَا إذَا أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ فِي وَجْهِ الْجَارِيَةِ فَانْتَفَخَ وَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي سَمِينَةً ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ أَوْ لَوَّنَ جَوْهَرًا بِلَوْنِ الْبَلْخَشِ أَوْ الْعَقِيقِ أَوْ الْيَاقُوتِ فَظَنَّهُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ ثُمَّ بَانَ زُجَاجًا لَهُ قِيمَةٌ بِحَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهُ صَحَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَوْلُهُ) بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ يُحْتَرَزُ بِهِ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ كَالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَبِطَهُ فَبَانَ جَعْدًا فَإِنَّ الثَّمَنَ يَزِيدُ بِهِ وما أشبهها ممالا يَنْقُصُ الثَّمَنُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُخَضِّبْ الشَّعْرَ وَلَا شَرَطَ سَوَادَهُ وَلَكِنْ بَاعَهَا مُطْلَقًا فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي بَيْضَاءَ الشَّعْرِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَلَوْ لَمْ يُلَوِّنْ الْجَوْهَرَ وَبَاعَهُ مُطْلَقًا وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّهُ عَقِيقًا أَوْ فَيْرُوزَجًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا خِيَارَ لَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً وَقَدْ عَظُمَ بَطْنُهَا فَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي حَامِلًا وَلَمْ تَكُنْ فَلَا خِيَارَ ولك أن تقول إذ ظَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى أَمْرٍ صحيح الجزم بعد الْخِيَارِ (وَأَمَّا) إذَا عَظُمَ بَطْنُ الْبَهِيمَةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْبَائِعِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ عَلْفَهَا حَتَّى صَارَتْ كَذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى وَجْهٍ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا فَيُجْرَى فِيهَا ذَلِكَ الْخِلَافُ وَكَذَلِكَ إذَا تَلَوَّنَ الْجَوْهَرُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حَكَمَ الشَّاةِ إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ الظَّنَّ فِيهِ قَوِيٌّ بِخِلَافِ انْتِفَاخِ الْبَطْنِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) مَا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا خِلَافٌ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُ مَا مَثَارُ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ ضَعْفِ الظَّنِّ وَمِنْهُ مَا مَثَارُ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ خُرُوجِهِ عَلَى أَكْمَلِ مِمَّا ظَنَّهُ وَلْنُقَدِّمْ الْكَلَامَ فِي هَذَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 99)
________________________________________
اللَّهُ إذَا سَبَطَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا جَعْدَةُ الشَّعْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَعْدَ أَشْرَفُ وَقَدْ يَكُونُ السَّبْطُ أَشْهَى إلَى بَعْضِ الناس ففى المسألة طريقان (إحْدَاهُمَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَارْتَضَاهُ الْإِمَامُ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَيْهَا
أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ أَنَّهَا سَبْطَةُ الشَّعْرِ فَبَانَتْ جَعْدَةً فَفِي الْخِيَارِ بِالْخُلْفِ فِي هَذَا الشَّرْطِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا (أَصَحُّهُمَا) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لا خيار ولذي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي شَرْطِ السُّبُوطَةِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي التَّدْلِيسِ بِالسُّبُوطَةِ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ ثَبَتَ فِي الْخُلْفِ بِاشْتِرَاطِهَا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجَعَلَ ذَلِكَ ضَابِطًا عَامًا إنَّ كُلَّ مَا لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا وَاتَّصَلَ الْخُلْفُ بِهِ اقْتَضَى خِيَارًا وَجْهًا وَاحِدًا فَالتَّدْلِيسُ الظَّاهِرُ فِيهِ كَالشَّرْطِ فَإِذَا جَعَّدَ شَعْرَ الْمَمْلُوكِ ثُمَّ بَانَ سَبْطًا ثَبَتَ الْخِيَارُ وَكُلُّ مَا لَوْ فُرِضَ مَشْهُورًا وَصُوِّرَ الْخُلْفُ فِيهِ فَكَانَ فِي الْخِيَارِ وَجْهَانِ فَإِذَا فُرِضَ التدليس فيه ثم تترتب عَلَيْهِ خُلْفُ الظَّنِّ قَالَ لَا خِيَارَ وَجْهًا وَاحِدًا لِضَعْفِ الْمَظْنُونِ أَوَّلًا وَقُصُورِ الْفِعْلِ فِي الْبَابِ عَنْ الْقَوْلِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ وَالتَّدْلِيسُ فِي ظَاهِرِ الْفِعْلِ كالقول في محال الْوِفَاقِ وَالْخِلَافُ عَلَى الِاطِّرَادِ وَالِاسْتِوَاءِ فَإِذَا سَبَطَ الرَّجُلُ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّ شَعْرَهَا جَعْدٌ فَفِي الْخِيَارِ الْوَجْهَانِ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَكَ أَنْ تَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ تَحَكُّمٌ عَجَبًا ظَاهِرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ عِنْدَ التَّغْرِيرِ بِالْفِعْلِ التَّصْرِيَةُ بِلَا نِزَاعٍ وَقَدْ حَكَى أَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ إثْبَاتُهُ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ أَجْوَدَ مِمَّا رَآهُ لِأَنَّهُ لَا عَيْبَ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي قَطْعِهِ نَاظِرًا لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَعَلَّهُ هُوَ قَائِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ قَائِلُهُ اسْتَفَدْنَا مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ (قُلْتُ) وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الصَّيْدَلَانِيَّ إنَّمَا عَلَّلَ انْتِفَاءَ الْخِيَارِ لِضَعْفِ الظَّنِّ وَقُصُورِ الْفِعْلِ عَنْ الْقَوْلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ وَالظَّنُّ مُعْتَبَرًا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 100)
________________________________________
فِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ قِيلَ بِمُسَاوَاةِ ذَلِكَ الْقَوْلِ فَيَثْبُتُ فِيهِمَا وَإِنْ قِيلَ بِاعْتِبَارِهِ مَعَ انْحِطَاطِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْقَوْلِ حَتَّى يُجْرَى الْخِلَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الْأُولَى قَطْعًا كَالْقَوْلِ وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ قَطْعًا لا وجه وَلَوْ كَانَ الصَّيْدَلَانِيُّ سَكَتَ عَنْ التَّعْلِيلِ لَأَمْكَنَ تَحَمُّلُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ فِي الْأُولَى بِالْعَيْبِ وَمُنْتَفٍ فِي الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ الْعَيْبِ لَكِنَّ كَلَامَهُ نَاصٌّ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ كَالشَّرْطِ فِي الصورة الاولى وعلى أن انْتِفَاءِ الثَّانِيَةِ
لِضَعْفِ الظَّنِّ وَقُصُورِ الْفِعْلِ فَلَا جَرَمَ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ (الثَّانِي) أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ فِي التَّصْرِيَةِ مَأْخَذُهُ الْإِلْحَاقُ بِالْعَيْبِ مَعْنَاهُ الِاكْتِفَاءُ فِي ثُبُوتِهِ بِفَوَاتِ الَّذِي وَطَّنَ الْمُشْتَرِي نَفْسَهُ عَلَيْهِ بِرُؤْيَتِهِ لِلْمَبِيعِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَمُقَابَلَةُ الْقَوْلِ الَّذِي يَلْحَقُ ذَلِكَ بِخِيَارِ الْخُلْفِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْخِيَارُ إلَّا إذَا كَانَ حَاصِلًا بِتَدْلِيسٍ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ هَهُنَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى السُّبُوطَةِ لَمَّا رَآهَا وَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ فَلَيْسَ مَعْنَى إلْحَاقِ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ إلَّا جَعْلَ دَلَالَةِ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ كَدَلَالَةِ الْغَلَبَةِ عَلَى وَصْفِ السَّلَامَةِ فَخُرُوجُهَا عَلَى غَيْرِ الْوَصْفِ الَّذِي رَآهُ هُوَ الْعَيْبُ وَلَيْسَ الْوَصْفُ الَّذِي رَآهُ مِنْ السُّبُوطَةِ أَوْ كِبَرِ الضَّرْعَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالتَّصْرِيَةِ عَيْبًا وَاَلَّذِي يَقُولُ بِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ السَّبْطِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ جَعْدًا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ إذَا كَانَ الْغَرَضُ قَدْ تَعَلَّقَ بِسُبُوطَتِهِ بِاشْتِرَاطٍ أَوْ بِرُؤْيَةٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّحِيحَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْعَيْبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَلِذَلِكَ كَانَ الصَّحِيحُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا (وَالطَّرِيقَةُ) الصَّحِيحَةُ هَهُنَا جريان الوجهين لو كَانَ الْمَأْخَذُ فِي ذَلِكَ إلْحَاقُهُ بِالْعَيْبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَقَطَعُوا بِعَدَمِ الْخِيَارِ هَهُنَا وَأَمَّا كون الصحيح من الوجهين ههنا أنه لاخيار فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَخْلَفَ الشَّرْطَ لِصِفَةٍ أَكْمَلَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُتَّفَقٌ عَلَى إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّدِّ بِحُكْمِ ذَلِكَ فَعَلَى وَجْهٍ يُرَدُّ كَمَا فِي التَّصْرِيَةِ وَعَلَى الصَّحِيحِ لَا يُرَدُّ لِخُرُوجِهِ أَكْمَلَ وَهُوَ لَوْ شَرَطَ وَصْفًا فَخَرَجَ أَكْمَلَ لَمْ يرد
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 101)
________________________________________
عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَلَا يَكُونُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ فِي الْجُمْلَةِ نَعَمْ كَلَامُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ ضَعْفِ الظَّنِّ وَتَصَوُّرِ الْفِعْلِ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ فِي إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَدَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ أَيْ لَا اعْتِبَارَ بِغَرَضِ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ لِعُمُومِ النَّاسِ وَهَذَا سَيَأْتِي مِثْلُهُ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ السُّبُوطَةِ فَخَرَجَتْ جَعْدَةً
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَجْلِ التَّصْرِيحِ وَقِيلَ فيه وجهان فحصل في كل من المسئلتين طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ فِيهِمَا) إجْرَاءُ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ فِي المسألة الشرط يثبت قطعا وقيل في المسألة التَّدْلِيسِ لَا يَثْبُتُ قَطْعًا (الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ) الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ ما يضعف الظن فيه الخلاف فِي هَذَا الْقِسْمِ فِي إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ لِأَجْلِ التَّغْرِيرِ وَالظَّنِّ أَوَّلًا لِضَعْفِ الظَّنِّ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَقُصُورِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَالظَّنِّ الْمُسْنَدِ إلَى أَمْرٍ غَالِبٍ فَمِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هذا يقرب استكشافه وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ بِخِلَافِ تَسْوِيدِ الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَمِنْ ذَلِكَ لَوْ لَطَخَ ثَوْبَ الْعَبْدِ بِالْمِدَادِ أَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْكَتَبَةِ وَالْخَبَّازِينَ أَوْ سَوَّدَ أَنَامِلَهُ وَخُيِّلَ كَوْنُهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا فَبَانَ خِلَافَهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلتَّلْبِيسِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وغيره لاخيار وَبِهِ جَزَمَ الْجُرْجَانِيُّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَلْبِسُ ثَوْبَ غَيْرِهِ عَارِيَّةً فَالذَّنْبُ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ اغْتَرَّ بِمَا لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ تَغْرِيرٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْأَتْرَاكِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَمْلُوكَ تُرْكِيٌّ وَكَانَ رُومِيًّا فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْثَرَ عَلْفَ الْبَهِيمَةِ حَتَّى انْتَفَخَ بَطْنُهَا فَتَخَيَّلَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهَا حَامِلًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي قَوْلًا عَنْ الاصحاب والرافعي وكذلك لَوْ أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ فِي ضَرْعِهَا حَتَّى انْتَفَخَ وَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي لَبُونًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكَادُ يَلْتَبِسُ عَلَى الْخَبِيرِ وَمَعْرِفَةُ اللَّبَنِ مُتَيَسِّرَةٌ بِعَصْرِ الثَّدْيِ بِخِلَافِ صُورَةِ التصرية وكثرة
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 102)
________________________________________
اللَّبَنِ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا وَقِيلَ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِي مَسْأَلَةِ تَحَمُّلِ الْحَمْلِ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ فِي الدَّوَابِّ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَالْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَيْبٌ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا إذَا سَبَطَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا جَعْدَةٌ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعُدُّهُ وَصْفَ كَمَالٍ وَقَدْ أَسْلَفْتُ مَا فِيهِ (قُلْتُ) وَكَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ عَلَى طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ بِعَدَمِ الْخِيَارِ كَمَا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ هُنَاكَ وَانْتَصَرَ لَهُ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ بَيَّنْتُ هُنَاكَ مَا يَرُدُّهُ مِنْ كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ أَمَّا هَهُنَا فَلَا يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِكَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْحَمْلُ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فَقَدْ يقصده بعض العقلاء ويتعلق العرض بِهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ فِي الْجَارِيَةِ
عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فِيهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ (وَالطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ) إجْرَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ حَمْلِ الْجَارِيَةِ وَالطَّرِيقَةُ الْقَاطِعَةُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا لِأَجْلِ أَنَّ الْحَمْلَ فِي الْآدَمِيَّاتِ عَيْبٌ وَأَنَّ شَرْطَهُ إعْلَامٌ بِالْعَيْبِ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَمْلَ فِي الْجَارِيَةِ وَالْبَهِيمَةِ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ فَلَيْسَ نَقْصًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يَكُونَ عَدَمُهُ كَعَدَمِ الْعَيْبِ بَلْ عَدَمُهُ يَفُوتُ بِهِ مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ إنَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَيْبٌ فَأَخْلَفَ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ سَارِقٌ فَخَرَجَ غَيْرَ سَارِقٍ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةً لَيْسَتْ الْمَذْهَبَ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا الْحَمْلُ عَيْبٌ وَنَقْصٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ وَيَرْغَبُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِأَغْرَاضٍ صَحِيحَةٍ بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْمَحْضِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) الَّتِي لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ قَطْعًا وَهُوَ إذَا جَرَى الخلف بشئ لَا ظُهُورَ لَهُ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ نُقْطَةٌ مِنْ مِدَادٍ فَهَذَا لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذكرناهما في المرتبة الثانية أما إذَا كَانَ وَقَعَ الْمِدَادُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مِنْ مِثْلِهِ أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى الْكِتَابَةَ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 103)
________________________________________
عَلَى الثَّوْبِ أَثَرُ مِدَادٍ فَظَنَّهُ كَاتِبًا طَرِيقَيْنِ
(أحدهما)
فِيهِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعَارَ ثَوْبًا فَقَدْ ظَنَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ فِي مَحَلٍّ وَالْخِلَافُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقَانِ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ (وَالْأَفْقَهُ) التَّفْصِيلُ المتقوم وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ الاخيرة ولا شيأ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ سُبُوطَةِ الشَّعْرِ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى أَنَّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ فِي الرَّدِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُصَرَّاةِ بَلْ لِأَجْلِ خُرُوجِهَا عَلَى الْوَصْفِ الْأَكْمَلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلَّا ذِكْرُ الْمُصَرَّاةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا وَلِذَلِكَ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَسْأَلَةً هِيَ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى الَّتِي لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا وَهِيَ إذَا اشْتَرَى صُبْرَةً ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظَاهِرِهَا فِي الْجَوْدَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ جَيِّدًا لَا عَيْبَ فِيهِ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصُّبْرَةِ إذَا بَانَ أَنَّهَا عَلَى صَخْرَةٍ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ يَظُنُّ أَنَّهَا عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ
الْعَقْدِ فيه وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا وَلَكِنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنْزِيلًا لِمَا ظَهَرَ مَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ السُّنَّةِ فِي الْخِيَارِ فِي الْجُزْءِ السَّابِعِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ (قُلْتُ) وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَبْلَ بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِأَنَّا بَنَيْنَا بِالْآخِرَةِ أَنَّ الْعِيَانَ لَمْ يُفِدْ عِلْمًا هَذَا إذَا ظَنَّهَا مُسْتَوِيَةَ الْأَرْضِ أَمَّا لو علم بالحال فثلاث طرق (أصحهما) أَنَّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَوَقْتُ الْخِيَارِ هُنَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الصُّبْرَةِ أَوْ التَّمَكُّنَ مِنْ تَخْمِينِهِ بِرُؤْيَةِ ما تحتها والوجهان في حالة ظن الِاسْتِوَاءُ مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ هَهُنَا وَأَمَّا إذَا بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظَاهِرَهَا فِي الْجَوْدَةِ فَالتَّلْبِيسُ حَاصِلٌ كَمَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَتَجْعِيدِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 104)
________________________________________
الشَّعْرِ وَشِبْهِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَجْزُومِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا وَلَمْ أَرَهَا فِي غَيْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله وتبعه ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذَا وَجَدَ بَاطِنَهَا عَفِنًا أَوْ نَدِيًّا أَوْ مَعِيبًا أَمَّا إذَا وَجَدَهُ دُونَ ظَاهِرِهَا فِي الْجَوْدَةِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ لَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مَا يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ إنْ نَقَلَهَا فَوَجَدَ أَرْضَهَا مُسْتَوِيَةً وَبَاطِنَ الطَّعَامِ كَظَاهِرِهِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى دَكَّةٍ أَوْ خَرَجَ الطَّعَامُ مُتَغَيِّرًا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ فَهَذَا الْكَلَامُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحُكْمُ فِيهِ وَاضِحٌ لِلتَّدْلِيسِ وَهَذَا فَرْعٌ عَنْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ بَاطِنُ الصُّبْرَةِ يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا فَحِفْظِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ غَائِبٍ وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ عِنْدِي وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ مَسْأَلَةِ تَسْبِيطِ الشَّعْرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا حَتَّى يَجْعَلَ تَسْبِيطَ الشَّعْرِ بَعْدَ تَجْعِيدِهِ وَالْخِلَافُ فِيهَا لِغَيْرِ إلْحَاقِهَا بِالْمُصَرَّاةِ كَمَا تَقَدَّمَ التنبيه عليه والله أَعْلَمُ
* وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْعِلْمَ بِبَاطِنِ الصُّبْرَةِ مِمَّا يَسْهُلُ اسْتِكْشَافُهُ بِإِدْخَالِ يَدِهِ فِيهَا وَنَحْوِهِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَعَلْفِ الْبَهِيمَةِ وَإِرْسَالِ الزُّنْبُورِ وَأَخَوَاتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا لِسُهُولَةِ الِاسْتِكْشَافِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِظَاهِرِ الصُّبْرَةِ عَلَى بَاطِنِهَا أَمْرٌ مُعْتَادٌ لَا يُنْسَبُ
صَاحِبُهُ إلَى تَفْرِيطٍ وَيَشُقُّ تَقْلِيبَ الصُّبْرَةِ بِكَمَالِهَا وَأَمَّا انْتِفَاخُ بَطْنِ الْبَهِيمَةِ وَضَرْعِهَا وَأَخَوَاتِهَا فَلَا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَالْمُكْتَفَى بِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَدَلَالَةُ تَلَطُّخِ الثَّوْبِ بِالْمِدَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ مَنْسُوبٌ إلَى تَفْرِيطٍ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ خَلَطَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ ثُمَّ جَعَلَ أَعْلَاهَا حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ وَإِنْ خَلَطَهُمَا أَوْ حِنْطَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَرْفَعُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا إذَا كَانَ ظَاهِرُهُ وباطنه واحدا فالتقييد بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَعَلَ ظَاهِرَهَا أَجْوَدَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَالْغِشُّ الْمُحَرَّمُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ
*
* (فُرُوعٌ)
* إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي جَارِيَةٍ جَعْدَةٍ فَسَلَّمَ إلَيْهِ جَعْدَةً فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قاله
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 105)
________________________________________
الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّ شَعْرَهَا أَبْيَضُ فَكَانَ أَسْوَدَ فَفِي الرَّدِّ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا شَاهَدَ شَعْرَهَا أَبْيَضَ فَبَانَ أَسْوَدَ كَمَا فِي السُّبُوطَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَكِنَّهُ فِي نُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ لَمْ أَثِقْ بِهَا الْخِيَارُ فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ مُسْتَنَدُهُ التَّغْرِيرُ كَالتَّصْرِيَةِ وَكَذَا خِيَارُ النَّجْشِ إنْ أَثْبَتْنَاهُ وَمِنْ التَّدْلِيسِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ أَنْ يَقُولَ كَاذِبًا طَلَبَ هَذَا الشئ مِنِّي بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْتَرُّ بِمَا يَقُولُهُ وَيَزِيدُ فِي الثَّمَنِ بِسَبَبِهِ قاله القاضى حسين وغيره والله أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* غَيْرُ الْمُصَرَّاةِ إذَا حَلَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ هَذَا الْفَرْعَ فِي مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بَعْضُهُمْ عَنْ الْإِمْلَاءِ وَبَعْضُهُمْ عَنْ الْقَدِيمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فما تقولون فيما إذا اشتزى شَاةً لَيْسَتْ بِمُصَرَّاةٍ وَلَكِنْ فِيهَا لَبَنٌ فَحَلَبَهَا زَمَانًا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا أَلَهُ الرَّدُّ؟ (قُلْتُ) نَعَمْ فَقَالَ إذَا رَدَّ أَيَرُدُّ شَيْئًا لِأَجْلِ اللَّبَنِ (قُلْتُ) لَا هَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ قَالَ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَبَنَ الْمُصَرَّاةِ مُتَحَقِّقٌ فَوُجُودُهُ حَالَةَ الْعَقْدِ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ بَعْضُ الثَّمَنِ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ تَلَفِهِ وَغَيْرُ الْمُصَرَّاةِ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ لَبَنِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَقَسَّطْ عليه شئ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَجِبْ رَدُّ قِيمَتِهِ (وَاعْتَرَضَ) الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّا إذَا كُنَّا نُرَدِّدُ الْقَوْلَ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُعْلَمُ فَاللَّبَنُ مَعْلُومٌ فِي الضَّرْعِ قَالَ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ تَتَكَامَلُ الدَّرَّةُ وَيَأْخُذُ الضَّرْعُ فِي التَّقْطِيرِ وَلَكِنَّ الْوَجْهَ أَنْ نَجْعَلَ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي مُقَابَلَتِهِ بِقِسْطٍ
مِنْ الثَّمَنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ فَالْجَوَابُ مَا حَكَوْهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يُقَابَلُ فَالْوَجْهُ أَنْ يَرُدَّ بِسَبَبِ اللَّبَنِ شَيْئًا وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وما حكاه
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 106)
________________________________________
أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ عَنْ التَّخْرِيجِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَخْذُ وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِ طَرِيقَةِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ لَهُ الرَّدَّ وَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِ اللَّبَنِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ صَاعٍ لِأَنَّ الصَّاعَ عِوَضُ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فَهَذِهِ أَرْبَعُ طُرُقٍ وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِي هَذَا مُوَافَقَةٌ لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الَّتِي بِخَطِّ سَلِيمٍ وتعليق القاضى أبى الطيب وغيرهما تفصيل لابد مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ هُنَاكَ رد اللبن المحلوب ولا رد شئ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي حَالَةِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كان قد ينتج في تلك الحالة شئ فَذَلِكَ يَسِيرٌ لَا حُكْمَ لَهُ وَمَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ بَدَلًا كَغَلَّةِ الْعَبْدِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الْعَقْدِ لَبَنٌ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِيجَابُ الْبَدَلِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنًى وَلَا يُفِيدُ أَنَّ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ مُجْتَمِعٌ لَبَنُ الْعَادَةِ لَا لَبَنُ التَّصْرِيَةِ فَحَلَبَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِهَا عَيْبًا فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا فَلَا رَدَّ لانه تناوله لاستعلام العيب فلا يكن لَهُ رَدُّ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَهُ رَدُّ الشَّاةِ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ لِأَنَّ لَبَنَ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ يَسِيرٌ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَإِذَا ضَمَمْتَ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ إلَى مَا اخْتَارَهُ هُوَ لَاجْتَمَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ خَمْسُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا
(وَالثَّانِي)
الرَّدُّ فَلَا يرد بدل اللبن شيأ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَهُ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي حَامِدٍ وَلَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ صَرِيحًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُطْلَقًا وَأَمَّا أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَمَا ذَكَرْتُ (الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ (الرَّابِعُ) قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَلَا يَرُدُّ الصَّاعَ (الْخَامِسُ) قَوْلُ الْإِمَامِ التَّخْرِيجُ عَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 107)
________________________________________
مُقَابَلَتِهِ بِالْقِسْطِ وَالْأَصَحُّ الْمُقَابَلَةُ فَيَلْزَمُ رَدُّ بَدَلِهِ لَكِنْ مَاذَا يَرُدُّ هَلْ هُوَ التَّمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ الماوردى لم يصرح الامام في ذلك بشئ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا فَعِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا يَنْبَنِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِيمَا لَوْ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ (إنْ قلنا) يرده رَدَّهُ وَرَدَّهَا بِالْعَيْبِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ لِحَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ بِخُصُوصِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ الْقَائِلُ يَرُدُّ بِهِ الصَّاعَ التَّمْرَ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ عِنْدَهُ بَيْنَ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَتَلَفِهِ كَالْمُصَرَّاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِ اللَّبَنِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى رَدِّهِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُحْتَمِلٌ لِكَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى هَذَا يَأْتِي فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ أَيْضًا سِتُّ طُرُقٍ (امْتِنَاعُ الرَّدِّ) (أَوْ الرَّدُّ) (وَلَا يَرُدُّ) معها شيأ (وَالرَّدُّ) مَعَ رَدِّ اللَّبَنِ (أَوْ الرَّدُّ) مَعَ رَدِّ التَّمْرِ (أَوْ الرَّدُّ) مَعَ رَدِّ الْبَدَلِ غَيْرِ التَّمْرِ (أَوْ التَّخْرِيجُ) عَلَى الْمُقَابَلَةِ بِالْقِسْطِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قُلْنَا بِرَدِّ الشَّاةِ مع اللبن فعند مقابلة شئ لَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَهُوَ أَنَّا هُنَاكَ نَقُولُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ وَلِلْمُشْتَرِي مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَرُدَّ اللَّبَنَ وَيَرُدَّ الشَّاةَ وَحْدَهَا مَعَ التَّمْرِ وَأَمَّا هُنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّا نَقُولُ إمَّا أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ وَالشَّاةَ واما أن لا يرد شيأ وَلَا نَقُولُ إنَّ لَهُ رَدَّ التَّمْرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَالِفًا لَمْ يَرُدَّ التَّمْرَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَاقِيًا وَاللَّبَنُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ لِعَيْنٍ أُخْرَى وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فِي غَيْرِ التَّصْرِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (تَنْبِيهٌ)
* اعْلَمْ أَنَّ كل من قال بالرد ورد شئ بَدَلَ اللَّبَنِ يَقُولُ بِأَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَصْلًا يَقُولُ بِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِسْطِ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ إطْلَاقَاتُهُمْ مُخَرَّجَةً عَلَى ذَلِكَ لَا أَنْ تَكُونَ طَرِيقَةً مُخَالِفَةً وَحِينَئِذٍ تَعُودُ الطَّرِيقُ إلَى القسم الاول إلى أربعة في الثَّانِي إلَى خَمْسَةٍ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ طَرِيقَةَ الْإِمَامِ معهم لمغايرتها في ظاهر العبارة والله تعالى أَعْلَمُ
* وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلِمْتَ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ إمَّا امْتِنَاعُ الرَّدِّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ الْأَقْيَسُ وَذَلِكَ لِأَنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 108)
________________________________________
الصَّحِيحَ أَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ غَيْرِ رَدِّ بَدَلِهِ وَلَا مَعَ بَدَلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ
تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَرَدِّ الشَّاةِ بَعْدَ تَعَيُّبِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُقُوفِ عَلَى الْعَيْبِ وَلِأَنَّ الصَّاعَ الَّذِي جُعِلَ بَدَلًا عَنْ اللَّبَنِ وَرَدَ فِي الْمُصَرَّاةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي لِأَنَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي رَدِّ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عِنْدَ بَقَائِهِ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُهُ وَمُقْتَضَى الْبِنَاءِ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَأَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْقِسْمَيْنِ إذَا قُلْنَا بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا أَوْ تالفا وان سكنوا عَنْهُ فَالصَّحِيحُ حِينَئِذٍ امْتِنَاعُ الرَّدِّ مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَيْنِ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَرُدُّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَيْنِ فَفِيهِ بُعْدٌ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْمُصَرَّاةِ إنْ صَحَّ قِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَرُدَّ التَّمْرَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهَا عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَجَبَ أَنْ يُجْرَى فِيهَا عَلَى حُكْمِ الْقِيَاسِ فَيَمْتَنِعَ الرَّدُّ كما قاله أبو الطيب ومن وافقه فقول الْمَاوَرْدِيُّ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَحْسَنُهَا أحد قولين (إمَّا) قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ (وَإِمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَجَّحٌ (أَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ مِنْ الشَّارِعِ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّ بَدَلَ اللَّبَنِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بدلا له في المصراة في غيرها لاسيما وَالْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ لِأَجْلِهِ مِنْ قَطْعِ التَّنَازُعِ مَوْجُودٌ هَهُنَا فَيَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا فَيُرَجِّحُهُ الْجَرَيَانُ عَلَى الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ وَقَصْرُ الْحُكْمِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّى بِهِ مَحَلَّهُ وَالْمُخْتَارُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَكْثَرُ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إنَّهُ ظَاهِرُ المذهب وعندي في الترجيح بين القولين نظران قَوِيَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُصَرَّاةِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَإِلَّا يُرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ وَمَنْ وَافَقَهُ يُجِيبُونَ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ بِأَنَّ الْمُصَرَّاةَ حَلْبُهَا لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ هَذِهِ وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ أَمْيَلُ مِنْهُ إلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا وَلَا حَكَاهُ هَذَا إذا كان عند العذر لَبَنٌ مَوْجُودٌ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 109)
________________________________________
كَذَلِكَ جَازَ رَدُّ الشَّاةِ وَحْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وذلك مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ يَقْتَضِي أَيْضًا مُخَالَفَةَ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقَوْلِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يرد معها شيأ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْقَدِيمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ نَقْلُهُمْ لَهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا
كَانَ لَبَنٌ يَسِيرٌ أَمَّا اللَّبَنُ الْكَثِيرُ فَهُوَ مُقَابَلٌ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَحَكَيْنَاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالرَّدِّ بِدُونِ رَدِّ بَدَلِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه لا يرد شيأ لِأَجْلِ اللَّبَنِ أَيْ اللَّبَنُ الْحَادِثُ فَإِنَّ فِي نَصِّهِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ بُشْرَى قَالَ " وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فَاحْتَلَبَهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَ لَهُ فيها ردها ولم يرد معها شيأ " وَقُوَّةُ هَذَا الْكَلَامِ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يرد معها شيأ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي احْتَلَبَهُ طُولَ الشَّهْرِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَابِعٌ للقاضى حسين فانه سئل عَنْهَا فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا كَانَتْ الشَّاةُ غَيْرَ مُصَرَّاةٍ وَشَكَكْنَا هَلْ كَانَ فِي ضرعها حين البيع لبن له قيمة أولا لم يرد معها شيأ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُصَرَّاةِ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ لَبَنِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَقَسَّطْ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَلَمْ يَجِبْ رَدُّ قِيمَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* الْكَلَامُ إلَى هُنَا فِي بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَمِنْ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُزَنِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَعَلُوا ذَلِكَ بَابَيْنِ فَتَرْجَمُوا الْأَوَّلَ بِبَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَتَرْجَمُوا الثَّانِيَ بِبَابِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَالرَّدِّ بِالْعُيُوبِ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ بَابًا وَاحِدًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَمَنْ مَلَكَ عَيْنًا وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أن يبيعها حتى يبين عيبها لما رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ المسلم أخو المسلم فلا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 110)
________________________________________
إلا بينه له " فان عَلِمَ غَيْرُ الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذلك لمن يشتريه لما روى أبو سباع قال " اشتريت ناقة من دار وائلة بن الاسقع فلما خرجت بها أدركنا عقبة بن عامر فقال هل بين لك ما فيها قلت وما فيها إنها لسمينة ظاهرة الصحة فقال أردت بها سفرا أم أردت بها لحما قلت أردت عليها الحج قال إن بخفها نقبا قال صاحبها أصلحك الله ما تريد إلى هذا تفسد على قال إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لا يحل لاحد يبيع شيأ إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه " فان باع ولم يبين العيب
صح البيع لان النبي صلى الله عليه وسلم صحح البيع في المصراة مع التدليس بالتصرية)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ فَأَمَّا حُكْمُهُ بِصِحَّتِهِ فَصَحِيحٌ لِأَنَّ رُوَاتَهُ كلهم ثقاة مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ عِلَّةٌ مَانِعَةٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي رُوَاتِهِ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ وَهُوَ الْغَافِقِيُّ وَشَيْخُ شَيْخِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن سماسة وَكِلَاهُمَا لَمْ يَرْوِ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَإِنَّمَا هُمَا من أفراد مسلم وللحاكم شئ كَثِيرٌ مِثْلُ هَذَا وَذَلِكَ مَحْمُولٌ مِنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ الرِّجَالَ الْمَذْكُورِينَ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَقْصُرُ رُتْبَتُهُمْ عَنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِمْ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ صَعْبٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَيْرِ جَمِيعِ أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَالْمُوَازَنَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَأَتَّى ذَلِكَ فِي النَّادِرِ فَإِنَّهُ يَصْعُبُ فِي الْأَكْثَرِ وَلَعَلَّ عِنْدَ البخاري شيأ مِنْ حَالِ الشَّخْصِ الَّذِي لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ لَا نَطَّلِعُ نَحْنُ عَلَيْهِ فَدَعْوَى أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ فِيهَا مَا عَلِمْتَ نَعَمْ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَخْرَجَ لَهُمَا مُسْلِمٌ وَالْبَاقِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّحِيحِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ كَلَامِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَقَالَ فِي بَابِ إذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ " لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يَبِيعُ سلعة يعلم بها داء إلا أخبره أو زده هَكَذَا مُعَلَّقًا وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا وَعُقْبَةُ أَفْتَى بِذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْ ابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ مُخَالَفَةً يَسِيرَةً فِي اللَّفْظِ لِمَا ذَكَرَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 111)
________________________________________
الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّ لَفْظَ ابْنِ مَاجَهْ " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ لِأَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ " وَلَفْظُ الْحَاكِمِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إنْ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ ان لا يبينه له " ليس في شئ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ التَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ كَمَا فِي كَلَامِ المصنف رحمه الله وان كان العلم لابد مِنْهُ فِي التَّكْلِيفِ وَلَكِنْ تَرْكُ ذِكْرِهِ كَمَا في الرواية أبلغ في الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَأَدْعَى إلَى الِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِرَازِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ وَلَكِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلَوْ بَحَثَ عَنْهُ وَاسْتَكْشَفَهُ لَعَلِمَهُ فَإِهْمَالُهُ لِذَلِكَ وَتَرْكُهُ الِاسْتِكْشَافَ مَعَ تَجْوِيزِهِ لَهُ تَفْرِيطٌ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ تَعَرُّضَهُ لِلْإِثْمِ بِسَبَبِهِ نَعَمْ التَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ مَذْكُورٌ فِي الْأَثَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ كَلَامِ عُقْبَةَ وَبَقِيَّةُ الْمُخَالَفَةِ
فِي اللَّفْظِ يَسِيرَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعْنًى وَكُلُّ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي لَا يَحِلُّ هُوَ الْكِتْمَانُ لَا الْبَيْعُ وَمَعْرِفَةُ هَذَا هُنَا نَافِعَةٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْفَصْلِ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْسٍ - بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مِنْ تَحْتِ سَاكِنَةٍ - الْجُهَنِيُّ وَفِي نَسَبِهِ وَكُنْيَتِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَالْأَصَحُّ فِي كُنْيَتِهِ أَبُو حَمَّادٍ سَكَنَ مِصْرَ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهَا وَتُوُفِّيَ بها في آخر خلافة معاوية وروى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَخَلْقٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَسَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ إلَيْهِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 112)
________________________________________
مصريون وقبر عقبة معرف مشهور بالقرافة وحديث وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سِبَاعٍ الْمَذْكُورِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَفِي حُكْمِهِ بِصِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ من رواته أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مالك عن أبى السباع وأبى جعفر الرازي وهو عيسى ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ التَّمِيمِيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ جماعة قال الغلاس سئ الْحِفْظِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ يَهِمُ كَثِيرًا وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ مَرَّةً مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ مَرَّةً صَالِحُ الْحَدِيثِ وَعَنْ السَّاجِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَدُوقٌ لَيْسَ بِمُتْقِنٍ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ لَا يُعْجِبُنِي الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ إلَّا فِيمَا يُوَافِقُ الثقاة ولا يجوز الاعتبار بروايته فيما لم يخالف الاثبات وأما يزيد ابن أبى مالك فقال يعقوب النسوي في حديث ليس كاتبه خالد هذا ما قاله النسوي وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ وَهُوَ ثقة وسئل أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ وَاثِلَةُ نَفْسُهُ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ فِيهِ أَوْلَى مِمَّا قاله النسوي وَأَمَّا أَبُو سِبَاعٍ فَشَامِيٌّ تَابِعِيٌّ لَمْ أَعْلَمْ من حاله غير ذلك وواثله ابن الْأَسْقَعِ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ وَهُوَ مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ إلَى لَيْثٍ وَلَا خِلَاف أَنَّهُ مِنْ بَنِي لَيْثٍ أَسْلَمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ إلَى تَبُوكَ وَيُقَالُ إنَّهُ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إسْلَامُهُ قَبْلَ تَبُوكِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ ثَلَاثَ سِنِينَ كَوَامِلَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ سَكَنَ الشَّامَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا الْبَلَاطُ على ثلاث فَرَاسِخَ مِنْ دِمَشْقَ وَشَهِدَ الْمَغَازِيَ بِدِمَشْقَ وَحِمْصَ ثُمَّ تَحَوَّلَ
إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَاتَ بِهَا وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَخَمْسِ سِنِينَ كَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الكبير ورواه في الصغير عن ابن عباس وَهُوَ إسْمَاعِيلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ وَقِيلَ بَلْ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ قَالَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 113)
________________________________________
أَبُو مِسْهَرٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً يُكَنَّى أَبَا الْأَسْقَعِ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو قِرْصَافَةَ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كُنْيَتِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ إنَّهُ وَهْمٌ وَقِيلَ أَبُو الْخَطَّابِ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمِهِ وَالصَّحِيحُ فِي نَسَبِهِ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عبد ياليل بن باسب بن غبرة ابن سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ وَالْأَسْقَعُ بِقَافٍ وَغَيْرُهُ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتِ مَفْتُوحَةٍ - وَمِنْ فَضَائِلِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فَقَالَ وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ فَقَالَ وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي قَالَ فَهَذَا أَرَجَا مَا أَرْتَجِي وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ فِيهِ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ هُوَ وَاثِلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبُو السِّبَاعِ شَامِيٌّ تَابِعِيٌّ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ الْحَاكِمِ وأبى بكر الحرى مَعًا بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا فِيهِ فَلَمَّا خَرَجْتُ بِهَا أَدْرَكَنِي وَاثِلَةُ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ اشْتَرَيْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بَيَّنَ لَكَ مَا فِيهَا وَالْبَاقِي سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عُقْبَةَ وَوَاثِلَةَ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَحْرِيمِ كِتْمَانِ الْبَائِعِ الْعَيْبَ وَيَزِيدُ حَدِيثُ وَاثِلَةَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ أَيْضًا إذَا عَلِمَهُ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي الْمَعْنَى غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الصَّحِيحِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَقَالَ كَيْفَ تَبِيعُ فَأَخْبَرَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ الْعَدَّاءِ
- بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا أَلِفٌ مَمْدُودَةٌ - ابْنِ خَالِدٍ قَالَ كَتَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَذَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 114)
________________________________________
مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بن خالد بيع المسلم المسلم لاداء وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ وَقَالَ قَتَادَةُ الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ العداء بن خالد والخبثة ما كان من غَيْرَ طَيِّبِ الْكَسْبِ وَسَأَلَ الْأَصْمَعِيُّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهَا فَقَالَ بَيْعُ أَهْلِ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهِيَ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ - فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَا مرض ولا حرام ولا شئ يقوله أَيْ بِمِلْكِهِ مِنْ إبَاقٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مُتَّصِلًا كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بشال عن عتاد بْنِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هودة " أَلَا أُقْرِؤُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ بَلَى فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خالد بن هودة مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا داء ولا عليلة وَلَا خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى كِلَيْهِمَا عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَنْ بَاعَ عَيْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عُمَيْرِ ابن سَعِيدٍ عَنْ عَمِّهِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إلَى الْبَقِيعِ فَرَأَى طَعَامًا يُبَاعُ فِي غَرَائِرَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ شَيْئًا كَرِهَهُ فَقَالَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِجَنَبَاتِ رَجُلٍ عِنْدَهُ طَعَامٌ فِي وِعَاءٍ فَأَدْخَلَ يده فيه فقال لعلك غشيته مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَحَادِيثُ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَوُجُوبِ النَّصِيحَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَحُكْمُهَا مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَكِتْمَانُ الْعَيْبِ غش وفى حديث حكيم ابن حِزَامٍ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 115)
________________________________________
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ أَمَّا اللُّغَةُ فَالْعَيْبُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعَيْبُ وَالْعَيْبَةُ وَالْعَابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَقُولُ عَابَ الْمَتَاعَ إذَا صَارَ ذَا عَيْبٍ وَعَيَّبْتُهُ أَنَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى فَهُوَ مَعِيبٌ وَمَعْيُوبٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ فَيَقُولُ مَا فِيهِ مَعَابَةٌ وَمَعَابٌ أَيْ عَيْبٌ والمعاب المعيوب وعيبه نسبه إلى العيب وعنه جَعَلَهُ ذَا عَيْبٍ وَتَعَيَّبَهُ مِثْلُهُ وَقَالَ ابْنُ فارس العيب في الشئ مَعْرُوفٌ وَقَدْ قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْعَيْبَ وَأَوْضَحُوهُ وَبَيَّنُوهُ بَيَانًا شَافِيًا وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ عَيْبًا وَالنَّقَبُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَافِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ مَصْدَرُ نَقِبَ بِكَسْرِ الْقَافِ يَنْقُبُ بِفَتْحِهَا - يُقَالُ نَقِبَ خُفُّ الْبَعِيرِ إذَا رَقَّ وَحَفِيَ وَنَقِبَ الْخُفُّ إذَا تَخَرَّقَ وَيُقَالُ نَقَبَ الْبَيْطَارُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - سُرَّةَ الدَّابَّةِ لِيُخْرِجَ مِنْهَا مَاءً وَتِلْكَ الْحَدِيدَةُ مِنْقَبٌ وَذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْقَبٌ وَقَوْلُهُ بِخُفِّهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخُفُّ لِلْبَعِيرِ وَالْحَافِرُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَمَا لَيْسَ بِمُنْشَقِّ الْقَائِمِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالظِّلْفُ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَكُلُّ حَافِرٍ مُنْشَقُّ مُنْقَسِمٌ وَالتَّدْلِيسُ الْمُرَادُ بِهِ إخْفَاءُ الْعَيْبِ مأخوذ من الدلسة وهى الظلمة قال الْأَزْهَرِيُّ التَّدْلِيسُ أَنْ يَكُونَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبٌ بَاطِنٌ ولا يخبر البائع المشترى لهم بِذَلِكَ الْعَيْبِ الْبَاطِنِ وَيَكْتُمُهُ إيَّاهُ فَإِذَا كَتَمَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ وَلَمْ يُخْبِرْ بِهِ فَقَدْ دَلَّسَ ويقال فلان لا يدالس وَلَا يُوَاكِسُ أَيْ لَا يُخَادِعُ وَمَا فِي فلان دلس ولا دكس أَيْ مَا فِيهِ خُبْثٌ وَلَا مَكْرٌ وَلَا خِيَانَةٌ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أما) لاحكام فَقَدْ تَضَمَّنَ الْفَصْلُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ الْأُولَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ عَيْنًا وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهَا وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلنُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في آخر باب الخراج بالضمان في الْمُخْتَصَرِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) ما قاله الجرجاني في الشافعي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ سِلْعَةٌ وَبِهَا عَيْبٌ يَعْلَمُهُ وَأَرَادَ بَيْعَهَا استحب له إظهاره لعبارة رديئة موهما لان ذلك غير واجب لذلك لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ لَهُ عِلْمٌ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله بالعلم قد تقدم شئ من الكلام وَإِنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ مُطْلَقٌ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ المصنف
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 116)
________________________________________
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّنْبِيهِ وَمَنْ عَلِمَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهَا وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْمَالِكَ وَالْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ وَعِبَارَتُهُ هُنَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَالِكِ لَكِنَّ الْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ هُنَا وَإِنْ عَلِمَ غَيْرُ
الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَ كِتْمَانِ الْعَيْبِ مُحَرَّمٌ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ كِتْمَانِ الْعَيْبِ وَوُجُوبِ بَيَانِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبَيْعِ وَكَذَلِكَ أَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ حَرَامٌ وَحُرْمَتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ فَالتَّدْلِيسُ حَرَامٌ بِالْقَصْدِ فِي نَفْسِهِ وَالْبَيْعُ لَيْسَ حراما لذاته ولكن حرام لغيره وهو كتمان العيب وَضَبْطُ هَذَا نَافِعٌ فِيمَا سَيَأْتِي فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْبَائِعُ الْعَالِمُ بِالْعَيْبِ أَنْ يَقُولَ هُوَ مَعِيبٌ أَوْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ أَوْ يَقُولَ إنَّ بِهِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ أَوْ إنَّهُ لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الْحَلِّ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بفعل ذلك بل لابد من بيان العيب المعلم بعينه والعبارات الاول كلها فيها إجمال لابيان وَقَدْ يَظُنُّ الْمُشْتَرِي سَلَامَتَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ لَهُ عَلَى الْعَيْبِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابِ وَالشَّافِعِيِّ حُرْمَةَ التَّدْلِيسِ وَوُجُوبَ الْبَيَانِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَلَفْظُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَتْ وَاسْتَدَلَّ بِهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا تَدُلُّ علي المسلم للمسلم وهذا كما وَرَدَ فِي الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَالسَّوْمِ على سومه وجمهور أصحابنا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بن حربوتة مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْخِطْبَةِ أَنَّ الْمَنْعَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا أَمَّا الذِّمِّيُّ فَتَجُوزُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ قَالَ وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ فِي السَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ (قُلْتُ) فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا وَيُجْعَلَ تَحْرِيمُ الْكِتْمَانِ خَاصًّا بِمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا وَيُوَافِقُهُ مَا تقدم في الحديث ببيع المسلم المسلم لاداء ولا خبثة وفسر سعيد ابن أبى عروبة
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 117)
________________________________________
الْخِبْثَةَ بَيْعُ أَهْلِ الْعَهْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يطرد ابن حربوتة مَذْهَبُهُ هُنَا وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْخِطْبَةَ عَلَى الْخِطْبَةِ وَالسَّوْمَ عَلَى السَّوْمِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إيغَارُ الصُّدُورِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ (وَأَمَّا) كِتْمَانُ الْعَيْبِ فَفِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وأخذ المالك الَّذِي بَذَلَهُ الْمُشْتَرِي ثَمَنًا عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِإِبَاحَةِ ذلك على مالا يظن بأحد من العلماء لقول به على أن قول ابن حربوتة فِي الْخِطْبَةِ
عَلَى الْخِطْبَةِ وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالُوا تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ أَيْضًا وَمِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ حربوتة فِي الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ الْأَوْزَاعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا هُنَا لِلْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ الْحُجَّةِ عَلَى تَعْمِيمِ الْحُكْمِ فِي مسألتنا وفى مسألة الخطبة والسوم والبيع عَلَى الْبَيْعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ " (وَأَمَّا) التَّقْيِيدُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهُ خَرَجَ على الغالب ولا يكون له مفهوم أرأن الْمَقْصُودَ التَّهْيِيجُ وَالتَّنْفِيرُ عَنْ فِعْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْآخِرَةِ وَيَثْبُتُ عُمُومُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ ان عَلِمَ غَيْرُ الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ لِلْحَدِيثِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زِيَادَاتِهِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا أَظُنُّ فِيهِ خِلَافًا لِوُجُوبِ النَّصِيحَةِ وَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ الْمَالِكِ الْبَائِعِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ الَّذِي دَلَّ كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْبَائِعِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِمَا إلَّا أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا كما في قصة واثلة الْأَسْقَعِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ بِذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِإِعْلَامِ الْبَائِعِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَوْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَلِقِصَّةِ وَاثِلَةَ فَإِنَّهُ اسْتَفْسَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي هَلْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا بِعَدَمِ إعْلَامِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النُّصْحِ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ التَّوَهُّمُ بِمُحْتَمَلِهِ فَلَوْ وَثِقَ بِالْبَائِعِ لِدِينِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُعْلِمُ الْمُشْتَرِيَ بِهِ وَهِيَ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ فَيُحْتَمَلُ أن
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 118)
________________________________________
يُقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ فِي هَذِهِ الحالة لظاهر حال البائع وخشية من التعر ض لا يغار صَدْرِهِ وَالْبَائِعُ يَتَوَهَّمُهُ أَنَّهُ أَسَاءَ الظَّنَّ بِهِ ويحتمل أن يقال انه يجب الاستفسا كَمَا فَعَلَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْلَامِ وَلَا يَجِدُونَ فِي الِاسْتِفْسَارِ مَعَ عموم الحديث في وجوب التببين هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ عَالِمًا بِهِ وَحْدَهُ وَجَبَ عليه البيان بكل (وَأَمَّا) وَقْتُ الْإِعْلَامِ فَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ إعْلَامٍ عَصَى كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْبَيْعِ أيضا عد الْحَاجَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بَعْدَهُ لِيُرَدَّ بِالْعَيْبِ كَمَا فَعَلَ
وَاثِلَةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ ذَلِكَ عَنْ وَقْتِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* قَالَ الْإِمَامُ الضَّابِطُ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ علم شيئا يثبت الخيار فأخفاه أو (١) يَنْبَغِي فِي تَدْلِيسٍ فِيهِ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فان لم يكن السبب سببا لِلْخِيَارِ فَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ لَا يَكُونُ مِنْ التَّدْلِيسِ الْمُحَرَّمِ وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْغَبْنَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِهِ خِيَارٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إنْ بَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْعَيْبَ صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ الْمَعْصِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْبَيْعُ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا بَاعَ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا عَيْبًا (فَإِمَّا) أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهَا السَّلَامَةَ مُطْلَقًا أَوْ عَنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ (وَإِمَّا) أَنْ يُطْلِقَ فَإِنْ أَطْلَقَ وَاقْتَصَرَ عَلَى كِتْمَانِ الْعَيْبِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَمَذْهَبُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مُشْتَرِيَ الْمُصَرَّاةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَعَ التَّدْلِيسِ الْحَاصِلِ مِنْ الْبَائِعِ بِالتَّصْرِيَةِ وَهِيَ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ بِالْعَيْبِ وَكِتْمَانِهِ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَبِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي الْعَاقِدِ وَالنَّهْيُ إذًا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْعَاقِدِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ النَّهْيُ إذَا تَوَجَّهَ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالنَّهْيِ عَنْ الملامسة
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 119)
________________________________________
والمنابذة ألا ترى أن النهى عن البيع وَقْتَ النِّدَاءِ لَمَّا لَمْ يَرْجِعْ إلَى ذَاتِ الْعَقْدِ لَمْ يَقْتَضِ الْفَسَادَ بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّلًا بِأَمْرٍ خَارِجٍ (وأما) هنا وفى الْمُصَرَّاةِ فَلَمْ يَرِدْ النَّهْيُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنَّمَا وَرَدَ هُنَا عَلَى كِتْمَانِ الْعَيْبِ كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُصَرَّاةِ عَلَى التَّصْرِيَةِ فَلَيْسَ الْبَيْعُ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ وَالْحَرَامُ هُوَ الْكِتْمَانُ وَالْبَيْعُ وَقْتَ الْجُمُعَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى التَّفْوِيتِ فَلْتَفْهَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِ الظَّاهِرِيَّةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " فَنَقُولُ التَّدْلِيسُ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْعَيْبَ حَرَامٌ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْهُ بِالصِّحَّةِ (قُلْتُ) لَا شك أن المراتب ثلاثة (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) وَهِيَ أَعْلَاهَا مَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ كَبَيْعِ الْمُلَامَسَةِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) ما كان منهبا عَنْهُ لَا لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَلْ لِاسْتِلْزَامِهِ أَمْرًا مَمْنُوعًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّفْوِيتِ الْمَمْنُوعِ أَوْ هُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّفْوِيتُ وَالْمُتَضَمِّنُ أَوْ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْمَمْنُوعِ مَمْنُوعٌ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) وَهِيَ أَدْنَاهَا مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ أَصْلًا وَلَكِنْ بِهِ يَتَحَقَّقُ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَهَذَا لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّرْعُ عَنْ قِسْمِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ كسائر المباحات إذا استلزم شئ مِنْهَا مُحَرَّمًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا نَقُولُ إنَّهُ يَنْقَلِبُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ وَيُوَضِّحُ لَكَ هَذَا أَنَّهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ إذَا اشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ وَفَوَّتَ السَّعْيَ لِلْجُمُعَةِ يَأْثَمُ إثْمَيْنِ إثْمٌ لِلْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِثْمٌ لِتَفْوِيتِ الْوَاجِبِ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَا يَأْثَمُ إلَّا إثْمًا وَاحِدًا عَلَى الْغِشِّ وَكِتْمَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَأْثَمُ عَلَى الْبَيْعِ إثْمًا آخَرَ وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى الْبَيْعِ الْمُقَارِنِ لِلْغِشِّ بِالتَّحْرِيمِ كَذَلِكَ حُكِمَ عَلَى الْمَجْمُوعِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ حَرَامٌ ثَمَّ أَيْ لَيْسَ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ مُسْتَلْزِمًا لِلْكِتْمَانِ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يُمْكِنُ أَنْ يُخْبَرَ مَعَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى الْبَيْعِ بِالتَّحْرِيمِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ إذْ يُرَادُ تَحْرِيمُ الْمَجْمُوعِ أَعْنِي الْبَيْعَ مَعَ الْغِشِّ فَلَيْسَ الْبَيْعُ وَحْدَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَلَا بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ وَقَدْ وَافَقَ الظَّاهِرِيُّونَ أَوْ مَنْ وَافَقَ مِنْهُمْ عَلَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ مَعَ النَّجْشِ قَالُوا لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ النَّجْشِ وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا قُلْنَاهُ هُنَا وَوَافَقُوا عَلَى تصحيح
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 120)
________________________________________
الْبَيْعِ مَعَ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَنَصُّ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا هُنَا أَيْضًا وَالظَّاهِرِيَّةُ فِي الْمُصَرَّاةِ وَنَحْوِهَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ خَارِجًا بِالنَّصِّ وَيَتَمَسَّكُونَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ بِمَا ذَكَرُوهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّدْلِيسُ حَدِيثًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى إبِلًا هِيمًا مِنْ شَرِيكٍ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ نُوَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَخْبَرَ نُوَاسٌ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ شَيْخِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ وَيْلَكَ فَجَاءَ نُوَاسٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ إنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إبِلًا هِيمًا وَلَمْ يعرفك قال فاستقها إذا فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَسْتَاقَهَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ دَعْهَا رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عدوى والله تعالى أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ قَبْلَ بَابِ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
فِي ثَمَنِ التدليس حرام لاثمن الْمَبِيعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا مَاتَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَهَذَا شئ عَجِيبٌ كَيْفَ يَكُونُ الثَّمَنُ حَرَامًا وَالْبَيْعُ صَحِيحًا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِخْبَارِ بِالزِّيَادَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا أَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ بِسَبَبِ التَّدْلِيسِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ اسْتِرْجَاعَهُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ هُوَ الْمُحَرَّمُ لَا جُمْلَةُ الثَّمَنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَى الثَّمَنِ كُلِّهِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ اسْتَرْجَعَهُ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ موجبا للوصف بالتحريم فليكن جميعه حراما أولا فلا يكون شئ مِنْهُ حَرَامًا
*
* (فَرْعٌ)
* هَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ السَّلَامَةَ فكانت معينة أَوْ شَرَطَ وَصْفًا وَأَخْلَفَ فَالْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ كَحَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ الْخُلْفَ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الظَّاهِرِيَّةِ وَهُمْ قَائِلُونَ بِذَلِكَ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُ هَذَا الْقَوْلِ الْغَرِيبِ هُنَاكَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْغَرَضِ بِالْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ لَفْظًا أَقْوَى وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْعَقْدُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَعَيَّنِ وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَهَذَا فَرْقٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ حَتَّى لَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ ضَعِيفًا لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْمُعَيَّنُ مَعَ الشَّرْطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 121)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ لَمْ يعلم بالعيب واشتراه ثم علم بالعيب فهو بالخيار بين أن يمسك وبين أن يرد لانه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له ذلك فثبت له الرجوع بالثمن كما قلنا في المصراة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْمُشْتَرِي لِلْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ تَارَةً يَكُونُ عَالِمًا بِعَيْبِهَا وَتَارَةً لَا يَكُونُ (الْحَالَةُ الْأُولَى) إنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمُصَرَّاةِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَنَدَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُنَاكَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ التَّعَبُّدُ وَإِنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِكَ وَهَذِهِ الْحَالَةُ تُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ شَرَطَ
فِي الْخِلَافِ عَدَمَ الْعِلْمِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ عِنْدَ الْعِلْمِ لَا خِيَارَ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ لَهُ الْبَائِعُ بِعَيْبٍ فِيهِ وَحَدَّ مِقْدَارَهُ وَوَقَفَهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي جِسْمِ الْمَبِيعِ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ وَإِلَّا رَدَّ لَهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ
*
* (فَرْعٌ)
* فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ عَلِمَ بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَيْبٌ يُوكِسُ الثَّمَنَ وَيُوجِبُ الْفَسْخَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ حُكْمٌ وَالْجَهْلُ بِالْأَحْكَامِ لَا يُسْقِطُهَا قَالَ فَلَوْ كَانَ شَاهَدَ الْعَيْبَ قَدِيمًا وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ زَالَ فَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعَيْبِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ وَهِيَ مَنْطُوقُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى الْمُصَرَّاةِ إنْ كَانَتْ التَّصْرِيَةُ عَيْبًا ظاهر بِالْقِيَاسِ وَالْجَامِعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ تكن التصربة عَيْبًا فَمِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 122)
________________________________________
ثَبَتَ بِالتَّدْلِيسِ بِمَا لَيْسَ بِعَيْبٍ فَثُبُوتُهُ بِالتَّدْلِيسِ بِالْعَيْبِ الْمُحَقَّقِ أَوْلَى هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ بِالتَّصْرِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ يَجْعَلُهَا كَالشَّرْطِ وَيُلْحَقُ الْخِيَارُ فِيهَا بِخِيَارِ الْخُلْفِ وَحِينَئِذٍ قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ التَّصْرِيَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِ الْبَائِعِ كَالشَّرْطِ جَعْلُ التَّدْلِيسِ بِالْعَيْبِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَئِنْ جَعَلْنَا التَّدْلِيسَ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ فَالْعَيْبُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى ذَلِكَ فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ الْخِيَارُ ثَابِتٌ بِهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَالِ وَأَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ نَعَمْ هُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ أَنَّ الْخِيَارَ فِيهَا مُلْحَقٌ بِخِيَارِ الْخُلْفِ فَلَا لِأَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا إخْلَافُ الشَّرْطِ الْمُلْتَزَمِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ الْجَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَدَمَ حُصُولِ الْمَبِيعِ السَّلِيمِ فَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ لَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مَقِيسًا عَلَى الِالْتِزَامِ الشَّرْطِيِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ هُوَ فِي الْوَسِيطِ تَنْزِيلًا لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ مَنْزِلَةَ الِاشْتِرَاطِ ثُمَّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ الِالْتِزَامَ الشَّرْطِيَّ أَصْلًا يُكْتَفَى بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ وَلَكَ أَنْ تَرُدَّهُ إلَى التَّصْرِيَةِ لِوُرُودِ النَّصِّ
فِيهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْقِيَاسِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ وَإِجْمَاعٌ أَمَّا الْحَدِيثُ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا بِفَصْلٍ فِي الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ خَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَنَّهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ " وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شيئا ولم يبين له البائع لعيب فِيهِ وَلَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي سَلَامَةً وَلَا اشْتَرَطَ الْإِخْلَاءَ بِهِ وَلَا بَيْعَ مِنْهُ بِبَرَاءَةٍ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَكَانَ ذَلِكَ الْعَيْبُ يُمْكِنُ الْبَائِعَ مَعْرِفَتُهُ وَكَانَ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ حَطًّا لَا يَتَغَابَنْ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 123)
________________________________________
يَعْنِي وَقْتَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُتْلِفْ عَيْنَ المعيب وَلَا نَقَصَهَا وَلَا تَغَيَّرَ اسْمُهُ وَلَا تَغَيَّرَ سُوقُهُ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي كُلُّهُ وَلَا بَعْضُهُ وَلَا أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ شَيْئًا وَلَا وَطْئًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَكَانَ الْبَائِعُ قَدْ نَقَدَ فِيهِ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ مَا أَعْطَى فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ إنْ أَحَبَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَا لَا سَبِيلَ إلَى ضَبْطِهِ بِإِجْمَاعٍ جَازَ انْتَهَى وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْغَاشِّ الْخَائِنِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَدِيثَ وَالْإِجْمَاعَ لِأَنَّ الحديث فيه انه رَدٌّ بِعَيْبٍ وَذَلِكَ حِكَايَةُ حَالٍ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَلَا إجْمَاعَ مُقَيَّدٌ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ أَشْمَلَ وَبِالْجُمْلَةِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي الْجُمْلَةِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ (أَمَّا) لو وجد العيب وزال الْقَبْضِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ
*
* (فَرْعٌ)
* وَلِيُّ الطِّفْلِ إذَا اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا فَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ نَفَذَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ فَإِنْ اشْتَرَى سَلِيمًا فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي الْإِمْسَاكِ أَمْسَكَ أَوْ فِي الرَّدِّ رَدَّ فَإِنْ تَرَكَ الرَّدَّ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ انْقَلَبَ إلَيْهِ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَالِ الطِّفْلِ بَطَلَ الْعَقْدُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
** (فَإِنْ ابتاع شيئا ولا عيب فيه ثم حدث به عيب في ملكه نظرت فان كان حدث قبل القبض ثبت له الرد لان المبيع مضمون على البائع فثبت له الرد يحدث فيه من العيب كما قبل العقد
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 124)
________________________________________
وان حدث العيب بعد القبض نظرت فان لم يستند إلى سبب قبل القبض لم يثبت له الرد لانه دخل المبيع في ضمانه فلم يرد بالعيب الحادث وان استند إلى ما قبل القبض بأن كان عبدا فسرق أو قطع يدا قبل القبض فقطعت يده بعد القبض ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يرد وهو قول أبى اسحق لانه قطع بسبب كان قبل القبض فصار كما لو قطع قبل القبض (والثاني) أنه لا يرد وهو قول أبى علي ابن أبى هريرة لان القطع وجد في يد المشتري فلم يرد كما لو لم يستند إلى سبب قبله)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْكَلَامُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِي الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ وَقَدْ قَسَّمَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى الْبَائِعِ بِجُمْلَتِهِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهُ وَضَمَانُ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ فَأَثْبَتْ الْخِيَارَ وَالْمُصَنَّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِجَعْلِهِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا قَبْلَ الْعَقْدِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَبِيعِ فِيهِمَا مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ كَسْبِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَأَنَّ الْعَيْبَ الطَّارِئَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ وَذَلِكَ مِنْهُمْ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ بُطْلَانِ عَقْدِ الصَّرْفِ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الرِّبَا وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَسَنَشْرَحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَمَانَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَجْزُومِ بِهَا هُنَا إذَا كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (أَمَّا) إذَا حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 125)
________________________________________
الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عِنْدَ
تَقْسِيمِ تَلَفِ الْمَبِيعِ إلَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ وَهُنَاكَ أَسْتَوْعِبُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَيْسِيرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُلَخَّصُ مَا هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْعَيْبُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ جَزْمًا وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ أَثَرُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ مَذْكُورٍ هُنَاكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ مَا إذَا كَانَ الْقَاطِعُ ابْنَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَرِثَهُ الِابْنُ ذكره صاحب البحر هناك وهنا أَذْكُرهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَتَى حَصَلَ الْعَيْبُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ إتْلَافَهُ قَبْضٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ (وَأَمَّا) مَنْ يَقُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي كَمَا يَقُولُهُ أَبُو ثَوْرٍ مُطْلَقًا وَمَالِكٌ فِي الْمَبِيعِ جُزَافًا فَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا أَثَرَ لَهُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَذْهَبِنَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ كَوْنِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ هو المشهور الذى لا يكاد يُعْرَفُ بَلْ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ أَمْرَانِ غَرِيبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي الرَّهْنِ الْكَبِيرِ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى الاجنبين وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَلَمْ يَتَفَرَّقْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي حَتَّى جَنَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِهِ وَلَهُ رَدُّهُ بِلَا عَيْبٍ وَلَوْ جَنَى ثُمَّ بِيعَ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ بِجِنَايَتِهِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ دَلَّسَهُ وَلَوْ بِيعَ وَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَاخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ ثُمَّ جَنَى كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرُدَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ هَذَا حادث في ملكه بعد تَمَامِ الْبَيْعِ بِكُلِّ حَالٍ لَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَهُوَ يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ وَالْعِلَّةُ تُرْشِدُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ مِلْكُهُ عَلَيْهِ تَامٌّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْقَبْضِ (قَالَ) وَهَذَا إنْ صَحَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 126)
________________________________________
يَقْتَضِي أَنَّ الْجِنَايَةَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ تَمَامِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِهَا لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَإِنْ أَثْبَتَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَا يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَجَنَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرُهُ جِنَايَةَ حَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَا دُونَ النَّفْسِ أَوْ النَّفْسِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَبْدِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَخَذَ الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ كَانَ مُخَيَّرًا أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ يَدَعَهُ وَلَيْسَ لَهُ النَّقْصُ إذَا كَانَ مِنْ السَّمَاءِ كَمَا
لَوْ مَاتَ وَقَدْ قِيلَ يَأْخُذُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا نَقَصَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِهُزَالٍ فِي يَدَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ كَانَ مُخَيَّرًا وَقَدْ قِيلَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ فَالْبَيْعُ مُنْفَسِخٌ انْتَهَى وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْبُوَيْطِيُّ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ مَعْرُوفَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْغَرِيبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ ويسقط عنه حتصه مِنْ الثَّمَنِ وَكَلَامُهُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ التَّقْسِيطُ عَلَيْهِ كَالْيَدِ وَنَحْوِهَا لَا كَالْهُزَالِ وَشَبَهِهِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ نِسْبَتُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله ولا شئ مِنْ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مِنْ حِكَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى أَبِي يَعْقُوبَ فَلَعَلَّهُ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا وُجِدَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَكِنْ سبب مُتَقَدِّمٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عَالِمًا بِهِ فَقَطَعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بِكْرًا مُزَوَّجَةً فَأَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ تَكُونُ كَعَيْبٍ حَدَثَ فَيُرَدُّ بِهَا كَمَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مُرْتَدًّا فقتل قبل القبض ينفسخ العقد أو لالان رضاه لسببه رضى بِهِ وَالْخِيَارُ لَا يَثْبُتُ مَعَ الرِّضَا بِخِلَافِ الانفساخ بالتلف لم أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَالْأَقْرَبُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 127)
________________________________________
القطع بأنه لا يوجب الرد للرضى بِسَبَبِهِ وَلَكِنْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَطْلَقَ أَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَمِثْلُ هَذَا الْإِطْلَاقِ لَا يُوجَدُ مِنْهُ نقل في خصوص المزوجة ووطئ الزَّوْجِ بِهَا (الْقِسْمُ الثَّانِي) إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ إلَى سَبَبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالتَّفَرُّقِ أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ التفرق والتخاير فالوجه في وذلك بِنَاؤُهُ عَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي في مدة الخيار وفيه طرق (احداهما) وَهِيَ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْغَزَالِيُّ وَارْتَضَاهَا الْإِمَامُ وَاقْتَضَى إيرَادُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهَا (أَمَّا) إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ لَزِمَ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْقَبْضَ وُجِدَ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَتْ عَلَقَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مُكَايَلَةً فَقَبَضَ جُزَافًا أَوْ غُصِبَ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَالَ هَذَا التَّعْلِيلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ
(وَالثَّانِي)
يَنْفَسِخُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَمَا بَعْدَ الْخِيَارِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ
وَأَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَهَذِهِ مَنْسُوبَةٌ لِلشَّيْخِ أبى حامد (الطريقة الثالثة) مثلها إلَّا أَنَّا (إذَا قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَحَصَلَ إمْضَاءُ الْبَائِعِ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ وَهَذِهِ حَكَاهَا الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلِذَلِكَ نَسَبَهَا الْعِمْرَانِيُّ إلَيْهِ (الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ) طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ التَّلَفُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ انْفَسَخَ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ أَوْ مَوْقُوفٌ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الثَّمَنِ
(وَالثَّانِي)
وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى (الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ) ما دل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 128)
________________________________________
عَلَيْهَا كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ انْفَسَخَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ فَوَجْهَانِ وَإِلَّا لَمْ يَنْفَسِخْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَاَلَّذِي قَالَ مِنْ الثَّمَنِ لَيْسَ بِثَابِتٍ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أراد بالثمن القيمة لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُعَبِّرُ عَنْ الْقِيمَةِ بِالثَّمَنِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا تَقَدَّمَ وَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ أَكْثَرَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الِانْفِسَاخِ وَذَكَرَ نُصُوصًا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْجُزْءِ الثَّامِنِ وَالْعَاشِرِ مِنْ بَابِ الدَّعْوَى فِي الْمَبِيعِ وَمِنْ بَابِ دَعْوَى الْوَلَدِ فِيهِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا فِي الْجُزْءِ الْخَامِسَ عَشَرَ أيضا أنه إذ بَاعَ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ وَقَبَضَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَإِنْ مَنَعْنَا أَنْ نُضَمِّنَهُ ثَمَنَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ حَكَى عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ زَمَنَ الْخِيَارِ يَلْزَمُهُ الثمن وبذلك قال المتولي حصل قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ تَابِعٌ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالنَّصُّ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْفِسَاخَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَفْقَهُ وَلَكِنَّ تَصْحِيحَ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا فِيهِ
نَظَرٌ وَالنُّصُوصُ الَّتِي لِلشَّافِعِيِّ لَيْسَ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْهَا مَا فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالِانْفِسَاخِ وَلَا بِعَدَمِهِ بَلْ الْأَكْثَرُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ فِيهِ إيجَابُ الْقِيمَةِ وَالنَّصُّ الْمُعَارِضُ لَهُ فِيهِ إيجَابُ الثَّمَنِ فَأَكْثَرُ النُّصُوصِ تَدُلُّ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ (إمَّا) الْقَوْلُ بِالِانْفِسَاخِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى كَمَا ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَإِمَّا) الطَّرِيقَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَقُلْتُ) إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 129)
________________________________________
الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ فَالتَّمَسُّكُ بِذَلِكَ لِلِانْفِسَاخِ عَيْبًا كَمَا ادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وترجيح عدم الانفساخ ولزوم الثمن موافق للنصف المتقضى لِوُجُوبِ الثَّمَنِ وَمُخَالِفٌ لِأَكْثَرِ النُّصُوصِ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّمَنَ عَلَى الْقِيمَةِ وما نقله من النصوص في كتبه بترجح القول بالانفساخ لاسيما مع ما أشعر به كلام القاضى أبو حَامِدٍ أَنَّ ذِكْرَ الثَّمَنِ لَيْسَ بِثَابِتٍ إذَا عَرَفَ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَحَيْثُ نَقُولُ بِالِانْفِسَاخِ إمَّا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَظَاهِرِ أَكْثَرِ النُّصُوصِ أَوْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَاوَرْدِيُّ والقاضى أبى الطيب على ما فيهما مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْبِنَاءِ فَحُدُوثُ الْعَيْبِ حِينَئِذٍ كَحُدُوثِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ قَالَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّ الْمَقْبُوضَ فِي خِيَارِ الثَّلَاثِ يَسْتَحِقُّ رَدَّهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ الْعُيُوبِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ تَامًّا وَجَبَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ مِنْ وَجْهَيْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَعَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَوْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى طَرِيقَتَيْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَلَى مُقْتَضَى النَّصِّ الْمَحْكِيِّ فِي ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَلَا جُرْمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى سَبَبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَنَّ الْقَبْضَ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَا فَرْقَ بَيْنَ يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَدِ نَائِبِهِ وَلَوْ كَانَتْ يَدُ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قبض المبيع وأودعه
اياه بعد القبض نص عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَوْدَعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ حق الحبس بالايداع فَتَلِفَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَالِمَةٌ عَنْ ذَلِكَ فِي الطَّرَفَيْنِ لِاعْتِبَارِهِ الْقَبْضَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَوَّلِ مَفْقُودٌ فِي الثَّانِي
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 130)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْقَبْضِ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إلَى سَبَبٍ قَبْلَهُ لَا يُرَدُّ بِهِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ بِذَلِكَ إلَّا فِي الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ قَالَ مَا أَصَابَ الرَّقِيقَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ إبَاقٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فمن ضامن الْبَائِعِ فَإِذَا انْقَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ بَرِئَ الْبَائِعُ إلَّا مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَإِنَّ هَذِهِ الادواء الثلاثة إن أصاب شئ مِنْهَا الْمَبِيعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ سَنَةٍ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِذَلِكَ قَالَ وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ إلَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِهَا فِيهَا (وَأَمَّا) الْبِلَادُ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ فِيهَا فَلَا نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ قَالَ وَمَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ بَطَلَ عَنْهُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا بَاعَ السُّلْطَانُ لِغَرِيمٍ أَوْ مِنْ مَالِ يَتِيمٍ وَلَا عُهْدَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَيْبًا فكنمه وَقَالَ قَتَادَةُ إنْ رَأَى عَيْبًا فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ رَدَّهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَإِنْ رَأَى عَيْبًا بَعْدَ ثَلَاثٍ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثُ لَيَالٍ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَرْبَعُ لَيَالٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ قَالَ قَتَادَةُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ ثَلَاثًا قَالَ سَعِيدٌ قُلْتُ لِعُبَادَةَ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَالَ إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا بِالسِّلْعَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَلَا يُسْأَلُ الْبَيِّنَةَ وَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَذَلِكَ الْعَيْبُ بِهَا وَإِلَّا فَيَمِينُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ وَيَرُدُّ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَقَالَ هَؤُلَاءِ إنَّمَا قَضَى بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ لِأَجْلِ حُمَّى الرِّبْعِ فَإِنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَانَ ابن عثمان وهشام بن اسماعيل بن هشام يذكر ان فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةُ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ
يَشْتَرِي الْعَبْدَانِ الْوَلِيدَةَ وَعُهْدَةُ السَّنَةِ وَيَأْمُرَانِ بِذَلِكَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَضَى فِي عَبْدٍ اُشْتُرِيَ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَجَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ الْقُضَاةُ مُنْذُ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ سَنَةً قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَسَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ الْعُهْدَةُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 131)
________________________________________
نَحْوِ الْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمْ تَزَلْ الْوُلَاةُ بِالْمَدِينَةِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يَقْضُونَ فِي الرَّقِيقِ بِعُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ والبرص ان ظهر بالمملوك شئ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ وَيَقْضُونَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ شَيْئًا وَلَا سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْحُفَّاظِ فَرِوَايَتُهُ فِي هَذَا مُنْقَطِعَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ المديني لم يسمع الحسن من عقبة ابن عَامِرٍ شَيْئًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَمُرَةَ فِي ذَلِكَ إنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ (قُلْتُ) وَقَدْ حَفِظْتُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا النظر في سماع الحسن بن سَمُرَةَ وَأَيْضًا فَفِيهِ عَنْعَنَةُ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ مَعَ الِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أُعِلَّ بِهِ أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ الْحَسَنِ عَلَى الشَّكِّ بَيْنَ عُقْبَةَ وَسَمُرَةَ وَهُمَا وَإِنْ كَانَا صَحَابِيَّيْنِ فَهُوَ اضْطِرَابٌ وَقَدْ سَأَلَ الْأَثْرَمُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الْعُهْدَةِ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْعُهْدَةِ حَدِيثٌ نَتَثَبَّتُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ إنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى الْإِرْسَالِ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَضَائِهِ بِذَلِكَ ضَعِيفَةٌ وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَبَقِيَّةِ مَا ذَكَرُوهُ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَطَاءٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى عُهْدَةٌ فِي الْأَرْضِ لَا مِنْ هُيَامٍ وَلَا مِنْ جُذَامٍ ولا شئ وَبِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ وَعُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَقَالَ مَا عَلِمْتُ فِيهَا أَمْرًا سَالِفًا وَعَنْ ابْنِ طاووس أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْعُهْدَةَ شَيْئًا لَا ثلاثا ولا أقل ولا أكثر وما أشار واليه مِنْ أَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ يَحْدُثُ الْإِبَاقُ وَشِبْهُهُ وَلَوْ سُلِّمَ لَهُمْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ مَا يُوجَدُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَكُونُ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ
ذَلِكَ إنَّ الدَّاءَ الْكَامِنَ لا عتبار به وانما النقض بما يظهر لاما كَمَنَ وَفِيمَا قَالَهُ بُعْدٌ لِأَنَّ الْكَامِنَ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَعُلِمَ بِهِ صَارَ كَالظَّاهِرِ وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 132)
________________________________________
عَنْهُمَا سُئِلَا عَنْ الْعُهْدَةِ فَقَالَا لَا نَجِدُ أمثل من حديث حبان بن معداد كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَلُ الْجَارِيَةِ بِهَا الْجُذَامُ سَنَةٌ فَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عن عمرو ابن الزُّبَيْرِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رد ولم يعفد ذَلِكَ بِعَيْبٍ وَلَا فِي الرَّقِيقِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْخَبَرُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل لحبان بن سعد عُهْدَةً بِثَلَاثٍ خَاصٌّ وَمَا ذَكَرُوهُ عَنْ عَلِيٍّ لَا يُنَافِيهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا أَدْرَكْتَ الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَمِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاسْتَثْنَتْ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا الثِّمَارَ لِقَوْلِهِمْ فِيهَا بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَنَذْكُرُ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَهُمْ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) الْعَيْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا أُسْنِدَ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا بَعْدَ الْقَبْضِ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَطْعٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّ بَيْعَ مَنْ وَجَبَ قَطْعُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ السَّبَبِ السَّابِقِ عَلَى الْعَقْدِ أَوْ عَلَى الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالسَّرِقَةِ أَوْ الْقَطْعِ حَتَّى قُطِعَ وَهِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قول أبى اسحق وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِطْلَاقُ نَصِّهِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ بُشْرَى يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيَسْتَرْجِعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ قُطِعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَوْ قُطِعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ قَطْعًا وَهَذَا الْقَائِلُ يَجْعَلُهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ فَالنَّظَرُ فِي الْأَرْشِ إلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْعَبْدِ سَلِيمًا وَأَقْطَعَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا حَكَاهُ الْأَكْثَرُونَ والقاضى أبو الطيب ونقله ابن بشرى عن من نَقَلَهُ
عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَمَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رحمهما اللَّهُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 133)
________________________________________
الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقٌّ الْقَطْعَ وَغَيْرُ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ وَحُمِلَ النَّصُّ الْأَوَّلُ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ هَذَا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِالسَّبَبِ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَا الْأَرْشُ قَطْعًا لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى بَصِيرَةٍ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ لِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَإِمْسَاكِهِ إنْ كَانَ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ولا يجئ ههنا الوجه المحكي عن أبى اسحق فِي الْقَتْلِ يَعْنَى سَابِقًا وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ على رأى أبى اسحق كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ وَأَنَّ مُرَادَهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّهُ قَالَ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَقُطِعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ بشئ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ وَجْهَ أَبِي اسحق يَأْتِي هَهُنَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ
*
* (فَرْعٌ)
* عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَافَقَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَمَنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مُزَوَّجَةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهَا حَتَّى وطئها الزوج بعد القبض فان كان ثَيِّبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَنَقَصَ الافتفضاض مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ الْوَجْهَانِ ان جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِكَوْنِهَا مزوجة فان تعذر الرد بسبب رجع الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَمُزَوَّجَةً مُفْتَرَعَةٍ مِنْ الثَّمَنِ (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَهُ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا مُزَوَّجَةً مِنْ الثَّمَنِ هَكَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ الَّتِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَفِي بعض نسخا سَقْطٌ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ إلَى غَيْرِ مُزَوَّجَةٍ فَصَارَ هَكَذَا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ غَلَطٌ فِي الْحُكْمِ وَتَرْكٌ لِلتَّفْرِيعِ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ عَلَى ضَمَانِ الْبَائِعِ الْإِفْرَاعُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ يُقَدَّرُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ الْمَضْمُونُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا سَلَامَتُهَا عَلَى التَّزْوِيجِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ وَأَنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْبَائِعِ سَلِيمًا وَأَقْطَعَ لِأَنَّ الْقَطْعَ مضمون
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 134)
________________________________________
عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِقَدْرٍ مُسْتَحِقِّ الْقَطْعِ وَغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ سَلَامَتُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْقَطْعِ وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا فِي الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ مِنْ الْغَلَطِ فِي الْحُكْمِ وَجَعَلَ الْأَرْشَ عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْبَائِعِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً وَبِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ (وَإِنْ) كَانَ عَالِمًا بِزَوَاجِهَا أَوْ عَلِمَ وَرَضِيَ فَلَا رَدَّ لَهُ فَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا بَعْدَ مَا اُفْتُضَّتْ فِي يَدِهِ فَلَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَالَفَهُمْ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ لَا رَدَّ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُزَوَّجَةً ثَيِّبًا سَلِيمَةً وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُزَوَّجَةً بِكْرًا سَلِيمَةً وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً فَإِنَّ الْقِيمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ قِيمَةُ يَوْمِ الْعَقْدِ عَلَى قَوْلٍ وَيَوْمِ الْقَبْضِ عَلَى قَوْلٍ وَأَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ تُقَدَّرُ هُنَا بِكْرًا لِأَنَّهَا بِكْرٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ الثُّيُوبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْبِكْرِ السَّلِيمَةِ مِنْ الْمَعِيبَةِ كَنِسْبَةِ الثَّيِّبِ السَّلِيمَةِ مِنْ الْمَعِيبَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْتَدَّ فِي كَلَامِهِ بِالثَّيِّبِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مزوجة سليما وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً وَهَكَذَا عِبَارَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ ثَيِّبًا حَشْوٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ كان ذلك لَا يَخْتَلِفُ أَوْ زِيَادَةٌ مُفْسِدَةٌ إنْ اخْتَلَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَالنَّظَرُ فِي الْأَرْشِ يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً سَلِيمَةً وَثَيِّبًا مُزَوَّجَةً مَعِيبَةً لِأَنَّ النَّقْصَ الْحَاصِلَ بِالثُّيُوبَةِ رَضِيَ بِهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْمَسْأَلَةِ فَقَالَ إنْ قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا مُزَوَّجَةً نَقِيضُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً وَغَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَفِي قَوْلِهِ بِكْرًا مُزَوَّجَةً نَقِيضُهُ نَظَرٌ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّهْذِيبِ نَظِيرَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى سَارِقًا عَالِمًا بِسَرِقَتِهِ فَقُطِعَ فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا قَالَ لَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا غَيْرَ مَقْطُوعٍ مَعِيبًا وَغَيْرَ مَعِيبٍ فَقَوْلُهُ غَيْرَ مَقْطُوعٍ نَظِيرُهُ هُنَا أَنْ تقوم بِكْرًا وَهُوَ خِلَافُ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 135)
________________________________________
وَعِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ هُنَا
* ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ الله يقتضى أن الرضى بِالْعَيْبِ لَا يُبْطِلُ أَثَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُسْقِطُ الرَّدَّ بِهِ وَبِمَا هُوَ مِنْ سَبَبِهِ وَيَصِيرُ الْوَاقِعُ بِسَبَبِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْوَاقِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي عَدَمِ الْمَبِيعِ مِنْ الرَّدِّ وَهَذَا إنَّمَا يتجه على قول أبى اسحق الْقَائِلِ بِأَنَّ الْقَتْلَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَى الثَّمَنِ إنْ صَحَّ جَرَيَانُ هَذَا الْوَجْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ وَشَبَهِهَا وَقَدْ أَنْكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ (أَمَّا) عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ عَالِمًا بِرِدَّتِهِ لَا يرجع بشئ وَكَذَلِكَ فِي الْقَطْعِ وَزَوَالِ الْبَكَارَةِ جَزْمًا كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ وَزَوَالُ الْبَكَارَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَعَيْبٍ جَدِيدٍ مَانِعٍ مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ آخَرَ (فَإِنْ قُلْتَ) جَعْلُهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ عَلَى الصَّحِيحِ يُوجِبُ مُسَاوَاتَهُ لِمَا وُجِدَ قبل القبض لكن لَا يُرَدُّ بِهِ لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا لَوْ كَانَ عَيْبًا قَدِيمًا رَضِيَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ لا يرد به (قلت) لو جعلناه مَا بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِالْقَتْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَ الْجَهْلِ أَمَّا عِنْدَ الْعِلْمِ فَلَا فإذا رضى بالعيب أبطل أثره وكلما وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَثَرِهِ فَلَيْسَ مَنْسُوبًا إلَى الْبَائِعِ بَلْ هُوَ حَادِثٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي نَاشِئٌ مِمَّا رَضِيَ بِهِ وَلَيْسَ إحَالَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَعَلَّ كَلَامَ الْقَاضِي وَالرَّافِعِيِّ وَالْبَغَوِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ فرعوا ذلك على قول أبى اسحق (قُلْت) لَا لِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا قول أبى اسحق فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَعَ الْعِلْمِ بَلْ كَلَامُهُمْ وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِعَدَمِ جَرَيَانِهِ هُنَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَقَدَّمُوا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ هَذَا الْبَحْثُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا وَنَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* زَوَالُ الْبَكَارَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ عَيْبٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مِمَّا يُظَنُّ بَكَارَتُهَا فِي الْعَادَةِ لِصِغَرِ سِنِّهَا أَمْ لَا لِأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُسَلَّمُ لَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ مُتَّصِفًا بصفة تريد فِي ثَمَنِهِ ثُمَّ زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوَاتُهَا عَيْبًا قَبْلَ وُجُودِهَا
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا لَا شَكَّ فيه
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 136)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا وَرَضِيَ بِحَمْلِهَا ثُمَّ وَضَعَتْ فِي يَدِهِ وَنَقَصَتْ بِسَبَبِ الْوَضْعِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بِهَا فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجَارِيَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَنْ لَا يَكُونَ نُقْصَانُهَا بِالْوِلَادَةِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى فِيمَا إذَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ جَارِيَةً حَامِلًا فَحَمَلَتْ فِي يَدِهِ وَوَضَعَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ أَوْ إلَيْهَا فيه وجهان وفى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَرْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَوْ بَعْضِهَا مَسَائِلَ تُشَارِكُهَا فِي حُصُولِ عَيْبٍ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ الْقَبْضِ وَيُوجَدُ أَثَرُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْقَتْلِ بِرِدَّةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ بِجِنَايَةِ عَمْدٍ سَابِقَةٍ أَوْ الْمَوْتِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَفْرَدَ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فَصْلًا فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا وَالْحَادِثُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ تَلَفٌ يُثْبِتُ الِانْفِسَاخَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا عَيْبَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ فَلْنُؤَخِّرْ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ الْمُصَنِّفُ لَهَا فَلِلْمُشَارَكَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَنَّ التَّلَفَ فِي ذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ حَتَّى يَرْجِعَ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْأَرْشِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فُصُولِ الرَّدِّ بالعيب كما سيأتي إن شاء الله وَلِفِعْلِ الْأَوَّلِينَ مُرَجِّحٌ سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاعْلَمْ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْقَطْعِ تَلَفٌ (أَمَّا) لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (تَنْبِيهٌ) جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدِ بِالسَّرِقَةِ وَبِالْقِصَاصِ وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ فِي الْقِصَاصَ لَا يُرَدُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يَتَحَتَّمُ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ (تَنْبِيهٌ آخر) نظرا لاصحاب الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِالْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا علق العتق فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِصِفَةٍ ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ هَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ (تَنْبِيهٌ آخَرُ) كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ ذَكَرُوا
مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِالْجِنَايَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَلِذَلِكَ قَدَّمُوا الْكَلَامَ فِيهَا وَقَدَّمُوا مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ أَخَّرَ مَسْأَلَةَ الْجِنَايَةِ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ وترجح
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 137)
________________________________________
فِعْلُ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمَسْأَلَةُ الْجِنَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَى أَصْلِهَا وَأَبُو الطَّيِّبِ يَقُولُ إنَّ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ فِيهَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَسَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ وَافَقَهُمْ عَلَى الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِيهِ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ قَالَ إذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَا يُرَدُّ بَلْ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا مَقْطُوعًا وَقِيمَتِهِ غَيْرَ مَقْطُوعٍ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ (قُلْتُ) وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَبَّرَ الرُّويَانِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَكِنْ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَكَادُ يُفْهَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا رضى بالقطع واطلع على عيب آخر قديم فَلَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَا الْقَطْعَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَدٌّ بِالسِّيَاطِ فَاسْتُوْفِيَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ مَاتَ فَالْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ وَإِنْ سَلَّمَ فَالْحُكْمُ كَمَا مَرَّ فِي السَّابِقِ فَاسْتِحْقَاقُ الْحَدِّ بِالسِّيَاطِ كَاسْتِحْقَاقِ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ
*
* (فَرْعٌ)
* عَبْدٌ عَلِيلٌ بِهِ أَثَرُ السَّفَرِ فَقَالَ سَيِّدُهُ لِرَجُلٍ اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّ مَرَضَهُ مِنْ تَعَبِ السَّفَرِ وَيَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ فَاشْتَرَاهُ فَازْدَادَ مَرَضُهُ وَلَمْ يَزُلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الفتاوى ليس له المراد لانه غرر بنفسه وما غره الْبَائِعُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا وُجِدَتْ إزَالَةُ الْبَكَارَةِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ قَطْعُ الْيَدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ قَدْ رَضِيَ بِالزَّوْجَةِ وَالْجِنَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنِّي لَمْ أَرَ نَقْلًا فِي جَوَازِ الرَّدِّ بِذَلِكَ والاقرب القطع بأنه لا يوجب الرد فله وُجِدَ مَعَ ذَلِكَ عَيْبٌ لَمْ يَرْضَ بِهِ هَلْ يَكُونُ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وَقَطْعُ الْيَدِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْآخَرِ لِرِضَاهُ بِالسَّبَبِ أَمْ لَا؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ (إنْ) جَعَلْنَا وُجُودَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ غَيْرَ مَانِعٍ مَعَ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مَانِعًا وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فَهَهُنَا احْتِمَالَانِ مَأْخَذُهُمَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 138)
________________________________________
أَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَجْلِ وُقُوعِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ لِأَجْلِ الْعِلْمِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَمْ يَمْتَنِعْ هُنَا لِوُقُوعِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي امْتَنَعَ لِوُجُودِ الْعِلْمِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَجْلِ حُدُوثِهِ فِي يَدِ المشترى مع العلم بسببه وهذا المجموع منتف قبل القبض فلا يمتنع الرَّدَّ وَإِنْ عَلِمَ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ زَائِدٌ عَلَى مَا عَلِمَهُ وَلِهَذَا أَقُولُ إنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ هُنَا وَإِنْ كُنْتُ اسْتَشْكَلْتُ عَدَمَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَافَقَ فِي مَسَائِلِ التَّلَفِ الَّتِي سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بالجميع لانه من ضمان المشترى
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (إذا وجد المشترى بالمبيع عيبا لم يخل أما أن يكون المبيع باقيا على جهته أو زاد أو نقص فان كان باقيا على جهته وأراد الرد لم يؤخره فان أخره من غير عذر سقط الخيار لانه خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ فكان على الفور كخيار الشفعة)
*
*
* (الشَّرْحُ) لِلْمَبِيعِ الْمَعِيبِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى جِهَتِهِ أَوْ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا مِنْ وَجْهٍ وَنَاقِصًا مِنْ وَجْهٍ أَوْ تَالِفًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى وَعَقَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا فَصْلًا وَذَكَرَ الْخَامِسَةَ فِي فَصْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْقِسْمِ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْمَبِيعِ بَعْدَ تَلَفِهِ وَهُوَ يُقْسِمُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عيبا ولو أريد بوجد الْعِلْمِيَّةُ الَّتِي تَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ صَحَّ إطْلَاقُهَا بَعْدَ التَّلَفِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِنْ وُجْدَانِ الضَّالَّةِ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَوْجُودًا وَأَمَّا الزَّائِدُ مِنْ وَجْهٍ وَالنَّاقِصُ مِنْ وَجْهٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو عَنْ ذلك فالقسمة حينئذ حاصرة وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُعْلَمُ من التسمين وَقَلَّمَا يَقَعُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَعَطْفُهُ بِأَوْ عَلَى أَمَّا غَيْرُ مُتَّضِحٍ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَوْ زَادَ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ زَائِدًا عَطْفًا عَلَى مَا هُنَا (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ الْعَيْبُ بَاقِيًا بِحَالِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَرَدِّهِ فَإِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 139)
________________________________________
أَرَادَ رَدَّهُ فَخِيَارُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَ عن أبى أنه لا يكون الرضى إلَّا بِالْكَلَامِ أَوْ يَأْتِي مِنْ الْفِعْلِ مَا يَكُونُ فِي الْمَعْقُولِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ رِضًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُهُ وَيَسْتَمِعَ لانه ملكه وكذلك نقل ابن حزم فانه قَالَ لَا يَسْقُطُ الرَّدُّ إلَّا بِإِحْدَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ مُطْبِقَةٌ بِالرِّضَا أَوْ خُرُوجُهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ إيلَادُ الْأَمَةِ أَوْ موته أو ذهاب عين الشئ أَوْ بَعْضِهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَمَنْ يَعُدُّ أَقْوَالَ أَبِي ثَوْرٍ وُجُوهًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا وَجْهًا مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَتَاوَى محتملة لان لا يَكُونَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَمُحْتَمِلَةً لِخِلَافِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهَا وَلَعَلِّي أَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا فِي تَفْصِيلِ الْأَشْيَاءِ الْمُبْطِلَةِ لِلْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِكَوْنِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْ الدَّلِيلِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ " وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ واحد منهما فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي لُزُومَ الْعَقْدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ ثُمَّ إنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِالْعَيْبِ بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْ الْإِجْمَاعِ ثُبُوتُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ فَيَجْرِي فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى اللُّزُومِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَتَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ مَا أَمْكَنَ وَلِأَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي شُرِعَ الرَّدُّ لِأَجْلِهِ يَنْدَفِعُ بِالْبِدَارِ وَهُوَ مُمْكِنٌ فَالتَّأْخِيرُ تَقْصِيرٌ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ اللُّزُومِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ (الدَّلِيلُ الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى خِيَارِ الشُّفْعَةِ وَفِيهِ احْتِرَازَاتٌ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ وَبِقَوْلِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ عَنْ خِيَارِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (إذَا قُلْنَا) لَيْسَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَمِنْ خِيَارِ الْمَرْأَةِ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْعُنَّةِ أَوْ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ وَمِنْ الْخِيَارِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَقَدْ أَجَادَ فِي ذَلِكَ وَزَادَ غَيْرُهُ خِيَارَ الْعُنَّةِ أَيْضًا كَخِيَارِ الْأَمَةِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَلَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا النَّقْضُ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ثَبَتَ رِفْقًا بِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّرَوِّي وَالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُحَقَّقِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ ثَمَّ ضَرَرٌ أَصْلًا وَلَا يَسْتَنِدُ إلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 140)
________________________________________
ظُهُورِ وَصْفٍ فِي الْمَبِيعِ وَبَعْدَ أَنْ كَتَبْتُ هَذَا رَأَيْتُ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الصَّعْبِيِّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي سَمَّاهُ غَايَةُ الْمُفِيدِ وَنِهَايَةُ الْمُسْتَفِيدِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ احْتِرَازًا مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ لِلِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ وَقَدْ يرد عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ عَلَى قول أبى حامد المروروزى كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أَبَا حَامِدٍ يَجْعَلُ ثُبُوتَهُ ثَلَاثًا بِالْحَدِيثِ وَلَا يَجْعَلُهُ لِكَوْنِهِ عَيْبًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُثْبِتُهُ مَعَ الْعِلْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَقَدْ يُورِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا الْخِيَارَ الَّذِي أَثْبَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ فَإِنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيُجَابُ عَنْ كُلٍّ مِنْ هَذَا وَخِيَارِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ بِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى فِيمَا سِوَاهُمَا عَلَى مُقْتَضَاهُ وَقَدْ يُورِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَاسَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَهُنَا قَاسَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الشُّفْعَةِ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ قِيَاسَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الشُّفْعَةِ وُرُودُ الْخَبَرِ فِيهَا وَقِيَاسُ الشُّفْعَةِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَرَدَّدَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمُهَذَّبِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْمُصَنَّفِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ حَكَمْتَ بِعَدَمِ صِحَّةِ السُّؤَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْجَدِيدِ الصحيح اسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَسَقَطَ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَإِنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِالتَّأْخِيرِ هُوَ الْمَقِيسُ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ غَيْرُ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ وَهَهُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الشُّفْعَةِ فَالْمَقِيسُ هُنَاكَ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ غَيْرُ الْمَقِيسِ هُنَا عَلَى الشُّفْعَةِ فَلَا سُؤَالَ وَلَا إشْكَالَ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَ السُّقُوطُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ظَاهِرِ اللُّزُومِ لِكَوْنِ الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 141)
________________________________________
حَاجَةَ فِي الشُّفْعَةِ إلَى قِيَاسِهِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكْفِي الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِثُبُوتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الشُّفْعَةِ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ خَطَرَ لِي فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَالِاعْتِذَارِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي جَعْلِهِ سُقُوطَ الشُّفْعَةِ بِالتَّأْخِيرِ بَعْدَ تَقْرِيرِ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ مُنْشِئًا عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَسْأَلَةٌ غَرِيبَةٌ نَقَلَهَا أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ عَنْ تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَوْ عَفَا عَنْ الشُّفْعَةِ ثُمَّ تَرَكَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فأراد المطالبة بها كان له مادام فِي الْمَجْلِسِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ تَقْرِيرٌ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي لِجِهَةِ الْمُعَارَضَةِ فَيُعْقَبُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالشِّرَاءِ وَعَكْسُهُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ تَقْرِيرَ مِلْكٍ فِي غَيْرِهِ (قُلْتُ) فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اطَّلَعَ عَلَى هَذَا النَّصِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تبطل بالعفو مادام فِي الْمَجْلِسِ عَلَى قَوْلِ الْفَوْرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّأْخِيرَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَنْهُ عَلَى أَنِّي نَظَرْتُ بَابَ الشُّفْعَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَظَرَ الْعَجِلِ فَلَمْ أَرَ هَذَا النَّصَّ فِيهِ وَهُوَ غَرِيبٌ مُشْكِلٌ وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ بْنِ بُشْرَى الَّذِي جَمَعَ فِيهِ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ مَا يُوَافِقُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْتُ شُفْعَتِي أَوْ تَرَكْتُهَا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ثُمَّ يُفَارِقُ الشُّهُودَ الَّذِينَ قَالَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَدْ سَلَّمْتُ شُفْعَتِي فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى يَقُولَ أَنَا عَلَى شُفْعَتِي فَذَلِكَ لَهُ وَهَذَا هُوَ ذَاكَ النَّصُّ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الشُّفْعَةِ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فِي الْمَجْلِسِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْفَوْرِ فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَدْفَعُهُ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَّرَ الرَّدَّ بَعْدَ الْعِلْمِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَامِعِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ
*
* (فَرْعٌ)
* أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْوِ وَالرَّكْضِ لِيَرُدَّ وَلَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاةٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ قضاء حاجة
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 142)
________________________________________
فَلَهُ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ وَكَذَا لَوْ اطَّلَعَ حِينَ دَخَلَ وَقْتُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَاشْتَغَلَ بِهَا فَلَا بَأْسَ وَكَذَا لَوْ
لَبِسَ ثَوْبًا وَأَغْلَقَ بَابًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ لَيْلًا فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يُصْبِحَ وقال الهروي في الاسراف إلَى ضَوْءِ النَّهَارِ وَهُمَا رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ هَكَذَا أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ جَازِمًا بِذَلِكَ اعتبار بالعرف وقال صاحب التتمة إذا اطلق بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَا مِنْ اسْتِحْضَارِ الشُّهُودِ لِيَفْسَخَ بِحَضْرَتِهِمْ وَلَا مِنْ إخْبَارِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ فَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَالُوا لابد أَنْ يَقُولَ فِي الْوَقْتِ فَسَخْتُ وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ أَوْ الشُّهُودُ أَوْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ يُطْرِدُ هَذَا الْخِلَافَ فِي تَأَخُّرِ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ مُطْلَقًا وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الصُّوَرَ الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْ الْأَكْلِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِهِ وَيَكُونُ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَعْذَارِ المتقدمة على ما ذكر إنَّمَا تَسْتَمِرُّ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون ذلك مختص بِاللَّيْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأْخِيرِ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ أَنَّهَا الْأَعْذَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَلَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ تَأْخِيرًا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْفَقُ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاشْتِرَاطُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عَدَمَ التَّمَكُّنِ فِي اللَّيْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى تَمَكَّنَ فِيهِ كَانَ كَالنَّهَارِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْمَسِيرِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الصَّبَاحِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَالْفِقْهُ يَقْتَضِيهِ فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ لِغَيْرِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْفَسْخِ وَلَا الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرَّدِّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي أشار إليه يسلكه ملك الْغَيْبَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ لَقِيَ الْبَائِعَ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ سَلَامِهِ صَحَّ وَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْدَ سَلَامِهِ صَحَّ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لِلتَّنْبِيهِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي كَوْنِ السَّلَامِ عُذْرًا هُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَالَ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ مَنْ عَدَّهُ فِي اشْتِرَاطِ قَطْعِ مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَشْتَرِطَ تَرْكَ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ وَلَوْ عَلِمَ بِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِعَتَهٍ أَوْ مَرَضٍ كَانَ عَلَى حَقِّهِ إلَى أَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَيَأْتِي كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ لَوْ لَمْ يَتِمَّ الْغَرَضُ إلَّا بِاسْتِيفَائِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا أَعْذَارٌ احْتَرَزَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُبَادَرَةِ وَمَا يَكُونُ تَقْصِيرًا ومالا يَكُونُ مَحَلُّهُ كِتَابَ الشُّفْعَةِ وَأَحَالُوا الْكَلَامَ هُنَا عَلَيْهِ وَقَدْ حَكَوْا هُنَاكَ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الشُّفْعَةِ قَطْعُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 143)
________________________________________
مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ الحمام والنافلة ونحو ذلك تَحْقِيقًا لِلْبِدَارِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَبْعُدُ جَرَيَانُهُ هَهُنَا لِأَنَّهُمَا فِي قَرْنٍ وَعَدَّ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ إبَاقُ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَأَخَّرَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بَلْ لَوْ صَرَّحَ بِإِسْقَاطِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَلَى الصَّحِيحِ (قُلْتُ) وَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ مُتَجَدِّدٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يَحْصُلُ حَقِيقَةُ التَّأْخِيرِ فَلَا يَحْسُنُ عَدُّهُ فِي جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ
*
* (فَرْعٌ)
* وَأَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ عُذْرًا فَكَثِيرٌ (مِنْهَا) لَوْ بَادَرَ حِينَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَقِيَ الْبَائِعَ فَأَخَذَ فِي مُحَادَثَتِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ فَلَا رَدَّ لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ أَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ قَالَ أَخَّرْتُ لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي حَقَّ الرَّدِّ فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ فِي بَرِيَّةٍ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَمُكِّنَ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْ الْفُرُوعِ حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ كَالْأَمَةِ إذَا ادَّعَتْ الْجَهَالَةَ بِالْحُكْمِ وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ قُبِلَ قَوْلُهُ لانه مما تخفى عَلَى الْعَوَامّ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْفَوْرِ وَقَوْلُ الشَّفِيعِ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ (قُلْت) وَفِي الْإِطْلَاقَيْنِ نَظَرٌ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَالَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ أَمَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ وَحَيْثُ بطل حق الرد بالتقصير حَقُّ الْأَرْشِ أَيْضًا
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى الْقَبْضِ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَدَوَامُ الْعَيْبِ عَيْبٌ
* (فَرْعٌ)
* فِيهِ تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي الْفَوْرِ وَكَيْفِيَّةِ الرَّدِّ وَحَالِ الْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ إنَّ عَلَيْهِ الْفَسْخَ عَلَى الْفَوْرِ وَعَنْ الشَّيْخِ وَهُوَ الْقَفَّالُ إنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَرَادَ أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي النَّقْلِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى الْقَفَّالِ وَقَالَ سَبِيلُهُ أَنْ يُفْسَخَ الْوَاقِعُ مِنْهُ لِتَيَسُّرِ الْإِثْبَاتِ لَهُ وَيَقْرَبُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَنَقَلَ عَنْ عَامَّةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 144)
________________________________________
الاصحاب في الليل أنه لابد مِنْ تَلَفُّظِهِ بِالْفَسْخِ وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْبَائِعِ أَوْ الشُّهُودِ أَوْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ الْإِمَامُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ فَلَا عُذْرَ فِي التَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ خَصْمُهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِشْهَادِ فَلْيَبْتَدِرْ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا فِي الْعُرْفِ وَلَا يَلْزَمُهُ النُّطْقُ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْحُضُورِ فَإِنْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ بَطَلَ حَقُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْغَرِيمَ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالرَّدِّ وَيَشْهَدَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنْ نَهَضَ إلَى الْبَائِعِ كَمَا اطَّلَعَ لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَإِنْ فَسَخَ فِي بَيْتِهِ وَأَشْهَدَ فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ بَطَلَ حَقُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَرِيمُ حَاضِرًا وَأَمْكَنَ الْإِشْهَادُ فَلَمْ يُشْهِدْ وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ وَجَزْمُهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي لَيْسَ مُقَصِّرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْإِشْهَادُ جَمْعًا بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْغَرِيمِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْإِشْهَادُ أَوْ يَكْتَفِي بِالْحَاكِمِ وَجْهَانِ فَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ ثُمَّ الْحَاكِمُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ أَوْ الْحَاكِمُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ كَمَا قَدَّمَهُ الْإِمَامُ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ إنْ كَانَ الْعَاقِدُ حَاضِرًا فَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الرَّدِّ اثْنَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي فَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَالْخَصْمُ حَاضِرٌ فَمُقَصِّرٌ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ حُضُورًا فَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ إذْ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَاضِي مَزِيدُ تَأْكِيدٍ فَاقْتَضَى هَذَا التَّرْتِيبُ الْغَرِيمَ ثُمَّ الْإِشْهَادَ ثُمَّ الْحَاكِمَ وَقِيلَ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ أَوْ الْحَاكِمُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ فِي الوجيز يرد عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ حَاضِرَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْقَاضِي فَوَافَقَ مَا فِي الْوَسِيطِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ إشْكَالٌ يَعْنِي الَّذِي فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ قَالَ لِأَنَّ الْحُضُورَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إمَّا أَنْ يَعْنِي بِهِ الِاجْتِمَاعَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ الْكَوْنَ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ عِنْدَهُ وَلَا وَجَدَ الشُّهُودَ وَلَمْ يَسْعَ إلَى الْقَاضِي وَلَا سَعَى إلَى الْبَائِعِ وَاللَّائِقُ لِمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْقَاضِي إذَا وَجَدَ الْبَائِعَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 145)
________________________________________
إذَا أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَقُولَ شَاهِدَيْنِ حَاضِرَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغَائِبَ عَنْ الْبَلَدِ لَا يُمْكِنُ إشْهَادُهُ ثُمَّ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ فَكَوْنُ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ مَشْرُوطًا بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِشْهَادِ بَعِيدًا أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ أَسْهَلَ عَلَيْهِ مِنْ إحْضَارِ مَنْ يُشْهِدُهُ أَوْ الْحُضُورُ عِنْدَهُ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ يَنْفُذُ فَسْخُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ غَيْرُ مَرْعِيٍّ انْتَهَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى هَذَا الْإِشْكَالِ وَقَالَ إنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ مُشْكِلٌ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا لَوْ كَانَ وَكِيلُهُ حَاضِرًا وَلَا حَاجَةَ إلَى الْمُرَافَقَةِ فَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَهُوَ زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ وَحَاصِلُ هَذَا تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ دَفَعَ الْأَمْرَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي فِي الْحَالَيْنِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ هَلْ يَلْزَمُهُ (وَجْهَانِ) قَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ بِاللُّزُومِ وَيَجْرِي مَجْرَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ عَجَزَ فِي الْحَالِ عَنْ الْإِشْهَادِ فَهَلْ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مخالف لماله لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي كَوْنِ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ مُبْطِلًا كَمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ وَعِنْدَ الرَّافِعِيِّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَمُخَالِفٌ لَهُ أَيْضًا فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْإِشْهَادِ عَنْ الْحُضُورِ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَصَدْرُ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ جَزْمًا وَلَا يَجُوزُ التَّشَاغُلُ بِهِ عَنْ الْحَاكِمِ وَزَائِدٌ عَلَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ بِلُزُومِ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي فِي الْحَالَيْنِ عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ إنْ صَحَّ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ قَاصِرٌ عَلَى الْحَاكِمِ دُونَ الْخَصْمِ فَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي كلام الامام
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 146)
________________________________________
زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ فَلَا عُذْرَ فِي التَّأْخِيرِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى
الْجَمِيعِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ فَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إنْ أَرَادَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الاطلاق وَهُوَ الظَّاهِرُ فَبَقِيَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَالَةُ لَمْ يذكرها وان ارد مُطْلَقًا اقْتَضَى أَنَّهُ مِنْ الْحَاكِمِ وَيَذْهَبُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ يَتْرُكُ الْبَائِعَ فِي الْمَجْلِسِ وَيَذْهَبُ إلَى الْحَاكِمِ وَسَنَذْكُرُ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَا فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ عِنْدَ الْعَجْزِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَنَقَلَهُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَمُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَفِيمَا ذكره الرافعي من التخيير بحيث لابد مِنْ مَعْرِفَتِهِ سَأُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيرَادِ عَلَى الْغَزَالِيِّ إنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ ابْتَدَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَهُوَ فَوْقَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَحَكَيَا مَعًا وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ وَتَرَكَهُ وَدَفَعَ إلَى الْقَاضِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُضِيَّ إلَى الْقَاضِي أَقْوَى مِنْ لِقَاءِ الْخَصْمِ وَأَنَّ الْإِشْهَادَ أَقْوَى مِنْ الْمُضِيِّ إلَى الْقَاضِي هَكَذَا كَلَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنَّ مُرَادَ الْغَزَالِيِّ هُنَا فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ بِالْحُضُورِ الْحُضُورُ فِي الْبَلَدِ وَكَذَلِكَ مُرَادُهُ فِي الْبَسِيطِ هُنَا وَيَظْهَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ فِي الْبَلَدِ لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ بَلْ هُوَ فَوْقَهُ لِاحْتِمَالِ الْمُنَازَعَةِ (وَأَمَّا) الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الشُّهُودِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجِبُ الْفَسْخُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ طَالِبٌ لِلرَّدِّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالشُّفْعَةِ وَمِنْ ذَلِكَ إنْ صَحَّ يَنْتَظِمُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا الْإِشْهَادُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَيَسُّرِهِ عَلَى طَلَبِ الرَّدِّ لَا عَلَى نَفْسِ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَالصَّحِيحُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِ الرَّدِّ (وَأَمَّا) الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّهُ طَالِبٌ الرد ولا يكفى فانه ههنا بمكنة إنْشَاءُ الرَّدِّ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَفِي الشُّفْعَةِ لَا يمكنه الاخذ إلا بأمور هي مقصودة إذا ذَاكَ فَلَيْسَ الْمَقْدُورُ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ ثُمَّ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ فِي الْبَسِيطِ قَالَا فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الشَّفِيعَ إذَا تَرَكَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْحُضُورِ وَابْتَدَرَ الْحَاكِمَ فَهُوَ فَوْقَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا الْمَعْنَى يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي حَالَةِ حُضُورِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَلَدِ وَحُضُورُهُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الشُّفْعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي الْحَالَيْنِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 147)
________________________________________
فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى حَالَةِ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ
عَلَيْهَا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الحضور لا حلف عَلَى الشَّرِيكِ فِي قَوْلِهِ أَنَا طَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ تَمَلَّكْتُ بِهَا أَوْ وَجَدَ بَدَلَ الْمَالِ فَإِنْ نَازَعَهُ الْمُشْتَرِي إذْ ذَاكَ رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَفِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ مَجْلِسِ الاطلاع لابد من المضى إماله أو للحاكم فكان مخيرا بينهما أحوط وهذا لَا تَبَايُنَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ قَالَ وَهَذَا قُلْتُهُ بِنَاءً عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَمِنَ الرَّدَّ عَلَى (١) لَا يُعْذَرُ بِطَلَبِ الْحَاكِمِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ فِيمَا حَكَى الْقَاضِي عَنْهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الطَّلَبِ إلَى وَقْتِ الْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كما ذَلِكَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ عَنْهُ وَلَا جُرْمَ قَالَ الْإِمَامُ مُشِيرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ حَاضِرًا فَابْتَدَرَ الْقَاضِيَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ لَكِنَّ حِكَايَةَ الْهَرَوِيِّ عَنْ الْقَفَّالِ لَا تَدْخُلُ حَالَةَ قُصُورِهِ مَعَ الْبَائِعِ بَلْ حَالَ غَيْبَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ فِيهَا مِنْ الْإِشْهَادِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ظَهَرَ صِحَّةُ مَا قَالَ الْغَزَالِيُّ مِنْ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ يُقَصِّرُ يَعْنِي إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَالْخَصْمُ حَاضِرٌ أَيْ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ (قُلْتُ) مَا حَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي وَالطَّلَبَ مِنْهُ أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ تَطْوِيلٌ يُبْطِلُ الْحَقَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يَنْحَلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا يَخْتَارُهُ مَنْ فَهِمَ كَلَامَ الْوَسِيطِ اتِّبَاعًا لِمَا فِي الْوَجِيزِ أَنَّ تَأْخِيرَ الرَّدِّ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي قَدْ جَمَعَهُمَا مَجْلِسُ الِاطِّلَاعِ تَقْصِيرٌ جَزْمًا وَكَذَا تَأْخِيرُهُ إذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَالْمَالِكُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ وَفِيهِ مَا سَلَفَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدْ عَرَفْتَ انْدِفَاعَهُ وَعِنْدَ عَدَمِ حُضُورِ الْبَائِعِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ لَكِنَّهُ حَاضِرٌ فِي الْبَلَدِ هَلْ يُجْعَلُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ مُقَصِّرًا وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ وَتَرَكَ الْإِشْهَادَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْقَاضِي الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِشْهَادِ فِي حَالِ حُضُورِ الْبَائِعِ فِي الْبَلَدِ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْهَا فَلَا تَقْصِيرَ إلَّا بِإِهْمَالِ طَلَبِ الْبَائِعِ أَوْ الْقَاضِي وَهَلْ يَكُونُ طَلَبُ الْقَاضِي تَقْصِيرًا فِي حَالِ حُضُورِ الْبَائِعِ فِي الْبَلَدِ وَتَيَسَّرَ طَلَبُهُ قَبْلَ طَلَبِ الْقَاضِي فِيهِ الْوَجْهَانِ عن القفال
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 148)
________________________________________
وَغَيْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْغَزَالِيِّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَا يَظُنُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ حَضَرَ الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ رَدَّ جَزْمًا وَإِنْ حضر الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَكَذَلِكَ
لَا عَلَى مَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْقَفَّالِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ وَحَضَرَ فِي الْبَلَدِ فَعَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْوَجْهَانِ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي فَيَكُونُ التَّخْيِيرُ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ خَاصَّةً وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ الصحيح لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ عِنْدَ تَأْوِيلِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ أَحْوَطُ فَهَذِهِ مُنَاقَشَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وأيضا مناقشة ثانية وهى أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ جَعَلَ الْحُضُورَ إلَى الْقَاضِي عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الشُّهُودِ وَذَلِكَ يُوهِمُ الِاكْتِفَاءَ بِالشُّهُودِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْتُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَاضِي أَوْ الْبَائِعِ وَمُنَاقَشَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدْفَعُ اعْتِرَاضَ الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَسْعَ إلَى الْقَاضِي وَلَا يَسْعَى إلَى الْبَائِعِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ (وَقَوْلُهُ) إنَّ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ فَيَكُونُ الْحُضُورُ إلَى الْقَاضِي مشروطا بالعجز عن الشهود كما يقتضيه كلام الغزالي بعيد ما ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ إرَادَةِ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ سُؤَالَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إشْكَالَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بَاقٍ بِحَالِهِ فَإِنْ اتَّضَحَ بَعْضُ مُرَادِهِ وَتَلْخِيصُ الْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْحَالَتَيْنِ يَجِبُ الْإِشْهَادُ إذَا تَيَسَّرَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَلْخِيصُهُ بِأَيْسَرَ مِنْ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَسَأُفْرِدُ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَرْعًا وَلَكَ أَنْ تُعَبِّرَ بِعِبَارَةٍ مُخْتَصَرَةٍ فنقول تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَإِنْ مَرَّ فِي طَرِيقِهِ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَلَقِيَ شُهُودًا وَجَبَ إشْهَادُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وإذا أردت تمييز المراتب فاعم أن الرتبة (الْأُولَى) أَنْ يَحْضُرَ مَعَ الْحَاكِمِ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ فَيُبَادِرَ وَلَا يُؤَخِّرَ قَطْعًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ (الثَّانِيَةُ)
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 149)
________________________________________
أَنْ يَحْضُرَ الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَكَذَلِكَ لَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَقْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى حُضُورِ مَجْلِسِ الحكم حذرا من إنكاره الْبَائِعِ (الثَّالِثَةُ) حُضُورُ الشُّهُودِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ لِإِمْكَانِ الْإِثْبَاتِ بِهِمْ وَلَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِنَقْلِهَا إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِشْهَادُ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْبَائِعِ إنْ أَمْكَنَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَجْهُ هُنَا أَيْضًا
وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا فِيهِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ مَتَى أَخَّرَ عَنْ مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ بَطَل حَقُّهُ إمَّا جَزْمًا أَوْ عَلَى الْأَصَحِّ وَظَاهِرُ هَذَا الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ أَبْعَدَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ أَقْرَبَ وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَمُرُّ فِي مُضِيِّهِ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ يُعْذَرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ عَنْهُ إلَى أَنْ يتنهى إلَى الْآخَرِ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذَلِكَ أَيْضًا وَسَنُعِيدُ الْكَلَامَ فِيهِ (الْخَامِسَةُ) أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ فِي الْبَلَدِ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَمَّا الْحَاكِمُ أَوْ الْبَائِعُ فلا شك في تعينه (السَّادِسَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الْبَلَدِ تَعَيَّنَ الْإِشْهَادُ (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ وَتَيَسَّرَ الِاجْتِمَاعُ بِهِمْ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (الثَّامِنَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ وَلَا تَيَسَّرَ بِهِمْ الِاجْتِمَاعُ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَلَا يَجِبُ الْمُضِيُّ إلَيْهِمْ جَزْمًا (التَّاسِعَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ تَيَسَّرَ الِاجْتِمَاعُ بِهِمْ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَكْفِي جَزْمًا (الْعَاشِرَةُ) إذَا لم يكن في البلد شئ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالْفَسْخِ يَأْتِي فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي حَالَةِ الْعَجْزِ عَنْ الْإِشْهَادِ الْأَصَحُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ يَدَّعِي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ يَدَّعِي شراء ذلك الشئ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَنَّهُ أَقَبَضَهُ الثَّمَنَ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي وَجْهٍ مُسَخَّرٍ يَنْصِبُهُ الْقَاضِي وَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي مَعَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ مِنْهُ وَيَضَعُهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَالثَّمَنُ يَبْقَى دَيْنًا على الغائب فيقبضه القاضى من
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 150)
________________________________________
مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ بَاعَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فِي الدَّعْوَى إنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ الْفَسْخَ حَتَّى يَحْضُرَ إلَى الْحَاكِمِ بَلْ يَفْسَخُ عِنْدَ الشُّهُودِ أَوْ وَحْدَهُ وَأَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشُّهُودُ وَحَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْشِئُ الفسخ عنده وتكون الدعوى التى تقيم الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا بِالشِّرَاءِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَظُهُورِ الْعَيْبِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ يَنْصِبُ مُسَخَّرًا تَفْرِيعٌ عَلَى رَأْيِهِ أَيْضًا فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي الدَّعَاوَى وَالْأَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُ الْمُسَخَّرِ وَتَحْلِيفُهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ المذهب في الدعوى على
الغائب وقيل يستجب وَقَوْلُهُ يَقْضِيهِ الْقَاضِي مِنْ مَالِهِ يَشْمَلُ النَّقْدَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ فِي النَّقْدِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُ النَّقْدِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِثْلُ الْبَيْعِ فيتخير القاضي في بيع ما شاء منهما وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ بَيْعُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْبَائِعِ فَإِنْ عَجَزَ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ لِيُكْمِلَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ غَرَضٌ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ مِنْ الْمَبِيعِ دُونَ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْمَلَ عَلَى مَالِهِ سِوَى الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* فَأَمَّا إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فِي حَالِ حُضُورِ الْخَصْمِ فِي الْبَلَدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ أَوْ كَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِينَئِذٍ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْحَاكِمِ جَزْمًا فالظاهر أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا إعْلَامُ الْحَاكِمِ بِالْفَسْخِ وَطَلَبَ غَرِيمَهُ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَالِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِشْهَادِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ أَمَّا إذَا مَنَعْنَا من القضاة بِالْعِلْمِ فَلَا يُفِيدُهُ إخْبَارُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ وَحْدَهُ قبل مجئ الْغَرِيمِ وَإِذَا جَاءَ الْغَرِيمُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ الْآنَ كَمَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ لِيُقَدِّمَ اعْتِرَافَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في قوله الفسخ في ذلك الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ الْحَاكِمُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ فَيَقِفُ وهذا يحسن أن يكون مأخذ التقديم الاشهاد
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 151)
________________________________________
وَأَنَّهُ لَا يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَلَى الْإِشْهَادِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْوَسِيطِ لكن ذلك يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ عَلَى النُّهُوضِ إلَى الْبَائِعِ أَيْضًا وَقَدْ عُرِفَ بِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ عِلْمِ الْحَاكِمِ بتقدم عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ وَعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِعِلْمِهِ بِالْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* الْخَصْمُ الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَيُّنِ أَوْ التَّخَيُّرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ مَنْ هُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ ذَلِكَ وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ الْبَائِعُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عقد لنفسه أو لغيره قال ابن الرافعة وَفِي الثَّانِيَةِ نَظَرٌ (إذَا قُلْنَا) لَا عُهْدَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ (قُلْتُ) وَالْكَلَامُ فِي الْعُهْدَةِ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ الْإِطْلَاقُ هَهُنَا مُحَالًا عَلَى الْبَيَانِ ثُمَّ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ عَلَى الْوَكِيلِ وَعَلَى الْوَصِيِّ يَعْنِي
إذَا بَاشَرَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَشِرَاءِ جَارِيَةٍ بِثَمَنِهِ وَإِعْتَاقِهَا فَفَعَلَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا بالعبد قال الْوَصِيُّ بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَرْدُودِ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَوْ فُرِضَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ فَهَلْ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ ثَانِيًا فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَالْوَصِيِّ لِيُتِمَّ الْبَيْعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ امْتَثَلَ الْمَأْمُورَ وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ فَيَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ وَيُخَالِفُ الْإِيصَاءَ فَإِنَّهُ تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) مِلْكُ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ فَلَهُ بَيْعُهُ ثَانِيًا (وَإِنْ قُلْنَا) زَالَ وَعَادَ فَهُوَ كَالرَّدِّ بِالْعَبْدِ ثُمَّ إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ ثَانِيًا فَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالنُّقْصَانُ عَلَى الْوَصِيِّ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمُوصِي فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَمَا رَدَّ غَرِمَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الاول انه لِزِيَادَةِ قِيمَةٍ أَوْ رَاغِبٍ دَفَعَ قَدْرَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لِلْعَيْنِ وَيَقَعُ عِتْقُ الْجَارِيَةِ عَنْ الْوَصِيِّ إنْ اشْتَرَاهَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ لَمْ ينفذ الشراء
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 152)
________________________________________
وَلَا الْإِعْتَاقُ وَعَلَيْهِ شِرَاءُ جَارِيَةٍ أُخْرَى وَإِعْتَاقُهَا بِهَذَا الثَّمَنِ عَلَى الْمُوصِي هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ ولابد فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِالْعَيْنِ وَتَسْلِيمَهُ عَنْ عِلْمِهِ بِالْحَالِ حِكَايَةٌ يَنْعَزِلُ بِهَا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَاءِ جَارِيَةٍ أُخْرَى هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ الصُّورَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ في العهدة فيهما جميعا فالصحيح مطالبتها جَمِيعًا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ وَقِيلَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَقِيلَ الْمُوَكِّلُ دُونَ الْوَكِيلِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحَالُفِ وَذَكَرُوا خِلَافًا فِيهِ وَفِي وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا بَاشَرَ الْعَقْدَ فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا شَكَّ فِي اتِّجَاهِ رَدِّ الْإِتْلَافِ هُنَا كَمَا قُلْنَا مِنْ الْعُهْدَةِ (وَأَمَّا) وَلِيُّ الْمَحْجُورِ فَفِيهِ الْجَزْمُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَكَيْفَ الْخَلَاصُ مِنْ رَفْعِ الْجَزْمِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ إلَى الظُّلَامَةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَنَائِبُهُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ (وَأَمَّا) الْوَارِثُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَقَدْ جَزَمَ أَصْحَابُنَا بِجَرَيَانِ التَّحَالُفِ مَعَهُ (وَأَمَّا) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ هُنَا فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا وَأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْوَكِيلِ أَيْ جَوَازًا وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّعَهَا ابْنُ سريج على الجامع الصغير لمحمد
ابن الْحَسَنِ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ السِّلْعَةَ مَتَى عَادَتْ إلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَمَتَى عَادَتْ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ كَانَ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَالْوَكِيلُ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْقَبْضِ فَقَبِلَهُ الْوَكِيلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ احتمل فان أقام المشترى بينة القول قَوْلُ الْوَكِيلِ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ الرَّدُّ وَإِلَّا رُدَّتْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ حَلَفَ وَرَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ وَقَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ إنْ قُلْنَا رَدُّ الثَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي يَعْنِي لِأَنَّهَا لَا تَتَعَدَّى إلَى ثَالِثٍ
*
* (فَرْعٌ)
* الْإِشْهَادُ الْوَاجِبُ أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ يُشْهِدُ اثْنَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَذَلِكَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 153)
________________________________________
عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مَعَ الْيَمِينِ كَافٍ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ
*
* (فَرْعٌ)
* تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا مِنْ الْبَلَدِ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالْغَيْبَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهَلْ تَكْفِي مَسَافَةُ الْعَدْوَى قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِعْدَاءِ وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالدُّعَاءِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ غَيْبَتُهُ عَنْ الْبَلَدِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمَسَافَةُ كَالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ كَمَا ذُكِرَ وَجْهٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ السَّالِفَةِ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ الْخُرُوجِ عَنْهَا مَشَقَّةً لَا تَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ قَالَ وَهَذَا مَا يُفْهِمُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْجَزْمُ بِهِ (قُلْتُ) وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ هو الظاهر وإن كَانَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ لَا يَقْتَضِيهِ إلَّا بِإِطْلَاقِ الْغَيْبَةِ فَإِنْ جَزَمَ الْأَصْحَابُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ عِنْدَ حُضُورِ الْحَاكِمِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ يَبْعُدُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْمُضِيُّ إلَى الْبَائِعِ فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مُطْلَقُ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْبَائِعِ خَارِجَ الْبَلَدِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْ مَوْضِعِ الْحَاكِمِ فِي الْبَلَدِ فَفِيهِ نَظَرٌ
*
* (فَرْعٌ)
* تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْحَاكِمِ وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يجد أحدهما ويعدل عنه إلى الآخر لاسيما قَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ إنْ تَرَكَ الْبَائِعَ وَرَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَكِنْ هَذَا يَرُدُّهُ تَصْرِيحُهُمْ مَتَى كَانَ الْحَاكِمُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ لَا يَجُوزُ التَّأَخُّرُ لِلْبَائِعِ وَبِالْعَكْسِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى مَا سِوَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الذَّهَابُ إلَى
الْآخَرِ إذَا لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ لِقَاءُ الْآخَرِ قَبْلَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَوْضِعُ الْحَاكِمِ وَالْبَائِعِ متساويين في القرب والبعد فيظهر التَّخَيُّرُ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِهِ بِأَنْ يَكُونَا فِي جِهَتَيْنِ فَهَلْ نُوجِبُ الْمُضِيَّ إلَى الْأَقْرَبِ مِنْهُمَا أَوْ يَكُونُ التَّخْيِيرُ مُسْتَمِرًّا إطْلَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الَّذِي وَعَدْتُ بِهِ وَلِأَجْلِ مَا فِيهِ قُلْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّهُ إذَا مَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِأَحَدِهِمَا لَا يُعْذَرُ فِي مُجَاوَزَتِهِ إلَى الْآخَرِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 154)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ إنَّ لَهَا زَوْجًا فَأَرْسَلَ إلَى زَوْجِهَا فَقَالَ لَهُ طَلِّقْهَا فَأَبَى فَجَعَلَ لَهُ مِائَتَيْنِ فَأَبَى فَجَعَلَ لَهُ خَمْسَمِائَةٍ فَأَبَى فَأَرْسَلَ إلَى مَوْلَاهَا أَنَّهُ قَدْ أَبَى أَنْ يُطَلِّقَ فَاقْبَلُوا جَارِيَتَكُمْ تَمَسَّكَ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْأَثَرِ وَالْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا يَرَى الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِمِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ وَلَيْسَ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ رَدَّ جَبْرًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكَهَا رَضِيَ بِرَدِّهَا وَإِنْ سَقَطَ بِالتَّأْخِيرِ فَيَكُونُ إقَالَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ
*
* (فَرْعٌ)
* مَحَلُّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِ فِي شِرَاءِ الْأَعْيَانِ أَمَّا الْمَوْصُوفُ الْمَقْبُوضُ إذَا وُجِدَ مَعِيبًا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالرِّضَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّدَّ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْفَوْرِ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ في باب الكتابة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ كَانَ المبيع دابة فساقها ليردها فركبها في الطريق أو علفها أو سقاها لم يسقط حقه من الرد لانه لم يرض بالعيب ولم يوجد منه أكثر من الركوب والعلف والسقى وذلك حق له إلى أن يرد فلم يمنع الرد
*
* (الشرح)
* الانتفاع بالمبيع قبل العلم بالبيع إنْ لَزِمَ مِنْهُ تَأْخِيرٌ أَوْ دَفَعَ فِي زَمَنٍ لَوْ سَكَتَ فِيهِ أَبْطَلَ خِيَارَهُ فَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ الرَّدِّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ الْمُبَادَرَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُبَادَرَةِ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَالْقَاضِي وَحِينَئِذٍ أَقُولُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرُّكُوبِ وَالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَهُ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَذَكَرَهُ هَكَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَقَالَ إنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ الرد أَمْرَيْنِ حُدُوثُ نَقْصٍ بِالْمَبِيعِ أَوْ تَرْكُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 155)
________________________________________
الرَّدِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُهَذَّبَ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ أَصْحَابُنَا كَذَلِكَ إذَا حَلَبَهَا فِي طَرِيقِهِ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ فِي حَالِ الرَّدِّ جَازَ كَمَنَافِعِهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فِي حَالِ الرَّدِّ بِالنَّقْلِ عَنْ الْأَصْحَابِ وممن وافق على نقل ذلك عن الْأَصْحَابِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَنَقَلَ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ قَالَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا وَهُوَ حَامِلٌ لَهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الرَّدِّ وَمُرَادُهُ بِأَنَّهُ حَامِلٌ لها حتى لا يحصل بالوطئ تَأْخِيرٌ فَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ الْمَسِيرُ فِيهِ كَاللَّيْلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُضْطَرُّ وَذَلِكَ فِيهِ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْحِكَايَةَ عَنْهُ أنه يجوز وطئ الثَّيِّبِ وَصَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ مَعَ مُوَافَقَتِهِ الْمُصَنِّفَ بِأَنَّهُ لا يجوز وطئ الْجَارِيَةِ وَلَا لُبْسُ الثَّوْبِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَأَفْهَمَ كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِلرَّدِّ الِاشْتِغَالُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ جَوَازِ كُلِّ الِانْتِفَاعَاتِ نَقْلُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ خَاصَّةً وَذَهَبَ هُوَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الَّذِينَ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِمْ إلَى خِلَافِهِ وَهَا أَنَا أَذْكُرُ مَا ذَكَرُوهُ (فَأَقُولُ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمِفْتَاحِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حسين والمتولي والامام الغزالي وَالْبَغَوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ والخوارزمي في الكافي والرافعي والنوى انه يشترط في الرد بالعيب مع الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ الْمَبِيعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ وَكَانَ رَقِيقًا وَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ دَارًا فَسَكَنَهَا بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ مَعًا لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يُنَافِي الرَّدَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ في غير ملكه كقوله اسقيني أَوْ نَاوِلْنِي الثَّوْبَ أَوْ أَغْلِقْ الْبَابَ فَفِي هَذَا وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا والذى قاله القاضى حسين
والامام وقال الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ وَنَقَلَ عَنْ الْقَفَّالِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 156)
________________________________________
في شرح التلخيص أنه لو جاء الْعَبْدُ بِكُوزِ مَاءٍ فَأَخَذَ الْكُوزَ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ وَضْعَ الْكُوزِ فِي يَدِهِ كَوَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنْ شَرِبَ وَرَدَّ الْكُوزَ إلَيْهِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَإِنْ رَكِبَهَا لَا لِلرَّدِّ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ رَكِبَهَا لِلرَّدِّ أَوْ السَّقْيِ فَإِنْ كَانَتْ جَمُوحًا يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الرُّكُوبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمُوحًا وَلَكِنَّهُ رَكِبَهَا فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَنَسَبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى ابن سريج وصحح ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَيَسْتَدِلُّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بأن الركوب أعجل لَهُ فِي الرَّدِّ وَأَصْلَحُ لِلدَّابَّةِ مِنْ الْقَوْدِ قَالَ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لِيَرُدَّهُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ هَذَا اللُّبْسُ مَانِعًا مِنْ الرد لان العادة لم تجر به ولانه لَا مَصْلَحَةَ لِلثَّوْبِ فِي لُبْسِهِ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَلِيلًا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَادَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَارِقٌ وَلَوْ كَانَ لَابِسًا لِلثَّوْبِ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فِي الطَّرِيقِ فَتَوَجَّهَ لِيَرُدَّهُ لَمْ يَنْزِعْ فَهُوَ مَعْذُورٌ لِأَنَّ نَزْعَ الثَّوْبِ فِي الطَّرِيقِ لَا يُعْتَادُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَلَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِلِانْتِفَاعِ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهَا لَمْ يَجُزْ اسْتِدَامَةُ الرُّكُوبِ وَإِنْ تَوَجَّهَ لِلرَّدِّ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ كَانَ حَمَلَ عَلَيْهَا سَرْجًا أَوْ إكَافًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فَتَرَكَهُمَا عَلَيْهَا بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ وَانْتِفَاعٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاحْتَاجَ إلَى حَمْلٍ أَوْ تَحْمِيلٍ أَيْ فَتَرْكُهُمَا يُوَفِّرُ عَلَيْهِ كُلْفَةَ الْحَمْلِ وَالتَّحَمُّلِ فَهِيَ انْتِفَاعٌ فَيُمْنَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِنَزْعِهِ ضَرَرٌ بِالدَّابَّةِ فَإِذَا حَصَلَ أَوْ خِيفَ مِنْهُ كَمَا إذَا كَانَتْ عَرِقَتْ وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ أَنْ تَهْوَى فَلَا يَكُونُ نَزْعُهُ فِي هَذِهِ الحالة تقصيرا إذ هو بعيبها فَيَكُونُ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِفُّ بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالنَّعْلِ إلَى أَنْ يَجِفَّ الْعَرَقُ وَيَكُونُ نَزْعُهُ مِنْ مَصْلَحَتِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ الْعِذَارِ وَاللِّجَامِ لِأَنَّهُمَا خَفِيفَانِ لَا يُعَدُّ تَعْلِيقُهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ انتفاعا ولان العقود يعسر دونهما
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 157)
________________________________________
وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي جَوَازَ تَعْلِيقِهِمَا ابْتِدَاءً فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَعْلَهَا فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ إنْ كَانَتْ تَمْشِي بِلَا نَعْلٍ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ أَنَعْلَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَنَزَعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَخْرِيجًا وَعَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ نَزْعَهُ يَعِيبُ الدَّابَّةَ بِالنَّقْبِ الذى يبقى قال فان كانت النقة مَوْجُودَةً عِنْدَ الْبَائِعِ فَأَنْعَلَهَا الْمُشْتَرِي فَالنَّزْعُ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ مِنْ الرَّدِّ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللِّجَامَ وَالْعِذَارَ وَالرَّسَنَ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَنَزْعُهُ وَالنَّعْلُ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْبَغَوِيّ فَكَاللِّجَامِ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَنَزْعُهُ وَالْإِكَافُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ الِاسْتِخْدَامِ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ إذَا رَكِبَهَا اسْتِعْمَالًا فَإِذَا رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ كَانَتْ جَمُوحًا لَا تَسِيرُ بِنَفْسِهَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَتْ ذَلُولًا لَا تَحْتَاجُ فِي سَيْرِهَا إلَى الرُّكُوبِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ قَصَدَ بِهِ الِانْتِفَاعَ بِرُكُوبِهَا وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِإِطْلَاقِهِ وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ بِتَفْصِيلِهِ مُخَالِفٌ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ جَوَازِ الرُّكُوبِ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا تَقَدَّمَ قال ابن الرفعة ولعل عنه وجهان أَوْ أَنَّ هَذَا مِنْ تَأْوِيلِهِ لِلنَّصِّ فَيَكُونُ مذهبا للشافعي رحمه الله عنده وذاك مِنْ تَخْرِيجِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ وَجَزَمَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَمُخَالِفٌ لِمَا نَسَبُوهُ إلَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَوْلَا هَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلُوهُ لَكُنْتُ أُرَجِّحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لموافقة ابن الصباغ والجرجاني له لاسيما نَقْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَلَعَلَّ طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِخِلَافِهِ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَأَصْلُهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهِ وَفِي الْمِفْتَاحِ وَابْنِ خَيْرَانَ الْأَخِيرِ على أن أبا الخيرين جَمَاعَةَ الْمَقْدِسِيَّ شَارِحَ الْمِفْتَاحِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ رُكُوبَ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 158)
________________________________________
كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْعُرْفُ فَيَنْبَغِي أن لا يحكم على شئ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ بِقَطْعِ الْخِيَارِ إلَّا إذَا دَلَّ دلالة ظاهرة على الرضا كالوطئ ولبس
الثوب والقرض على البيع وشبه أما مالا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ يَتَرَدَّدُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ نَسْتَلْزِمَ مَعَهُ أَصْلَ الْخِيَارِ وَلَا نَحْكُمَ بِالرِّضَا بِغَيْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ خِيَارَ الرَّدِّ ثَبَتَ قَطْعًا وَالْمُبَادَرَةُ حَصَلَتْ وَاَلَّذِي قَارَنَهَا مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِالرِّضَا إذْ ذَاكَ يَكُونُ حُكْمًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ حَالَةَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَمَّا إذَا أَوْجَبْنَاهُ لَا تَأَتَّى الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّهُ إنْ تَلَفَّظَ بِهِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِعْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ بَطَلَ الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ وَلَمَّا كَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَرَى وُجُوبَ الْمُبَادَرَةِ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ لَا جَرَمَ هُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَالِاسْتِخْدَامَ يُبْطِلُ الرَّدَّ وَالْمُبْطِلُ عِنْدَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ التَّأْخِيرُ لَا خُصُوصُ الِاسْتِعْمَالِ فَيَجِبُ التنبه لِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ حُسَيْنٌ رَأْسُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِهِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْفَسْخِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بَاقٍ فِي زَمَنِ الرَّدِّ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ تَصَرُّفٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَنَحْوِهَا وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الرُّكُوبَ مُبْطِلٌ يَقُولُونَ إنَّهُ لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَاطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ يَنْزِلُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَوْ اسْتَدَامَ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ (أَمَّا) الْعَلْفُ وَالسَّقْيُ فَلَا يَضُرُّ هَكَذَا جَزَمُوا بِهِ وَلَا أظنه يجئ فِيهِ خِلَافٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ خَالِصَةٌ لِلدَّابَّةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهَا يَقْتَضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الرُّكُوبِ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْحَلْبِ فَكَذَلِكَ جَزَمُوا بِهَا وَنَسَبَهَا بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ ويبغى التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ تَرْكُ الْحَلْبِ يَضُرُّ بِهَا لكثرة اللبن في ضرعها فلا يجئ فِيهِ خِلَافٌ كَالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ كَالرُّكُوبِ لِلِانْتِفَاعِ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ يَجُوزُ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَمْتَنِعُ وَنَسَبَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ جَوَازَ الْحَلْبِ إلَى أَصْحَابِنَا وَقَيَّدَهُ بِأَنْ تَكُونَ سائرة فلو وقفها للحالب بطل الرد
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 159)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* إذَا كَانَ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ مُؤْنَةٌ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قال لان المبيع مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ وَالْمَالُ إذَا كَانَ مَضْمُونَ الْعَيْنِ كَانَ مَضْمُونَ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْفَسْخِ أَمَّا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ حَيْثُ أَمَرْنَاهُ أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الشُّهُودِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَمَّا وَحْدَهُ عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَبِالْفَسْخِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى الْمُشْتَرِي
وَصَرَّحَ هُوَ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ لَكِنْ لَيْسَتْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَحُكْمُ الْمُؤْنَةِ فِي زَمَنِ الرَّدِّ حُكْمُهَا فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا أن أصل هذه اليد الضمان فيستصحب حمكها كَالْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا انْقَضَتْ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَمَانَةً وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (مِنْهَا) إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِالْعَيْبِ أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الْإِفْلَاسِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْقَيِّمُ إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ أَوْ عُزِلَ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ إذَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَيِّمِ وَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فَعَلَى الصَّبِيِّ وَيَرُدُّ مُسَلِّمُ الْمُوصَى إلَى الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ عَلَى الْمَالِكِ يَعْنِي عَلَى خِلَافٍ فِيهِ فَالصَّدَاقُ إلَى الزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهَا هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ طَرِيقُ الْمَرَاوِزَةِ وَطَرِيقُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهِيَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا (وَمِنْهَا أَيْضًا) مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ بِهَا الْقَاضِي هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَهِيَ إذَا سُلِّمَ السيد الْعَبْدُ الْجَانِي وَاحْتِيجَ إلَى بَيْعِ رَقَبَتِهِ فِي أَرْشِ جِنَايَتِهِ فَمُؤْنَةُ الْبَيْعِ مِنْ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ أَجَابَ يُحَاصُّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَدْرُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (قُلْتُ) فَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تَسْتَغْرِقُ ثَمَنَ الْعَبْدِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي لَهَا وَقَدْ رَأَيْتُ فِي شرح المهذب لابي إسحق العراقى فيما إذا كسر مالا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ قَالَ إذَا احْتَاجَ فِي رَدِّهِ إلَى مُؤْنَةٍ (فَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ كَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ الرَّدُّ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ عَادَ إلى ملكه وهذا كلام عجيب وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ
*
* (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَفَصَدَهُ وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنِّي لَوْ فَصَدْتُهُ أَوْ حَجَمْتُهُ زَالَ عَنْهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 160)
________________________________________
ذَلِكَ الْعَيْبُ فَفَصَدَهُ فَلَمْ يَزُلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ لان فصده رضى مِنْهُ بِالْعَيْبِ فَإِنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ ظُلَامَتِهِ يَفْسَخُ أَوَّلًا ثُمَّ يَفْصِدُ فَإِنْ هَلَكَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ (قُلْتُ) وَفِي جَوَازِ فَصْدِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَهُوَ لَيْسَ بِمِلْكِهِ إشْكَالٌ قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى إنَّهُ عَلَى هَذَا عِنْدِي
إذَا فَسَخَ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ أَوْ فَسَخَ واشتغل بطلبه (أما) إذا فسخ مع غَيْبَتِهِ وَالْتَوَانِي فِي رَدِّهِ بَطَلَ حَقُّهُ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ قُلْتُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي جَوَازِ الْفَصْدِ بَاقٍ وَزَادَ فِي هَذَا الْكَلَامِ إشْكَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَسْخِ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالتَّوَانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَسْخِ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ عَنْهُ وَلَا يَبْقَى إلَّا الْمُنَازَعَةُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ أَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ فَلَا يَضُرُّهُ الْتَوَانِي وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُبَادَرَةُ عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّلَفُّظَ بِالْفَسْخِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَجْلِ إنْكَارِ الْمُشْتَرِي فَلْيُتَأَمَّلْ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وله أن يرد بغير رضى البائع ومن غير حضوره لانه رفع عقد جعل إليه فلا يعتبر فيه رضى صاحبه ولا حضوره كالطلاق)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُبَادَرَةُ وَأَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ فِي حُضُورِ الْبَائِعِ وَفِي غَيْبَتِهِ مَعَ رِضَاهُ وَمَعَ عَدَمِهِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ وَلَا إلَى الْحَاكِمِ وسواء كان قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِهِ وَرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَهَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ هُنَاكَ رِضَاهُ فَالْمَسَائِلُ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِيَارُ الشَّرْطِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُضُورُ لَا الرضى وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ مِثْلُ الْقَبْضِ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الحضور لا الرضى وَبَعْدَ الْقَبْضِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا أَوْ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَدَلِيلُنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إطْلَاقُ حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْقَاضِي
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 161)
________________________________________
أَبُو الطَّيِّبِ النُّكْتَةُ فِيهَا أَنَّ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ لَا يُعْتَبَرُ حُضُورُهُ كَالْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلِأَنَّهُ رَدٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَيْبِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِضَا الْبَائِعِ كَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله لا يعتبر فيه رضى صَاحِبِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا حُضُورُهُ إشَارَةٌ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ تَنْبِيهًا عَلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ قَابَلَ فِي النُّكَتِ لَفْظَ الرَّفْعِ بِالْقَطْعِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لَا رَافِعٌ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ أن الخصم لا يسلم أن الرد قطع بل هو رفع لاسيما عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلٌ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَرْفَعُ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَقَاسَ فِي النُّكَتِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ جُعِلَ إلَيْهِ
احْتِرَازًا مِنْ الْإِقَالَةِ فَإِنَّهَا إلَيْهِمَا لَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُهُمَا وَلَا يَرِدُ اللِّعَانُ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُضُورُ المرأة رضى لِلْقَاضِي مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى لِعَانِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ رَفْعٌ لِأَنَّ الرَّافِعَ الشَّرْعُ لَا هُوَ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ هُوَ الْفَاسِخُ بِاخْتِيَارِهِ وَقَصْدُهُ الرَّفْعُ وَاسْتَدَلَّ أصحابنا أيضا بالقياس على الرجعة والوديعة فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ حَتَّى إذَا عَلِمَ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ وَيَجِبَ عَلَيْهِ طَلَبُ صَاحِبِهَا لِيُسَلِّمَهَا إلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جُعِلَ إلَيْهِ ظَاهِرٌ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا يشترط فيه رضى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ بِاشْتِرَاطِ رِضَاهُ يُمْنَعُ أَنَّ الرَّفْعَ حِينَئِذٍ جُعِلَ للمشترى لتوقفه عَلَى رِضَا الْبَائِعِ مُنْدَفِعٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جُعِلَ إلَيْهِ أَنَّهُ صَادِرٌ مِنْهُ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُمَا وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ وَإِنْ اشْتَرَطَ الْخَصْمُ فِيهِ شَرْطًا آخَرَ وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ بِعَيْبٍ فلا ينفرد به كالرد بالعنة وأجلب أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى إقْرَارِ الزَّوْجِ بالعجز وَإِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ بِخِلَافِ هَذَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى جَوَازِ انْفِرَادِهِ بِالْفَسْخِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا هَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ فَإِنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ثَابِتٌ لِأَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 162)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ اشْتَرَى ثوبا بجارية فوجد بالثوب عيبا فوطئ الجارية ففيه وجهان
(أحدهما)
ينفسخ البيع كما ينفسخ البيع في مدة خيار الشرط بالوطئ
(والثانى)
لا ينفسخ لان الملك قد استقر للمشترى فلا يجوز فسخه إلا بالقول)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَبَنَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا عَلَى الْوَجِيزِ فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِثَمَنٍ ثُمَّ أَفْلَسَ وَثَبَتَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ فِيهَا فَوَطِئَهَا هَلْ يَكُونُ فَسْخًا فِيهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
نعم كالوطئ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ إذَا صَدَرَ مِنْ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوَّلُهُمَا كَانَ فَسْخًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ
أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقَاوِيلِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ رَدٌّ لِلْمِلْكِ وَفَسْخٌ لِلْبَيْعِ وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ والفعل ولا فرق في الوطئ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ قَدْ يُقَالُ إنَّ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ بَاقٍ وَالْعَقْدُ أَضْعَفُ وَذَلِكَ أَيُعَيَّنُ رَأْسَ الْمَالِ وَالْغَرَضُ فِي الصَّرْفِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَلِأَجْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنَّ الْحَطَّ وَالزِّيَادَةَ يُلْحَقَانِ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ اللُّحُوقَ فيهما فإذا كان الانفساخ بالوطئ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَفِي الْمَجْلِسِ أَوْلَى فَلِذَلِكَ خَصَّهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى خِيَارِ الرَّدِّ الطَّارِئِ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْعَقْدِ لَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ هَذَا الْقِيَاسَ إنَّمَا يَتِمُّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْإِمَامِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي (والوجه الثاني) لا ينفسخ بالوطئ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ حيث نقول ينفسخ بالوطئ وَإِنْ انْتَقَلَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ ضَعِيفٌ وَالْمِلْكَ فِي الْمَعِيبِ قَدْ اسْتَقَرَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَلِذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَوْلُ وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ المصنف وههنا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 163)
________________________________________
أُمُورٌ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا قُلْنَا بِالْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ (الثَّانِي) مَا الْأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَالْمِلْكُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ يَقْتَضِي أَنْ نَقُولَ هُنَا بِأَنَّ الْأَصَحَّ الْوَجْهُ الثَّانِي عَدَمُ الِانْفِسَاخِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى زَمَانِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَا يَحْسُنُ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِزَوَالِهِ فَلَمْ يُشْبِهْ الْمَعِيبَ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ وطئ الْبَائِعِ فَسْخٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ بِالْقَوْلِ فَعَدَمُ مِلْكِهِ بِالْفِعْلِ أَوْلَى فَعَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَدَمَ الِانْفِسَاخِ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُوَافِقُوهُ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلْيَكُنْ الْأَصَحُّ أَيْضًا عَدَمَ الِانْفِسَاخِ (الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمِلْكُ قَدْ اسْتَقَرَّ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي فِي كَلَامِهِ مُشْتَرِي الثَّوْبِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مِلْكَ الثَّوْبِ قَدْ اسْتَقِرَّ لَهُ فَلَا يَجُوزُ فسخه بوطئ الْجَارِيَةِ
الَّتِي هِيَ ثَمَنٌ عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَارِيَةِ وَهَذَا يُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ هُنَا لِأَنَّ الْبَائِعَ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الرَّاجِعَ فِي الْفَلَسِ هُوَ الْبَائِعُ وَالرَّاجِعَ فِي الْعَيْبِ هُوَ الْمُشْتَرِي وَلَا شَكَّ أَنَّ تَمَلُّكَ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُسْتَقِرٌّ وَكُلٌّ مِنْ الْمَأْخَذَيْنِ صَحِيحٌ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُشْتَرِيَ الثَّوْبِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فَحَقُّهُ فِي رَدِّهِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ فِيهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ انْفِسَاخُهُ فِي مُقَابِلِهِ فَاَلَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ هُوَ الثَّوْبُ لَا الْجَارِيَةُ وَكَانَ التَّعْلِيلُ بِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ أَوْلَى وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ افْتِرَاقُ هَذِهِ مَعَ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَفِي هَذَا الْمَأْخَذِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَسْخَ هُنَاكَ وَارِدٌ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَهَهُنَا بواسطة رد الثوب (الرابع) أن الوطئ حَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَحْصُلُ بِهِ الْفَسْخُ (الْخَامِسُ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ فِي هذا انا قصدنا بالوطئ الْفَسْخَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفَسْخَ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا قَوْلًا وَاحِدًا وَيَجِبُ الْمَهْرُ ولا حد عليه ونظير ذلك وطئ الْوَالِدِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ وَإِنْ وَطِئَهَا بِقَصْدِ الِاسْتِرْجَاعِ فعلي الوجهين وان لم يقصد كان الوطئ مُحَرَّمًا وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ (السَّادِسُ) في
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 164)
________________________________________
جُمْلَةٍ مِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا يُجْعَلُ الْفِعْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَمِنْهَا التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ هَلْ يُجْعَلُ كَقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ هَدْيًا فِيهِ خِلَافٌ وَمِنْهَا لَوْ لَبَّدَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَعَقَصَهُ وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْعَازِمُ عَلَى الْحَلْقِ فَهَلْ يَتَنَزَّلُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلَيْنِ (الْجَدِيدُ) لَا (وَأَمَّا) الْمُعَاطَاةُ وَنَحْوُهَا فذلك لقرينة لا للفعل
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (فان زال العيب قبل الرد ففيه وجهان بناء على القولين في الامة إذا أعتقت تحت عبد ثم أعتق العبد قبل أن تختار الامة الفسخ
(أحدهما)
يسقط الخيار لان الخيار ثبت لدفع الضرر وقد زال الضرر (والثاني) لا يسقط لان الخيار ثبت بوجود العيب فلا يسقط من غير رضاه)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالرَّافِعِيُّ حَكَاهُمَا أَيْضًا فِي بَابِ التَّصْرِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ اسْتِمْرَارِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى كَثْرَتِهِ وَلَكِنَّهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ جَزَمَ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ تبعا لصاحب التهذيب وقال ان مَهْمَا زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْعِلْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّدِّ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَهُمَا
طَرِيقَانِ فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إحْدَاهُمَا) حِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بسقوط الخيار قال وهذا الْمَذْهَبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِيَارِ الْعِتْقِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى قَوْلٍ فَلَمْ يَبْطُلْ بِارْتِفَاعِ السَّبَبِ الْمُثْبِتِ لَهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْخِيَارَانِ فِي الْأَصْلِ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ وَالْبَقَاءِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ السَّبَبِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا غَنَاءَ فِيهِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ الصَّحِيحُ السُّقُوطُ وَكَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ السُّقُوطِ هُنَا وَإِنْ قِيلَ فِي الْأَمَةِ لِأَنَّ خِيَارَهَا مُقَيَّدٌ بِمَا يَنَالُهَا مِنْ الضَّرَرِ بِالْإِقَامَةِ يَجِبُ الْفَرْقُ وَقَدْ زَالَتْ الْعِلَّةُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي مُعَلَّلٌ بِغَيْرِ الْبَائِعِ لَهُ وَأَنَّهُ بَذَلَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ مَا ظَنَّهُ سَلِيمًا واخلف وزوال العيب في يد المشترى مَعَهُ حَاصِلَةٌ لَهُ وَلَكِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَالْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ضعف الوجه في المسئلتين جدا وصحح السقوط في المسئلتين وَقَالَ إنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا يُبْتَنَى عَلَى قَاعِدَةٍ ذَكَرَهَا فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا لَمْ يَشْعُرْ بِهَا حَتَّى بَاعَ مِلْكَهُ الَّذِي اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ هَذَا لِأَنَّهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 165)
________________________________________
حَكَى الْخِلَافَ فِي الشُّفْعَةِ قَوْلَيْنِ وَالْأَكْثَرُونَ حَكَوْهُمَا وجهين فالوجه أن تكون ممسألة الْعَيْبِ وَمَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ كِلْتَاهُمَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ السُّقُوطُ وَمَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ وَخِيَارُ الْأَمَةِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الِاحْتِمَالِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْتُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُلَاحَظُ فِيهِ موجودا في كلا منهم وَأَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَجْهَيْنِ إلَّا صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ زَالَ الْعَيْبُ سَقَطَ الرَّدُّ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فرق بين أن يكون زوال المعيب قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ وَقَبْلَ الرَّدِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَالْقَاضِي وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَدْ يُقَالُ الزَّائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ مِنْ الزَّائِدِ بَعْدَهُ وَكَلَامُ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ فِي الْأَشْرَافِ جَازِمٌ بِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ لَكِنَّهُ أَطْلَقَ فِيمَا يُوجَدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ فَبَقِيَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ ذَكَرَ الْإِمَامُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ
** (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزِلَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ سَمِنَتْ فَرَدَّهَا هَلْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ غَصَبَ شَاةً سَمِينَةً فَهَزِلَتْ ثُمَّ رَدَّهَا هَلْ يَجِبُ ضَمَانُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ يَتَخَيَّرُ بِالثَّانِي (إنْ قُلْنَا) يَتَخَيَّرُ وَلَا يَفْسَخُ وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ بِأَنَّ زَوَالَ الْعَيْبِ يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ مِنْ الطَّرِيقَةِ الاخرى فانه يفسخ وَلَوْ قُلْنَا يَتَخَيَّرُ فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ هَكَذَا (إنْ قُلْنَا) لَا يَنْجَبِرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي فُسِخَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ زَالَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَلَكِنْ حَدَثَ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَا أَرْشَ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْأَرْشُ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِلَيْهِ صَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِعَدَمِ الْأَرْشِ وَذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى جَزْمِهِ فِي هَذَا الْبَابِ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْوَجْهَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ جَرَيَانُهُمَا هُنَا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهِ فِي آخِرِ الفصل الثاني لهذا
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 166)
________________________________________
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (وإن قال البائع أنا أزيل العيب مثل أن يبيع أرضا فيها حجارة مدفونة يضر تركها بالارض فقال البائع أنا أقلع ذلك في مدة لا أجرة لمثلها سقط حق المشترى من الرد لان ضرر العيب يزول من غير إضرار)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَضُرَّ تَرْكُهَا وَلَا يَضُرَّ قَلْعُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ وَيَسْقُطُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُنَاكَ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِالْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثُمَّ يَسْقُطُ وَكَلَامُهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ اشترى دارا يلحق سَقْفَهَا خَلَلٌ يَسِيرٌ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فِي الْحَالِ أَوْ كَانَتْ مُنْسَدَّةَ الْبَالُوعَةِ فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُصْلِحُهُ وَأَبِيعُهَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَهَذَا الْكَلَامُ نَاطِقٌ بِأَنَّ عَدَمَ الْخِيَارِ مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِيمَا لَوْ بَادَرَ الْمُشْتَرِي وَفَسَخَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَعَلَى مَا قُلْتُهُ يَنْفُذُ
فَسْخُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَيْضًا السُّقُوطَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَقْلَعُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا قَلَعَ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ فَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِبَقَاءِ الْعَيْبِ وَالْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ هُنَا أَيْضًا أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ إلَّا إذا بادر المكترى إلى الاصلاح هذا كَانَ اشْتِمَالُ الْأَرْضِ عَلَى الْحِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مُنْقِصًا لَهَا وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ ذِكْرُهُمْ لِذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْحِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ لِقُرْبِ زَمَانِ نَقْلِهَا لَا يُعَدُّ اشْتِمَالُ الْأَرْضِ عَلَيْهَا عَيْبًا صَحَّ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَيُلْزِمُ الْبَائِعَ بِنَقْلِهَا وَلَكِنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ وَأَيْضًا لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَقْلَعُ أَثَرٌ لِأَنَّهُ يُلْزَمُ بِهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَالصَّوَابُ مَا يُوَافِقُ عِبَارَاتِهِمْ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ إلَّا إذَا بَادَرَ الْبَائِعُ إلَى الْقَلْعِ فِي مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْعِلَّةُ أَنَّ ضَرَرَ الْعَيْبِ زَالَ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يَزُولُ فَيُنَاسِبُ عَدَمَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَصْلًا وَهُوَ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَلَا يُنَحَّى عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَقَاءَ الْأَحْجَارِ مَعَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ قَلْعِهَا عَيْبٌ وَبِدُونِ امْتِنَاعِهِ لَيْسَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 167)
________________________________________
بِعَيْبٍ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ يُقَالُ إنَّ إشْغَالَ الْأَرْضِ بِالْحِجَارَةِ مَانِعٌ مِنْ كَمَالِ صِفَةِ الْقَبْضِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فَامْتِنَاعُ الْحِجَارَةِ مَعَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ قَلْعِهَا كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ هُنَا إلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ مَعَ مُبَادَرَةِ الْبَائِعِ إلَى الْقَلْعِ أَخْذًا مِنْ أَنَّ وُجُودَ الْأَحْجَارِ فِي الْأَرْضِ عَيْبٌ وَزَوَالُهَا بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِهِ كَزَوَالِ الْعَيْبِ قَبْلَ الرَّدِّ وَفِيهِ وَجْهٌ كما تقدم وكان الفرق ضعيف الْخِيَارِ هَهُنَا لِكَوْنِ الْبَائِعِ مُسَلَّطًا عَلَى إسْقَاطِهِ أَوْ لِأَنَّهُ زَالَ قَبْلَ كَمَالِ الْقَبْضِ وَلَيْسَ كَالْعَيْبِ الزَّائِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ لِأَنَّ هَذَا الزَّوَالَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ لِلظُّلَامَةِ بِخِلَافِ الزَّوَالِ بِنَفْسِهِ وَبَعْدَ أَنْ كَتَبْتُ ذَلِكَ رَأَيْتُ ابْنَ مَعْنٍ أَوْرَدَهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَنَاقَضَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَفِي الْإِجَارَةِ مِنْ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَتِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ قَبْلَ الرَّدِّ وَادَّعَى الْأَوْلَوِيَّةَ فِي طَرْدِ الْوَجْهَيْنِ هُنَا وَكَذَلِكَ ابْنُ الرَّدِيِّ قَالَ أَرَى أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى وَجْهَيْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْدَ رَدِّ الْعَيْبِ وَجْهَانِ فَمَعَ بَقَائِهِ أَوْلَى وَمَا ذَكَرْتُهُ جَوَابٌ عَنْهُ وَلَيْسَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ لا أجرة لمثلها قيد لابد مِنْهُ لِيَتَحَقَّقَ عَدَمُ الْإِضْرَارِ وَلَوْ كَانَتْ الْحِجَارَةُ يَضُرُّ قَلْعُهَا أَوْ قَلْعُهَا وَتَرْكُهَا
فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِيمَا لَا يَضُرُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَقَوْلُهُ مَدْفُونَةٌ يَحْتَرِزُ عَنْ الْمَخْلُوقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا وَمَنْ الْوَاضِحَاتِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي حَالَةِ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بالحجارة
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (وان قال البائع أمسك المبيع وأنا أعطيك أرش العيب لم يجبر المشترى على قبوله لانه لم يرض إلا بمبيع سليم بجميع الثمن فلم يجبر على امساك معيب ببعض الثمن وإن قال المشترى أعطني الارش لامسك المبيع لم يجبر البائع على دفع الارش لانه لم يبذل المبيع إلا بجميع الثمن فلم يجبر علي تسليمه ببعض الثمن)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْمَسْأَلَتَانِ وَاضِحَتَانِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وجب له شئ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ إلَى غَيْرِهِ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْقِصَاصُ إذا عقا عَنْهُ يَجِبُ الْمَالُ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْقَوَدَ عَيْنًا وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذَ الْأَرْشِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 168)
________________________________________
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (فان تراضيا على دفع الارش لاسقاط الخيار ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز وهو قول أبى العباس لان خِيَارَ الرَّدِّ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ إلَى الْمَالِ وهو إذا حدث عند المشترى عيب فجاز إسقاطه إلى المال بالتراضى كالخيار في القصاص
(والثانى)
لا يجوز وهو المذهب لانه خيار فسخ فلم يجز إسقاطه بمال كخيار الشرط وخيار الشفعة فان تراضيا علي ذلك (وقلنا) انه لا يجوز فهل يسقط خياره فيه وجهان
(أحدهما)
أنه يسقط لانه رضى بامساك العين مع العيب
(والثانى)
لا يسقط وهو المذهب لانه رضى باسقاط الخيار بعوض ولم يسلم له العوض فبقى الخيار)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ التَّرَاضِي عَلَى إسْقَاطِ الخيار إلى بدل سواء كان ذَلِكَ الْبَدَلُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ أَمْ غَيْرَهُ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهَا وَالْجَوَابُ مَنْسُوبٌ إلَى أبى العباس ابن سُرَيْجٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْمَنْعُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَالْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ تَابِعٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ أَنَّ هَهُنَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَالِ وَيَسْقُطُ إلَى مَالٍ كَمَا
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
فَهَذَانِ مَعْنَيَانِ لَيْسَا فِي خِيَارِ الشُّفْعَةِ وَالشَّرْطِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَلَا تَأَخُّرٌ مُسْقِطٌ إمَّا بِأَنْ يَجْهَلَا فَوْرِيَّةَ الْخِيَارِ أَوْ يَكُونَ فِي خِيَارِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِدَادِهِ أَوْ أَنَّ التَّشَاغُلَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَرْشِ لَا يُعَدُّ إعْرَاضًا عَنْ الرَّدِّ وَنَظَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ لَا تَصِحُّ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي إسحق الْمَرْوَزِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ قَالَ الْقَاضِي حسين وقال أبو إسحق ثَلَاثُ مَسَائِلَ أُخَالِفُ فِيهَا أَصْحَابِي حَدُّ الْقَذْفِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ وَمَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ أُجَوِّزُ الصُّلْحَ عَنْهَا وَمَنَعَهَا سَائِرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَمَّا هُوَ مَالٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ حَقًّا مُجَرَّدًا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 169)
________________________________________
فَلَا انْتَهَى
* وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ جَوَازَ الْمُصَالَحَةِ هُنَا أَوْلَى مِنْ جَوَازِهَا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَلِذَلِكَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَمْ يُنْقَلْ عنه موافقة أبى إسحق إذَا خَالَفَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يُخَالِفُ فِي حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أو للرد بالعيب أولى كما قدم وَاكْتَفَوْا بِنِسْبَةِ الْخِلَافِ هُنَا إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ (وَإِنَّمَا) قُلْتُ إنَّ الْمُصَالَحَةَ هُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ إلَى الْمَالِ فِي حَالٍ وَلَا كَذَلِكَ الْحُقُوقُ الثَّلَاثَةُ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ مَأْخُوذٌ فِي مُقَابَلَةِ حَالٍ نَائِبٍ وَلَا جُرْمَ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُنَا إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمُصَالَحَةُ عَنْ الشُّفْعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَ أَبِي إِسْحَاقَ مَعَ حِكَايَتِهِ لِلْخِلَافِ هُنَا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ المصنف رحمه الله هُنَا فَإِنَّهُ جَعَلَ الشُّفْعَةَ أَصْلًا مَقِيسًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ الثَّانِي خِيَارُ فَسْخٍ يَحْتَرِزُ بِالْفَسْخِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْوَصْفُ حَاصِلٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا فَسْخَ البيع وَإِبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَقُّصِ لَكِنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَا يَكْفِي بِدُونِ إلْغَاءِ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّم وَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ الْأَرْضُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الثَّابِتِ كَمَا سَيَأْتِي وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ وَالْمُصَالَحَةُ عَنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ مُجَرَّدٍ وَلَا سُلْطَةِ الرَّدِّ وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ حُدُوثِ عَيْبٍ جَدِيدٍ
** (التَّفْرِيعُ)
* وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (إنْ قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِبُطْلَانِ الْمُصَالَحَةِ بَطَلَ حَقُّهُ قَطْعًا وَإِنْ ظَنَّ صِحَّتَهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (فَوَجْهَانِ) وحكاهما الْإِمَامُ عَنْ نَقْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَتَعْلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ السُّقُوطِ كَمَا قَالَ (وَمِمَّنْ) صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَمِنْ التَّفْرِيعِ أَيْضًا أَنَّا (إنْ قُلْنَا) بِجَوَازِ الْمُصَالَحَةِ سَقَطَ الْخِيَارُ وَيَثْبُتُ الْأَرْشُ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْعَيْبِ عَلَى مَالٍ وَجَوَّزْنَا فَزَالَ الْعَيْبُ لَا يَجِبُ رَدُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 170)
________________________________________
الْمَالِ لِأَنَّهُ أُخِذَ عَلَى جِهَةِ الْمُعَاوَضَةِ قَالَهُ البغوي لا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْمُصَالَحَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ ذَهَبًا فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أو حالا أو مؤجلا قاله الجوزى
*
* (فَائِدَةٌ)
* الْأَرْشُ فِي اللُّغَةِ.
أَصْلُهُ الْهَرْشُ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً وَأَرْشُ الْجِرَاحَةِ دِيَتُهَا وَذَلِكَ لِمَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ وَأَرَشْت الْجُرْبَ وَالنَّارَ إذا أورثتهما وَالنَّارُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ الْإِفْسَادُ بَيْنَهُمْ (وَأَمَّا) فِي الشَّرْعِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الشئ الْمُقَدَّرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَبْرُ عَنْ الْفَائِتِ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَنَا صُورَةٌ يَرْضَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِالْعَيْبِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ إذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا تَنْقَطِعُ مُطَالَبَةُ الْوَرَثَةِ عَنْ الْبَائِعِ عَلَى أَحَدِ الوجهين وسنذكر عند الكلام في الارش
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ أَرَادَ أن يرد بعضه لم يجز لان على البائع ضررا في تبعيض الصفقة عليه فلم يجز من غير رضاه وإن اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا فهل له أن يفرده بالرد فيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز لانه تبعيض صفقة علي البائع فلم يجز من غير رضاه
(والثانى)
يجوز لان العيب اختص بأحدهما فجاز أن يفرده بالرد
* وإن ابتاع اثنان عبدا فاراد أحدهما أن يمسك حصته وأراد الآخر أن يرد حصته جاز لان البائع فرق الملك في الايجاب لهما فجاز أن يرد علة أحدهما دون الآخر كما لو باع منهما
في صفقتين)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كانت كلها بَاقِيَةً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ لِمَعْنَيَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فَإِذَا رَدَّ النِّصْفَ كَانَ مَعِيبًا وَلَا يَجُوزُ رَدُّ الْعَيْنِ إذَا حَدَثَ فِيهَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 171)
________________________________________
عَيْبٌ وَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (قَالَ) الْإِمَامُ وَرَأَيْتُ لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ وَهُوَ خَطَأٌ غَيْرُ بَعِيدٍ وَهَذَا الْخِلَافُ نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ النِّصْفَ وَمَعَ ذَلِكَ غَلَّطَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ بَعْضَ الْعَيْنِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَقَالَ) الْمَاوَرْدِيُّ إنْ جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ فَلَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ وَاسْتِرْجَاعُ حِصَّتِهِ وَالتَّوَقُّفُ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يؤول إلَيْهِ حَالُهُ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ نَقْلِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَغَلَّطَهُ وَلَمْ يُطْرِدْ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا فِي حَالِ بَقَاءِ الْجَمِيعِ فِي مِلْكه بَلْ جَزَمَ بِالْمَنْعِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِجَوَازِ الرَّدِّ فَذَاكَ وَيَسْتَرْجِعُ قِسْطَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) الْإِمَامُ إذْ لَوْ قُلْنَا يَسْتَرْجِعُ الْجَمِيعَ وَبَاقِي الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ فَكَانَ مُضِيًّا إلَى إثْبَاتِ شئ مِنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لِمَ لَا يُقَالُ يَبْقَى الْبَاقِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَسْتَرْجِعُ شَيْئًا وَيَكُونُ الْمَرْدُودُ كَالتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَكُونُ فَائِدَةُ الرَّدِّ التَّخَلُّصَ عَنْ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ كَمَا قاله القاضى حسين فيما إذا أبرأ مِنْ الثَّمَنِ قُلْتُ فَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَافَقَ الْإِمَامَ عَلَى مَا قَالَ وَعَلَّلَ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الرَّدِّ لَوْ قُلْنَا يُمْسِكُ الْجَمِيعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرَّدُّ فَفِي حَالَةِ بَقَائِهِ كُلِّهِ فِي مِلْكِهِ لَا أَرْشَ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّ الْجَمِيعِ وَفِي حَالَةِ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إنْ كَانَ بِالْمَبِيعِ فَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ وَجْهَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَسَنَذْكُرُهُمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بيع الجميع بعد ثلاث فُصُولٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيمَا إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ بِالْوَقْفِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَبِالْعِتْقِ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي وَبِالْهِبَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي خروج الجمع فَإِنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ فِي النَّقْصِ وَالْعَجْزِ عَنْ رَدِّ الْجَمِيعِ يَكُونُ الْكَلَامُ فِي الْأَرْشِ كَالْكَلَامِ فِي تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي
الْجَمِيعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَالصَّحِيحُ فِيمَا إذَا خَرَجَ بَعْضُهُ بِالْبَيْعِ هُنَا أَنَّهُ لَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ كان باعها أو بعضها ثم عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ على البائع بشئ ولا من
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 172)
________________________________________
قِيمَتِهِ مِنْ الْعَيْبِ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ السِّلْعَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ دَلَّهُ لَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعَ عليه بشئ مِنْ نَقْصِ الْعَيْبِ مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَأَذْكُرُهُ عِنْدَ بَيْعِ الْجَمِيعِ فَإِنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ لَمْ يَأْنَسْ مِنْ الرَّدِّ وَهُنَاكَ أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ جَازَ وَلَنَا فِي إفْرَادِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ بِرِضَاءِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ فَلْيَكُنْ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَارِيًا عَلَى الْأَصَحِّ (إذَا قُلْنَا) بِذَلِكَ فَلَوْ بَذَلَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ نُقْصَانِ النَّقِيضِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِمْسَاكَ وَغَرَامَةَ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُجَابُ الْمُشْتَرِي أَجَبْنَاهُ وَأَجْبَرْنَا الْبَائِعَ وَمِنْ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) امْتِنَاعُ الرَّدِّ إلَّا بِرِضَاءِ الْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
الِامْتِنَاعُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الْجَوَازُ مَعَ أَرْشِ التَّبْعِيضِ (وَالرَّابِعُ) مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْوَجْهَانِ بَعِيدَانِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْقَطْعِ بِخِلَافِهِمَا وَقَدْ أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْحُكْمَ وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ التَّبْعِيضِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يَظْهَرُ فِي الْمُتَقَوِّمِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (أَمَّا) الْمِثْلِيُّ فَالْحِنْطَةُ وَنَحْوُهَا إذَا اشْتَرَى صُبْرَةَ حِنْطَةٍ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّ بَعْضِهَا قَالَ صَاحِبُ التتمة (ان قلنا) في العبدين يجوز فيها هنا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّ الْبَعْضِ لَا يُؤَدِّي إلَى تَجْهِيلِ الثَّمَنِ قُلْتُ وَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُمَا عَلَى خِلَافٍ سَيَأْتِي أَنَّ الْمَانِعَ الضَّرَرُ أو اتحاد الصفقة ا (ن قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ جَازَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَالصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةٌ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ أَوْ لَا فَعَلَى (الْأَوَّلِ) يَجُوزُ وَعَلَى (الثَّانِي) يَمْتَنِعُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ التَّفْرِيقِ هُنَا اخْتِيَارِيًّا لِكَوْنِهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا فِي البويطى في آخر باب الصرف قال ومن اشترى من رجل متاعا
جملة مالا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ جَمِيعًا أَوْ يَأْخُذُهُ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يكال ويوزن
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 173)
________________________________________
فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَيِّدَ بِحِصَّتِهِ وَرَدَّ مَا بَقِيَ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ وَدَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاعَى الضَّرَرُ وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِلْمُشْتَرِي بَعْضَ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ وَجَدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا (قَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضُ الْمِلْكِ عَلَى الْبَائِعِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّهُ (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ الضَّرَرُ أَوْ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَلَهُ الرَّدُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَتَخَرَّجَ عَلَى التَّفْرِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَخَلَّفَ وَارِثَيْنِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ نَصِيبِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ لَوْ سلم أحد الابنين نِصْفَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ إلَيْهِ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجِبُ لَهُ الْأَرْشُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) إنْ أَيِسَ عَلَى الرَّدِّ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عندما إذَا اشْتَرَى وَكِيلٌ عَنْ رَجُلَيْنِ وَسَأَذْكُرُ مَا قَالَهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِرَدِّ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَائِعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَبِيعِ وَيُعْطِيَ نِصْفَ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ الْأَرْشِ وَيُخَيَّرُ الَّذِي يُرِيدُ الرَّدَّ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي شَرْحِ الْمُوَلَّدَاتِ
*
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
* إذَا اشْتَرَى عَيْنَيْنِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَهَا صُوَرٌ (إحْدَاهَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَجِدَ الْعَيْبَ بِإِحْدَاهُمَا وَهُمَا بَاقِيَانِ فِي يَدِهِ فَهَلْ لَهُ إفْرَادُ الْمَعِيبَةِ بِالرَّدِّ فِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 174)
________________________________________
يردهما جميعا أو يمسكهما جميعا سواء كان ذلك قبل القبض أم بعده وسواء كان مِمَّا يَتَسَاوَى قِيمَتُهُ كَالْكُرَّيْنِ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يَخْتَلِفُ كَالْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ
أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِمَّا يُكَالُ وَيُوزَنُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّبْعِيضُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ إفْرَادُ أَحَدِ الْكُرَّيْنِ بِالرَّدِّ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) الْجَوَازُ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْقَوْلَانِ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) يُفَرَّقُ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَكِنْ قِيَاسُ هَذَا الْبِنَاءِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ التَّجْوِيزِ أَظْهَرَ وَأَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَفْرِيقِهَا فَلَا يُفَرَّقُ يَعْنِي وَلَيْسَ كَمَا إذَا جَمَعْتَ حَلَالًا وَحَرَامًا أَوْ حَلَالَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ التَّفْرِيقَ هُنَاكَ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إثْبَاتَ قَوْلٍ يَمْنَعُ إفْرَادَ الْمَعِيبِ بالرد (وان قلنا) بجواز تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَذَكَرَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الصُّلْحِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ لَهُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْمَنْعَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَهَذَا الْكَلَامُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصفقة إذا رضى فالراجح أن لا يجعل الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بَلْ مُرَتَّبَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ إنْ مَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ مَنَعْنَا هُنَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَالتَّرْتِيبُ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَطْلَقُوا الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ الْبِنَاءُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَيَبْعُدُ جَعْلُهُمَا قَوْلَيْنِ بِرَأْسِهِمَا أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ قَوْلَ الْجَوَازِ بِأَنَّ الْعَيْبَ أَخَصُّ بِأَحَدِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ أَنَّ العيب إذا لم يختص وَكَانَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَأَفَادَ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَآخِرُهُ أَنَّ لَنَا قَوْلًا بِالْمَنْعِ وَإِنْ جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ وَقَوْلًا بِالْجَوَازِ وَمَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قُلْتُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ الْقَهْرِيُّ لَا يُمْكِنُ القول
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 175)
________________________________________
بِالْجَوَازِ مَعَ مَنْعِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ يَسْتَحِيلُ شَرْعًا (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ بِرَدِّ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرَّعَانِ عَلَى مَنْعِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَعَلَى تَجْوِيزِ التَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ فَالتَّرْتِيبُ صَحِيحٌ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ أُرِيدَ التَّفْرِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ فَلَا تَرْتِيبَ فَلَا بِنَاءَ وَهُمَا الْقَوْلَانِ بِعَيْنِهِمَا وَعِلَّةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي عَدَمَ جَرَيَانِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَعِيبُ فِيهِمَا وَسَأَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ عَنْ الصُّلْحِ يَدُلُّ دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى الْمَنْعِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَمْ أَذْكُرْ لَفْظُهُ خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ مَعَ ظُهُورِهِ فهو يرد التحريج عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا
نَصٌّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى الْجَوَازِ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ إفْرَادِ الْمَعِيبِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْمَنْعِ وَاَلَّذِي يَقُولُ بِالْجَوَازِ هُنَا يَقُولُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شِقْصَيْ دَارَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وقد يحتمل ذلك في شقص دَارٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُ وَيَدَعَ بَعْضَهُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقَوْلَانِ مَفْرُوضَانِ في العبدين وفى كل شئ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (فَأَمَّا) فِي زَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ بِحَالٍ وَارْتَكَبَ بَعْضُهُمْ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ (قُلْتُ) وَجَعَلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مُرَتَّبًا (إنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَجُوزُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَصْلٍ أَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا غَصَبَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ الزَّوْجِ عَشَرَةٌ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَرَجَّعَ قِيمَةَ الْآخَرِ إلَى دِرْهَمَيْنِ هَلْ يَضْمَنُ خَمْسَةً أَوْ ثَمَانِيَةً (إنْ قُلْنَا) خَمْسَةً جَازَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ (وَإِنْ قُلْنَا) ثَمَانِيَةً فَلَا (وَإِذَا قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الافراد فقال المشترى وردت الْمَعِيبَ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا لَهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ هُوَ لَغْوٌ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِإِفْرَادِهِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ هَكَذَا أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ وَيَنْبَغِي
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 176)
________________________________________
(إذَا قُلْنَا) بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَجُوزَ قَطْعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ لِضَرَرِ الْبَائِعِ وَقَدْ رَضِيَ (أَمَّا) إذَا مَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ فَيَمْتَنِعُ وَإِنْ رَضِيَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ أَقْيَسُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْمَنْعُ قَالَ لِأَنَّ اسْتِحَالَةَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالتَّرَاضِي وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ جَارٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْبِنَاءِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مُرَتَّبًا فَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ إذَا رَضِيَ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْمُشْكِلُ طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ قَطَعَ بِالْجَوَازِ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ مَعَ بِنَائِهِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ مَعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِفْرَادِ جَازَ قَالَ الْإِمَامُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْإِفْرَادِ (الْأَصَحُّ) الْجَوَازُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ وَضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ (إذَا قُلْنَا) لَا يَرُدُّ يُطَالَبُ بِالْأَرْشِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَاعْتَرَضَ النَّاسُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَسِيطِ إلَّا فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَرْشُ يَتَعَيَّنُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلَفِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ يُمْكِنُ (قُلْتُ) وهو كذلك ولا اتجاد لِمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ نَعَمْ لَوْ كَانَ
صَاحِبُ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ الَّذِي يَقُولُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ اتَّجَهَ عِنْدَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ لَكِنَّهُ يَنْفِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا مَنَعْنَا الْإِفْرَادَ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ رَدِّ الْجَمِيعِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الْوَسِيطِ بِمَنْعِ رَدِّهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ رَدِّ أَحَدِهِمَا وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِطَلَبِ الْأَرْشِ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ السَّلِيمِ وَحْدَهُ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا وَقَدْ فُقِدَتْ التَّبَعِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا جَوَّزْنَا الْإِفْرَادَ فَرَدَّهُ اشْتَرَطَ قِسْطَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْإِمَامِ تَعْلِيلُهُ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 177)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْجَوَازِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَوَافَقَ فِيمَا قَبْلَهُ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِمَا وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِسَبَبِ الْخِيَارِ وَثَبَتَ فِيهِ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَاشْتَرَطَ فِي أَحَدِهِمَا خِيَارَ الثَّلَاثِ وَنَقَضَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ وَجَدَ الْعَيْبَ فِيهِمَا أَوْ كَانَا مِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ أَوْ مما تتساوى أجزؤه مِثْلَ كُرَّيْنِ مِنْ طَعَامٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ مثل ما قلناه (والجواب) عن شَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ وُجُوهٍ بِالنَّقْضِ بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَبِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ لِمَا شَرَطَ وَبِأَنَّ وَصْفَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فَهَذَا الْكَلَامُ فِي ظُهُورِ الْعَيْبِ بِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَهُمَا بَاقِيَتَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْمَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَالصُّورَةَ الثَّالِثَةَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا وَهِيَ إذَا كَانَ السَّلِيمُ تَالِفًا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ (فَالْأَظْهَرُ) مِنْ قَوْلَيْ الْكِتَابِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي (١) الْأَوْلَى الْمَنْعُ وَفِي الثَّالِثَةِ الْجَوَازُ كَمَا (٢) وَيُرَجَّحُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعُمُومِ (٣) الْقَوْلَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْقَاضِيَ (٤) فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ بَيَّنَ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي أَحَدِهِمَا وَمَا إذَا كَانَ فِيهِمَا وَأَحَدُهُمَا تَالِفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّرْتِيبَ (٥) سَنَذْكُرُهُ (٦)
* (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ)
* وَجَدَ الْعَيْبَ بِهِمَا جَمِيعًا وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَهُ رَدُّهُمَا قَطْعًا وَفِي إفْرَادِ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي
حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ الْقَطْعَ بِالْمَنْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا عَنْ التَّصْرِيحِ بِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْطَعُ هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ إجْمَاعًا كَالطَّعَامِ الْوَاحِدِ (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ يَرُدُّ بَعْضَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِمَا فَمَنْ جَوَّزَ هُنَاكَ فَهَهُنَا أَوْلَى وَمَنْ مَنَعَ هُنَاكَ إمَّا قَطْعًا كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ حِكَايَةَ الْقَوْلَيْنِ وَبَنَوْهُمَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) يُفَرَّقُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْبِنَاءُ هُنَا ظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ الْمَبْنِيُّ عَلَى التَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ إنْ مَنَعْنَاهُ امْتَنَعَ هُنَا وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ جَازَ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْبِنَاءِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْجَوَازِ هُنَا أَظْهَرَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اقْتَصَرَ فِي بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الْخِلَافِ وَأَوَّلُوا بِهِ الْجَوَازَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بَيَانُ الْأَصَحِّ وَأَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ رد الباقي هل يجوز
________________________________________
(١) إلى (٦) بياض بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 178)
________________________________________
أولا وَبِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّرْتِيبِ يُعْرَفُ أَنَّ الْأَظْهَرَ الْجَوَازُ لَكِنَّ النَّصَّ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ والنص الذى سنذكره عن اختلاف العرقيين كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ امْتِنَاعُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْمُرَادُ بِالتَّلَفِ إمَّا حِسًّا وَإِمَّا شَرْعًا فَإِنْ جَوَّزْنَا الْإِفْرَادَ رَدَّ الْبَاقِيَ وَاسْتَرَدَّ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّتَهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ عَنْ الْإِمَامِ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِطَرِيقِ التَّوْزِيعِ بِتَقْدِيرِ الْعَبْدَيْنِ سَلِيمَيْنِ وَتَقْوِيمِهِمَا وَيَسْقُطُ الْمُسَمَّى عَلَى الْقِيمَتَيْنِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْبَائِعُ (فَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ (إمَّا) بِثَمَنِ مِلْكِهِ فَلَا يُرَدُّ مِنْهُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ نَسَبَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ إلَى نصفه فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ مَعَ الْمَالِكِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ الَّذِي حَصَلَ إهْلَاكٌ فِي يَدِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي
اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا وَقَدْ رَأَيْتُهُمَا فِيهِ وَلَكِنْ هَلْ هُمَا تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ أَوْ عَلَى مَنْعِهِ فِيهِ نَظَرٌ سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَالِاعْتِمَادُ فِي حِكَايَتِهِمَا هُنَا عَلَى نَقْلِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ عَلَى اسْتِرْجَاعِ حصة المردود من الثمن ولم يتعرضوا لشئ آخَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّالِفَ إذَا كَانَ مَعِيبًا أَيْضًا يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ كَمَا يَجِبُ الْأَرْشُ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ وَتَبَيَّنَ عَيْبُهُ وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ إحَالَةً لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَاقْتِصَارًا عَلَى الْقَدْرِ الْمُخْتَصِّ بِهَذَا الْمَكَانِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْإِفْرَادُ فَقَوْلَانِ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَطَائِفَةٌ (وَوَجْهَانِ) فِيمَا حَكَاهُ آخَرُونَ وَاقْتَضَى إيرَادُ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ تَرْجِيحَهُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا لَا فَسْخَ لَهُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ أَعْظَمُ مِنْ الْعَيْبِ وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّبِيعُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ عَادَ الْقَوْلَانِ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَرُدُّ بَعْضَ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ يَرُدُّ حِصَّةَ الْبَاقِي وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ وَهَلْ النَّظَرُ فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فِي الصُّورَتَيْنِ إلَى يَوْمِ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمِ الْقَبْضِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِمَعْرِفَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْأَصَحُّ مِنْهُ) اعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهُمَا وَيَفْسَخُ الْعَقْدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 179)
________________________________________
صلى الله عليه وسلم أمر في الْمُصَرَّاةَ بِرَدِّ الشَّاةِ بَدَلَ اللَّبَنِ الْهَالِكِ (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ بَلْ الَّذِي فِيهَا أَنَّا (إذَا قُلْنَا) لَا يَرُدُّ رَجَعَ بِالْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَأَنَّا (إنْ قُلْنَا) لَهُ رَدُّهُ فَيَرُدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ خُرَاسَانَ الْعَقْدُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِيهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَيَسْتَرْجِعُ كَمَا فِي الْمُصَرَّاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا خَطَأٌ وَيُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ لانه نص على ذلك في اختلاف العرقيين وَقَالَ يَرْجِعُ إلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ فرع عليه وذكر الاختلاف فالعجب من الرفعى رحمه الله إلا أن يكون القاضى أبى الطَّيِّبِ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَمَا رَأَيْتُ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّدِّ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِ الْمَنْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فَعَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّ
أَبَا الطَّيِّبِ يَقُولُ (إنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّهُ أَيْ أَصْلًا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَرُدُّهُ فَهَلْ يُفْرِدُهُ أَوْ يَضُمُّ مَعَهُ قِيمَةَ التَّالِفِ فِيهِ (وَجْهَانِ) وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ (إنْ قُلْنَا) يُفْرِدُهُ اسْتَرَدَّ الْقِسْطَ وَإِلَّا فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَوْ يَضُمُّ مَعَهُ قِيمَةَ التَّالِفِ (فِيهِ وَجْهَانِ) فَالْكَلَامَانِ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي نِسْبَةِ الرَّافِعِيِّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ إلَى اخْتِيَارِ أَبِي الطَّيِّبِ وَوَافَقَ الرَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَزَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ أَعْنِي فِي ضمن قيمة التالف إلى الموجود كما حكاهما لامام وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الشَّامِلِ بَلْ رَأَيْتُ فِيهِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ الوهم لذى عَرَضَ لِلرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ هُوَ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ عن أبى الطيب فان ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ حَكَى أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ بَعْضِ أَهْل خُرَاسَانَ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ قَالَ وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ طلع ذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَالَ لِأَبِي الطَّيِّبِ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ أَهْلِ خُرَاسَانَ يُبَيِّنُهُ ما في تعليقة أَبِي الطَّيِّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّافِعِيَّ فِي ذَلِكَ العمرانى فينقل الْمَسْأَلَةَ فِي الزَّوَائِدِ مِنْ الشَّامِلِ وَزَادَ فَقَالَ وَقَالَ الْقَاضِي هَذَا هُوَ السُّنَّةُ قَالَ ابْنُ الصباغ وهذا ليس بصحيح هُوَ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ نَاقِلٌ عَنْهُ أَوْ موافق له وبالجملة ولقول مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَبَضَهُمَا فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْقَائِمَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَيَرْجِعَ بِأَصْلِ الثمن لذى أَعْطَاهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قَدْ لزم المشترى وهو يريد اسقاط الشئ عَنْهُ لِمَا يَدَّعِي مِنْ كَثْرَةِ قِيمَةِ الْغَائِبِ وَلَا أَقْبَلُ دَعْوَاهُ قَالَ الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلَكَ وَاحِدٌ وَأَصَابَ بِالْآخَرِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَى الرَّدِّ سَبِيلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ كان له أن يرد الشئ كما أخذ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 180)
________________________________________
فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ كَانَ لَا رَدَّ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَى مِنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ فِي الثَّوْبِ الْبَاقِي فَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهُمَا
(وَالثَّانِي)
يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُمَا هَذَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فَرَّعْنَاهُمَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْإِفْرَادِ فَهُمَا مُتَعَاضِدَانِ فِي مَنْعِ الْإِفْرَادِ كَمَا قَدَّمْتُ لَكَ أَوَّلًا وَقَدْ تَأَمَّلْتُ نَصَّهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فَلَمْ أَجِدْهُ صَرِيحًا فِي الرَّدِّ وَاسْتِرْجَاعِ الْقِسْطِ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا اشْتَرَى
ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِالثَّانِي عَيْبًا وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الثَّوْبَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قَدْ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَالْمُشْتَرِي إنْ أَرَادَ رَدَّ الثَّوْبِ يَرُدُّهُ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ أَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِهِ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ ولا نعطيه بقوله لزيادة قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الثَّمَنُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَلَيْسَ إلَى الرَّدِّ سَبِيلٌ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا صَفْقَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ إلَّا الْقَوْلُ الْآخَرُ الَّذِي حَكَاهُ الرَّبِيعُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَآخِرُ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الرَّدِّ وَأَوَّلُ كَلَامِهِ فِيهِ احْتِمَالٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمَا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَإِنَّمَا احْتَجْتُ إلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّهُ قَالَ يَرْجِعُ إلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَنْعِ التَّفْرِيقِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَقَلَهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ صَرِيحٍ فِي التَّفْرِيقِ فَلَعَلَّ لَهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَصًّا آخَرَ وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا حَكَى عَنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَظَرًا مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّا نُفَرِّعُ عَلَى مَنْعِ التَّفْرِيقِ فَالنَّصُّ مُصَرِّحٌ بِالتَّفْرِيقِ فَكَيْفَ يُرَدُّ بِهِ وَهَذَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِنَاءً عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ ابن الرفعة عن ابن الصباغ اعترضا عَلَيْهِ لَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ فِيهِ النَّصَّ بِلَفْظٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالتَّفْرِيقِ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْعُذْرُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 181)
________________________________________
مَنْعِ التَّفْرِيقِ حَتَّى يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ بَلْ إنَّمَا قَالَ إذَا جَوَّزْنَا الرَّدَّ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ مَعَ الرَّدِّ يَسْتَرْجِعُ الْقِسْطَ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ لا يسترجع القسط بل يضم القيمة على التَّالِفِ وَيَسْتَرْجِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ رَدًّا ظَاهِرًا وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) مِنْ اعْتِرَاضِ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْعِرَاقِيِّينَ قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْقَدِيمِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَنَّهُ يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهَا فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ حصل التالف فِي يَدِهِ وَهُوَ الْغَارِمُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حسين مع حكاية القولين في الصورتين الاولتين قَالَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْغَارِمُ هُوَ
الْمُشْتَرِيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْغَارِمُ هُوَ الْبَائِعَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي التَّتِمَّةِ حِكَايَةُ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يريد ازلة يَدِهِ عَنْ الثَّمَنِ الْمَمْلُوكِ لَهُ وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ شَاذٌّ (قُلْتُ) فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّهُ يَرُدُّ الْقَائِمَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ (قَالَ) فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قد لزم المشترى وهو يريد إسقاط الشئ عَنْهُ لِمَا يَدَّعِي مِنْ كَثْرَةِ قِيمَةِ الْفَائِتِ ولا أقبل دعواه وهذا يدل للوجه الَّذِي قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ بَلْ هُوَ هُوَ وَالْقِيمَةُ هُنَا مَعْرُوفَةٌ وَاعْتِبَارُهَا بِيَوْمِ التَّلَفِ عَلَى الاصح وليس كما تقدم على القول الْآخَرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّخَالُفِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالتَّالِفِ فَقَطْ لَمْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ قَطْعًا وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ التَّالِفِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا أَوْ بِهِمَا بَعْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا فَقَدْ جَمَعَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ ما إذا كان أحدهما تالفا وجزم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا أَيْضًا بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا وَخَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ امْتِنَاعُ رَدِّ الْبَاقِي فَاشْتَرَكَتْ صُورَةُ التَّلَفِ وَصُورَةُ الْبَيْعِ فِي التَّرْتِيبِ عَلَى مَا إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 182)
________________________________________
لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأُولَى الْجَوَازُ وَفِي الثَّانِيَةِ المنع وهذا الذى ذكرناه إذ بَاعَ أَحَدَهُمَا وَكَانَا مَعِيبَيْنِ أَوْ بَاعَ الصَّحِيحَ وَبَقِيَ الْمَعِيبُ (أَمَّا) لَوْ بَاعَ الْمَعِيبَ وَبَقِيَ الصحيح فلا يرد الباقي لآن قَطْعًا وَالْكَلَامُ فِي الْأَرْشِ عَلَى مَا مَرَّ وَتَحْقِيقُ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْقِيقِ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْبَعْضَ هَلْ هُوَ عَدَمُ الْيَأْسِ أَوْ غَيْرُهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ فُصُولٍ
*
* (فَرْعٌ)
* اسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ وُجُوبِ الْأَرْشِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ الْإِفْرَادِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً وَهِيَ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاعَ أَحَدَهُمَا قَالَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ بِعَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا فَفِي هَذَا الْمَوْجُودِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ (١) وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ (قُلْتُ) لَعَلَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ صَحِيحًا مِنْ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي (الثَّانِي) لشئ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ مِنْ رُجُوعِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَيَرُدُّهُمَا مَعًا وَذَلِكَ يُوَافِقُ
مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وهو يجئ عَلَى الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا بِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ فَفِي رُجُوعِهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فِي الثَّانِي قَوْلَانِ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْتَقَهُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
*
* (فَرْعٌ)
* بِمَا ذَكَرْنَاهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ وَلَكِنَّهَا مَرَاتِبُ فَفِي الْعَبْدَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا تَالِفًا الْجَوَازُ قَوِيٌّ جِدًّا وَدُونَهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا وَالْخِلَافُ فِيهِ قَوِيٌّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا الْمَنْعَ وَدُونَهُ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ فِي مِلْكِهِ وَالْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا وَدُونَهُ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ وَالْعَيْبُ بِهِمَا وَدُونَهُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ إذَا بَاعَ بَعْضَهُ وَدُونَهُ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ كُلُّهُ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ فَهَذِهِ سِتُّ مَرَاتِبَ لَا يُرَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا فِي الْأُولَى
*
* (فَرْعٌ)
* حُكْمُ نَقْصِ أَحَدِهِمَا حُكْمُ تَلَفِهِ وَعِتْقِهِ وَبَيْعِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ النَّقْصِ الْحَادِثِ فَيَصِيرَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ نَقْصٌ
* (فَائِدَةٌ)
* أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يُطْلِقُونَ تَوْزِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدَيْنِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا وَالرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قبل باعتبار قيمتهما إلى سليمتين وَلَا يَتَأَتَّى غَيْرُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ الثَّمَنَ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَوْ وَزَّعْنَا الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى خَبْطٍ وَفَسَادٍ دَلَّ عَلَيْهِ الِامْتِحَانُ فَالصَّوَابُ تَقْدِيرُ السَّلَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا وَهِيَ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ نَافِعَةٌ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) فِي الشفعة حيث يأخذ الشقص بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ (وَمِنْهَا) فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا وُزِّعَ الثَّمَنُ فَيُجْبَرُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 183)
________________________________________
بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَيُجْبَرُ بِالْعَيْبِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْبِ (وَمِنْهَا) مَسْأَلَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الرِّبَا فِي الصَّرْفِ إذَا بَاعَ دِينَارَيْنِ بِدِينَارَيْنِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا اخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةً الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ الصِّحَّةَ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَانْتَدَبْت لَهُ مَأْخَذًا بَعِيدًا وَبِهَذِهِ الْفَائِدَةِ هُنَا يَتَرَجَّحُ فَظَهَرَ مَأْخَذٌ حَسَنٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُتَمَسَّكُ بِهِ فِيهِ وَيَقْوَى على أبى طَالِبٍ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ مِنْ جِهَةِ التَّوْزِيعِ وَالتَّوْزِيعُ هَهُنَا لَا يَقْتَضِي المفاصلة إذا وزع باعتبار السلامة وانما يقتضي المفاضلة إذَا وُزِّعَ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ الْعَيْبِ (وَمِنْهَا) فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَمِنْهَا) فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا تَخْفَى الْفُرُوعُ بَعْدَ بَيَانِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَمُلَاحَظَتُهَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ
*
* (فَرْعٌ)
* لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالتَّالِفِ وَحْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ التَّالِفَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ مَقْصُودًا أَوْ مُسَوِّغًا وَإِنَّمَا صَحَّ الْفَسْخُ فِي التَّالِفِ تَبَعًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ بَقَاءَ السَّلِيمِ مُسَوِّغٌ لِوُرُودِ الرَّدِّ عَلَى الْمَعِيبِ فِي الصَّفْقَةِ الَّتِي شَمِلَتْهُ وَلَيْسَ لِتَكَلُّفِ الْمَبِيعِ جُمْلَةً إذْ لَا مَوْرِدَ أَصْلًا فَلِذَلِكَ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ
*
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْكِتَابِ)
* إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ عَيْنًا وَوَجَدَا بِهَا عَيْبًا وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إمْسَاكَ حِصَّتِهِ وَالْآخَرُ رَدَّ حِصَّتِهِ جَازَ عَلَى الْقَوْلِ الظَّاهِرِ الْمَنْقُولِ عَنْ نَصِّهِ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَمُعْظَمِ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو يوسف ومحمد وابن أبى ليلى ومنه أخذ الصفقة تتعدد بتعدى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ ما ملك مجارا كالمشترى الواحد قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ أَصَابَ الْمُشْتَرِيَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ رَجُلٍ بِجَارِيَةٍ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ فَذَلِكَ لَهُمَا لِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي شِرَاءِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِي النِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ انْتَهَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَيُحْكَى عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد إنَّهُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ كَامِلًا وَالْآنَ يَعُودُ إلَيْهِ بعضه وبعض الشئ لَا يُشْتَرَى بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ لَوْ بِيعَ كُلُّهُ وَرُبَّمَا أَوْرَدُوا ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مُجْتَمِعًا أَوْ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَمِنْ هَذَا الْقَوْلِ أُخِذَ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي مُتَّحِدَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَعَدِّدَةٌ وَبِذَلِكَ مَنَعُوا مَنْ قَالَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 184)
________________________________________
صَفْقَةً وَمَنَعُوا أَيْضًا مَنْ قَالَ خَرَجَ مُجْتَمِعًا بما أشار إليه الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْبَائِعَ فَرَّقَ الْمِلْكَ فِي الْإِيجَابِ أَيْ فَلَمْ يَخْرُجَ مُجْتَمِعًا وَأَمَّا مَنْ قَالَ كَلَامُكَ إنْ أُرِيدَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَهِيَ مَعْنًى وَإِنْ أُرِيدَ التَّأْكِيدُ فَلَا يُفِيدُ وَمَنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَازِمٌ بِأَنَّ الصَّفْقَةَ متعددة واعترض القائلون باتحادهما وَامْتِنَاعِ الِانْفِرَادِ بِالرَّدِّ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَبِمَا إذَا أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الثَّمَنِ وَأَرَادَ إجْبَارَ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ نِصْفِ الْعَبْدِ وَبِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عِنْدَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ في حقه سواء قبل صاحبه أم رَدَّهُ وَقِيلَ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصًّا فِي الْخُلْعِ يَشْهَدُ لَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الْأَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي النَّقْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ لَا يَصِحُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّعَدُّدِ فَإِنَّ صِيغَةَ إيجَابِ الْبَائِعِ تَقْتَضِي جَوَابَهُمَا فَكَأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ يُجِيبَاهُ مَعًا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ عُرْفًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَعَنْ (الثَّانِي) أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ اختلاف التبايعين إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ (الثَّالِثِ) بِأَنَّ الْبَائِعَ هَذَا الَّذِي شَرَطَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَيْبُ حَادِثًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ عَرَفْتَ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَسُّ بِكَلَامِ الْمُخَالِفِ مِنْ اسْتِدْلَالِ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ صَحِيحًا وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْهُمَا فِي صَفْقَتَيْنِ أَيْ مُتَعَدِّدَتَيْنِ لَفْظًا فَإِنَّ هَذِهِ مُتَعَدِّدَةٌ حُكْمًا لَا لَفْظًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الاولى أن نفرض الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ وَالْبَائِعُ وَارِثُهُ أَوْ عَادَ إلَى الْبَائِعِ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بالبيع أو بالهبة كي يسقط حل كَلَامِهِمْ أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ شِقْصًا مِنْ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا الَّذِي الْتَزَمَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَعَدِّدٌ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَبُو الظفر بْنُ السَّمْعَانِيِّ إنَّ هَذِهِ طَرِيقٌ سَقِيمَةٌ لَا يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهَا وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فَلِضَعْفِهِ فِي المعاني لان قوله بعث مِنْكُمَا فِي جَانِبِهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ نَعَمْ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ وَلَوْ جَازَ أَنْ نَجْعَلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي لَجَازَ ذَلِكَ لتعدد الجمع وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَكِنْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لَهُمَا وَهُوَ حَقٌّ مَشْرُوعٌ فَيُمْكِنُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتٍ وَإِسْقَاطٍ بِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ الْآخَرِ لَهُ وَأَجَابَ عَنْ كَوْنِ الشَّرِكَةِ عَيْبًا بِأَنَّ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَدْ زَالَتْ وَاَلَّتِي وُجِدَتْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 185)
________________________________________
وُجِدَتْ بِعَدَمِ الرَّدِّ وَالرَّدُّ لَا يَعِيبُ الْمَبِيعَ لَكِنْ يُعِيدُهُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ثُمَّ الشَّرِكَةُ تَثْبُتُ بِاخْتِلَافِ الْمِلْكِ فَلَا يَكُونُ الْعَيْبُ الَّذِي هُوَ مَعْلُولُ الرَّدِّ سَابِقًا لِعِلَّتِهِ وَمَا قَالَهُ أَوَّلًا لَا يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ فَإِنَّ مِنْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ أَخْذَ الْوَارِثِينَ لِمُشْتَرِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مُسْتَقِلٌّ بِالرَّدِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّا إنْ قُلْنَا بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ مَنَعْنَا انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّعَدُّدِ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمَنْعُ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ هَذَا إذَا نَظَرْتَ إلَى التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ أَوَّلًا فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا فِي الِانْفِرَادِ فَأَحْرَزْنَا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَجْوِيزُ التَّفْرِيقِ وَإِنْ مَنَعْنَا الِانْفِرَادَ هَلْ ذَلِكَ لِحُكْمِنَا بِالِاتِّحَادِ أَوْ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ وَإِنْ كانت الصفقة متعددة فيه وَجْهَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَوْفَقُ لِكَلَامِهِمْ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي لِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ
* التَّفْرِيعُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إنْ جَوَّزْنَا الِانْفِرَادَ فَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا وَيَخْلُصُ لِلْمُمْسِكِ مَا أَمْسَكَ وَلِلرَّادِّ مَا اسْتَرَدَّ أَوْ تَبْقَى الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا أَمْسَكَهُ الْمُمْسِكُ وَاسْتَرَدَّهُ الرَّادُّ حَكَى الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا قُلْتُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي بَعِيدٌ جِدًّا وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ الَّذِي أَمْسَكَهُ الْمُمْسِكُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّادِّ وَالرَّادُّ لَمْ يبقى عَلَى مُلْكِهِ شَيْئًا وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ نِصْفَ الثَّمَنِ الَّذِي اسْتَرْجَعَهُ الرَّادُّ يَأْخُذُ الْمُمْسِكُ نِصْفَهُ وَهُوَ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا وَوَجَّهَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنُهُمَا قِسْمَةٌ وَهَذَا تَوْجِيهٌ ضَعِيفٌ لان ذلك إنما يَكُونُ فِي الْمُعَيَّنِ لَا فِي الْمُشَاعِ فَإِنَّ النصف المشاع المردود مختص الراد قطعا وحمله ابن لرفعة عَلَى مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَهَذَا الْحَمْلُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُسْتَرَدِّ مِنْ الثَّمَنِ أَمَّا بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ الْبَاقِي فَلَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي الْمُسْتَرَدِّ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مَلَكَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ انْتَقَضَ مِلْكُهُ فِي نصفه الشائع المختص بالراد حكم رَدِّهِ وَيَقْسِمُهُ الرَّادُّ وَالْبَائِعُ وَهُوَ قِسْمَةٌ جَدِيدَةٌ وَارِدَةٌ عَلَى مِلْكَيْهِمَا وَلَيْسَ لِلْمُمْسِكِ فِيهَا حَظٌّ ونصفه الشائع لم ينقض الملك في شئ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا
* نَعَمْ قَدْ تَقَدَّمَ لَنَا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ شُذُوذٌ فِي جَوَازِ رَدِّ بَعْضِ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ فَعَلَى ذَلِكَ إذَا قَالَ الرَّادُّ رَدَدْتُ النِّصْفَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ نِصْفُهُ وَقُلْنَا بِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُحْمَلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ كَمَا هُوَ فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَيَصِحُّ الرَّدُّ فِي نِصْفِ نَصِيبِهِ وَلَكِنْ لَا يَبْقَى نَصِيبُ الْمُمْسِكِ مُشْتَرَكًا وَلَا الْمُسْتَرَدُّ مِنْ الثَّمَنِ مُشْتَرَكًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَلْ يَبْقَى لِلرَّادِّ رُبُعُ الْعَبْدِ وَلِلْمُمْسِكِ نِصْفُهُ وَيَسْتَرِدُّ الرَّادُّ رُبُعَ الثَّمَنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْوَجْهُ إلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 186)
________________________________________
الْغَلَطِ أَقْرَبُ وَمَنْ التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّادَّ ضَمُّ أَرْشِ التَّبْعِيضِ إلى ما يرده لِأَنَّ الْبَائِعَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ
* وَإِنْ مَنَعْنَا الِانْفِرَادَ فَذَاكَ فِيمَا يَنْقُصُ بِالتَّبْعِيضِ (أما) مالا يَنْقُصُ كَالْحُبُوبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ ضَرَرُ التَّبْعِيضِ أَوْ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَعَلَى الثَّانِي يَمْتَنِعُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ يَمْنَعُ أحد اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَالْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ بَيَانُهُمَا حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَرِي الْوَاحِدِ فَفِي الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ أَصْلَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ نُسَخِ التَّنْبِيهِ وَجَعَلَ إنْ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا وَلَفْظُ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ شَاهِدٌ لَهُ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُخْتَصَرِ سِلْعَةً مَكَانَ جَارِيَةٍ فَيَكُونُ شَاهِدًا لِلنُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ وَيَكُونُ كَلَامُ الْبُوَيْطِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ مُفِيدًا لِذَلِكَ
* وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْسِمَاهُ فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِيهِ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَبَنَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِسْمَةِ إنْ قُلْنَا إفْرَازٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَكَمَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ بَيْعِ بَعْضِهِ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ هَكَذَا لَكِنَّهُ لَوْ قَالَ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى مُشَاعًا كَنِصْفِ عَرْصَةٍ ثُمَّ قَاسَمَ الْمَبِيعَ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا قَدِيمًا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ (قُلْتُ) أَمَّا الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ فَمُتَّجَهٌ مُتَعَيَّنٌ (وَأَمَّا) مَنْعُ الرَّدِّ إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ فِيمَا إذَا قَاسَمَ الْبَائِعَ فَمُشْكِلٌ عَلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِيمَا إذَا بَاعَ بَعْضَ الْعَيْنِ مِنْ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَرُدُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا الصَّحِيحُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا قَاسَمَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْفَتَاوَى إذَا اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ رُبُعٍ وَقَاسَمَ شَرِيكَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَالَ (إنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لَهُ الرَّدُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَهُوَ بَاعَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ فَيَرُدُّ النِّصْفَ الَّذِي يَمْلِكُ مِنْ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ فَإِذَا رَدَّ يَعُودُ إلَيْهِ النصف الذى يملك منه الشريك ثم رد الْكُلَّ بِالْعَيْبِ وَإِلَّا يَبْطُلُ حَقُّهُ لِأَنَّ الرَّدَّ يَعْقُبُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ لِاخْتِلَافِ الْمِلْكِ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَرَاهِمَ وَبَاعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَرَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الْعَبْدَ وَبِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَهُ أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّهُ قَصَدَ رَدَّ الثَّوْبِ وَالْعَبْدُ غاد لَا بِاخْتِيَارِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ لانه يرد الثَّوْبِ اخْتَارَ مِلْكَ الْعَبْدِ مَعِيبًا قُلْتُ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَى رَأْيِهِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمَعِيبَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالصَّحِيحُ خلافه ولو أرد الْمَمْنُوعُ مِنْ الرَّدِّ الْأَرْشَ قَالَ الْإِمَامُ إنْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ إمْكَانِ رَدِّ نَصِيبِ الْآخَرِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 187)
________________________________________
بِأَنْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ نَظَرٌ إنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ بِالْعَيْبِ فَيُبْنَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صاحبه وضمنه إلَى نَصِيبِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ وَيَرْجِعَ بنصف الثمن هل يجبر على قوله كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَفِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا أَخَذَ الْأَرْشَ (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ تَوَقُّعٌ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَائِبًا لَا يَعْرِفُ الْحَالَ فَفِي الْأَرْشِ وَجْهَانِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مِنْ جِهَةِ الْحَيْلُولَةِ النَّاجِزَةِ
* وَقَدْ بَقِيَ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ (مِنْهَا) إذا تعدد البائع كما لو اشترى واحد عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَهُ رَدُّ نِصْفِ الْمَبِيعِ على أحد البائعين قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَهَلْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِلتَّعَدُّدِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِلضَّرُورَةِ قال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى عَكْسِ مَذْهَبِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَمِنْهَا) إذَا تعدد العاقدان بأن اشترى رجلان عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ فِي حُكْمِ أَرْبَعَةِ عُقُودٍ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى رُبُعَ الْمَبِيعِ مِنْ هَذَا وَالرُّبُعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ وَكَذَلِكَ لِصَاحِبِهِ قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اشْتَرَى ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ عَبْدًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَرُدَّ بَيْعَ الْعَبْدِ عَلَى كُلِّ واحد من البائعين الثلاثة لان حكمهما حُكْمُ الْعُقُودِ التِّسْعَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَمِنْهَا) إذَا تَعَدَّدَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْعَاقِدُ مَعًا بِأَنْ اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعَيْنِ وَهَلْ لَهُ رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ أَيْضًا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِعَيْنِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ هَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ النِّصْفِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وَكَأَنَّهَا غلط والصواب أن يقال على البائعين بأسقاط أحد فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ اشْتَرَى النِّصْفَ مِنْ الْبَائِعَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا رَدُّ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْبَائِعَيْنِ قَطْعًا وَرَدُّ نِصْفِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ قَطْعًا وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ نِصْفِهِمَا عَلَى الْبَائِعَيْنِ أَوْ رُبُعِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى قَوْلَيْ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ هَذَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ مُشَاعًا بَيْنَ الْبَائِعَيْنِ (وَمِنْهَا) إذَا كان أحد العبدين لهذا ولآخر لِذَاكَ وَجَمَعَا بَيْنَهُمَا فِي الصَّفْقَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 188)
________________________________________
وَجَوَّزْنَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهَلْ لَهُ رَدُّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بِالْعَيْبِ إنْ جَوَّزْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا مَلَكَ مِنْ جِهَتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَرُدُّ نِصْفَ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فَالْقَوْلُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ بَعِيدٌ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصْفَيْ الْعَبْدَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَيْ الْعَبْدَيْنِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ نِصْفِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ رُبُعِ الْعَبْدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ قَالَهُ الْقَاضِي الحسين قَالَ وَالْحَدُّ فِيهَا أَنَّ فِيمَا هُوَ الْخَيْرُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَفِيمَا هُوَ الشَّرُّ وَجْهَانِ (وَمِنْهَا) اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَحُكْمُهُمَا ظَاهِرٌ فيما تقدم لهما رَدُّ الْعَبْدَيْنِ قَطْعًا وَلِأَحَدِهِمَا رَدُّ حِصَّتِهِ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ كَأَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ الْوَاحِدَ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ نِصْفِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مَعَ الْمُشْتَرِي الْوَاحِدِ وَلَمْ أَرَهَا مَسْطُورَةً
*
* (فَرْعٌ)
* جُمْلَةُ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ تَرْجِعُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَعَدَّدَ الْمَبِيعُ فَقَطْ أَوْ الْمُشْتَرِي فَقَطْ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ أَوْ يَتَعَدَّدَ الْبَائِعُ فَقَطْ أَوْ الْبَائِعُ وَالْمَبِيعُ أَوْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْمَبِيعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ وَوَجْهٌ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَّحِدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَّحِدَ وَاحِدٌ فَقَطْ أَوْ يَتَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ ثَلَاثَةٌ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَاحِدًا فِي صَفْقَتَيْنِ نِصْفُهُ بِصَفْقَةٍ وَنِصْفُهُ بِصَفْقَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ رَدُّ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ بِالْعَيْبِ دُونَ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ
** (فَرْعٌ)
* هَذَا كُلُّهُ إذَا تَوَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَكِيلٌ وَاحِدٌ (أَمَّا) إذَا عَقَدَ بالوكالة وحصول التعدد في الوكيل أو في الوكل فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِي تَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَاتِّحَادِهِ بِالْعَاقِدِ أَوْ الْمَعْقُودِ لَهُ فِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَيُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ دُونَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ (وَالثَّانِي) الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وهو الموكل قاله ابو زيد والحصري وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إلَى أَئِمَّةِ الْعِرَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْوَجِيزِ (وَالثَّالِثُ) الِاعْتِبَارُ فِي طَرَفِ الْبَيْعِ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وَفِي الشِّرَاءِ بِالْعَاقِدِ قَالَهُ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَى الْقَفَّالِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ فِي الشِّرَاءِ بِالْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْمَعْقُودُ لَهُ الْإِذْنَ في المباشرة وقع العقد للمباشرة بِخِلَافِ طَرَفِ الْبَيْعِ قَالَ الْإِمَامُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 189)
________________________________________
رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْفَرْقُ فِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ (وَالرَّابِعُ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ الِاعْتِبَارُ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْمُوَكِّلِ وَفِي الْبَيْعِ بِهِمَا جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا تَعَدَّدَ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ اعْتِبَارًا بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْوَاحِدُ شِقْصًا لِاثْنَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا بِالْفَلَسِ وَلَوْ اشْتَرَى وَكِيلَانِ شِقْصًا لِوَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ بَعْضِهِ وَفِي جَانِبِ الْبَيْعِ حُكْمُ تَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلُ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ بَاعَ وَكِيلُ رَجُلَيْنِ شِقْصًا مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ بَعْضِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهَذَا أَبْعَدُ الطُّرُقِ لِأَنَّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَضَرَّ بِهِ وَهَهُنَا يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ فَإِذَا تَعَدَّدَ الْبَائِعُ وَرَدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا كَانَ لَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا وَإِذَا تَعَدَّدَ الْوَكِيلُ وَاتَّحَدَ الْبَائِعُ فَرَدَّ عَلَيْهِ نِصْفَ مَالِهِ تَضَمَّنَ ضَرَرًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ صَحِيحٌ وَمُدْرَكُ الشُّفْعَةِ غَيْرُ مُدْرَكِ هَذَا الْبَابِ وَلِذَلِكَ نَقُولُ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي جَزْمًا وَفِي الْبَائِعِ خِلَافٌ عَكْسُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ فَفِي كُلِّ بَابٍ يُنْظَرُ إلَى الْمَعْنَى الْمُخْتَصِّ بِذَلِكَ الْبَابِ (وَالْخَامِسُ) إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَالْعِبْرَةُ بِالْمُوَكِّلِ (وَإِنْ) كَانَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَالْعِبْرَةُ بِالْعَاقِدِ وَهَذَا بِالْعَكْسِ مِمَّا قَالَهُ أبو إسحق حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ في تعدد الصفقة واتحادهما إذَا جَرَتْ بِوَكَالَةٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فَاشْتَرَى لَهُمَا عَبْدًا قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَكِيلُ رَجُلَيْنِ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِوَاحِدٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ وَهَذَا لَيْسَ وَجْهًا سَادِسًا فِي التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ بَلْ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَدُّدِ وَهَكَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا مَأْخَذُهُ رِضَا الْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرَّهْنِ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ عَبْدًا وَرَهَنَ الثَّمَنَ عَيْنًا مُشْتَرَكَةً ثُمَّ وَفَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْ الرَّهْنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بِخُرُوجِ بَعْضِ الرَّهْنِ عَنْ يَدِهِ قَبْلَ كَمَالِ حَقِّهِ (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّهُ مُشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِشَرِيكِهِ وَأَنَّ الرَّهْنَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ عَلَى الْخُصُوصِ أَوْ لِشَرِيكِهِ وَأَنَّ الرَّهْنَ لِوَاحِدٍ فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَفَّالَ يَقُولُ بالتعدد
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 190)
________________________________________
لِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ وَلَا يُخَالِفُهُ كَمَا تقدمت الحكاية عنه في موافقة أبى إسحق وَلَكِنَّ مَأْخَذَهُ مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ مَا قاله مع الاوجه في تعدد الصفقة واتحادهما لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ إذْ الْمَقْصُودُ هَهُنَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ من الفروع في الرد ولابد من التفريع عليه وقد يجئ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ بِسَبَبِهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ وَضَعَّفَ القاضى حسين قول أبى اسحق وَرَأَى أَنَّ الصَّحِيحَ مَأْخَذُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَمَأْخَذُ أبى زيد وأن أصلهما أَنَّ وَكِيلَ الشِّرَاءِ هَلْ يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَوَكِيلُ الْبَيْعِ هَلْ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ
*
* (فُرُوعٌ)
* عَلَى هَذَا الْأَصْلِ (مِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى وَكِيلٌ لِرَجُلٍ شَيْئًا فَخَرَجَ مَعِيبًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ اعتبار العاقد مطلقا أو لقول أبى اسحق فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَاسَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى مَا لَوْ اشْتَرَى وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ وَخَرَجَ مَعِيبًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَهَلْ لِأَحَدِ الموكلين والاثنين أحد الْأَرْشِ سَيَقَعُ التَّعَرُّضُ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةَ الِاثْنَيْنِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ويوافقه هنا قول أبى اسحق وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي زَيْدٍ جَازَ لِكُلٍّ مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَكَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ يُفَرِّقُ بَيْنَ عِلْمِ الْبَائِعِ وَجَهْلِهِ إنْ عَلِمَ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ وَإِنْ جَهِلَ فَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَبْعِيضِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَمْ يُعَيِّنَا قَائِلَهُ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْفَرْعِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رجلان رجلا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُمَا أَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فَبَاعَ الْكُلَّ ثُمَّ خَرَجَ مَعِيبًا هَلْ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ لَا يَجُوزُ للمتشرى رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَوْجُهِ الْأُخَرِ يَجُوزُ وَعَلَى الْخَامِسِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الْوَجْهَيْنِ هُنَا مَعَ قَطْعِهِ بِالْمَنْعِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ يُخَالِفُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ يَقْتَضِي طَرِيقَةً بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْعَاقِدِ وَفِي جَانِبِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ ولذلك أبديت فما تَقَدَّمَ نَظَرًا فِي قَوْلِ مَنْ نَسَبَ قَوْلَ أبى زيد إلى أئمة العراق (ومنها) ولو وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ لِرَجُلٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ الْأُخَرِ لَا يَجُوزُ (وَمِنْهَا) عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَوْ وَكَّلَ رجلان رجلا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 191)
________________________________________
فِي شِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَلِنَفْسِهِ فَفَعَلَ وَخَرَجَ الْعَبْدُ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ليس للمؤكلين إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَعَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ يَجُوزُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لهما فلاحدهما رد نصيبه لرضى الْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ وَإِنْ جَهِلَهُ قُلْتُ وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَأَظُنُّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ كَمَا هُوَ هُنَا وَذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْكَلَامِ فِي الْأَرْشِ وَغَيَّرَ عِبَارَتَهُ فَقَالَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ بِوَكَالَةِ رَجُلَيْنِ لَهُمَا شَيْئًا فَذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ بِالْعِبَارَتَيْنِ وَقَدَّمَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ وَذَكَرَ حُكْمَ الرَّدِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَانَ يَسْتَغْنِي بِالْأَوَّلِ عَنْ الثَّانِي وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
*
* نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الْفَرْعَ الْمُتَقَدِّمَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالرَّدِّ فِيهِ وَجْهَانِ وَاخْتِيَارُ أبى إسحق لَا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ لِأَنَّهُمَا بِالذِّكْرِ صَارَا كَمَا لَوْ بَاشَرَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ
* قُلْتُ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا (وَالْأَصَحُّ) مَا ذَكَرُوهُ هُنَا لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْوَكِيلَ مُطَالَبٌ بِالْعُهْدَةِ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَرَجُلَانِ رجلا في شراء فنبايع الْوَكِيلَانِ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ (الْأَوَّلِ) لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى (الثَّانِي) وَ (الرَّابِعِ) يَجُوزُ فَلَهُمَا أَنْ يَرُدَّا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ نِصْفَ الْعَبْدِ وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ عَلَيْهِمَا وَلَهُ رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى (الثَّالِثِ) فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي مُتَّحِدٌ دُونَ الْبَائِعِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَاحِدِ يَشْتَرِي مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا أَنْ يَرُدَّا نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى (الْخَامِسِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ عَكْسَ الثَّالِثِ فَلِكُلٍّ مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ رَدُّ حِصَّتِهِ بِكَمَالِهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ نِصْفِهَا عَلَى أَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ حَكَى فِيهِ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ الْوَجْهَ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَجْهَ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ عَنْهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ يَتَّجِهُ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ وعلى الثاني كما قدمت وأما الرافعى رحمه الله انه اخْتَصَرَ جِدًّا وَقَالَ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَجُوزُ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ الْوَجْهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 192)
________________________________________
الْآخَرُ وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ وَيَكُونُ قَدْ يَدُلُّ التَّفْرِيعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الرَّوْضَةِ وَبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخَرِ يَجُوزُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَأَمَّا جَوَازُهُ عَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ فَصَحِيحٌ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَمِنْهَا) وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَوَكَّلَ رَجُلٌ آخَرَيْنِ فِي شِرَاهُ فَتَبَايَعَ الْوُكَلَاءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَعَلَى الْوُجُوهِ الْأُخَرِ لَا يَجُوزُ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مُطْلَقًا وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ وَعَلَى الرَّابِعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى الْخَامِسِ كَذَلِكَ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الْخَامِسَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَرْبَعُ طُرُقٍ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ الْخَمْسَةُ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَقَدَّمَهُ بِذَكَرِهَا جَمَاعَةٌ وَهِيَ فِي الرافعي والروضة ستة للتكرار الذى تقدم لتنبيه عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ لَوْ وَكَّلَ الْوَاحِدُ رَجُلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخِ أبي إسحق لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ وَعَلَى طَرِيقَةِ أَبِي يزيد لَيْسَ لَهُ رَدُّ النِّصْفِ قُلْتُ وَعَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَا يَأْتِي هُنَا الْوَجْهَانِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ بِالْوَكَالَةِ فَذَلِكَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ قِسْمًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ وَكِيلُ الْبَيْعِ وَوَكِيلُ الشِّرَاءِ وَمُوَكِّلَاهُمَا وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ وَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ اثْنَانِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَقَدَّمَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ السِّتَّةَ عشر ستة في الفروع السنة الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ إذَا تَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ بِصُورَةِ الْأَرْبَعَةِ وَقِسْمَانِ مِنْ تَعَدُّدِ الِاثْنَيْنِ وَهُمَا تَعَدُّدُ الْوَكِيلَيْنِ وَتَعَدُّدُ الْمُوَكِّلَيْنِ وَبَقِيَتْ عَشَرَةٌ مِنْهَا اتِّحَادُ الْجَمِيعِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا وَالتِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ لَا يَخْفَى تَدَبُّرُهَا وَتَفْرِيعُهَا عَلَى الْفَقِيهِ وَإِذَا أَخَذَ مَعَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ تَعَدُّدَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَاتِّحَادِهَا كَانَتْ الْأَقْسَامُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَرْعًا وَيَحْتَاجُ الْفَقِيهُ فِي حُكْمِ كُلٍّ مِنْهَا وَتَفْرِيعِهِ إلَى تَيَقُّظٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* فَأَمَّا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِوَكَالَةٍ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَقَطْ فَسِتَّةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً لِأَنَّ الْعَاقِدَ لِنَفْسِهِ إمَّا وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْوَكِيلُ مَعَ مُوَكِّلِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ صَارَتْ ثَمَانِيَةً مَضْرُوبَةً فِي تَعَدُّدِ الْمَبِيعِ وَاتِّحَادِهِ فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فِي الْبَائِعِ وَمِثْلُهَا فِي الْمُشْتَرِي وَقَبْلَهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَقَبْلَهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ ثَمَانِيَةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَفْصِلَ فِيهِ الثَّمَنَ أولا وَلَوْلَا التَّطْوِيلُ لَذَكَرْت كُلَّ صُورَةٍ مِنْ ذَلِكَ وحكمها
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 193)
________________________________________
وَمَا يَقْتَضِيهِ التَّفْرِيعُ فِيهَا وَلَكِنَّ مَعْرِفَةَ الْأَصْلِ كَافِيَةٌ لِلتَّبْيِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ تَعَدُّدَ الْمَبِيعِ وَاتِّحَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* هَذَا كُلُّهُ إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ جَرَى بِصِيغَتَيْنِ فلكل منهما حكمهما وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى كُلٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فان مات من له الخيار انتقل إلى وارثه لانه حق لازم يختص بالمبيع فانتقل بالموت إلى الوارث كحبس المبيع إلى أن يحضر الثمن)
*
** (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ لَازِمٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْحُقُوقِ الْجَائِزَةِ الَّتِي تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَخِيَارِ الْقَبُولِ وَخِيَارِ الْإِقَالَةِ وَخِيَارِ الْمُكَاتَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ احْتِرَازٌ مِنْ خِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْعَيْبِ فِي الْمَنْكُوحَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَجَعَلَهُ احْتِرَازًا مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ وقبل التمكن من الرد أو بحدث الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي وَيُقَدِّرُ ثُبُوتَهُ لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِ خِيَارِ الْعَيْبِ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَلَّ مَنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا وَلَكِنْ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ حَيْثُ يَذْكُرُونَ الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقِيسُونَهُ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ
*
* (قَاعِدَةٌ)
* الْحُقُوقُ فِي الْمُهَذَّبِ (مِنْهَا) مَا يُورَثُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) مالا يُورَثُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) مَا فِيهِ خِلَافٌ وَجُمْلَةُ مَا يَحْضُرُنِي مِنْ الْحُقُوقِ الْآنَ خِيَارُ الرَّدِّ بالعيب وخيار الشفعة وخيار الفاس وَحَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَخِيَارُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَخِيَارُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْعِتْقِ وَخِيَارُ الْخُلْفِ وَحَقُّ الْحَجْرِ وَحَقُّ اللُّقَطَةِ وَحَقُّ الْمُرُورِ وَالِاخْتِصَاصُ بِالْكَلْبِ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِمَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ وَقَبُولُ الوصية وحق القصاص وحد القذف والتعذير وخيار الرؤية إذا أثبتناه والتحالف والعارية والوديعة وَالْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْوَقْفُ وَالْوَلَاءُ وَالْخِيَارُ فِي النِّكَاحِ خِيَارُ الْقَبُولِ وَخِيَارُ الْإِقَالَةِ وَخِيَارُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 194)
________________________________________
الْوَكِيلِ وَحَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَحَقُّ الْأَجَلِ وَالتَّعْيِينِ وَالتَّبْيِينِ فِي إبْهَامِ الطَّلَاقِ وَفِي نِكَاحِ المشرك وتفسير الاقرار بالمجمل والله أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ قَطَعَ ابْنُ الْمُشْتَرِي يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَانْتَقَلَ الْإِرْثُ إلَى الِابْنِ الْقَاطِعِ هَلْ لَهُ الْخِيَارُ بِحَقِّ الْإِرْثِ قَالَ الرُّويَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْخِيَارَ عَنْ الْمُوَرَّثِ لَا عَنْ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فِي حَيَاةِ الْمُوَرَّثِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَإِنْ اخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا لِلْقَطْعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنْ فَسَخَ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَيَسْتَرْجِعُ الثَّمَنَ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَغْرَمُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ الحاقا للمماليك بالاموال
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ كَانَ له وارثان فاختار أحدهما أن يرد نصيبه دون الآخر لم يجز لانه تبعيض صفقة في الرد فلم يجز من غير رضا البائع كما لو أراد المشترى أن يرد بعض المبيع)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ أَحَدَ الِاثْنَيْنِ لَوْ سَلَّمَ نِصْفَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ إلَيْهِ وَبِأَنَّهُمَا قَائِمَانِ مَقَامَ الْمُوَرَّثِ وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ التَّبْعِيضُ وَهَذَا هُوَ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله واحترز بقول تَبْعِيضُ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَبِقَوْلِهِ الصَّفْقَةُ أَيْ الْوَاحِدَةُ عَنْ الْمُشْتَرِينَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَارِثِينَ بِرَدِّ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْعِرَاقِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ مُحْتَجًّا بِالصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا وَرِثَهُ اثْنَانِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَنَظَرَهُ ابْنُ الرفعة بقول فِي الرَّاهِنِ إذَا مَاتَ وَخَلَّفَ اثْنَيْنِ فَوَفَّى أَحَدَهُمَا مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ أَنَّهُ يَنْفُذُ نَصِيبُهُ وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ (وَإِذَا قُلْنَا) بِهِ فَلَا أَرْشَ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ لِلَّذِي مَنَعْنَاهُ مِنْ الرَّدِّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَى ابْنِ الْحَدَّادِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَمَا بِالتَّلَفِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ لِعَدَمِ الْيَأْسِ فَإِنَّهُ يَرْجُو مُوَافَقَةَ صَاحِبِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ إنْ حَصَلَ الْيَأْسُ بِأَنْ عَلِمَ الْآخَرُ بِالْعَيْبِ وَأَبْطَلَ حَقَّهُ أَوْ تَوَانَى مَعَ الْإِنْكَارِ رَجَعَ هَذَا بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو مُوَافَقَةَ صَاحِبِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ حُضُورِهِ مَعَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ فَلَا وَهَذَا مِنْ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يَجِبُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 195)
________________________________________
الْأَرْشُ مُطْلَقًا وَإِنْ حَصَلَ الْيَأْسُ لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَجَزَمُوا بِهِ وُجُوبُ الْأَرْشِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلْيَكُنْ قَوْلُ الْقَاضِي مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ تَنْزِيلَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلَّتُهُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي تُرْشِدُ إلَى أَنْ مَحَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْيَأْسِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَ الرَّدِّ وَقَوْلَ أَخْذِ الْأَرْشِ وَقَوْلَ التَّفْصِيلِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَسَبَهُ إلَى الْقَفَّالِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَطَعَ حَالَةَ الْيَأْسِ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ حَالَةَ عَدَمِ الْيَأْسِ لِوُجُودِ التَّعَذُّرِ وَالْكَلَامُ فِي الْوَارِثِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ أَجَازَ تَعْيِينَهُ فِيمَا إذَا وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا بِالشِّرَاءِ وَمَنَعْنَا كُلًّا مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ مِنْ الِانْفِرَادِ بِرَدِّ نَصِيبِهِ فَهَلْ لَهُ الْأَرْشُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في مسألة الوارثين ثلاثة أوجه
(أصحهما) لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ إنْ أَيِسَ
(وَالثَّانِي) لَا يَرُدُّ الْأَرْشَ
(وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ وَقَوْلُنَا هُنَا عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ أَيْ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ أَوْ لِلْبَائِعِ أَنْ يسقطه بالرضي بالرد لذى ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَكَذَلِكَ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِينَ بِأَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطَى نِصْفَ الْأَرْشِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ هُوَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ أَيْ إنْ لَمْ يُوَافِقْ الْبَائِعُ عَلَى الرَّدِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ عَيْنًا رَضِيَ الْبَائِعُ أَوْ سَخِطَ وَيُعَضِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ مَنْسُوبٌ إلَى ابْنِ الْحَدَّادِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَائِلٌ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ إنَّهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ الْأَرْشَ يُجْبَرُ الْبَائِعُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا إذا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ وَسَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ مُطْبِقًا عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّا إنْ جَعَلْنَا الْمَانِعَ كَوْنَ الصَّفْقَةِ مُتَّحِدَةً وَلَا يُقْبَلُ التَّفْرِيقُ شَرْعًا فَيَمْتَنِعُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ عينا وليس للبائع الرضى بِالرَّدِّ وَإِسْقَاطِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ (وَإِنْ) جَعَلْنَا الْمَانِعَ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ لِلْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ فَإِذَا رَضِيَ بِالرَّدِّ فَقَدْ رَضِيَ بِحُصُولِ الضَّرَرِ لَهُ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ (وَأَمَّا) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي مَسْأَلَةِ الِاثْنَيْنِ وَالْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ إذَا مَنَعْنَا أَحَدَهُمَا عَنْ الِانْفِرَادِ أَنَّهُ حَصَلَ الْيَأْسُ عِنْدَ رَدِّ الْآخَرِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ الْأَرْشُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَكَذَلِكَ عَلَى الاصح فاما جزمه بالارش عند
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 196)
________________________________________
اليائس الْحَقِيقِيِّ فَجَيِّدٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي يُوهِمُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ وَتَأْوِيلَهُ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْيَأْسَ عَنْ رَدِّ الْآخَرِ بِأَنْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ الْأَرْشُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلِذَلِكَ يَحْصُلُ برضى الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُوَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدَّمْته عَنْهُ أَنَّ الْيَأْسَ بِإِعْتَاقِ الْآخَرِ وَهُوَ مُعْسِرٌ (وَأَمَّا) الرِّضَا فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهِ خِلَافًا عَنْ الْإِمَامِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صاحبه وضمه إلى نصيبه وأراد رَدَّهُ وَالرُّجُوعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ (إنْ قُلْنَا) لَا وَجَبَ الْأَرْشُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ فَقَطْعُهُ هُنَا بِأَنَّ الرِّضَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَأْسُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ هُنَاكَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ الْأَرْشِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الرِّضَا فَهُوَ فِيهِ مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَأْخَذِ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ وَهَلْ هُوَ الْيَأْسُ أولا وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عنه وسأذكره عندما إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا أَوْجَبْنَا الْأَرْشَ لِلْمَمْنُوعِ مِنْ الرَّدِّ فَهَلْ هُوَ أَرْشُ النِّصْفِ أَوْ نِصْفُ الْأَرْشِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الِاثْنَيْنِ (الثَّانِي) وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ وَأَحَدُ الْوَارِثَيْنِ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ الْأَرْشَ كَامِلًا فَيَسْتَحِقُّ أَحَدُ وَارِثِيهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ نِصْفَهُ (وَأَمَّا) أَحَدُ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ فَمِنْ حَيْثُ كَوْنُ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِالْوَكِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ لنسبة مسألة لاثنين وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لَا يَتَلَقَّيَانِ اسْتِحْقَاقَ الْأَرْشِ مِنْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يَنْقَسِمَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْشُ نُقْصَانِ مِلْكِهِ وَقَدْ يَكُونُ أَرْشُ النِّصْفِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْأَرْشِ لِأَنَّا نُثْبِتُهُ مِنْ قِيمَةِ النِّصْفِ وَقِيمَةُ النصف أقل من نصف القيمة
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وُجِدَ العيب وقد زاد المبيع نظرت فان كانت لزيادة لا تتميز كالسمن واختار الرد رد مع الزيادة لانها لا تنفرد عن الاصل في الملك فلا يجوز أن ترد دونها
*
* (الشَّرْحُ)
* الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ كَالسِّمَنِ وتعلم العبد الحرفة والقرآن وكبر الشجر وكثرة أغصانها نابعة يرد الاصل ولا شئ عَلَى الْبَائِعِ بِسَبَبِهَا وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ زَائِدَةً وَأَوْرَاقُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 197)
________________________________________
شَجَرَةِ الْفِرْصَادِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّهَا كَالْأَغْصَانِ أَوْ كَالثِّمَارِ وَأَوْرَاقُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ كَالْأَغْصَانِ قَالَهُمَا الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اشْتَرَى غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَى ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَنْ النَّسِيجِ وَبَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ لِأَنَّ النِّسَاجَةَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْبَائِعَ إنْ بَذَلَ الْأُجْرَةَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مَنْسُوجًا وَإِنْ امْتَنَعَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّ النِّسَاجَةَ زِيَادَةُ عَمَلٍ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إمْسَاكِ الْمُشْتَرِي وَطَلَبِ الْأَرْشِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ قَوْلًا ثَانِيًا بَلْ يَتَحَرَّرُ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ نَقُولَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَبَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ كَانَ لِلْبَائِعِ دَفْعُ أُجْرَةِ النَّسْجِ وَالرَّدِّ فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى دَفْعِ الْأَرْشِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ شيئا بصنعه بِأَنْ كَانَتْ دَارًا فَعَمَرَهَا أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ إنْ أَمْكَنَهُ نَزْعُ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ نَزَعَهَا وَرَدَّ الْأَصْلَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَرُدَّهُ وَيَبْقَى شَرِيكًا فِي الزِّيَادَةِ رَدَّ وَإِنْ امْتَنَعَ أَمْسَكَهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ وَسَيَأْتِي فَرْعٌ طَوِيلٌ فِي الصَّبْغِ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هُنَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عند الكلام فيما إذا نقص المبيع
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَتْ زيادة منفصلة كاكساب العبد فله أن يرد ويمسك الكسب لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ رجلا ابتاع غلاما فاقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استغل غلامي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخراج بالضمان ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا مُطَوَّلًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُخْتَصَرًا فَالْمُطَوَّلُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزنجي شيخ الشافعي عن هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ كَذَلِكَ رَوَاهُ الشافعي في الام ورواه الائمة المذكورة وَقَدْ وَثَّقَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ يَسْأَلُهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فَقَالَ ثِقَةٌ وَكَذَلِكَ قَالَهُ فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ عَنْهُ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ عنه
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 198)
________________________________________
إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَقِبَ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ هَذَا إسْنَادٌ لَيْسَ بِذَاكَ (وَأَمَّا) الْمُخْتَصَرُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِصَّةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ " رَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عن هشام رواه عَنْهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَ مُسْلِمًا عَلَى رِوَايَتِهِ هَكَذَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ رواه الترمذي عن أبي سملة يحيى بن خلف الحويارى وَهُوَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلِذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَقَدْ رُوِيَ مُخْتَصَرًا أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ هِيَ أَشْهَرُ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ أحسن وأصح عن مخلد بن حبان عَنْ عُرْوَةَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ رواه المختصر عن من لَا يُتَّهَمُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَفِي الام عن سعيد بن سالم عن ابن أَبِي ذُؤَيْبٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وَالنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ جِهَةِ جماعة عن ابن أَبِي ذُؤَيْبٍ عَنْ مَخْلَدٍ وَعَنْ مَخْلَدٍ قَالَ ابْتَعْتُ غُلَامًا فَاسْتَغْلَيْتُهُ ثُمَّ ظَهَرْتُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَخَاصَمَتْهُ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز فقضي له برده وقضى على بِرَدِّهِ وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَرُوحُ إلَيْهِ الْعَشِيَّةَ فَأُخْبِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَعَجِلْتُ إلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ مَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقَالَ عُمَرُ فَمَا أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ قَضَاءٍ قَضَيْتُهُ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا الْحَقَّ فَبَلَغَنِي فِيهِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَاحَ إلَيْهِ عُرْوَةُ فَقَضَى لَهُ أَنْ أَخْذَ الْخَرَاجِ مِنْ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيَّ لَهُ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي مَخْلَدٍ وَإِسْنَادِهِ هَذَا فَقَالَ الْأَزْدِيُّ مَخْلَدُ بْنُ خُفَافٍ ضَعِيفٌ وَسَيِّدُ أَبُو حَاتِمٍ عنه فقال لم يرد عَنْهُ غَيْرَ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَلَيْسَ هَذَا إسنادا يقوم بِهِ الْحُجَّةُ يَعْنِي الْحَدِيثَ وَعَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَا أَعْرِفُ لِمَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَقُلْتُ لَهُ فَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هشان ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقال انما رواه مسلم ابن خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَهُوَ رَاهِبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بعد روية المقدمي استغرب محمد ابن إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ قُلْتُ يَرَاهُ تَدْلِيسًا قَالَ لَا وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَضَيْتَ بِالصِّحَّةِ عَلَى الْحَدِيثِ كرواية المقدمى لاسيما وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِانْتِفَاءِ التَّدْلِيسِ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ غَرِيبَةً وَقَضَاءُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذَا كَانَ فِي زَمَنِ إمْرَتِهِ عَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 199)
________________________________________
الْمَدِينَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَتَفْسِيرُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيَسْتَغِلُّهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا فَيَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَنَحْوُ هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ يَكُونُ فِيهِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْخَرَاجُ الْغَلَّةُ يُقَالُ خَارَجْت غلامي إذا واقفته على شئ وَغَلَّةٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَيَكُونُ مخل بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَسْبِهِ وَعَمَلِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمِنْهُ خَرَاجُ السَّوَادِ لِأَنَّ الْفَلَّاحِينَ كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ عَنْ الْأَرْضِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَرَاجُ اسْمٌ لِمَا خَرَجَ من الشئ مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْخَرَاجُ اسْمٌ لِلْغَلَّةِ وَالْفَائِدَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْمَبِيعِ وَيُقَالُ لِلْعَبْدِ الَّذِي ضُرِبَ عَلَيْهِ مِقْدَارٌ مِنْ الْكَسْبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ مُخَارَجٌ قَالَ وَقَوْلُنَا الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَرَاجَ لِمَنْ يَكُونُ الْمَالُ يَتْلَفُ مِنْ مِلْكِهِ فَلَمَّا كَانَ الْمَبِيعُ يَتْلَفُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الضَّمَانَ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْقَبْضِ كَانَ الْخَرَاجُ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مِنْ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ تَلَفُهُ مِنْ مَالِهِ كَانَ خَرَاجُهُ لَهُ وَوِزَانُهُ أَنْ يَكُونَ خَرَاجُ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ وَتَلَفَهُ مِنْهَا مِنْ مَالِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ اعْتَذَرَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَفِي ذَلِكَ الموضع كان الشئ مِلْكًا لَهُ وَقَدْ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ مِلْكًا وَالضَّمَانُ مِنْهُ تَكُونُ الْغَلَّةُ له والمغصوب والمستعار والوديعة إذَا تَعَدَّى فِيهَا كُلَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا مِلْكَ فَلَمْ تَكُنْ الْغَلَّةُ لَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ أَنَّ الْخَرَاجَ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ وَالضَّمَانُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ لَا يَكُونُ الْخَرَاجُ لَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْأَزْهَرِيِّ عَلَى أَلْفَاظِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَاسْتَغَلَّهُ أَوْ اشْتَرَاهُ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ فَاسْتَغَلَّهُ زَمَانًا ثُمَّ عَثَرَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا مِنْ الْعَبْدِ وَهِيَ الْخَرَاجُ طَيِّبَةٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ مَاتَ مَاتَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانِهِ فَهَذَا مَعْنَى الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ غَلَطٌ لَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِنَا
* (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا حَكَيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْخَرَاجِ شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ بِالنَّصِّ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرِّسَالَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَاسَ مَا خَرَجَ مِنْ تَمْرِ حَائِطٍ وَوَلَدٍ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَنَّ الشَّاةَ المصراة إذا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 200)
________________________________________
رَضِيَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بِهَا بَعْدَ شَهْرٍ رَدَّهَا وَرَدَّ بَدَلَ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ مَعَهَا صَاعًا وَأَمْسَكَ اللَّبَنَ الْحَادِثَ قِيَاسًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ سريج وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وأبو إسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ مَالِكٌ فِي أَصْوَافِ الْمَاشِيَةِ وَالشُّعُورِ كَذَلِكَ وَقَالَ فِي أَوْلَادِ الْمَاشِيَةِ يَرُدُّهَا مَعَ الْأُمَّهَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُمْ نَاقَضُوا فَقَالَ فِي الْمُشْتَرَى إذَا كَانَتْ مَاشِيَةً فَحَلَبَهَا أَوْ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعَ بِالْأَرْشِ وَقَالَ فِي الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالْغُلَامِ الْغَلَّةُ لَهُ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ قُلْتُ قَسَّمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْحَاصِلَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَوَلِّدٍ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ مُتَوَلِّدًا مِنْهُمَا فَالْأَوَّلُ إمَّا مَنَافِعُ كَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَتِجَارَتِهِ وَمَا اعْتَادَ اصطياده واحتطابه واحتشاشه وقبوله الهدية والوصية ووجد أنه رِكَازًا أَوْ لُقَطَةً وَمَهْرِ الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ وَأُجْرَةِ الْمَبِيعِ إذَا أَجَّرَهُ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَكُلُّ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ نَادِرًا كَانَ أَوْ مُعْتَادًا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِهِ وَيُمْسِكَهُ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ وَحْدَهُ وَيَسْتَرْجِعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ هَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَعَنْ الرَّافِعِيِّ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قبل القبض أن الوهوب وَالْمُوصَى بِهِ وَالرِّكَازَ وَالْكَسْبَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 201)
________________________________________
عَلَى الْخِلَافِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مَا يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ عند التلف وقد حكى عن عثمان الليثى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ غَلَّةِ الْعَبْدِ حَقَّهُ
* وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَيَرُدُّ الْهِبَةَ الَّتِي وُهِبَهَا أَيْضًا وَكَانَ شُبْهَتُهُمَا أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَسَيَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ رَدَّ الْكَسْبَ وَالْغَلَّةَ وَجَمِيعَ مَا لَيْسَ مِنْ غَيْرِ الاصل مع
الاصل وإن رد بعد الْقَبْضِ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ أُجْرَةِ اسْتِخْدَامِهِ لِلْعَبْدِ وَتِجَارَتِهِ لَهُ وَسُكْنَى الدَّارِ وَمَرْكُوبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هِيَ مَنَافِعُ مَحْضَةٌ لَا أَعْيَانَ فِيهَا
* وَلَوْ قَالَ إنَّ الْفَسْخَ برفع العقد من أصله ووجه الاعتذار عن ذَلِكَ لَعَلَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فائدة لآخر)
* الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامَيْنِ - بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ - وَضَبَطَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ - بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَمِيمٍ بَعْدَهَا وَتَخْفِيفِ اللام - وكل ما ذكره في العبد فمثله في الامة إلا الوطئ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِلَى هذا القسم أشار المصنف رحمه الله بقول اكْتِسَابُ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ سُكْنَى وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ كُلُّ ذَلِكَ أَدْخَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي اسْمِ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ لَا يَشْمَلُهُ اسْمُ الزَّوَائِدِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وأما المتولد من الغير فسيأتي حكمه في كلام المصنف
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ المبيع بهيمة فحملت عنده وولدت أو شجرة فأثمرت عنده رد الاصل وأمسك الولد والثمرة لانه نماء منفصل حدث في ملكه فجاز أن يمسكه ويرد الاصل كغلة العبد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْفَوَائِدُ الْحَاصِلَةُ أَعْيَانًا مُتَوَلَّدَةً مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَوْرَاقِ الْفِرْصَادِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ (مَذْهَبُنَا) أَنَّهُ يُمْسِكُ الثِّمَارَ وَالْفَوَائِدَ الْحَاصِلَةَ وَيَرُدُّ الْأَصْلَ بِالْعَيْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ نَقَصَ بِذَلِكَ يَعْنِي فَلَا يُغَيِّرُهُ وَبِهِ قَالَ أحمد (وقال) أبو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ (وَقَالَ) مَالِكٌ يَرُدُّ مَعَ الْأَصْلِ الزِّيَادَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْوَلَدُ وَلَا يَرُدُّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالثَّمَرَةِ بَلْ يَرُدُّ الْأَصْلَ وَحْدَهُ فَوَافَقْنَا عَلَى الرَّدِّ وخالفنا في
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 202)
________________________________________
إمساك النتائج
* وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خَالَفَنَا فِي الرَّدِّ وَمُعْتَمَدُنَا فِي جَوَازِ الرَّدِّ وُجُودُ الْعَيْبِ
* وَفِي إمْسَاكِ الْفَوَائِدِ الْحَدِيثُ فَإِنَّ الْخَرَاجَ يَشْمَلُ كُلَّ مَا خَرَجَ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً وَقَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ تَشْمَلُ الثَّمَرَةَ وَغَيْرَهَا
* وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ الدَّلِيلَ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسَ عَلَى غَلَّةِ الْعَبْدِ
الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا
* وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِيهَا مُطْلَقًا وَمُعْتَمَدُ الْمُخَالِفِينَ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يَنْبَنِي عَلَيْهَا فُرُوعُ هَذَا الْفَصْلِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا وَالْمَذْهَبُ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ العقد لا ينعلف حُكْمُهُ عَلَى مَا مَضَى فَكَذَلِكَ الْفَسْخُ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ انْفَسَخَ مِنْ الْأَصْلِ لَسَقَطَتْ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَ الْجَارِيَةِ فَأَعْتَقَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ بِهِ وَلَوْ كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لَبَطَلَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ
* وَفِيهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ إنْ اتَّفَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ضَعِيفٌ بَعْدُ فَإِذَا فُسِخَ فَكَأَنَّهُ لَا عَقْدَ يُخَالِفُ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَى سَبَبِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ مُلْحَقٌ بِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ فِي الضَّمَانِ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ مُطْلَقًا تَخْرِيجًا مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ بِعَيْبٍ حَدَثَ بَعْدَ الْمُنْتَبَشِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ هَكَذَا وَهُوَ فِي التَّتِمَّةِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا وَمُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِالْإِطْلَاقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ (وَأَمَّا) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَالطَّارِئِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَفِي التَّتِمَّةِ تَوْجِيهُ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَارَنَ الْعَقْدَ وَهُوَ الْعَيْبُ فَيَسْتَنِدُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا مِنْ كَلَامٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَفِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا فَسَخَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ الْفَسْخُ تَفْرِيعًا عَلَيْهَا إلَى وَقْتِ حُدُوثِ الْعَيْبِ لَا إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ (قُلْتُ) وَهَذَا جَوَابُهُ مَا قَدَّمَهُ هُوَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَالطَّارِئِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ قَبْلَ الْقَبْضِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 203)
________________________________________
فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلَوْ ثَبَتَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لَزِمَ إثْبَاتُ وَجْهٍ بِاسْتِنَادِ الْفَسْخِ إلَى حَالَةِ حُدُوثِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ
أَمْ بَعْدَهُ ولا نعلم من قال به في شئ مِنْ الْحَالَتَيْنِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من أصله وأما بعد القبض فان كَانَ بِالتَّرَاضِي فَيَرْفَعُهُ مِنْ حِينِهِ وَإِنْ كَانَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَيَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَسْتَنِدُ إلَى الْأَصْلِ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ
* وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَجَعَلُوا الرَّدَّ فِي كَوْنِهِ رَافِعًا مِنْ حِينِهِ مَقِيسًا عَلَى الْإِقَالَةِ ثُمَّ قَالُوا لَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَأَبْطَلَ حَقَّ الشَّفِيعِ وَهُوَ لَا يُبْطِلُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ
* إذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ فَلِذَلِكَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهُ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ كَالْإِقَالَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَمَّا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ جَبْرٌ لَهُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّ النَّمَاءَ الْحَادِثَ لَكِنَّا أَجْمَعْنَا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ النَّمَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ وَأَيْضًا قَالُوا لَا يَجُوزُ رَدُّهُ بِدُونِ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ كَالْمُتَّصِلِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْرِي قَوْلَهُ فِي رَدِّ الْوَلَدِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الزَّوَائِدِ وَالثَّمَرَةُ أَوْلَى بِالرَّدِّ إذَا كَانَتْ مؤجرة حِينَ الرَّدِّ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ وَالْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ فَلَمَّا وَافَقَ عَلَى عَدَمِ رَدِّهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي النِّتَاجِ
* وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْكَسْبِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ وَالنِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ يَجُوزُ الرَّدُّ وَبَقِيَّةُ الْأَكْسَابِ لَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَ مَا قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ هُنَا يُمْنَعُ الرَّدُّ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ بَلْ كان اللائق بأصله أن يستوى بَيْنَ الْجَمِيعِ وَأَنْ يَجُوزَ الرَّدُّ وَيَرُدَّ الزَّوَائِدَ كُلَّهَا (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ مَبِيعَةٌ تَبَعًا لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْمِلْكِ فِيهَا إلَّا سِرَايَةُ الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ مَبِيعٌ فَيَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهَا عَلَى صِفَتِهِ وَمَعَ هَذَا الْأَصْلِ لَا يُحْتَاجُ فِي رَدِّ الْفَوَائِدِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَى الْوَلَدِ مَعَ الْأَصْلِ وَهَذَا قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَبِهِ تَتَمَسَّكُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ سِرَايَةَ الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ مَبِيعٌ فَيَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهِ (١) حَاصِلَةٌ وَلَكِنَّ سِرَايَةَ الْعَقْدِ لَا مَعْنَى لَهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَرْجِعُ إلَى وَصْفِ الْمَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ الا كونه مقابلا بالثمن بحكم صيغة العقد وهذه
________________________________________
(١) بياض بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 204)
________________________________________
الْمُقَابَلَةُ لَمْ تُحَصِّلْ الزِّيَادَةَ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ مَسَائِلُ الْأَوْلَادِ فِي الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ أَمَّا ولد المرهونة فليس مرهون عِنْدَنَا فَإِنَّ التَّوَثُّقَ بِالْمَرْهُونِ لَا يَرْجِعُ إلَى صِفَةٍ فِيهِ وَوَلَدُ الْمَرْهُونَةِ لَيْسَ مَرْهُونًا بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى حَقَّ الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ سُلْطَةٌ لِلْمُنْعِمِ فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ وَلَمْ يُنْعِمْ إلَّا بِالْأُمِّ وَالْوَلَدُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الْمَوْهُوبِ يَسْرِي إلَيْهِ مِلْكُ الْهِبَةِ لَا عَقْدُ الْهِبَةِ وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَعِيبَةِ وَوَلَدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ كَأُمِّهِمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ نَقَصَ بِالِاسْتِيلَادِ وَصَارَ ذَلِكَ وَصْفًا لَهَا وَالشَّاةُ صَارَتْ كَالْمُسْلَمَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وَجْهٍ وَكَالنَّاقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا رَاجِعٌ لِصِفَتِهَا وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ فِيهِمَا اختلاف قول ومنشأه التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ نُقْصَانَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ هَلْ يُضَاهِي النُّقْصَانَ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ أَمْ يُقَالُ الْكِتَابَةُ حَجْرٌ لَازِمٌ كَالْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ
* فَتَبَيَّنَ بهذا أنه انما يسرى لى الْوَلَدِ مَا كَانَ وَصْفًا لِلْأُمِّ وَالْخَصْمُ يَرُدُّ ذلك في الراهن والبيع إلى صفة في المحل ويزعم أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ كَالتَّضْحِيَةِ وَالِاسْتِيلَادِ
* فَهَذَا فصل مقيد فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَالنَّظَرُ فِي الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دَقِيقٌ وَالطَّرِيقُ فِيهِ مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا تَمَهَّدَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَبِيعَةً بَطَلَ الْقَوْلُ بِرَدِّ النِّتَاجِ وَالْأَكْسَابِ وَبَطَلَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا وَبَطَلَ مَنْعُ الرَّدِّ بِسَبَبِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَبِيعَةً فَالْبَيْعُ هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَلْيَجُزْ لَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ كَمَا إذَا هَلَكَتْ هَذِهِ الزَّوَائِدُ
* ثُمَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مَزِيدُ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَبِيعًا فَلْيَرُدَّ الاصل معها كما قاله مالك وكما قاله أَبُو حَنِيفَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبِيعًا فَامْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِهِ لَا مَعْنَى لَهُ
* وَعِنْدَ هَذَا قَدْ تَمَّ النَّظَرُ فِي مَذْهَبِنَا
* هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَأْخَذِ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَوْلَادِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَهِيَ وَلَدُ الْمَرْهُونَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ والمدبرة والمعنقة بصفة والاضحية والمدبرة والجانية والضامنة والشاهدة والوديعة وَالْعَارِيَّةُ وَالْمُسْتَأْجَرَة وَالْمَغْصُوبَةُ وَالْمَأْخُوذَةُ بِالسَّوْمِ وَالْمُوصَى بِهَا وَالزَّكَاةُ وَإِنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُصُولِ إلَى الرَّهْنِ أَذْكُرُ تَفْصِيلَهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ أُكْمِلُ
* وَهَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الرَّدَّ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ يدل علي أحد أمرين إما ضعف الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَإِمَّا أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَحْثِ مع أبى حنيفة وكلام الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مَا يُشْعِرُ بِالْمُلَازَمَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 205)
________________________________________
بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ طَرْدِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ يُضْعِفُهُ (الثَّانِي) أَنَّ مُقْتَضَى الْقَوْلِ بِرَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَنْ يَرُدَّ الزَّوَائِدَ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ حَكَوْا قَوْلَيْنِ فِي رَدِّ الزَّوَائِدِ إنْ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَنَوْهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَرُدُّ وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَرُدُّ (أَمَّا) إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يَقُولُ بِرَدِّ الزَّوَائِدِ وَمُقْتَضَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي نَقَلَهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنْ يُجْرَى الْخِلَافُ فِيهَا أَيْضًا وَابْنُ الرِّفْعَةِ اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَعَلَّ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ أَطْلَقَهُ يُرِيدُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ حَيْثُ تَكَلَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِيهِ وَفِي الصَّدَاقِ وَهُوَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى حِينِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّدِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ بَلْ جَزَمُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ بِأَنَّ الزَّوَائِدَ لِلْبَائِعِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي أَحْوَجَهُمْ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ اسْتِقْرَارُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِقْرَارُ مَعْقُودٌ قَبْلَهُ (الثَّالِثُ) أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَازِمٌ بِعَدَمِ رَدِّ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا تَقَدَّمَ لكن طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْقَطْعِ بِعَدَمِ رَدِّ الزَّوَائِدِ وَأَنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي طَرِيقَةِ غَيْرِهِمْ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِهِمْ أَيْضًا كَمَا جَزَمُوا بِهِ (الرَّابِعُ) قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّدَّ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَرُدُّ مَعَهُ الزَّوَائِدَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوَائِدِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَاَلَّتِي حَصَلَتْ قَبْلَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الزَّوَائِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْوَجِيزِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ يُسَلِّمُ الزَّوَائِدَ لِلْمُشْتَرِي إنْ حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَصَلَتْ قَبْلَهُ عَلَى أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَحَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ طُغْيَانُ قَلَمٍ بِزِيَادَةِ التَّاءِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ حَصَلَ أَيْ الرَّدُّ وَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ (الْخَامِسُ) فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَقِيلَ مِنْ أَصْلِهِ وَفِي عِبَارَةِ آخَرِينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ أَنَّ الرَّدَّ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَلَا يستند ارتفاع العقد لى ما تقدم وفى عبارة الماوردى شئ مِنْهُ وَيُعْرَضُ فِي ذَلِكَ بَحْثَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَلْ الرفع من حينه والقطع بمعنى واحدا أولا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ أَصْلِهِ هَلْ مَعْنَاهُ تَبَيُّنُ عَدَمِ الْعَقْدِ أَوْ الْمِلْكِ أَمْ لَا (وَالْجَوَابُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالرَّفْعُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 206)
________________________________________
وَالْقَطْعُ لَيْسَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنَّ الْقَطْعَ صَادِقٌ عَلَى قَطْعِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ وَقَطْعِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وكثير من أسباب الانتقالات ولا يسمى شئ مِنْ ذَلِكَ رَفْعًا وَالرَّفْعُ مِنْ حِينِهِ يُسَمَّى قَطْعًا لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِهِ الْمِلْكُ حَقِيقَةً فَالرَّفْعُ مِنْ حِينِهِ أَخَصُّ مِنْ الْقَطْعِ فَكُلُّ رَفْعٍ مِنْ حِينِهِ قَطْعٌ وَلَيْسَ كُلُّ قَطْعٍ رَفْعًا ولذلك وقع في كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَاوَرْدِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَسْمِيَتُهُ بِالْقَطْعِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْقَطْعِ الَّذِي لَيْسَ بِرَفْعٍ أَنَّ الرَّفْعَ مَعْنَاهُ إبْطَالُ أَثَرِ الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتِصْحَابُ مَا كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى إنَّ الْمِلْكَ الْعَائِدَ بَعْدَ الْفَسْخِ مِنْ آثَارِ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ وَلَيْسَ مِلْكًا جَدِيدًا بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَسَائِرُ أَسْبَابِ الِانْتِقَالَاتِ فَإِنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ مِلْكًا جَدِيدًا هُوَ مِنْ آثَارِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَلَيْسَ أَثَرُ السَّبَبِ سَابِقًا وَلَا بطل الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى هَذَا انْتِقَالٌ بَلْ هَذَا الِانْتِقَالُ بِالْبَيْعِ هُوَ مِنْ آثَارِ الشِّرَاءِ السَّابِقِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اشْتَرَى عَيْنًا فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَصْدُرُ مِنْهُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ شِرَائِهِ (وَأَمَّا) الْفَسْخُ فانه نقض لِشِرَائِهِ وَإِبْطَالٌ لَهُ (وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّ الْفَسْخَ مِنْ الْأَصْلِ هَلْ مَعْنَاهُ تَبَيُّنُ عَدَمِ الْمِلْكِ فَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ لَا بِمَعْنَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجَدْ فان العقد موجود حسا بل بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ ارْتِفَاعُ أَثَرِهِ وَأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ وَهَذَا بِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ السَّبَبَ الرَّافِعَ لِلْعَقْدِ هُوَ الْفَسْخُ فَكَيْفَ يَتَقَدَّمُ الْمُسَبَّبُ عَلَى سَبَبِهِ وَلَا يَخْلُصُ من ذلك أن نقول إنه بطريق التبين لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ قَدْ وجد مستجعا لِشَرَائِطِهِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمَ طَرَيَانِ الْفَسْخِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا غَايَةَ لَهُ وَلَا يَرْتَبِطُ الْحُكْمُ بِهِ وَلَا يَشُكُّ أَنَّ الْمِلْكَ حَاصِلٌ الْآنَ إذَا جُمِعَتْ شُرُوطُهُ وَلَا يُوقَفُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ عَدَمُ الْمِلْكِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ رَدُّ أُجْرَةِ لاستخدام وَسُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ بَلْ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِلْكِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَقَامَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِهِ سَوَاءٌ فَوَّتَهَا أَمْ فَاتَتْ بِنَفْسِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَقَدْ أَبَاحَهُ لَهُ الْبَائِعُ لَكِنَّا نَقُولُ إنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَهُ وَأَذِنَ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ هَذَا وَالْعَقْدُ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِبَاحَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَ ارْتَفَعَتْ وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْهِبَةِ الَّتِي وُهِبَتْ لَهُ إذَا اشْتَرَطَا إذْنَ
السَّيِّدِ فِي الْقَبُولِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ وَأَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْوَاطِئِ وَأَمَّا قَبْضُهُ الْمُشْتَرَى مِنْهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ صَيْدٍ وَحَطَبٍ وَحَشِيشٍ وَاسْتَهْلَكَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْبَائِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الزَّوَائِدَ الْهَالِكَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 207)
________________________________________
الرَّدِّ وَأَنَّ امْتِنَاعَ بَقَاءِ الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَبِيعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهَذَا يُفْهِمُ أَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ الْقَوْلِ بَقَاءُ الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَا سَبَبَ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لَيْسَ هُوَ بِطَرِيقِ السله بَلْ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ أَوْ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ بِالْإِضَافَةِ أَوْ إلَى حِينِهِ أَيْ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِحُكْمِ ارْتِفَاعِ جُمْلَةِ آثَارِ الْعَقْدِ وَمِنْ جُمْلَةِ آثَارِهِ مِلْكُ النِّتَاجِ وَالْكَسْبِ الْمَوْجُودِ فَيَرْتَفِعُ الْمِلْكُ فِيهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيَعُودُ إلَى الْبَائِعِ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ ارْتِفَاعُ جُمْلَةِ آثَارِهِ مِنْ الْآنَ وَالْمُرَادُ بِارْتِفَاعِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَرْتَفِعُ آثَارُهُ وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ فَقَطْ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا يَسْبِقُ الذِّهْنُ إلَيْهِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الزَّوَائِدَ الْهَالِكَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَأَنَّ قَبُولَهُ الْهِبَةَ وَتَصَرُّفَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ وَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لِمَهْرِ الشُّبْهَةِ صَحِيحٌ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحِينَئِذٍ لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدَمُ وُجُوبِ أُجْرَةِ الِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ وَلَمْ أَجِدْ الْأَصْحَابَ صَرَّحُوا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بشئ بَلْ كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي كَالصَّرِيحِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَكْسَابِ وَالْأَعْيَانِ الْحَادِثَةِ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ
* وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ الِاكْتِسَابُ وَالصَّيْدُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ بَلْ بِالْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ الرَّدُّ عِنْدَهُمْ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِهَا لَا تَجِبُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَلَكِنْ إنْ وَافَقُونَا عَلَى عَدَمِ لُزُومِ قِيمَةِ الْوَلَدِ الْهَالِكِ وَالْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ احْتَاجُوا إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ كَمَا احْتَجْنَا إلَيْهِ
* وَنَحْنُ إلَيْهِ أَحْوَجُ لِأَجْلِ عَدَمِ لُزُومِ أُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا تَمْنَعُ الزِّيَادَةُ الرَّدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا إذَا كَانَتْ حَادِثَةً مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ رَدُّ مَهْرِ الشُّبْهَةِ الَّذِي قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَعَهَا (السَّادِسُ) أن مقتضى قوله الخراج بالضمان تبيعة الْخَرَاجِ لِلضَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزَّوَائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ الْعَقْدُ أَوْ الْفَسْخُ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَالثَّانِي لَمْ يُقَلْ بِهِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهِيَ مَا إذَا حَصَلَ الرَّدُّ قَبْلَ القبض فما وجه تعطيب دَلَالَةِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَالْعَمَلُ
بِهَا فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي (وَالْجَوَابُ) أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا حَصَلَ فَسْخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ من ألفاظ الاحاديث لاسيما قَوْلُهُ قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَيَكُونُ الْخَرَاجُ مُعَلَّلًا بِالضَّمَانِ فِي الْمِلْكِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْبَائِعِ وَفِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ
* فَإِنْ قُلْتَ الْمَحَلُّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِعُ الضَّمَانُ فَيَجِبُ أَنْ يَدُورَ الْحُكْمُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا فَيَكُونُ الْخَرَاجُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ نَقْضٌ لِلْعِلَّةِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَوُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِهَا فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي
* قُلْتُ قَالَ الْغَزَالِيُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 208)
________________________________________
رَحِمَهُ اللَّهُ ذِكْرُ هَذِهِ الْعِلَّةِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِقَطْعِ اسْتِبْعَادِ السَّائِلِ كَوْنَ الْخَرَاجِ لِلْمُشْتَرِي وَقَبْلَ الْقَبْضِ مُعَلَّلٌ بِعِلَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الزَّوَائِدَ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ وَالْحُكْمُ قَدْ يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ يَعْنِي فَاقْتَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالضَّمَانِ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَقْطَعَ لِطَلَبِهِ فَإِنَّ الْغُنْمَ فِي مُقَابَلَةِ الْغُرْمِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الْمِلْكُ حَاصِلَةً وَلَكِنَّ نَفْسَ الْبَائِعِ تَنْقَادُ لِلْأُولَى أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعُ) أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ هل هو خاص بالرد بالعيب أو علم فِي سَائِرِ الْفُسُوخِ حَتَّى يُجْرَى فِي الْإِقَالَةِ والفسخ بالتحالف وَالْفَسْخُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطُ وَالِانْفِسَاخُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قبل القبض
* والجواب أن المشهور في هذه الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ هُنَا اخْتِصَاصُهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَنَّهُ لَا يُجْرَى فِي الْإِقَالَةِ وَلِذَلِكَ يَقِيسُونَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْإِقَالَةِ فِي كَوْنِهَا رَفْعًا لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ هُنَا بِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مُرَادَهُ الْفَسْخُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهُوَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَجْهَيْنِ فِي الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالزَّوَائِدُ مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَالَ وَطَرَدَهُمَا طَارِدُونَ فِي الْإِقَالَةِ إذَا جَعَلْنَاهَا فَسْخًا وَخَرَّجُوا عَلَيْهِمَا الزَّوَائِدَ
* قُلْتُ وَذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ فَلَعَلَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا هُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْخِلَافَ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَمْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا وَعَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ في يد المشترى في زمن الخيار (إن قُلْنَا) يَنْفَسِخُ ارْتَفَعَ هَهُنَا وَإِلَّا فَالْوَلَدُ هُنَا للمشترى وأما التحالف فمقتضى كلام صاحب التتمة في باب التحالف جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ أَيْضًا فَإِنْ خَرَجَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ إذَا جَرَى التَّخَالُفُ
بَعْدَ الْهَلَاكِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي طَرْدِ الْخِلَافِ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَإِنَّ فَرْضَ التَّخَالُفِ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ لا نرد الزَّوَائِدُ جَزْمًا كَمَا لَا تُرَدُّ هَهُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِالِانْفِسَاخِ مِنْ أَصْلِهِ بِالتَّخَالُفِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّخَالُفِ كَمَا هُوَ فِي التَّتِمَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِنْشَاءِ الْفَسْخِ وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ إذَا فُسِخَ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَكْسَابَ تَبْقَى لَهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ بِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِهِ يُجْرَى فِيهِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 209)
________________________________________
وَأَوْلَاهَا بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ زَمَانُ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَلْزَمْ وَأَبْعَدُهَا الْإِقَالَةُ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ أَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَيْسَتْ جَبْرًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ
* وَبَقِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ انْفِسَاخُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِالتَّفْرِيقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ هَلْ نَقُولُ انْفَسَخَ مِنْ أَصْلِهِ قطعا لِأَنَّ التَّقَابُضَ شَرْطٌ أَوْ نَقُولُ حُكْمُهُ حُكْمُ تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِيهِ نَعَمْ عُقِدَ السَّلَمُ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ جَارِيَةً مَثَلًا وَكَانَتْ مَعِيبَةً وَحَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَهَلْ نَقُولُ إنَّهُ فُسِخَ مِنْ حِينِهِ حَتَّى يُسَلَّمَ الْوَلَدُ للمسلم إلَيْهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْبَائِعِ قَطْعًا وَالْأَشْبَهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَنْبَطَ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ عَقْدِ الصَّرْفِ إذَا تَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَقَابَضَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الرِّبَا (الثَّامِنُ) أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْمَشْهُورَةَ هُنَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَلْ يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ رَفْعًا مِنْ حِينِهِ قَطْعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْجَازِمِينَ فِيمَا إذَا رَدَّ المسلم فيه بعيب وَكَانَ عَبْدًا اسْتَكْسَبَهُ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ رَدُّ الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّ الْكَسْبَ مَعَهُ فَمُقْتَضَاهُ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الضَّعِيفَةِ بِارْتِفَاعِهِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْخِلَافُ فِي السَّلَمِ مَشْهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ فِي بَابِ الرِّبَا
* (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي السَّلَمِ مَأْخَذُهُ أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ على أحد القولين في المسلم فيه مشروط بالرضا أو بعدم الرَّدِّ فَإِذَا رُدَّ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ أَصْلًا فَهَذَا
هُوَ الْقَائِلُ بِرَدِّ الْأَكْسَابِ وَالْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ ثُمَّ انْتَقَضَ بِالرَّدِّ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَرَدِّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَرُدُّ الْأَكْسَابَ وَهُوَ رَفْعٌ لِلْمِلْكِ مِنْ حِينِهِ عَلَى الطريقة المشهورة ويجئ فِيهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ رَدِّ الْكَسْبِ فَافْهَمْ تَرْتِيبَ هَذَا التَّفْرِيعِ فَإِنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ ذَكَرَا وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رُدَّ الْمُسْلَمُ بِعَيْبٍ هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَمُرَادُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ الْخِلَافُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَالتَّحْقِيقُ مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاقْتَضَى إشْكَالًا عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِمَّنْ قَطَعَ هُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ بِأَنَّهُ مِنْ حِينِهِ وَاقْتَضَى إشْكَالًا عَلَى جَمِيعِ الْأَصْحَابِ فِي قَطْعِهِمْ هُنَا بِأَنَّ الْأَكْسَابَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تَرْجِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعُ) الزِّيَادَاتُ الَّتِي وَقَعَ الْكَلَامُ فِيهَا مَشْرُوطَةٌ بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ حَصَلَ بِسَبَبِهَا نَقْصٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً بَعْدَ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ فَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً كَالْحَمْلِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 210)
________________________________________
فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَقِيَّةِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّالِثَةُ) أَنْ تَكُونَ انْفَصَلَتْ قَبْلَ الرَّدِّ كَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ الْمَجْزُوزِ وَاللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ أَوْ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ كَالثَّمَرَةِ إذَا أُبِّرَتْ أَمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا رَدَّهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِحَمْلٍ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ نَقُولُ إنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِعَيْبٍ أَوْ رَدَّ الشَّجَرَةَ وَقَدْ أَطْلَعَتْ طَلْعًا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ أَوْ الشَّاةَ وَقَدْ اشْتَرَاهَا وَلَا صوف عليها وهي مستفرغة الصوف فحدث عليها صوف لم يجذ أَوْ حَدَثَ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَلَمْ يُحْلَبْ فَمَا حُكْمُهُ (أَمَّا) مَسْأَلَةُ الْحَمْلِ فَنَقَلَ الْإِمَامُ فِيهَا قَوْلَيْنِ كَالْفَلَسِ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا بِرَدِّهَا لِذَلِكَ وَلَا يُسْلَمُ لَهُ الْحَمْلُ إنْ كَانَتْ عَلِقَتْ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَهُوَ كَالثَّمَنِ وَعَلَى ذَلِكَ يَنْزِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ فحبلت عنده ولدت فَجَعَلَ الْوِلَادَةَ شَرْطًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (إنْ قُلْنَا) يَأْخُذُ قِسْطًا بَقِيَ لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ أنه للبائع لاتصاله عند لرد (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَأْخُذُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَمَا ذكره القاضى حسين والقاضي أبو حَامِدٍ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْفَلَسِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ رَجَّحُوهُ فِي رُجُوعِ غَرِيمِ الْفَلَسِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ هُنَاكَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُقَابِلُهُ
قسط أولا لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ ذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَأْخَذِ لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ بِتَبَعِيَّةِ الْحَمْلِ إلَى الرُّجُوعِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَوْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ وَمَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ رَجَّحَ فِي الْفَلَسِ تَبَعِيَّةَ الثَّمَرَةِ وَالْحَمْلِ وَجَعَلَهُمَا سَوَاءً وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ أَوْلَى بِالِاسْتِقْلَالِ لِأَجْلِ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ فِي الْبَيْعِ مُتَتَبَّعَانِ فِي الْفَسْخِ وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ صَحَّ النَّظَرُ إلَى الْمُقَابَلَةِ بِالْقِسْطِ لَزِمَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الرُّجُوعُ فِي الْفَلَسِ إلَى الثَّمَرَةِ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْقِسْطِ قَطْعًا عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَدَعْوَى الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا أَنَّ الْحَمْلَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي أَخْذِهَا قِسْطًا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْحَمْلِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّهَا تَبْقَى لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَمْلَ نَقَصَ لِأَنَّهُ فِي الْجَارِيَةِ يَقِلُّ النَّشَاطُ وَالْجَمَالُ وَفِي الْبَهِيمَةِ يَنْقُصُ اللَّحْمُ وَيُخِلُّ بِالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ (فَإِذَا قُلْنَا) هَذَا أَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ وَلَكِنْ حَصَلَ بِالْحَمْلِ نَقْصٌ رَجَعَ بِالْأَرْشِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حامد وهل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 211)
________________________________________
لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهَا حَتَّى تَضَعَ وَيَرُدَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَنْقُصُهَا الْوِلَادَةُ نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الرَّدَّ فَحَبَسَهَا حَتَّى تَضَعَ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَمْلُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا لِأَخْذِ مِلْكِهِ مِنْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْحَمْلَ لِلْبَائِعِ مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ قَالَهُ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
* وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَإِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَضَعَ وَرَدُّهَا فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ إنْ رَدَّهَا وَهِيَ حَامِلٌ كَانَ الْحَمْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اخْتَارَ تَرْكَ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ فَرْقٌ الْجَرْيُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِالْحَمْلِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأُمَّ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مَرْدُودًا مَعَهَا لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتْبَعُ وَمِمَّنْ بَنَى الْحَمْلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُقَابَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ
* وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ لِاتِّصَالِهِ بِالْأُمِّ عِنْدَ الرَّدِّ هَذَا حُكْمُ الْحَمْلِ وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ فَفِيهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ وَلَا يُمْسِكُ
(وَالثَّانِي)
يُمْسِكُهَا أَوْ يَرُدُّ الْأَصْلَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَوَازُ إفْرَادِهَا بِالْبَيْعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ شَيْئًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا اقْتَضَاهُ تَخْرِيجُهُ لِلثَّمَرَةِ عَلَى الْحَمْلِ فَالْبَحْثُ مَعَهُ
فِيهِمَا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ هُنَا أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْ يَرُدَّهَا مَعَ الْأَصْلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الْأَظْهَرُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي عَيْنِ مَالِهِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ وَالرَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَارَ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَلِذَلِكَ قَالَ فَأَثْمَرَتْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِقَطْعٍ وَلَا تَأْبِيرٍ وَفِي الْفَلَسِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ
* وَأَمَّا اللَّبَنُ الْحَادِثُ فِي الضَّرْعِ أو الصوف الذى حدث بجزأيهما للمشترى وذكر القاضى هذه المسائل الاربعة فِي تَعْلِيقِهِ مُفَرَّقَةً فِي مَوْضِعَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّهُ يُرَدُّ الصُّوفُ تَبَعًا وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَفِي كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ مَا سَأَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْحَمْلَ يَنْدَرِجُ في المعاوضة قَوْلًا وَاحِدًا وَفِيمَا عَدَاهَا مِنْ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ قَوْلَانِ (فَالْأَظْهَرُ) فِي الرَّهْنِ الِانْدِرَاجُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ قِسْطًا وَفِي الْهِبَةِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالِانْدِرَاجِ وَالْإِمَامُ قَالَ إنَّ الْجَدِيدَ عَدَمُهُ وَفِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَنَاهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْمُقَابَلَةِ كَمَا فَعَلَ بِهَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الِانْدِرَاجِ فَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْبِنَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا إلَّا فِي الْفَلَسِ لَمَّا وَجَدَ مَيْلَ الْأَكْثَرِينَ وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 212)
________________________________________
فِيهِ إلَى خِلَافِهَا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ جَرَى فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْفَلَسِ عَلَى قَاعِدَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْبِنَاءِ فِي انْدِرَاجِ الْحَمْلِ فِي الرَّهْنِ وَهَذِهِ أُمُورٌ مُضْطَرِبَةٌ فَالْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجْرَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ جَرَيَانَهُ فِي الرَّهْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهِ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَهُوَ يُشْكِلُ عَلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ (إمَّا) أَنْ نَقُولَ إنَّ عَهْدَ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَسْتَتْبِعُ الحمل لقوته وَفَسْخِهِ لِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَسْتَمِرُّ نَصُّهُ الْمَنْقُولُ فِي الْفَلَسِ عَلَى الِاسْتِتْبَاعِ فِي الرُّجُوعِ (وَالْجَدِيدُ) الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي الْهِبَةِ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ يَكُونُ الْأَصَحُّ الِاسْتِتْبَاعُ فِي الرَّهْنِ (وَإِمَّا) أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا لِكَوْنِهِ جزءا أولا (وَأَمَّا) الصُّوفُ وَاللَّبَنُ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمَا كَالْحَمْلِ فَيَنْدَرِجَانِ لانهما جزآن وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا الْآنَ لِعَدَمِ صِحَّةِ إفْرَادِهِمَا بِالْبَيْعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي الرَّهْنِ على الصحيح لاقتضاه الْعُرْفِ جَزَّ الْمَرْهُونِ وَحَلْبِهِ نَعَمْ إذَا جُزَّ الصُّوفُ أَوْ حُلِبَ اللَّبَنُ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْبَائِعِ لِلرَّدِّ بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ تَأْخِيرٌ وَلَا تَعَيُّبٌ فَإِنَّهُ
حِينَئِذٍ لَا يُصَادِفُ الرَّدَّ فَلَا تَتْبَعُ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرَّدُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ جَزَّ الصُّوفَ ثم ردها بطل خياره لاشتغاله بالجز بعدما عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةٍ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا إنْ رَدَّهَا مَعَ الصُّوفِ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ وَهَذَا يَتَّجِهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّ الصُّوفَ تَابِعٌ أَمَّا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّ الصُّوفَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فَإِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى الْقَبُولِ إذَا رَدَّهَا مَعَ الصُّوفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا فِي رَدِّ الْبَهِيمَةِ مَعَ النَّعْلِ إنْ كَانَ الْجَزُّ غَيْرَ مُعَيِّبٍ لَهَا فَإِذَا لَمْ يَجُزَّ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ الْقَبُولُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي النَّعْلِ وَإِنْ كَانَ مُعَيِّبًا لَهَا فَيَصِحُّ الْقَوْلُ بِالْإِجْبَارِ ولكن ينبغى أن يأتي فيه الحلاف فِي أَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ أَوْ أَعْرَاضٌ وَالْأَشْبَهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ الثَّانِي فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ حَتَّى إذَا جَزَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي
* وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَرُدُّ الصُّوفَ
* وَأَمَّا الثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهَا طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا الِانْدِرَاجُ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الْكَلَامِ فِي التَّأْبِيرِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا رَدَّ لَا يَبْقَى الصُّوفُ لَهُ فَصَحِيحٌ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْحَمْلَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْحَمْلَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَوْلَى بِالتَّبَعِيَّةِ وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ عند الرافعى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 213)
________________________________________
دُخُولُهُ فِي الرَّهْنِ وَعَدَمُ دُخُولِ الصُّوفِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا يَجُوزُ جَزُّهُ وَفِيهِ نَظَرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ جَوَازِ الْحَلْبِ وَالرُّكُوبِ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَازُهُ وَمِنْ الرَّافِعِيِّ مَنْعُهُ وَتَبَيَّنَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَسْأَلَةَ اللَّبَنِ وَهَلْ تَتْبَعُ فِي الرَّدِّ أولا وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِئْجَارِ كَالْحَمْلِ وَمِنْ جِهَةِ قرب التناول كالصوف وكيف ما كَانَ فَالْأَصَحُّ التَّبَعِيَّةُ وَعَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ كَالْحَمْلِ
*
* (فَرْعٌ)
* مِنْ تتمة الكلام في الحمل جزم الجوزى بِأَنَّ الْحَمْلَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بالعيب سواء كان حُدُوثُ الْحَمْلِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَمْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَمْلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثمن
قال لانها إذا جعلت عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَلِدَ ثُمَّ يَرُدَّهَا فَإِذَا اخْتَارَ رَدَّهَا حَامِلًا فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ تَرْكَ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاءُ الْوَلَدِ ثُمَّ اعْتَرَضَ بِالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِحَمْلِهَا إذَا بِيعَتْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ وَرَدَّهَا بِعَيْبٍ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مَرْدُودًا
* وَأَجَابَ أَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ مَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَى الْوَلَدِ عقد أو وصية أو هبة
*
* (فروع)
* لَوْ اشْتَرَاهَا وَعَلَيْهَا صُوفٌ وَفِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ فَطَالَ الصُّوفُ وَكَثُرَ اللَّبَنُ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْجَزِّ وَالْحَلْبِ وَقُلْنَا بِأَنَّ الصُّوفَ تَابِعٌ فِي الرَّدِّ فَلَا إشْكَالَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مِنْ أَنَّ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ الْحَادِثَيْنِ لِلْمُشْتَرِي فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ اتَّفَقَا فَذَاكَ وإلا فصلت الخصومة بطريقها لَكِنَّ الَّذِي فِي فَتَاوِيهِ كَمَا سَيَحْكِيهِ خِلَافُ ذلك
* ولو جز الصوف ثم أراد بِالْعَيْبِ وَكَانَ اشْتَرَاهَا وَلَا صُوفَ عَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَبَقَاءِ الصُّوفِ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ الشِّرَاءِ فَجَزَّهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبٍ رَدَّ الصُّوفَ الْمَجْزُوزَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ جَزِّ الصُّوفِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ جَزَّهُ ثَانِيًا فَالْمَجْزُوزُ ثَانِيًا لَهُ مُخْتَصٌّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجُزَّهُ حَتَّى رُدَّ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ الْعَقْدِ ثُمَّ حَدَثَ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَرَّحَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ يَرُدُّهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَثِّ وَالْكُرَّاثِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَهُوَ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَيْتُهُ عَنْ تَعْلِيقِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي فِي الْفَتَاوَى مِنْ كَلَامِ جَامِعِهَا وَهُوَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ جز الصوف الذى كان عليها بَعْدَ أَنْ طَالَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَيَزْدَادُ هُنَا أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِي الصرف وَقَدْ يَحْصُلُ نِزَاعٌ فِي
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 214)
________________________________________
مِقْدَارِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَذَلِكَ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ
* وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ اللَّبَنِ إذَا كَانَ مِنْهُ شئ موجود عند العقد فيلتفت على أَنَّهُ هَلْ يَرُدُّ الثَّمَنَ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّصْرِيَةِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا وَبِهَا أُصُولُ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ وَأَدْخَلْنَاهَا فِي الْبَيْعِ فَنَبَتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِهَا عَيْبًا يَرُدُّهَا وَيَبْقَى الثابت لِلْمُشْتَرِي هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصُّوفِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءَ من الْأَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَهَذَا الْفَرْقُ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ
*
* (فَرْعٌ آخَرُ)
* إذَا قُلْنَا الزِّيَادَةُ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَا حَدَثَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الزَّوَائِدِ لِأَجْلِ الثَّمَنِ فِي صُورَةٍ غَيْرِ الْفَسْخِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهَا تَرْجِعُ بِالْفَسْخِ إلَى الْبَائِعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَهُ حَبْسُهَا إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَالْإِمَامُ أَطْلَقَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ حَبْسِهَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ ثُمَّ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَإِنَّمَا يَنْقَدِحُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ قَبْلَ تَعَرُّضِ الْعَقْدِ لِلِانْفِسَاخِ وَالْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَاحَظَ ذَلِكَ فَعَلَّلَ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ التَّعَلُّقَ بِهَا لَكِنَّهُ قَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ يَحْبِسُهَا لِلثَّمَنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَهُ حَبْسُهَا لَا لِلثَّمَنِ قُلْتُ أَوْ يُقَالُ بِأَنَّهُ لَمَّا تَوَقَّعَ عَوْدَهَا إلَيْهِ صارت كالاصل فيجرى عليها حكمه في الحبس بالثمرة مادام الْأَصْلُ نِصْفَهُ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ فَلَوْ زَالَ ذَلِكَ بِأَنْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوْ بِتَبَرُّعِ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ حَقُّ الزَّوَائِدِ لِسُقُوطِ حَبْسِ أَصْلِهَا وَأَمَّا مُجَرَّدُ تَوَقُّعُ عَوْدِهَا إلَيْهِ فَكَيْفَ يَقْتَضِي جَوَازَ حَبْسِهَا وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ لَعَلَّ مُرَادُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مُقَابَلًا بِهِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ اشْتَرَى حَامِلًا فَمَخَضَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْوَلَدِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 215)
________________________________________
لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْوَلَدُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شئ مِنْ الثَّمَنِ قَطْعًا وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ الَّذِي كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهَلْ يَكُونُ مِثْلَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَهَلْ نَقُولُ فِي الْحَادِثِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ أَوْ التَّمْكِينُ مِنْهُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي احْتِجَاجِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْمَبِيعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ بِحَقِّ الْمَالِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّسْلِيمِ
* وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْكِينُ وَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْأَمَانَاتِ الشرعية حتى إذا هلك فعل التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ لَا يَضْمَنُهُ وَإِلَّا ضَمِنَهُ إنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ
** (فَرْعٌ آخَرُ)
* عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي مَسَائِلِهِ الْمَنْشُورَةِ اشْتَرَى غَنَمًا بِعَشَرَةِ أَقْسَاطٍ مِنْ لَبَنٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَمَدٍ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى حَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهَا عَشَرَةَ أَقْسَاطِ لَبَنٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْغَنَمُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ مِنْ الْبَائِعِ مَا حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ مِلْكِ النَّمَاءِ (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ
* أَمَّا إذَا قُلْنَا تَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ وَأَنَّ الزَّوَائِدَ تَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ فَلَا يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ شَيْئًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَمْلَ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ حَمْلَ الْجَارِيَةِ سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ المبيع جارية فحملت عنده وولدت ثم علم بالعيب ردها وأمسك الولد لما ذكرناه ومن أصحابنا من قال لا يرد الام بل يرجع بالارش لان التفريق بين الام والولد فيما دون سبع سنين لا يجوز وهذا لا يصح لان التفريق بينهما يجوز عند الضرورة ولهذا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ انها تباع دون الولد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ حَبِلَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَوَلَدَتْ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْعَيْبِ حَتَّى بَلَغَ الْوَلَدُ سَبْعَ سِنِينَ إذا أطلع على الْعَيْبَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَهِيمَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ عَلَى ما تقدم بلا خلاف وقرض الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ حَصَلَ لَهَا نَقْصٌ بِالْوِلَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَلَوْ حَصَلَ نَقْصٌ مُنِعَ مِنْ الرَّدِّ وَوَجَبَ الْأَرْشُ وَأَمَّا إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ سَبْعَ سِنِينَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي جَوَازِ الرَّدِّ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَجَّحَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 216)
________________________________________
الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ هُنَا وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ نَقَلَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ وَيُمْسِكَ الْوَلَدَ إذَا لَمْ تَكُنْ نَقَصَتْ بالحمل أو بالوطئ وَلَيْسَ مُرَادُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْقَدِيمِ الْمُخَالِفِ لِلْجَدِيدِ وَلَكِنَّ
نَقْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ تُوجَدْ مَنْصُوصَةً لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا فِي الْقَدِيمِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ فَرَّعَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ ذَكَر فِيهَا وَجْهَيْنِ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَدَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّ الرُّويَانِيَّ فِي الْبَحْرِ مَعَ قَوْلِهِ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ إنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَقْيَسُ وَجَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ وَسَنَذْكُرُ نَظِيرَهُ فِي الرَّهْنِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ إذَا رُهِنَتْ الْأُمُّ دُونَ الْوَلَدِ إنْ صَحَّ أَنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ جَمِيعًا وَإِلَّا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ وَافَقَهُ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا فِي الرَّهْنِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ مِنْ تَعْلِيقَةِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ قَائِلِينَ بَيْنَ قَاطِعٍ وَمُرَجِّحٍ بِأَنَّهُمَا يُبَاعَانِ مَعًا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ ضَرُورِيًّا مُسَوِّغًا لِلتَّفْرِيقِ فَيَنْبَغِي هَهُنَا كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا امْتِنَاعُ التَّفْرِيقِ وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ بَيْنَ الْبَيْعِ فِي الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَأَذْكُرُ لَهُ فَرْقًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يقال أنه لو جاز التفريق فينبغي أَنْ يَمْتَنِعَ الرَّدُّ هُنَا لِأَنَّ رُجُوعَ الْجَارِيَةِ بِدُونِ وَلَدِهَا عَيْبٌ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ جَدِيدٍ يُمْنَعُ بِسَبَبِهِ الرَّدُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَعُدُّونَ ذَلِكَ عَيْبًا وَتَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيمَنْ يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا وَطَرِيقُ الْجَوَابِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفْرَضَ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِرَدِّهَا كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرَّدُّ أَوْ يَرْضَى بِهَا مَعِيبَةً وَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَمَتَى لَمْ نَفْرِضْ الْمَسْأَلَةَ كَذَلِكَ تَعَيَّنَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ ثُمَّ هَهُنَا كَلَامَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فِيهِ تَابِعٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَهُ هَكَذَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 217)
________________________________________
حَرْفًا بِحَرْفٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ نَصَّانِ فِي الْمُخْتَصَرِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْجَارِيَةَ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِقَةٍ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُوجِبُ تَفْرِيقًا ثُمَّ مَا يَتَّفِقُ مِنْ بَيْعٍ وَتَفْرِيقٍ فَهُوَ مِنْ ضَرُورَةِ إلْجَاءِ الرَّهْنِ إلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ جَوَّزُوا
بَيْعَ الْمَرْهُونَةِ وَحْدَهَا وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا لَكِنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَفْرِقَةَ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا التَّفْرِقَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَحِينَئِذٍ يُبَاعَانِ مَعًا وَيُحَذِّرُ مِنْ التَّفْرِيقِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ هَذَا النَّصَّ فَالْأَصْحَابُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا رَأَيْتَ وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى مَحْذُورٍ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا تُبَاعُ دُونَ الْوَلَدِ كَمَا فِي لَفْظَةِ الْكِتَابِ وَالنَّصُّ الثَّانِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا قبل ذلك فيما إذا وَطِئَ الرَّاهِنُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ أَحَبْلهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا لَمْ تُبَعْ مَا كَانَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَهَذَا النَّصُّ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ يُبْعِدُ إرَادَتَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُرٌّ لِأَنَّهُ ابْنُ الرَّاهِنِ الْمَالِكِ فَالتَّفْرِقَةُ ضَرُورِيَّةٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ جَمَاعَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَالصُّورَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ مَمْلُوكٌ وَهُنَا حُرٌّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَمْلُوكٌ وَهَذَا لا يخفى عن من هُوَ دُونَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِنْ أراد نصا آخر فلم أعلمه والله تعالى أَعْلَمُ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَأَبَا حَامِدٍ أَرَادَا هَذَا النَّصَّ الثَّانِيَ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ إذَا حَبِلَتْ لَمْ تُبَعْ مَا دَامَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا كَانَتْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ حُرًّا يُبَاعُ الرَّهْنُ دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ
* وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَالْمَرْهُونَةِ إذَا عَلِقَتْ بِوَلَدٍ حُرٍّ
* وَالْجَارِيَةُ الْجَانِيَةُ إذَا كَانَ لها ولد حر بَيْعُهَا دُونَ الْوَلَدِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ هَذَا التَّفْرِيقُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا وَلَدَتْ حُرًّا تُبَاعُ الْأُمُّ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ فِي الْأُمِّ فَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا رَدُّوا عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا النَّصِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الولد الحر يجوز بيع أمه سواء كانت مَرْهُونَةً أَمْ غَيْرَ مَرْهُونَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ مَعَهَا أَصْلًا لِضَرُورَةٍ فِيهِ مُحَقَّقَةٍ وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَطَرِيقُ حَمْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ الضَّرُورَةُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 218)
________________________________________
وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ هُنَا رَقِيقًا وَهُنَاكَ حُرًّا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ هَهُنَا أَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ وَيُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُوَ التَّفْرِيقُ فِي الْمِلْكِ وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا الْفُرْقَةُ حَاصِلَةٌ فَلَا تَفْرِيقَ
بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا هُنَا فَإِنَّ الرَّدَّ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ فِي الْمِلْكِ وَقِيَاسُ التَّفْرِيقِ عَلَى مَا لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ لَا يَظْهَرُ (الْكَلَامُ الثَّانِي) فِي تَخَيُّلِ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي الرَّهْنِ
* قَدْ يُقَالُ انْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ مُسَوِّغَيْنِ لِلتَّفْرِيقِ
(أَحَدُهُمَا)
الضَّرُورَةُ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ وَإِلْزَامِهِ أَخْذَ الْأَرْشِ وَبَقَاءَ الْمَعِيبِ فِي عَقْدٍ عَسِرٍ فَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الرَّدُّ وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَفَاءُ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ مَالَ غَيْرِهِ وَفَّيْنَا مِنْهُ وَلَمْ يَبِعْ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ وَالشَّارِعُ مَنَعَ مِنْ التَّفْرِيقِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ يُحِيطُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَإِنَّا نَبِيعُهُمَا تَوَصُّلًا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي الْتَزَمَهُ وَحَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْفَرْقِ وَمُصَحِّحٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ بِالْفَسْخِ وَقَدْ اغْتَفَرُوا فِي الْفَسْخِ مَا لَمْ يَغْتَفِرُوا فِي إنْشَاءِ الْعُقُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْحَابَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِثَوْبٍ ثُمَّ وجد بالثوب عيبا لَهُ اسْتِرْدَادَ الْعَبْدِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِهِ عَيْبًا فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ تَقَابَلَا حَيْثُ لَا عَيْبَ وَقُلْنَا الْإِقَالَةُ فَسْخٌ فَعَلَى الوجهين فهذه المسائل الثلاث اغْتَفَرُوا فِيهَا حُصُولَ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ بالفسخ وان كانوا لم يغتفروه بِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي الرَّدِّ إمَّا عَوْدُ الْعِوَضِ إلَيْهِ فَهُوَ قَهْرِيٌّ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَأَى أَنَّ الْأَصْوَبَ في توجيه أَنَّ الْفَسْخَ يَقْطَعُ الْعَقْدَ فَيَكُونُ نَازِلًا مَنْزِلَةَ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ وَالْإِمَامُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الرَّدَّ يَرِدُ عَلَى الْعَقْدِ وَارْتِدَادُ الْعَبْدِ يَتَرَتَّبُ عَلَى انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَلَهُ فِي رَدِّ الثَّوْبِ غَرَضٌ سِوَى تَمَلُّكِ الْعَبْدِ أَيْ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ عَيْبِهِ وَهَذَا الْغَرَضُ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ الْعَيْبِ حَاصِلٌ فِي الْجَارِيَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ إلَّا التَّوَصُّلُ إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ وَالرَّاهِنُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بذلك وملاحظة الضرورة لابد مِنْهَا (وَأَمَّا) الْفَسْخُ وَحْدَهُ فَلَيْسَ بِكَافٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَزَمُوا فِي الْفَلَسِ بِعَدَمِ التَّفْرِيقِ لما كان مال المفلس كله ميبعا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى التَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ الرافعى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 219)
________________________________________
رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ بِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الَّذِي فِي الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِيهِ وَأَنَّ جَزْمَهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
عَلَى الْأَصَحِّ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا يُوَافِقُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ مُلَاحَظَةُ الفسخ لابد مِنْهَا وَالضَّرُورَةُ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي أَلَا تَرَى أَنَّ فِي رُجُوعِ الزَّوْجِ فِي شَطْرِ الصَّدَاقِ لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ لِأَجْلِ حَقِّ الزَّوْجِ بَلْ نَقَلُوهُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَ الشَّطْرِ تَمَلُّكٌ جَدِيدٌ
* هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْوِيَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى مَا فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ يحتاج إلى ملاحظة ما تقدم التنبيه على فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ أَوْ نَفْرِضُ أَنَّ ذَلِكَ لَا تَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (التَّفْرِيعُ)
* إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الرَّدِّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَذَاكَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ وكذلك قاله الجرجاني والرافعي علله الجرجاني بأن الرد كالميؤس مِنْهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّهُ يُمْكِنُ بِأَنْ يَعْتِقَ الْوَلَدُ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يَصِلَ سِنَّ التَّفْرِيقِ وَقَدْ يَكُونُ بَقِيَ مِنْهُ زَمَنٌ قَلِيلٌ أو كثير الا أنه قد تَقَدَّمَ لَنَا وَجْهَانِ عَنْ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ بَعِيدًا حَكَيْنَاهُ فِيمَا إذَا رَضِيَ أحد المشتريين بِالْعَيْبِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِقْلَالِ بِالرَّدِّ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فَلْيَكُنْ الْوَجْهُ الْآخَرُ جَارِيًا هنا لكنه ضعيف مفرع على ضعفه
* لنا خلاف هناك أنه لورد أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ عِنْدَ حُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَأَرَادَ اسْتِرْجَاعَ نِصْفَ الثَّمَنِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْإِجْبَارِ فَهَهُنَا أَنْ يُرَدَّ الْوَلَدُ مَعَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَتَعَيَّنَ الْأَرْشُ وَلَا يُعْقَلُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا عَنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذا لم يحدث عيب جديد
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (فان اشتراها وهى حامل فولدت عنده (فان قلنا) ان الحمل له حكم رد الجميع (وان قلنا) لا حكم للحمل رد الام دون الولد)
*
*
* (لشرح)
* هَذَا بِنَاءٌ صَحِيحٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حُكْمًا وَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَيَحْبِسُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (فَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَمِيعَ وَعَلَى (الثَّانِي) يَكُونُ الْوَلَدُ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ فيأتى فيه
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 220)
________________________________________
* الْخِلَافُ فِي الرَّدِّ قَبْلَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّفْرِيقِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَأْتِي فِيهِ
أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ حَصَلَتْ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْخِلَافِ فِي حَبْسِهِ بِالثَّمَنِ وَرُجُوعُهُ إلَى الْبَائِعِ عِنْدَ اتِّفَاقٍ فَسْخٌ أَوْ انْفِسَاخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ رد الجميع على الصحيح أم رَدُّ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فشرطه على ما قاله الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُ ابن الصباغ أن لا يَكُونَ حَصَلَ لَهَا بِالْوَضْعِ نَقْصٌ فَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ فَلَا رَدَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ قِيَاسُهُ أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي فِي الْعَيْبِ الَّذِي تَقَدَّمَ سَبَبُهُ هَلْ يكون مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُرَدَّ وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ وايد ذلك بِمَا إذَا أَصْدَقَهَا جَارِيَةً حَائِلًا ثُمَّ حَمَلَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَكَى فِي نِسْبَةِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ إلَيْهِ أَوْ إلَيْهَا وَجْهَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَوِيٌّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُرَدُّ وَلَكِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ وابن الصباغ حزما بِخِلَافِ ذَلِكَ
* وَاعْلَمْ أَنِّي قَدَّمْتُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ في كون ذلك مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي جَارٍ مَعَ الْعِلْمِ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَارِيَةَ بَعْدَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ وَالْعَبْدَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ بِعَيْبٍ آخَرَ قَدِيمٍ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّزَوُّجِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اسْتَشْكَلَهُ هُنَاكَ وَقُلْتُ ينبغى أن يكون الرضى بالعيب قاطعا لِأَثَرِهِ حَتَّى يَكُونَ مَا يُوجَدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ مَنْسُوبًا إلَى يَدِ الْمُشْتَرِي لِرِضَاهُ لِسَبَبِهِ دُونَ الْبَائِعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ اعْتَضَدَ بِهِ فِي ذَلِكَ النَّقْلِ وَلَا مَا يَرُدُّهُ إلَّا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْرِيعِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُ فَقَدْ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ هُنَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ عَالِمٌ بِالْحَمْلِ فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ الْحَادِثُ عِنْدَهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وقد وجدت بعد ذلك بِآخِرِ التَّتِمَّةِ صَرَّحَ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ إذَا عَلِمَ بِالزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ أَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ وَقَدْ أَلْحَقْتُهُ هُنَاكَ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْحَمْلِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا يُمْنَعُ الرَّدُّ حِينَئِذٍ وَلَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ الرَّافِعِيِّ لِتَصْرِيحِهِ بِالْحُكْمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 221)
________________________________________
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَالَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَعَلَّهُ ذَكَرَ التَّفْرِيعَ هُنَا عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ هُنَاكَ فلا يرد عليه شئ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَنَّ الْحَادِثَ الَّذِي
تَقَدَّمَ سَبَبُهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْبَائِعِ فِي عَدَمِ مَنْعِ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُرَدُّ بِهِ فَطَرِيقُ الْجَوَابِ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَاَلَّذِي خَطَرَ لِي الْآنَ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى حَالَةٍ يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الْوِلَادَةِ نُقْصَانٌ عَنْ قِيمَتِهَا مَعَ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ رَضِيَ بِهَا حَامِلًا فَالْغَالِبُ أَنَّهَا بِالْوِلَادَةِ تَزِيدُ قِيمَتُهَا عَنْ حَالَةِ الْحَمْلِ فَإِنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ فإذا انقضت بِالْوِلَادَةِ عَنْ قِيمَتِهَا حَامِلًا كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا جَدِيدًا مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ حُصُولُهُ بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَاَلَّذِي لَا يَغْلِبُ حُصُولُهُ مِنْ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ تَبْعُدُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَكُون مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّدَاقِ فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النُّقْصَانُ عَنْ حَالَةِ الْخِيَارِ وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِصْدَاقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالنَّقْصُ بِالْحَمْلِ قَدْ زَالَ بِالْوَضْعِ وَبَقِيَ النَّقْصُ الْآخَرُ عَنْ حَالَةِ الْحِبَالِ فَالْوِلَادَةُ فِي يد لزوجة وسببها في يد لزوج وَهُوَ مِمَّا فَعَلَتْ وَلَا يَنْدُرُ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فَإِنْ فُرِضَ نَقْصٌ بِالْوِلَادَةِ عَنْ حَالَةِ الْحَمْلِ الْحَاصِلِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ نَقْصٌ جَدِيدٌ يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجَةِ كَمَا فِي الْمُشْتَرِي هَهُنَا هَذَا مَا خَطَرَ لِي فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اشْتِرَاطَ عَدَمِ النَّقْصِ بِالْوِلَادَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَمَا قَبْلَهُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَرَضَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوِلَادَةُ عند المشترى كما فرض المصنف رحمه لله وَلَا شَكَّ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَحْصُلْ نَقْصٌ تُرَدُّ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عيب آخر وأما إذَا حَصَلَ نَقْصٌ فَقَدْ قَدَّمْتُ كَلَامًا فِي أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ سَابِقٍ عَلِمَ الْمُشْتَرِي هَلْ يَكُونُ موجبا للرد أولا وهل يكون مانعا من الرد بغير أولا وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِبًا وَلَا مَانِعًا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً عَالِمًا بِتَزْوِيجِهَا فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا قَبْلَ القبض ثم اطلع على عيب بها فله الرد هَذَا مَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله والله أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 222)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ المبيع جارية ثيبا فوطئها ثم علم بالعيب فله أن يردها لانه انتفاع لا يتضمن نقصا فلم يمنع الرد كالاستخدام)
*
** (الشرح)
* هذه مسألذ مَشْهُورَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يرد معها شيأ وَهُوَ مَذْهَبُنَا الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِيمَا قِيلَ وَعُثْمَانُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قبله ولا يكون بالوطئ قَابِضًا لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إنْ سَلِمَتْ وَقَبَضَهَا فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِلْبَائِعِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أصله أو من حينه الصحيح لَا مَهْرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ المردود عليه ممن تحرم عليه بوطئ المشترى كأب وابنه اولا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ قول أبى حنيفة والثوري وأبو يُوسُفَ وَإِسْحَاقَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَشُرَيْحٍ فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ إنَّهُ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْمَهْرُ فِي قَوْلِ ابْنِ أبى ليلى ياخذ العشر من قيمتها ونصف فَيَجْعَلُ الْمَهْرَ نِصْفَ ذَلِكَ يَعْنِي يَكُونُ الْمَهْرُ ثلاث أَرْبَاعِ عُشْرِ قِيمَتِهَا بِذَلِكَ صَرَّحَ عَنْهُ غَيْرُهُ (الرابع) بردها وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وعبد الله بن حسن (وَالْخَامِسُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ (وَالسَّادِسُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا حُكُومَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ (وَالسَّابِعُ) أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَا يَرُدُّهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَالثَّامِنُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا عُشْرَ ثَمَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يَرُدُّ مَعَهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ عُشْرَ ثَمَنِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ أَعُدَّهُ مَذْهَبًا آخَرَ دُونَ تَحْقِيقٍ
* هَذَا فِي وطئ السبب وأما البكر فسيأتي الكلام فيها فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْتُهَا مَا وَرَدَتْ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لِثَيِّبٍ وَلَا بِكْرٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ الثَّمَانِيَةُ تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ يَرُدُّهَا ولا شئ مَعَهَا كَمَذْهَبِنَا أَوْ بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا وَالرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ كمذهب
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 223)
________________________________________
أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ كَمَذْهَبِ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ يردها ويرد معها
شيأ كمذهب الباقين
* فاما من يقول يردها ورد شئ مَعَهَا فَالْوَجْهُ تَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيمُ الْكَلَامِ على المذهبين عليه الاولين الثَّالِثُ يُشَارِكُ الثَّانِي فِي الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَلْيُجْعَلْ الْكَلَامُ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَامْتِنَاعِهِ وَمُعْتَمَدُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ وطئ السيب شئ لَا يَنْقُصُ مِنْ عَيْنِهَا وَلَا مِنْ قِيمَتِهَا ولا يتضمن الرضا بعينها فوجب أن لا يمنع مِنْ رَدِّهَا بِالِاسْتِخْدَامِ وَقَوْلُنَا لَا يَنْقُصُ مِنْ عَيْنِهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ الطَّرَفِ وَمِنْ قِيمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ حُدُوثِ عَيْبٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وقلنا وَلَا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِعَيْنِهَا احْتِرَازٌ مِنْ وَطْئِهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِعَيْبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الرِّضَا وَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتِدْلَالُ الشافعي رضى الله عنه بأن الوطئ أقل ضررا من الخدمة يعنى أن الوطئ يمتع ويلذ ويطرب والخدمة تلذ وتزيب وَتُتْعِبُ فَإِذَا لَمْ تَمْنَعْ الْخِدْمَةُ مِنْ الرَّدِّ فالوطئ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ فَهَذَا الدَّلِيلُ هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى وَأَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى وطئ الزَّوْجِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرد ولذلك إذا اكرهها انسان على الوطئ فان كان وطئ الثيب يقتضي وجوب أن يقع وطئ الزَّوْجَةِ وَالْمُكْرَهَةِ: فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَجَبَ أَنْ لا يمنع وطئ السَّيِّدِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا غَصَبَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا حَتَّى يُوفِيَهُ الثَّمَنَ فَلَمَّا وَفَّاهُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَإِنْ اعتذروا عن وطئ الزوج بأنه مستحق فوطئ المشترى مستحق وأيضا يبطل بوطئ الزوج للبكر فَإِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا فان اعتذورا بِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِ الزَّوْجَةِ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ بِالشِّرَاءِ وانما يمتنع الرد بوطئ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ حَبَسَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فلذلك منع وطئ السيد ولم يمنع وطئ لزوج الثَّيِّبَ وَأَمَّا الْبِكْرُ فَجِلْدَةُ الْبَكَارَةِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا عَيْنٌ حَقِيقَةً وَالنِّكَاحُ مَحَلُّ الْمَنَافِعِ إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْجِلْدَةَ تَتْلَفُ لِلضَّرُورَةِ وَإِذَا كَانَتْ مستحقة بالبيع فاتلفها لزوج امتع الرَّدُّ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَبِيعِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ مَمْلُوكَةٌ بِالشِّرَاءِ لِلسَّيِّدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ طَلَّقَ كَانَتْ لَهُ وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ استحق المهر وكون جلدة البكارة جزء مِنْ الْمَبِيعِ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَحِقَّةَ الْإِزَالَةِ لِلزَّوْجِ لا يفيد لانه مأذون له فِيهَا شَرْعًا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلنَّقْصِ لَمَا مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ تَعَلَّقَ الْمُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(وَالثَّانِي)
يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا الْمَهْرَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا شئ مَعَهَا إحْدَاثُ
قَوْلٍ ثَالِثٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْغَزَالِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْهُمْ فَقَالُوا إنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 224)
________________________________________
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا لَا يَرُدُّهَا وَعُمَرُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا وَإِيرَادُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْأَشْهَرُ وَأَقْرَبُ فِي النَّقْلِ والجواب عنه من وجوه
(أحدهما)
مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ بَحَثَ مَعَ مَنْ خَالَفَهُ وَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قُلْتُ أَفْتَيْتَ عَنْ عَلِيٍّ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ لَا فَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ يَرُدُّهَا وَذَكَرَ عَشْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ قُلْتُ أَوَ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ لَا قُلْتُ وَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا يَثْبُتُ وَأَنْتَ تُخَالِفُ عُمَرَ لَوْ كَانَ قَالَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى الْأَسَانِيدِ وَوُرُودِ ذَلِكَ عَنْهُمَا فَرَأَيْتُهَا ضَعِيفَةً وَأَمْثَلُهَا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَلَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ صَحِيحَةً فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عِنَانٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَعَلَّ حَفْصَ بْنَ عِنَانٍ أَوْ مَسْلَمَةَ مِمَّنْ كَانَ حَاضِرًا مُنَاظَرَةَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قاضى الكوفة حنفيا جليلا ثقة ونقلها البهيقى مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْ جَعْفَرٍ وَرُوِيَتْ مُتَّصِلَةً بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ لَا يَثْبُتُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذلك شئ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَ التَّمَسُّكُ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْتُهُ وَرَأَيْتُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَلَا يُعْلَمُ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ عَلِيٍّ وَلَا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ خِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ بن السمعاني قد جهدت غاية أَنْ أَجِدَ مَا قَالُوهُ فِي كِتَابٍ فَلَمْ أجده وإنما هي حكاية أخذه العلم من التعليق وسعى السواد على البياض ولم يرد عليه واحد من الصحابة شئ سِوَى عَلِيٍّ (الثَّانِي) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِثْلُ مَذْهَبِنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي مَسَائِلِهِ الْكَثِيرَةِ فِيمَا نَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وحكى لنا ذلك يعنى لرواية عن زيد أبو الحسن الماسرخسى وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَاسِ لَكِنَّ أَبَا الْمُظَفَّرِ
ابن السَّمْعَانِيِّ قَالَ إنَّ هَذَا النَّقْلَ عَنْ زَيْدٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيَّيْنِ لَمْ يُعْلَمْ انْتِشَارُهُ وَالْقِيَاسُ بِخِلَافِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) أَنَّ مَذْهَبَنَا مُوَافِقٌ لِعُمَرَ فَإِنَّهُ أَثْبَتَ الرَّدَّ فَوَافَقْنَاهُ فِي أَصْلِ الرَّدِّ وَالِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ في أنه يرد معها شيئا أولا اخْتِلَافٌ فِي كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ (الْخَامِسُ) أَنَّ إحْدَاثَ القول الثالث
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 225)
________________________________________
فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْنُ هُنَا وَافَقْنَا بَعْضَهُمْ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَبَعْضَهُمْ فِي إسْقَاطِ الْمَهْرِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) مِمَّا تَعَلَّقُوا بِهِ القياس على وطئ الْبِكْرِ لِأَنَّ كُلًّا مِمَّا يُقَرِّرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ وَعَلَى مَا إذَا زَنَتْ وَبِأَنَّهُ يَنَالُهَا فِي ذَلِكَ ابْتِذَالٌ وَيَنْقُصُهَا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَبَا الْبَائِعِ أَوْ ابْنَهُ فَيَحْرُمُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنَعَ الرَّدَّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَتَعَلَّقُوا أَيْضًا بأن الوطئ جِنَايَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ فِي الْغَالِبِ وَلَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ فَأَشْبَهَ الْقَطْعَ وَالرَّدُّ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَوْ ردها لكان الوطئ حَاصِلًا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لان الوطئ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَهْرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ الْمَهْرَ وَلَا أَنْ يَرُدَّهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَبَطَل الرَّدُّ وَرُبَّمَا قَالُوا فِي هَذَا إنَّهُ إذَا كَانَ وَاقِعًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَانَ عَيْبًا فَيُمْنَعُ الْفَسْخُ فَلَوْ نَفَذَ الْفَسْخُ لِمَا بَعْدُ وَنَقَلُوا عَنْ مُحَمَّدِ بن الحسن أن الوطئ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمِلْكِ وَقَدْ انْتَفَيَا عَنْ المشترى بالاجماع فلو فسخ لا يَبْقَى الْمِلْكُ مِنْ أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَقَوْلُهُ إنَّهُ انْتَفَيَا عَنْ الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَوَّلَ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ إيجَابُ الْمَهْرِ وَبِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ فِي حُكْمِ الْأَجْزَاءِ وَالْمُشْتَرِي أَتْلَفَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْوَلَدُ وَالزَّوَائِدُ وَيَعُودُ البحث في مسألة لزوائد وإنما استدلوا به على أن الوطئ تنقيص للملك صرف مَهْرِ الْجَارِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِالشُّبْهَةِ إلَى سَيِّدِهَا فَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ لِصِيَانَةِ الْبُضْعِ فَقَطْ لَوَجَبَ لِلَّهِ كالكفارة فلما صرف السَّيِّدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ كَالْأَجْزَاءِ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَيَدِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ يُصْرَفُ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْمَالِيَّةُ بِمَنْفَعَةِ البضع الحكم في حكم لاجزاء وَفَوَاتِ الْأَجْزَاءِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَجْزَاءِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَيُمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ فِي الشَّرْعِ مُحْتَرَمَةٌ مُشَرَّفَةٌ لِأَنَّهَا سَبَبُ النسل في العامل فَلِشَرَفِهَا وَحُرْمَتِهَا الْتَحَقَتْ بِالْأَجْزَاءِ شَرْعًا (وَالْجَوَابُ) أَنَّ وطئ الْبِكْرِ وَالزِّنَا مُنْقِصَانِ لِلْقِيمَةِ بَلْ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وحدها بغير وطئ مُنْقِصٌ وَالِابْتِذَالُ
إنْ سَلِمَهُ كَالِاسْتِخْدَامِ وَكَوْنُ الْمُشْتَرِي أَبَا الْبَائِعِ أَوْ ابْنَهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي مَعْيُوبِ شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَا ينقص قيمة الشئ ولا يؤثر إلا ماله أَثَرٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ جِنَايَةٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ وَهَذَا بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ جِنَايَةً لَمُنِعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا وَطِئَ مُكْرَهَةً وَمِنْ الزَّوْجِ وَقَوْلُهُمْ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ ينتقض بما دون الوطئ هَكَذَا نَقَضَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِمْ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ ان ما دون الوطئ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ مَانِعٌ الرَّدَّ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ النَّقْضُ وَعَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَخْلُو عَنْ مَالٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَخْلُو مِنْ الْمَالِ وَالْعُقُوبَةِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا وَعَنْ قَوْلِهِمْ الرَّدُّ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 226)
________________________________________
تَقَدَّمَ ثُمَّ أَثَرُ ذَلِكَ إنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ
* أَمَّا الْمَنَافِعُ الْبَعْضِيَّةُ فَلَا
* ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا جَازَ الرَّدُّ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ وَهُوَ جَائِزٌ وَإِيجَابُ الْمَهْرِ فِي الْبُضْعِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَالسَّيِّدُ يَسْتَحِقُّهَا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِهَا جُزْءًا وَتَقْدِيرُ الْمَهْرِ بَعِيدٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَلَا يَسْقُطُ به قبل القبض من الثمن شئ وَلَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّ فِيهِ إدْخَالَ ذُلٍّ على الاسلام والوطئ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ سَلَّمَهُ فَلِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا فَهَهُنَا وَطِئَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ وَاعْتَذَرَ أَبُو زَيْدٍ عن الوطئ قبل القبض بأنه وقع في حكم مالك البائع لانه تصرف ولا يتنقل التَّصَرُّفُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ جِنَايَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ فَهَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَاحَظَ غَرَضَ الْبَائِعِ وَمَا يَحْصُلُ له من النقرة وَالتَّغَيُّرِ وَالْأَنَفَةِ وَالشَّافِعِيَّ لَاحَظَ الْأَمْرَ الْعَامَّ وَأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الْجَارِيَةَ ثَيِّبٌ لَا يُبَالُونَ بِقِلَّةِ الْوَطْئَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَلَا يَنْقُصُ من قيمتها شيئا فان فرض وطئ ينقص القيمة فليس فرض المسألة والله عز وجل أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرَّدَّ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا هُنَا عَلَى جَوَازِ الرَّدِّ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا مَا سَنَحْكِيهِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَهَذَا الِاتِّفَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْيَانِ أَمَّا الْمَنَافِعُ فَلَا وَهُوَ يُقَوِّي مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَوْ أَثْبَتْنَا عَدَمَ الْمِلْكِ كَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمَهْرِ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ
الْمَبِيعَةَ الثَّيِّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَتْ أَنَّهُ هَلْ يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الْمَهْرَ عَلَى وَجْهَيْنِ (إنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ مِنْ الْأَصْلِ غَرِمَ وَإِلَّا فَلَا وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوهُ وَبِتَقْرِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِضَعْفِهِ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَبَقَاءِ عُلْقَةِ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ طَرْدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الضَّعِيفَةِ الطَّارِدَةِ لِلْقَوْلَيْنِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَفِيهِ نَظَرٌ
* هذا ما يتعلق بمن يَقُولُ بِمَنْعِ الرَّدِّ (وَأَمَّا) الْمَذَاهِبُ النَّافِيَةُ فَمَذْهَبُ ابن شبرمة أقربها لانه يقول يردها مَعَ مَهْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ تَخْرِيجًا ظَاهِرًا (وَجَوَابُهُ) مَا تَقَدَّمَ وأما من قال يردها ويرد شييئا يَتَقَدَّرُ مَعَهَا فَتَحَكُّمَاتٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَأَمَّا من قال بامتناع ردها ولا يرجع بشئ فَبَعِيدٌ فَإِنَّ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ يَجِبُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِهِ إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَطْرُدَ الْجُزْءُ مَذْهَبَهُ وَيُمْنَعَ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ وَاَللَّهُ أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 227)
________________________________________
* (فرع)
* هذا كله في وطئ الْمُشْتَرِي فَلَوْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ القبض بشبهة فهو كوطئ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَارَةً فَهُوَ زِنًا وَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ زَانِيَةً فَعَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةً أَوْ مُكْرَهَةً فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَيَجِبُ الْمَهْرُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا الْبَائِعُ فَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (إنْ قُلْنَا) كَآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الِانْتِفَاعِ بالمبيع قبل القبض فان ماتت بعد وطئ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقُلْنَا الْعَقْدُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْمَهْرَ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ مَاتَتْ بعد وطئ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ فَالْمَهْرُ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَلِلْمُشْتَرِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا وَطِئَهَا جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَجْهَانِ فِي التَّتِمَّةِ
* هَذَا فِي الثَّيِّبِ أَمَّا فِي الْبِكْرِ فَفِيهَا زِيَادَةُ أَحْكَامٍ سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَرْعٌ)
* مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أن الوطئ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ اسْتَثْنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْهُ مَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهَا بِالزِّنَا بِأَنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالزِّنَا وَاشْتَرَاهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ بِهِ الرَّدُّ
ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي جَوَابِهِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْحَنَفِيَّةِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَطَرَدَهُ فِي الْإِبَاحَةِ وَالسَّرِقَةِ إذَا حَدَثَتْ وَلَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةَ قَالَ لِأَنَّهَا عَيْبٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ يَعْنِي بِخِلَافِ الْبَرَصِ وَنَحْوِهِ إذَا زَادَ فَإِنَّهُ عيب من حيث المشاهدة
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وُجِدَ العيب وقد نقص المبيع نظرت فان كان النقص بمعنى لا يقف استعلام العيب على جنسه كوطئ البكر وقطع الثوب وتزويج الامة لم يجز له الرد بالعيب لانه أخذه من البائع وبه عيب فلا يجوز رده وبه عيبان من غير رضاه وينتقل حقه إلى الارش لانه فات جزء من المبيع وتعذر الفسخ بالرد فوجب أن يرجع إلى بدل الجزء الفائت وهو الارش)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* النَّقْصُ الْحَاصِلُ لِرُخْصِ السِّعْرِ وَنَحْوِهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ الْمَعْنَى أَيْ حَاصِلٌ فِي الْمَبِيعِ وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ فِي افْتِضَاضِ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَبَبٌ سَابِقٌ وَلَا ضُمَّ مَعَهَا الْأَرْشُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا عُيُوبٌ حَادِثَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ رَدَّهُ وَبِهِ عَيْبَانِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وطئ البكر مذاهب السلف قال ابن سريج وَالنَّخَعِيُّ يَرُدُّهَا وَنِصْفَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 228)
________________________________________
عشر ثمنها وتقدم في وطئ الثيب حكاية ثلاثة مذاهب مطلقة في الوطئ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُطَّرِدَةٌ فِي الْبِكْرِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاتَّفَقُوا فِي الْبِكْرِ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ الِافْتِضَاضِ لَا تُرَدُّ مَجَّانًا لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلَيْنِ (إمَّا) امْتِنَاعِ الرَّدِّ (وَإِمَّا) الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِثَالًا لِامْتِنَاعِ إحْدَاثِ الْقَوْلِ الثالث كما هو رأى أكثر الاصوليين ولاسيما هُنَا فَإِنَّ فِيهِ دَفْعَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى افْتِضَاضِ الْبِكْرِ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا نَاقِصَةً بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَعِيبَةً مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ تَكَلَّمَ بَعْدُ عَنْ مَسَائِلَ تَكَلَّمَ عَنْ حُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ فَإِنْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا نَاقِصَةً فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُشْتَرِي حَبْسَهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا عَلَى كُلٍّ من المسألتين وحدها وحزموا في وطئ الْبِكْرِ أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَيْبِ إنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِهِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ
عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ أَبْطَلَ الْآخِرُ الْأَوَّلَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا قُلْنَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْعِ الرَّدِّ وَلَا يرجع بشئ وذهب حماد ابن أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ وَأَرْشَ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ أَبَا ثَوْرٍ رَوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الْمَشْهُورِ الَّذِي فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيمَا إذَا طلب المشترى الرد مع الارش والبائع اعطاء الْأَرْشَ وَبَقَاءَ الْعَقْدِ وَبِالْعَكْسِ مِنْ إيجَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَرْعَشِيُّ قَطْعُ الثَّوْبِ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرُدُّهُ وَأَرْشَ الْقَطْعِ
(وَالثَّانِي)
يَأْخُذُ الْأَرْشَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَلَكِنْ هَلْ نَقُولُ الْوَاجِبُ لَهُ ابْتِدَاءً لَهُ الرَّدُّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ طَلَبِ الْأَرْشِ أَوْ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الارش الا أن يختار البائع الرد كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ
* فِيهِ بَحْثٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى لرد وبدل الارش أولا (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ وَجَبَ (وَإِنْ) قُلْنَا بِالثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ لَمْ يَجِبْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتِمَالٌ رَابِعٌ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَقُّهُ أَوَّلًا فِي الرَّدِّ وَحْدَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ جَاءَتْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَهَلْ ذَلِكَ جَارٍ في وطئ البكر أولا الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِيهِ وَإِنَّمَا أَفْرَدْتُ مسألة وطئ البكر وحدها لانهم ذكروه عقب وطئ الثَّيِّبِ وَالْبَحْثُ فِيهَا مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّا نُوَافِقُهُمْ على أن وطئ الْبِكْرِ مَانِعٌ وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُقَالَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 229)
________________________________________
هما مسألتان فوطئ الْبِكْرِ وَشِبْهُهُ مِمَّا فِيهِ فَوَاتُ جُزْءٍ كَالْخِصَاءِ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِ أَوْ قَطْعِ إصْبَعٍ زَائِدَةٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَيَنْتَقِلُ إلَى الْأَرْشِ جَزْمًا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِالرَّدِّ وَالْعُيُوبُ الَّتِي تَنْقُصُ الْقِيمَةَ فَقَطْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ أَبِي ثَوْرٍ وَالْوُجُوهُ الَّتِي سَتَأْتِي فَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ بِإِجَابَةِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ بَلْ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ بَاقٍ مَعَ إعْطَاءِ الْأَرْشِ إمَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي إذَا اتَّبَعْنَا رَأْيَ الْمُشْتَرِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُطِعَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له رده
ووضع الشافعي والمصنف من في الخلاف كابن المنذر وغيره مسألة الوطئ وَحْدَهَا وَمَسْأَلَةَ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَحْدَهَا وَمَا تَقَدَّمَ عن الشعبى عامة قال في الجارية توطئ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا حُكُومَةً وَفِي الْجَارِيَةِ يَحْدُثُ بِهَا عَيْبٌ مُبْطِلٌ لِلْعَيْبِ الْأَوَّلِ وَهَذَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَلِعُمُومِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَلِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فانه سوى بين وطئ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَلَيْسَ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَوَاتُ جُزْءٍ وَلَا يَنْحَلُّ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مُشْتَرَكَةٌ فِي أَنَّهَا صَادِرَةٌ مِنْ الشترى فتكون محل الجزم ويخص الخلاف بما لم يكن من جهة المشترى لنقل أبى الطيب الاجماع في قطع الطرف فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعُيُوبَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي مَنْعِ الرَّدِّ الَّذِي لَمْ يَضُمَّ مَعَهُ الْأَرْشَ أَمَّا إذَا ضَمَّ مَعَهُ الْأَرْشَ فَعَلَى مَا سَيَأْتِي وَعَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا سَيَأْتِي يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا إلَّا برضى البائع لانه يجاب من طلب تقدير الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلِذَلِكَ صَحَّ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ الْحَادِثُ لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُمْنَعُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ مَبْحَثُ حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مالا سَبَبَ لَهُ مُتَقَدِّمًا وَمَنْ ذَلِكَ مَا إذَا اشترى بكرا مزوجة جاهلا فافتضها لزوج وَقَدْ تَقَدَّمَ
* وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَتَقَدَّمَ فِيهِ بَحْثٌ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ وطئ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ قِيلَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وافق في وطئ الْبِكْرِ وَخَالَفَ فِي قَطْعِ الثَّوْبِ فَفِيهِ قِيَاسُ أحدهما على الآخر وقوله وطئ الْبِكْرِ مَحْمُولٌ عَلَى افْتِضَاضِهَا فَلَوْ كَانَتْ غَوْرَاءَ فوطئها ولم تزل بكارتها فهو كوطئ الثيب فيما يَظْهَرُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ يُفْرَضُ عَلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَحْكَامِ سَأُفْرِدُ لَهَا فَرْعًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ مُفْهِمٌ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ نَقْصُ الْمَبِيعِ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ النَّقْصِ وَالنَّقْصُ قَدْ يَكُونُ نَقْصَ صِفَةٍ مَخْفِيَّةٍ كَقَطْعِ الثَّوْبِ وَالتَّزْوِيجِ وَقَدْ يَكُونُ نُقْصَانَ عَيْنٍ وَلَكِنَّهَا فِي حكم الوصف
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 230)
________________________________________
كزوال البكارة فان جلد الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا لَكِنَّهَا لَا تُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ مِنْ الثمن بزوالها قبل القبض شئ وَقَدْ يَكُونُ نُقْصَانَ عَيْنٍ مُقَابَلَةٍ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ كَاحْتِرَاقِ بَعْضِ الثَّوْبِ فَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ فَجَوَازُ الرَّدِّ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا إذَا
رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ الْمَبِيعِ (وَالْأَصَحُّ) جَوَازُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
* إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَشَرْطُ النَّقْصِ الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ فَلَوْ كَانَ قَرِيبَ الزَّوَالِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ سَأَذْكُرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الْأَرْشِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَلَا عَلَى التَّخْيِيرِ وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَسَنُعِيدُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا فِيهِ نُقْصَانُ صِفَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا إلَّا أَنْ يُتَجَوَّزَ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَيْهَا وَيَدُلُّكَ قَوْلُهُ بَدَلَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ لَكِنَّهُ هَهُنَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ شَرْعًا بِدَلِيلِ جَبْرِهِ بِالْأَرْشِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْجُزْءِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَتِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا حَقِيقِيًّا والا لزم أن يسقط من الثمن شئ فِي مُقَابَلَتِهِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ وَأَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعٌ أَصْلًا حَتَّى يَحْصُرَ الْأَوْصَافَ الَّتِي يَجِبُ الْأَرْشُ بِفَوَاتِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الْأَرْشِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ هُوَ الْخِصَاءَ وَلَمْ تَنْقُصْ بِهِ الْقِيمَةُ فَإِنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ وَسَأَذْكُرُ قَرِيبًا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي وَيُؤْخَذُ مِنْ قول المصنف أن الارش يدل عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَيَكُونُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ عُرْفًا جَدِيدًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ
* (تَنْبِيهٌ)
* هَلْ يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِإِعْلَامِ الْبَائِعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يُعْلِمُ الْبَائِعَ بِالْحَالِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرُدَّهُ وَإِمَّا أَنْ تَقْنَعَ بِهِ معيبا ولا شئ لك وان لم ترض فلابد من ضم الارش وصرح الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ بَعْدُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْإِعْلَامَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرد والارش إلا أن يكون العيب حادث قَرِيبَ الزَّوَالِ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي (قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ حَقَّهُ أَوَّلًا ثَابِتٌ فِي الرَّدِّ فَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ انْتَقَلَ إلَى الْأَرْشِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَمَا حَكَيْتُهُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الْأَرْشِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مَعِيبًا وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ أَرْبَعَةٌ بِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ هُنَا وَكَلَامُ الْإِمَامِ فِي بَابِ السَّلَمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ وَجْهَانِ فِي ذَلِكَ أَرْجَحُهُمَا عنده أنه لا يثبت
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 231)
________________________________________
الارش الا الطالب الْجَازِمُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَيْبُ قَرِيبَ الزَّوَالِ كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى وَالرَّمَدِ وَالْعِدَّةِ الَّتِي لَزِمَتْهَا مِنْ وطئ شُبْهَةٍ فَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ مذكوران في طريقة الخراسانيين عبر عنها الْبَغَوِيّ بِقَوْلَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُعْذَرُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَهُ انْتِظَارُ زَوَالِهِ لِيَرُدَّهُ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ
(وَالثَّانِي)
لَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِقُدْرَتِهِ عَلَى طَلَبِ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ فِيمَا لَيْسَ قَرِيبَ الزَّوَالِ لَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ قَطْعًا وَيَكُونُ الْإِعْلَامُ لِطَلَبِ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُلْتُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّدِّ أَمْ لَا فَإِنْ جَعَلْنَاهُ عُذْرًا كَانَ بَعْدَ زَوَالِهِ الرَّدُّ وَاسْتِرْجَاعُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ عُذْرًا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْأَرْشِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَعَلَيْهِ جَرَى الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ صَرَّحَ عَلَى قَوْلِنَا أَنْ لَا يعذر أنه أبطل حقه وظاهر ذلك بطل حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ جَمِيعًا فَيَقْتَضِي أَنَّ طَلَبَ الْأَرْشِ عَلَى الْفَوْرِ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي تَأْخِيرِ طَلَبِ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ لَا يَبْعُدُ جَرَيَانُ مِثْلِهِمَا فِيمَا إذَا قُلْنَا إنَّ حَقَّهُ فِي طَلَبِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَأَخَّرَ طَلَبَهُ إلَى زَوَالِ الْحَادِثِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّامِلِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ عَيْبَ الْجَارِيَةِ بَعْدَمَا حَمَلَتْ والحمل ينقصها يرجع لارش وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَمْسِكْهَا حَتَّى تَضَعَ وَيَرُدَّهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي أَفْهَمَهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةٌ مَتَى وُجِدَ عَيْبٌ قَدِيمٌ وَعَيْبٌ جَدِيدٌ مُنْتَظَرُ الزَّوَالِ جَرَى الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَى الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ أَوْ طَلَبِ الْأَرْشِ الْآنَ لَكِنْ هَلْ تَتَعَيَّنُ الْفَوْرِيَّةُ فِي طَلَبِهِ أولا فِيهِ مَا سَلَفَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ وَعَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ عَدَمِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَلَبِ الرَّدِّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ وَبَيْنَ طَلَبِ الْأَرْشِ بِخِلَافِ مَا أَفْهَمَ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ
* نَعَمْ يَلْتَفُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَحْثِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هَلْ حَقُّ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا فِي الرَّدِّ أَوْ فِي طَلَبِ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ التَّأْخِيرِ بِهَذَا السَّبَبِ عُذْرًا اولا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي يَظْهَرُ سُقُوطُ حَقِّهِ مِنْ الرد ويعين الارش الا برضى الْبَائِعِ وَلَا تُشْتَرَطُ الْفَوْرِيَّةُ هَذَا مَا يَتَّضِحُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ
* وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ طَلَبَ الْأَرْشِ وَيَرُدُّ بَعْدَ الْوَضْعِ وَأَمَّا تَأْخِيرُ طَلَبِ الْأَرْشِ وَحْدَهُ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ الرَّدِّ فَجَائِزٌ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى أَخْذِ
الْأَرْشِ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ أَخْذَ الْأَرْشِ لَا يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ مَتَى شَاءَ أَخَذَ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 232)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* زَوَالُ الْبَكَارَةِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فهو مانع من الرد سواء كان بوطئ المشترى أو البائع أو أجنبي سواء كان بِآلَةِ الِافْتِضَاضِ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِصْبَعٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ ظُفُرِهِ أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ (١) إلَّا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ بوطئ لزوج فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهُمَا يَثْبُتَانِ هُنَا فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنَّهُ مَانِعٌ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْبَكَارَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الزوج فان جهل المشترى الزوجية فلا شكال فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَانِعٍ وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الزَّوْجِيَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي موضعين على كونه موجب لِلرَّدِّ بِسَبَبِهِ أَوْ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ أولا وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ وَلَا مَانِعٍ وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا قُلْتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ جِنَايَةٌ على المبيع قبل القبض سواء كانت مكرهة أو مطاوعة وسواء كان الْوَاطِئُ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ آلَةِ الِافْتِضَاضِ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا وَإِنْ افْتَضَّهَا بِآلَتِهِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ أَوْ يُفْرَدُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أوجه (أصحهما) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ هُنَا يَدْخُلُ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا
(وَالثَّانِي)
يُفْرَدُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا ثَيِّبًا (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالرَّافِعِيُّ هُنَاكَ أَيْضًا ثُمَّ الْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْعَقْدَ فَالْجَمِيعُ لَهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ تَمَّ الْعَقْدُ اما إنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا لَوْ قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَرْشُ الْقَطْعِ لِلْبَائِعِ وَفِي مَهْرِ مِثْلِ الثَّيِّبِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَلِلْمُشْتَرِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مُتَعَيَّنٌ وَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَقَدْرُ أَرْشِ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ لِعَوْدِهَا إلَيْهِ نَاقِصَةً وَالْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي فَأَمَّا قَوْلُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ فَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الثَّانِي
لِلْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِنْدَ التَّلَفِ (وَأَمَّا) إذَا افْتَضَّهَا الْبَائِعُ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَلَا شئ عَلَى الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) جِنَايَتُهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاخْتَلَفَ جَوَابُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِيهَا فَمَرَّةً قَالَ كَذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ قوليه ومرة قال فيما إذا كان
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 233)
________________________________________
بِغَيْرِ آلَةِ الِافْتِضَاضِ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ مَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا وَثَيِّبًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَانْدَمَلَ وَقُلْنَا جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفُهَا قَالَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ آصُعٍ حِنْطَةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَتْلَفَ الْبَائِعُ صَاعًا مِنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا يَقُولُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ عَامِدٌ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَدَعْوَاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَمْنُوعَةٌ أَيْضًا بَلْ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَافْتَضَّهَا وَجَعَلْنَا جِنَايَتَهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَجَازَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا أَرْشُ الْبَكَارَةِ يَنْفَرِدُ يُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ ذَهَابُ الْبَكَارَةِ مِنْ قِيمَتِهَا فَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الثَّمَنِ يَسْقُطُ إنْ نَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهَا سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ عُشْرُهُ وَيَجِبُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ثَيِّبًا إنْ جَعَلْنَاهُ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَإِنْ قُلْنَا) أَرْشُ الْبَكَارَةِ لَا يُفْرَدُ فَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا مَثَلًا مِائَةً وَثَيِّبًا ثَمَانِينَ فَخُمْسُ مَهْرِهَا بِكْرًا أش الْبَكَارَةِ إنْ جَعَلْنَاهَا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ وَفِي أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ وَجْهَانِ فان مايت فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ افْتِضَاضِهِ سَقَطَ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَقَدْرُ مَا يُقَابِلُ أَرْشَ الْبَكَارَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَهَلْ يَغْرَمُ مَهْرَ مِثْلِهَا ثَيِّبًا (إنْ قُلْنَا) الْفَسْخُ رَفْعٌ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَغْرَمْ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ وَجِنَايَةُ الْبَائِعِ كَالْأَجْنَبِيِّ غَرِمَ
* هَذَا التَّفْرِيعُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ إلَّا عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وفيه مخالة كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي إلْحَاقِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا وَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ فَسْخُ أرش البكارة وهل عليه مهر ثيبا ان افتضى بِآلَتِهِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لم يَجِبُ أَمْ لَا وَهَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّا إنْ قُلْنَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ يَجِبْ وَهُوَ صَحِيحٌ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ وَجَبَ وَيَنْبَغِي إذَا قُلْنَا إنَّ جِنَايَتَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيُخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ
مِنْ حِينِهِ (إنْ قُلْنَا) مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يجب أيضا والا وجب في هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ زَوَالُ الْبَكَارَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَلْ هَذَا عَيْبٌ آخَرُ مُثْبِتٌ لِلرَّدِّ وَأَمَّا إذَا افْتَضَّهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَسْتَشْعِرُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا وَهُوَ تَعْيِيبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَإِنْ سَلِمَتْ حَتَّى قَبَضَهَا فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ نَقْصِ الِافْتِضَاضِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَلْ عَلَيْهِ مَهْرُ ثَيِّبٍ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ هَكَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا إن ارش البكارة يفرد على الْمَهْرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُفْرَدُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 234)
________________________________________
قَالَ فَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا يُقَابِلُهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَفِي الْبَاقِي مِنْ الْمَهْرِ الْوَجْهَانِ وَبَيْنَ التَّقْدِيرَيْنِ اخْتِلَافٌ فَإِنَّا إذَا أَفْرَدْنَا أَرْشَ الْبَكَارَةِ وَكَانَ عِشْرِينَ مَثَلًا وَهُوَ عُشْرُ قِيمَتِهَا قَرَّرْنَا عُشْرَ الثَّمَنِ وَإِذَا لَمْ يفرد وكان مهرها بكرا مائة أو ثيب ثَمَانِينَ فَأَرْشُ الْبَكَارَةِ الْخُمُسُ فَيَتَقَدَّرُ خُمُسُ الثَّمَنِ ولنفرض القيمة واحدة في المثالين فإذا ما ذكره الرافعى انما يجئ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ أَرْشَ الْبَكَارَةِ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لم نجعل وطئ المشترى كوطئ الأجنبي وهو للصحيح وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرَّافِعِيِّ هُنَا وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ فَسَادِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَجِبُ مهر بكرا وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مُتَعَيَّنٌ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ وَفِي وجه افتضتاض الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَافْتِضَاضِ الْأَجْنَبِيِّ وَفَرَّقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ بِالشَّرْعِ فَرُوعِيَ فِيهِ وَاجِبُ الشَّرْعِ وَهَذَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ فَرُوعِيَ فِيهِ مُوجَبُ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ اقْتَضَى التَّقْسِيطَ عَلَى الْأَجْزَاءِ فَلِذَا قَالَ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ تَكَلَّمْتُ يَوْمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَلْقَةِ الدَّامَغَانِيِّ قَاضِي القضاء وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ فَقُلْتُ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَحَقُّ الرَّدِّ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ لِأَنَّهُ بَذَلَ الثَّمَنَ لِيَحْصُلَ عَلَى مَبِيعٍ سَلِيمٍ فَلَمَّا فَاتَ أَثْبَتْنَا لَهُ الرَّدَّ جَبْرًا لِحَقِّهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ الَّذِي بَذَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ وَجُعِلَ عَلَى الْمَعِيبِ فَكَانَ إخْلَالًا بِالنَّظَرِ وَتَرْكَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَلِذَلِكَ إذَا حَدَثَ عِنْدَهُ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ ذَلِكَ أَفْضَى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَيْهِ مَعِيبًا تَسْوِيَةً بَيْنَ جَانِبِهِ وَجَانِبِ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِي هَذَا بَيَانُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا
وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ فَلِمَ رَجَّحْتَ جَانِبَ الْبَائِعِ عَلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَلْزَمْتَ الْمُشْتَرِيَ الْمَعِيبَ فَقُلْتُ هَذَا فِي قَضِيَّةِ النَّظَرِ لَا يَلْزَمُنِي لِأَنَّ مَقْصُودِي بَيَانُ امْتِنَاعِ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي وذلك يحصل بالمعاوضة لمراعات حَقِّ الْبَائِعِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ التَّرْجِيحِ ثُمَّ أَشْرَعُ بِبَيَانِهِ (فَأَقُولُ) إنَّمَا رَجَّحْتُ جَانِبَ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَلْزَمْنَاهُ أَخْذَ الْمَبِيعِ بِعَيْبَيْنِ عَظُمَ الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ لِحُدُوثِهِ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لَهُ وَالْمُشْتَرِي لم يكن في ملكه شئ ففات عليه وانما قصد تحصيل شئ عَلَى صِفَةٍ فَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وليس الضرر في حق من فاته شئ كَانَ لَهُ حَاصِلًا كَالضَّرَرِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا قَصَدَهُ (قُلْتُ) قَوْلُهُ إنَّهَا مِنْ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُهُ أَحَدُ الْأَوْجُهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ مالك أيضا عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَهُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 235)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَيَطْرُقُهُ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّا سَنَحْكِي حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ التزويج بِعَيْبٍ وَقِيَاسُ ذَلِكَ يَطَّرِدُ هَهُنَا (الثَّانِي) لَوْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا إنْ رَدَّكِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ (الْأَظْهَرُ) عِنْدِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ عَقِبَ الرَّدِّ بِلَا فَصْلٍ وَلَا يَخْلُفُ النِّكَاحَ عِنْدَهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِمُقَارَنَةِ الْعَيْبِ الرَّدَّ وَعَلَى ذِهْنِي مِنْ كَلَامِ الْغَيْرِ مَا يُعَضِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ ثُمَّ عَيَّبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ لِوُجُودِ الْعَيْبِ الْآنَ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ تَرَتَّبَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ أَوْ قَبْلَهُ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَلَمْ تُصَادِفْ الزَّوْجِيَّةُ الرَّدَّ فَتَصِحَّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِلْمُقَارَنَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ عَقِيبَ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَيْ لِمُصَادَفَتِهِ زَمَانَ الْبَيْنُونَةِ فَيُؤَدِّي إيجَابُ الْقَبُولِ إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ لَا تُعَدُّ عَيْبًا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ لِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلِمَا قَدَّمْتُهُ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ
** (فَرْعٌ)
* إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَقَبِلَ رَدَّهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي الرَّدِّ جَاءَ الْبَائِعُ وَقَطَعَ يَدَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الرَّدُّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي لَا لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (قُلْتُ) هَكَذَا أَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا خَاصَّيْنِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِعْلُ الْبَائِعِ مَانِعًا لِمَا شَرَعَ فِيهِ الْمُشْتَرِي وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ نَظَرَ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ الْحَاصِلَةِ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي زَوَالِ الْبَكَارَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَغَيْرِهَا وَالْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ فِي زَوَالِ الْبَكَارَةِ يُخَالِفُهُ
*
* (فَرْعٌ)
* مِنْ جُمْلَةِ الْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْ الرَّدِّ لَوْ كَانَ غُلَامًا فَحَلَقَ شَعْرَهُ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَهُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ
*
* (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى فَرَسًا بِحِمَارٍ وَخَصَى الْفَرَسَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَالظَّاهِرُ وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ ليس له الرد إلا برضي الْبَائِعِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَإِنْ نَقَصَتْ اسْتَرَدَّ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ عَيْنِ الْحِمَارِ لَا مِنْ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ قَدْ تَلِفَ اسْتَرَدَّ مِنْ قِيمَتِهِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 236)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ قَالَ البائع أنا آخذ المبيع مع العيب الحادث لم يلزمه دفع الارش لانه لم يكن له غير الرد وانما امتنع للعيب الحادث في يده فإذا رضى به صار كأنه لم يحدث عنده عيب فلم يكن له غير الرد وإن قال المشترى أرده وأعطى معه أرش العيب الحادث عندي لم يلزم البائع قبوله كما إذا حدث العيب به عند البائع فقال خذه وأنا أعطيك معه أرش العيب لم يلزم المشترى قبوله)
*
*
* (الشرح)
* هذا نَوْعَانِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ أَحْوَالًا (أَحَدُهَا) أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِرَدِّهِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ لِلْحَادِثِ فَذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بعد ذلك إلا أن يمكسه مجانا أو يرد وَلَا يُكَلَّفُ رَدَّهُ كَمَا لَا يُكَلَّفُ رَدَّهُ إذَا انْفَرَدَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَلَا يُكَلَّفُ الْبَائِعُ الْأَرْشَ وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا (وَقَوْلُهُ)
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ الرَّدِّ يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَيَقْتَضِي أَنَّ حَقَّهُ الْأَصْلِيَّ هُوَ الرَّدُّ لَا الْأَرْشُ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إمْسَاكِهِ وأخذ أرش العيب القديم فذلك جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْوَاجِبُ لَكِنْ بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ مِنْ الرَّدِّ إلَيْهِ وَلَا يَأْتِي هَهُنَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى دَفْعِ الْأَرْشِ لِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ وَالْفَرْقُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الِاعْتِيَاضَ هُنَاكَ عَنْ سُلْطَةِ الرَّدِّ وَهِيَ لَا تقابل والمقابلة هنا عن ما فَاتَ مِنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْحَالَةَ لَكِنْ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَهَلْ أَخْذُ الْأَرْشِ هُنَا بِطَرِيقِ الِاعْتِيَاضِ فَيَرِدُ السُّؤَالُ الْمُتَقَدِّمُ وَيَكُونُ هُنَا أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ سُلْطَةِ طَلَبِ الْأَرْشِ أَوْ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاعْتِيَاضِ وَلَكِنْ يُجْعَلُ قَائِمًا مقام الجزء الفائت لعيب الْحَادِثِ وَيَرِدُ الرَّدُّ عَلَيْهَا كَمَا فِي رَدِّ الصورة ويأتى ذلك البحث لذى هُنَاكَ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا فَاتَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُقَابَلٌ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَإِذَا رد الباقي برضى الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيمَا يُقَابِلُ الْمَرْدُودَ مِنْ الثمن وبقى ما يقابل الجزء الفاقت لَمْ يَنْفَسِخْ فِيهِ الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَوْ نَقْدًا بَاقِيًا بِحَالِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مِقْدَارَ أرش العيب الحادث وعلى التقدير بين الْأَوَّلَيْنِ يَسْتَرْجِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَيَغْرَمُ مِنْ عِنْدِهِ الْأَرْشَ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ لَزِمَهُ غَرَامَةُ مَا فَاتَ تَحْتَ يَدِهِ كَالْمُسْتَلِمِ ويكون من باب الغرامات المحقة لَيْسَ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ المصنف في مسألة
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 237)
________________________________________
ومالا يقوقفه عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ مَا يَدُلُّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ الرَّابِعِ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ مَا يَشْهَدُ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ إنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ عِنْدَ التَّنَازُعِ من يدعوا إلَى الْإِمْسَاكِ يَقُولُ إذَا فُرِضَ التَّرَاضِي عَلَى الرَّدِّ وَضَمِّ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْإِقَالَةِ (قُلْتُ) وَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَعُودُ الْبَحْثُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْفَسْخُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ فَإِنْ ثَبَتَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ لَمْ يُكَلَّفْ أن يبقى في ذمة المشترى بل لابد مِنْ إحْضَارِهِ حَتَّى يُجَابَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ وَسَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ يُبَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ اشْتِرَاطِ رد التمر مَعَهَا وَفِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ
الْأَرْشِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي مَعْرِفَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى والذى قاله الاصحاب في مسألة يغرم أَنَّ الرَّدَّ يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ مَعَ الْأَرْشِ الْمَرْدُودِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْإِمَامَ قَالَ هُنَاكَ وَمِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ حَيْثُ كَانَ لَازِمًا فِي الصَّفْقَةِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضُمُّ أَرْشَ نَقْصِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدُّهُمَا فَهَذَا فِي أَصْلِ وَضْعِهِ إشْكَالٌ فَإِنَّ التَّمْلِيكَ بِالْفَسْخِ رَدٌّ وَاسْتِرْدَادُ حَقِّهِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالرَّدُّ كَاسْمِهِ فَتَقْدِيرُ إدْخَالِ مِلْكٍ جَدِيدٍ فِي التَّمْلِيكِ بِطَرِيقِ الرَّدِّ بَعِيدٌ وَلَا وجه يطابق القاعدة إلا أن يقول لرد يَرِدُ عَلَى الْمَعِيبِ بِالْمَعْنَيَيْنِ فَحَسْبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتَضِيَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْمَعِيبِ بِتَأْوِيلِ تَقْدِيرِ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ وَتَشْبِيهِ يَدِهِ بِالْأَيْدِي الضَّامِنَةِ وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ بِذِمَّةِ الرَّدِّ فَيَضُمُّ الْأَرْشَ إلَى الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ فَيَكُونُ المضمون مستحقا بالسبيل الذى اشترت إلَيْهِ وَلَيْسَ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مَرْدُودًا وَلَوْ قَالَ الرَّادُّ أَرُدُّ ثُمَّ أَبْذُلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الثِّقَةِ وَإِذَا رَدَّ مَعَ لارش جرى في عين المضمون يَتَأَوَّلُ أَنَّهُ ضَمِنَ وَأَقْبَضَ لَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَ بِالرَّدِّ شَيْئًا لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهَذَا يَدُلُّ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَرْشَ عَنْ الْحَادِثِ غَرَامَةٌ غَيْرُ مَنْسُوبَةٍ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَاكَ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ أَوْ خَاصٍّ بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) إنْ تَنَازَعَا فَيُذْعِنُ أَحَدُهُمَا إلَى الرَّدِّ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيُذْعِنُ الْآخَرُ إلَى الْإِمْسَاكِ وَغَرَامَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَهَذَا يُفْرَضُ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَالِبُ الرَّدِّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 238)
________________________________________
هُوَ الْمُشْتَرِيَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا بِأَنَّ الْمُجَابَ الْبَائِعُ وَقَدْ يَكُونُ طَالِبُ الرَّدِّ هُوَ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي يطالب الْإِمْسَاكَ وَأَخْذَ الْأَرْشِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا ومقتضى طلاقه فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُجَابَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَاجِبَ لَهُ الْأَرْشَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِالرَّدِّ أَيْ مَجَّانًا وَهُوَ هُنَا لَمْ يَرْضَ بِالرَّدِّ إلَّا مَعَ الْأَرْشِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي صَحَّحَهُ (١) وَالرَّافِعِيُّ وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَّبَعَ مَنْ يُذْعِنُ إلَى الْإِمْسَاكِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ إلَّا فِي مُقَابَلَةِ
السَّلِيمِ وَضَمُّ أرش العيب الحادث إدخال شئ جديد لم يكن في العقد فكان الاول أَوْلَى (قُلْتُ) وَهَذَا فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا أَبْدَيْتُهُ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَوَرَاءَ هَذَا وَجْهَانِ آخَرَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَاهُمَا غَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
أن المتبع رأس الْمُشْتَرِي وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى مَا يَقُولُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ تَمَامُ الثَّمَنِ إلَّا بمبيع سليم فإذا تعذر ذلك فوضعت الْخِيَرَةُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ مُلْبِسٌ بِتَرْوِيجِ الْمَبِيعِ فَكَانَ رِعَايَةُ جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَوْلَى وَيُرْوَى هَذَا الْوَجْهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَأَنَّهُ رَوَاهُ فِي الْقَدِيمِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ هُنَاكَ فِي إجَابَةِ الْمُشْتَرِي إلى الرد وأما إجابته إلى الامساك فلم أرهم ذكروها هناك (فان قلت) إذا أجيب في الرد فأجابته في الْإِمْسَاكِ أَوْلَى لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (قُلْتُ) قَدْ يَكُونُ أَبُو ثَوْرٍ يَرْوِي أَنَّهُ لَيْسَ حَقُّ الْمُشْتَرِي إلَّا فِي الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَلَا يَسُوغُ أَخْذُ الْأَرْشِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إنَّهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ فَأَرْشَ الْعَيْبِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُتَّبَعَ رَأْيُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إمَّا غَارِمٌ أَوْ آخِذٌ مَا لَمْ يَرِدْ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ تَحَصَّلَ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ وَجْهَانِ وَهُمَا فِي الثانية مستويان لراية الصَّيْدَلَانِيِّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ الصُّورَةَ الْأُولَى الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَهِيَ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَغَرَامَةَ أَرْشِ الْحَادِثِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا وَبَنَاهُمَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالثَّانِي عَيْبًا وَأَرَادَ ضَمَّ قِيمَةِ التَّالِفِ إلَيْهِ وَانْفَسَخَ فِيهِمَا إنْ جَوَّزْنَا هُنَاكَ أَجَبْنَا هُنَا وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَغْرَمُ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَهَذَا الْبِنَاءُ يَقْتَضِي ضَعْفَ الْقَوْلِ بِإِجَابَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَصَحَّ هُنَاكَ عَدَمُ إجَابَتِهِ فِي ضَمِّ قِيمَةِ التَّالِفِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مُفَرَّعَانِ عَلَى امْتِنَاعِ إفْرَادِ الْمَوْجُودِ بِالرَّدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران فهو خلاف
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 239)
________________________________________
عَلَى خِلَافٍ وَبَنَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَجْهَيْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهَا إذَا اشترى جوازا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا وَقُلْنَا لَهُ رَدُّهُ هَلْ لِلْبَائِعِ الْأَرْشُ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَهُ أَجَبْنَا الْبَائِعَ هُنَا وَإِلَّا فَلَا (قُلْتُ) وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ كَذَلِكَ هُنَا (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيُسْأَلُ
الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِالْجَوَازِ الْمُرَادِ بِهِ مَا يُبْقِي لَهُ قِيمَةً بَعْدَ الْكَسْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ الله تعالى
*
* (فروع)
* الاول لزوال الْعَيْبُ الْحَادِثُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ ثُمَّ عَلِمَهُ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي البويطى وفيه وجد ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ يَعْنِي عَنْ قُرْبٍ وَأَمَّا مَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَوْ زَالَ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ زَالَ الْقَدِيمُ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ فِيهِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّتِمَّةِ وَإِنْ زَالَ الْقَدِيمُ بَعْدَ أَخْذِهِ أَرْشَهُ رَدَّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ نَبَتَ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ هَلْ يَرُدُّهَا وَلَوْ زال العيب الحادث بعدما أَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الْأَرْشِ فِيهِ وَجْهَانِ بَنَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا قَطَعَ كَامِلَ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا مِنْ يَدِ رَجُلٍ ثُمَّ الْأُنْمُلَةَ الْوُسْطَى مِنْ يَدِ آخَرَ وَيَدَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِالطَّلَبِ فَأَعْطَيْنَاهُ الْأَرْشَ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ ثُمَّ قَطَعَ الْأَوَّلُ الْأُنْمُلَةَ الْعُلْيَا وَأَرَادَ الثَّانِي رَدَّ الْأَرْشِ وَقَطْعَ الْوُسْطَى قَالَ (وَالْأَصَحُّ) أنه ليس ذَلِكَ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ الْأَخْذِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَجَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالْقَبْضِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ وَجَعَلَ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ ولو تراضيا ولا قضيا فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكُلَّمَا ثَبَتَ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ يمنع الرد إذا حدث عند المشترى ومالا رَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَّا فِي الْأَقَلِّ وَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا قَطَعَ إصْبَعَهُ الزَّائِدَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ عِنْدِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعِجْلِيُّ لَكِنِّي رَأَيْتُ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَوْ باع اقلف فختنه البائع قبل التسليم وبرأ أَوْ كَانَ بِهِ سِنٌّ شَاغِيَةٌ أَوْ إصْبَعٌ زَائِدَةٌ فَقَلَعَ السِّنَّ وَقَطَعَ الْإِصْبَعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَرِئَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ مَعَ الْبُرْءِ لَيْسَ بِعَيْبٍ ولذك لَمْ يُرَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 240)
________________________________________
لَكِنْ فِي كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْبًا فَإِنْ قِيلَ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِهِ غَرَضٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إذا حدثت قَبْلَ الْقَبْضِ أَنْ يَثْبُتَ الرَّدُّ بِهِ أَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَصَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ بِهِ جَزْمًا فَإِنْ صَحَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مَعَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي
أَبُو الطَّيِّبِ تَعَيَّنَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاحْتِرَازُ كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ كَمَا لَا رَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا حَدَثَ في يده قبل القبض بمنع الرَّدُّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى الطرفان لا يستثني منهما شئ وَسَيَأْتِي وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ خَالَفَ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ وَلَوْ أَخْصَى الْعَبْدَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا رَدَّ وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ وَلَوْ نَسِيَ الْقُرْآنَ أَوْ صَنْعَةً ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا رَدَّ لِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ رَضِيعَةً فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّ الْبَائِعِ أَوْ ابْنَتُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمْ تَنْقُصْ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي وطئ الثَّيِّبِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ أَبَا الْمُشْتَرِي أَوْ ابْنَهُ وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ رَهْنِهِ فَلَا رَدَّ فِي الْحَالِ وَفِي وُجُوبِ الارش وجهان ان عللنا باستدرك الظلامة فتم وَإِنْ عَلَّلْنَا بِتَوَقُّعِ الْعَوْدِ فَلَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ رَدَّ وَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يجوز مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ كَالْمَرْهُونِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ عيب يرجى زواله فان رضى البائع بأخذ مستأجرا رد عليه ولا تعذر الرد نفى الْأَرْشِ الْوَجْهَانِ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الدَّرْسِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ كَانَ قَالَ إنَّهُ إذَا رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ فَهَلْ يفسخ في الحال أولا حَتَّى يَنْفَكَّ الرَّهْنُ وَتَمْضِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ إنْ مَنَعْنَا لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ الْأَرْشَ لِأَنَّ لِلرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ غَايَةً مَعْلُومَةً بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ وسواء؟ ؟ ؟ أَوْ فَسَخَ فِي الْحَالِ فَالْأُجْرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ تعذر الرد بغصيب أَوْ إبَاقٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ وَسَيَأْتِي التَّعَذُّرُ بِالْإِبَاقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِحِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ عِنْدَ الْإِبَاقِ وَالْغَصْبِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِلتَّعَذُّرِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِعَدَمِ الْيَأْسِ وَقَرَارُ الرَّقِيقِ عَلَى نَفْسِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي تُدِينُ الْمُعَامَلَةَ أَوْ تُدِينُ الِائْتِلَافَ مَعَ تَكْذِيبِ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِنْ صَدَّقَهُ مُشْتَرِي الْمَوْلَى عَلَى دَيْنِ الِائْتِلَافِ منع منه فان عفى المقر له بعدما أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الاش وجهان جاريان فيما إذا أخذ اشترى الْأَرْشَ كَرَهْنِهِ الْعَبْدَ أَوْ كِتَابَتِهِ أَوْ إبَاقَتِهِ أو غصبه أو نحوها ان مسكناه مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ زَالَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 241)
________________________________________
الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ (أَصَحُّهُمَا) لَا فَسْخَ وَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ فَلَهُ الْفَسْخُ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَقْبَلُ الفسخ وكذا التعليق قابل للرفع بازلة الْمِلْكِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ زَوَّجَ
الْجَارِيَةَ أَوْ الْعَبْدَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ قَطَعَ جَمَاعَةٌ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَهُوَ كَعَيْبٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ بَعْضَهُمْ قَطَعَ بِهَذَا وَإِنَّ الرُّويَانِيَّ وَالْمُتَوَلِّيَ اخْتَارَاهُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ تُفْهِمُ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَّجَهُ عَلَى الْخِلَافِ
* قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ (وَأَمَّا) الْكِتَابَةُ فَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْأَظْهَرُ عَلَى الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ (وَقَالَ) الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لا رد ولا أرش لعدم اليأس ولاستدرك الظُّلَامَةِ بِالنُّجُومِ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالرَّهْنِ وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِدْرَاكُ بِالنُّجُومِ يَعْنِي لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ مَالُهُ (وَقَالَ) فِي التَّتِمَّةِ إنَّهُ إنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ الْقَبُولِ أَوْ قُلْنَا تَبِعَ الْمُكَاتَبَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الْكِتَابَةَ كَالتَّزْوِيجِ وَمُرَادُهُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ (وَأَمَّا) فِي جَوَازِ الرَّدِّ فَقَدْ عَلِمْتَ بِنَاءَ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَتْ كَالتَّزْوِيجِ مُطْلَقًا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْكِتَابَةِ أربع طرق (أصحهما) أَنَّهُ كَالرَّهْنِ فَلَا يُفْسَخُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ طَرِيقَةُ الرَّافِعِيِّ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِي الْحَالِ قَطْعًا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ (الثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ يفسخ وَهُوَ مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي قَوْلِهِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَسْخَ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ وَأَنَّهُ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَدِيمِ بَلْ يَتَعَيَّنُ تَفْرِيعُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِهِ وَلَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْشِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ أَنْعَلَ الدَّابَّةَ ثُمَّ عَلِمَ بها عيبا قديما ان لم يعيبها نَزْعُ النَّعْلِ بِأَنْ تَكُونَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ وَسَمَّرَ الْمُشْتَرِي النَّعْلَ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ يَحْدُثُ بِقَلْعِهَا نَزْعٌ فَلَهُ نَزْعُهُ وَالرَّدُّ فَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُ النَّعْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّزْعِ هُنَا وَالنَّعْلِ فِي يَدِهِ طَلَبُ الْخَصْمِ أَنَّ ذَلِكَ إشْغَالٌ يُشْبِهُ الْحَمْلَ عَلَيْهَا وَهَذَا تَفْرِيعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي أن اشغال المشتري يجز الصُّوفِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيرَادِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ يُطْرِدُهُ فِيهِمَا بَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَإِنَّ بَابَهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِالتَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ نَزْعُ الْحَافِرِ يَخْرِمُ نَقْبَ الْمَسَامِيرِ وَيَعِيبُ الْحَافِرَ فَنَزَعَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 242)
________________________________________
بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ نَزْعُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ كَانَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ فِي الْأَرْشِ وَلَوْ رَدَّهَا مَعَ النَّعْلِ أَجْبَرَ الْبَائِعَ عَلَى الْقَبُولِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَةِ النَّعْلِ ثُمَّ تَرْكُ النَّعْلِ هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَكُونَ لِلْبَائِعِ لَوْ سَقَطَ أَوْ إعْرَاضٌ فَيَكُونَ لِلْمُشْتَرِي (وَجْهَانِ) أَشْبَهُهُمَا الثَّانِي هَذَا إذَا جَرَى التَّرْكُ وَحْدَهُ فَإِنْ حَصَلَ لَفْظُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَقِيلَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْأَحْجَارِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى قولنا أنه لا يملك المطالبة به مادام مُتَّصِلًا وَلَوْ طَلَبَ نَزْعَهُ قَبْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ ابْتِدَاءً وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَسْمَحُ بِالنَّعْلِ وَطَلَبَ الْأَرْشَ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي الْمُسَامَحَةُ وَقَلْعُهُ يَقْتَضِي حُدُوثَ تَعَيُّبٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ لم يكن له ذلك فانه كالحضر فِي مُؤْنَةِ الرَّدِّ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ عند الوفاق أو الننازع (وَأَمَّا) إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ثُمَّ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ إنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَالِبَ بشئ فَعَلَى الْبَائِعِ الْقَبُولُ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ إذَا صَبَغَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ مَصْبُوغًا وَيَرْجِعُ بالارش وحلمه ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ بِالصِّبْغِ نَقْصٌ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ لَا يُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إذَا لَمْ يَسْمَحْ بِالصِّبْغِ فَإِنْ سَمَحَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَهَذِهِ الْحَالَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَلَامُهُ مُطْلَقٌ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَيَصِيرُ الصِّبْغُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلثَّوْبِ لَا تُزَايِلُهُ وَلَيْسَ كَالنَّعْلِ قُلْتُ لَكِنْ فِي إدْخَالِهِ فِي مِلْكِهِ شَبَهٌ مِنْ مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَفِيهَا خِلَافٌ لِأَجْلِ الْمِنَّةِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ وَالصِّبْغُ فَوْقَ النعل دون الثِّمَارِ وَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وقال البائع رد الثوب لا غرم لَكَ قِيمَةَ الصِّبْغِ فَفِيمَنْ يُجَابُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّ الْمُجَابَ الْبَائِعُ وَلَا أَرْشَ لِلْمُشْتَرِي (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَرْشِ وَهَذَا مِمَّا يُعَيِّنُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ
فِي الصِّبْغِ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ زِيَادَةٌ وَإِنَّمَا أَهْمَلَ الْقِسْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ أو يكون
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 243)
________________________________________
لَا يَخْتَارُ الْإِجْبَارَ عَلَى ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّعْلِ فَيَبْقَى كَلَامُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ أَجَبْنَا الْبَائِعَ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَبَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ حَيْثُ نُجِيبُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الصَّحِيحِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا يَأْخُذُ قِيمَةَ الصِّبْغِ وَالثَّمَنِ يَسْتَدْرِكُ ظُلَامَتَهُ وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا هُنَاكَ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِالرَّدِّ مع أرش الحادث غرمناه لا مقابلة شئ أَخَذَهُ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعُ رَدَّهُ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ فَإِنَّهُ يُجَابُ قَطْعًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَأَخْذَ قِيمَةِ الصِّبْغِ مَعَ الثَّمَنِ فَفِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ وَهَذَا الصَّحِيحُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ قَطَعَهُ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى صِبْغٍ تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ كَمَا قَالَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ قَالَ لَكِنْ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ وَالْإِمَامُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَسَتَأْتِي التَّنْبِيهَاتُ الَّتِي أَذْكُرُهَا الْآنَ إن شاء لله تعالى بيان الْحَالِ فِيهِ وَهَلْ ذَلِكَ مُتَحَتِّمٌ أَوْ ثَمَّ طَرِيقٌ غَيْرُهُ وَهَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ فِي هَذَا الْفَرْعِ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الطَّرَفَيْنِ أَعْنِي طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ وَأَخْذَ الْأَرْشِ أَوْ الرَّدَّ وَأَخْذَ قِيمَةِ الصِّبْغِ شَبَّهَهُ بِالْخِلَافِ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى ضَمِّ الْأَرْشِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ وقال فقد جرى الصبغ لزائد مَجْرَى أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي طَرَفَيْ الْمُطَالَبَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ رُدَّهُ مَعَ الْأَرْشِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي أُمْسِكُ وَآخُذُ الْأَرْشَ فَفِيمَنْ يُجَابُ وَجْهَانِ وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَرُدُّ مَعَ الْأَرْشِ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَغْرَمُ الْأَرْشَ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ إذَا أَفْرَدَ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ بِالنَّظَرِ وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الصِّبْغِ الزَّائِدِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ أَنَّ إدْخَالَ الصِّبْغِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ دَخِيلٌ فِي الْعَقْدِ كَإِدْخَالِ الارش الدخيل فيالعقد هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُرَادُهُ وَمُرَادُ الْإِمَامِ أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرد يعطى الْبَائِعُ قِيمَةَ الصِّبْغِ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ فَمَنْ الْمُجَابُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا تقدم ان المجاب البائع فيالحالتين
(والثانى)
ان المجاب المشترى فيالحالتين (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَرِيبًا مِمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ (وَقَالَ) فِي الْوَجِيزِ إنَّ إدْخَالَ الصِّبْغِ كَإِدْخَالِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي عَوْدَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ هَهُنَا ثُمَّ يُقَالُ الْمُجَابُ مِنْهَا فِي وَجْهِ مَنْ يَدْعُو
إلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْأَرْشِ الْقَدِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا تَكَادُ تُوجَدُ لِغَيْرِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا ثَمَّ أَنَّ الْأَصَحَّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهَهُنَا قَضِيَّةُ إيرَادِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ كَمَا مَرَّ قُلْتُ وَكَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ ظُهُورُهُ فِيمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا في
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 244)
________________________________________
النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ (وَأَمَّا) كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ طَلَبَ قِيمَةَ الصِّبْغِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ فِي رَدِّ الثَّمَنِ فِيهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا نُكَلِّفُهُ قِيمَتَهُ فَهُوَ كَعَيْبٍ حادث فتعود الاوجه فيه فيان تملك شئ حَادِثٍ أَوْلَى أَوْ تَغْرِيمَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَهَذَا صَرِيحٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ فِيهِ زِيَادَةُ إشْكَالٍ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى بذل قيمة الصبغ ويستبق الرهن إلى أَنَّ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِإِجَابَةِ الْبَائِعِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ إلَّا وَجْهَانِ إجَابَةُ الْمُشْتَرِي أَوْ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْأَرْشَ فَكَيْفَ تَأْتِي ثَلَاثَةُ تفريعا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَحَلُّ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّا إذَا لَمْ نُجْبِرْ الْبَائِعَ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالصِّبْغُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي والثوب تنقص قيمته باتصاله بصنع لَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي التَّقْوِيمِ فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَرْشِ الْحَادِثِ قُوِّمَ الثَّوْبُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ خَالِيًا عَنْ الصِّبْغِ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةٌ قُوِّمَ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ الصِّبْغُ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّقْوِيمِ فَإِذَا قِيلَ تِسْعَةٌ عُلِمَ أَنَّ الْفَائِتَ دِرْهَمٌ فَيَبْذُلُهُ لِلْبَائِعِ مَعَ الثَّوْبِ وَيَسْتَرْجِعُ ثَمَنَهُ وَيَبْقَى الصِّبْغُ فِي الثَّوْبِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ أَوْ عَلَى أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَذَلِكَ وَإِنْ تَنَازَعَا فِي هَذَيْنِ الْمَسْلَكَيْنِ فَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الْبَائِعُ فَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَ الْأَرْشِ عَنْ الْقَدِيمِ أَوْ أَخْذَ الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ عَرَضَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَبَاهُ سَقَطَ حَقُّهُ وَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ طَلَبَ الْأَرْشَ عَنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الثَّوْبِ مَعِيبًا بِسَبَبِ الصِّبْغِ وَلَا يَبْذُلُ قِيمَةَ الصِّبْغِ أُجْبِرَ عَلَى بَذْلِ الْأَرْشِ وَإِنْ طَلَبَ الرَّدَّ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَاسْتِعَادَةِ الثَّمَنِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الدَّاعِي إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ أَخْذًا أَوْ بَدَلًا هكذا شرح ابن الرفعة ولم يلتزم بمقض كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشْبِيهِ وَقَالَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْشَ غَرَامَةٌ عَمَّا فَاتَ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَمَأْلُوفٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يُجْبَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَخْذِ
مَالِهِ أَوْ يَبْرَأَ مِنْهُ وَإِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصبغ اجبار على تملك شئ مُبْتَدَإٍ يُبْذَلُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْغَرَامَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْلُوفٍ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْقَى شَرِيكًا بِالصِّبْغِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ أَوْ سَقَطَ حَقُّهُ يَعْنِي بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يَتَضَرَّرُ بِتَعَيُّنِ هَذِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 245)
________________________________________
الطَّرِيقِ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ لَا بِالتَّخْيِيرِ وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يُقَوِّي التَّأْوِيلَ أَوْ يُضْعِفُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي فَإِنْ صَحَّ هَذَا التَّأْوِيلُ انْدَفَعَ هَذَا الْإِشْكَالُ الثَّانِي عَنْ الْغَزَالِيِّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَحِينَئِذٍ أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ بَيْنَ رَدِّ الثَّوْبِ بِدُونِ الصِّبْغِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ هَلْ يُجَابُ فِيهِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ طَالِبُ الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَرْعٌ زَائِدٌ وَكَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ سَاكِتٌ عَنْهُ وَلَيْسَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ تَصْرِيحًا بِمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ فِي إدْخَالِ الصِّبْغِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ قَهْرًا وَكَذَلِكَ كَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ فَفِي إدْخَالِ الثَّوْبِ مَعَ أَرْشِهِ بِدُونِ الصبغ فأين أحدهما من لآخر فَلَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيطِ وَجْهًا ثَالِثًا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي مَسْأَلَةٍ زَائِدَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ الْمُجَابَ مَنْ يَدْعُو إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ هُنَاكَ وَلَا يُنَافِي إيرَادُ الْأَئِمَّةِ هُنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجَابُ إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ مَرَّ لِأَنَّ الَّذِي مَرَّ أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ وَطَلَبَ الْبَائِعُ بَذْلَ قِيمَةِ الصِّبْغِ أَمَّا إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِيَ الْأَرْشَ حَالَةَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ بَذْلِ قيمة الصبغ فما مَرَّ (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ الْإِمَامُ لَا صَائِرَ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ وَيَبْقَى شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالِاحْتِمَالُ مُتَطَرِّقٌ إلَيْهِ وَأَجَابَ الْغَزَالِيُّ عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يُبْقِيهِ شَرِيكًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَضَرُّرِهِ لِعُدْوَانِهِ وَأَعْرَضَ ابْنُ خِلِّكَانَ بِأَنَّ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ يَرْجِعُ فِي الثَّوْبِ الَّتِي زَادَتْ قِيمَتُهَا بِالصِّبْغِ وَيَكُونُ شَرِيكًا وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُفْلِسِ عُدْوَانٌ
وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْفَلَسِ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ فَإِذَا رَجَعَ حَصَلَ الضَّرَرُ لِلْمُفْلِسِ تَبَعًا وَالْمَقْصُودُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِرَدِّهِ وَجَعْلُهُ مُشْتَرَكًا يَقَعُ لَهُ ضَرَرٌ مَقْصُودٌ أَكْثَرَ مِنْ ضَرَرِ الْعَيْبِ وَأَنَا أَقُولُ إنَّ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ إذَا رَجَعَ فِي الثَّوْبِ دُونَ الصِّبْغِ لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لِلْمُفْلِسِ بِالشَّرِكَةِ لِأَنَّ مَالَهُ مَبِيعٌ كُلَّهُ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّ الثَّوْبَ يُبَاعُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ يَكُونُ كُلُّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلُّ الصِّبْغِ لِلْمُفْلِسِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا عَلَى وَجْهَيْنِ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ تَبَعًا لِلشَّرِكَةِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَالْجَوَابَيْنِ عنه بناء على مادل عليه كلام الغزالي رحمه الله مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالشَّرِكَةِ هُنَا لِأَجْلِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذلك عليه كما اوله ابن الرفعة عليه وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَنْظِيرُ الْإِمَامِ لَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 246)
________________________________________
بِالْغَصْبِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ الثَّوْبَ وَيَبْقَى شَرِيكًا مُحْتَمِلٌ لَهُ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ يَسْتَقِيمُ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ وَيَأْتِي اعْتِرَاضُ ابن خلكان عليه بسبب أن المفلس مجبر عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَيَأْتِي الْجَوَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ لَكِنْ فِي آخِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَأَشَارَ إلَيْهَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالِاحْتِمَالُ فِيهَا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَهُوَ تَجْوِيزُ الرَّدِّ مَعَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي عَيْنِ الصِّبْغِ فَإِنَّا قَدْ نَجْعَلُ الْغَاصِبَ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ شَرِيكًا انْتَهَى فَقَوْلُ الْإِمَامِ هُنَا تَجْوِيزَ الرَّدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ليس على سبيل لايجاب بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ وَحِينَئِذٍ لَا يَأْتِي تَأْوِيلُ الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ الْآخَرِ وَالْأَوَّلِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الرَّدِّ مَعَ الشَّرِكَةِ فَيَتَوَقَّفُ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فَرْقُ الْغَزَالِيِّ بِضَرَرِ الْمُشْتَرِي مُتَّجَهًا لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْمَنْعُ حِينَئِذٍ لِضَرَرِهِ بَلْ لِضَرَرِ الْبَائِعِ وَهُوَ مِثْلُ ضَرَرِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَالْأَوْلَى إذَا انْتَهَيْنَا إلَى هَذَا الْمَقَامِ أَنْ نُصَحِّحَ تَأْوِيلَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَإِنَّهُ أَخْبَرُ لِكَلَامِ إمَامِهِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحْتَمِلٌ وَلَفْظَةُ الْجَوَازِ فِي آخِرِهِ ليست ان صَرِيحَةً فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ فَهَذَا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُجْعَلَ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ وَاقِعًا فِي غَيْرِ وَجْهِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَيَكُونُ الَّذِي اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يَرُدَّ الثَّوْبَ وَيَصِيرَ شَرِيكًا
وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ دُعِيَ الْبَائِعُ لَا يجب علي المشترى وفيه شئ مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ ان صاحب التهذيب قال انه لَمْ يُمْكِنْهُ نَزْعُ الصِّبْغِ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَرُدَّهُ وَيَكُونَ مَعَهُ شَرِيكًا فِي الزِّيَادَةِ رَدَّهُ وَإِنْ أَبَى أَمْسَكَهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ ذَكَرَهُ هُنَاكَ فقوله ان رضى البائع بالشركة رده إنْ أَرَادَ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ فَصَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّدُّ أَوْ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَهُوَ الَّذِي نَقَلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَى أَمْسَكَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الشَّرِكَةِ تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي إلْزَامُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كلامه فهو موافق لما قاله الرافعى رحمه الله وَمُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مِنْ جريان الاوجه الثلاثة لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأَصَحِّ مِنْهَا وَهُوَ إجَابَةُ مَنْ يَدْعُو إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ وَيَصِيرَ شَرِيكًا جَازَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ تَعَيَّنَ عَلَى الْمُشْتَرِي الامساك وأخذ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 247)
________________________________________
الْأَرْشِ يَعْنِي عَلَى الصَّحِيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ لَمْ يُلَاحِظْ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى ضَرَرِ الْبَائِعِ وَيَجِبُ النَّظَرُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا نَظَرْنَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ فَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ الله تعالى (التنبيه الرابع) الذى تخلص مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ طَلَبَ الرَّدَّ ولا يطالب بشئ أُجِيبَ قَطْعًا وَأُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ قِيمَةِ الصِّبْغِ جَازَ قَطْعًا وااتفقا عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ جَازَ قَطْعًا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى رَدِّ الثَّوْبِ مَعَ بَقَاءِ الصِّبْغِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي جَازَ عَلَى تَعَذُّرٍ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى تَأْوِيلِهِ وَذَلِكَ مَعَ الْأَرْشِ عَنْ نُقْصَانِ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ أَوْ بِدُونِهِ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الصِّبْغِ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْأَرْشِ الْقَدِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْوَسِيطِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ الشَّرِكَةِ وَأَنْ يَرُدَّ أَرْشَ نَقْصِ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ عَنْ الْقَدِيمِ وَطَلَبَ الْبَائِعُ بَذْلَ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالْمُجَابُ
الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي نُجِيبُ فِيهَا مَنْ طَلَبَ تَقْرِيرَ الْعَقْدِ وَإِنْ طَلَبَ الْبَائِعُ الرَّدَّ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ عن صاحب التهذيب
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَيَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَبَاعَهُ ثُمَّ علم العيب
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ عَيْنٌ أَوْ أَثَرٌ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَهِيَ كَالصِّبْغِ (وَإِنْ قلنا) بالثاني رد الثوب بلا شئ فَهِيَ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْمُقْتَضَبِ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالْقِصَارَةِ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَتَغَيَّرَ بِاللُّبْسِ امْتَنَعَ الرَّدُّ وَلَهُ الْأَرْشُ قَالَ الزُّبَيْرِيُّ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ
* لَوْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ الْأَرْشُ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهَا مَذْبُوحَةً فَلَا أَرْشَ لِلْمُشْتَرِي لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ لِلذَّبْحِ إنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ أَثَرٌ هُوَ نَقْصٌ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ
* آخَرُ إنْ كَانَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ اسْتَحَقَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 248)
________________________________________
الْأَرْشَ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهِ إنْ بَذَلَ الْأُجْرَةَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ مَخِيطًا لِأَنَّ فِي الْخِيَاطَةِ عَيْبًا زَائِدًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
* آخَرُ لَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا حُلْوًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِعَيْبِهِ حَتَّى صَارَ خَمْرًا فَلَهُ الْأَرْشُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْخَمْرِ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهِ أَمْ لَا لِتَحْرِيمِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْخَمْرِ فَلَوْ صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَسْتَرْجِعُ الْخَلَّ وَأَرُدُّ الثَّمَنَ وَلَا أَدْفَعُ الْأَرْشَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنُ الْعَصِيرِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي فِيهِ عَمَلٌ يَفُوتُ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ تَفْرِيعِ أَبِي العباس ابن سُرَيْجٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ وُجُوبِ الْأَرْشِ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ أَوْ وَهَبَهُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ الْيَأْسِ كَمَا سَيَأْتِي فَالرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ خَمْرًا ينبغى أن يمنتع الْآنَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ خَلًّا كَمَا إذَا وَهَبَهُ ثُمَّ قَوْلُهُمْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْخَلَّ وَلَا يَدْفَعَ الْأَرْشَ ظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْأَرْشِ لِلْعِلَّةِ المذكورة ولكن
العلة المذكورة وهي ان الحل هُوَ عَيْنُ الْعَصِيرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَيْضًا إذَا طَلَبَ الرَّدَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ وَطَلَبَ الْأَرْشَ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِحَالِهِ وَلَمْ أَجِدْ فِي النَّقْلِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ وَلَا مَا يُخَالِفُهُ
* آخَرُ لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْخَمْرِ عَيْبًا يَنْقُصُ الْعُشْرَ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ وَهُوَ عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا رَدَّ وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ إسْلَامُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بن الحسن فان قال البائع آخُذُ الْخَلَّ وَأَرُدُّ الثَّمَنَ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ الْعَيْبَ قَبْلَ إسْلَامِهِمَا فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى أَسْلَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ إسْلَامِهِ الرَّدُّ وَلَا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ أَمَّا الرَّدُّ فَلِحُدُوثِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) الْأَرْشُ فَلِإِمْكَانِ الرَّدِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَحْدَهُ بَعْدَ تَبَايُعِ الْخَمْرِ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَسْلَمَ وَحْدَهُ جَازَ لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَ الْبَائِعِ تَمَلُّكٌ لِلْخَمْرِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَتَمَلَّكُ الْخَمْرَ وَرَدُّ الْمُشْتَرِي إزَالَةُ الْمِلْكِ وَالْمُشْتَرِي يَجُوزُ أَنْ يُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْ الْخَمْرِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ
*
* (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى جَارِيَة بعبد ثم وجد بالجارية عيبا قديما فردها وَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا حَادِثًا عِنْدَ بَائِعِ الْجَارِيَةِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَأْخُذُ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ الَّتِي رَدَّهَا الْعَبْدَ مَعِيبًا وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ لِبَائِعِ الْجَارِيَةِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ أَوْ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ إنْ اخْتَارَ عَدَمَ اسْتِرْدَادِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ وَيَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ وَيَطْلُبَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ بَعْدَ رَدِّ الْجَارِيَةِ لَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِ البائع الْجَارِيَةِ فَصَاحِبُ الْجَارِيَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 249)
________________________________________
يَرُدُّ قِيمَةَ الْعَبْدِ قَالَ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ الصَّوَابِ بِدَلِيلِ أو الزَّوْجَ إذَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ عَبْدًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل المسيس وغلب الْعَبْدُ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ تَشَطَّرَ الْعَبْدُ وَعَادَ نِصْفُهُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ سَلِيمًا وَبَيْنَ أن يرضى بنصف معيب وَلَا يُكَلِّفُهَا ضَمَّ أَرْشِ الْعَيْبِ إلَى نِصْفِ الْعَيْنِ هَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ بِالْجَارِيَةِ لَكِنْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى حَكَى الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الغصب ثم أعد فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ وَجَزَمَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَرَدَّ الْعَبْدَ مَعِيبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ بَلْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ أَوْ أَخْذُ قِيمَتِهِ ثُمَّ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ
بِعَيْنِهَا فِي الصَّدَاقِ وَقَالَ يَأْخُذُ الْعَبْدَ مَعِيبًا وَلَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ فَنَاقَضَ اخْتِيَارَهُ فِي الْوَسِيطِ (وَقَالَ) فِي الْبَسِيطِ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ إنَّهُ يَأْخُذُ الْعَبْدَ مَعِيبًا وَيُطَالِبُ بِالْأَرْشِ وَفِي الزَّوْجِ إذَا عَادَ إلَيْهِ نِصْفُ الْعَبْدِ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ مَعِيبٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْنَعَ بِالْمَعِيبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَمِعْتُ الْإِمَامَ فِي التَّدْرِيسِ يَقُولُ إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ وَجْهًا فِي الصَّدَاقِ من مسألة العبد والجارية انه يطالب بالارش وجها فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ أَنْ لَا يُطَالَبَ بِالْأَرْشِ وَالظَّاهِرُ الْفَرْقُ وَلَسْتُ وَاثِقًا بِالْفِعْلِ وَإِنِّي لَمْ أُصَادِفْهُ فِي مَجْمُوعِهِ قال أبو إسحق ابراهيم ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ (قَوْلُهُ) فِي مَجْمُوعِهِ يُرِيدُ نِهَايَةَ الْمَطْلَبِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ مسألة العبد والجارية في آخر كتاب النِّهَايَةِ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ شَرْحِ سَوَادِ مختصر المزني ذكر بَعْدَهُ مَسَائِلَ مُبَدَّدَةً سَرْدًا مُتَنَوِّعَةً قَالَ إنَّمَا ذَكَرْتُهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ أَكُونَ أَهْمَلْتُهَا فِي ى مَوَاضِعِهَا فَإِنْ كُنْتُ أَهْمَلْتُهَا فَذِكْرُهَا مُفِيدٌ هَهُنَا وَإِنْ كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَمْ تَضُرَّ إعَادَتُهَا قَالَ إذا باع عبدا بثوب ففصل صاحب الثوب الثَّوْبِ وَقَطَّعَهُ فَوَجَدَ الثَّانِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَهُ رَدُّهُ ثُمَّ إذَا رَدَّهُ حَكَى الشَّيْخُ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَسْتَرِدُّ الثَّوْبَ مَقْطُوعًا وَيَسْتَرِدُّ أَرْشَ النَّقْصِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ آخِذِهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ بِالْعَيْبِ غَرِمَ تَمَامَ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا رَدَّ الْعَبْدَ وَصَادَفَ الثَّوْبَ مَعِيبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالثَّوْبِ مَعِيبًا وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ فَلَا أَرْشَ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ اشْتَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا تَخَالَفَا وكان غالب الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ وَيُرْجَعُ عَلَى مَنْ نَقَصَ الْعِوَضُ فِي يَدِهِ بِأَرْشِ النَّقْصِ عِنْدَ التَّفَاسُخِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ فَإِنْ طَرَدَ صَاحِبُ الْوَجْهِ الثَّانِي مَذْهَبَهُ فِي مَسَائِلِ التَّخَالُفِ كَانَ ذَلِكَ خَرْقًا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ سَلَّمَهُ بَطَلَ هَذَا الْوَجْهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 250)
________________________________________
بِالْعَيْبِ أَيْضًا وَتَشَبَّثَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ بِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَالُفِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ وفى قوله اشْتَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي النِّهَايَةِ مُطْلَقًا وَفِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى إذَا بَاعَ حِمَارًا بِفَرَسٍ فَمُشْتَرِي الْفَرَسِ أَخْصَاهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالْحِمَارِ عَيْبًا قَالَ إنْ لَمْ يَنْقُصْ الاخصاء منه شيئا استرده ولا
شئ وَإِنْ نَقَصَ بَعْضَ قِيمَتِهِ رَدَّ فَرَسَهُ وَأَرْشَ النَّقْصِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مُخَالَفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَرْعِ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْقَاضِي وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا لَوْ بَاعَهُ بِفَرَسٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَخْصَى الْمُشْتَرِي الْفَرَسَ وَرَدَّ الْحِمَارَ بِعَيْبٍ وَنَقَصَتْ قِيمَةُ الْفَرَسِ اسْتَرَدَّ الدَّنَانِيرَ وَالْفَرَسَ وَأَرْشَ النَّقْصِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَرْعَ وَقَالَ فِيهِ إذَا رَجَعَ النُّقْصَانُ يَعْنِي فِي الثَّمَنِ إلَى الصِّفَةِ كَالشَّلَلِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْأَرْشَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ زاد زيادة متصلة باخذها مَجَّانًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ ابن سريج في تخير لمشترى لَا أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ نَاقِصًا وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ هَذَا الْفَرْعَ مِنْ زِيَادَاتِهِ فَقَالَ قَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَقَبَضَهُ وَسَلَّمَ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَدِيمًا فَرَدَّهُ فَوَجَدَ الثَّمَنَ مَعِيبًا نَاقِصَ الصَّفْقَةِ بِأَمْرٍ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ يَأْخُذُهُ ناقصا ولا شئ لَهُ بِسَبَبِ النَّقْصِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ مُقَيَّدٌ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ مَعَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَسْأَلَةً زَائِدَةً عَنْ الرَّافِعِيِّ وَمَا ذكره عن القفال وغيره هو الذى صححه الرَّافِعِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ احْتِمَالِ الْإِمَامِ هُوَ الْوَجْهُ الْآخَرُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَيْبُ الَّذِي بِالْعَبْدِ مِثْلَ عَيْبِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ يُسَاوِي أَضْعَافَ ثَمَنِهِ فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ فِي الرَّدِّ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْإِمْسَاكِ
* (تَنْبِيهٌ)
* قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ نَقَصَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ نَقَصَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لِأَنَّ النَّقْصَ عِنْدَ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ الْمَذْكُورِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا آخَرَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا عَلِمَ بِهَا عَيْبًا وَرَضِيَ به ثم وجد عيبا آخر
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 251)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ قَوَّمَ الْمَبِيعَ بِلَا عَيْبٍ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ يُقَوَّمُ مَعَ الْعَيْبِ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ تِسْعُونَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ نَقَصَ الْعُشْرَ مِنْ بَدَلِهِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ
قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِذَا فَاتَ قَدْرُ الْعُشْرِ مِنْهُ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ كَالْجُزْءِ لَمَّا ضُمِنَ جَمِيعُهُ بِالدِّيَةِ ضُمِنَ الْجُزْءُ مِنْهُ بِجُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ وَلِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَدَّى إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي مَا يُسَاوِي مِائَةً بِعَشَرَةٍ فَإِذَا رَجَعَ بِالْعَشَرَةِ رَجَعَ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْأَرْشِ وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ الْمَبِيعِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَبِهِ مَثَّلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الَّذِي نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الْمَبِيعِ السَّلِيمِ عَشَرَةٌ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ فَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ لِلنِّسْبَةِ خَاصَّةً وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضمان الغصب والسوم والجناية بأنا إذا ضمنا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ لا يلزم الجميع بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَفِي الْأَرْشِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ مَعْنَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمُوهُ فِي الذِّكْرِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ كَذَلِكَ فَيَحْصُلُ بِهِ الشِّفَاءُ أَكْثَرَ وَلَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ أَيْ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ الْبَائِعُ (وَقَوْلُهُ) وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَيْ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَرِيحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي جَوَازَ الرُّجُوعِ إلَى الْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ وَطَلَبُ الْأَرْشِ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ غَيْرُ سَائِغٍ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَرْشِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ أَوْ الرضى بِالْعَيْبِ كَمَا أَنَّهُ إذَا فَاتَ بَعْضُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ كُلُّهُ سَقَطَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَكَمَا أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ اشْتَرَى بِمِائَةٍ وَكَانَ بِتِسْعِينَ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَحِصَّتِهَا مِنْ الرِّبْحِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي كَذِبِ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنَّ الْأَرْشَ الْمُسْتَرْجَعَ وَإِنْ كَانَ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ فَاسْتِرْجَاعُهُ إنْشَاءُ نَقْصٍ فِي جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا رد على معيب فموجب العيب الرد ولا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى الْأَرْشِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ فَكَأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عَنْ الرَّدِّ وَإِذَا تَعَذَّرَ وَلَا يَنْتَظِمُ عِنْدَنَا إلَّا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 252)
________________________________________
هَذَا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ أَوَّلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يُسْتَدْرَكُ بِإِنْشَاءِ نَقْصٍ جَدِيدٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ إنْشَاءِ النَّقْصِ وَلَيْسَ كَالْمُرَابَحَةِ وَآخِرُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْأَرْشَ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلَكِنْ فِي مُقَابَلَةِ الرَّدِّ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ اسْتِرْجَاعَ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ حَيْثُ فَاتَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَلِذَلِكَ أَتَى بِكَأَنَّ الَّتِي هِيَ حَرْفُ تَشْبِيهٍ فَلَمْ يَجْعَلْهُ بَدَلًا عَنْ الرَّدِّ ولكن مشبها فان سلطنة الرَّدِّ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَيَجِبُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِ أَوَّلًا إنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الرَّدِّ لَمْ يَخْتَصَّ بِالثَّمَنِ وَعِنْدَ هَذَا لَا يَكُونُ فِي كلام الامام جواب عن الاشكال الذى أورته إلَّا بِمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَسَيَأْتِي فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ فَلَا أشكال من هَذَا الْوَجْهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْبَائِعَ مَعِيبٌ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ مُشْتَرِيَ الجارية بعبد معيب يعلم عيبه يستحل وطئها وَلَوْ كَانَ جُزْءًا مِنْهَا يَعْرِضُ الْعَوْدَ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ لَأَوْرَثَ تَوَقُّعُهُ شُبْهَةً وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالْمُمْكِنُ فِي فَهْمِهِ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَبِيعَ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ وَإِلَّا فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ بَعْضِهِ فَيَخْرُجُ ذَلِكَ الْبَعْضُ عَنْ الْمُقَابَلَةِ وَيَتَعَيَّنُ لِاسْتِحْقَاقِهِ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَكَأَنَّ الْمُقَابَلَةَ تَغَيَّرَتْ وَلَكِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فما اسْتِبْدَالُ سَبَبٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي عِنْدَ إلْحَاقِ الزِّيَادَةِ بِالثَّمَنِ بَعْدَ اللُّزُومِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ دَقِيقِ الْفِقْهِ كَمَا قَالَ وَلَكِنْ مَا الموجب لتغيير المقابلة فانه بالرضى يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى الْبَعْضِ أَشْكَلَ بِمَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ وَبِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الِانْتِقَاضِ كَمَا تَنْتَقِضُ الْمُقَابَلَةُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ إذَا قُلْنَا يُمْسِكُ بِكُلٍّ فَذَلِكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فلا يخرج عليه ما اختاره أكثر الاصحاب هُنَا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ أَنَّ ذَلِكَ اقْتَضَتْهُ الضَّرُورَةُ كَالتَّوْزِيعِ وَلَيْسَ الْعَقْدُ يَقْتَضِيهِ مِنْ الْأَصْلِ لَكِنَّ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ الاصحاب على خلافه إذ هم يقولون بل العقد في أصله اقضي التَّوْزِيعَ كَمَا صُوِّرَ ذَلِكَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ عَلَى رَأْيِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَتَلْخِيصُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مُقَابِلًا لِلْمَبِيعِ وَصِفَاتِ السَّلَامَةِ وأنه ينقسط عليها كما ينقسط عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَيَنْبَغِي عِنْدَ فَوَاتِ بَعْضِهَا أَنْ يَسْقُطَ مَا يُقَابِلُهُ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا
وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا تَنْحَصِرُ فَيَكُونُ مَا قُوبِلَ بِالثَّمَنِ مَجْهُولًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَالْأَوْصَافُ ليست
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 253)
________________________________________
داخلة في المقابلة ولا يتقضى فَوَاتُ وَصْفٍ مِنْهَا سُقُوطَ بَعْضِ الثَّمَنِ عَلَى الرَّدِّ لِفَوَاتِ الظَّنِّ فَإِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْأَرْشِ كَانَ ذَلِكَ غَرَامَةً جَدِيدَةً لاجزء مِنْ الثَّمَنِ وَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِ مَا تقدم عن الغزالي وقد يقال (٣ ن) فَوَاتَ ذَلِكَ الْوَصْفِ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ وَاسْتِرْجَاعِ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمَبِيعُ الْمُجَرَّدُ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ الْمَرْدُودِ عَلَى الْبَائِعِ وَيُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَعَلَى الَّذِي تَعَذَّرَ الرد فيه وهو المبيع المجرد عنه استدراكا للظلامة وكأنه فسخ العقد فِيهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّهُ إنْشَاءُ نَقْصٍ جَدِيدٍ وَلَعَلَّهُ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ وزيادة عَلَى هَذَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ غُرْمٌ جَدِيدٌ أَيْضًا لَيْسَ صَافِيًا عَنْ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ جَدِيدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَقَدَّرَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَالْإِمَامُ حَكَى فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مَا يَقْرُبُ مِنْ أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ) صَاحِبُ الْوَافِي إنَّ الْمُصَنِّفَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَالَ إنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهَهُنَا قَالَ الْأَرْشُ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ قَالَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُقَابِلُ الْمَبِيعَ وَلَا يَتَقَسَّطُ عَلَى أَعْضَائِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْيَدَ كَعَيْنٍ وَالرِّجْلَ كَعَيْنٍ أُخْرَى بَلْ يُقَابِلُ الْمَبِيعَ وَهُوَ ذُو أَجْزَاءٍ فَيُقَابِلُهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا جُزْءًا لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عَيْنٌ أُخْرَى ثُمَّ إذَا صَادَفَهَا الْمُشْتَرِي نَاقِصَةً لَهُ الرَّدُّ اسْتِدْرَاكًا لِلظُّلَامَةِ فَإِنْ لَمْ يفسخ عند الامكان فلا شئ لَهُ لِأَنَّ الْمُقَابِلَ الْعَيْنُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالضَّرَرُ يَزُولُ بِالْفَسْخِ فَإِنْ سَقَطَ رَدُّهُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ دَعَتْنَا الضَّرُورَةُ إلَى تَمْيِيزِ مَا نَقَصَ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ التَّقْوِيمُ لِيَرْجِعَ بِثَمَنِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَبِيعِ إذْ لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ إلَّا بِذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَعْوَى الضرورة وذلك لاشفاء فيه في جعل ذلك (قلت) جزأ مِنْ الثَّمَنِ وَتَقْدِيرُ عِلَّةِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَوْضِعِ مُشْكِلٌ وَلَيْسَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصًّا بِهِ وَالْفَارِقِيُّ جَعَلَ وُجُوبَ للارش عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَشَبَّهَهُ بِمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ فَكِيلَتْ بعد البيع فخرجت تسعة فانه يسقط
________________________________________
(٣ ن) كذا بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 254)
________________________________________
دِرْهَمٌ كَذَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَخَرَجَ مَقْطُوعَ الْيَدِ (قُلْتُ) وَلَوْ صَحَّ هَذَا التَّشْبِيهُ لَوَجَبَ أَنْ يُجْرَى خِلَافٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْجُزْءِ إلَى آخِرِهِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنَّ نَفْيَهَا مِنْ دِيَتِهِ فَنَقُولُ هَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا صَحِيحًا قِيمَتُهُ كَذَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مَعَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ قِيمَتُهُ كَذَا فَمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يُؤْخَذُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ تَابِعٌ للشيخ أبو حَامِدٍ (فَائِدَةٌ) ادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ سَلْطَنَةِ الرَّدِّ وَفِي غَيْرِ ذلك يدل على أنه جزء أن ذَلِكَ مُنَاقَضَةٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لِمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى ذَلِكَ وذكرت تأويله
*
* (فَرْعٌ)
* مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ لَا رُجُوعَ بِالْأَرْشِ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَوَجَدَهُ خَصِيًّا بَعْدَ أَنْ وَجَدَ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فَلَا رُجُوعَ بِالْأَرْشِ أَصْلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاطِّلَاعُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَالْجِرَاحُ مُتَأَلِّمَةٌ فَإِنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ أَيْضًا انْسَدَّ طَرِيقُ الارش
*
* (فَرْعٌ)
* مَعَ قَوْلِنَا بِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِأَخْذِهِ وَفِي شَرْحِ الْفُرُوعِ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ إذَا اشْتَرَى حِنْطَةً مَعِيبَةً بعبد معين وتسلم الحنطة وسلم العبد وأعتقه ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا قَدَّرَ الْأَرْشَ وَرَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيهِ وَهَلْ يَنْتَقِضُ فِي الْبَاقِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْبَعْضِ هَكَذَا عِبَارَتُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ ذَلِكَ مَعَ بُعْدِهِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ فَإِنَّهُ انْتِقَاصٌ طَارِئٌ لَا بِطَرِيقِ التَّعْيِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ هَذَا الْإِشْكَالَ الَّذِي قَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ فَانْظُرْ كَيْفَ آلَ التَّفْرِيعُ إلَى أَنْ جَعَلَ أَخْذَ الْأَرْشِ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الِاطِّلَاعِ عَلَى العيب
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 255)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* لَوْ كَانَ الْعَيْبُ فِي عَيْنٍ قُبِضَتْ عَنْ دَيْنٍ هَلْ يَكُونُ الْأَرْشُ عَنْهَا كَمَا قُلْنَاهُ هُنَا أَوْ يُعْتَبَرُ بِمَا يُقَابِلُهُ بَدَلَ الْعَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابَةِ عِنْدَ خُرُوجِ النَّجْمِ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ هَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْ مَا يُنْتَقَصُ مِنْ النُّجُومِ الْمَقْبُوضَةِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ وَهُمَا فِي كل عقد ورد على مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَمْثَلُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُقَالَ يَغْرَمُ السَّيِّدُ مَا قَبَضَ ويطالب بالمسمى بالصفات المشروطة (قلت) فنلخص ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي كُلِّ مَقْبُوضٍ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ خَرَجَ مَعِيبًا وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ (أَحَدُهَا) يَرْجِعُ على الدافع بارشه بنسبته من العرض كما في المعاوضات
(والثانى)
ما نقض من قيمته كالمغصوب والمستام (وَالثَّالِثُ) يُقَدِّمُ الْقَابِضُ مَا قَبَضَ وَيُطَالِبُ بِالتَّسْلِيمِ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ اشْتَرَى فِي صحته بمائة ما يساوي مائة فوجد في مرض موته به عيبا ينقص عشر قيمته وَرَضِيَ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الكسب قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى (قُلْتُ) وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي فَإِنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةٍ فَوَجَدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَيْبًا يَنْقُصُ الْعُشْرَ وَرَضِيَ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ لَرَبِحَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى وَهَذَا أَيْضًا كَالْأَوْلَى وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةً بِخَمْسِينَ وَالْحَالُ كَذَلِكَ وَرَضِيَ فَهَلْ نَعْتَبِرُ الْخَمْسَةَ مِنْ الثُّلُثِ الظَّاهِرُ لَا لِأَنَّهُ اسْتَعَادَ بِهِ أَرْبَعِينَ
(وَالثَّانِي)
يَعْتَبِرُ تِلْكَ الْخَمْسَةَ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بَعْدَ رَدِّهِ كَانَ يأخذها
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ وَجَدَ بِعَيْنِهِ بَيَاضًا وَحَدَثَ عِنْدَهُ بَيَاضٌ آخَرُ ثُمَّ زَالَ أَحَدُ الْبَيَاضَيْنِ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ زَالَ الْقَدِيمُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي زَالَ الْحَادِثُ حُلِّفَا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ أَحَدِ الْبَيَاضَيْنِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْبَيَاضَانِ أَخَذَ أَرْشَ أَقَلِّهِمَا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَالْبَائِعُ يَسْتَفِيدُ بِيَمِينِهِ دَرْءَ الْفَسْخِ وَالْمُشْتَرِي يَسْتَفِيدُ بِيَمِينِهِ أَخْذَ الْأَرْشِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِزَوَالِ حَقِّهِ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ وَيَدَّعِي عَوْدَ الْحَقِّ فَلَا يُقْبَلُ فِي الْعَوْدِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا وَالْبَائِعُ يَدَّعِي زواله
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا ثَبَتَ الْأَرْشُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بعد في ذمة المشترى يرى مِنْ قَدْرِ الْأَرْشِ وَهَلْ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ وَجْهَانِ (أصحهما) الثاني ليبقى له طريق الرضى
بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْفَوَاتِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ الْبَقَاءِ وَمَيْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الرَّدِّ فَإِنَّ الْفَسْخَ لَا يَحْصُلُ دُونَ طَلَبٍ وَقَدْ اقْتَصَرُوا هنا على حكاية هذين لوجهين وَكَأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيعٌ عَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 256)
________________________________________
أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا غُرْمٌ جَدِيدٌ فَلَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ أَيْضًا بالطلب بل للبائع أن يعطيه من فان اتفق الدينان جرى التقاصى وَلَوْ كَانَ قَدْ وَفَّاهُ الثَّمَنَ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي أَوْ يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ لِحَقِّهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ هَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ أَمَّا إذَا قُلْنَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْهُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي وَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ أَوْ الِاطِّلَاعِ فَلَا يَسُوغُ لِلْبَائِعِ إبْدَالُهُ لَكِنَّهَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يُلَاحَظُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ غُرْمٌ جَدِيدٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَجِبُ طَرْدُ هَذَا الْوَجْهِ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ هُنَا (إنْ قُلْنَا) إنَّ الْغُرْمَ جَدِيدٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ (وَإِنْ قُلْنَا) جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَوَجْهَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِمَسْأَلَةٍ وَلَمْ يصحح منهما شيئا (إن قُلْنَا) يُعْطَى حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ إبْدَالُهُ وَإِلَّا جَازَ إبْدَالُهُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَسْأَلَةَ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ وَفَّاهُ وَهُوَ بَاقٍ بِحَالَةٍ وَرُدَّ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ هَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَخْذِ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ بَعْدَ هَذَا بِمَسْأَلَةٍ وَهِيَ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ تِلْكَ فِي الْأَرْشِ وَهَذِهِ فِي الرَّدِّ وَالْمَأْخَذُ غَيْرُ الْمَأْخَذِ لَكِنَّ تَصْحِيحَهُ التَّعَيُّنَ فِي الْأُولَى فَرْعٌ عَنْ تَصْحِيحِ التَّعَيُّنِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَسَأَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ رَدِّ الْبَيْعِ وَالثَّمَنُ تَالِفٌ فَإِنِّي هُنَا إنَّمَا ذَكَرْتُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ تَعَيُّنُهُ وَيَجِبُ بِنَاؤُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (إنْ قُلْنَا) الْأَرْشُ غُرْمٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَإِنْ قُلْنَا جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ تَعَيَّنَ أَخْذُ الْأَرْشِ مِنْهُ تَالِفًا فَهُوَ كَمَا إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنُ تَالِفٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مِثْلِهِ إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى
*
* (وأن اختلف قِيمَةُ الْمَبِيعِ مِنْ حَالِ الْعَقْدِ إلَى حَالِ الْقَبْضِ قُوِّمَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ
وَقْتَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ ثُمَّ نَقَصَ كَانَ مَا نَقَصَ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَا كان نقصانه مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلَّ ثُمَّ زَادَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ حَدَثَتْ في ملك المشترى لاحق لِلْبَائِعِ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهَا فِي التَّقْوِيمِ)
*
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 257)
________________________________________
* (الشَّرْحُ)
* تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ مَعْنًى لِإِيجَابِ الْأَرْشِ وَالِاعْتِبَارُ بِأَنَّهُ قِيمَةٌ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهِيَ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْقَطْعُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ فَالنُّقْصَانُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْقَبْضِ أَكْثَرَ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا هَذَا
(وَالثَّانِي)
وَنُقِلَ عَنْ نَصِّهِ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَابِ التَّخَالُفِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّخَالُفِ وَنُقِلَ عَنْ الْفُورَانِيِّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مقلاص ووجهه أن الثمن يومئذ قابل المبيع (وَالثَّالِثُ) نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ مِقْلَاصٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْقَبْضِ وَقَدْ رَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ معللا بأنه يومئذ تَمَّ الْبَيْعُ فَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَثْبَتُوا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ وَمِمَّنْ اقْتَصَرَ عَلَى إيرَادِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إلَى أَنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ قَطَعُوا بِالْأَوَّلِ وَحَمَلُوا كُلَّ نَصٍّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ أَقَلَّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعْرُوفَةٌ بِالْإِشْكَالِ لاسيما على عبارة المصنف في تَعْلِيلُهُ وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ وَبَيَانُ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَأَذْكُرُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمَا قِيلَ فِي جَوَابِهِ (اعْلَمْ) أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ أَهْمَلُوا التَّعَرُّضَ لِوَقْتِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَبَعْضُهُمْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ذكر ذلك ابن أبى عمرون وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْأَكْثَرُونَ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ لَهُمْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمُ الْقَبْضِ أَوْ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ يُقَوَّمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَتْ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 258)
________________________________________
وَعِبَارَةٌ ثَانِيَةٌ قَالَهَا الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا هُوَ أَضَرُّ بِالْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَثْرَةُ النُّقْصَانَيْنِ وَعِبَارَةٌ ثالثة قالها النووي في المنهاج أنه يعبر أَقَلُّ قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى الْقَبْضِ (فَأَمَّا) عِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ فَأُؤَخِّرُ الْكَلَامَ عَنْهَا حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ عِبَارَةِ الْأَوَّلَيْنِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْإِمَامِ فَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهَا رَاجِعَةٌ لِعِبَارَةِ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يَقْتَضِي أن يكون الواجب من الْأَرْشِ الْأَكْثَرَ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنَّ الْمَعْنَى بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ مَعَ الْعَيْبِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ وَحَالَةِ الْقَبْضِ كَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ سَلِيمًا عَشَرَةً فِي الْحَالَيْنِ وَمَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ ثَمَانِيَةً وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعَةً فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يُوجِبُ الْخُمُسَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعُشْرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَأَوَّلُ ما أقدم أن لنا قيمة منسوبا إليها وهى قيمة السلم وَقِيمَةً مَنْسُوبَةً وَهِيَ قِيمَةُ الْعَيْبِ وَنِسْبَةً بَيْنَهُمَا بها يعرف قدر العيب من السليم فتارة تَكُونُ تِلْكَ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَوْمَ الْعَقْدِ كَهِيَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَالُ المبيع مختلفا في اليومين ههنا لَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ مَعَ اتِّحَادِ النِّسْبَةِ مِثَالُهُ قيمة السليم ويوم الْعَقْدِ مِائَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفٌ أَوْ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ الْمَعِيبِ يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعُونَ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعُمِائَةٍ أَوْ تِسْعَةٌ فَالنِّسْبَةُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْعُشْرُ وَلَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ بِالزِّيَادَةِ وَلَا بِالنُّقْصَانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَاعْتِبَارِ أَكْثَرِهَا وَالسَّاقِطُ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْعُشْرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النِّسْبَةُ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ قِيمَةِ المعيب مع بقاء قيمة السَّلِيمِ عَلَى حَالِهَا وَقَدْ تَكُونُ بِالْعَكْسِ وَقَدْ يَكُونُ بِاخْتِلَافِهِمَا مَعًا (مِثَالُ الْأَوَّلِ) قِيمَتُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ وَمَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِيَةٌ فَالِاخْتِلَافُ هَهُنَا فِي الْمَنْسُوبِ فَإِنْ نَسَبْنَا قِيمَةَ يَوْمِ الْعَقْدِ كَانَ الْأَرْشُ التُّسْعَ وَإِنْ نَسَبْنَا أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ كَانَ الْخُمُسَ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَكَلَامُ الْإِمَامِ تَصْرِيحٌ وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّا نَسْلُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي هِيَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ القيمتين هنا أوجب زيادة الارش وإيجاد أكثر النقصانين من الثمن لكن سَأُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الكلام
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 259)
________________________________________
أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْأَصْحَابَ لَمْ يُرِيدُوا هَذَا الْقِسْمَ وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَيْهِ هُنَا لِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ القبض من ضمان البائع والنقصان من بقاء قيمة السليم لابد أن يكون بعيب والزيادة لابد
أَنْ تَكُونَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَنُقْصَانُهُ يَمْنَعُ مِنْ ضَمَانِ مَا نَقَصَ مِنْهُ كَزَوَالِهِ (وَمِثَالُ الثَّانِي) قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِيَةٌ وَسَلِيمًا يَوْمَ الْعَقْدِ عَشَرَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالِاخْتِلَافُ هَهُنَا فِي الْقِيمَةِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فَإِنْ نَسَبْنَا إلَى أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ كَانَ الْأَرْشُ التُّسْعَ وَإِنْ نَسَبْنَا إلَى أَكْثَرِهَا كَانَ الْأَرْشُ الْخُمُسَ فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ هُنَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي فَلَيْسَ فِيهِ إيجَابُ أَكْثَرِ النُّقْصَانَيْنِ بَلْ أَقَلِّهِمَا وَهُوَ التُّسْعُ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا الْقِسْمُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى مَا سَأُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِثَالُ الثَّالِثِ) قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ وَمَعِيبًا تِسْعَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَلِيمًا تِسْعَةٌ وَمَعِيبًا ثَمَانِيَةٌ فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ يُوجِبُ أَنَّ الْأَرْشَ التُّسْعُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْعُشْرِ وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا من الثمن أو تكون قيمته يوم العقد سليما عشرة ومعيبا تسعة ويوم القبض سليما اثْنَيْ عَشَرَ وَمَعِيبًا عَشَرَةً فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ التُّسْعُ وَاعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ السُّدُسُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا مِنْ الثمن أو تكون قيمته يوم العقد سليما عَشَرَةً وَمَعِيبًا خَمْسَةً وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَلِيمًا سِتَّةً وَمَعِيبًا أَرْبَعَةً فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ الثُّلُثُ وَاعْتِبَارُ أَكْثَرِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ النِّصْفُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ اخْتِلَافُ الْأَمْثِلَةِ وَأَحْكَامِهَا فِي هَذَا الْقِسْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ
* فَأَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ عَبَّرَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْمُرَاعَى مَا هُوَ الْأَضَرُّ بِالْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ النُّقْصَانَيْنِ وَمَثَّلَهُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ يَوْمَ الْعَقْدِ مُنْقِصًا ثُلُثَ الْقِيمَةِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ مُنْقِصًا رُبُعَهَا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ مَعَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إذَا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِلَافُ مِنْ جِهَةِ الْعَيْبِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ أَقَلُّ قِيمَتَيْ الْمَعِيبِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 260)
________________________________________
الْمَنْسُوبَةِ لَا أَقَلُّ قِيمَتَيْ السَّلِيمِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا وَذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَسْتَقِيمُ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ وَالْوَاجِبَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ وَيَبْقَى القسم الثاني مَسْكُوتًا عَنْهُمَا هَلْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْأَضَرُّ بِالْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ فَيُقَوَّمَ بِالْأَكْثَرِ أَمْ لَا بَلْ يُقَوَّمُ بِالْأَقَلِّ دَائِمًا كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ نَفْعَ الْمُشْتَرِي مُرَاعًى مُطْلَقًا فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ فِي قَوْلِهِ أَكْثَرُ النُّقْصَانَيْنِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْبَاقِينَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ نِسْبَةٌ وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ نُقْصَانًا مِنْ السَّلِيمِ وَأَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى الْقِيمَةِ فِي نَفْسِهَا لَا إلَى مَا تَنْقُصُهُ مِنْ السَّلِيمِ وَأَيْضًا
فِي الْقِسْمِ الثَّانِي يَصِحُّ كَلَامُ الْإِمَامِ وَنُوجِبُ أَكْثَرَ النُّقْصَانَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ مُطَّرِدَةٌ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ هَذَا إنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا إلَّا أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا عَدَا ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ رَضُوا بِأَنَّ الْقِيمَةَ عَنْ السَّلِيمِ سَوَاءٌ واختلف قيمة المعيب بحسب زيادتة وَصْفٍ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ أَوْ نُقْصَانٍ فِيهِ فَيُنْسَبُ النَّقْصُ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا تُنْسَبُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْأَمْرُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ وَهُوَ قِيمَةُ السَّلِيمِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي حَالِ اخْتِلَافِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ الْأَقَلَّ مُطْلَقًا فَإِذَا اخْتَلَفَتَا مَعًا اعْتَبَرْنَا اقل قمتى المعيب ونسبناها إلى اقل قميتى السَّلِيمِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ إطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ عِبَارَةِ الْإِمَامِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَكَذَلِكَ في القسم الثاني فَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى الْمُرَاعَى ضَرَرَ الْبَائِعِ مُطْلَقًا وَلَا ضَرَرَ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا ولم أر في ذلك صَرِيحًا إلَّا أَنَّ فِي تَعْلِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ (فَأَمَّا) وَقْتُ تَقْوِيمِهِ سَلِيمًا فَهُوَ أَنْقَصُ الْحَالَيْنِ قِيمَةً مِنْ حَالَةِ الْعَقْدِ أَوْ حَالَةِ الْقَبْضِ تُقَوِّمُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ يُقَوِّمُهُ وَبِهِ الْعَيْبُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المراد اقل قميتى السليم المنسوب إليها لا اقل قميتى الْمَعِيبِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي ذَلِكَ الْمِثَالِ يَكُونُ التَّقْوِيمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ أَنْفَعَ لِلْبَائِعِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يُوَافِقُ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فَإِنَّهُ قال في مسألة الجارية تقويم فِي أَقَلِّ الْحَالَتَيْنِ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهَا فِي
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 261)
________________________________________
تِلْكَ الْحَالِ بِكْرًا لَا عَيْبَ بِهَا مِائَةٌ قُوِّمَتْ بِكْرًا وَبِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ فَإِذَا قِيلَ تِسْعُونَ كَانَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ الْعُشْرَ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ انْحَلَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وتبين بحمد الله ان المراد أقل قميتى السَّلِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ قِيمَتَيْ الْمَعِيبِ كَمَا ظَنَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاعَى هُوَ الْأَضَرَّ بِالْبَائِعِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي لَحَظَهُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ هُوَ الْقِيمَةُ وَالْمَنْسُوبَ هُوَ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ إلَى الْقَبْضِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِهِ وَإِنَّمَا الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يُعَيِّنُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) مَا يَخْتَصُّ بِالصِّفَةِ فَنَذْكُرُهُ فِي ضِمْنِ فَائِدَةٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْفَارِقِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَعْنِي مَسْأَلَةَ
الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَاسِدَةُ الْوَضْعِ وَالْأَصْلِ وَفَاسِدَةُ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ لَنَا فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةٌ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهَا (أَمَّا) فَسَادُ وَضْعِهَا فانه يعتبر تقويمه بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الِاعْتِبَارُ صَحِيحًا وَمُفِيدًا إذَا كَانَ الْأَرْشُ إسْقَاطَ جُزْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَحْنُ نُسْقِطُ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءًا يقدر نِسْبَةِ فَوَائِدِ مَا يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْعَيْبِ مَثَلًا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ فَوَجَدَهُ مَقْطُوعَ الْيَدِ فَإِنَّا نُقَوِّمُهُ صَحِيحًا بِمِائَةٍ وَمَقْطُوعًا بِتِسْعِينَ ونعلم أنه قد سَقَطَ عُشْرُ الْأَصْلِ فَيَسْقُطُ فِي مُقَابِلِهِ عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِائَةً أَوْ أَلْفًا أَوْ عَشَرَةً فَإِنَّ أَثَرَ الْعَيْبِ فِي التَّنْقِيصِ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَثَرُ الْعَيْبِ فِي تَنْقِيصِ عَشَرَةٍ مِنْ مِائَةٍ نَقَصَ مِنْ الْأَلْفِ مِائَةٌ وَمِنْ الْعَشَرَةِ دِينَارٌ فَنِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ إلَى أَصْلِهِ بالعشر فيقسط في مقابله الثَّمَنِ وَعُشْرُ الثَّمَنِ لَا يَتَفَاوَتُ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَنَحْنُ إنَّمَا نوجب عشر الثمن ولا مبالات بِاخْتِلَافِ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَأَكْثَرِهَا
* بَيَانُ فَسَادِ التَّعْلِيلِ أَنَّ حَصْرَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مِنْ حَالِ الْعَقْدِ إلَى حَالِ الْقَبْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّ النُّقْصَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَيْسَ يُرِيدُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الرَّغَبَاتِ وَكَثْرَةِ الْمُبْتَاعِ وَقِلَّتِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ فَوَائِدَ المبتاع كهزال الدابة وتغيير الثَّوْبِ أَوْ حُدُوثِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 262)
________________________________________
آفَةٍ بِهِ فَقَوْلُهُ كَانَ مَا نَقَصَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْبَائِعِ (وَقَوْلُهُ) وَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ يَعْنِي الْجُزْءَ الْفَائِتَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ فَوَاتُ جُزْءٍ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَمَا أَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِهِ (وَقَوْلُهُ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ كَلَامٌ يَتَنَاقَضُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّاقِصُ وَنُقْصَانُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُقَوَّمًا أَمَّا أَنْ لَا يُقَوَّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَهَذَا كَلَامٌ يَتَنَاقَضُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ أَقَلَّ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَقَّ الْمُشْتَرِي لَا حَقَّ لِلْبَائِعِ فِيهَا فَيَجِبُ تَقْوِيمُهَا عَلَيْهِ حَتَّى نُوجِبَ عَلَيْهِ قدر ما نقص من فواتها مضمونا إلَى قَدْرِ الْأَرْشِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ بَيَانُ فَسَادِ التَّعْلِيلِ وَالْوَضْعِ جَمِيعًا هَذَا كَلَامُ الْفَارِقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزَادَ ابْنُ مَعْنٍ فِي حِكَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ مَعْرِفَةَ فَسَادِ التَّعْلِيلِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ ثُمَّ نَقَصَ كَانَ مَا نَقَصَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي لَا جَائِزَ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَصَرَ
اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ نَزَلْنَا جَدَلًا أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ قَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ النُّقْصَانُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لَا غَيْرُ هَذَا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِالنُّقْصَانِ تَغَيُّرُ أَحْوَالِ الْمَبِيعِ كَحُدُوثِ آفَةٍ فِي الثَّوْبِ أَوْ الدَّابَّةِ لَا بِغَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الرَّغَبَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَانْخِفَاضِ الْأَسْوَاقِ وَارْتِفَاعِهَا وَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ فَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ نُقْصَانُ جُزْءٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْأَمْرِ الثَّانِي وَكَمَا أَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَذَلِكَ جُزْؤُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلَى الْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ مَعْنٍ حَاكِيًا عَنْ الْفَارِقِيِّ وَلِأَجْلِ كَلَامِ الْفَارِقِيِّ هَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَنَصَّ الشيخ أبو إسحق فِي الْمُهَذَّبِ عَلَى أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَاوِي وَذَكَرَهُ الْقَاضِي
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 263)
________________________________________
أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ ثُمَّ خَطَّ عليه وقد أوضحت وجه فساده وبفساده قال الشَّاشِيِّ الْأَخِيرِ ثُمَّ اخْتَارَ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ حَالَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَالْقَبْضُ مُقَدَّرٌ لَهُ كَمَا فِي الْحُكُومَةِ فِي الْجِنَايَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهَذَا يَعْنِي كَلَامَ الشَّاشِيِّ رُجُوعٌ عَمَّا اعْتَرَفَ بِصِحَّتِهِ وَرَدِّهِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ لَا وَجْهَ لِمَا اخْتَارَهُ (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْعَقْدَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ بِمَاذَا بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّظَرِ إلَى قَدْرِهَا وَإِنَّمَا جَعَلْتُ مِعْيَارَ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْتَحَقَّ لِلرُّجُوعِ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا تَخْتَصُّ بِقِيمَتِهِ حَالَةُ الْعَقْدِ وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الْجُزْءِ فَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ حَالَةَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا حَالَةُ كَمَالِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَاعْتُبِرَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا حَالَةُ النُّقْصَانِ لِيُعْلَمَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ الشَّاشِيُّ مُعْتَرِضًا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حَالَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَالْعَيْبُ يَنْقُصُهُ خَمْسَةً والخمسين مِنْ الْمِائَةِ نِصْفُ عُشْرٍ وَمِنْ التِّسْعِينَ أَكْثَرُ لَمْ تَسْتَمِرَّ النِّسْبَةُ فِي الْمَرْجُوعِ بِهِ ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ هَذَا التَّصْوِيرُ تَحَكُّمٌ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْوَاحِدَ يَنْقُصُ مِنْ الْكَثِيرِ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ما ينقصه من قليل القيمة لاسيما وَالْعَيْنُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ مِنْ جِهَةِ السُّوقِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَأَنَا أَقُولُ فِي الْقَلْبِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِمَا قَالَهُ هَذَانِ الشَّيْخَانِ يَعْنِي الْفَارِقِيَّ وَابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ حَسِيكَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَنَا أُفْرِغُ الْجُهْدَ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدِي فِيهَا نَقْلًا وَبَحْثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بَعْدَ ذَلِكَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامِ
وَالْغَزَالِيِّ وَحِكَايَتَهُمَا مَعَ الْمَرَاوِزَةِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ قَالَ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابو اسحق قَوْلًا مِنْهَا وَتَرْجِيحُهُ لَهَا لَا يَكُونُ فَاسِدًا وَلَا غَلَطًا كَمَا ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ بَلْ مَا ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ مِنْ الْإِيرَادِ وَالْإِشْكَالِ غَلَطٌ فَإِنَّ التَّقْوِيمَ مَا كَانَ لِإِيجَابِ عَيْنِ الْقِيمَةِ بَلْ لِمَعْرِفَةِ نِسْبَةِ مَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَالْقِيمَةُ مِعْيَارٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ صِحَّتُهَا وَإِفَادَتُهَا (وَقَوْلُهُ) إنَّ أَثَرَ الْعَيْبِ فِي التَّنْقِيصِ وَاحِدٌ خَطَأٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ فَوَجَدَهُ مَقْطُوعَ الْيَدِ يُقَوَّمُ سَلِيمًا فَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا يَوْمَ الْعَقْدِ عُلِمَ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْهُ خُمُسُ قِيمَتِهِ فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا قِيمَةَ يَوْمِ الْقَبْضِ عُلِمَ أَنَّهُ نَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ فيرجع بعشر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 264)
________________________________________
الثَّمَنِ فَحَصَلَ التَّفَاوُتُ الظَّاهِرُ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا فَهِمَ الْفَارِقِيُّ أَنَّهُ جَعَلَ قِيمَتَهُ مَعِيبًا تِسْعِينَ وَقِيمَتَهُ بِالْعِوَضِ مِائَةً (قَالَ) فَنَعْلَمُ أَنَّ النَّاقِصَ عُشْرُ الْقِيمَةِ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ وَإِذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّمَانَيْنِ وَجَبَ اعْتِبَارُ أحدهما لاختلافهما وقول الفارقى في فساد التعليل ففى ما ذكر في كَلَامِ الشَّيْخِ غُنْيَةٌ عَنْهُ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَهَذَا القول الذى صار إليه الشيخ أبو إسحق لَيْسَ قَوْلًا لَهُ اخْتَرَعَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ مقول عن أئمة المذهب فلا يليق بالمتأخر إظْهَارُ شَنَاعَةٍ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ وَذَكَرَهُ فِي تصنيفه فانه فساد ليس في كتابه شئ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهُ وَإِنَّمَا اللَّائِقُ بِهِ إنْ كَانَ تَكَلَّمَ عَلَى دَلِيلِهِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنْ إشْكَالٍ أَوْ مُبَاحَثَةٍ أَمَّا الحكم عليه بانه أفسد شئ فِي كِتَابِهِ فَخَطَأٌ مَحْضٌ مِنْهُ وَسُوءُ أَدَبٍ وممن اختار ما اختاره الشيخ أبو إسحق (١) وَالْبَغَوِيُّ
* (قُلْتُ)
* وَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ مِنْ وُجُوبِ حِفْظِ الْأَدَبِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ بِلَفْظِهِ وَحُرُوفِهِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْمُصَنِّفِ بِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى اعْتِبَارِ يَوْمِ الْقَبْضِ قَالَ وَقِيمَتُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ أَثَرٌ لَمَا قَيَّدَ الشَّافِعِيُّ بِيَوْمِ الْقَبْضِ فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ وَبَيَانِ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي اخْتِلَافِ الْأَرْشِ وَمَا فَرَضَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ لَعَلَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ قِيمَةِ الْمَعِيبِ مَعَ تَسَاوِي قِيمَةِ السَّلِيمِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ وَالْعَيْبُ وَاحِدٌ كَمَا مثل به من قطع اليد بعيد لانه متى كانت قيمة السليم يوم العقد
ويوم الْقَبْضِ سَوَاءً وَالْعَيْبُ وَاحِدٌ وَالْمَبِيعُ وَاحِدٌ فَكَيْفَ تختلف قيمة العيب لكن قد قدمت أَمْثِلَةٌ تُغْنِي عَنْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ تَتَّحِدَ قِيمَةُ السَّلِيمِ وَتَخْتَلِفَ قِيمَةُ الْمَعِيبِ لِزِيَادَةِ الْعَيْنِ أَوْ نُقْصَانِهَا وَاسْتِبْعَادُ الشَّاشِيِّ لَهُ وَقَوْلُهُ ان العيب ينقض مِنْ كَثِيرِ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَنْقُصُ مِنْ قَلِيلِهَا فَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الشَّاشِيَّ قَصَرَ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِ قِيمَةِ السليم المنسوب إليها واتحاد العيب
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 265)
________________________________________
المنسوب وذلك هو القسم الثاني لذى قَدَّمْتُهُ وَقُلْتُ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَمْ يَشْمَلْهُ أَوْ إنَّ الْأَوْلَى فِيهِ عِبَارَةُ الْإِمَامِ (أَمَّا) إذَا فَرَضْنَا الْكَلَامَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ قِيمَةَ السَّلِيمِ سَوَاءٌ وَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ زَادَتْ بِحُدُوثِ صِفَةٍ فَإِنَّ النِّسْبَةَ تَخْتَلِفُ قَطْعًا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا قَرَّرَهُ الْفَارِقِيُّ فِي كَلَامِهِ فَغَيْرُ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ جَوَابُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الِاعْتِرَاضِ وَذَلِكَ هُوَ جَوَابٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ وَسَنَزِيدُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الشَّاشِيِّ أن الاصحاب وان سكنوا عن قيمة السليم المنسوب إليها فلابد مِنْ اعْتِبَارِهَا فَإِنَّ قِيمَةَ الْمَعِيبِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهَا فَالضَّرُورَةُ تَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ ذلك الشئ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ مَعْلُومًا فَإِنْ اتَّحَدَ فَذَلِكَ وَإِنْ اختلف فهذا مما قدمت أن الاصحاب سكنوا عَنْهُ إلَّا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَبَحَثَ فِيهِ هُنَاكَ فَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُهَا وَأَنَّهَا قَدْ تَخْتَلِفُ فَاخْتِلَافُهَا مَعَ تَعَارُضِ السَّلَامَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ إنَّمَا يَكُونُ بِحَيْثُ الْأَسْعَارُ وَالرَّغَبَاتُ وَعِنْدَ ذَلِكَ قَدْ يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ قَلِيلِ الْقِيمَةِ نِسْبَةً لَا يَنْقُصُهَا مِنْ كَثِيرِهَا وَذَلِكَ إذَا غَلَا السِّعْرُ وَضَاقَ ذَلِكَ الصِّنْفُ فَإِنَّ الرَّغْبَةَ تَشْتَدُّ فيه ويغتفرون ما به عن عَيْبٍ وَلَا يَصِيرُ النَّاسُ يُبَالُونَ بِعَيْبِهِ كَمَا يُبَالُونَ بِهِ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ إذَا رَخُصَتْ الْأَسْعَارُ وَاتَّسَعَ الصِّنْفُ وَبُخِسَتْ قِيمَتُهُ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى السَّلِيمِ مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ صَدَّتْ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنْ الْمَعِيبِ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَانْحَطَّتْ قِيمَتُهُ عَنْ قِيمَةِ السَّلِيمِ بِنِسْبَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الْعُرْفُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَنْقُولٍ ثُمَّ إنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تُفْرَضُ فِي الْفِقْهِ وَالْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةً غَالِبًا بَلْ وَلَا نَادِرًا بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّهَا إنْ وُجِدَتْ كَانَ هَذَا حُكْمَهَا
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا إنَّمَا جاء في اختلاف السوق وَفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ حُدُوثِ وَصْفٍ فِي الْمَبِيعِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قِيمَةِ الْمَعِيبِ سَبَبُهُ حُدُوثُ الْوَصْفِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ (وَأَمَّا) الِاخْتِلَافُ فِي قِيمَةِ السلم الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ سَبَبٌ إلَّا اخْتِلَافُ السوق ولابد مِنْ اعْتِبَارِهَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَإِيرَادُ الْفَارِقِيِّ عَلَيْهِ قَوِيٌّ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَلَيْسَ بِمُنَاسِبٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّا إذَا أَدْخَلْنَا الَّذِي نَقَصَ فِي التَّقْوِيمِ قَبْلَ الْأَرْشِ وَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي وَانْتَفَعَ الْبَائِعُ فلو قال المشترى لناسبه مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَانَ يَفْسُدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِبَقِيَّةِ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا أَنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 266)
________________________________________
هَذَا الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعُيُوبِ الْمَنْسُوبَةِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الْمُرَادَ قِيمَةُ السَّلِيمِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا وَعَلَى ذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ على البائع لانا إذا نسبنا إليها وَأَدْخَلْنَاهَا فِي التَّقْوِيمِ كَثُرَ الْأَرْشُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَلَّقُوا بِكَلَامِ الْإِمَامِ تَعَلَّقْنَا بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ قُلْتَ) ذلك لا يلائم قوله كان ما نص فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ (قُلْتُ) سَيَأْتِي تَأْوِيلُهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَوْلُ الْفَارِقِيِّ إنَّا نُوجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَدْرَ ما نقص بفواتها مضمونا إلَى الْأَرْشِ إنَّمَا يَصِحُّ تَخَيُّلُهُ عَلَى بُطْلَانِهِ لَوْ زَالَ بَعْدَ حُدُوثِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ رَأَيْتُ صَاحِبَ الْوَافِي نَقَلَ هَذَا الْجَوَابَ الَّذِي قلته عن شيخ ثُمَّ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُفْرَضُ فِيمَا إذَا زَادَتْ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ ثُمَّ ذَهَبَتْ الزِّيَادَةُ (قَالَ) فَالْجَوَابُ صَحِيحٌ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ يَمْنَعُ مِنْهُ الْحُكْمُ إذَا فَرَضَهَا كَذَلِكَ وَقَدْ اعْتَذَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْلِيلِ فَقَالَ هَذَا مُشْكِلٌ لَكِنْ أَرَادَ أَنَّ النُّقْصَانَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ سقط ضمانه برضى المشترى بقبض المبيع ناقصا فلو فرضنا وَقْتَ الْعَقْدِ أَدَّى إلَى إيجَابِ ضَمَانِ النُّقْصَانِ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ عَنَى الْبَائِعَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ ثُمَّ ذَكَرَهُ ظَاهِرًا (قُلْتُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ السَّلَامَةِ فَذَلِكَ الْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْهَا قَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ فَلَا يُنْسَبُ الْعَيْبُ إلَّا إلَى الثَّانِي وَهُوَ الْأَقَلُّ وَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ وَهَذَا اعْتِذَارٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ فِيهِ مُحَافَظَةً عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ لَكِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقْتَضِي عَكْسَ الْحُكْمِ فَإِنَّ قِيمَةَ السَّلِيمِ إذَا كَانَتْ مِائَةً يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْمَعِيبِ يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِينَ فَعَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَنْبَغِي بأن يقوم بأكثر قيمتي المعيب تسعون لِأَنَّ الْعَيْبَ الزَّائِدَ الْمُنْقِصَ لِلْعَشَرَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُحْسَبْ عَلَى الْبَائِعِ فَيَكُونَ الْأَرْشُ الْعُشْرَ (وَالظَّاهِرُ) من كلامهم أن الارش في هذه الصورة الْخُمُسُ لِأَنَّ الثَّمَانِينَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ أَوْ يَجْهَلَ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ مُنْقِصٌ لِلْقِيمَةِ وَيَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِذَلِكَ الْعَيْبِ ثُمَّ يَحْدُثُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ فَلَهُ الْأَرْشُ عَنْ الْعَيْبَيْنِ جَمِيعًا الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَاَلَّذِي حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَقَالَ) صَاحِبُ الْوَافِي مَعْنَى قَوْلِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَهُوَ نَاقِصٌ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يَبِعْهُ مِنْ أَمْوَالِهِ إذَا لَمْ يَبِعْهُ لَيْسَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَرَأَيْتُ فِي تعليقه ابى اسحق الْعِرَاقِيِّ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ غَلَطًا فِي النُّسْخَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 267)
________________________________________
أَحَدٌ ظَنَّ أَنَّ الْبَائِعَ غَلِطَ فَأَصْلَحَهُ عَلَى ظَنِّهِ وَكُلُّ النُّسَخِ فِيهَا الْبَائِعُ وَالْفَارِقِيُّ أَعْرَفُ بِمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَقَدْ ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْدِفَاعُ الْإِشْكَالِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ كَانَ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ وَأَظُنُّ ذَلِكَ كُلَّهُ إصْلَاحًا لِمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ وَتَعْلِيلُ الْمَاوَرْدِيُّ قَرِيبٌ مِنْ تَعْلِيلِ المصنف وكذلك أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَخْتَصَّ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِشْكَالِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَلِكَ شيخه القاضى ابن الطَّيِّبِ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَارِدٌ عَلَيْهَا
*
* (فَرْعٌ)
* وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ وَحَمَلْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ إنْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُتَعَيَّنُ أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الاول ان كَانَتْ قِيمَتُهُ مَعِيبًا تِسْعَةً عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ نقص نقصانه مَعَ بَقَاءِ قِيمَةِ السَّلِيمِ إنَّمَا تَكُونُ لِعَيْبٍ آخَرَ فَذَلِكَ الْعَيْبُ الْآخَرُ إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَرَضِيَ بِهِ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَيُنْسَبُ الَّذِي كَانَ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يرضى بِهِ كَانَ الْكُلُّ إلَى الْقَبْضِ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ يُنْسَبُ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَعِيبِ مَعَ بَقَاءِ قِيمَةِ السَّلِيمِ
فَذَلِكَ إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْعَيْبِ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ بِمَا نَقَصَ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الرَّدُّ وَلَا الْأَرْشُ فَكَذَلِكَ نقصا فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ هُنَا وَإِنَّ لحصول وَصْفٌ زَائِدٌ فِي الْمَبِيعِ جَبَرَ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ بِالْعَيْبِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَقَدْ فَرَضْنَا أَنَّ قِيمَتَهُ سَلِيمًا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا
*
* (فَرْعٌ)
* عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَعَلَى عِبَارَةِ الْإِمَامِ (وَقَالَ) النووي في المنهاج أقل قيمته مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فِيمَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ أَنْ تُعْتَبَرَ تِلْكَ الْقِيمَةُ النَّاقِصَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَوَاءً لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَةَ حِينَئِذٍ أَقَلُّ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ أَقَلَّ مِنْ الْآخَرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْهُمَا أَنْ يُقَوَّمَ بِالْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ وَعِبَارَةُ الْجُمْهُورِ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ وَتَقْتَضِي أَنْ يُقَوَّمَ بِإِحْدَى الْقِيمَتَيْنِ فِي يَوْمِ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمِ الْقَبْضِ إنْ كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ فَبِإِحْدَاهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتَا فَبِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَهَذِهِ عَكْسُ الصُّورَةِ الَّتِي فُرِضَ الْكَلَامُ فيهما فيما تقدم عن صاحب الوافى على أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَابِعٌ لِلرَّافِعِيِّ فِي عِبَارَتِهِ وَنَبَّهَ فِي دَقَائِقِ الْمِنْهَاجِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ غَيَّرَهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْمُنْقِصَ إذَا وُجِدَ وَزَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ النُّسْخَةُ صَحِيحَةً فَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِلْمِنْهَاجِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لَكِنَّ قَوْلَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 268)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَفْرُوضٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ إذَا أَرَادَ يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ أَمَّا الْأَرْشُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُشْتَرِي عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ ثُمَّ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْحَادِثُ وَالْقَدِيمُ وَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَدِيمِ عَشَرَةً وَبِهِ مَعَ الْحَادِثِ تِسْعَةً غَرِمَ دِرْهَمًا وَلَا تُجْعَلُ الْقِيمَةُ فِي هَذَا الْحَالِ مِعْيَارًا (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ
*
* (فَرْعٌ)
* قال ابن أبى عَصْرُونٍ الْمُتَأَخِّرُ فِي مَجْمُوعٍ لَهُ يَتَعَرَّضُ فِي بَعْضِهِ لِأَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ قَالَ (قَوْلُهُ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ قَالَ فَيُقَالُ مَثَلًا قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ بِلَا عَيْبٍ ثَلَاثُونَ وَبِالْعَيْبِ عِشْرُونَ فَيَنْقُصُ
عَشَرَةً وَيُقَالُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِلَا عَيْبٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِالْعَيْبِ عِشْرُونَ فَيَرْجِعُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَزَادَتْ يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا إذَا قُلْنَا سَائِلٌ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِي السَّائِلِ وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ يَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّ المراد نسبتها من الثمن
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ الْأَلْفُ بِدُونِ الْأَلْفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَسْتَرْجِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَغْرَمُ أَرْشَ الْكَسْرِ وَحَكَى أَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَضْلِ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الثَّمَنَ مَجْهُولًا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْفَرْعُ مَنْسُوبٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ أَنَّهُ يَفْسَخُ الْمَبِيعَ وَيَرُدُّ الْإِنَاءَ وَيَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ الْحَادِثِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْإِنَاءِ وَالثَّمَنِ وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَعَيْبِ الْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ فَعَلَيْهِ غَرَامَتُهُ وَغَرَامَةُ الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ هُنَا لَيْسَ كَغَرَامَتِهِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى تَعَذُّرِ أَخْذِ الْأَرْشِ بِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقُصُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَى تَعَذُّرِ رَدِّهِ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِأَنَّ الْمَرْدُودَ يَزِيدُ عَلَى الثمن وكلا الامرين ريا وَلَا يُسْتَشْكَلُ هَذَا التَّقْرِيرُ مَعَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْرَمُ الْأَرْشَ حَتَّى يَقِفَ عَلَى آخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّنْبِيهِ السَّادِسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ إنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ مَعَ أَخْذِ الْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِدُونِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَرُدُّ الْحُلِيَّ عَلَى الْبَائِعِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ مَعَ الْأَرْشِ وَدُونَهُ فَجُعِلَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 269)
________________________________________
كَالتَّالِفِ فَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ سَلِيمًا عَنْ الْحَادِثِ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْوَجْهَ وَإِيرَادُ صَاحِبِ الْبَحْرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَشْبِيهَهُ بِالْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُسْتَامَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ إذَا
نَقَصَ يَلْزَمُ أَرْشُ نُقْصَانِهِ لَا قِيمَةُ جَمِيعِهِ (وَالثَّالِثُ) الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيًا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالدَّارِكِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَسَائِرِ الصُّوَرِ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الرِّبَوِيِّ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَالْأَرْشُ حَقٌّ وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله (واعلم) أن الوجه الاولى وَالثَّانِيَ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَأَنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمَا فِي أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ أَوْ يُمْسِكُ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَأَمَّا صَاحِبُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَقِيَاسُهُ تَجْوِيزُ الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ أَيْضًا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ هُوَ الْفَاسِخُ عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا إلَّا عَلَى أَصْلِ الْفَسْخِ وَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا أَخَذَ الْأَرْشَ فَقَدْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ من غير جنس العرض كيلا يَلْزَمَ رِبَا الْفَضْلِ (وَالْأَصَحُّ) وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِمَا لِأَنَّ الْجِنْسَ لَوْ امْتَنَعَ أَخْذُهُ لَامْتَنَعَ أَخْذُ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بيع مال الربا بجنسه مع شئ آخَرَ وَذَلِكَ مِنْ صُوَرِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَيْضًا لِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ غَلِطَ أبو إسحق الْعِرَاقِيُّ فَجَعَلَ قَوْلَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا رَابِعًا وَحَكَاهُ مَعَ وَجْهِ الدَّارَكِيِّ بِعِبَارَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِاتِّحَادِهِمَا ثُمَّ تَنَبَّهَ لِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِنَاءِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَرَضَهَا فِي إبْرِيقٍ وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقَةِ الَّتِي كَتَبَهَا سُلَيْمٌ عَنْهُ نَقَلَهَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَى إبْرِيقًا فِضَّةً وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ بِإِبْرِيقٍ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةٌ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَفَرَضَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي مَصُوغٍ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى حُلِيًّا وَزْنُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ وَفَرْضُهَا فِي الْحُلِيِّ حَسَنٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَأَمَّا فَرْضُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي الْإِنَاءِ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ اتِّخَاذِ أَوَانِي الْفِضَّةِ فَصَحِيحٌ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ فَلَا يَكُونُ الكسر عيبا فيها فلا يمتنع الرد والارش كما لو لم يحدث شئ فَلَعَلَّ ابْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَ هَذَا عَلَى جَوَازِ الِاتِّخَاذِ وَأَيْضًا فَذَكَرَ الْكَسْرَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَالْمَقْصُودُ حُدُوثُ عَيْبٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (الثَّانِي) أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ تَمَامَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الْإِنَاءِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْإِمَامُ بَلْ سَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَأَنَّهُمَا اكْتَفَيَا بِشُهْرَةِ الْمَسْأَلَةِ وَالْعِلْمِ بِصُورَتِهَا وَالْمُرَادُ إذا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 270)
________________________________________
اشْتَرَاهُ بِوَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ كَذَلِكَ فَرَضَهَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ من غير النقود أو من النقود غَيْرِ الْجِنْسِ لَمْ تَأْتِ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّهُ لَا يبقى محذور فِي الْمُفَاضَلَةِ فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الْعِرَاقِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَأَظُنُّهُمَا في الذخائر وكانهما ماخوذ ان مِمَّا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْحَاوِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ ذَهَبًا وَالْحُلِيُّ الْمَبِيعُ مِنْ الْفِضَّةِ قُوِّمَ الْحُلِيُّ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ يُسْتَرَدُّ الْأَرْشُ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كان عرضا فمن الغرض أَوْ ذَهَبًا فَمِنْ الذَّهَبِ فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ فِضَّةً وَالْحُلِيُّ مِنْ الْفِضَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُقَوَّمُ نَقْدُ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ مِنْ نُقْرَةٍ خَشِنَةٍ وَالدَّرَاهِمُ الْمَطْبُوعَةُ تَزِيدُ عَلَيْهِ قُوِّمَ بِنَقْدٍ آخَرَ وَهُوَ الذهب كيلا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وكأنه سقط منها شئ (الثَّالِثُ) فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أُمُورٍ وَاضِحَةٍ ذَكَرَ الْقِصَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ الرِّبَوِيِّ وَالذَّهَبُ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ إنَاءَ الذَّهَبِ حَرَامٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ التَّمْثِيلُ به وجعله قيمة العين مثال لِزِيَادَتِهَا عَلَى وَزْنِهِ حَتَّى يَكُونَ الْكَسْرُ مُنْقِصًا لَهَا فَيَكُونَ عَيْبًا أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً لِلْوَزْنِ إنْ أَمْكَنَ فَرْضُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْكَسْرُ مُنْقِصًا لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ وَالْكَسْرُ مِثَالٌ لِحُدُوثِ عَيْبٍ فَلَوْ انْكَسَرَ بِنَفْسِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (١) (الرَّابِعُ) أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ امْتِنَاعَ الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ من رُجُوعٌ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مُوَافِقٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ غَرَامَةٌ جَدِيدَةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ هُنَا كَمَا حَكَى قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَوْلَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ فَتَحَصَّلْنَا عَلَى احْتِمَالَيْنِ فِي حَقِيقَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْشَيْنِ أَنَّهُ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيَعْنِي بِالْأَرْشَيْنِ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَأَرْشَ الْحَادِثِ يَعْنِي أَنَّ عِلَّةَ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَكُونُ الْأَرْشُ عَنْ القديم جزأ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْأَرْشُ عَنْ الْحَادِثِ كَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَجْعَلُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَبِيعِ وَأَنَّ الْفَسْخَ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا ضُمَّ مَعَ الْمَبِيعِ كَمَا يُرَدُّ عَلَى الْمَبِيعِ وَقَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ فَظَهَرَ لَك بِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَأْخَذَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَمَأْخَذُ الثَّالِثِ أَنَّهُ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ لَكِنَّ
الْإِمَامَ قَدْ اخْتَارَ قد صاحب التقريب هنا وقد تقدم عن قَوْلٌ بِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَطَرِيقُ الجميع بان القائل بان غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي أَنَّهُ انْتِقَاصٌ جَدِيدٌ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ عَلَّلَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ بِالضَّرُورَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَرْشُ غُرْمًا مُبْتَدَأً لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَيْضًا إنَّ كُلَّ مَسْلَكٍ مِنْ الْمَسَالِكِ يَعْنِي الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ لَا يَخْلُو عَنْ حَيْدٍ عَنْ قَانُونٍ فِي الْقِيَاسِ جَارٍ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يصر احد إلى التخيير
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 271)
________________________________________
بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ مِنْ حَيْثُ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَيْلٍ عَنْ أَصْلٍ وَالضَّرُورَةُ تُحْوِجُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ لَيْسَ غُرْمًا مُبْتَدَأً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ الْقَانُونِ وَفِي كَلَامِهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَفِي النَّظَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَلِذَلِكَ قَالَ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ إنَّ غَرَامَةَ الْأَرْشِ فِي هَذَا الْمَضِيقِ تُقَدَّرُ كَأَرْشٍ مُبْتَدَأٍ مُرَتَّبٍ عَلَى جِنَايَةٍ عَلَى مِلْكِهِ (الْخَامِسُ) أَنَّ الْفَاسِخَ لِلْبَيْعِ هُوَ الْحَاكِمُ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ إنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يفسخ ايضا كما يقال فِي التَّخَالُفِ إنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَيْضًا أَنْ يَفْسَخَ عَلَى الْأَصَحِّ (إنْ قُلْنَا) بِذَلِكَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي بَابِهِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا فِيهِ وَقْفَةٌ (وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ فَيَبْعُدُ إلْحَاقُهُ بِالتَّخَالُفِ وَإِنَّمَا هُوَ رَدٌّ بِالْعَيْبِ لَا مَدْخَلَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ امْتَنَعَ دُخُولُ الْأَرْشِ فِيهِ وَجُعِلَ غَرَامَةً مُبْتَدَأَةً وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى كَيْفِيَّةِ الْفَسْخِ كَمَا وَعَدْتُ بِهِ مِنْ قَبْلُ (السَّادِسُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يُغَرِّمْهُ أَرْشَ الْكَسْرِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ تَغْرِيمَ أَرْشِ الْكَسْرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْفَسْخِ وَالْفَسْخُ يَرِدُ عَلَى الْإِنَاءِ خَاصَّةً وَلَيْسَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ حَيْثُ يَرِدُ الْأَرْشُ عَنْ الْحَادِثِ مَعَ الْمَبِيعِ إذ وَرَدَ الرَّدُّ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَدَّى إلَى الرِّبَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ قَبْضَهُ بَلْ رُجُوعَهُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ فِي الْأَوْجُهِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ رَدِّ الْأَرْشِ مَعَ الْمَبِيعِ إلَّا مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ الوجه الثالث فلذلك أتى المصنف بصفة ثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النُّقْصَانِ وَيَجِبُ تَأْوِيلُهَا عَلَى الْمَعِيَّةِ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي انْسِحَابِ حُكْمِ الرَّدِّ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ هُنَا كَلَامًا بَلِيغًا فِي تَحْقِيقِ رَدِّ
الْأَرْشِ مَعَ الْعَيْبِ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَى تَقْرِيرِ وُرُودِ الْفَسْخِ عَلَيْهِمَا أَعْنِي فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذَلِكَ عَنْهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (السَّابِعُ) أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ حَكَاهُ الدَّارَكِيُّ وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَنْهُ (الثَّامِنُ) مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الدَّارَكِيِّ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَضْلِ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ يُفْهِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ بَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ وَلَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ لِمَا نَذْكُرُهُ مِنْ الدَّلِيلِ فَقَوْلُهُ ظَهَرَ يَنْفِي كَوْنَهُ غُرْمًا مُبْتَدَأً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الشَّيْنِ أَوْ بِطَرِيقِ إنْشَاءِ نَقْصٍ جَدِيدٍ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ الْأَقْرَبُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْإِمَامِ الثَّانِي (التَّاسِعُ) الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الثَّمَنَ مَجْهُولًا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 272)
________________________________________
أَيْ لِأَنَّا ظَهَرَ لَنَا أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي قَابَلَ الْمَبِيعَ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْأَرْشِ وَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا حَالَةَ الْعَقْدِ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ مُوجِبَةٌ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَلَوْ كَانَ مَا ظَهَرَ مُعْتَبَرًا لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِإِفْضَائِهِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَبُطْلَانِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لَكِنَّ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا فَلَا يَكُونُ لِمَا ظَهَرَ حُكْمٌ وَهَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي تَوْجِيهِ هَذَا الْقَوْلِ لِمَا حَكَاهُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ فِي هَذَا الْمَضِيقِ كَأَرْشٍ مُبْتَدَإٍ مرتب على جناية فانا هَذَا الْقَوْلُ وَاحِدٌ وَمَأْخَذُهُ مُخْتَلِفٌ الْمُصَنِّفُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُقَابَلَةَ تَغَيَّرَتْ لَكِنْ لَيْسَ لِظُهُورِ تغيرها حكم ويطرد فذلك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي غَيْرِهَا وَالْإِمَامُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّرُورَةُ تَجْعَلُهُ كَغُرْمٍ مُبْتَدَإٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ حَيْدًا عَنْ الْقَانُونِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ يَحْتَاجُ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عما ظهرت وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ نَصٌّ أَوْ لَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ كَانَ عُذْرًا فِي أَنْ يَجْعَلَ أَنَّ مَا ظَهَرَ لَا حُكْمَ لَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ كَغُرْمٍ مُبْتَدَإٍ اتِّبَاعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ فَمَا الْمُخَلِّصُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ وَمَا الْمُوجِبُ لِارْتِكَابِهَا (الْعَاشِرُ) لَا جَوَابَ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الدَّارَكِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ جَهَالَةُ الثَّمَنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْعَيْنِ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُقَابَلَةَ تَغَيَّرَتْ
بِانْتِقَاصٍ جَدِيدٍ فَلَا وَهَذَا الَّذِي يَقُولُ بِهِ بِدَلِيلِ حِلِّ الْجَارِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَإِذَا كَانَ بِطَرِيقِ النَّقْصِ صَارَ لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُقَابَلَةِ صَارَتْ الْأَلْفُ مُقَابَلَةً بِدُونِ الْأَلْفِ الْآنَ لَا فِيمَا مَضَى فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ كَذَلِكَ قَالَ الْفَارِقِيُّ فِي الْجَهَالَةِ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْجَهَالَةِ الْحَاصِلَةِ بِفِعْلِ الْعَاقِلِ ابْتِدَاءً وَالْحَاصِلِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ بَطَلَ وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ حَلَّ وَصَارَ الْأَجَلُ بِمَوْتِهِ مَجْهُولًا وَهُوَ صَحِيحٌ (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَرُدُّ ثُمَّ يَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ وَشَبَّهُوهُ بِالْمُسْتَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرَّدَّ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَالْعَيْبُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَغْرَمُهُ إذَا لَمْ يُقَدَّرْ وُرُودُ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَالْمُسْتَامِ فَإِنَّ الْمُسْتَامَ لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ وَنَظَرُهُ بِقَوْلٍ مَنْصُوصٍ لِلشَّافِعِيِّ إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الذخول أَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَرِدُّ الْمُسَمَّى وَيَرُدُّ إلَيْهَا الْبُضْعَ ثُمَّ يَغْرَمُ الزَّوْجُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ (الثَّانِيَ عَشَرَ) مَأْخَذُ فَسْخِ الْبَيْعِ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الرَّجُلِ يُشْتَرَى ثَمَرُهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ القطع ثم لم يقطع حتى بدى الصَّلَاحُ ثُمَّ أَرَادَ الْقَطْعَ فَسَخْنَا الْبَيْعَ هَهُنَا لِمَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَيْهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِهِ أَوْ بِالْمَسَاكِينِ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَعْلِيقَتِهِ وَلَمْ أَفْهَمْهُ وَإِنَّمَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ عَلَى أَحَدِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 273)
________________________________________
الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ طَائِفَةٍ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ فَاسِخٍ وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِكَ (الثَّالِثَ عَشَرَ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْإِنَاءُ بَاقِيًا فَلَوْ عَرَفَ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ بَعْدَ تَلَفِهِ عِنْدَهُ فَالصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ التَّالِفِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَلَا يُمْكِنُ أَخْذُ الْأَرْشِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَصَحَّحَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الرِّبَا وَذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ هُنَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الدَّارَكِيِّ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَيَلْزَمُهُمَا مُوَافَقَتُهُ هُنَاكَ وَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ هُنَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَأَلْجَأَهُمْ إلَى ذَلِكَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ وَاحْتَاجُوا إلَى الْفَسْخِ هُنَا لِامْتِنَاعِ أَخْذِ الْأَرْشِ عَنْ الْقَدِيمِ بِخِلَافِ تَلَفِ بَيْعِ الْمَعِيبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ يَكُونُ أَخْذُ الْأَرْشِ مُمْكِنًا قَالُوا وَتَلَفُ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْفَسْخِ وَقَدْ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ الْإِقَالَةَ
بَعْدَ التَّلَفِ وَكَذَلِكَ فِي التَّخَالُفِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ جَعَلَ حَالَةَ التَّلَفِ أَصْلًا وَأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَقُولُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَحَالَةِ التَّلَفِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (قَالَ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا اخْتِيَارُهُ وَحِكَايَةُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَفِي الْحَاوِي فِي بَابِ الرِّبَا عِنْدَ التَّلَفِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِجِنْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ النَّقْدَيْنِ (فَوَجْهَانِ) أَقْيَسُهُمَا الرُّجُوعُ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْفِضَّةِ ذَهَبًا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ الشُّيُوخِ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الصَّرْفَ أَضْيَقُ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ يُعْتَبَرُ بِالْأَثْمَانِ فَلَا يَكُونُ داخلا فيها وقد تقدم ذلك وتفرعه عَنْهُ فِي بَابِ الرِّبَا وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يجرى هنا في حالة البقاء لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَرَضَ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ وَلَمْ يَفْرِضْهُ حَيْثُ تَكُونُ الْقِيمَةُ زَائِدَةً عَنْ الْوَزْنِ (الرَّابِعَ عَشَرَ) مَتَى كَانَ كَسْرُ الْإِنَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَعْدِ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ وَمَتَى كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَوُجِدَ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَالتَّفَرُّقِ فَلَا إشْكَالَ وَفِيهِ فَرَضَ الْإِمَامُ المسألة ومتى كان قبلهما فهو من ضامن الْبَائِعِ فَلَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَمَتَى كَانَ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيَلْتَفُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ هَلْ يَصِيرُ مِنْ ضَمَانِهِ أَمْ لَا وَفِيهِ طُرُقٌ تَقَدَّمَتْ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِيرُ مِنْ ضَمَانِهِ وَأَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَالْعَيْبُ الْحَادِثُ حِينَئِذٍ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ لَا يُوجِبُ الْأَرْشَ فَهُوَ كَمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَلَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ ضَمَانِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَالْحُكْمُ كَمَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَالتَّقَابُضِ وَلَا جَرَمَ أطلق المصنف التصوير ولم أجد في شئ مِنْ ذَلِكَ نَقْلًا وَلَكِنَّهُ قَضِيَّةُ التَّفْرِيعِ وَالطُّرُقُ الَّتِي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ تقدمت في هذا الباب عند حدوث (١) الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ (الْخَامِسَ عَشَرَ) إذَا غَرَّمْنَاهُ قِيمَتَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ عَلَى قول الاكثرين
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 274)
________________________________________
* عند تلفه فقد تقدم في حكاية قول ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ هَكَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ يَعْنِي إذَا كَانَ فِضَّةً يُعْطِي قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا يُعْطِي قِيمَتَهُ فِضَّةً وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فِي حَالَةِ التَّلَفِ أَيْضًا وَالْأَكْثَرُونَ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ بَلْ أَطْلَقُوا الْقِيمَةَ وهو أحسن هذه غرامة وليست عقدا يجئ تحذر فيه من الربا وقد حكى العراقييون فِيمَا
إذَا أُتْلِفَتْ آنِيَةُ فِضَّةٍ قِيمَتُهَا أَزْيَدُ من وزنها ثلاثة أوجه (أصحهما) يُضْمَنُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ
(وَالثَّانِي)
يُقَوَّمُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ (وَالثَّالِثُ) بِمِثْلِ وَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ وَكَانَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ يَعِيبُ هَذَا وَيَقُولُ الْإِتْلَافُ لَيْسَ مَقِيسًا عَلَى الْبَيْعِ فِي أَمْرِ الرِّبَا (قُلْتُ) فَقِيَاسُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهَا هُنَا (السَّادِسَ عَشَرَ) غَرَامَةُ أَرْشِ النُّقْصَانِ الْحَادِثِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ عِنْدَ بَقَائِهِ هَلْ يَكُونُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ قَوْلًا وَاحِدًا أَوْ يُجْرَى فِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْغَصْبِ (الظَّاهِرُ) الثَّانِي لِأَنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالْمُسْتَامِ (السَّابِعَ عَشَرَ) قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَاخْتَارَ الثَّالِثَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنَّهُ لَمْ يَصِرْ صَائِرٌ إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَضَمِّ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنْ كَانَ محتملا بحكم التوجيه الذى ذكرناه للوجهين ولكن اعْتَقَدَ كُلُّ فَرِيقٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَبْعَدُ مِنْ اقْتِحَامِ الرِّبَا فَلَمْ يُثْبِتْ الْخِيَرَةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرُدُّ الْقِيَاسَ الَّذِي قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِقِيَاسِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِيَاسَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ لَعَلَّ صَاحِبَهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وهو البعد مِنْ الرِّبَا وَلَوْ ثَبَتَ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الْقِيَاسِ لَكَانَ لَنَا قَائِلٌ بِالتَّخْيِيرِ وَالْإِمَامُ قَدْ نَفَاهُ (الثَّامِنَ عَشَرَ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ الَّذِي ظَهَرَ بِالْإِنَاءِ كَالْكَسْرِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ كَانَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْجِنْسِ كَالْغِشِّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِلْمُفَاضَلَةِ (التَّاسِعَ عَشَرَ) أَنَّ الْكَلَامَ المذكور لا اختصاص به بِالْإِنَاءِ وَالْحُلِيِّ بَلْ هُوَ فِي كُلِّ عَقْدٍ اشْتَمَلَ عَلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ مَالِ الرِّبَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَاطَّلَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَيْبٍ فِيمَا أَخَذَهُ بَعْدَ حُدُوثِ عَيْبٍ فِي يَدِهِ أَوْ تَلَفِهِ وَفِيهِ فَرْضُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقَالَ ابْنُ الْحَكَمِ فِي سَائِرِ أَمْوَالِ الرِّبَا كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ (الْعِشْرُونَ) أَنَّ أَرْشَ الْكَسْرِ الَّذِي يَغْرَمُهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ بَلْ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ هنا يقتضى تشبيه بالمستام ويدل له ما سيأتي في ما لَمْ يُوقَفْ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ (وَقَالَ) أَبُو حَامِدِ بْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ اعْتِرَاضًا عَلَى جَعْلِهِ كَالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْفَسْخِ إنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَغَرِمَ أَرْشَ مَا نَقَصَ وَالْمَغْرُومُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ سَاعَدَهُ ولولا ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْفِرَارِ مِنْ الرِّبَا وَسَيَأْتِي فِيمَا لَمْ يُوقَفْ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ تَمَامُ هَذَا الْبَحْثِ وَالْأَقْرَبُ هُنَا مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْسُوبًا من الثمن بل من القيمة
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 275)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وُجِدَ الْعَيْبَ وَقَدْ نَقَصَ الْمَبِيعُ بِمَعْنًى يَقِفُ اسْتِعْلَامُ الْعَيْبِ عَلَى جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَ جَوْزًا أَوْ بَيْضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَسَرَهُ فَوَجَدَهُ لَا قِيمَةَ لِلْبَاقِي كَالْبَيْضِ الْمَذِرِ وَالرُّمَّانِ الْعَفِنِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَيَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي النَّقْصِ الَّذِي لَا يَقِفُ اسْتِعْلَامُ الْعَيْبِ عَلَى جِنْسِهِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيمَا يَقِفُ وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى جِنْسِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَسَرَ مِنْهُ قَدْرًا لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَيْبِ بِمَا دُونَهُ وَمَا إذَا كَسَرَ مِنْهُ قَدْرًا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعَيْبِ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَكِلَا الْقِسْمَيْنِ سَيَأْتِيَانِ فِي كَلَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ مَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ مِمَّا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْبِطِّيخِ وَالرَّانِجِ وَالرُّمَّانِ وَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْبَيْضِ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْبَيْضِ الْمَذِرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لشئ وَالْبِطِّيخِ الشَّدِيدِ التَّغَيُّرِ وَالرُّمَّانِ الْعَفِنِ وَالْجَوْزِ وَالرَّانِجِ وَالْقِثَّاءِ الْمُدَوِّدِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَالَ الْمُزَنِيّ سمعت الشافعي كُلّ مَا اشْتَرَيْتَ مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرْتَهُ فَأَصَبْتَهُ فَاسِدًا فَلَكَ رَدُّهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ فَاسِدًا صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا مَكْسُورًا قَالَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا إنْ شَاءَ الْبَائِعُ وَلِلْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا إلا أن لا يَكُونَ لَهُ فَاسِدًا قِيمَةٌ فَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (١) وَالْقَوْلَانِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي الْجُزْءِ الثَّامِنِ فِي بَابِ مَا اُشْتُرِيَ مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ دَاخِلَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إذَا لم يكن لفساده قِيمَةٌ قَطَعَ بِهَا الْأَصْحَابُ كَافَّةً لَكِنْ اخْتَلَفُوا في طريقه فالجمهور من الاصحاب العراقيون وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ فَسَادُ الْبَيْعِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِوُرُودِهِ عَلَى غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ وَعَنْ الْقَفَّالِ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ الْفَسَادُ لَكِنَّهُ عَلَى سَبِيلِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ كَمَا يَرْجِعُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ نَقْصِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ يَرْجِعُ بِكُلِّهِ عِنْدَ فَوَاتِ كُلِّ الْمَبِيعِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْقُشُورَ الْبَاقِيَةَ بِمَنْ تَخْتَصُّ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِ تَطْهِيرُ الْمَوْضِعِ عَنْهَا وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الشَّيْخِ وَهُوَ الْقَفَّالُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي الدَّرْسِ إذَا كَانَ
لَا قِيمَةَ لِفَاسِدِهِ غَيْرَ مَكْسُورٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِفَسَادِ الْعَقْدِ كَسَائِرِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ فَقَالَ هُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ أَدْنَى قِيمَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا تُقْتَضَى لِتُنْقَشَ فَيَلْعَبَ بِهَا الصِّبْيَانُ وخالفه الْقَاضِيَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ شِرَاءِ الْبَيْضِ الطُّعْمُ وَأَحَدٌ لَا يَشْتَرِي الْبَيْضَ لِيُنْقَشَ وَتَلْعَبَ بِهِ الصِّبْيَانُ وَالْإِمَامُ حَكَى قَوْلَ الْقَفَّالِ عَنْ طَائِفَةٍ وَأَفْسَدَهُ لَكِنْ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِهَا الْقَاضِي فَإِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي ان
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 276)
________________________________________
هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لِقِلَّتِهَا لَا تُعْتَبَرُ وَلَيْسَتْ مُسَوِّغَةً لا يراد الْعَقْدِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ التَّافِهَةِ وَالْإِمَامُ فَرَضَ الْكَلَامَ حَيْثُ لَا قِيمَةَ مَعَ الصِّحَّةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ نَحْكُمُ بِالصِّحَّةِ لَكِنَّهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ يَقُولُ لَا وَجْهَ إلَّا الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ إنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ جَمِيعَهُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ أَرْشَ النُّقْصَانِ لَكِنَّ أَرْشَ كَمَالِ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ قِيمَةٌ (وَالْوَجْهُ) أَنْ يُقَالَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فَإِنْ فَرَضَ لَهُ قِيمَةً قَبْلَ الْكَسْرِ قِيمَةً لِلنَّقْشِ وَلَعِبِ الصِّبْيَانِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْمَالِيَّةُ الْآنَ (فَإِنْ قُلْنَا) طَرِيقُ الِاطِّلَاعِ مِنْ عَهْدِ الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَجِبُ بِهِ أَرْشٌ فَهَهُنَا يَتَقَدَّمُ أَنْ يَسْتَرِدَّ تَمَامَ الثَّمَنِ وَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ إلَّا مَا بَقِيَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ وَإِنْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَقَدَّمُ مَعَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ تَمَامَ الثَّمَنِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ قَاطِعُونَ بِخِلَافِهِ أَفْهَمَ كَلَامُهُ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ أَصْلًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّقْشِ وَلَعِبِ الصِّبْيَانِ مُعْتَبَرَةٌ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحَالَّةِ إذَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لِلنَّقْشِ وَلَعِبِ الصِّبْيَانِ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي اسْتِرْدَادِ تَمَامِ الثَّمَنِ أَيْ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ كَمَا فِي قبل الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَوْلَى فَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الْأَصَحُّ) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَنْفَسِخُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَهَذَا غَيْرُ قول القفال لان الْقَفَّالِ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ كَالْأَرْشِ حَتَّى تَبْقَى الْقُشُورُ لِلْمُشْتَرِي وَمُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الِانْفِسَاخَ إذْ تَرْجِعُ الْقُشُورُ لِلْبَائِعِ وَيَلْزَمُهُ تَنْظِيفُ الْمَكَانِ عَنْهَا (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَنْفَسِخُ لَكِنْ يَكُونُ لَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ وَهُوَ هَهُنَا الثَّمَنُ
بِكَمَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَلَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ بِكَمَالِهِ بَلْ يَسْتَرِدُّ الْأَرْشَ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَالِمَ الْجَوْفِ وَفَاسِدَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُحْمَلَ النَّصُّ عَلَى مَا لَا قِيمَةَ لَهُ مَعَ فَسَادِهِ في حال صحته فيحملها على مراتب (احدها) أَنْ يَتَبَيَّنَ بِالْكَسْرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فِي حَالِ صِحَّتِهِ أَصْلًا وَهَذِهِ الْحَالَةُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِيهَا قَطْعًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَيُجْرَى فِيهَا وَجْهَانِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ كَالنَّقْشِ ولعب الصبيان فهى محل الاربعة الاوجه المقدمة وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ وَطَائِفَةٍ وَالْغَزَالِيِّ فَإِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فِي هَذِهِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُفْرَضَ لَهُ قِيمَةٌ قَبْلَ الْكَسْرِ مُعْتَبَرَةٌ فِي صِحَّةِ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبْطُلَ بالكسر وهذا الغرض لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ مُتَعَذَّرٌ أَوْ بَعِيدٌ فَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِتَبَيُّنِ الْبُطْلَانِ هَهُنَا لَكِنْ يَأْتِي الْوَجْهَانِ الْمَفْهُومَانِ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ البيع
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 277)
________________________________________
يَنْفَسِخُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيُجْعَلُ طَرِيقُ الِاطِّلَاعِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ إذَا قُلْنَا ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لَكِنْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَالِمًا وَفَاسِدًا صَحِيحَ الْقِشْرِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ إذَا فُرِضَ لَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ صَحِيحَةٌ لِلْعَقْدِ لَا إشْكَالَ فِي جَرَيَانِهِمَا وَيُمْكِنُ صَاحِبَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ بِطَرِيقِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِ طَرِيقِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ لَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ هُنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَهُمَا الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ لَا يُوَافِقُ عَلَى تَصْحِيحِ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فِي المسألة الاتية وشبه ايضا بالخلاف في قبل الْمُرْتَدِّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ هَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ
* إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ رَجَعْنَا إلَى لَفْظِ الْكِتَابِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَوَجَدَهُ لَا قِيمَةَ لِلْبَاقِي أَيْ بَعْدَ الْكَسْرِ يَشْمَلُ ماذا كَانَ لَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ أَوْ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا وَالْأَخِيرُ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ
(وَالثَّانِي)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَبَيَّنْتُ أَنَّهُ فَرْضٌ بَعِيدٌ أَوْ مُتَعَذَّرٌ فَلَا نَجْعَلُهُ مُدْرَجًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يُشْكِلُ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ الْقَفَّالِ فَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ حَتَّى تَشْمَلَ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ لَكِنَّ الَّذِي لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ كَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَالْمُرَادُ لَا قِيمَةَ لَهُ مُعْتَدًّا بِهَا (وَقَوْلُهُ) فَيَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ (وَقَوْلُهُ) الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَمَا حَمَلَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ
*
* (فَرْعٌ)
* قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَالْقَفَّالِ أَيْضًا فِي أَنَّ مُجَرَّدَ الِاطِّلَاعِ هَلْ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الثَّمَنِ أَمْ لَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لِلظُّلَامَةِ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا إذَا طَلَبَهُ عَلَى الفور كما تقسم ذِكْرُهُ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِحُدُوثِ عَيْبٍ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ يَكُونُ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا مِنْ حِينِ الْكَسْرِ الَّذِي زَالَتْ بِهِ الْمَالِيَّةُ (قُلْتُ) أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لِلظُّلَامَةِ لَا يَكُونُ إلَّا طَلَبُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ أَخْذِ الْمَعِيبِ وَتَعَيُّنِ الْحَقِّ فِي الْأَرْشِ لَا يَجِبُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَطْلُبُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَقَبْلَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْلِمُهُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ شَاءَ قَبِلَهُ فَهَهُنَا إنْ كَانَ الرَّدُّ عِنْدَ الْقَفَّالِ سَائِغًا وَأَنَّهُ إذَا طَلَبَهُ الْبَائِعُ يَجِبُ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِذَا لَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ بَطَلَ الرَّدُّ وَالْأَرْشُ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا وَلَا يَحْصُلُ لِلْبَائِعِ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَإِنَّ الرَّدَّ عِنْدَ الْقَفَّالِ ممتنعا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ الْأَرْشُ مُتَعَيَّنًا وَلَا يَجِبُ طَلَبُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ عَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 278)
________________________________________
الْقَوْلِ بِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ يَكُونُ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا مِنْ حِينِ الْكَسْرِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ عِلْمَنَا اسْتِحْقَاقَهُ مِنْ حِينِ الْكَسْرِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ مِنْ حِينِ التَّسْلِيمِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْكَسْرَ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ فِي الْكَسْرِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَدْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْعَيْبُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مُتَقَوِّمًا قَبْلَ الْكَسْرِ فَلَا فَرْقَ أَمَّا عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنْ زَادَ فِي الْكَسْرِ وَكَانَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُعْلَمُ بِهِ الْعَيْبُ لَبَقِيَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ الْيَسِيرَةُ يَكُونُ الزَّائِدُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ الْأَرْشُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَفِيهِ نَظَرٌ
*
* (فَرْعٌ)
* إنْ اخْتَلَفَا فِي تَسْلِيمِهِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يمينه قاله الشيخ أبو حامد
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ كَبَيْضِ النَّعَامَةِ وَالْبِطِّيخِ الْحَامِضِ وَمَا دَوَّدَ بَعْضُهُ مِنْ الْمَأْكُولِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَسَرَ مِنْهُ قَدْرًا لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَيْبِ بِمَا دُونَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَمَنَعَ الرَّدَّ كَقَطْعِ الثَّوْبِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَيْبِ إلَّا بِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ كَنَشْرِ الثَّوْبِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يَرُدُّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ مَعَهُ أَرْشَ الْكَسْرِ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ لَبَنِ الشَّاةِ الْمُصَرَّاةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْكَسْرَ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ مُسْتَحَقٌّ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِهِ أَرْشٌ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا كَسَرَ مَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ وَكَانَ لِلْبَاقِي بَعْدَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ وَكَالرَّانِجِ وَغَيْرِهِ إذَا بَقِيَتْ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْعَيْبُ مِثْلُ أَنْ نَقَبَ الرُّمَّانَ فَعَرَفَ حُمُوضَتَهُ أَوْ قَطَعَهُ قَطْعًا يَسِيرًا فَعَرَفَ أَنَّهُ مُدَوِّدٌ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّ التَّدْوِيدَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ بِالنَّقْبِ وَإِنْ كَانَ هَكَذَا فَفِيهِ قَوْلَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهِمَا (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ (ثَانِيًا) وَهُوَ الذى حكى المزني في كلامه أو لا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُصَرَّاةِ هَكَذَا قَاسَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُصَنِّفُ قَاسَهُ عَلَى نَشْرِ الثَّوْبِ وَسَنَذْكُرُ سَبَبَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ قَهْرًا كَمَا لَوْ عَرَفَ عَيْبَ الثَّوْبِ بَعْدَ قَطْعِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَالَ الْمُزَنِيّ بَعْدَ حِكَايَةِ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ المتخصر هَذَا يَعْنِي الْقَوْلَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 279)
________________________________________
بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ أَشْبَهَ بِأَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ الرَّانِجَ مَكْسُورًا كَمَا لَا يَرُدُّ الثَّوْبَ مَقْطُوعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ وَأَجَابَ الاصحاب بأن للشافعي في الرانج قولان أَيْضًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ فَهُوَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ يَضُمُّ أَرْشَ النُّقْصَانِ إلَيْهِ وَيَرُدُّهُ كَمَا سَبَقَ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَعَلَيْهِ يُنَزَّلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ فَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يَرْجِعُ
بِالْأَرْشِ فَإِذَا رَجَعَ بِالْأَرْشِ فَيُقَوَّمُ صحيحا وقشره صحيح وفاسدا وقشره صحيح وينظركم نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ كَالْأَرْشِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقَوِّمُهُ مَكْسُورًا لِأَنَّ الكسر نقص حدث في يده وانما يجز تَقْوِيمُهُ مَعَ الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وطريق الاطلاع على العيب على هَذَا الْقَوْلُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّا مَنَعْنَاهُ مِنْ الرَّدِّ (وَإِنْ قُلْنَا) يَرُدُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَهَلْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْكَسْرِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ كَالْمُصَرَّاةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الْمُخْتَصَرِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَك رَدُّهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ فَاسِدًا صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا مَكْسُورًا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا رَدَّ وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْقَوْلَ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ وَالْبَائِعُ بِالْبَيْعِ كَأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ أَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَيْضًا وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقَتِهِ وَطَرِيقُ الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَرَّاةِ أَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ لَمْ يُفَوِّتْ عَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ حَلْبِ الْمُصَرَّاةِ فَإِنَّهُ أَظْهَرُ نَقْصًا مَعَ تَفْوِيتِ عَيْنٍ هَكَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ تَأْتِي ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ جَمَعَهَا أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَمَنْ بَعْدَهُ وَالْغَزَالِيُّ جَعَلَهَا أَوْجُهًا (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ
(وَالثَّانِي)
يَرُدُّ بِغَيْرِ أَرْشٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ مَعَ الْأَرْشِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْأَعْدَلُ ثُمَّ نُنَبِّهُ عَلَى الامور (أَحَدُهَا) أَنَّ طَرِيقَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلْيَرُدَّ بِغَيْرِ أَرْشٍ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلْيَمْتَنِعْ الرَّدُّ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّ مَعَ الْأَرْشِ خَارِجٌ عَنْ الْمَأْخَذَيْنِ مَعَ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا قَالَ إنَّهُ الْأَعْدَلُ بِأَنَّهُ حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ أَيْضًا وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ (الثَّانِي) قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِذَا رَدَّ لَمْ يَغْرَمْ الْأَرْشَ عَلَى الْأَظْهَرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنْهَاجِ فَقَالَ رَدَّ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الرَّدَّ مَجْزُومٌ به والخلاف فِي الْأَرْشِ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَ بِهَا فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ غَايَةً إلَيْهِمَا وَيَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَرُدُّ بِغَيْرِ أَرْشٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ عَدَمُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 280)
________________________________________
الرَّدِّ مُطْلَقًا أَوْ الرَّدُّ مَعَ الْأَرْشِ (الثَّالِثُ) قَالَ الْإِمَامُ مِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهُ وَلَا تَتَحَقَّقُ الْإِحَاطَةُ بِالْمَسْأَلَةِ دُونَهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نحن فيها لا تتميز أصلا عن تفصل الْقَوْلِ فِي الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ الْمَعِيبَ الْمَكْسُورَ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ فَإِنْ لَمْ نَسْلُكْ هَذَا الْمَسْلَكَ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّا إذَا ذَكَرْنَا فِي الْكَسْرِ خِلَافًا فِي الْمَنْعِ مِنْ الرَّدِّ وَضَمِّ أَرْشِ الْحَادِثِ مِنْ الْعَيْبِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَهُ فِي كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ فَلَا تَنْفَصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ غَيْرِهَا إلَّا إذَا جَوَّزْنَا الرَّدَّ مَعَ غَيْرِ غُرْمِ أَرْشٍ فِي مُقَابَلَةِ عَيْبِ الْكَسْرِ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ مَسْأَلَةُ الْكَسْرِ أَوْلَى بِأَنْ يَحْتَكِمَ الْمُشْتَرِي فِيهَا بِالرَّدِّ مَعَ غَرَامَةِ الْأَرْشِ كَانَ هَذَا فَرْقًا فِي تَرْتِيبِ مَسْأَلَةٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ التَّنَازُعِ يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَنْ يُجَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ يُجَابُ الْمُشْتَرِي فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) يُجَابُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا أَوْ إذَا طَلَبَ تَقْرِيرَ الْعَقْدِ فَهَهُنَا خِلَافٌ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي سَمِعَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُجَابَ الْمُشْتَرِي فِي طَلَبِ الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تِلْكَ الْمَسَائِلِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ فَتَتَّحِدُ هِيَ وَتِلْكَ الْمَسَائِلُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ هُنَا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا مَطْوِيًّا فَنَشَرَهُ وَوَقَفَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ بِالنَّشْرِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ نَقَصَ فَإِنْ كَانَ لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِهِ مِثْلُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَيَرْفُقَ بِهِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَنَقَصَ نَقْصًا زَائِدًا فَعَلَى مَا سَيَأْتِي فِيمَا إذَا زَادَ فِي الْكَسْرِ الْمَذْهَبُ امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَقَالَ ابو اسحق عَلَى الْأَقْوَالِ وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ فَصَوَّرَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي فِيمَا إذَا كَانَ مَطْوِيًّا عَلَى طَاقَيْنِ حتي يرى جميع الثوب من جانبيه فان كان على اكثر من طاقين لم يصح البيع ان لم نجوز خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ لَكِنَّ الْمَطْوِيَّ عَلَى طَاقَيْنِ لَا يُرَى مِنْ جَانِبَيْهِ إلَّا أَحَدُ وَجْهَيْ الثَّوْبِ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ قَدْ سَبَقَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ هَذَا الْفَرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ بَيْعِ الغائب وذكر الرافعى تنزيلين آخرين (احداهما) أَنْ يَفْرِضَ رُؤْيَةَ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّيِّ وَالطَّيَّ قَبْلَ الْبَيْعِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ مَا يَنْقُصُ بِالنَّشْرِ يَنْقُصُ بِالنَّشْرِ مَرَّتَيْنِ فَوْقَ مَا يَنْقُصُ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَوْ نُشِرَ مَرَّةً وَبِيعَ وَأُعِيدَ طَيُّهُ ثُمَّ نَشَرَهُ الْمُشْتَرِي فَزَادَ النُّقْصَانُ بِذَلِكَ انْتَظَمَ الْفَرْعُ
* إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْمُصَنِّفُ قَاسَ عَلَى
نَشْرِ الثَّوْبِ فَإِنْ أَرَادَ الَّذِي لَا يحصل به نقص فالفرق ظاهر وان الراد مَا يَحْصُلُ بِهِ نَقْصٌ وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ وَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فَكَيْفَ يَجْعَلُهَا أَصْلًا وَيَقِيسُ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَاسَ عَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 281)
________________________________________
نَشْرِ الثَّوْبِ وَالْمُصَرَّاةِ جَمِيعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا قَاسَ عَلَى نَشْرِ الثَّوْبِ وَلَمْ يَقِسْ عَلَى الْمُصَرَّاةِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِي الْمُصَرَّاةِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِ بِهَا فَقَاسَهَا عَلَى نَشْرِ الثَّوْبِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي النُّكَتِ قَالَ كَنَشْرِ الثَّوْبِ وَقَلْبِ الصُّبْرَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّشْرَ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ نَقْصٌ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي عِلَّتِهِ هُنَا إنَّهُ نَقْصٌ بَلْ قَالَ يَعْنِي كَأَنَّهُ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ لَا يُعَدُّ نَقْصًا (الْخَامِسُ) قَالَ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الاقسام سببا ذَكَرْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مُخْتَصَرًا وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ فِي الْمُصَرَّاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مَا فِيهِ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَرُدُّ كالعيب والخيار كغمزه بعود أو بحديدة فَيَتَبَيَّنُ الْأَرْشُ وَمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لَهُ أَنَّهُ مَرَّ فَلَهُ الرَّدُّ وَمَا فِيهِ قَوْلَانِ كَالثَّوْبِ يُقْطَعُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ بِهِ حَرْقٌ هَلْ يرده ونقص القطع أولا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى عِلْمِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فَإِذَا كَسَرَهُ فَأَصَابَهُ فَاسِدًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَرُدُّهُ وَمَا نَقَصَ
(وَالثَّانِي)
يَأْخُذُ الْأَرْشَ (وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الثَّمَنِ (قُلْتُ) فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ حَيْثُ لَا نَجْعَلُ فِي العيب والخيار عيب بِذَلِكَ الْغَمْزِ فَهُوَ يُخَالِفُ فَرْضَهُ وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ بِذَلِكَ عَيْبٌ فَإِنْ لَمْ تَبْقَ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَأْتِ إلَّا الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَمَا قَالَ وَحِينَئِذٍ الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِهِ إنْ لَمْ تَبْقَ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا يَأْتِي فِيهِ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ كَذَلِكَ وَإِنْ بَقِيَتْ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَأْتِ فِيهِ الْقَوْلُ بِالرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (السَّادِسُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الثَّوْبَ إذَا نَشَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى قِطْعَةَ خَشَبٍ لِيَتَّخِذَ مِنْهَا أَلْوَاحًا فَلَمَّا قَطَعَهَا وَجَدَهَا عَفِنَةً قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا رَدَّ لَهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا عَفِنَةً وَغَيْرَ عَفِنَةٍ قَالَ وَبِهِ أَفْتَى (قُلْتُ) وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي عَدَمِ الرَّدِّ وَلَا جَرَمَ صَحَّحَهُ تِلْمِيذُهُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ كما تقدم
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
** (فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ قُوِّمَ مَعِيبًا صَحِيحًا وَمَعِيبًا مَكْسُورًا ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ بالسوم والمقبوض مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَضَمِنَ نُقْصَانَهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَيُخَالِفُ الْأَرْشَ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ فَضَمِنَ نقصانه بجزء مِنْ الثَّمَنِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْأَرْشُ عِنْدَ رَدِّ الْمَكْسُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ عَلَى خِلَافِ الَّذِي رَجَّحُوهُ فَالْأَرْشُ هَهُنَا هَلْ هُوَ كَالْأَرْشِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْبَائِعِ عِنْد بَقَاءِ الْعَقْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَةِ السَّلِيمِ إلَى تَمَامِهَا أَوْ الْأَرْشُ هُنَا مُخَالِفٌ لِذَلِكَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 282)
________________________________________
الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ وَأَنَّ الْأَرْشَ هَهُنَا لَا يُنْسَبُ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ هُوَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ السَّلِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ بِحَيْثُ أَمَرْنَا الْمُشْتَرِيَ بِرَدِّ الْأَرْشِ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ فِي الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فيما إذا تقابلا ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا حَدَثَ عِنْدَ المشترى وقلنا بأن الاقلة لَا تَنْفَسِخُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ إنَّهُ يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُرْتَفِعٌ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَطْرُقُهُ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ أَمَّا الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ فَقَالَ مُجَلِّي فِي الذَّخَائِرِ فِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ حِينِهِ فَقَدْ وُجِدَ الْعَيْبُ فِي يَدِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَوَاتُ ذَلِكَ الْجُزْءِ مَضْمُونًا بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَأَمَّا الَّذِي مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اختلاف المبايعين إنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفَسْخُ فَإِنْ انْدَمَلَ ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ النَّقْصِ فَيُقَوَّمُ مَعَ الْيَدِ وَيُقَوَّمُ بِلَا يَدٍ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ الْبِكْرَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَجِبُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ مَنْسُوبًا
مِنْ الثَّمَنِ وَطَرَدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ ثُمَّ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ نِصْفُ الثَّمَنِ وَقَالَ إذَا قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَ الْعَبْدِ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ الْعَقْدُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ حَتَّى إذَا تَلِفَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بشئ وفى الحاوى حكاية خلاف في صور قَطْعِ الْيَدِ فِي أَنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ تَلَفِ الْعَبْدِ بِالْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ كَالْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي التَّهْذِيبِ هَلْ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَةُ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ لِلْقَفَّالِ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي حسين والقفال في وطئ الْبِكْرِ فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا إلَّا مَا فِي الْحَاوِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُشْتَرِي مُقَدَّرٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْأَرْشِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْبَائِعِ وَذَلِكَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ مُجَلِّي وَالْجَوَابُ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ النَّقْلِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي الدَّمِ فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَبَيْنَ المسألة التى ذكرها المصنف في اختلاف المتبايعن مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا رَدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ فَقَدْ فَسَخَ الْعَقْدَ بِاخْتِيَارِهِ فَارْتَفَعَ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَصَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجَدْ وَلَا كَأَنَّهُ الْتَزَمَ ثَمَنَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَنِّ الْمُشْتَرِي السَّلَامَةَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 283)
________________________________________
الَّتِي يَقْتَضِيهَا مُطْلَقُ الْعَقْدِ فَإِذَا بَانَ كَوْنُهُ معيبا صار كانه اتلفه ولم يجز عَلَيْهِ عَقْدٌ فَكَانَ الثَّمَنُ فِي هَذَا بَعِيدًا عن العقد فلم تنسب الْقِيمَةَ إلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الْمُفَرِّطُ بِقَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ وتعيينه وَلَمْ يُنْسَبْ الْبَائِعُ فِيهِ إلَى تَقْصِيرٍ فِي عَيْبٍ أَصْلًا فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَضِيَ بِالْعَقْدِ وَرَضِيَ بالتزام الثمن فيه فقرب الثَّمَنُ مِنْ الْعَقْدِ فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ مَنْسُوبَةً إلَى الثَّمَنِ (الْفَرْقُ الثَّانِي) أَنَّ نِسْبَةَ يَدَيْ الْعَبْدِ كَنِسْبَةِ نَفْسِهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ جِرَاحَ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ فَيَدُهُ كَنِصْفِ نَفْسِهِ فَلَوْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ كَانَ قَابِضًا لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِذَا قطع يده فكأنه قبض نصف العبد تقريرا فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ بِيَدِ الْبَائِعِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ مَنْسُوبَةً إلَى الثَّمَنِ لِقُرْبِ الْعَقْدِ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُقَوِّي ما ذكرناه من الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُ مَا بَيْنَهُمَا وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْأَرْشِ الْمُقَرَّرِ كَالْأَجْنَبِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ تَقْدِيرًا (وَقَوْلُهُ) فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمَا
نَقَصَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِغَيْرِ الْعَبْدِ كَالْبِطِّيخِ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مبنى على مذهب الشافعي في جراح المعبد
(وَالثَّانِي)
مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بَلْ الْوَاجِبُ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا كَالْوَاجِبِ فِي غَيْرِ الْعَبِيدِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي الْغَصْبِ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَطَعَ يَدَيْ الْعَبْدِ هَلْ يَكُونُ قَابِضًا لَهُ وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي وَاسْتَضْعَفَ الْقَوْلَ بِالسُّقُوطِ هَذَا جَوَابُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا لَحَظَهُ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّفْرِيطِ وَعَدَمِهِ غَيْرُ مُتَّضِحٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي مِنْ قُرْبِ الِاسْتِقْرَارِ أَبْعَدُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ هُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ الْمُحَقَّقِ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ مَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى مَا قَالَهُ مُجَلِّي وَأَيَّدَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ إذَا رَجَعَ فِي الْعَيْنِ وَقَدْ نَقَصَتْ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ أَرْشِ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ واعتذر عما ذكره الاصحاب على اختلاف احتمال مجلى بتخصيص ما ذكره بِحَالَةِ فَوَاتِ وَصْفٍ مُجَرَّدٍ مِنْ الْمَبِيعِ لَيْسَ بِجُزْءٍ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَنْقُولَةِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَغَيْرِهِ فِي بَعْضِ الْأَجْزَاءِ وَهِيَ أَقْرَبُ إلَى الْمُقَابَلَةِ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُجَرَّدَةِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ مُسْتَوْفِيًا لَهَا وَحَسَبَ بَدَلَهَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الصِّفَاتِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا زَنَى أَوْ سَرَقَ أَوْ أبق لا يمكن أن يجعل المشترى بذك مُسْتَوْفِيًا لِصِفَةِ السَّلَامَةِ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِنِسْبَةِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ قَالَ وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ الْفِقْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) وَهُوَ حَسَنٌ إنْ سَلِمَ لَكِنْ يَخْدِشُهُ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَمَّا رُدَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ وَالْمَقْبُوضُ بِالسَّوْمِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَذَلِكَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَوْصَافِ وَكَمَا أَنَّا فِي الْأَرْشِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 284)
________________________________________
المأخوذ من المبائع لَا نُفَرِّقُ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَوْصَافِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُهُ عَنْ الزِّنَا وَالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَوْصَافِ مِنْ الْبَائِعِ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ بِمُقَابَلَتِهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ إن صح فكيف لا ينزلها في حانب الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا هُنَا وَقَدْ يكون الذاهب جزأ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابِ قَالَ فَتَحَصَّلْنَا عَلَى احْتِمَالَيْنِ فِي حَقِيقَةِ كل واحد من الارشين أنه غرم ابتداءا وَفِي مُقَابَلَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِمَا جَمِيعًا يَعْنِي أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَالْفَائِتُ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ
بِالْكَسْرِ وَصْفٌ لَا جُزْءٌ فَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ هَذَا وَإِنْ اسْتَشْكَلْنَا بِهِ قَوْلَ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ يُشْكِلُ أَيْضًا عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْأَرْشَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَثْبُتُ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ مِنْ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ إنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَقَالَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْهُورَ الَّذِي قَالَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ فِي الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَلِمَ لَا كَانَ كَذَلِكَ فِي الْأَرْشِ الْحَادِثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يلزم من كونه جزء مِنْ الثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا مِنْهُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يُنْسَبْ مِنْهُ لَا يكون جزأ مِنْهُ فَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْأَرْشِ الْحَادِثِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا ثُمَّ إنَّ لِلْغَزَالِيِّ أَنْ يَقُولَ لِلْأَصْحَابِ أَنْتُمْ مَنَعْتُمْ رَدَّ الْحُلِيِّ مَعَ أَرْشِ الْكَسْرِ الْحَادِثِ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا وَقُلْتُمْ إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ وَيَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ ثُمَّ يَغْرَمَ أَرْشَ الْحَادِثِ كَالْمُسْتَامِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَإِمَّا أَنْ يَغْرَمَ قِيمَتَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْقَدِيمِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَمَنَعُوهُ أَنْ يَضُمَّ أَرْشَ الْحَادِثِ إلَيْهِ فِي الرَّدِّ كَمَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ حَيْثُ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ جزأ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا تَخْصِيصَ لِمَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ بَلْ صَارَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا الْأَرْشَ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي كَالْأَرْشِ الَّذِي يَغْرَمُهُ الْمُسْتَامُ وَلَا يَبْقَى مَحْذُورٌ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ جزأ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الحلى وفروا إلى أن جعلوه كالمستام للضرورة فِرَارًا مِنْ الرِّبَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَكُونُ بِخِلَافِهِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْإِمَامَ نَبَّهَ عَلَى الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ كَيْفَ يُضَمُّ إلَى الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ وَيَرُدُّ الرَّدَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَاسْتِشْكَالُ ذَلِكَ وَالْخَلَاصُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ فَإِنْ صَحَّ مَا يَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ أَنَّ أَرْشَ الْحَادِثِ لَا يُنْسَبُ مِنْ الثَّمَنِ خَرَجَتْ مَسْأَلَةُ الْحُلِيِّ فِي رَدِّ الْأَرْشِ الْحَادِثِ مَعَهَا عَنْ الْإِشْكَالِ وَبَيْنَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ فِي رَدِّ الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ وَأَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْغَرَامَاتِ لَا غَيْرُ لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُجَلِّي مِنْ الْإِشْكَالِ وَعِنْدَ هَذَا أَقُولُ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ هُنَا لَمْ يُرِيدُوا بِهِ كُلَّ الْعُيُوبِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِ المشتر كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 285)
________________________________________
فَإِذَا فُرِضَ حُصُولُهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَنَعَتْ الرَّدَّ فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ أَرْشِهَا كَانَ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ وَفِي تَقْدِيرِ ذَلِكَ بَحْثٌ قَدَّمْتُهُ عِنْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَذَكَرْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ احْتِمَالَاتٍ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وَالْأَصْحَابِ بِمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَكَسْرِ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْتَامِ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ كَسْرُ الْحُلِيِّ فَلِذَلِكَ يَضْمَنُهُ وَسَائِرُ صُوَرِ حُدُوثِ الْعَيْبِ غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ الْحُلِيِّ الْأَمْرُ فِيهَا سَهْلٌ إذَا كَانَتْ عَلَى حَسَبِ التراضي فان المتبايعان عَلَى مَا شَاءَا مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَمَّا ما إذَا قُلْنَا الْمُجَابُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَدُعِيَ إلَى الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ما نقدم عَنْ الرَّافِعِيِّ أَمَّا عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالرَّدِّ وَرَدِّ الْأَرْشِ كَانَ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ إلْزَامُ الْبَائِعِ بِهِ وَفَسْخُ الْعَقْدِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فِيهِ وَلَا جَرَمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُلْزِمُ الْبَائِعَ بِالرَّدِّ ثُمَّ يَبْقَى الْأَرْشُ لَازِمًا لَهُ فَاحْتَاجُوا إلَى بَيَانِهِ وَمَسْأَلَةُ الْحُلِيِّ أَوْلَى بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا عَلَى بَيَانِ الْإِلْزَامِ فَإِذَا تَقَرَّرَ فَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِلْزَامِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَالْأَصْحَابِ بَلْ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إلَى الْقِيمَةِ وَجَزَمَ الْأَصْحَابُ غَيْرُ مُجَلِّي بِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا قَالَهُ مُجَلِّي وَأَمَّا كَوْنُهُ يَرْجِعُ فِي الْفَلَسِ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فيه بأن المقصود في المفلس وُصُولُ الْبَائِعِ إلَى الثَّمَنِ فَعِنْدَ التَّعَذُّرِ جُوِّزَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ مَالِهِ فَإِذَا فَاتَ مِنْهَا جُزْءٌ نَسَبْنَاهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ هُنَاكَ لَا مَقْصُودَ غَيْرُهُ فَالْمُفْلِسُ مَأْخُوذٌ منه بغير اختياره والمشترى هناك يراد باختياره ومقصوده نقض الْبَيْعِ الَّذِي دَلَّسَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
* قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَيُّ وَقْتٍ نَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ فِيهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصْلُهُمَا) مَا إذَا تَعَيَّبَ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَامِ
(أَحَدُهُمَا)
وَقْتُ حُدُوثِ الْعَيْبِ
(وَالثَّانِي)
أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَكَذَا فِيمَا قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَقْدَ إذَا فُسِخَ لَا يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِهِ لَكِنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَعَلَى الثَّانِي يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُرْتَفِعٌ مِنْ حِينِهِ وَمَنْ ارْتِفَاعُهُ مِنْ حِينِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِتَقْدِيرِ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيمَةِ وَأَقْرَبُ وَقْتٍ تُعْتَبَرُ فِيهِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَقْتُ حُدُوثِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَرْشُهُ فَلِذَلِكَ اعْتَبَرَهُ وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يَقُولُ قَدْ انْكَشَفَ الْحَالُ عَنْ ضَمَانِ الْمَعِيبِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَى الْفَائِتِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ فَضَمِنَ أَكْثَرَ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَفِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُسْتَامِ وَالْمُشْتَرِي
فِي هَذَا الْمَقَامِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ مَعَ لِحَاظِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يرفع مِنْ أَصْلِهِ فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَقْرُبَانِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فيما
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 286)
________________________________________
إذا فسخ العقد بالتحالف وَقَدْ نَقَصَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَعَ لِحَاظِ أَنَّ الْعَقْدَ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ اعْتِبَارُ وَقْتِ التَّلَفِ وَلَيْسَ الوجهان مثل الوجهين لان الفائت في التحالف جُزْءٌ مُقَابَلٌ بِالثَّمَنِ كَمَا هُوَ مَفْرُوضٌ هُنَاكَ وَهُنَا قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَائِتَ صِفَةٌ وَلَكِنَّهُمَا قَرِيبَانِ مِنْهُمَا (قُلْتُ) وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا تَحَالَفَا وَالسِّلْعَةُ هَالِكَةٌ وَقُلْنَا الْعَقْدُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ صَارَ كَالْمُسْتَامِ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ غَرِمَ أَقَلَّ قِيمَتَيْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ يَوْمَ التَّلَفِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ مُجَلِّي أَنَّ الْأَرْشَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُشْتَرِي يَنْبَغِي بناؤه على ذلك
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَسَرَ مِنْهُ قَدْرًا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعَيْبِ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ الرَّدُّ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ بِمَعْنًى لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ الْعَيْبِ فَمَنَعَ الرَّدَّ كَقَطْعِ الثَّوْبِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَيْهِ فَسَوَّى بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
*)
*
* (الشَّرْحُ)
* (الطَّرِيقَةُ الْأُولَى) هِيَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ اصحابنا (والطريقة الثانية) حكاها ابو اسحق المروزى عن بعض اصحابنا (فان قُلْنَا) بِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى فَذَلِكَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ كَذَلِكَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذَا دُعِيَ أَحَدُهُمَا إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ وَالْآخَرُ إلَى خِلَافِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِيَةِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ إذَا لم يزد في الكسر حرفا بحرف
*
* (فرع)
* إذَا عَرَفْت هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا مَكْسُورُ الْجَوْزِ وَنَحْوِهِ وَنَقْبُ الرَّانِجِ مِنْ صُوَرِ الْحَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يَقِفُ عَلَى الْعَيْبِ بِدُونِهِ وَكَسْرُ الرَّانِجِ وَتَرْصِيصُ بَيْضِ النَّعَامِ مِنْ صُوَرِ الْحَالِ الثَّانِي الَّذِي يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعَيْبِ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَكَذَا تَقْوِيرُ الْبِطِّيخِ الْحَامِضِ إذَا أَمْكَنَ معرفة حموضته بغرز شئ فِيهِ وَكَذَا التَّقْوِيرُ الْكَبِيرُ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بالتقويم الصَّغِيرِ وَالتَّدْوِيدُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّقْوِيرِ وَقَدْ يُحْتَاجُ
إلَى الشِّقِّ لِيُعْرَفَ وَقَدْ يُسْتَغْنَى فِي مَعْرِفَةِ حَالِ الْبِيضِ بِالْقَلْقَلَةِ عَلَى الْكَسْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَالرُّمَّانُ بِمُطْلَقِهِ لَا يَقْتَضِي حَلَاوَةً وَلَا حُمُوضَةً فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ الْحَلَاوَةَ فَبَانَ حَامِضًا بِالْغَرْزِ رُدَّ وَإِنْ بَانَ بِالشَّقِّ فَلَا
*
* (فَرْعٌ)
* رُوِيَ أَنَّ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ الصَّحَابِيِّ اشْتَرَى لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ بَيْضًا مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ كَسَرَ وَاحِدَةً فَإِذَا هِيَ فَاسِدَةٌ ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثالثة حتى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 287)
________________________________________
تتابع منهن فاسدات فطلب الاعراب يُخَاصِمُهُ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ شُرَيْحٌ أَمَّا مَا كَسَرَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ وَأَمَّا مَا بَقِيَ فَأَنْتَ يَا أَعْرَابِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شِئْتَ كَسَرُوا فَمَا وَجَدُوا فَاسِدًا ردوه وما وجده طَيِّبًا فَهُوَ بِالسِّعْرِ الَّذِي بِعْتَهُمْ بِهِ وَأَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذَا أَنَّ عَمْرَو بْنَ حريث رضى الله عنه كان رأيه جواز الرد
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَقَفَهُ ثَبَتَ لَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ فَثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ
*)
*
* الشَّرْحُ
* امْتِنَاعُ الرَّدِّ عِنْدَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ لِأَنَّ الرَّدَّ يُعْتَمَدُ مَرْدُودًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُقَامُ قِيمَةُ التَّالِفِ مَقَامَهُ لِيُرَدَّ الرَّدُّ عَلَيْهَا إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ نَقْلِ الْجَوْزِيِّ عَنْهُ لَكِنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَ عَنْهُ هُنَا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُهُمْ زَعَمَ أَنَّ الرَّدَّ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَالْإِجْمَاعُ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ عِنْدَ تَلَفِ الْعَيْنِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وبين التحالف حَيْثُ جَازَ عِنْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ بِهَذَا أَوْ بَانَ لَنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ طَرِيقًا آخَرَ وهو الارش بخلاف التحالف وَكَذَلِكَ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ عِنْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (إذَا قُلْنَا) بانتقال الضمان بقبضه في زمان الخيار فانه يجوز كالتحالف وَالْإِقَالَةِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ جَائِزَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا فَسْخٌ وَقِيلَ لَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا
* إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْأَرْشُ وَاجِبٌ قَطْعًا بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ وَهَذِهِ مُقْتَضَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَيَتَبَيَّنُ لَكَ فِيمَا إذَا بَاعَهُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ لَمْ تُسْتَدْرَكْ
الظُّلَامَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى عِلَّةِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي وَلَا جُزْءُ عِلَّةٍ كَذَلِكَ بَلْ الْأَكْثَرُونَ يَعْتَبِرُونَ الْيَأْسَ وَلَا يَعْتَبِرُونَ الْعِلَّةَ الْأُخْرَى وأبو إسحق بالعكس فإذا وجد المعنيان أو انتفيا انفقوا وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ اخْتَلَفُوا وَهَهُنَا اجْتَمَعَ الْيَأْسُ وَعَدَمُ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَاتَّفَقُوا عَلَى الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ فَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ الْأَكْثَرِينَ فِي التَّعْلِيلِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ ذَكَرَ المصنف ثلاث مسائل مشتركة في الفوات (أحدها) في الفوات الحسى (والثانية وَالثَّالِثَةُ) فِي الْفَوَاتِ الشَّرْعِيِّ أَمَّا (الْأُولَى) وَهِيَ هَلَاكُ الْمَبِيعِ فَذَلِكَ يَشْمَلُ مَا إذَا هَلَكَ بِنَفْسِهِ كَمَوْتِ الْعَبْدِ وَاحْتِرَاقِ الثَّوْبِ وَشِبْهِهِمَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَحَكَى الْإِمَامُ قُبَيْلَ كِتَابِ الرَّهْنِ فِيمَا إذَا قَبَضَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَالَ وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ إلَى أن
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 288)
________________________________________
الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ لَا يَثْبُتُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَقْبُوضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ يَجْرِي هُنَا بِطَرِيقِ الاولى لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يُجْعَلَ الْمُعَيَّنُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ (قُلْتُ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَغْرَبْتُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْمُزَنِيِّ فَتَبِعْتُ أَثَرَهُ فَرَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قُبَيْلَ كِتَابِ الرَّهْنِ أَيْضًا مَا يُثْبِتُهُ وَيُبَيِّنُ مَأْخَذَهُ وَأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ هَهُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ وَقَبَضَ بَعْضَهُ وَأَتْلَفَهُ ثُمَّ قَبَضَ الْبَاقِيَ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ وَادَّعَى أَنَّ الْمُتْلَفَ كَانَ بِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفَ الْمُسْلِمُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الرُّجُوعُ الارش لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَدَلًا عَنْ الْبَاقِي قُلْنَا هَذَا لَيْسَ من الاستبدال في شئ وَإِنَّمَا هُوَ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ لِأَنَّهُ كَاحْتِبَاسِ جُزْءٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِ مَا يُقَابِلُ الْعَيْبَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَوْ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَقَبَضَهَا وَأَتْلَفَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِهَا يَنْقُصُ عُشْرَ قِيمَتِهَا رَجَعَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِعُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَلَامُ الْقَاضِي هَذَا يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ مَأْخَذَ الْمُزَنِيِّ فِي ذَلِكَ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْإِمَامُ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي وَاخْتَصَرَ وَسَكَتَ عن مأخذ وَاقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَةِ النَّقْلِ عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَحَصَلَ فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ أَوْجَبَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ أَنْ نَقَلَ ذَلِكَ هُنَا وَبِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي انْدَفَعَ ذَلِكَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ
الْمُزَنِيَّ يَمْنَعُ أَخْذَ الْأَرْشِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُطْلَقًا عِنْدَ التَّلَفِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ أَيْضًا فَرَضَهَا فِي الْإِتْلَافِ لَا فِي التَّلَفِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقِسْمِ الَّذِي يَحْصُلُ هَلَاكُ الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ أَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ وَنَحْوَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَضْمُونٌ فَأَشْبَهَ مَا إذَا بَاعَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ وَقَاسَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ وَأَجَابُوا عَنْ الْبَيْعِ بِعَدَمِ الْيَأْسِ وَعَنْ الْإِمْسَاكِ بِدَلَالَتِهِ عَلَى الرضى بِالْعَيْبِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَعْتَقَهُ أَوْ وَقَفَهُ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا فِي الْعِتْقِ وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا إذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ اتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِإِنْشَاءِ الْمُشْتَرِي كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ وَفِي مَعْنَاهُ إنْشَاءُ وَكِيلِهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِإِنْشَائِهِ كَمَنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ أَوْ كَانَ بِإِنْشَائِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ الْعِتْقِ فَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ وَهُوَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَجْهَيْنِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ (الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ لَا أَرْشَ فِي
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 289)
________________________________________
مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْعِتْقِ قَالَ يَعْنِي ابْنَ كَجٍّ وَعِنْدِي أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ الاحتراز ولا يستثنى من كلامه شئ عَلَى رَأْيِ ابْنِ كَجٍّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَى رَأْيِ ابْنِ الْقَطَّانِ تُسْتَثْنَى مَسْأَلَةُ شَرْطِ الْعِتْقِ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْعِتْقِ مَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ وَأَمَّا شِرَاءُ الْقَرِيبِ فَإِنْ كَانَ مَعَ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بِالْقَرَابَةِ حِينَ الشِّرَاءِ فَكَذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ الْإِمَامُ قُبَيْلَ كِتَابِ السَّلَمِ وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي حَالَةَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ قَرِيبُهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ الْمَالُ مَقْصُودًا لَهُ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنْ كَانَ هُوَ الْعِتْقَ فَبَذْلُ ذلك الثمن بكماله انم كَانَ فِي مُقَابَلَةِ مَا يُظَنُّ مِنْ الْمَبِيعِ فإذا فات جزؤ صَارَ الْمَبِيعُ الَّذِي قَصَدَ عِتْقَهُ مُقَابِلًا لِبَعْضِ الثَّمَنِ فَيَرْجِعُ فِي الْبَاقِي وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ فِي الحلية انه لا يحب الْأَرْشُ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ قَالَ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْعَاقِدِ لَا فِي الْعَبْدِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْمَعْنَى لَوْ سُلِّمَ لَهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي إنْشَاءِ الْعِتْقِ تَبَرُّعًا وَهُوَ يُوَافِقُ عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْأَصْحَابُ سُؤَالًا
وَجَوَابَهُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ تَبَرُّعًا قَالُوا (فَإِنْ قِيلَ) إذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ اسْتِدْرَاكَ الظُّلَامَةِ بِالْمَالِ دُونَ الثَّوَابِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ عَبْدٍ مَعِيبٍ وَهُوَ دُونَ ثَوَابِ السَّلِيمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ فقال أَعْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَالْجُزْءُ الْفَائِتُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعِتْقُ وَلَا حَصَلَ لَهُ عَنْهُ ثَوَابٌ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ (قُلْنَا) لَيْسَ هُوَ بَدَلًا عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ هَذَا ذَكَرَهُ فِي العتق المطلق وهو يأنى فِي الْعِتْقِ الْمَشْرُوطِ وَأَمَّا عِتْقُ الْقَرِيبِ فَقَدْ تَبَيَّنَ فِيهِ أَيْضًا
*
* (فَرْعٌ)
* يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ كَمَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِيمَا إذَا كَانَ تَالِفًا خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ
*
* (فَرْعٌ)
* اسْتِيلَادُ الْجَارِيَةِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَيَنْتَقِلُ إلَى الْأَرْشِ كَمَا فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَرَابِعُهَا تَشْتَرِكُ فِي عَدَمِ إمْكَانِ النَّقْلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ لِلْهَلَاكِ الْحِسِّيِّ وَالْعِتْقُ خَارِجٌ عَنْ الْمِلْكِ وَغَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ شَرْعًا وَالْمُسْتَوْلَدَة غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلنَّقْلِ وَلَكِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْخِلَافِ في انتقال الملك فهو بين العتق والاستيلاء (١) وَأَمَّا مَا لَا يَمْنَعُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ مُطْلَقًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَعَ زَوَالِهِ إنْ كان مع زواله وسيأتى
________________________________________
(١) بياض بالاصل فححرر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 290)
________________________________________
فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مَعَ مُقَابِلِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ جُمْلَةٌ مِنْهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ لِأَنَّ منها ما هو عيب
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ لَمْ يعلم بالعيب حتى أبق العبد لم يطلب بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ فَإِنْ رَجَعَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَإِنْ هَلَكَ أَخَذَ عَنْهُ الْأَرْشَ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ الَّذِي عَلِمَهُ غَيْرَ الْإِبَاقِ كَالْعَرَجِ وَالْعَوَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَبَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَهُنَا الْإِبَاقُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عيب
حادث مانع من الرد بالقديم وَغَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ وَلَمْ تُسْتَدْرَكْ الظُّلَامَةُ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجِبُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ وَاضِحٌ وَأَغْرَبَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ الصَّحِيحُ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ يُرْجَى أَنْ يَعُودَ إلَى يَدِهِ وَيَعْرِضُ الرَّأْيَ عَلَى الْبَائِعِ فِي قبوله على العيب واستثي الْعِجْلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الْأَرْشِ ما إذا قال البائع انا أرضى به العيب الْحَادِثِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ الْمُطَالَبَةُ الْآنَ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الْأَرْشُ وَالرَّدُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي حَالِ الْإِبَاقِ فَيَصْبِرُ حَتَّى يَعُودَ فَيُرَدَّ لَكِنْ فِيمَا قَالَهُ الْعِجْلِيُّ هُنَا نَظَرٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ طَلَبِ الْبَائِعِ (١) الرَّدَّ هُنَا وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي هُنَا وَتَأَخُّرِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ مَعَ قِيَامِ مُوجِبِهَا وَرَأَيْتُ فِي الِانْتِصَارِ لِابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِرَدِّهِ فِي إبَاقِهِ سَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّدِّ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرَدُّ فِي الْإِبَاقِ وَيَزُولُ بِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْعِجْلِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِبَاقَ وَيَزُولُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَبَقَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَذَلِكَ عَيْبٌ قَدِيمٌ وَالْإِبَاقُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مُسْنَدٌ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ الْإِبَاقُ عَادَةً لَهُ لَمْ يَنْقُصْهُ الاباق الحادث ولكن المشترى لا يمكنه الرد مادام آبِقًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لانه لم ييئس مِنْ رَدِّهِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وهذا الموضع يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ كَمَا قَالَ أَبُو إسحاق لرجع بالارش ههنا لانه لم يَسْتَدْرِكُ الظُّلَامَةَ وَهَذَا الْإِلْزَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أبا اسحق يوافق على أنه لا يرد
________________________________________
(١) بياض بالاصل فححرر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 291)
________________________________________
ولا يرجع بالارش مادام آبِقًا وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنَّهُ لَا خِلَافَ فيه بين أصحابنا لكن صَاحِبَ التَّتِمَّةِ حَكَى وَجْهًا مُقَابِلًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ بِأَنَّ لَهُ أَخْذَ الْأَرْشِ وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ وَأَطْلَقَهُ فِيمَا إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ بَعْدَ إبَاقِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ أَبَقًا أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا غَيْرَ الْإِبَاقِ وَقَدْ كَانَ أَبَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يرده مادام آبِقًا وَلَا يَرْجِعُ
بِالْأَرْشِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَضِيَ بِإِبَاقِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْإِبَاقَ الطَّارِئَ لَا يَكُونُ عَيْبًا جَدِيدًا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أنه إذا رجع رده بِالْعَيْبِ وَإِنْ هَلَكَ فِي الْإِبَاقِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي هَذَا إذَا أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أبق في يد البائع أوضاع فِي انْتِهَابِ الْعَسْكَرِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ كَالتَّلَفِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ لَكِنَّهُ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ فِي مُدَّةِ الْإِبَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْإِبَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ عُذْرٌ فِي تَأْخِيرِ الرد وأنه لو أسقط حقه منه لا سقط عَلَى الصَّحِيحِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ الرَّدِّ فِي مُدَّةِ الْإِبَاقِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلَا تَرِدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ حُكْمِهِ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ عِنْدَ الْهَلَاكِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي لا تفسخ فانا آتيك به ولا خِيَارَ لَهُ وَلْنَرْجِعْ إلَى الْكَلَامِ فِي الْإِبَاقِ بَعْدَ الْقَبْضِ (اعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا هَهُنَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ فِي مُدَّةِ الْإِبَاقِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْعَيْبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الثَّوْبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْعَيْنِ وَأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي وَالْحَاكِمِ وَالشُّهُودِ وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَ يَشْتَرِطُ الْعَيْنَ لِلْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْإِبَاقِ تَلَفَّظَ بالفسخ لم لا ينفذ إذا تلفظ به وجاءه (فَإِنْ قُلْت) هُنَاكَ لَهُ فَائِدَةٌ إذَا صَدَّقَهُ الْخَصْمُ وَهَهُنَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ (قُلْتُ) فَائِدَتُهُ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَبْقَى مَضْمُونًا عَلَيْهِ ضَمَانَ يَدٍ لَا ضَمَانَ عَقْدٍ حَتَّى إذَا تَلِفَ يضمنه بِقِيمَتِهِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَقَدْ يَكُونُ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ أَوْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ وَأَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُثْبِتَهُ عِنْدَهُ لِيُطَالِبَ بِالثَّمَنِ عِنْدَ عَوْدِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الْإِبَاقَ عُذْرٌ فِي التَّأْخِيرِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الرَّدِّ صُورَةً فَلَا عَلَيْهِ فِي أَنْ يَفْسَخَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 292)
________________________________________
الشُّهُودِ وَيَصِيرُ قَبْضُ الثَّمَنِ مَوْقُوفًا عَلَى عَوْدِ الْعَبْدِ كَمَا لَمْ يَجْعَلُوا غَيْبَةَ الْعَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا عُذْرًا فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى جَعْلِ الْإِبَاقِ عُذْرًا وَالْأَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْبَحْثُ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ وَإِنْ تَأَخَّرَ طَلَبَ
الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعِيدًا مِنْ عِبَارَتِهِمْ فَإِنْ قَالُوا لَا تُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ إلَّا مَعَ تَسْلِيمِ الْمَعِيبِ فَعِنْدَ غَيْبَتِهِ تَتَعَذَّرُ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مُلْزِمَةً فَنَقُولُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ غَائِبَةً فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَيْسَ نُوجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةَ إلَى الْحَاكِمِ بالفسخ قبل أن يردها ومما نُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِبَاقَ إذَا تَكَرَّرَ فَقَدْ تَنْقُصُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا إذَا صَدَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْعَبْدُ الَّذِي أَبَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَرَّةً ثُمَّ أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إبَاقُهُ الثَّانِي عَيْبًا جَدِيدًا إذَا كَانَ مُنْقِصًا مِنْ الْقِيمَةِ نُقْصَانًا أكثر من الاول فهلا كَانَ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ (فَإِنْ قِيلَ) بِأَنَّ الْإِبَاقَ الثَّانِيَ مُسْنَدٌ إلَى الْأَوَّلِ أُثْبِتَ لَهُ عَادَةً (قُلْنَا) يَجِبُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ إذَا اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ قَدِيمٍ هَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي يَمْتَنِعُ الرَّدُّ هُنَا وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْأَوَّلِ وَقَدْ فَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِبَاقُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَزِيدُ فِي نُقْصَانِ الْقِيمَةِ بِأَنْ كَانَ قَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاشْتَهَرَ بِهِ يَعْنِي فَلَا يُؤَثِّرُ تكررا إبَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا يُجَوِّزُ حَمْلَ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ عَدَمُ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ مِنْ آثَارِ الْإِبَاقِ السَّابِقِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ (وَالْأَوْلَى) تَبْقِيَةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ ومستندهم اسناد الثاني إلى لاول وَقُلْنَا مَا أُسْنِدَ إلَى سَبَبٍ قَدِيمٍ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الْإِبَاقِ إنْ كَانَ آبِقًا قَالَ مَالِكٌ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَلَا يُصْبِرُهُ أَنْ لَا يَجِدَهُ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا يُقْضَى عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يوت أو يرده وهذا كقولنا (١) وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي حَالَةِ الْإِبَاقِ فَإِنَّ الْإِبَاقَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالتَّلَفِ فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا اسْتَحَقَّ الرَّدَّ وَاسْتِرْجَاعَ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا اسْتَحَقَّ أَخْذَ الْأَرْشِ وَمَا جُهِلَ اسْتِحْقَاقُهُ لَمْ تَصِحَّ الْمُطَالَبَةُ بِهِ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ المطالبة بالارش قال أبو إسحق الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ فَغُبِنَ كَمَا غُبِنَ فَزَالَ عَنْهُ ضَرَرُ الْعَيْبِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ)
*
*
________________________________________
(١) بياض بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 293)
________________________________________
* (الشرح)
* إذا زال ملكه عن المبيع رو والا يُمْكِنُ عَوْدُهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ فِي الْحَالِ وَأَمَّا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فَإِنْ زَالَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ فَقَوْلَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَشَيْخُ شَيْخِهِ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مِنْ العراقيين والقاضى حسين وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ وَلَوْ بَاعَهَا أَوْ بَعْضَهَا ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يكن له ان يرجع على البائع بشئ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ ابو اسحق وَابْنُ الْحَدَّادِ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَرَوَّجَ كَمَا روج عليه وتخلص مِنْهُ وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَى غَيْرِهِمَا أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ مَا أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ فَرُبَّمَا يَعُودُ إلَيْهِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ وَهَذَا أَصَحُّ الْمَعْنَيَيْنِ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ والمحاملي قال الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ (قُلْتُ) وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ أَوْ الثَّوْبَ فَبَاعَ نِصْفَهَا ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ ولا يرجع على البائع بشئ مِنْ نَقْصِ الْمَعِيبِ يُقَالُ لَهُ رُدَّهَا أَوْ احْبِسْ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ إذَا مَاتَتْ أَوْ أُعْتِقَتْ فَصَارَتْ لَا تُرَدُّ بِحَالٍ أَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ بِهَا عَيْبٌ فَصَارَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بِحَالٍ فَأَمَّا إذَا بَاعَهَا أَوْ بَاعَ بَعْضَهَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّهَا فَيَلْزَمَ ذَلِكَ الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرْجِعُ بِنَقْصِ الْعَيْبِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا بِيَدِهِ وَيَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي مِنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَا يَشْهَدُ لِقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عُلِّلَ بِهِ وَاعْتَرَضُوا عَلَى علة ابى اسحق بِأَنَّ غَيْرَ الْبَائِعِ لَهُ لَا يَتَخَيَّرُ بِعَيْبِهِ لِغَيْرِهِ (الْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ مِنْ تَرْجِيحِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَهُ الْأَرْشُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَسَنِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ فَقَالَ وقيل يرجع وليس شئ وَهَذِهِ التَّضْعِيفَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ وَجْهٌ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْأَقْوَالَ الْمُخَرَّجَةَ لَا تُنْسَبُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَهَذَا مُخَرَّجٌ خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالنَّاقِلُونَ لَهُ قليل منهم لامام كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْهُ وَالْغَزَالِيُّ (١) وَحَكَى ابْنُ دَاوُد أَنَّ صَاحِبَ التَّقْرِيبِ
حَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذْ فِي مُخْتَصَرِهِ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْعَبْدَ فَبَاعَ نِصْفَهُ ثُمَّ أَصَابَ عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَ الْعَيْبُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهُ جَمِيعًا وَقَدْ قِيلَ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ به للمشترى ممن
________________________________________
(١) بياض بالاصل فححرر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 294)
________________________________________
اشترى منه فذاك والارجع عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ النَّصَّ الْمَذْكُورَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ الْمَتَاعِ يُشْتَرَى فَيُوجَدُ بِهِ الْعَيْبُ وَرَأَيْتُ فِيهِ أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِرَاضِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ سِلْعَةً وَقَبَضَهَا فَأَشْرَكَ فِيهَا رَجُلًا فَإِنْ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَلَمْ يُرِدْ الْآخَرُ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مَجْمُوعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَعِّضَهُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ لِلشَّرِيكِ الرَّدُّ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنْ أَبَى الشَّرِيكُ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بنصف قيمة العيب وقيل لا يرجع بشئ انْتَهَى وَهَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ بَيْعِ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ حَكَمَ عِنْدَ امْتِنَاعِ الشَّرِيكِ مِنْ الرَّدِّ بِنِصْفِ الْأَرْشِ بِأَنَّهُ لَا يرجع بشئ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَ بَيْعِ الْجَمِيعِ ثَبَتَ لَهُ الْأَرْشُ كَامِلًا لَكَانَ هَهُنَا أَوْلَى فَلَمَّا لَمْ يَحْكُمْ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْخَارِجِ عَنْ يَدِهِ وَهَذَا النَّصُّ ذَكَرَهُ ابن سرى مع نصه لذى فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا إذَا بَاعَ بَعْضَ الْعَيْنِ وَتَحَصَّلْنَا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ الْعَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يُطَالِبُ بنصف الارش
(والثانى)
لا يطالب بشئ وَأَمَّا النَّصُّ الْآخَرُ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بشئ كَالْقَوْلِ الَّذِي هُنَا
(وَالثَّانِي)
فِيهِ احْتِمَالٌ وَهُوَ قَوْلُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فِي يَدِهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ الْآخَرِ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ وَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَالَ إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَكُونَ شَرِيكًا لِلْمُشْتَرِي فَذَاكَ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَأَنَّهُ لَا يُعْطِي أَرْشًا عَنْ النِّصْفِ الْمَبِيعِ فَهَذَانِ الْأَمْرَانِ يَدُلَّانِ عَلَى تَأْوِيلِ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْقَوْلَ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا
لِلرَّافِعِيِّ وَابْنِ الرِّفْعَةِ بَلْ يَكُونُ فِيهِ النَّصُّ الْآخَرُ شَاهِدًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فيه لما قاله أبو إسحق مِنْ التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ وَلِهَذَا أَوْجَبَ أَرْشَ النِّصْفِ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ الْيَأْسُ هُوَ الْعِلَّةَ لما وجب شئ لامكان الرد أو لوجب الجيمع إنْ كَانَ هَذَا الْإِمْكَانُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِبُعْدِهِ عَلَى أَنَّ النَّصَّ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ الْمَتَاعِ يَسِيرًا فَيُؤْخَذُ بِهِ الْعَيْبُ هُوَ مَنْقُولٌ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَوْجُودُ فِيهِ فِي الْأُمِّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يرجع بشئ وَمَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ يُرَدُّ بما في يَدُهُ عَلَى الْبَائِعِ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقِيلَ يُجْبَرُ الْبَائِعُ الْمُرَادُ به قول
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 295)
________________________________________
ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَلَمْ يَبْقَ فِي النَّصِّ مُتَمَسَّكٌ لِلتَّخْرِيجِ وَلَا لِإِثْبَاتِهِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا أَعْلَمُ مِنْ عَادَةِ الْبُوَيْطِيِّ فِعْلَ مِثْلِ ذَلِكَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُ عَنْهُمْ الشَّافِعِيُّ أَوْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَسْمَائِهِمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ وَثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَ بِالنَّصِّ الثَّانِي مَعَ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَمَّا فِي الْكُلِّ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَعَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَلَا أَدْرِي بِمَاذَا خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَنَدًا لِلرَّافِعِيِّ قَبْلَ بَابِ الشَّرِكَةِ قَالَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَبِهَا عَيْبٌ ثُمَّ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَبَدًا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ مَا أَخَذَ أَبَدًا لِمَا حَدَثَ عِنْدَهُ فان اشترى وَبِهَا عَيْبٌ ثُمَّ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ ثم صح العيب الذى حدثه عِنْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَهُوَ الْبُوَيْطِيُّ إنْ بَاعَهُ فَكَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ البيع كحدوث عيب فيأخذ الارش هذا ظَاهِرُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوَجْهَ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ هَلْ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَالْإِمَامُ حَكَاهُ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَوْلًا لَكِنْ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ وَقَالَ إنَّ الْقِيَاسَ الرُّجُوعُ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَقَبْلَ اطِّلَاعِهِ وَرِضَاهُ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا بِالرُّجُوعِ إذَا رَضِيَ فَقَبْلَ اطِّلَاعِهِ وَجْهَانِ كَمَا إذَا زَالَ بِالْهِبَةِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الرُّجُوعِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مُمْكِنٌ ظَاهِرُ الْإِمْكَانِ يَطَّرِدُ عَلَى نُظُمِ الْمُعَامَلَةِ وَإِذَا كَانَ الرَّدُّ أَمْكَنَ
كَانَ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ أَبْعَدَ وَالْقِيَاسُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا زَالَ بِالْهِبَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَنَسَبَهُ إلَى مَذْهَبِ طَوَائِفَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِيَةُ) حِكَايَةُ الْخِلَافِ ثُمَّ هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ لِأَنَّهُ رُوِّجَ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ نَقُولَ بِمِثْلِهِ فِي الْبَيْعِ كما قال الاكثرون والنص لكنه هُنَا خَالَفَ وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهُ وَمَا قَالَهُ فِي الشُّفْعَةِ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَكْثَرِينَ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ قَبْلَهُ إنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ يَقْرُبُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ شُهُودَ الزُّورِ إذَا شَهِدُوا عَلَى إنْسَانٍ بِمَالٍ وَرَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ هَلْ يَغْرَمُونَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَا خِلَافَ لَكِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ فِي الْعِتْقِ والطلاق
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 296)
________________________________________
لانه لامستدرك لهما والحيلولة في المال ممكنة لزوال بِأَنْ يَعْتَرِفَ الْمَشْهُودُ لَهُ يَعْنِي وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ هُنَا مُمْكِنُ الزَّوَالِ بِعَوْدِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ كَالشَّهَادَةِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِمَامُ خَرَجَ بِالْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشُّهُودَ يَغْرَمُونَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ الْأَرْشِ كَمَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ هُنَا وَقَالَ الْإِمَامُ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إنَّهُ الْقِيَاسُ لَكِنْ الْأَكْثَرُونَ وَالنَّصُّ وَتَصْحِيحُ الْغَزَالِيِّ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى خِلَافِهِ
*
* (فَرْعٌ)
* عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ إذَا أَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ مُشْتَرِيهِ بِالْعَيْبِ فَهَلْ يَرُدُّهُ مَعَ الْأَرْشِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ فِيهِ وَجْهَانِ (فَائِدَةٌ) إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ يَشْمَلُ مَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْعَيْبِ وَرَضِيَ بِهِ وَمَا إذَا لَمْ يَطَّلِعْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُوَافِقُ لِمُقْتَضَى النَّصِّ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْخِلَافُ لَكِنْ بِالتَّرْتِيبِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ فَفِي الثَّانِيَةِ أَبْعَدُ لِقُرْبِ الْإِمْكَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي التَّرْتِيبِ هَكَذَا إنَّا إنْ عَلَّلْنَا بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ بَعْدَ بَيْعِهِ إلَّا بِأَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْيَأْسِ وَالْيَأْسُ الْحَقِيقِيُّ لَمْ يَحْصُلْ فِي الصُّورَتَيْنِ لكن حالة رضى الْمُشْتَرِي الثَّانِي قَرِيبَةٌ مِنْ الْيَأْسِ لِيَعُودَ الْعَوْدُ مع أنه عَادَ يَعُودُ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ فَجَرَى فِيهَا الْخِلَافُ وَقَبْلَ الِاطِّلَاعِ لَيْسَ الْعَوْدُ بَعِيدًا وَيُتَوَقَّعُ عَلَى قُرْبٍ أَنْ يَعُودَ بِالرَّدِّ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الخلاف فيها أقوى والقياس في حالة رضي الثَّانِي أَوْ يَرْجِعُ الْأَوَّلُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَا يلزم من
تبرع الثاني سقوط الْأَوَّلِ وَمُقْتَضَى النَّصِّ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ عَدَمُ الرُّجُوعِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنَّا لَا نَقُولُ بِسُقُوطِ حَقِّ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ يَتَرَقَّبُ عَوْدَهُ إلَيْهِ فَيَرُدُّهُ أَوْ فَوَاتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إذَا رَضِيَ الثَّانِي بِالْعَيْبِ اسْتَقَرَّ سُقُوطُ الْأَرْشِ ولرد وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى قَوْلِ أبى اسحق أو يؤول على أنه يستقر سقوطه مادام زَائِلًا عَنْهُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يبطل حقه لان ذلك رضى بِالْعَيْبِ وَأَفْهَمَ آخِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فَرْضَ المسألة مادام الْمَبِيعُ زَائِلًا عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ بَاقٍ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِحَالَةٍ يُمْكِنُ عَوْدُهُ فَلَوْ فقد شئ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ اطِّلَاعَهُ عَلَى الْعَيْبِ وَسُكُوتَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وعلم بالعيب فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَلَمْ يَفْسَخْ حَتَّى فَسَخَ الْمُشْتَرِي أَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَبِتَرْكِ الْفَسْخِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ (قُلْتُ) وَفِيهِ نَظَرٌ إذا كان في زمان الخيار والخيار للبائع أو لهما فانه متمكن من الرد لا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 297)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ أَوْ صَبَغَهُ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ العيب لانه استدرك الظلامة ولم ييئسن مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّهُ إنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ مَعَ القطع أو الصبغ وأعطاه قِيمَتَهُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابن سريج *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ)
*
*
* (الشَّرْحُ) هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ مُعَلَّلٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي اسحق بِالثَّانِي وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَلْفِتُ إلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَعَوْدِهِ هَهُنَا وَسَبَبُهُ أَنَّ الرَّدَّ ينقص الجهة المتجددة ويرد الملك لذي كان ثابتا قبلها فليس ملكا جديد أو سبب الِاخْتِلَافِ فِي الرَّدِّ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَعَوْدِهِ في الصورة التى سنذكرها عن من يَقُولُ بِالْمَأْخَذِ الْمَذْكُورِ إنَّهُ يَعْتَقِدُ الْعَائِدَ مِلْكًا جَدِيدًا وَلَيْسَ الرَّدُّ
كَذَلِكَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ رَدَّهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ارْتَفَعَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ يَرُدَّ بِالتَّرَاضِي ارْتَفَعَ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ له الرد قال الفورانى وعندنا كيف ما كَانَ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ بِظَاهِرِهَا مُنْكَرَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَلَكِنْ بِطَرِيقِ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّ الْعَقْدَ يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِهِ فَالْعَائِدُ هُوَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ انْتَقَضَ وَالرَّدَّ فَسْخٌ لَا سَبَبٌ جَدِيدٌ لِمِلْكٍ آخَرَ وَقَدْ خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ إذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّهُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يَجْعَلُ الرَّدَّ بِدُونِ الْحَاكِمِ كَالْإِقَالَةِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَا تَلَقَّى الْمِلْكَ عَنْهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا غَابَ الْبَائِعُ الثَّانِي أَوْ مَاتَ وَكَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ان له الرد على البائع لاول لِأَنَّ مَالَ الْغَائِبِ رَاجِعٌ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَرَدَّ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ صحيح
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 298)
________________________________________
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ حَدَثَ عنه الثَّانِي عَيْبٌ فَرَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَرْشِ رَجَعَ هُوَ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا هَكَذَا كَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَرْشِ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ أَيْ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ لِأَخْذِ الْأَرْشِ مِنْهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ كَمَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ قال إنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ مَعًا وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ المخالف لتخريج بن سُرَيْجٍ إنَّهُ إذَا حَدَثَ عَيْبٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ قَدِيمٌ يُنْظَرُ إنْ قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ خُيِّرَ بَائِعُهُ فَإِنْ قَبِلَهُ فَذَاكَ وَإِلَّا أَخَذَ الْأَرْشَ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ وَهُوَ ابْنُ القطان انه لا يا؟ ؟ د واسترداده رضى بِالْعَيْبِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَغَرِمَ الْأَرْشَ لِلثَّانِي فَفِي رُجُوعِهِ بِالْأَرْشِ عَلَى بَائِعِهِ
وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرْجِعُ بِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَهُوَ الذي قاله الفورانى وَالْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَهُ وَمَا قَبِلَهُ مِنْهُ بَائِعُهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِغَرَامَةِ الْأَرْشِ (وَأَظْهَرُهُمَا) يَرْجِعُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَقْبَلُهُ بَائِعُهُ فَيَتَضَرَّرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إنْ عَلَّلْنَا بِعِلَّةِ ابى اسحق وَإِذَا غَرِمَ الْأَرْشَ زَالَ اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ فَيَرْجِعُ وان عللنا بعلة لاكثيرين وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرْتَفِعُ الْعَيْبُ الْحَادِثُ فَيَعُودُ إلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَرْجِعُ مَا لم يغرم للثاني فانه ربما لا يطالبه بشئ فيبقى مستدركا للظلامة هذا مَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ التَّرْتِيبِ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالتَّهْذِيبِ وَقَطَعَ الْقَاضِي بِمُوَافَقَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ وَالْبَقِيَّةُ من زيادات الرافعى رضى الله عنه وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى بِنَاءِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ بِالثَّانِي وَهُوَ قَدْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَامْتَنَعَ التخريج وقال الرَّافِعِيُّ إنَّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ الَّذِي خَرَّجَهُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ بَائِعِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ يَحْدُثُ عَيْبٌ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي انْتَهَى (وَأَقُولُ) بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ التَّرْتِيبِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا فِي أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ عَرْضُ الرَّأْيِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنْ قَبِلَهُ وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى الْأَرْشِ فَالْحَقُّ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ حَتَّى يَمْتَنِعَ الْبَائِعُ مِنْ قَبُولِهِ فَلَا جَرَمَ سَلَكَ هَذَا التَّرْتِيبَ هُنَا وَحَسُنَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ وَقَوْلُ ابْنِ الحداد بعدم
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 299)
________________________________________
الرُّجُوعِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِغَرَامَةِ الْأَرْشِ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عَدَمُ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ بِغَرَامَةِ الْأَرْشِ مُتَبَرِّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ فَاسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ بَاقٍ لَا يَرْتَفِعُ بِتَبَرُّعِهِ
* وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالرُّجُوعِ الْمُقَابِلُ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي جَعْلِهِ مُتَبَرِّعًا وَإِنْ وَافَقَهُ فِي أَصْلِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرُّجُوعِ الْيَأْسُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْيَأْسَ مِنْ الرَّدِّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ فَإِنَّ الْيَأْسَ هُنَا غَيْرُ مَوْجُودٍ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ إمْكَانِ ارْتِفَاعِ الْحَادِثِ وَعَوْدِهِ إلَيْهِ فَيُمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ بِالْإِلْزَامِ حِينَئِذٍ وَرُبَّمَا يَعُودُ إلَيْهِ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ ورضى الْبَائِعِ بِقَبُولِهِ فَيَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ عَلَى سَبِيلِ الْمُرَاضَاةِ وَهُوَ الَّذِي وَجَبَ لَهُ ابْتِدَاءً عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ فَإِمْكَانُ إلْزَامِ الرَّدِّ مَوْجُودٌ إنْ كَانَ هَذَا الْإِمْكَانُ مُعْتَبَرًا لِاحْتِمَالِ ارْتِفَاعِ الْحَادِثِ وَعَوْدِهِ وَإِمْكَانُ الرَّدِّ بِالتَّرَاضِي مَوْجُودٌ بِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ فَلِمَ جَعَلَ الرَّافِعِيُّ هُنَا الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ
وَسَكَتَ عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَّ قَوْلُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أنه على الوجهين لا يرجع ما لم يَغْرَمْ لِلثَّانِي هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ أَمَّا إذَا عَلَّلْنَا بِالْيَأْسِ فَلَيْسَ لِقَرَابَتِهِ لِلثَّانِي أَثَرٌ فَإِنَّ إمْكَانَ الرَّدِّ بِالتَّرَاضِي لَا يَنْقَطِعُ بِهَا وَإِمْكَانُ الرَّدِّ بِالْإِلْزَامِ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لَيْسَ مُمْكِنًا قَبْلَهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ يُمْكِنُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فَلَا مَعْنَى لِتَقْيِيدِ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْيَأْسِ بِالْقَرَابَةِ بَلْ يَنْبَغِي إنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ رَجَعَ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَرْجِعْ مُطْلَقًا وَقَدْ صُحِّحَ أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ فَلْيَرْجِعْ وَإِنْ لَمْ يَغْرَمْ عَلَى اعْتِبَارِ الْيَأْسِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ عِنْدَ الثَّانِي فَلِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ عَلَى اعْتِبَارِ الْيَأْسِ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ وَغَيْرِهِ مُفَرَّعَانِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْعِلَّةَ اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ وَعَلَى ذَلِكَ يَصِحُّ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أنه على الوجهين لا يرجع ما لم يَغْرَمْ أَيْ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ الْبِنَاءِ مُشْكِلٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ إنْ كَانَ يُوَافِقُ الْأَكْثَرِينَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْيَأْسِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاَلَّذِي قَالُوهُ هُوَ الصَّحِيحُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ هُوَ الْأَرْشُ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْأَرْشِ هُنَا مُطْلَقًا غَرِمَ أَوْ لَمْ يَغْرَمْ وَأَمَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ الْبَائِعُ فَيَنْتَقِلَ إلَى الْأَرْشِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مُطْلَقًا غَرِمَ أَوْ لَمْ يَغْرَمْ حَتَّى يَحْصُلَ الْيَأْسُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ الَّذِينَ ذكرتهم موافقين له في هذه المسألة بالبأس يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْيَأْسُ عَنْ الرَّدِّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ وَأَنَّ تَوَقُّعَ زَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ
*
* (فَرْعٌ)
* هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ مَا دَامَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا أَمَّا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ أَوْ دُونَهُ فَأَخَذَ الثَّانِي الْأَرْشَ مِنْ الْأَوَّلِ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى بائعه بلا خلاف
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 300)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ تَلِفَ في يد الثاني وقلنا بتعليل أبى اسحق لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ
* وَإِنْ قُلْنَا بِتَعْلِيلِ غَيْرِهِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ قَدْ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ)
*
*
(الشَّرْحُ) إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا أَوْ وَقَفَ الْمَبِيعَ فَقَدْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ الرَّدِّ فَيَرْجِعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَى تعليل أبى اسحق لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَاضِحٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ عَيْبٍ أَوْ مَعَ حُدُوثِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَغْرَمْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الْأَرْشَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي إمَّا لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ وَلَكِنْ لَمْ يَغْرَمْ بَعْدُ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَقَالَ إنْ عَلَّلْنَا بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَلَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يَغْرَمْ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْيَأْسِ يَرْجِعُ أَمَّا إذَا غَرِمَ الْأَرْشَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ عَلَى بَائِعِهِ بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ الْيَأْسِ وَعَدَمِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ والرافعي
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ رَجَعَ المبيع إليه ببيع أو هبة أو ارث لم يرد على تعليل أبى اسحق لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَعَلَى تَعْلِيلِ غَيْرِهِ يَرُدُّ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ)
* (الشَّرْحُ) طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ الْبِنَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَخَوَاتِهَا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ المذكورين كما بناه المنصف وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِالْإِقَالَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ وَيَقْتَضِي الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَيَزْدَادُ في حالة رجوعه بالبيع نظرا آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ في بِالْعَيْبِ قَبْلَ شِرَائِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الثَّانِي فَلَهُ الرَّدُّ قَطْعًا وَلَكِنَّ الْخِلَافَ فيمن يرد عليه فعلى قول أبى اسحق لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَهُ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا إنْ شَاءَ رَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ على الثاني وإذا رد على الثاني فلما رَدُّهُ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَرُدُّهُ هُوَ عَلَى الْأَوَّلِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ فِيهِ تَطْوِيلًا بَلْ يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا حَكَاهُ وَقِيلَ لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ يَرُدُّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ حِينَ الشِّرَاءِ مِنْ الثَّانِي عَالِمًا بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الثَّانِي وَرَدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُبْنَى عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَالصَّحِيحُ الرَّدُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الشِّرَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ صَارَ رَاضِيًا بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي قاله هو قول القفال على ما نقله الروايانى وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 301)
________________________________________
وَأَنَّ سَائِرَ الْأَصْحَابِ لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا التَّفْصِيلَ وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ بِنَاءَهَا عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ أَوْ فَسْخٌ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا بَيْعٌ أَوْ قُلْنَا بِمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ جَوَازِ فَسْخِهَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) فَسْخٌ وَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَمْ يُتَّجَهْ ذَلِكَ فِيهِ وَأَمَّا بَقِيَّةُ طُرُقِ الْعَوْدِ مِنْ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا تَأْتِي فِيهَا هَذِهِ الْأَوْجُهُ بَلْ تَتَخَرَّجُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَقَطْ وَلَا أَظُنُّ يَأْتِي فِيهَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي حَالَةِ الْعِلْمِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْعِوَضِ وَقَدْ سَلَكَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي بِنَاءِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ الَّذِي سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فَجَعَلَا مَأْخَذَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ بِجِهَةٍ أُخْرَى هَلْ هُوَ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ أَوْ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَفِيهِ جَوَابَانِ مَأْخُوذَانِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ قَوْلَيْنِ مَنْصُوصَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ لعبده إذا جاء رأس الشهر فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم جا رَأْسُ الشَّهْرِ فَفِي الْعِتْقِ قَوْلَانِ وَهُمَا يُشْبِهَانِ الْخِلَافَ أَيْضًا فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِصِفَةٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا ثُمَّ وجدت الصفقة وهذا أصل يخرج عَلَيْهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْمَبِيعِ وَعَادَ هَلْ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ (وَمِنْهَا) لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ وَزَالَ مِلْكُ الْوَلَدِ وَعَادَ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ (وَمِنْهَا) إذَا زَالَ مِلْكُ الْمَرْأَةِ عَنْ الصَّدَاقِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (وَمِنْهَا) فِي هَذَا الْبَابِ إذَا زَالَ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَعَادَ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لحق المشترى فيه طريقان (احداهما) تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالرَّدِّ وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ إلَّا الْهِبَةَ فَالصَّحِيحُ فِيهَا أَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ (وَاعْلَمْ) أَنَّ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ فِي الْبِنَاءِ لَا إشْكَالَ فِيهَا وطريقة الامام المذكورة يحتاج فيها إلى فرق بَيْنَ هَذِهِ الْأَبْوَابِ ثُمَّ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ أَعْنِي فِي عَوْدِ الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَالْإِقَالَةِ لَيْسَتْ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الْهِبَةَ وَالْبَيْعَ مِلْكٌ جَدِيدٌ قَطْعًا وَالْإِرْثُ وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَكِنَّهُ إذَا جَعَلْنَا الْوَارِثَ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْمَوْرُوثِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فَالْعَائِدُ بِهَا هُوَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ وَكَانَ ينبغى أن لا يجرى الخلاف فيها لما لَوْ رَجَعَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَدْ اعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا فَهِيَ تشبهه بالتبيع لِأَجْلِ التَّرَاضِي وَلِهَذَا يَرِدُ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ اعْتِذَارٌ حَسَنٌ إنْ
سُلِّمَ بِهِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرُّويَانِيَّ اخْتَارَ خِلَافَهُ وَبَنَاهَا عَلَى أَنَّهَا فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ وَطَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ سَالِمَةٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ أَوْ تَكُونُ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا
* نَعَمْ الْإِقَالَةُ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِذَارِ الْمَذْكُورِ فِيهَا لِيُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْجَمِيعِ ثُمَّ إنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي بَنَى الْإِمَامُ عَلَيْهَا لَمْ يُلَاحِظُوهَا فِي كُلِّ مَكَان أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ فَمَا الضَّابِطُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 302)
________________________________________
فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَمَا الدَّاعِي إلَى أَنْ يَجْعَلَهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ أَوْ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ زَالَ وَعَادَ فَلَا جَرَمَ كَانَتْ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ أَقْوَمَ وَأَدْخَلَ فِي الْمَعْنَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُخْتَصًّا بِالتَّفْرِيقِ عَلَى اعْتِبَارِ الْيَأْسِ أَيْ إنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ لَمْ يردو إن قُلْنَا الْعِلَّةُ الْيَأْسُ تُبْنَى عَلَى الزَّائِلِ الْعَائِدِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الصَّحِيحُ جَوَازُ الرَّدِّ وَخَالَفَ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فَجَعَلَ الصَّحِيحَ الْمَنْعَ
*
* (فَرْعٌ)
* اعْلَمْ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الزَّائِلُ الْعَائِدُ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ كَمَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ لَمْ يَبْقَ لَنَا بَعْدَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ طَرِيقٌ يُتَوَقَّعُ بِهَا الْعَوْدُ وَالرَّدُّ إلَّا أَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنْ فُرِضَ اطِّلَاعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَيْبِ وَرِضَاهُ انْسَدَّ طَرِيقُ الرَّدِّ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ وُجُوبُ الْأَرْشِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِاعْتِبَارِ الْيَأْسِ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ لكنه عمم مع رضى الثَّانِي وَدُونَهُ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ ضَعِيفٌ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَأَمَّا الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ يَسْتَقِرُّ سُقُوطُ الْأَرْشِ وَالرَّدِّ وَهَذَا إنما يستقيم على قول أبي اسحق أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَسْتَقِيمُ سُقُوطُ الرَّدِّ وَعَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ لَا يَسْتَقِيمُ سُقُوطُ الارش وقد ذكرت ذلك على الماوردى فيما مضى وذكرت له تأويلا
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ لَمْ يعلم بالعيب حتى وهبه من غيره فإن كَانَ بِعِوَضٍ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ)
*
* (الشَّرْحُ) هَذَا بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْهِبَةَ بِعِوَضٍ بَيْعٌ وَحِينَئِذٍ تَأْتِي فِيهَا الْأَقْسَامُ وَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ
وَغَيْرِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَهَبْتُ مِنْ فُلَانٍ كَذَا فَهُوَ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْفُقَهَاءِ لِإِدْخَالِهِمْ لَفْظَةَ مِنْ وَإِنَّمَا الْجَيِّدُ وَهَبْتُ زَيْدًا مَالًا وَوَهَبْتُ لَهُ مَالًا
* قَالَ وَجَوَابُهُ أَنَّ إدْخَالَ مِنْ هُنَا صَحِيحٌ وَهِيَ زِيَادَةٌ وَزِيَادَتُهَا فِي الْوَاجِبِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَقَدْ رَوَيْنَا أَحَادِيثَ مِنْهَا وَهَبْتُ مِنْهُ كَذَا
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ وَهَبَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ)
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْيَأْسُ أَمَّا إذَا عَلَّلْنَا بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى الْقَطْعَ هُنَا بِعَدَمِ الرجوع إذا أريد به أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْيَأْسُ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الَّتِي يُشْعِرُ بِهَا إيرَادُ الْمُصَنِّفِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ جَزَمَ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ الْيَأْسِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو إسحق وهو
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 303)
________________________________________
اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ هَهُنَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ هُوَ الصحيح دون ما قاله أبو إسحق وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ قَوِّمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَالرُّويَانِيُّ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ أبا اسحق وَافَقَنَا عَلَى عَدَمِ الْأَرْشِ هُنَا وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِ عِلَّتِهِ لَكِنَّ الْمَحَامِلِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ على تعليل ابى اسحق لَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا صَرَّحَ بِالْوَجْهَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيلَيْنِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أقوم إلا أن يكون أبو إسحق صَرُحَ النَّقْلُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ أَمَّا عَلَى مَا خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَرْجِعُ هَهُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ (تَنْبِيهٌ) الْهِبَةُ قَدْ يُسَمَّى فِيهَا عِوَضٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْهِبَةُ الَّتِي لَا يُسَمَّى فِيهَا عِوَضٌ لَنَا فِي اقْتِضَائِهَا الثَّوَابُ قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالتَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَإِنْ قُلْنَا) تَقْتَضِي الثَّوَابَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ كَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ خَرَّجُوا ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ أولا وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَعَلَ
كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ طَرِيقَانِ إمَّا أَنْ تَقُولَ إنَّا إذَا قُلْنَا بِاقْتِضَاءِ الْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ الثَّوَابَ صَارَتْ بِعِوَضٍ فَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إنَّ الْهِبَةَ بِعِوَضٍ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ ههنا بغير عوض ولما أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ هَهُنَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي عَدَمِ اقْتِضَاءِ الْهِبَةِ الثَّوَابَ
*
* (فَرْعٌ)
* قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَوْ كَانَ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ فَلَا يَرْجِعْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ ثُمَّ يَرُدُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ والصحيح ان خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ (قُلْتُ) يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الصَّحِيحِ ويرجع على قول ابى اسحق وَسَنَزِيدُ لَكَ أَنَّ لِلْقَطْعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَأْخَذًا آخَرَ وَيَصْلُحُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لابي أسحق عَنْ اعْتِرَاضِ الْأَصْحَابِ عَائِدٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ في صورة واحدة
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ فَلَهُ الرَّدُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا وَهَبَهُ بِلَا عِوَضٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَالْمُصَنِّفُ قَدْ تَبِعَ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فِيمَا قَالَهُ جَمِيعَهُ مِنْ التَّمْثِيلِ وَبَقِيَ الْخِلَافُ وَالتَّعْلِيلُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ وَرَجَعَ فِيهِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ وَالْإِمَامُ حَكَى فِيمَا إذَا عَادَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِجِهَةٍ لَا رَدَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَا مَلَكَ كَمَا مَلَكَ
(وَالثَّانِي)
لا لان الرد نقض لِلْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ جِهَةٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَأْخَذُهُمَا مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَائِدِ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ لَمْ يُلَاحِظُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا عَادَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 304)
________________________________________
لَا بِعِوَضٍ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ إذْ لَمْ يَعُدْ (إنْ قُلْنَا) لَا فله الرد لان ذلك لنوقع الْعَوْدِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَأْخُذُ فَيَنْحَصِرُ الْحَقُّ فِيهِ أَوْ يَعُودُ إلَى الرَّدِّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فِيهِ وَجْهَانِ (قُلْتُ) وَالْقَوْلُ بِانْحِصَارِ حَقِّهِ فِيهِ بَعِيدٌ وَمَعَ بُعْدِهِ إنَّمَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ إذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى عَادَ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ حَتَّى زَالَ الْقَدِيمُ وَحُكْمُهُ الرد الا على وجهة شَاذٍّ وَهَهُنَا أَوْلَى بِأَنْ لَا يَجْرِيَ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَأَمَّا إذَا عَادَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا رَدَّ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَيَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ الْأَخِيرِ (وان قلنا) يرد فهها يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ أَوْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ خَارِجَةٌ مِمَّا سَبَقَ (قُلْتُ)
وَهَذَا الْبِنَاءُ وَالتَّرْتِيبُ جَيِّدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَفِي مَعْنَاهَا الْوَصِيَّةُ وَالْإِقَالَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إذَا عَادَ بِالرُّجُوعِ فِي هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَلَمْ أَرَهَا مُصَرَّحًا بِهَا إلَّا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا يَجْرِي الْخِلَافُ فِيهَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ بِقَبْضٍ لها كالرد بالعيب والعائد هو الملك فَلَا يَتَأَتَّى تَخْرِيجُهُ عَلَى الزَّائِلِ الْعَائِدِ كَمَا لَمْ يُخَرَّجْ عَلَيْهِ عِنْدَ رُجُوعِهِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَكُونُ هَهُنَا لَهُ الرَّدُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْخِلَافُ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ من انحصار حقه وقد تقدم التنبيه على ضعفه (١) عَلَى بَعْضِهِمْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَظَنَّ أَنَّ الرجوع بعد المبيع وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَتَعْلِيلًا وَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْبَيْعِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَكَمَّلَ شَرْحُ مَسَائِلِ الْكِتَابِ وَبَقِيَتْ فُرُوعٌ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ الله تعالى
*
* (فرع)
* باع زيد عمرا شيأ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ كَانَ فِي يَدِ زَيْدٍ فَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِالْحَالِ فَلَا رَدَّ وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ عَالِمًا فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا أَرْشَ وَأَمَّا عَمْرٌو فَلَا رَدَّ لَهُ أَيْضًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَلَا أَرْشَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخَالِفِ لِتَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ لاستدراك الظلامة ولتوقع العود فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ زَيْدٍ أَخَذَ الْأَرْشَ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَاعَهُ زَيْدٌ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ عَمْرٌو عَالِمًا فَلَا رَدَّ لَهُ وَلِزَيْدٍ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَلِزَيْدٍ الرَّدُّ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا بَاعَهُ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ثُمَّ لِعَمْرٍو أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِهِ فَلَا رَدَّ لِزَيْدٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ عَمْرًا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ وَلَهُ الرَّدُّ فِي أَصَحِّهِمَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرْضَى بِهِ فلا يرد فلو تلف فِي يَدِ زَيْدٍ ثُمَّ عَرَفَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا بِحَيْثُ يُرَدُّ لَوْ بَقِيَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَحَيْثُ لَا يَرْجِعُ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ وَلَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ الْبَائِعُ الثَّانِي عَلَيْهِ فَعَلَى أَيِّ الْبَائِعَيْنِ يُرَدُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الثَّانِي وَرَدِّهِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرْضَى بِهِ وَرُبَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ تَفَاوُتٌ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ أَصْلًا لانه لو رده لرده عليه ولا
________________________________________
(١) بياض بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 305)
________________________________________
يَكُونُ لَهُ مَعْنًى هَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هَذَا تَعْلِيلُ مَنْ يَقُولُ لَا يُرَدُّ عَلَى الثَّانِي وَأَمَّا الرَّدُّ عَلَى الْأَوَّلِ فَمَأْمُونٌ مِنْهُ الرَّدُّ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فِي يد زَيْدٍ فَرَجَعَ بِالْأَرْشِ عَلَى عَمْرٍو كَانَ لِعَمْرٍو أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ بِالْأَرْشِ عَلَيْهِ وَالْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الآخر فيستفيد (١) مَا بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ وَفِي بَابِ الْأَرْشِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ يَرْجِعُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
* وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَغَابَ الْبَائِعُ الثَّانِي أَوْ مَاتَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَيْبًا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَا مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وجه قاله صاحب التتمة (فَرْعٌ)
لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِلْمُشْتَرِي الْوَاهِبِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ القاضى حسين
* (فَرْعٌ)
* هَذِهِ الْأَحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ عَنْ مِلْكِ المشترى أما إذا خرج بعضه وقد تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُرُوجِ الْكُلِّ وَأَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ قَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ نِصْفِ الْعَيْنِ لِوَاحِدٍ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْأَرْشِ لِلْبَاقِي فِي يَدِهِ
(والثانى)
لا يرجع بشئ ويجئ فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ التهذيب وشبههه بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَهُ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ يَشْهَدُ لِلثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَهُوَ يَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بِالْيَأْسِ (وَأَمَّا) عَلَى التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِأَرْشِ النِّصْفِ الْبَاقِي فِي يَدِهِ (وَأَمَّا) الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَضَعِيفٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ هُنَا أَضْعَفُ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ خلاف ضعيف فيتحمل فِي هَذَا الْفَرْعِ بِذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (وَإِذَا قُلْنَا) يُرَدُّ النِّصْفُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بعود الْخِلَافُ فِي النِّصْفِ الْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ هَلْ يَأْخُذُ أَرْشَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ نُقْصَانُ الشَّرِكَةِ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ وَقْتَ الرَّدِّ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ (قَالَ) صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَظَّرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِالْجَارِيَةِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ
الْبَائِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَهَلْ لَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ لِلنِّصْفِ الْبَاقِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ وَلَوْ أَنَّ مُشْتَرِيَ النِّصْفِ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ قَدِيمٌ رَجَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ بأرش النصف الذى
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 306)
________________________________________
فِي يَدِهِ مُوسِرًا كَانَ الْمُعْتَقُ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ يُقَوِّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهِ نَاقِصًا وَالنِّصْفُ الَّذِي بَاعَهُ إنْ رَجَعَ مُشْتَرِيهِ عَلَيْهِ بِأَرْشِهِ رَجَعَ هُوَ أَيْضًا عَلَى بَائِعِهِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ يَعْنِي عَلَى علة أبى اسحق لَا يَرْجِعُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَرْجِعُ وَلَوْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِيَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ عَيْنًا عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هُنَا أَنَّهُ (إنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ فَلَهُ الرَّدُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَلَا قَالَ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الرَّدَّ فَسَخَ قِسْمَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ غَيْرُ مِلْكِهِ وَإِنْ أَرَادَ فَسْخَ الْقِسْمَةِ ثُمَّ يَرُدُّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ الْمَعِيبَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ (قُلْتُ) وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ هُنَاكَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ لان له الرد إاذ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَيْبِ وَالْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقَتِهِ هُوَ رَاضٍ بِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ وَاحِدَةً بَاعَ بَعْضَهَا فَلَوْ اشتري عيبين فباع أحدهما وَوَجَدَ بِهَا الْعَيْبَ أَوْ بِالْبَاقِيَةِ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ جَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ أَيْضًا وَلَا أَرْشَ لِعَدَمِ الْيَأْسِ وَيَنْبَغِي على علة أبى اسحق أَنْ يَرْجِعَ مِنْ الْأَرْشِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّ الْبَاقِيَ وَهُوَ مُقْتَضَى تَفْرِيعِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَفِي رَدِّ الْبَاقِي فِي يَدِهِ الْقَوْلَانِ فِي نَظِيرِهِ إذَا كَانَ التَّلَفُ فِي يَدِهِ وَأَنَّ الْعَيْبَ بِاَلَّذِي باعه فقط لم يرجع بارلاش لاستدراك الظلامة وللتوقع
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْمَبِيعُ عَنْ الْمِلْكِ وَلَكِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ كَرَهْنٍ أَوْ كِتَابَةٍ أو غير ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَجُمْلَةٌ مِنْ مَسَائِلِهِ فِيمَا إذَا حَصَلَ فِي الْمَبِيعِ نَقْصٌ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمِلْكِهِ وَالثَّمَنُ تَالِفٌ جَازَ الرَّدُّ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ وَيَأْخُذُ مِثْلَ الثَّمَنِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ متقوما أقل ماكنت مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا ان كانت يوم العقد أقل فالزائد حذث فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ الْقَبْضِ أقل
فالنقضان مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يجئ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي اعْتِبَارِ الْأَرْشِ (قُلْتُ) وَصَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ هُنَا بِأَنَّهُ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ كَعِبَارَةِ النَّوَوِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ هُنَاكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ غَيْرِهِ بِخِلَافِهَا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَا سَوَاءً كما قال النووي واما أن تفرق وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِالْعَرْضِ وَخُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهَا كَالتَّلَفِ وَلَوْ خَرَجَ وَعَادَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَحَدٍ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ إبْدَالُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَوَّلُهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ منهم من
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 307)
________________________________________
خَرَّجَ اسْتِرْدَادَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي فِي الزَّائِلِ الْعَائِدِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِأَنَّهُ يُسْتَرَدُّ وَالْفَارِقُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّ الْمُسْتَرَدَّ لَيْسَ مَقْصُودًا فلا يشترط فيه ما شرط في الردود وَالْمَقْصُودِ (قُلْتُ) وَهَذَا كُلُّهُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا أَخَذَهُ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَنَقَدَهُ فَفِي تَعْيِينِهِ لِأَخْذِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ لَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا شَيْئًا وَذَكَرَ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ في نظيرها ما يتقضى أَنَّ الْأَصَحَّ التَّعَيُّنُ وَقَدْ تَعَرَّضْتُ لَهُ هُنَاكَ وَلَمْ يُفَرِّقُوا هَهُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّعَيُّنُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْلَى بِالتَّعْيِينِ مِنْ الْمَقْبُوضِ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ فِي السَّلَمِ وكيف ما كَانَ فَالْأَصَحُّ التَّعَيُّنُ لِأَنَّهُ يَرُدُّ الْمَبِيعَ فَيَرْتَفِعُ مِلْكُ الْبَائِعِ عَنْ الثَّمَنِ فَلَا وَجْهَ لِتَجْوِيزِ إبْدَالِهِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَوْ موصوفا فعيبه إما إذا أخذ عنه عرضا كَقُوتٍ وَنَحْوِهِ فَسَيَأْتِي وَلَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ فان كان إلا براء بَعْدَ التَّفَرُّقِ رَجَعَ بِتَمَامِ الثَّمَنِ (قَالَ) الرُّويَانِيُّ وَفِيهِ قَوْلٌ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى كَالزَّوْجَةِ إذَا أَبْرَأَتْ مِنْ الصَّدَاقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ الابراء قبل التفرق فذلك لا حق بِالْبَيْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا بَقِيَ وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِجَوَازِ الرَّدِّ لِلتَّخَلُّصِ عِنْدَ حِفْظِ الْمَبِيعِ وَقِيَاسُ مَنْ يَقُولُ يَرْجِعُ بِتَمَامِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَعْضِ أَنْ يَقُولَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ هُنَا وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنَ فَقِيلَ يَمْتَنِعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَقِيلَ يَرُدُّ وَلَا يُطَالِبُ بِبَدَلِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَكِنْ نَاقِصًا نُظِرَ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ وَبَدَلَ التَّالِفِ وَإِنْ رَجَعَ النُّقْصَانُ إلَى الصِّفَةِ كَالشَّلَلِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْأَرْشَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً يَأْخُذُهَا مَجَّانًا هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْمَسْأَلَةَ
فِي فَرْعٍ فِيمَا إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَهُوَ نَاقِصٌ وَالْمَنْقُولُ فِيهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا وَقِيمَتِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ وَإِطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْأَرْشَ يتخير الْبَائِعُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَدْ نَقَلَ النووي هذا الفرع عن القفال وَالصَّيْدَلَانِيُّ مَعَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ
*
* (فَرْعٌ)
* الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إذَا خَرَجَ مَعِيبًا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ كَالْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَكَانَ فِي عَقْدٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ يُسْتَبْدَلُ وَلَا يفسخ العقد قال المتولي والرافعي سواء أخرح مَعِيبًا بِخُشُونَةٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ ظَهَرَ أَنَّ سَكَّتَهُ مُخَالِفَةٌ لِسِكَّةِ النَّقْدِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ أَوْ خَرَجَ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 308)
________________________________________
(قُلْتُ) وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ إذَا خَرَجَ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا وَكَانَ قَدْ اشْتَرَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ دَرَاهِمُ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بِفَصْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعَيْبِ فِي عِوَضِ الصَّرْفِ
*
* (فَرْعٌ)
* بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَأَخَذَ بِالْأَلْفِ ثَوْبًا ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا وَرَدَّهُ فَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ وَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ بَيْعُ الثَّوْبِ بِهِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ يَرْجِعُ بِالْأَلْفِ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَمْلُوكٌ بِعَقْدٍ آخَرَ وَفِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَهُ نَصًّا وَلَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالثَّوْبِ رَدَّ وَرَجَعَ بِالْأَلْفِ لَا بِالْعَبْدِ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَلْفِ دُونَ الثَّوْبِ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ بِالتَّلَفِ يَقْطَعُ الْعَقْدَ وَيَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وفيه وجه آخر
*
* (فَرْعٌ)
* اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ رَدِّ الْمَبِيعِ فَعَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَعْيَتْنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَخَالَطَا وَتَبْقَى السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَهُ الْأَرْشُ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ القدر المتفق عليه (قال) أبو إسحق وحكى أبو محمد النارسى عن أبى اسحق أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
** (فَرْعٌ)
* لَوْ اُحْتِيجَ إلَى الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ فَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَعَنْ رواية القاضى ابن كج فيه قولين الْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
*
* (فَرْعٌ)
* مِنْ زِيَادَاتِ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ اشْتَرَى سِلْعَةً بِأَلْفٍ فِي الذِّمَّةِ فَقَضَاهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا فَرَدَّ السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ لَزِمَ الْبَائِعَ رَدُّ الْأَلْفِ وَعَلَى مَنْ يَرُدُّ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ الدَّافِعُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَقَدَّرَ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ فَإِذَا رَجَعَ الْمَبِيعُ رَدَّ إلَيْهِ مَا قَابَلَهُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْمُعَايَاةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ (قُلْتُ) وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ الْوَجْهَيْنِ (وَقَالَ) إنَّ الاصح الثاني قالا وَلَوْ خَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحِقَّةً رَدَّ الْأَلْفَ عَلَى الأجنبي قطعا لانه تبين أن لا ثمن ولا بيع (١) إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ لَهُ الرَّدُّ وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ لَا لِنُقْصَانِهِ بِالشَّرِكَةِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ الرَّهْنِ عَلَى قَوْلٍ وَأَمَّا بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَقُلْنَا التَّعْلِيقُ بِالذِّمَّةِ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ فَقِيلَ كَالرُّجُوعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقِيلَ بِالرَّدِّ قَطْعًا لِعَدَمِ استدراك الظلامة
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 309)
________________________________________
وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْحَالِ وَلَمْ نُجَوِّزْ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ امْتَنَعَ الرَّدُّ وَوَجَبَ الْأَرْشُ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْيَأْسَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ رَدَّ بِقِسْطِهِ وَقِيلَ يُرَدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةُ التَّالِفِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَتَيْنِ أَحَدُهُمَا بِعَشْرَةٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي رَدَدْتُ الَّذِي بِعَشْرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ثَوْبًا مِنْ آخَرَ وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْمَعِيبَ مِنْ أَيِّهِمَا اشْتَرَاهُ فَلَا رَدَّ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الفتاوى
*
* (فَرْعٌ)
* اتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَكَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ وَإِذَا كَانَ تَالِفًا أَخَذَ قِيمَةَ الثَّمَنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا فَرَدَّهَا فَإِنَّ مَالَهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ وَلَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَكَذَلِكَ نَقَلُوهُ عَنْهُ فِي الْجَارِيَةِ بِالْجَارِيَةِ وَلَا أَدْرِي أَيَطَّرِدُ فِي بَقِيَّةِ الحيوان والعروض أَمْ لَا
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ عَيْبًا فان خفى منه شئ رَجَعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ الْجِنْسِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* لَمَّا تَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ الْعَيْبِ احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِهِ فَعَقَدَ هَذَا الْفَصْلَ لِذَلِكَ وَبَيَانِ مَا هُوَ عَيْبٌ وَمَا لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَمْثِلَةُ لَا تَنْحَصِرُ قَدَّمَ عَلَيْهَا الضَّابِطَ فِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الضَّابِطِ سَدِيدٌ فَإِنَّ الْمُدْرِكَ في ذلك العرف ولولا ذَلِكَ وَاقْتَضَى الْعُرْفُ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ حَتَّى جَعَلَ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ لَمَا ثَبَتَ الرَّدُّ فَلِذَلِكَ جَعَلَ ضَابِطَهُ رَاجِعًا إلَى الْعُرْفِ فَمَا عَدَّهُ النَّاسُ وأهل العرف عيبا كان عيبا ومالا فَلَا وَلَكِنَّ الْإِحَالَةَ عَلَى الْعُرْفِ قَدْ يَقَعُ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إلْبَاسٌ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ ضبطه غير المصنف بضابط أبين وأحسن شئ فِيهِ مَا أَشَارَ لَهُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ أَنْ يُقَالَ مَا ثَبَتَ الرَّدُّ بِكُلِّ مَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ مُنْقِصِ الْقِيمَةِ أَوْ الْعَيْنِ نَقْصًا مَا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ وَأَخْصَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ نُقْصَانًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَيَغْلِبُ عَلَى أَمْثَالِهِ عَدَمُهُ وَبَعْضُهُمْ قَالَ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ مِنْ الْخِلْقَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 310)
________________________________________
التَّامَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا نُقْصَانَ الْعَيْنِ بِمَسْأَلَةِ الْخَصِيِّ يَعْنِي فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُنْقِصْ الْقِيمَةَ لَكِنَّهُ نَقَصَ الْعَيْنَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِنَقْصِ الْعَيْنِ وَاشْتَرَطَ فَوَاتَ غَرَضٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَ مِنْ فَخِذِهِ أَوْ ساقه قطعة يسيره لا تورث شينا ولا يفوت غرض لا يثب الرَّدُّ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إنْ قُطِعَ مِنْ أُذُنِ الشَّاةِ مَا يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ ثَبَتَ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ احْتِرَازٌ أَيْضًا عَمَّا إذَا وَجَدَ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ مَخْتُونَيْنِ فَإِنَّهُ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَكِنَّ فَوَاتَهُ مَقْصُودٌ دُونَ بَقَائِهِ فَلَا رَدَّ بِهِ إذَا كَانَ قَدْ انْدَمَلَ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى أَمْثَالِهِ عَدَمَهُ لِأَنَّ الْبَقَاءَ بِهِ مِثْلًا فِي الْإِمَاءِ يُنْقِصُ الْقِيمَةَ لَكِنْ لَا رَدَّ بِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ فِيهِنَّ عَدَمَ الثِّيَابَةِ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ كَبِيرَةً فِي سِنٍّ لَا يَغْلِبُ فِيهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الَّذِي زَادَ مِنْ الْخِلْقَةِ التَّامَّةِ فَاحْتُرِزَ عَمَّا إذَا نَقَصَ زَائِدٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْأُصْبُعِ وَنَحْوِهَا بِأَنْ قَطَعَهَا الْبَائِعُ وَلَمْ يَبْقَ شَيْنٌ ثُمَّ بَاعَهَا فلا يثبت بزوالهما رَدٌّ هَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ
الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ فِي ذَلِكَ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الرَّدِّ فِي يَدٍ عِنْدِي وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ كَمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَجَبَ أَنْ يُوجِبَ الرَّدَّ إذَا حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وجب أن لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فَطَرَدَ قَاعِدَتَهُ وَجُلَّ ما لا يثبت بفوته فِي يَدِ الْبَائِعِ خِيَارٌ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَحَصَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِحُدُوثِهِ وَأَمَّا ثُبُوتُ الرَّدِّ بِوُجُودِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبُو الطَّيِّبِ يَقُولُ بِهِ وَيَجْعَلُهُ عَيْبًا وَيَطْرُدُ قَاعِدَتَهُ وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَوَالَ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الزَّائِدَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي وَصَارَ جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ الْمُقَابَلِ بِالثَّمَنِ فَلَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بدونه لرد المبيع نقصا عَمَّا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ لَا بِسَبَبِ أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ نَعَمْ إذَا حَصَلَ زَوَالُ هَذِهِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَنَحْوِهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ مَسَاقُ هَذَا الْبَحْثِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ لِزَوَالِ بَعْضِ مَا شَمِلَهُ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا كَاتِبًا فَنَسِيَ الْكِتَابَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا بَلْ فَوَاتُ كمال وهذا وان لَمْ يَكُنْ كَمَالًا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ وَقَدْ صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ لَكِنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 311)
________________________________________
ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي حُصُولِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ الَّذِي حَكَيْتُهُ الْآنَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قُلْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ وَلِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ولصاحب التهذيب وصاحب التتمة أن يقولان إنَّ ذَلِكَ الزَّائِدَ وَإِنْ كَانَ شَمِلَهُ الْعَقْدُ الا أنه لا غرض فيه فزاوله مَعَ الْبُرْءِ لَا يَحْصُلُ بِهِ نَقْصٌ يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ فَوَاتِ الْكِتَابَةِ بِالنِّسْيَانِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ كُلُّ مَا أَثْبَتَ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ مَنَعَ الرَّدَّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَبْقَيْنَا كَلَامَ أَبِي الطَّيِّبِ عَلَى حَالِهِ وَطَرَدْنَاهُ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضَ فَكَذَلِكَ يَسْتَمِرُّ هَذَا الضَّابِطُ وَإِنْ جَمَعْنَا بَيْنَ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بعض الْقَبْضِ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي مَوَانِعِ الرَّدِّ فَيَفْصِلُ فِي فَوَاتِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ
الْبَيْعِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ أو قبله فلا إذا لم يبقى بِسَبَبِهَا نَقْصٌ وَيَكُونُ كُلُّ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ إذا كان قبل الْبَيْعُ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَصَلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْعَكِسُ فَكُلُّ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَبِالْعَكْسِ وَكُلُّ عَيْبٍ مُثْبِتٌ لِلرَّدِّ وَلَيْسَ كُلُّ مُثْبِتٍ لِلرَّدِّ عَيْبًا كَمَا مَثَّلْنَاهُ فِي فَوَاتِ صِفَةِ الْكَمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ عَيْبًا دَاخِلًا تَحْتَ هَذَا الضَّابِطِ إلَّا أَنَّهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ بِالْعَقْدِ صَارَ فَوَاتُهُ عَيْبًا وَأَصْلُ هَذَا الضَّابِطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْحَدُّ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى يُنْقِصُ الْعَيْنَ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ أَوْ الْقِيمَةَ أَوْ يُفَوِّتُ غَرَضًا مَقْصُودًا شَرْطُهُ أَوْ فَاتَ بِتَدْلِيسٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَمَا خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَقَصَدَ الْقَاضِي بِهَذَا حد كل كُلِّ مَا يُثْبِتُ الرَّدَّ مِنْ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ المذكورة في هذا الباب للتصر؟ ة والعيب والخلف والضابط الذى تقوم كِفَايَةٌ وَبِهِ تَعْرِفُ مَا يَرِدُ عَلَى حَدِّ الْقَاضِي وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الْعَيْبُ كُلُّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ اقْتَضَى الْعُرْفُ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْهُ غَالِبًا وَقَدْ يكون ذلك نقصان وصف أو زيادة
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 312)
________________________________________
وَقَدْ يَكُونُ نُقْصَانَ عَيْنٍ كَالْخَصِيِّ أَوْ زِيَادَتَهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالْخَصِيِّ فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ وَلَكِنْ ما كان منه مقصود تَتَعَلَّقُ بِهِ مَالِيَّةٌ وَإِنَّمَا الزِّيَادَةُ بِالْجُبِّ لِغَرَضٍ آخَرَ حَصَلَ بِهِ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ نُقْصَانٍ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ بِهَذَا إلَى أَنَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ حَاصِلٌ مِنْ وَجْهِ كَوْنِهِ يُضْعِفُ الْبِنْيَةَ وَلَكِنَّهُ انْجَبَرَ بِزِيَادَتِهَا مِنْ جِهَةِ الرَّغْبَةِ فِي دُخُولِهِ على الحريم عند من يجوزه مكان كَذَلِكَ لِعَبْدٍ كَانَتْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ ونقصت بسبب العيب دون ما زادت فان تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْبًا وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مُحَاوِلَةُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نُقْصَانُ القيمة ولذلك قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ الْعَيْبِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَيْبُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْخِيَارُ كُلُّ مَا نَقَصَ ثَمَنُهُ من شئ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَتَّى الْأَثَرُ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِعَمَلِهِ وَالْفِعْلُ فَهَذَا النَّصُّ شَاهِدٌ لِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ إذَا كَانَ بِالرَّهْنِ عَيْبٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ عَيْبٌ فِي فِعْلِهِ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ وَعَلِمَ الْمُرْتَهِنُ الْعَيْبَ قَبْلَ الِارْتِهَانِ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَالرَّهْنُ وَالْبَيْعُ ثَابِتَانِ وَهَذَا النَّصُّ مِثْلُ الْأَوَّلِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ لَوْ قَالَ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ كَمَا قَالَ فِي التَّتِمَّةِ لِشَمْلِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ
مَعِيبًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ لَا شَكَّ أَنَّهُ هُنَا انما يقصد تعريف لعيب فِي الْمَنْعِ وَمَا فِي حُكْمِهِ فَسَوَاءٌ أَذَكَرَهُ أَمْ تَرَكَهُ الْمُرَادُ مَعْلُومٌ وَلَنَا عُيُوبٌ أُخَرُ؟ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ مُفَسَّرَةٌ بِغَيْرِ هَذَا التَّفْسِيرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ الْعَيْبُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ وَفِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ وَالْغُرَّةِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيَ وَالْعَقِيقَةِ وفى احد الزوجين وفى الاجارة وحدودها مخالفة فَالْعَيْبُ الْمُؤَثِّرُ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبِهِ الْخِيَارُ هُوَ مَا نَقَصَتْ الْمَالِيَّةُ أَوْ الرَّغْبَةُ بِهِ أَوْ الْعَيْنُ وَالْعَيْبُ فِي الْكَفَّارَةِ مَا أَضَرَّ بِالْحَمْلِ إضْرَارًا بَيِّنًا وَالْعَيْبُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيَ وَالْعَقِيقَةِ مَا نَقَصَ بِهِ اللَّحْمُ وَالْعَيْبُ في النكاح ما ينفر عن الوطئ وَيَكْسِرُ سَوْرَةَ التَّوَّاقِ وَالْعَيْبُ فِي الْإِجَارَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ لَا مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَهَذَا تَقْرِيبُ ضبطها وهى مذكورة في هذا الكتب بحقائقها وفروعها عيب الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ كَالْمَبِيعِ هَذَا كَلَامُ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (قُلْتُ) وَالْعَيْبُ فِي الزَّكَاةِ كَالْبَيْعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ كَالْأُضْحِيَّةِ وَفِي الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ النَّظَرُ فِيهِ إلَى مَا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ وَلَا نُقْصَانِ الْعَيْنِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْحَمْلُ فِي الْبَهَائِمِ فِي الْبَيْعِ زِيَادَةٌ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَفِي الصَّدَاقِ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ الْقَهْرِيِّ فَجُمْلَةُ أَنْوَاعِ الْعَيْبِ سِتَّةٌ وَإِنْ تَكَثَّرَتْ أَبْوَابُهَا وَالْمَوْهُوبُ بِعِوَضٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ بشئ وهو بعيد
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 313)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* قَدْ تَبَيَّنَ لَكَ زَوَالُ الصِّفَةِ الْكَامِلَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَذَلِكَ غير داخل في الضابط المذكور ولاعتذار عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَفُوتَ الْخِيَارُ لَا لِكَوْنِهِ عَيْبًا بَلْ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَجَعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ الْجِنْسِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ إنَّهُ عَيْبٌ ثَبَتَ الرَّدُّ بِهِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَاعْتَبَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ (فَائِدَةٌ) الرُّجُوعُ فِي الْعَيْبِ إلَى الْعُرْفِ لَهُ نَظَائِرُ فِي الْفِقْهِ مِنْهَا طُولُ الْمَجْلِسِ الْمَانِعِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ وَكَثِيرُ النَّجَاسَةِ الْمُجَاوِزِ لحد العفو وقدر الصفة في الاناء وال؟ فرق القاطع للخيار والقبض والجوز وَالْإِحْيَاءُ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ الْحُكْمُ فِيهَا يُحَالُ عَلَى الْعُرْفِ
إمَّا قَطْعًا أَوْ عَلَى خِلَافٍ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا يَقُولُهُ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الشَّارِعِ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ ثُمَّ الْعُرْفِيِّ ثُمَّ اللُّغَوِيِّ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَنَّ مُرَادَ الْأُصُولِيِّينَ إذَا تَعَارَضَ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ قَدَّمْنَا الْعُرْفَ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَدُّهُ فِي اللُّغَةِ وَلَمْ يَقُولُوا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى فَالْمُرَادُ أَنَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى حَدِّهِ بِمَا يُثْبِتُهُ فَيُسْتَدَلُّ بالعرف عليه
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ مَجْذُومًا أَوْ أَبْرَصَ أَوْ مريضا أو أنجر أَوْ مَقْطُوعًا أَوْ أَقْرَعَ أَوْ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ آبِقًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ هَذِهِ عَاهَاتٌ يَقْتَضِي مُطْلَقُ الْعَقْدِ السَّلَامَةَ مِنْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ مَعَ وُجُودِهَا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ جُمْلَةً مِنْ أَمْثِلَةِ الْعُيُوبِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْحَصِرُ وَلَا مَطْمَعَ فِي اسْتِيعَابِهَا لكن المقصودة زِيَادَةٌ فِي الْبَيَانِ عَلَى مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الضابط المتقدم فما ذكره الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الرَّقِيقِ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ مَجْذُومًا أَوْ أَبْرَصَ هذه السِّتَّةُ لَا خِلَافَ فِيهَا وَلَا تَفْصِيلَ فِي الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ الْمُسْتَحْكَمِ وَغَيْرِهِ أَوْ مَرِيضًا وَسَوَاءٌ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ وَغَيْرُهُ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ هَكَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ نَعَمْ إذَا كَانَ الْمَرَضُ قَلِيلًا كَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَمَا أَشْبَهَهُ فَفِي الرَّدِّ بِهِ نَظَرٌ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْمَرَضَ وَإِنْ قَلَّ عيب
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 314)
________________________________________
وَقَالَ الْعِجْلِيُّ إذَا أَصَابَ الْعَبْدَ مَرَضٌ وَكَانَ يز؟ ل بِالْمُعَالَجَةِ السَّرِيعَةِ فَلَا خِيَارَ كَمَا لَوْ غُصِبَ وَأَمْكَنَ الْبَائِعَ رَدُّهُ سَرِيعًا وَهَذَا حَسَنٌ أَوْ أنجر وَالْبَخَرُ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ هُوَ الْيَأْسُ مِنْ تغير المعدن دون ما يكون بقلع الْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِ الْفَمِ وَاعْتَرَضَ مجلى بان ذلك لا يمسى بَخَرًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَفِي التَّجْرِيدِ أَنَّ الْجَارِيَةَ تُرَدُّ بِتَغَيُّرِ النَّكْهَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَخَرِ الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ قصد لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْعَبْدُ قَدْ يُقْصَدُ لِلْمُسَارَةِ (وَقَوْلُهُ) أَوْ مَقْطُوعًا أَيْ مَقْطُوعٌ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ أُنْمُلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ يَشْمَلُ الْأَصِيلَ
وَغَيْرَهُ وَقَدْ تقدم استثناء قطع الاصبع الزائد وشبهها وقطع شئ يسير من الفخذ إذا لم يحصل بشئ من ذلك نقص أو أقرع وهو لذى ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ مِنْ آفَةٍ وَيُشْتَرَطُ فِي هذه الامور ان تكون مستمرة فلو حدث فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَزَالَتْ وَانْقَطَعَ أَثَرُهَا فَلَا رَدَّ بِهَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْقَطْعِ أَوْ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ آبِقًا وَهَذِهِ أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهَا وَلَا تَفْصِيلَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أقيم عليه الحد في لزنا وَالسَّرِقَةِ أَوْ لَمْ يُقَمْ وَوَافَقَنَا عَلَى الرَّدِّ بعيب الزنا مطلقا مالك وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْعَبْدَ لَا يُرَدُّ بِعَيْبِ الزِّنَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ زِنَاهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِنَسَبِ غَيْرِهِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ زِنَا الْعَبْدِ يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُنْقِصُ قِيمَتَهُ وَقَدْ يَمُوتُ تَحْتَ الْحَدِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يَتَعَوَّدُ ذَلِكَ فَيَفْعَلُهُ بَعْدَ الْكِبَرِ نَصَّ الْأَصْحَابُ على أنه لو زنا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ لِأَنَّ تُهْمَةَ الزِّنَا لَا تَزُولُ وَلِهَذَا لَا يَعُودُ إحْصَانُ الْحُرِّ الزَّانِي بِالتَّوْبَةِ
* وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ اعْتِيَادُ الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا عَيْبٌ فَأَشْعَرَ بِاشْتِرَاطِ الِاعْتِيَادِ فِي الثَّلَاثَةِ أَوْ فِي الْإِبَاقِ أَوْ فِيهِ وَفِي السَّرِقَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ إلَّا ذَلِكَ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ السَّرِقَةَ وَالزِّنَا مَعْطُوفَانِ عَلَى اعْتِيَادِهِ وَلَا يَكُونُ الِاعْتِيَادُ شَرْطًا فِيهِمَا لَكِنَّهُ فِي الْوَجِيزِ قَالَ اعْتِيَادُهُ الزنا والاباق والسرقة فهذه صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْبَسِيطِ أَبَّاقًا أَوْ سَرَّاقًا أَوْ زَنَّاءً فَأَتَى فِي الثَّلَاثَةِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فَأَمَّا الزِّنَا فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ فِيهِ بِخِلَافٍ وَالسَّرِقَةُ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْإِبَاقُ فَإِنَّ الْإِمَامَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السَّلَمِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ إنَّ اعْتِيَادَ الْإِبَاقِ عَيْبٌ وَاتِّفَاقُ الْإِبَاقِ لَا يَلْتَحِقُ بِالْعُيُوبِ وَهَذَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 315)
________________________________________
إذَا تَكَرَّرَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاشْتُهِرَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ وُجُودَهَا فِي يَدِ المشترى عيبا حادثا بَعْدَ تَكَرُّرِهَا وَإِنْ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ وَغَيْرُهُ فِي الْإِبَاقِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَأْخُذُ الْأَرْشَ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي يَدِ
الْمُشْتَرِي عَيْبٌ حَادِثٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى أَبَقَ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ مرة واحدة ولم تُوجَدْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُرَدُّ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ لَا يُرَدُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يُرَدُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي حَالِ الْكِبَرِ يَتَعَذَّرُ الْإِقْلَاعُ عَنْهَا وَفِيهِ فِي الْإِبَاقِ خَاصَّةً وَجْهٌ حكاه الهروي عن الثقفى انه لا؟ ؟ د كَالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ الزُّجَاجِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقِيلَ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْفَعْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِي الْإِبَاقِ يجوز ان تعد عيبا ابدا كالوطه فِي إبْطَالِ الْحَضَانَةِ وَصَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَطُولِ الْمُدَّةِ كَالزِّنَا وَفَرَّعَ الْهَرَوِيُّ عَلَى قَوْلِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ لَا؟ ؟ ين عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ جَوَازَ الرَّدِّ يَعْتَمِدُ وُجُودَ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هَذَا مَا تَلَخَّصَ لِي مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ وَحَيْثُ قُلْنَا لَهُ الرَّدُّ فِي الْإِبَاقِ فَمَحَلُّهُ فِي حَالِ حُضُورِهِ وَأَمَّا فِي حَالِ إبَاقِهِ فَلَا على ما تقدم وما ذكره أبوسيعد الْهَرَوِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الثَّقَفِيِّ فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ الا انا وُجِدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَجَبٌ فَإِنَّهُ إنْ كان ذلك عيبا فلا حاجة إلى شئ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا فَوُجُودُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ أَنَّ وُجُودَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي دل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ صَارَ عَادَةً وَأَنَّهُ مِنْ ضمان البائع لاستناده إلى سابق
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ وُجِدَ الْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالزِّنَا وَنَحْوُ ذلك في يد البائع وارتفع مدة ما يده بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهَا ثُمَّ وُجِدَتْ في الْمُشْتَرِي قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الثَّقَفِيُّ وَالزُّجَاجِيُّ أَبُو عَلِيٍّ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ تِلْكَ الْمَعَانِيَ ارْتَفَعَتْ ثُمَّ حَدَثَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ ذَلِكَ كَالْمَرَضِ الْحَادِثِ فِي يَدِهِ
*
* (فَرْعٌ)
* لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تُوجَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَلْ لَوْ وُجِدَتْ فِي يَدِ من تلق الْبَائِعُ الْمِلْكَ مِنْهُ أَوْ قَبْلَهُ كَانَ حُكْمُهَا كَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْإِبَاقِ وَهُوَ يَجْرِي فِي الْأَخِيرَيْنِ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الامور السابقة من الامراض
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 316)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* الْحَوَّاءُ كَالسَّارِقِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الْجِنَايَةِ مِنْهُ أَيْضًا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَبَعًا للامام
** (فرع)
* في مذاهب العلماء قال الثوري واسحق فِي الصَّبِيِّ يَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَأْبَقُ لَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا جَاوَزَ عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ عَيْبٌ
*
* (فَرْعٌ)
* قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَبْدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فَالْأَمَةُ كَذَلِكَ وَبَعْضُ الْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ يَشْتَرِكُ فِيهَا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ أيضا كالعمى والعرج والقطع
*
* (فَرْعٌ)
* وَمَنْ أَمْثِلَةِ الْعُيُوبِ أَيْضًا الْجَبُّ وَهُوَ داخل في قول المصنف مقطوعا والصبئان فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ إذَا كَانَ مُسْتَحْكَمًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ دُونَ مَا يَكُونُ لِعَارِضِ عَرَقٍ أَوْ حَرَكَةٍ عَنِيفَةٍ أَوْ اجْتِمَاعِ وَسَخٍ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ بَلْ إذَا كَانَ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِعِلَاجٍ مُخَالِفٍ لِلْمُعْتَادِ فَهُوَ عَيْبٌ وَعِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَا يَثْبُتُ بِالصِّبْيَانِ صِئْبَانٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا لَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ وَالْجُنُونُ سَوَاءٌ الْمُتَقَطِّعُ وَغَيْرُهُ وَكَوْنُهُ مُخْتَلًّا أَوْ أَبْلَهَ أَوْ أَشَلَّ أَوْ أَعْوَرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَنْدَرِجُ فِي الْعَمَى لِأَنَّهُ عَمًى فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْعَيْنَيْنِ نَعَمْ الْعَوَرُ فِي اللُّغَةِ ذَهَابُ الْبَصَرِ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْمَى وَلِهَذَا يُعَبَّرُ بِأَعْوَرِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى وَلَكِنْ صَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَهَابُ الْبَصَرِ مِنْ إحْدَاهُمَا (وَمِنْهَا) كَوْنُ الرَّقِيقِ أَخْفَشَ وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ضَعِيفُ الْبَصَرِ خِلْقَةً
(وَالثَّانِي)
يَكُونُ بِعِلَّةٍ حَدَثَتْ وَهُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ الْمُعَيِّنِ وَفِي يَوْمِ الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ وَكَوْنُهُ أَجْهَرَ بِالْجِيمِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ أَوْ أَعْشَى وَهُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ أَوْ أَعْمَشَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَوْ أَخَشْمَ وَهُوَ الَّذِي فِي أَنْفِهِ دَاءٌ لَا يَشُمُّ شيئا أو أبقم وهو العرج الْفَمِ أَوْ أَرَتُّ لَا يَفْهَمُ - وَالْأَرَتُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِهِ عُجْمَةٌ وَهَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ اللغة وقال الفقهاء في صفة الائمة هُوَ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفًا فِي حَرْفٍ عَلَى خِلَافِ الْإِدْغَامِ الْجَائِزِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالرُّتْهُ بِضَمِّ الرَّاءِ فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْبَغِي النَّظَرُ فِيهِ إلَى جِنْسِ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَهُ كَانَ عَيْبًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَهُ كَالزِّنْجِ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا وَقَدْ أَطْلَقَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 317)
________________________________________
الْأَصْحَابُ هُنَا الْأَرَتَّ الَّذِي لَا يُفْهَمُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ عَنْهُ بِلُغَتِهِ
وَلَا بِغَيْرِ لغته وقال المقاضى حسين إذا وجد أَلْثَغَ أَوْ أَرَتَّ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا كَانَ يَسْتَظْرِفُ بِكَلَامِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَظْرِفُ بِكَلَامِهِ فَلَهُ الرَّدُّ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ يَفْهَمُ كَلَامَنَا فَلَا رَدَّ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ فَلَهُ الرَّدُّ فِيهِمَا كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ مُرَادِهِ فِي الْأَرَتِّ (وَمِنْهَا) كَوْنُهُ فاقد الذوق أو شئ مِنْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا تَقَدَّمَ وَالشَّعْرُ أَوْ الظُّفْرُ أَوْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ أو سن ساغية وهى الزائدة المخالفة لبيان الْأَسْنَانِ أَوْ يَدٌ زَائِدَةٌ أَوْ رِجْلٌ زَائِدَةٌ أَوْ مَقْلُوعُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ أَوْ أَدْرَدُ وَكَوْنُ البهيمة در داء إلا في السن المعتاد ونقل المقاضى حسين في الفتاوى هذا التقييد عَنْ الْعَبَّادِيِّ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ أَنَّ لَهُ الرد والتقييد لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ السِّنِّ فِي الْعَقْدِ قَالَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ فِي الرَّدِّ تَفْرِيعًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ يَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الشعر (ومنها) كونه ذا قروح أو تآليل كَثِيرَةٍ أَوْ بَهَقٍ وَهُوَ بَيَاضُ يَعْتَرِي الْجِلْدَ يُخَالِفُ لَوْنَهُ لَيْسَ بِبَرَصٍ أَوْ أَبْيَضَ الشَّعْرِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَلَا بَأْسَ بِحُمْرَتِهِ (وَمِنْهَا) كَوْنُهُ نَمَّامًا أَوْ سَاحِرًا أَوْ قَاذِفًا لِلْمُحْصَنَاتِ أَوْ كَذَّابًا أَوْ بِهِ نَفْخَةُ طِحَالٍ كَمَا قال الماوردى وَالرُّويَانِيُّ أَوْ مُقَامِرًا أَوْ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ أَوْ شَارِبًا الْخَمْرَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ لَا رَدَّ بِالشُّرْبِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرَّقْمِ لِلْعَبَّادِيِّ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ تَقْيِيدُ الشُّرْبِ بِأَنْ يُسْكِرَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالشُّرْبِ يجب الحد فيه عَلَيْهِ مُجَلِّي وَأَيْضًا يَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً وَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ الشُّرْبَ الْمُتَقَادِمَ الَّذِي تَابَ عَنْهُ لَا يُثْبِتُ الرَّدَّ بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّ سِمَةَ الشُّرْبِ تَزُولُ عَنْهُ بِخِلَافِ الزِّنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْإِبَاقَ لَا يَسْقُطُ أَثَرُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالشُّرْبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون القاضى مخالف هنا وصاحب التهذيب مخالف هُنَاكَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ (وَمِنْهَا) كَوْنُهُ خُنْثَى مُشَكَّلًا أَوْ غَيْرَ مُشَكَّلٍ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا وَكَانَ يَبُولُ مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ فَلَا رَدَّ (قُلْتُ) وَهَذَا حَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ (وَمِنْهَا) كَوْنُهُ وَصَلَ شعره بشعر غيره قاله القاضى حسين والا لتوعد هذا في صور التلبيس كالنصرية (وَمِنْهَا) كَوْنُ الْعَبْدِ مُخَنَّثًا أَيْ مُمَكِّنًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ وَالْمُخَنَّثُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَالْفَتْحُ أَشْهُرُ وَهُوَ لذى خلقه كخلق النساء في حركاته وهيأته وكلامه ونحو ذلك وتارة يكون خلقة له فلا يأثم به وتارة بتصنعه فهو مأئوم مَذْمُومٌ مَلْعُونٌ (وَمِنْهَا) كَوْنُ الْجَارِيَةِ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْ زَوْجٍ أو وطئ بهيمة خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ
وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّ صَاحِبَ الْحَاوِي قَالَ فِي الْمُعْتَدَّةِ إنَّهَا لَا تُرَدُّ لِقُرْبِ الْمُدَّةِ وَأَنَّ الشَّاشِيَّ قَالَ مَا كَانَ نَقْصًا يَسْتَوِي فِيهِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَيَنْبَغِي لَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا يَوْمٌ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ (قَالَ) ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهَذَا حَسَنٌ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْحَاوِي أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ التعليل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 318)
________________________________________
بِالْقُرْبِ فِي الصَّائِمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَعَلَّ ذِكْرَ الصَّائِمَةِ سَقَطَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي حِلْيَةِ الشَّاشِيِّ أَيْضًا وَهُوَ عَجِيبٌ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ أن يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي الْمُعْتَدَّةِ إنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ زَمَنٌ يَسِيرٌ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا كَانَ العيب يسيرا يمكن البائع ازلته عَنْ قُرْبٍ وَقَدْ قَالُوا فِيهِ إنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ زَمَنًا كَثِيرًا لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ كَيَوْمٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَمَا تَقَدَّمَ اعْتِبَارُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْأَحْجَارِ أَوْ بِهَا لَخَنٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَغْيِيرُ رَائِحَةِ الفرج قاله الرويانى عن ابن المرزيان أَوْ عَلَى لِسَانِهَا نُقْطَةٌ سَوْدَاءُ إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَوْ تَأْكُلُ الطِّينَ وَقَدْ أَثَّرَ فِيهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ أَوْ كَوْنُ الْجَارِيَةِ مُسَاحَقَةً (وَمِنْهَا) وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ أَحْرَمَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ كَالْبَائِعِ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ عنه ولا يثبت له خيار (قلت) وللوجه أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ تَحْلِيلُهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي الْإِحْرَامِ فَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ زَمَنٌ يَسِيرٌ كَطَوَافٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ رَمْيٍ فِي آخِرِ الْأَيَّامِ لَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذا لم يكن التحليل (ومنها) على ما قال الجوزى إذَا بَاعَ عَبْدًا قَدْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ بِالذِّمَّةِ مِنْ الصَّوْمِ مُتَفَرِّقًا فَلَا خِيَارَ لِأَنَّهُ لَهُ مَنْعُهُ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ (قُلْتُ) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَطَّرِدَ فِي كُلِّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ يكون عيبا إذا كان طويلا يضر كالشهر وَنَحْوِهِ كَمَا مَثَّلَ بِهِ أَمَّا الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ فَلَا وَاَلَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفَوْرُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ عَيْبًا كَمَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ إذَا تَوَقَّعَ الْمَوْتَ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ لَوْ كان فاته صَوْمُ رَمَضَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ فَيَصِيرُ كَشَهْرٍ بِعَيْنِهِ وهو قريب الحصول
(ومنها) تعلق الدين برقبتها وَلَا رَدَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَمَثَّلَهُ الْمُتَوَلِّي والرويانى بدين القرض وَحَسَّنَ أَنَّ التِّجَارَةَ وَالشِّرَاءَ فِي الذِّمَّةِ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَمَالِكٍ وَلَوْ بَانَ كَوْنُ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ مَبِيعًا فِي جِنَايَةِ عَمْدٍ وَقَدْ تَابَ عَنْهَا فَوَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَعَيْبٌ (قُلْتُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَيْبًا مُطْلَقًا كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وقد حكاه صاحب الاستقصاء موجبا وَجِنَايَةُ الْخَطَأِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ وَهَذَا مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَرْشُهَا بَاقِيًا (ومنها) الكعبين وَانْقِلَابُ الْقَدَمَيْنِ إلَى الْوَحْشِيِّ وَالْخَيَلَانُ الْكَثِيرَةُ وَآثَارُ الشجاج والقروح والكي وسواد الاسنان وذهاب الاشار والكنف الْمُغَيِّرُ لِلْبَشَرَةِ وَكَوْنُ أَحَدِ ثَدْيَيْ الْجَارِيَةِ أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ وَالْحَفْرُ فِي الْأَسْنَانِ وَهُوَ تَرَاكُمُ الْوَسَخِ الْفَاحِشِ فِي أُصُولِهَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَحَدَ عَشَرَ الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ فِي فَصْلٍ فِي عُيُوبِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِأَبِي عَاصِمٍ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَلَوْ وَجَدَ الْجَارِيَةَ لَا تَحِيضُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 319)
________________________________________
وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ آيِسَةً فَلَا رَدَّ وَإِنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يَحِيضُ النِّسَاءُ فِي مِثْلِهِ غَالِبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَضَبَطَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِعِشْرِينَ سَنَةً وَلَوْ تَطَاوَلَ طُهْرُهَا وَجَاوَزَتْ الْعَادَاتِ الْغَالِبَةَ لِلنِّسَاءِ فَلَهُ الرَّدُّ هَكَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا انْقَطَعَ سَنَةً فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مَعْلُومَةٌ فَعَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَفِي عِبَارَةِ الرُّويَانِيِّ اعْتِبَارُ عَادَةِ الْبَلَدِ وَنَسَبَهُ إلَى النَّصِّ وَالْحَمْلُ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لَيْسَ بِعَيْبٍ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي اقْتَضَاهُ إيرَادُ الرَّافِعِيِّ هُنَا وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ عَيْبٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ إنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ فِي الصَّدَاقِ إنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ إنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا كَانَ فِي الْجَوَارِي زيادة من وجه ونقصان مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِطِيبِ اللَّحْمِ فِي الْمَأْكُولِ وَبِالْحَمْلِ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَفِي التَّنَاقُضِ بَيْنَ تَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ نَظَرٌ فَإِنَّ النَّظَرَ فِي الصَّدَاقِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ إلَى حُصُولِ غَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ فَوَاتِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ وَلَا نُقْصَانِ الْعَيْنِ كَمَا هُوَ الضَّابِطُ هَهُنَا فَقَدْ لَا يَكُونُ الْحَمْلُ فِي الْحَيَوَانَاتِ عَيْبًا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يُنْقِصُ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ الْقِيمَةِ وَيَكُونُ نَقْصًا فِي الصَّدَاقِ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ غَرَضٍ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ومن العيوب كون الدبة جَمُوحًا أَوْ عَضُوضًا أَوْ رَمُوحًا أَوْ حَثِيثَةَ الْمَشْيِ بِحَيْثُ يُخَافُ مِنْهَا السُّقُوطُ وَشُرْبُ الْبَهِيمَةِ لَبَنَ نَفْسِهَا وَقِلَّةُ أَكْلِ الدَّابَّةِ وَشَرَطَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْجَمُوحِ أَنْ لَا تَنْقَادَ إلَّا بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهَا
وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ في كلام القاضى حسين ما يفهمه القاضى حسين ولو كان ترهب من كل شئ تَرَاهُ فَلَهُ الرَّدُّ أَيْضًا وَقَالَ الْهَرَوِيُّ مِنْ عُيُوبِ الدَّوَابِّ الْحِرَانُ وَأَنْ يَكُونَ إذَا أُعْلِمَ قَبْلَ الرِّحَالِ وَهُوَ مَحَلٌّ وَمَنْ الْعُيُوبِ كَوْنُ الدَّارِ أَوْ الضَّيْعَةِ مَنْزِلَ الْجُنْدِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ هَذَا إذَا اخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ مَا حَوَالَيْهَا بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَا حَوْلَهَا مِنْ الدُّورِ بِمَثَابَتِهَا فَلَا رَدَّ وَكَوْنُهَا ثَقِيلَةَ الْخَرَاجِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَرَى أَصْلَ الْخَرَاجِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ وَتَفَاوُتَ الرَّغْبَةِ وَالْقِيمَةِ ونعنى بثقل الخراج كونه فرق الْمُعْتَادِ فِي أَمْثَالِهَا وَفِي وَجْهٍ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ لَا رَدَّ لِثِقَلِ الْخَرَاجِ وَلَا بِكَوْنِهَا مَنْزِلَ الْجُنْدِ وَأَلْحَقَ فِي التَّتِمَّةِ بِهَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مَا إذَا اشْتَرَى فَوَجَدَ بِقُرْبِهَا قَصَّارِينَ يؤذون بصوت الدق ويزعزعون الابنية أو ارضا فَوَجَدَ بِقُرْبِهَا خَنَازِيرَ تُفْسِدُ الزَّرْعَ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا فَوَجَدَهَا مَرْتَعَ الْخَنَازِيرِ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ قَالَ وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا يَتَوَهَّمُ أَنْ لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِثْلِهَا خَرَاجٌ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ عَلَى مِثْلِهَا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَا رَدَّ هَكَذَا فِي التَّتِمَّةِ وَالرَّافِعِيِّ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَهَذَا يَقْتَضِي تَفْسِيرَ الْخَرَاجِ بشئ غَيْرِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ان على الارض اجرة وظن ان الارش مِلْكُ الْبَائِعِ وَوَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ثُمَّ خَرَجَتْ بخلاف ذلك تخريج عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا لِأَجْلِ الْخَرَاجِ بَلْ لِخُرُوجِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لو شرط ان لا خراج عليها
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 320)
________________________________________
فبان عَلَيْهَا خَرَاجٌ فَلَهُ الرَّدُّ قَلَّ أَوْ كَثُرَ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ عَلَى أَمْثَالِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَبَانَ أَنَّهَا تُبِيرُ إذَا بَارَتْ رِجْلَةٌ وَيَضُرُّ بِالزَّرْعِ فَلَهُ الرَّدُّ إنْ قَلَّتْ الرَّغْبَةُ بِسَبَبِهِ وَمِنْ الْعُيُوبِ كَوْنُ الْمَاءِ مُسَخَّنًا عَلَى أَصَحِّ الوجهين ولو باع الظاهر مِنْ الْأَوَانِي بِالِاجْتِهَادِ لَزِمَهُ تَعْرِيفُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَلَوْ بَاعَ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ مَاءٍ فِي بِئْرٍ فَاسْتَقَى مِنْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ فَلَمَّا أَخْرَجَ الصَّاعَ الْأَخِيرَ وَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِهَا فَأُرِيقَ هَذَا النَّجَسُ وَقَالَ الْبَائِعُ اسْتَلَمَ الصَّاعَ مِنْ الْبَاقِي فِي الْبِئْرِ لِأَنَّهُ كُسِرَ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ كان له الفسخ لان هذا الماء نجسى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَتَعَافُهُ النَّفْسُ فَيَصِيرُ كَعَيْبٍ أَصَابَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّمَلُ تَحْتَ الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ مما يطلب لِلْبِنَاءِ وَالْأَحْجَارُ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُطْلَبُ لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي
ذَلِكَ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ وَمِنْ المعيوب نجاسة المبيع إذا كان ينقص بالغسل وطهور مَالِهِ يُوقِفُ الْمَبِيعَ وَعَلَيْهَا خُطُوطُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَيْسَ في الحال من يشهد بذلك عيب نقل ذَلِكَ عَنْ الْعُدَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَفَرَضَهُمَا فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُزَوَّرَةً وَنَقَلَهَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ وَعَنْ اخْتِيَارِ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ (قَالَ) الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى مُدَّعٍ يَعُولُ عَلَى دَعْوَاهُ وَفَقِيهًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَيْبٌ وَهَذَا إذَا سَبَقَتْ الدَّعْوَى الْبَيْعُ وان بعد البيع وقبل القبض
*
* (فَرْعٌ)
* قَالَ الْهَرَوِيُّ فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي الَّتِي اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الْبَحَّاثُونَ وَأَفْتَى بِهَا الْمُفْتُونَ التَّابِعُ فِي الْخَلْقِ وَتَغَيُّرُ الْأَظْفَارِ وَالْخُلْفُ هَذَا فِي الْعِنِّينِ وَالسُّعَالُ وَالصَّكَكُ وَهُوَ اصْطِكَاكُ الْقَدَمَيْنِ هَذَا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْكُوعُ وَهُوَ خُرُوجُ الْعُرْقُوبِ عَنْ الْقَدَمِ فِي الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ والفرع وهو يتوسط القدم والبقرة والشامات الاشامة بيضاء والغدد والعقد والكسف وهى دارة فِي قِصَاصِ النَّاصِيَةِ وَالْعُسُّ وَالْجَمَاجِمُ فِي غَيْرِ مواضعها والكشف في الحبل اكنواء في عسيب ذنبه والسلوم في الاسنان والسفاق فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْأَضْلَاعِ وَالْأَسْنَانِ وَجَرَمُ البسوق والاذن إذا اتسعت ثم خيطت والنمش والسمط وأثار جِلْدِ خُطُوطِ السِّيَاطِ وَأَكْلُ الطِّينِ هَذَا لِشَرِيكٍ القاضى وخضاب الشعر وتجعيده والوشوم والغنة في الصوت وهذا لحفص بن عياث والترس أَخْفَى مِنْ الْبَرَصِ وَاللِّوَاطُ وَالِابْنَةُ وَالْحَوَلُ وَالْفَدَعُ وَذَهَابُ الْأَشْفَارِ وَأَنْ لَا يَثْبُتَ عَامَّتُهَا حَدَثَ فِي زَمَانِ أَبِي عُمَرَ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ وأن يكون شتاما كذبا خانيا أسرات
*
* (فَرْعٌ)
* قَالَ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْمُقْتَضَبِ لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِحُدُودِهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَ حِيطَانِهَا لَيْسَ لَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَمَنْ جُمْلَتِهَا الْجِدَارُ الَّذِي تَبَيَّنَ أنه ليس لها وقال الصميرى لو اشترى عبدا فبان أنه أخ الْمُشْتَرِي أَوْ عَمُّهُ فَلَهُ الْخِيَارُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 321)
________________________________________
* لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَكَادُ تَطِيبُ بِاسْتِرْقَاقِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا مَعْنًى خَاصٌّ بِالْمُشْتَرِي وَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَبَانَتْ أُخْتَهُ مِنْ النَّسَبِ فَلَا خِيَارَ وَقَالَ ابن الصباغ لو كانت محرمة عليه في بنسب فلا خيار
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* وَإِنْ وَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يُرَدَّ لِأَنَّ بَوْلَ الصَّغِيرِ مُعْتَادٌ فَلَا يُعَدُّ عَيْبًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا رُدَّ لِأَنَّ ذَلِكَ عَاهَةٌ وَنَقْصٌ
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الطِّفْلُ وَالطِّفْلَةُ وَقَدَّرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِمَا دُونَ سَبْعِ سِنِينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يضبطوا ذلك بمقدار بل بأن لَا يَكُونُ مِثْلُهُ يَتَحَرَّزُ مِنْهُ كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ يَتَّخِذُهَا لِلْفِرَاشِ فَيَتَأَذَّى بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْعَبْدَ يُغْسَلُ الثِّيَابُ الَّتِي يَنَامُ فِيهَا وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَغْسِلُهَا وَيُنَظِّفُهَا وَهَذَا نَقْصٌ فِيهِ وَزَعَمَ الْفَارِقِيُّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لم يذكر العلة بتمامها وان كان متعادا مِنْ الصَّبِيِّ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْبًا وَتَمَامُ الْعِلَّةِ أَنْ يَقُولَ هُوَ مُعْتَادٌ مِنْ الصَّبِيِّ وَمَآلُهُ إلَى الزَّوَالِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الزَّائِلِ
* وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَكَانَ يَبُولُ فِي فِرَاشِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ كِبَرِ الْعَبْدِ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّ عِلَاجَهُ بَعْدَ الْكِبَرِ عَيْبٌ فَصَارَ كبره عنده كالعيب الحادث هكذا قال الرُّويَانِيُّ وَكَأَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَبِرَ إلَى سِنٍّ عَالِيَةٍ فَوْقَ كِبَرِهِ حَالَةَ الْمَبِيعِ بِحَيْثُ يَكُونُ عِلَاجُهُ أَصْعَبَ أَمَّا الْبَوْلُ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ سَوَاءٌ أَكَبِرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَكْبَرْ لَا رَدَّ بِهِ ولا أرش
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وَجَدَهُ خَصِيًّا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْأَعْضَاءِ وَهَذَا نَاقِصٌ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْخَصِيُّ الَّذِي نُزِعَتْ خُصْيَتَاهُ وَسُلَّتَا وَقِيلَ مَنْ قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ مَعَ جِلْدَتِهِمَا فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَضَى أَوْ مَقْطُوعًا فَيَكُونُ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ لِيَكُونَ أَصَرْحَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ هُوَ عَيْبٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ عِنْدَ الضَّابِطِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ زِيَادَةَ كَلَامٍ فِيهِ وَأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ لَا تَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ عَيْبًا فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا مطلقا فخرج فحلا لم يثبت الرد الرَّدُّ وَإِنْ خَرَجَ خَصِيًّا ثَبَتَ الرَّدُّ وَكَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ إذَا وَجَدَهَا خَصِيًّا ثَبَتَ الرَّدُّ قَالَهُ الجرجاني
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 322)
________________________________________
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وُجِدَ غيره مخنون فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ نَقْصًا فِي الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ كبيرا ثبت له الرد لانه يعد نقصا لانه يخلف عليه منه وان كانت جارة لَمْ تُرَدَّ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً لِأَنَّ خِتَانَهَا سَلِيمٌ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا كَمَا قَالَ وَضَبَطَ الرُّويَانِيُّ الصِّغَرَ هُنَا بِسَبْعِ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ نَقْصًا فِي الْعَبْدِ الْكَبِيرِ أَيْضًا وَوَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ بِهِ المتولي ان كان الكبير من سيى الْوَقْتِ مِنْ قَوْمٍ لَا يَخْتِنُونَ فَلَا خِيَارَ وَحَكَيَا فِي الْجَارِيَةِ وَجْهَيْنِ قَالَ قَالَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَلَا يُسْتَحَقُّ قَطْعُهَا فلان يثبت ههنا ويستحق إزَالَةَ هَذِهِ الْجِلْدَةِ أَوْلَى (وَالْجَوَابُ) عَمَّا قَالَاهُ أَنَّ الْأُصْبُعَ الزَّائِدَةَ وُجُودُهَا نَقْصٌ وَيُخْشَى مِنْ إزَالَتِهَا وَهِيَ خِلَافُ الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا يُقْطَعُ مِنْ الْجَارِيَةِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَهُ مَخْتُونًا فَلَا خِيَارَ سَوَاءٌ كان صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْخِتَانِ نَقْصٌ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ أَنَّهُ اقلف فان كَانَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ فَبَانَ مَخْتُونًا قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ فِيهِ غَرَضٌ بِأَنْ كَانَ الْغُلَامُ مَجُوسِيًّا أَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَجُوسَ يَرْغَبُونَ فِيهِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَلَا خِيَارَ
* وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا أَقْلَفَ فَخَتَنَهُ وَإِنْ قَلَّ الْمَوْضِعُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الْخِتَانَ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَيَحْتَاجُ الْمُتَوَلِّي إلَى فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ أَقْلَفُ فَخَرَجَ مَخْتُونًا حَيْثُ فَصَلَ ويمكن الفرق
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا مُغَنِّيَةً لَمْ تُرَدَّ لِأَنَّهُ لَا تَنْقُصُ بِهِ الْعَيْنُ وَلَا الْقِيمَةُ فَلَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ عَيْبًا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ لِأَنَّ الْغِنَاءَ حَرَامٌ وَذَلِكَ نَقْصٌ فِيهَا وَمَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمَهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالْمُحَرَّمُ فِعْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ فَلَيْسَتْ بِحِرَامٍ حَتَّى قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ فَكَانَتْ مُقْرِئَةً فَلَهُ الْخِيَارُ يَعْنِي لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي ذَلِكَ وَالْقِرَاءَةُ فَضِيلَةٌ لَكِنْ لَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فخرح فَحْلًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَنْقُصُ بِهِ الْعَيْنُ احْتِرَازٌ
مِنْ الْخِصَاءِ بِهِ وَحُكْمُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْأَمَةِ فَلَوْ وَجَدَهُ زَامِرًا أَوْ عَالِمًا بِالْمِعْزَفِ أَوْ الْعُودِ فَلَيْسَ لَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 323)
________________________________________
الرَّدُّ وَالسَّيِّدُ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ بِعَيْبٍ عندنا هو المشهور (وقال) الهروي في الاسراف وَإِذَا كَانَتْ مُغَنِّيَةً فَاخْتَلَفَ فِيهَا الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ من أصحابنا
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا أَوْ مُسِنَّةً لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الثُّيُوبَةَ وَالْكِبَرَ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمُ فَضِيلَةٍ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا هَذَا الْحُكْمَ وَقَالُوا إذَا لَمْ يَشْرِطْ بَكَارَتَهَا ولا ئبوبتها فَخَرَجَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطٌ وَلَا تَدْلِيسٌ وَلَا عُرْفٌ غَالِبٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ فِي سن يغلب فيه الاستمتاح بِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَكَانَ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهَا الْبَكَارَةَ فَخَرَجَتْ ثَيِّبًا ثَبَتَ الرَّدُّ وَمِمَّنْ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَأَشْعَرَ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَإِنَّهُ حَكَى الْإِطْلَاقَ ثُمَّ قَالَ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ مِثْلُهَا يَكُونُ بِكْرًا فِي الْعَادَةِ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا عَلَى خِلَافِ الْمَعْهُودِ (قَالَ) وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي (قُلْتُ) وَالْأَوْلَى أَنْ يَنْزِلَ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ عَلَى هَذَا وَلَا يَكُونُ في المسألة خلاف
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ وَجَدَ الْمَمْلُوكَ مُرْتَدًّا أَوْ وَثَنِيًّا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الرِّدَّةُ عَيْبٌ قَطْعًا فِي الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْكُفْرِ فَالْكِتَابِيُّ قَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَمَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ كَالتَّوَثُّنِ وَالتَّمَجُّسِ قِيلَ لَا رَدَّ لَا فِي الْعَبْدِ وَلَا فِي الْإِمَاءِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ وَجَدَ الْجَارِيَةَ مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ وَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدَ كَافِرًا أَصْلِيًّا أَيَّ كُفْرٍ كَانَ فَلَا رَدَّ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ بِحَيْثُ لَا تَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ تَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِي الْكَافِرِ وَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ فَلَهُ الرَّدُّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ إذَا
اشْتَرَى عَبْدًا مُطْلَقًا فَخَرَجَ كَافِرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَفَصَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الرَّدَّ بِالتَّوَثُّنِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ يَقْضِي أَنَّ الْعَبْدَ الْوَثَنِيَّ يُقْبَلُ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 324)
________________________________________
خِلَافُهُ وَمَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ صَاحِبَيْ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ يَخْرُجُ فِي الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ مُطْلَقًا وَهُوَ قول صاحب التتمة
(والثانى)
ان كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ يُرَدُّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ (وَالثَّالِثُ) يُرَدُّ إنْ كَانَ وَثَنِيًّا وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ يُوَافِقُ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ فِي الْمَجُوسِيِّ إنْ كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فُرِضَ أن قيمته تنقص بذلك وأما الجارية ما ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهَا يَتَعَيَّنُ لِنَقْصِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى امْتِنَاعِ وَطْئِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ كانت مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً وَالْكِتَابِيَّةُ سَيَأْتِي حُكْمُهَا وَالْمُرْتَدَّةُ لَا إشْكَالَ فِي كَوْنِهَا تُرَدُّ لِأَنَّهَا لَا تُفَرِّقُ وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الْجَارِيَةِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْكُفْرِ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ الْكَلَامَ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَخَرَجَ كَافِرًا وَنُقِلَ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَيْبٌ وَعَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا وَجْهًا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَفَصَّلَ هُوَ إنْ كَانَ الْإِسْلَامُ غَالِبًا فِي مَوْضِعِ الْعَبْدِ وَالْكُفْرُ مُنْقِصَ قِيمَتِهِ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِيمَانُ غَالِبًا فِي الْعَبِيدِ بَلْ كَانُوا مُنْقَسِمِينَ وَكَانَ الْكُفْرُ مُنْقِصًا لِلْقِيمَةِ فَهَذَا فِيهِ تَرَدُّدٌ وَظَاهِرُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَالظَّاهِرُ النَّقْلُ أَنَّهُ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكُفْرُ مُنْقِصًا وَالْعَادَاتُ مُضْطَرِبَةٌ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَقَالَ قَبْلَ بَابِ بَيْعِ حَبْلِ الْحُبْلَةِ إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ عَبْدًا فَخَرَجَ كَافِرًا إنْ اشْتَرَاهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَهُ رَدُّهُ فَإِنَّهُ نَادِرٌ فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ كَافِرًا فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يَخْرُجُ وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّ الْكُفْرَ عَيْبٌ مُطْلَقًا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التهذيب
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ وَجَدَهُ كِتَابِيًّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ كُفْرَهُ لا ينقص من عينه ولا من؟ منه)
*
** (الشَّرْحُ)
* هَذَا مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَمُخَالِفٌ لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيِّ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَقِيمَةُ الْكَافِرِ أَنْقَصُ فَيَثْبُتُ الرد أولا فَلَا فَرْقَ عِنْدَ صَاحِبَيْ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَقُولُ إنَّهُ لَا يُرَدُّ فِيهَا وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ يُطْرِدُ تَفْصِيلَهُ الْمَذْكُورَ فِيهَا وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ حَيْثُ لَا تَكُونُ الْقِيمَةُ تَنْقُصُ بِذَلِكَ فَإِنَّ تَعْلِيلَهُمْ يُرْشِدُ إلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ أَطْلَقَ الْكَلَامَ فِي الْكُفْرِ وَنَقَلَهُ عَنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 325)
________________________________________
عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَيْبٌ وَالْأَصَحُّ مَا نَقَلَهُ قَرِيبًا مِنْ بَابِ بَيْعِ حَبْلِ الْحُبْلَةِ هُوَ التفصيل الموافق لصاحب التهذيب هو قَدْ خَالَفَ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ إنَّهُ يَثْبُتُ الرَّدُّ بِالْكُفْرِ لِأَنَّهُ نَقْصٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْكُفْرَ نَقْصٌ فِي الدِّينِ وَالْبَيْعُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَكُفْرُ الْكِتَابِيِّ سَبَبٌ فِي تَكْثِيرِ مَالِيَّتِهِ لِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ وَكَثْرَةُ الطَّالِبِينَ تَقْتَضِي كَثْرَةَ الثَّمَنِ (قَالَ) الْفَارِقِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى فِي إعْتَاقِ الْكَافِرِ فِي الظِّهَارِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِسْلَامُ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَلَا يُفَرَّقُ بِالتَّغْلِيظِ لِمَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ الْكَافِرِ وَمَحَلُّ التَّكْفِيرِ وَهُوَ الرقبة واحدة فَيَسْتَوِي بَيْنَ الْكَفَّارَتَيْنِ فِيهِ كَمَا يَسْتَوِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي مَحَلِّ الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَالْحَيْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في مقداره
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا مُزَوَّجَةً أَوْ عَبْدًا فَوَجَدَهُ مُسْتَأْجَرًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَنَافِعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يُسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ فَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْمُزَوَّجَةَ يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ تَسْلِيمَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَفُوتُ عَلَى السَّيِّدِ مَنْفَعَتُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمُسْتَأْجَرُ مَنْفَعَتُهُ فَائِتَةٌ إلَى انْتِهَاءِ مُدَّةِ الاجارة وقد صح ان عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنه اشْتَرَى مِنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ جَارِيَةً فَأَخْبَرَ أن لها زوجا فردها وورد وفى سنن البيهقى فِي الْأَمَةِ تُبَاعُ وَلَهَا زَوْجٌ أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى أَنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ مِنْهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَفِي الْبَيَانِ حِكَايَةُ وَجْهٍ فِي التَّزْوِيجِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ لِنَقْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ
* وَلَوْ قَالَ زَوْجُهَا لَهَا إنْ بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالتَّزْوِيجِ هَلْ له الخيار فيه احتمالان
في البحر (أحدهما) نَعَمْ لِثُبُوتِ الْعَيْبِ وَجَوَازِ مَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ
(وَالثَّانِي)
لَا لعدم الضرر لان عدة الوفاة ان وجدت ثَبَتَ الْخِيَارُ بِهَا لِأَنَّهَا عَيْبٌ حَادِثٌ أَيْ مِنْ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يقع الرضى بِهِ وَحُكْمُ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ حُكْمُ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ يُرَدُّ بِهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ فِي الْأَمَةِ خَاصَّةً وَأَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنَّهُ إذَا كَانَ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَدَخَلَ بِهَا وَقُلْنَا الْمَهْرُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ الجاني ويجب تقييد اطلاق غيره بذلك وقال صاحب التهذيب ولو علم العبد ذات زَوْجٍ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرًا وَلَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ فَلَهُ الرَّدُّ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ لَهُ الرد
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 326)
________________________________________
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى شيأ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غُبِنَ فِي ثَمَنِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ منقد كان يخدع في البيع فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا بِعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلَكَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ خِيَارَ الْغَبْنِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ سَلِيمٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ تَدْلِيسٌ وَإِنَّمَا فَرَّطَ الْمُشْتَرِي فِي تَرْكِ الِاسْتِظْهَارِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الرَّدُّ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ فيكتفى بهما تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الذى كان يخدع منقد وَالِدُ حِبَّانَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ وَمَعْنَى لَا خِلَابَةَ لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ وَجَعَلَهَا الشَّرْعُ لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ إذَا قَالَهَا ثَبَتَ الْخِيَارُ صرح باشتراطه أولا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكَ الْخِيَارُ إعْلَامٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ (وَقَوْلُهُ) وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ خِيَارَ الْغَبْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْغَبْنِ لَبَيَّنَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَعُدَّ اشْتِرَاطَ خِيَارِ الثَّلَاثِ أَوْ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا بِقَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ وَقَدْ ورد انه خيار كان إذا اشتري فرجع به فيقبلوه ردده فانك قد غبت أو عسيت فَيَرْجِعُ إلَى بَيْعِهِ فَيَقُولُ خُذْ سِلْعَتَكَ وَرُدَّ دراهمي فيقول لافعل قَدْ رَضِيتَ فَذَهَبْتَ بِهِ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ فِيمَا يَبْتَاعُ ثَلَاثًا فَتُرَدُّ عَلَيْهِ دَرَاهِمُهُ وَيَأْخُذُ سِلْعَتَهُ فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ ثَابِتًا بِالْغَبْنِ لِكُلِّ أَحَدٍ
لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ خُصُوصِيَّةً بِذَلِكَ فَظَاهِرُ قَضِيَّةِ حِبَّانَ أَنَّهُ كان بالخيار ثلاثا سواء عين أو لم يعين وَهَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ أَوْ هُوَ ثَابِتٌ بِالشَّرْطِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَسَاقُ هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي حَكَيْتُهَا يُشْعِرُ بِالْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَوْ عَرَفَ الْبَائِعُ شَرْطَ الْخِيَارِ لَمْ يُخَالِفْهُ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ وَقِيلَ إنَّ ذلك بالشرط وهو عام له ولغيره وكيف ما كَانَ فَالدَّلَالَةُ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالْغَبْنِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَعْنَى ظَاهِرٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَبِيعَ لَا عَيْبَ فِيهِ وَلَا تَدْلِيسَ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَذَلِكَ فَانْتَفَى مُوجِبُ الْخِيَارِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْغَبْنِ سَوَاءٌ أَتَفَاحَشَ أَمْ لَا
* وَإِنْ اشْتَرَى زُجَاجَةً بِثَمَنٍ كَثِيرٍ وَهُوَ يَتَوَهَّمُهَا جَوْهَرَةً فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْغَبْنِ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ حَيْثُ لَمْ يُرَاجِعْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ كشراء الغائب ويجعل لرؤية الَّتِي لَا تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ وَلَا تَنْفِي الْغَرَرَ كَالْمَعْدُومَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْمَعِيبِ لِلنَّقْصِ لَا لِلْغَبْنِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَعَ العيب يساوى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 327)
________________________________________
أضعاف ثمنه لَهُ الرَّدُّ وَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِانْخِفَاضِ الْأَسْوَاقِ فلا ويخالف تلقى الركبان لان هناك وجد مِنْهُ تَغْرِيرٌ بِالْإِخْبَارِ عَنْ السِّعْرِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ وَلَا طَرِيقَ إلَى الِاسْتِكْشَافِ وَيُخَالِفُ الْغَبْنَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّ هُنَاكَ عَلَّقَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ وَالْمُخَالِفُ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ إنْ غُبِنَ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِالثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ هَكَذَا نَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَمْ يَجِدْ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَمَذْهَبُهُ إذَا خَرَجَ مِنْ تَغَابُنِ النَّاسِ فِي قَبِيلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ ثُمَّ أَصْحَابُنَا نَقَلُوا هَذَا مُطْلَقًا وَشَرْطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَكُونَا أَوْ أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَارِفٍ بِتَقَلُّبِ السِّعْرِ وَتَغَيُّرِهِ فِي عَقْدِهِ فَإِنْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ وَأَسْعَارِهَا فِي وَقْتِ الْبَيْعِ فَلَا خِيَارَ سواء كان الْغَبْنُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَمَّا أَحْمَدُ فَقَالَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْتَرْسِلًا غَيْرَ عَارِفٍ بِالْبَيْعِ وَإِذَا عَرَفَ لَا يَعْرِفُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْغَبْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ لَوْ تَأَمَّلَ فِيهِ لَعَرَفَ أَنَّ قِيمَتَهُ لَا تَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَأُطْلِقَ عَنْهُ النَّقْلُ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَأَنَّهُ إنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ رجع المغ؟ ون بِقَدْرِ الْغَبْنِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ غَبْنٌ لَا يَتَغَابَنُ
النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَاسِدٌ وَهَذَا النَّقْلُ عَنْهُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ الاول ونقل أصحابنا عن المالكية انهم استجوا بِحَدِيثِ لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ وَكَوْنُهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ بِالْغَبْنِ وَبِحَدِيثِ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَبِالْقِيَاسِ على الغبن البيع وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ لِلتَّغْرِيرِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ غَرَّهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَبْنِ بَلْ لِاقْتِضَاءِ الْبَيْعِ السَّلَامَةَ وَبِأَنَّ الْعَيْبَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَهُنَا لَا خِيَارَ إذَا حَدَثَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ اتِّفَاقًا بِأَنَّ الْعَيْبَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ هُنَا وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ وَإِطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَنْصِحْهُ الْمُسْتَرْسِلُ أَمَّا إذَا أَسَتَنْصَحُهُ فَيَجِبُ نُصْحُهُ وَيَصِيرُ غَبْنُهُ إذْ ذَاكَ خَدِيعَةً مُحَرَّمَةً هَكَذَا أَعْتَقِدُهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَالْمَنْقُولُ عن مذهبنا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 328)
________________________________________
ومذهب أبى حنيفة من القول يلزم الْعَقْدِ لَعَلَّهُ لَا يُنَافِي التَّحْرِيمَ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَنْصِحْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَالَ) ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ بَيْعٍ بَاعَهُ رَجُلٌ مِنْ مُسْتَرْسِلٍ وَاخْتَدَعَهُ فِيهِ أَوْ كذبه فالمشترى في ذلك بالخيار إذا تبين لَهُ ذَلِكَ
*
* (فَرْعٌ)
* فِيمَا نُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَيْبٌ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ لَا رَدَّ فِيهِ فَكَوْنُ الرَّقِيقِ رطن الكلام أو غليظ الصوت أو يسئ الْأَدَبَ أَوْ وَلَدَ زِنًا خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ وسواء أكان مجلوا أَوْ مُوَلَّدًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا بِكَوْنِهِ يقتل النفس أو بطئ الحركة أو فاسد الرأي أو حَجَّامًا أَوْ أَكُولًا أَوْ قَلِيلَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فِي قِلَّةِ الْأَكْلِ بِحَيْثُ تُرَدُّ وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِلَّةُ أَكْلِ الْعَبْدِ لِعِلَّةٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ كَافِيَةٌ فِي الرَّدِّ وَلَا بِكَوْنِ الْأَمَةِ عَقِيمًا وَكَوْنِ الْعَبْدِ عِنِّينًا وَعَنْ الصَّيْمَرِيِّ إثْبَاتُ الرَّدِّ بِالتَّعْنِينِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يَكُونُ الرَّقِيقُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تَكُونُ الْأَمَةُ أُخْتَهُ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَوْ الْمُصَاهَرَةِ كَابْنَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ مَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَاكَ عَامٌّ فَتَقِلُّ الرَّغْبَةُ وَهُنَا خَاصٌّ بِهِ وَفِي وَجْهٍ رَوَاهُ ابْنُ كَجٍّ يُلْحِقُ مَا نَحْنُ فِيهِ بِالْمُحَرِّمَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي مَوْطُوءَةِ لاب وَضَعَّفَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا بَانَ أَنَّ الْعَبْدَ أَخُو الْمُشْتَرِي أَوْ عَمُّهُ
وَقِيَاسُهُ بِغَيْرِ شَكٍّ أَنْ يَقُولَ هُنَا فِيمَا إذَا بَانَتْ أُخْتُهُ مِنْ النَّسَبِ بِالْخِيَارِ وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي الرَّضَاعِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَارِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُصَاهَرَةِ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا صَائِمَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ ضعيف ثمرة وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَاطِلٌ
* وَلَوْ وَجَدَ الْعَبْدَ فَاسِقًا قَالَ الرُّويَانِيُّ لَا خِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ذَلِكَ عند الكلام مع الحنيفية فِي الْكُفْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ مَا يُرَدُّ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُرْتَدًّا حَالَ الْعَقْدِ وَقَدْ تَابَ قَبْلَ الْعِلْمِ لَا يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ يَعْنِي فِي ارْتِفَاعِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُنْفَرُ عَنْهُ لِتَوَهُّمِ سُوءِ سَرِيرَتِهِ وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ فِي الْحَاوِي فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِي الْحَالِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ بِمَا لَيْسَ بِعَيْبٍ
* وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَبَانَ أَنَّ بَائِعَهُ بَاعَهُ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ أَوْ ولاية أو امالة حَاكِمٍ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ لِخَطَرِ فَسَادِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا رَدَّ
* وَلَوْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْبَائِعِ فَبَانَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 329)
________________________________________
أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَأَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ أَصْلَعَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلَا رَدَّ بِخِلَافِ الْأَقْرَعِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَنَّهُ لَا رَدَّ بكون الرقيق في ذمته مال وكذلك قال الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَهُ الرَّدُّ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَأَرَادَ بِالْعِرَاقِيِّينَ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ فَنَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ أَنَّهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا
* وَلَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا فَكُسِرَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَنَعَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْهُ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِمَّا يُرَدُّ بِهِ وَمَا لَا يُرَدُّ وَلَمْ أَذْكُرْ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا مَنْقُولًا وَلَا سَبِيلَ إلَى حُصُولِهَا وَفِي الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ كِفَايَةٌ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ أَنَّهُ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ غَيْرَ كَاتِبٍ أَوْ عَلَى أَنَّهُ يُحْسِنُ صَنْعَةً فَوَجَدَهُ لَا يُحْسِنُ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ أَنْقَصُ مِمَّا شَرَطَ فَجَازَ لَهُ الرَّدُّ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْفَصْلُ لِلسَّبَبِ الثَّالِثِ مِنْ أَسْبَابِ الْخِيَارِ وَهُوَ إخْلَافُ الظن بِالِالْتِزَامِ الشَّرْطِيِّ
وَالْغَزَالِيُّ يَرَى أَنَّهُ الْأَصْلُ لِلسَّبَبَيْنِ الماضيين وهما التغرير الفعلي والقضاء الغرى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَنَى الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مَعَ خُلْفِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَنَّاطِيَّ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ الْخُلْفَ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِذَا شَرَطَ أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ يُحْسِنُ صَنْعَةً فَخَرَجَ بِخِلَافِ ذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ أَنْقَصُ مِمَّا شَرَطَ أَيْ فَصَارَ كَالْمَعِيبِ الَّذِي يَخْرُجُ أنقض مِمَّا اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ وَلِهَذَا يُعَبِّرُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِيَارِ النَّقِيصَةِ فِي الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِالْأَمْثِلَةِ عَنْ الضَّابِطِ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ ضَابِطًا وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الصِّفَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا زِيَادَةٌ مَالِيَّةٌ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْخُلْفِ فِيهَا (الثَّانِي) مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ غَيْرُ الْمَالِ وَالْخُلْفُ فِيهَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وِفَاقًا أَوْ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَذَلِكَ تَحْتَ قُوَّةِ الْغَرَضِ وَضَعْفِهِ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْقِسْمِ (وَالثَّالِثُ) مَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَالِيَّةٌ وَلَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ فَاشْتِرَاطُهُ لَغْوٌ وَلَا خِيَارَ بِفَقْدِهِ وَأَجَادَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَجَعَلَهَا قِسْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ وَالْخُلْفُ فِيهِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وِفَاقًا أَوْ عَلَى خِلَافٍ (وَالثَّانِي) لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مقصود
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 330)
________________________________________
فَاشْتِرَاطُهُ لَغْوٌ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُ الْغَرَضُ دُونَ الْمَالِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ قَطْعًا وَيَفُوتُ الْمَالُ دُونَ الْغَرَضِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ كَمَا يَأْتِي فِي الْخَصِيِّ وَالْفَحْلِ فَالْمُعْتَبَرُ الْغَرَضُ وَبِفَوْتِهِ يَحْصُلُ الْوِفَاقُ وَبِضَعْفِهِ يَحْصُلُ الْخِلَافُ وَبِانْتِفَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ يُقْطَعُ بِعَدَمِ الْخِيَارِ وَمَسَائِلُ الْفَصْلِ مُنَزَّلَةٌ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ فَالْمِثَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَفُوتُ بِهِمَا مَالِيَّةٌ وَغَرَضٌ قوى وكسلك لَا خِلَافَ فِيهِمَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَيَكْفِي أَنْ يُوجَدَ مِنْ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَا يُشْتَرَطُ النِّهَايَةُ فِيهَا بَقِيَ شَرْطُ الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَكْفِي اسْمُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْسَنًا
* وَلَوْ شَرَطَ حُسْنَ الْخَطِّ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحْسَنٍ فِي الْعَادَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحْسَنًا فَلَا خِيَارَ لَهُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْكَلَامُ فِي كَوْنِ هَذَا الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْفَوْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَيْبِ سَوَاءٌ
* مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ بِشَرْطِ الْكِتَابَةِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ تَحَالَفَا
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَهُ فِي التهذيب
*
* (فَرْعٌ)
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ حَجَّامٌ فَأَخْلَفَ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي جُمْلَةِ الْحِرَفِ غَيْرِ الْحِجَامَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِهِ وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مَعَ فَوَاتِهَا مِنْ الْجِهَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَكَذَلِكَ شَرْطُ الْكِتَابَةِ قَدْ يُخْلَفُ وَيَكُونُ مُتَّصِفًا بِصِفَاتٍ تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ فَاتَ غَرَضٌ وَمَالِيَّةٌ عَلَى أَنِّي نَبَّهْتُ أَنَّ الْأَجْوَدَ اعْتِبَارُ قُوَّةِ الْغَرَضِ وَضَعْفِهِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمَالِ وَالْغَرَضُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِصِفَةٍ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ منها من جِهَةٍ أُخْرَى
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ فَحْلٌ فَوَجَدَهُ خَصِيًّا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْخَصِيَّ أَنْقَصُ مِنْ الْفَحْلِ فِي الْخِلْقَةِ وَالْبَطْشِ وَالْقُوَّةِ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فَوَجَدَهُ فَحْلًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْفَحْلَ دُونَ الْخَصِيِّ فِي الثَّمَنِ وَالدُّخُولِ إلَى الْحُرُمِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا خِلَافَ فِيهَا لِفَوَاتِ الغرض القوى وإن تأذت الْمَالِيَّةُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَضْعَافَ قِيمَةِ الْفَحْلِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثَّانِيَةُ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لَا رَدَّ فِيهَا لِأَنَّ الْفُحُولَةَ فَضِيلَةٌ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِفَوَاتِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 331)
________________________________________
الْمَالِ وَالْغَرَضِ جَمِيعًا وَجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا مَعَ فوات المال يدل ما قَدَّمْتُهُ مِنْ حُسْنِ عِبَارَةِ النَّوَوِيِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا تَفُوتُ بِهِ مَالِيَّةٌ نَقْطَعُ فِيهِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ بَلْ قَدْ يَفُوتُ الْمَالُ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ لَا يَفُوتُ الْمَالُ وَيَحْصُلُ الْوِفَاقُ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَرَى جَوَازَ دُخُولِ الْخَصِيِّ عَلَى الْحُرُمِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي النَّظَرِ إنَّ الْخَصِيَّ الَّذِي بَقِيَ ذَكَرُهُ وَالْمَجْبُوبُ الَّذِي بَقِيَ أُنْثَيَاهُ كَالْفَحْلِ وَفِي الْمَمْسُوحِ (وَجْهَانِ) الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ كَالْمَحْرَمِ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْفَحْلَ دُونَ الْخَصِيِّ فِي الدُّخُولِ عَلَى الْحُرُمِ وَإِلَّا فَهُوَ أَضْعَفُ فِي الْعَمَلِ فَإِنْ كان المصنف اطلق الحصى عَلَى الْمَمْسُوحِ اسْتَمَرَّ كَلَامُهُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ أَطْلَقَ هَذَا الْحُكْمَ وَإِلَّا
فَمَتَى شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَبَانَ فَحْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَرَضٌ (وَالظَّاهِرُ) أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْأَصْحَابَ هُنَا إنَّمَا أَرَادُوا بِالْخَصِيِّ هُنَا الْمَمْسُوحَ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَثِيرًا
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَوَجَدَهُ كَافِرًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْكَافِرَ دُونَ الْمُسْلِمِ فِي الدِّينِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهَا لِفَوَاتِ الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ الْقَوِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْمَالِيَّةُ قَدْ لَا تَفُوتُ بَلْ تَكُونُ أَكْثَرَ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ فَحْلٌ فَخَرَجَ خَصِيًّا وَكَذَا لَوْ شَرَطَ تَهَوُّدَ الْجَارِيَةِ أَوْ تَنَصُّرَهَا فَبَانَتْ مَجُوسِيَّةً قاله المتولي وَالرَّافِعِيُّ
* لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَجُوسِيٌّ فَكَانَ يَهُودِيًّا قَالَ الرُّويَانِيُّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ فِي الْعَادَةِ لَا خيار وان كانت تنقص بأن كانت الغالب المجوس في تلك الناحية ثبت الْخِيَارُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَلَا فَرْقَ في هذا الفصل بين العبد والامة
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَفْضَلُ مِنْ الْكَافِرِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَفْضَلُ فِي الدِّينِ إلَّا أَنَّ الْكَافِرَ أَكْثَرُ ثَمَنًا لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ لَا يَشْتَرِيهِ الْكَافِرُ)
*
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 332)
________________________________________
(الشَّرْحُ) الْمَذْهَبُ ثُبُوتُ الرَّدِّ فِي ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لَا لِنَقِيصَةٍ ظَهَرَتْ وَلَكِنْ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ التِّجَارَةَ وَمَالِيَّةُ الْكَافِرِ أَكْثَرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ وَافَقَ الْمُزَنِيَّ فِي ذَلِكَ وَرَأَى مَذْهَبَهُ قَوْلًا مُخَرَّجًا مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى ذَلِكَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَهُنَاكَ تَكَلَّمَ الْمُزَنِيّ عَلَيْهَا فِي الْمُخْتَصَرِ
* وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ مُسْلِمَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ مُسْلِمَةٌ لَا خِيَارَ وَإِذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَإِذَا هِيَ نَصْرَانِيَّةٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَفِي الْمُسْلِمَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ
أَوْ فِي نَاحِيَةٍ أَغْلَبُ أَهْلِهَا الذِّمِّيُّونَ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَحُمِلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ الْأَوْجُهَ الثلاثة في كساب النكاح وذكر الامام في الانتصار لقول المزني أَنَّ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ تَزِيدُ مِنْ وَجْهِ رَغْبَةِ الْكُفَّارِ فَتِلْكَ رَغْبَةٌ بَاطِلَةٌ مُسْتَنَدُهَا الْكُفْرُ وتحسينه واعتقاده كَوْنِهِ حَقًّا فَيَكَادُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِمَثَابَةِ ثَمَنِ الْخَمْرِ قَالَ الْإِمَامُ وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لَوْ أَتْلَفَ فَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَتَهُ اعْتِبَارًا بِمَا بَطَلَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَشْتَرِي بِهِ الْمُسْلِمُ وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ وَمَنْ يُوَافِقُهُ إلَى أَنَّ الزَّائِدَ لَا يَضْمَنُ لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَهُوَ بِمَثَابَةِ ازْدِيَادِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ بِأَنْ تُعْتَبَرَ عَوَّادَةً فَلَا يَكَادُ يَخْفَى أَنَّ الْقِيمَةَ تَزْدَادُ فِي الْمُغَنِّيَةِ فِي الْعَادَةِ ضِعْفَ مَا تَكُونُ الْجَارِيَةُ النَّاسِكَةُ وَمَنْ اشْتَرَاهَا لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِهَا وَلَكِنْ لَوْ أُتْلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ مُتْلِفُهَا إلا قيمة مثلها وكانت لا تحسنى الْغِنَاءَ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ فِي كِتَابِ الْمِنْهَاجِ مَعَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ اسْتَبْعَدَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ المزني واخبار الْوَجْهَ الثَّالِثَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ لِقَوْلِ الْمُزَنِيِّ جَوَابُهُ أَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ الْكَافِرِ لَيْسَتْ لِلرَّغْبَةِ فِي كُفْرِهِ بَلْ لِكَثْرَةِ طُلَّابِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَتَمَكَّنُ الْكَافِرُ مِنْ شِرَائِهِ
* ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ هُنَا إنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْكَافِرُ أَكْثَرَ قِيمَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَخُلْفُ الشَّرْطِ فِيهِ بِمَثَابَةِ خُلْفِ الشَّرْطِ فِي الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالْجُودَةِ وَالتَّوَسُّطِ وَهَذَا كَأَنَّهُ قَالَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِلْمَسْأَلَةِ وَجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا
*
* (فَرْعٌ)
* هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِمَّا يَشْهَدُ لِرُجْحَانِ عِبَارَةِ النَّوَوِيِّ عَلَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا مَعَ فَوَاتِ الْغَرَضِ الْمُعَلَّقِ بِزِيَادَةِ مَالِيَّتِهِ وَوَجْهُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا ضَعْفُ الْغَرَضِ عِنْدَ الْمُزَنِيِّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 333)
________________________________________
وَانْغِمَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَلَامُ وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْرُبُ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فوجده فحلا والمخالف هناك أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَبَّادِيُّ يُوَافِقُ الْمُزَنِيَّ هُنَا وَالْمُزَنِيُّ يُوَافِقُهُ هُنَاكَ وَيُحْتَمَلُ أن لا يَكُونَ كَذَلِكَ وَيُفَرِّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا (أَمَّا) الْعَبَّادِيُّ فَإِنَّ الْخِصَاءَ عَيْبٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَفَوَاتُهُ كَمَالٌ وَالْكُفْرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يُرَدُّ بِهِ (وَأَمَّا) المزني فلان فضية الاسلام عظيمة لا يوازنها شئ فيجبر ما فات من الغرض المالى اليسير بخلاف الفحولة فان الغرض فيها وفى الخصاء متقاربان
فيتسع مَا شَرَطَهُ
*
* (فَرْعٌ)
* الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ النِّكَاحَ بَعِيدٌ عَنْ قَبُولِ الْخِيَارِ وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ
* وَلَنَا قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاعْتِمَادِ الصِّفَاتِ فَتَنْتَفِي الْمَسْأَلَةُ
*
* (فَرْعٌ)
* صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا وَالْبَائِعُ مُسْلِمًا فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَافِرًا اكْتَفَتْ عَلَى شِرَاءِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ (وَالْأَصَحُّ) فَسَادُهُ
* وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا فَفِي رَدِّ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ خِلَافٌ (الاصح) جوازه فيأتى فيه أيضا
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الثَّيِّبَ دُونَ الْبِكْرِ)
*
* (الشَّرْحُ) هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِفَوَاتِ الْغَرَضِ وَنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ وَهِيَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِشَرْطِ الْكِتَابَةِ وَحُسْنِ الصَّنْعَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِهَذَا الشَّرْطِ مُزَوَّجَةً أَوْ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَعَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ أَنَّ أبا اسحق قَالَ لَا خِيَارَ إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَالِافْتِضَاضُ مُسْتَحَقٌّ لِلزَّوْجِ وَلَا غَرَضَ لِلْمُشْتَرِي فِي بَكَارَتِهَا (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يُطَلِّقُهَا أَوْ يَمُوتُ فَيَحْصُلُ لَهُ ذلك
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَاهَا على أنها ثيت فَوَجَدَهَا بِكْرًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْبِكْرَ أَفْضَلُ مِنْ الثَّيِّبِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ضعيفا لا يظيق وطئ الْبِكْرِ فَكَانَتْ الثَّيِّبُ أَحَبَّ إلَيْهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا عِنْدَهُ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ وَالْبِكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الثَّيِّبِ فِي الثَّمَنِ)
*
* (الشَّرْحُ) الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مُسْتَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْفَائِتُ فِيهَا الْغَرَضُ دُونَ الْمَالِيَّةِ فَهِيَ تُشَارِكُ فِي ذَلِكَ شَرْطَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 334)
________________________________________
الْفُحُولَةِ وَالْإِسْلَامِ لَكِنْ فِي تَيْنِكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْخُلْفَ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ لِقُوَّةِ الْغَرَضِ وَهَهُنَا الْغَرَضُ
ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِهِ وَلَيْسَ بِعَامٍّ وَكَانَ شَرْطُهُ السُّبُوطَةَ فِي الشَّعْرِ أَوْ الْبَيَاضَ فَيَخْرُجُ جَعْدًا أَوْ أَسْوَدَ فِي كُلٍّ منهما خلاف كمسألتنا هذه - الصحيح أَنَّهُ لَا رَدَّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ - كَمَا لو شرط الْعَبْدِ أُمِّيًّا فَبَانَ كَاتِبًا أَوْ كَوْنَهُ فَاسِقًا فبان عفيفا
* ولو شرط الجعود أو السواد فَبَانَ سَبْطًا أَوْ أَبْيَضَ فَثَبَتَ الْخِيَارُ وَجْهًا واحدا
* ولو شرط البكارة فبانت ثَيِّبًا وَإِنْ اسْتَنْكَرَتْ اشْتِرَاطَ الْجُعُودِ وَغَيْرِهَا فِي الشَّعْرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّعْرَ يَجِبُ رُؤْيَتُهُ (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَدْ جَعُدَ شَعْرُهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا سَبْطَةٌ وَلَوْ أَنَّهُ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ عَدْلٌ فَبَانَ فَاسِقًا ثَبَتَ الْخِيَارُ وَعَكْسُهُ لَا خِيَارَ بِلَا خِلَافٍ قاله الرويانى
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ مَخْتُونًا فَبَانَ أَقْلَفَ فَلَهُ الرَّدُّ وَبِالْعَكْسِ لَا رَدَّ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجُوسِيًّا وَهُنَاكَ مَجُوسٌ يَشْتَرُونَ الْأَقْلَفَ بِزِيَادَةٍ فَلَهُ الرَّدُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وَسُؤَالٌ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ أَحْمَقَ أَوْ نَاقِصَ الْخِلْقَةِ فَهُوَ لَغْوٌ وَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ الَّذِي لَا مَالِيَّةَ فيه ولا غرض مقصود
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا ظَهَرَ الْخُلْفُ فِي الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسْخُ الْعَقْدِ بِهَلَاكٍ أَوْ حُدُوثِ عَيْبٍ فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تقدم قاله صاحب التتمة
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ بَاعَهُ حَيَوَانًا عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَوَجَدَهُ حِمَارًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ حِمَارٌ فَوَجَدَهُ بَغْلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ مَوْجُودَةٌ فَصَحَّ الْبَيْعُ وَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ عَلَى مَا شَرَطَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ وقع على جنس فلا ينعقد على جِنْسٍ آخَرَ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ كَانَتْ فِي الصِّفَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَبَدُّلَ الصِّفَةِ وَالْخُلْفِ أسهل بن ذَلِكَ فِي الْجِنْسِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا اشْتِرَاطُ الْجِنْسِ وَمَثَّلَ بِالْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَهُ أَعْلَى مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي شَرَطَهُ أَوْ دُونَهُ وَفِيهَا جَمِيعًا وَجْهَانِ وَقَدْ حَكَيْتُهَا وَأَطْلَقْتُ الْكَلَامَ فِيهَا فِي بَابِ الرِّبَا فِي الصَّرْفِ الْعَيْنِ (وَالْمَذْهَبُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْبُطْلَانُ - وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مَحْكِيٌّ عَنْ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ
* وَلَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ فَبَانَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ فِي الزَّوَائِدِ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْعَقِدُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الرِّبَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْبُطْلَانُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِيمَا
إذَا قَالَ بِعْتُكَ فَرَسِي هَذَا وَهُوَ بَغْلٌ أَنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَهُوَ يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا وَكَذَلِكَ قَالَ عَنْ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ هَذَا الْغُلَامَ وَأَشَارَ إلَى ابْنَتِهِ صَحَّ النِّكَاحُ
* وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا عَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 335)
________________________________________
أَنَّهُ تُرْكِيٌّ فَإِذَا هُوَ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَهُوَ مِنْ اخْتِلَافِ الْوَصْفِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ
* إذَا عَرَفَ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِالْبُطْلَانِ فَلَا كَلَامَ (وَإِنْ قُلْنَا) الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَثَبَتَ الْخِيَارُ فَقَدْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ أَجْوَدَ أَمْ أَرْدَأَ كَمَا نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِالْمِثَالَيْنِ عَلَيْهِ
* وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ إذَا خَرَجَ أَجْوَدُ يَكُونُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ الْقَوْلَ هَذَا عَلَى الاجناس والصفات
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ تِسْعَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ في العقد عن أَنْ تَسْلَمَ لَهُ الْعَشَرَةُ وَلَمْ تَسْلَمْ لَهُ فثبت له الخيار كما لو وجد بالبيع عَيْبًا وَإِنْ وَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ بِالثَّمَنِ وَيُجْبَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ كَمَا أَجْبَرْنَا الْبَائِعَ إذَا كَانَ دُونَ الْعَشَرَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا زَادَ عَلَى عَشْرَةٍ وَلَا إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى الرِّضَا بِمَا دُونَ الثَّوْبِ وَالْمِسَاحَةِ مِنْ الارض لانه لم يرض بالشركة والتبعيض فوجد أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ فَإِنْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ فَوَجَدَهَا دُونَ الْمِائَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا شَرَطَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى الْأَجْزَاءِ لِتُسَاوِيهَا فِي الْقِيمَةِ وَيُخَالِفُ الثَّوْبَ وَالْأَرْضَ لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى أَجْزَائِهَا لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ كَمْ قيمة الذراع الناقصة لو كانت موجودة لتسقطها مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ وَجَدَ الصُّبْرَةَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ قَفِيزٍ أَخَذَ الْمِائَةَ بِالثَّمَنِ وَتَرَكَ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الذِّرَاعُ فِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَقَالَ) سِيبَوَيْهِ الذِّرَاعُ مُؤَنَّثَةٌ فَعَلَى لُغَةِ التَّذْكِيرِ جَاءَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ تِسْعَةً وَعَلَى لُغَةِ التَّأْنِيثِ عَشْرُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ تِسْعًا
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي خُلْفِ الشَّرْطِ فِي الصِّفَةِ وَالْجِنْسِ وَالْكَلَامُ
الْآنَ فِي الْمِقْدَارِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ قِسْمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يَكُونُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى الْمَبِيعِ فِيهِ بِالْقِيمَةِ
(وَالثَّانِي)
مَا يَكُونُ بِالْأَجْزَاءِ وَقَسَّمَ كُلًّا مِنْ الْقِسْمَيْنِ إلَى مَا يَحْصُلُ الْخُلْفُ فِيهِ بِالنُّقْصَانِ وَإِلَى مَا يَحْصُلُ بِالزِّيَادَةِ فَهِيَ أَرْبَعُ مَسَائِلَ وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي ذَلِكَ تَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَفِكْرٍ
* وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَذْكُرُ طَرِيقَهُمْ وَطَرِيقَ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أُبَيِّنُ وَجْهَ الْإِشْكَالِ ثُمَّ أُرْدِفُهُ بِمَا يُيَسِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى (الطَّرِيقَةُ الْأُولَى) الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَالْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْمِثْلِيِّ فِي الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ خَاصَّةً بِلَا خِيَارٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 336)
________________________________________
وَالتَّرَدُّدُ فِي الزِّيَادَةِ فِي حَالَةِ الْمُتَقَوِّمِ هَلْ يَصِحُّ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ يَبْطُلُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي آخِرِ بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَفَرَضَهَا فِي الثَّوْبِ خَاصَّةً وَصَحَّحَهَا الشَّاشِيُّ وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الصِّحَّةُ فِي الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْمِثْلِيِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا
* وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَجَازَ يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَفِي التَّعْلِيقِ وَافَقَ ذَلِكَ وَفِي الْمُجَرَّدِ قَالَ يَجِبُ بِالْقِسْطِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهَا إلَّا فِي الثَّوْبِ خَاصَّةً
* قَالَ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ عَشْرُ أَذْرُعٍ فَخَرَجَ تِسْعًا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي أَنْ يُمْسِكَ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّ لو خرج أحد عشر فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ هَهُنَا قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ وَهَذَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ عَشْرُ أَذْرُعٍ وَأَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُكَ عَلَى أَنَّهُ عَشْرُ أَذْرُعٍ فَخَرَجَ تِسْعًا أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَخَرَجَتْ ثَيِّبًا هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَعْلِيقَتِهِ الَّتِي عِنْدِي بِخَطِّ مُسْلِمٍ الدَّارِيِّ تِلْمِيذِهِ مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي التَّجْرِيدِ لِلْمَحَامِلِيِّ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَالتَّجْرِيدُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْلِيقَةِ الْبَنْدَنِيجِيِّ عَنْهُ
* (الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ)
* طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فِي بَابِ الرِّبَا والشيخ أبو محمد والامام والغزالي وَالرَّافِعِيُّ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي حَالَتَيْ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَفَرَضَهَا الْإِمَامُ فِي الْأَرْضِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الصُّبْرَةِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الصُّبْرَةِ أَيْضًا وَالرَّافِعِيُّ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَيُقَالُ بهذه المسألة ما إذا باع الثوب على أَنَّهُ عَشْرُ أَذْرُعٍ أَوْ الْقَطِيعُ عَلَى أَنَّهُ عِشْرُونَ شَاةً أَوْ
الصُّبْرَةُ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ صاعا وحصل نقص أو زيادة ومعهم مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَأَكْثَرُهُمْ يَحْكِيهِ قَوْلَيْنِ (وَأَظْهَرُهُمَا) عِنْدَهُمْ الصِّحَّةُ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ وَتَنْزِيلًا لِخُلْفِ الشَّرْطُ فِي الْمِقْدَارِ مَنْزِلَةَ خُلْفِهِ فِي الصِّفَاتِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ هذه الارض أن لا يكون غيرها معيبا وَقَضِيَّةُ الشَّرْطِ أَنْ تَدْخُلَ الزِّيَادَةُ فِي الْبَيْعِ فَوَقَعَ التَّضَادُّ وَتَعَذَّرَ التَّصْحِيحُ فَعَلَى طَرِيقَةِ هَؤُلَاءِ (إنْ قُلْنَا) بِالْبُطْلَانِ فَذَاكَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَفِي حَالَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا أَجَازَ فَهَلْ يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِالْقِسْطِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) هُنَا الْأَوَّلُ بِخِلَافِ نظائره من تفريق الصفقة وفى حالة الزِّيَادَةِ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الصُّبْرَةِ هَلْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَاقْتِضَاءُ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ التسوية بين الارض وبينهما لَكِنْ فِي كَوْنِ الزِّيَادَةِ لِلْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الارض والثوب أشكال لابهام الْمَبِيعِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يَدْفَعُ هذا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 337)
________________________________________
إلاشكال وينبغى أنه يُحْمَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِذَا قُلْنَا الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ إنْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ به فهل للمشترى خيا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْمُشَارُ إلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ شَرَطَ عَشْرَةً وَقَدْ سَلِمَتْ لَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصُّبْرَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ غَيْرَ هَذَا وَهَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ فِيهَا ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ فَإِذَا أَجَازَ كَانَتْ كُلُّهَا لِلْمُشْتَرِي ويطالبه للزيادة بشئ
(وَالثَّانِي)
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَنْزِلُ شَرْطُهُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ كَوْنِ الْمَبِيعِ جِيَفًا فَيَخْرُجُ سَلِيمًا لَا خِيَارَ لَهُ فَإِذَا قُلْنَا بالصحيح فقال المشترى لا يفسخ فأنا أقنع بالقدر المشروط شائعا ولك الزياة فَقَدْ حَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ وَجْهَيْنِ (أَظْهَرُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وَرَجَّحَ ابْنُ سُرَيْجٍ السُّقُوطَ فِي جَوَابَاتِ الْجَامِعِ الصغير لمحمد وَلَوْ قَالَ لَا تَفْسَخْ حَتَّى أَزِيدَكَ فِي الثَّمَنِ لِمَا زَادَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ خِيَارُ الْبَائِعِ بِلَا خِلَافٍ هَذَا تَهْذِيبُ الطُّرُقِ الْمَنْقُولَةِ
* وَأَمَّا بَيَانُ الْإِشْكَالِ وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ الطُّرُقِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّمَاتٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ يُتَجَاوَزُ بِهَا أَرْبَعَةُ أُصُولٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ
كَلَامِ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (أَحَدُهَا) خُلْفُ شَرْطِ جِنْسِ الْمَبِيعِ وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ
(وَالثَّانِي)
خُلْفُ شَرْطِ الْوَصْفِ فِيهِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى الْقَوْلِ الْقَرِيبِ الَّذِي حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ (وَالثَّالِثُ) خُلْفُ شَرْطِ الصِّفَةِ فِي النِّكَاحِ وَفِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالرَّابِعُ) تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مِنْ جِهَةِ إلْحَاقِ الْقَدْرِ بِالْجُزْءِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ (الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْغَرَضَ الْمُتَعَلِّقَ بِجِنْسِ الْمَبِيعِ قَوِيٌّ جِدًّا فَإِنَّ الْجِنْسَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَقَادِيرُ وَالْأَوْصَافُ تَطْرَأُ عَلَيْهِ وَتَزُولُ فَإِذَا أَخْلَفَ فَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ لِفَوَاتِ مَوْرِدِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى العبارة فقط بل لمجموع الاشارة والعبارة ودلالتها عَلَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَالتَّعْلِيلُ الْآخَرُ يَنْظُرُ إلَى الْإِشَارَةِ وَحْدَهَا وَيُلْغِي الْعِبَارَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ
* وَأَمَّا الْوَصْفُ فِي الْمَبِيعِ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا وَلَكِنَّهُ قَدْ يُطْرَحُ وَيُغْتَفَرُ وَمَوْرِدُ الْعَقْدِ هُوَ الْجِنْسُ الْمُعَيَّنُ فَلِذَلِكَ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَصْفِ لَمْ يَبْطُلْ الْمَبِيعُ
* وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَالْغَرَضُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْوَصْفِ وأقل من الجنس فهو متردد بينهما ولو شَبَهٌ بِالْجُزْءِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ موردا للعقد بخلاف الوصف وله شبه بالوصف فِي النِّكَاحِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ فِي الْمَنْكُوحَةِ الْأَوْصَافُ (الثَّالِثَةُ) قَدْ عَرَفْتَ بِهَذِهِ المقدمة الثانية
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 338)
________________________________________
انْحِطَاطَ الْغَرَضِ فِي الْمِقْدَارِ عَنْ الْجِنْسِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ تِلْكَ ثُمَّ إنْ أَلْحَقْنَا الْمِقْدَارَ بِالْوَصْفِ فِي الْمَبِيعِ اقْتَضَى الصِّحَّةَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَأَنَّهُ عِنْدَ ظُهُورِ الزِّيَادَةِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ كما قاله صاحب التهذيب وان ألحقنا بِالْوَصْفِ فِي النِّكَاحِ وَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَأَنْ يَصِحَّ حَالَةَ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ قَطَعُوا بِالصِّحَّةِ حَالَةَ النُّقْصَانِ وَقَطَعُوا فِي زِيَادَةِ الْمِثْلِيِّ بِالصِّحَّةِ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ وَتَرَدَّدُوا فِي زِيَادَةِ الْمُتَقَوِّمِ وَهَذَا السُّؤَالُ كَمَا أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْعِرَاقِيِّينَ هُوَ وَارِدٌ عَلَى الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهَا لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ الْوَصْفَ لَيْسَ هَكَذَا بَلْ إذَا خَرَجَ زَائِدًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي قَطْعًا بِغَيْرِ خِيَارٍ فَمَا مَشَى عَلَى جَعْلِهِ كَالْوَصْفِ مِنْ كُلِّ وجه الاصاحب التَّهْذِيبِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ النُّقْصَانِ إنَّهُ إذَا أَجَازَ فِي الْمِثْلِيِّ يُجِيزُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَمَا أَظُنُّهُ يَقُولُ بِهِ وَإِنْ أَلْحَقْنَا الْمِقْدَارَ بِالْجُزْءِ فَفِي حَالِ النُّقْصَانِ قَدْ اقتضى الشرط ادخل شئ مَعَ الْمَوْجُودِ فِي الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ مَوْجُودًا وَمَعْدُومًا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَيَنْبَغِي عَلَى
هَذَا الْبُطْلَانِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ يَبْطُلُ فَإِنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُعْرَفُ فَيَمْنَعُهُ وَفِي حَالِ الزِّيَادَةِ وَالْإِشَارَةُ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ وَالْعِبَارَةُ فِي الشُّرُوطِ مُخْرِجَةٌ لِلزَّائِدِ فَيَبْطُلُ فِيهِ - وَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تفريق الصفقة وينيغى عَلَى هَذَا أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيِّ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْمُتَقَوِّمِ يَبْطُلُ الْإِبْهَامُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُمَيَّزٍ وَلَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ وَهَذَا أَيْضًا وَارِدٌ عَلَى الْعِرَاقِيِّينَ - أَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ فَظَاهِرُ لَفْظِهِمْ بِالصِّحَّةِ في الصور الثلاثة وَتَصْحِيحُهُمْ الصِّحَّةَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ - وَأَمَّا الْخُرَاسَانِيُّونَ فلانهم يصححون الصحة في الجميع مع اجرا الْخِلَافِ
* وَقَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأُصُولَ الْمَذْكُورَةَ إنَّ خُلْفَ الْمِقْدَارِ فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى بِالْخِلَافِ مِنْ خُلْفِ الصِّفَاتِ فِي النِّكَاحِ (قَالَ) وَالْبَيْعُ أَقْبَلُ لِلْفَسَادِ بِالشَّرْطِ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّرْتِيبُ بَعْدَ تَمْهِيدِ مَا ذَكَرْنَاهُ تَرْتِيبُ مَسْأَلَتِنَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الصَّفْقَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَإِنْ رَتَّبْنَاهَا عَلَى خُلْفِ الصِّفَاتِ فِي النِّكَاحِ فَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِالْفَسَادِ قَالَ وَاَلَّذِي بِهِ الْفَتْوَى صِحَّةُ الْبَيْعِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَأَمَّا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فَإِنَّهُ اخْتَارَ فِي حَالِ الزِّيَادَةِ التَّخْرِيجَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي حَالَةِ النُّقْصَانِ التَّخْرِيجَ عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ لَا يَصِحُّ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ قَطْعًا وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي عَلَى الْأَصَحِّ وَهَذَا سَيَأْتِي لَهُ فِي الصبرة وهي التى تكلم فيه أَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَلَا يَأْتِي عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ الْآنَ فَسَادُهُ كَمَا تَقَدَّمَ - وَأَمَّا تَخْرِيجُهُ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ فَالْإِشَارَةُ وَالْعِبَارَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي الْجِنْسِ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ وَكَانَتْ بَقَرَةً الْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ وَالْفُتْيَا هُنَا على خلافه
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 339)
________________________________________
وَفِي النِّكَاحِ إذَا قَالَ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ عَائِشَةَ فَكَانَتْ فَاطِمَةَ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ لَكِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَصِحَّ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَحَكَمُوا بِأَنَّ الْمَسَّاحَةَ إذَا نَقَصَتْ عَنْ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ صَحَّ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ زَادَتْ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ النقصان والزيادة وطرد صاحب التقريب وسيجئ الْقَوْلَانِ فِي الصُّورَتَيْنِ (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ طَرِيقَةٌ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ فِي الصِّيغَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالشَّرْطِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الاشكال في هذه المسألة وتلخيصه في ثلاث إشْكَالَاتٍ (أَحَدُهَا) عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي فَرْقِهِمْ بَيْنَ النُّقْصَانِ
وَالزِّيَادَةِ وَهُوَ سُؤَالُ الْإِمَامِ وَفِي فَرْقِهِمْ فِي الزِّيَادَةِ بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ (الثَّانِي) عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي فَرْقِهِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ إنَّهَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فَيُجْرَى الْقَوْلَانِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الصيغة شرطا فينبغي الخلاف فيها أولا فلا ينبغى الخلاف فيهما (الثَّالِثُ) عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْإِمَامِ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ زِيَادَةُ الصُّبْرَةِ تَكُونُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْبَائِعِ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَبَعْضِهِمْ إنَّهَا لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَعَلَى الْإِمَامِ أَعْظَمُ حَيْثُ اخْتَارَ التَّخْرِيجَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ اخْتَارَ الْفَتْوَى بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ التَّخْرِيجَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُقْتَضَى خِلَافَ ذَلِكَ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبُ سَالِمٌ مِنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ لَكِنَّ قَوْلَهُ مُخَالِفٌ لِلْأَكْثَرِينَ
* إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ إذَا اشترى صبرة على أنها مائة كر فَلَمْ يُصِبْ إلَّا خَمْسِينَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهَذَا النَّصُّ يَرُدُّ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ وَيَقْتَضِي الصِّحَّةَ إمَّا قَطْعًا كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَإِمَّا أَنَّهُ الرَّاجِحُ وَيَقْتَضِي أَيْضًا رَدَّ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي الْمِثْلِيِّ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَمِنْ جِهَةِ اقتضائه الصحة يرد القولين بتخرجيه عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْقَوْلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْعِبَارَةِ وَحْدَهَا وَقَطْعِهَا عَنْ خُلْفِ الشَّرْطِ فِي الْجِنْسِ ومن جهة قوله إنما يُجِيزُ بِالْحِصَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ إلْحَاقِهَا بِاشْتِرَاطِ الْوَصْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَجَازَ بِالْكُلِّ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى شَرْطِ السَّلَامَةِ أَوْ زِيَادَةِ وَصْفٍ فَخَرَجَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَجَازَ لَا يَسْقُطُ مِنْ الثمن شئ وَكَانَ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ ارْتِفَاعِ الْغَرَضِ فِي الْقَدْرِ عَنْ الْوَصْفِ وَانْحِطَاطِهِ عَنْ الْجِنْسِ فَجُعِلَ لَهُ حُكْمٌ بِحِصَّتِهِ وَأُلْحِقَ فِي الصِّحَّةِ بِالْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصُّبْرَةَ الْمُشَاهَدَةَ الْمُعَيَّنَةَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا فَلَمْ تَكُنْ كَإِخْلَافِ الْجِنْسِ وَأَثْبَتْنَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 340)
________________________________________
الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِفَوَاتِ غَرَضٍ مَقْصُودٍ وَأُلْحِقَ فِي الْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ بِالْجُزْءِ لِشِدَّةِ الْغَرَضِ فِيهِ وَلَمْ يُجْعَلْ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ مَوْرِدًا لِلْعَقْدِ وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ عَلَى صُورَةِ الشَّرْطِ وَالْمَبِيعُ الصُّبْرَةُ الْمُشَاهَدَةُ لَا الصُّبْرَةُ وشئ آخَرُ فَلِذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ مَقْطُوعًا بِهِ عِنْدَ الْكَثِيرِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى وَفْقِ النَّصِّ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَإِذَا ثَبَتَ
الْخِلَافُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَالْأَصَحُّ كَذَلِكَ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَإِجَازَةٌ بِالْقِسْطِ خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ - هَذَا فِي حَالَةِ النَّقْصِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ بَاقٍ لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ بِالْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى إجْزَائِهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَخَيَّرْنَا الْمُشْتَرِيَ بَيْنَ الاجازة بالجميع والفسخ وأما في حالة لزيادة فَيَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُمَا الْإِلْحَاقُ بالوصف من وجه بالجزء مِنْ وَجْهٍ فَمِنْ جِهَةِ إلْحَاقِ الْمِقْدَارِ بِالْجُزْءِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ الزَّائِدَ لَا يَسْلَمُ لِلْمُشْتَرِي كَأَوْصَافِ السَّلَامَةِ إذَا شُرِطَ عَدَمُهَا وَكَانَتْ موجودة بل يكون هذا لزائد يَبْقَى لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ يُمْكِنُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمِثْلِيِّ أبقيت الزئد لِلْبَائِعِ وَقُلْنَا إلْحَاقُهُ بِالْجُزْءِ لِتَعَلُّقِ غَرَضِ الْبَائِعِ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ غَرَضُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ وَيَكُونُ الْمِقْدَارُ الْمَشْرُوطُ مِنْ الْمِثْلِيِّ لِلْمُشْتَرِي لِتَطَابُقِ الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ من الثمن شئ لانه لم يقف عليه شئ مَقْصُودٌ وَخُرُوجُ بَعْضِ الصُّبْرَةِ الْمُشَاهَدَةِ مَعَ حُصُولِ جِنْسِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِهِ الَّذِي تَعَلَّقَ الْغَرَضُ بِهِ لَا يَزِيدُ وَلَا يُثْبَتُ خِيَارًا لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَرَضٌ مَقْصُودٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ فِي الصُّبْرَةِ وَيَتَقَاسَمَانِهَا بِغَيْرِ حَذَرٍ
* وَأَمَّا فِي الْمُتَقَوِّمِ فَالْقَوْلُ بِالتَّصْحِيحِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ مَوْرِدَ الْعَقْدِ مِنْهُمَا وَهُوَ فَاسِدٌ وَمَشَاعًا وَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ الْقِسْمَةِ فَتَرَدَّدْنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ إنَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَجْعَلُ الْبَيْعَ بَاطِلًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ المخرج وهو ظاهر بهذا التقدير وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَحْذُورَ يَنْدَفِعُ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ بِالثَّمَنِ فَيَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَكِنْ هَهُنَا يَجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى النَّصِّ فَهَلْ أَنَّهُ صح في الجمع بِالثَّمَنِ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ أَوْ صَحَّ فِي الْمِقْدَارِ الْمَشْرُوطِ وَإِذَا تَبَرَّعَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لَزِمَ إن قلنا بالاول فلم لا يقبل بِذَلِكَ فِي الصُّبْرَةِ إذَا خَرَجَتْ زَائِدَةً وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أَنْ يَأْخُذَ الْمِقْدَارَ وَيَتْرُكَ الزِّيَادَةَ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَشْمَلْ الزِّيَادَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون العقد شملها ويكون
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 341)
________________________________________
مرادهم أنه لا يلزم الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهَا لَكِنَّ الْعِبَارَةَ لَا تُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي كَانَ ذَلِكَ سَالِمًا فِي الصُّبْرَةِ وَلَكِنْ فِي الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ قَدْ وَرَدَ عَلَى مُبْهَمٍ مجهول فيكون
باطلا من أصله ولا ينجبر ذَلِكَ بِرِضَاءِ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ فَطَرِيقُ الْخَلَاصِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الصِّحَّةِ يَصِحُّ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ لَكِنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ذَكَرَ الثَّمَنَ مُفَصَّلًا لَا مُجْمَلًا أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُجْمَلًا فَسَيَأْتِي وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ عِنْدَ زِيَادَةِ الْمُتَقَوِّمِ فَهَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ عِنْدَ التَّشَاحُحِ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَعِلَّةُ الْمُصَنِّفِ لا تقتضي ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ الْبَائِعِ وَلَا إجْبَارُ الْمُشْتَرِي وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا تَرَاضَيَا صَحَّ وَأَقَرَّ الْعَقْدَ كَمَا قَالَ هُوَ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ كَيْلًا بِكَيْلٍ إذَا خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ وَلَيْسَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْزِلَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ في شئ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَيَنْزِلُ قَوْلُ الصِّحَّةِ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ يَسْتَرْجِعُ الْبَائِعَ في المثلى إن شاء الزيادة بغير تقيسط وَفِي الْمُتَقَوِّمِ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِرْجَاعُ الزِّيَادَةِ وَحْدَهَا فَيَفْسَخُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ وَأَظُنُّهُ صَوَابًا وَإِنْ كَانَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ
* (فَائِدَةٌ)
* قَدْ نَبَّهْتُ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي اقْتَضَى الْإِجَازَةَ هَهُنَا فِي الْمُتَقَوِّمِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ أَخَوَاتِهِ مِنْ صُوَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَعَلَى أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيِّ يُجِيزُ بِالْقِسْطِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُجِيزُ بِالْكُلِّ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمِثْلِيِّ بِخِلَافِهِ
* (فَائِدَةٌ أُخْرَى)
* صُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَتْ عَلَى إطْلَاقِهَا بَلْ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَقَوْلِهِ بعتك هذه الأرض بعشرة دراهم على أنها عَشْرُ أَذْرُعٍ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَذْكُرَهُ مُفَصَّلًا وَلَا يَذْكُرُهُ مُجْمَلًا كَقَوْلِهِ بعتك هذه الارض عَلَى أَنَّهَا عَشْرُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ومثل بالارض والثوب والقطيع وقال المارودى فِي الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةً ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ بِحِسَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالصَّحِيحُ خلافه وانه يجيز بكل لثمن قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ خَرَجَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْعَقْدُ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ فِي عَشْرَةٍ وَيَكُونُ الْبَائِعُ شَرِيكًا بِالْبَاقِي عَلَى الْإِشَاعَةِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا أَيْضًا مُوَافِقٌ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَكُونُ لِلْبَائِعِ وَفِيهِ مَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 342)
________________________________________
يَقُولُ بِالشَّرِكَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ إشْكَالُ الْإِبْهَامِ وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ دَارٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذُرْعَانَهَا لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا ذَكَرَ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْلَتَهُ أَمَّا إذَا ذَكَرَ جُمْلَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْصِيلَهُ فَيَنْبَغِي عَلَى قول الماوردى انه يجيز بالقسط ولذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجِيزُ بِالْكُلِّ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَذْكُرَ جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلَهُ مُقَسَّطًا عَلَى الْأَذْرُعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهَا عَشْرُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الرِّبَا فِيمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَخَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَنْ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ بِتَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ أَقَرَّ الْعَقْدَ وَأَجْبَرَ الْآخَرَ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ رَضِيَ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِقَدْرِ صُبْرَتِهِ مِنْ الزَّائِدَةِ أَقَرَّ الْعَقْدَ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ هُنَا إذَا فُصِلَ الثَّمَنُ عَلَى الْمَبِيعِ كَمَا مَثَّلْنَاهُ سَوَاءٌ أكان معينا أَمْ فِي الذِّمَّةِ أَنْ يَأْتِيَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ هنا اما أن بتشاحا أم لا ووجه ترتيب الحكم بين (والطريقة الثانية) عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ وَقِيَاسُهَا أَنْ تَأْتِيَ هُنَا أَيْضًا فَعَلِمْنَا أَنَّ فرص الْمَسَائِلِ فِيمَا إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ حَالَةَ ذِكْرِ الثَّمَنِ جُمْلَةً فَقَطْ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ المفصل لَا يُعْرَفُ جَمِيعُهُ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) فَرْضُ هَذِهِ المسائل في شئ واحد كثوب أَوْ أَرْضٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَوْ بَاعَهُ رِزْمَةَ ثِيَابٍ بَعْدَ رُؤْيَةِ مَا فِيهَا كُلُّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشْرَةُ أَثَوَّابً فَكَانَ فِيهَا تِسْعَةٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَيْعُ جَائِزٌ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِسْطِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَلَوْ زَادَتْ ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فِي جَمِيعِهَا بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ إذَا بِيعَا مُذَارَعَةً لِأَنَّ الثِّيَابَ قَدْ تَخْتَلِفُ وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الزَّائِدُ مَشَاعًا فِي جَمِيعِهَا وَمُسَاوِيًا لِبَاقِيهَا وَمَا زَادَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالْأَرْضِ فَمُقَارِبٌ لِبَاقِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَشَاعًا فِي جَمِيعِهِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ فِي النُّقْصَانِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْقِسْطِ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالْأَصَحُّ هُنَاكَ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ يلتفت على البحث المتقدم على قوله التَّصْحِيحِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إنْ جَعَلْنَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِشَاعَةِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَبِنِسْبَتِهَا قَالَهُ هُنَا وَإِنْ جَعَلْنَا الصِّحَّةَ فِي الْجَمِيعِ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) الْقَائِلُ بِالْبُطْلَانِ عِنْدَ الزِّيَادَةِ هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَبْلَ بَابِ بَيْعِ حَبَلِ الْحُبْلَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 343)
________________________________________
صَوَّرَهَا فِي الصُّبْرَةِ وَنَسَبَ الصِّحَّةَ إلَى النَّصِّ ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الثَّوْبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الصُّبْرَةِ يُجِيزُ الْعَقْدَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الثَّوْبِ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ فِي الثَّوْبِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَأَمَّا مَالِيَّةُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَمَقَادِيرُهَا وَلِهَذَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ التَّسَاوِي فِي الْمِقْدَارِ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَالثَّمَنُ يَتَقَسَّطُ عَلَى الْمَقَادِيرِ دُونَ الصِّفَاتِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الذَّرْعَ طَرِيقٌ لِلتَّقْدِيرِ فِي الْعَادَةِ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (فَائِدَةٌ أُخْرَى) النَّصُّ الْمَنْقُولُ عن البويطى رأيت مِثْلُهُ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ الثَّنِيَّا عَقِبَ الْكَلَامِ الَّذِي سَأَحْكِيهِ عَنْهُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قَتَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْعُيُوبَ فِي الْأَبْدَانِ مُخَالِفَةٌ بعض العدد - ولو كان المشترى كيلا معينا كَانَ هَكَذَا وَإِذَا كَانَ نَاقِصًا فِي الْكُلِّ أَخَذَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ فِيهِ الْبَيْعَ انْتَهَى - وَهَذَا فِيهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ وَهُوَ نَصُّهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْمِقْدَارِ كَمَا قُلْتُهُ أَوَّلًا لِقَوْلِهِ إنَّ الْعُيُوبَ فِي الْأَبَدَانِ مُخَالِفَةٌ نَقْصَ الْعَدَدِ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا صَوَّرُوا ذَلِكَ في الارض والثوب وصورها الزبيري في المتقضب فِي الدَّارِ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الدَّارِ حُكْمُ الْأَرْضِ وَقَطَعَ بِالْبُطْلَانِ فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ
*
* (فَرْعٌ)
* مَرَّ خُلْفُ الشَّرْطِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عَلَيْهَا خَرَاجٌ بِحَقِّ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ بِشَرْطِ أَنَّ عَلَيْهَا دِرْهَمًا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمُطَارَحَاتِ وَفِي الْبُطْلَانِ إذَا عَلِمَ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّرْطُ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَعَلَّ مَأْخَذَ ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى الشَّرْطِ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ يتجه البطلان والله أعلم
*
* (فَرْعٌ)
* الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ جَارِيَةً وَشَرَطَ حَمْلَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَقِيلَ يَصِحُّ فِي الْآدَمِيَّاتِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَلِهَذَا أُلْغِيَ قَالَ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ يَصِحُّ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُشْتَرِي (قُلْتُ) فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا وَاشْتَرَطَهُ فَأَخْلَفَ هَلْ نَقُولُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ مَعِيبٌ وَخَرَجَ سليما أوله الرَّدُّ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُقَارِبُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَرْعَشِيُّ هنا يوافق
التفصيل في شرط ترك الوطئ فِي النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِطَ هُوَ الَّذِي لَهُ غَرَضٌ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطُ عليه ليس له غرض إلَّا إسْعَافَ الشَّارِطِ وَلَيْسَ الْمَشْرُوطُ مَقْصُودًا لَهُ وهذا معنى صحيح
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 344)
________________________________________
وان كان لرافعي اسْتَشْكَلَهُ هُنَاكَ فَالْمُشْتَرِي هُنَا لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ في الْحَمْلِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ لِلْبَائِعِ فِي بَرَاءَتِهِ مِنْ العهدة بسببه وعلى هذا يقوى انه إذَا أَخْلَفَ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا كَانَ الشَّارِطُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَيَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ لِأَنَّ الْحَمْلَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ عَيْبٌ إلَّا أَنَّهُ زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ كما صرحوا به في الصداق
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا جَانِيًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَزْنِيِّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَهُوَ عَبْدٌ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ قَتْلٌ فَصَحَّ بَيْعُهُ كَالْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ أَوْ يُخْشَى هَلَاكُهُ وَتُرْجَى سَلَامَتُهُ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْمَرِيضِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلِأَنَّهُ عَبْدٌ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ حَقٌّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَبْدٌ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ دَيْنُ آدَمِيٍّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمَرْهُونِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ الْعَبْدِ الْجَانِي فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَذَلِكَ الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ التَّفْرِيعُ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ في هذا الباب والقولان منصوصان قال الشافعي في مختصر المزني وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَقَدْ جَنَى فَفِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا وَعَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ
(وَالثَّانِي)
الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي عُنُقِهِ كَالرَّهْنِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَيُبَاعُ فَيُعْطَى رَبُّ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ وَبِهَذَا أَقُولُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِدَفْعِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَكْثَرَ كَمَا يَكُونُ هَذَا فِي الرَّهْنِ قَالَ الْمُزَنِيّ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا تَجْوِيزٌ مِنْهُ لِلْعِتْقِ وَقَدْ سَوَّى فِي الرَّهْنِ بَيْنَ إبْطَالِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا جَازَ الْعِتْقُ فِي الْجِنَايَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِثْلُهُ انتهى - والقول بالجواز مذهب أبى حنيفة وأحمد واختيار المزني وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ هَذَا كَلَامُهُ لِقَوْلِهِ وَبِهَذَا أَقُولُ وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَاحْتَجُّوا لِلْجَوَازِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِهِ إمَّا بِالْمُرْتَدِّ وَإِمَّا بِالْمَرِيضِ وَكِلَاهُمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ هَذَا
إنْ كانت الجناية عمدا وان كانت خَطَأً فَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِرَقَبَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وبهذا فارق المرهون واحتج المزني العتق وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَوَّزَهُ أَيْ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي فَلْيَجُزْ الْبَيْعُ وَبِأَنَّ الشَّافِعِيَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْبُطْلَانِ فِي الرَّهْنِ فَلِيُسَوِّ بَيْنَهُمَا هُنَا فِي الصِّحَّةِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْأَرْشَ فِي رِقْبَتِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْتَدِيَهُ وَبِهَذَا يُفَارِقُ الرَّهْنَ أَيْضًا وَاحْتَجُّوا لِلْبُطْلَانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّهْنِ كَمَا ذَكَرَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 345)
________________________________________
الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ آكَدُ مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا جَنَى بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ وَبَطَلَ الرَّهْنُ فَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ فَالْجِنَايَةُ أَوْلَى وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ إلْزَامِ الْمُزَنِيِّ لِلشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ قَوْلَانِ (فَإِنْ قلنا) البيع جائز فالعتق أول (وَإِنْ قُلْنَا) الْبَيْعُ لَا يَجُوزُ فَفِي الْعِتْقِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْمَرْهُونِ فَلَيْسَ الْعِتْقُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُزَنِيَّ مَا أَرَادَ قِيَاسَ الْبَيْعِ عَلَى الْعِتْقِ ابْتِدَاءً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ بِالْخِلَافِ فِيهِ بَلْ لَمَّا قَاسَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ اسْتَدَلَّ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ فَأَلْزَمَهُ بِتَجْوِيزِ الْبَيْعِ وَالطَّرِيقُ فِي الْجَوَابِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَائِلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَرَى الْعِتْقَ جَائِزًا فَشَبَّهَ بِهِ الْبَيْعَ إمَّا بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَالشَّافِعِيُّ قَدْ قَالَ إنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ قَوْلُهُ وَسَكَتَ عَنْ الْعِتْقِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنَّهُ هُوَ جَازِمٌ أَوْ مُرَجِّحٌ لِجَوَازِ الْعِتْقِ حَتَّى يَلْزَمَ بِهِ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الْأَصْحَابِ بِجَوَابِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُزَنِيِّ إنَّ الشَّافِعِيَّ سَوَّى بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فِي الرَّهْنِ فِي الْإِبْطَالِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمَا هُنَا يَعْنِي وَقَدْ قَالَ بِصِحَّةِ الْعِتْقِ فَلْيَقُلْ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ لِتَحْصُلَ التَّسْوِيَةُ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا فِي الرَّهْنِ بَلْ خَالَفَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْمَرْهُونِ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي عتقه ثلاثة أقوال فكذا بِحَيْثُ يَخْتَلِفُ هَذَا الْجَوَابُ (الثَّانِي) أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِالْعَكْسِ وَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَنْهُ هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قِيَاسَ الْعَكْسِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْجَانِي لَمَا صَحَّ عِتْقُهُ كَالرَّهْنِ فَإِنَّا نَقِيسُ الْجَانِيَ عَلَى الْمَرْهُونِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا إمَّا فِي الْمَنْعِ وَلَمْ نَقُلْ بِهِ لِتَجْوِيزِهِ الْعِتْقَ فَلِيَكُنْ فِي الْجَوَازِ وَأَجَابَ هَذَا أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ تَصْرِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِجَوَازِ الْعِتْقِ - قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْعِتْقِ جَوَازُ
الْبَيْعِ لِأَنَّ الْآبِقَ وَالْمَغْصُوبَ وَالْمَجْهُولَ وَالْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ عِتْقُهُمْ ولا يجوز بيعهم وقال الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ قِيَاسَ الْعَكْسِ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ الفقهاء وان خالفهم أكثر المتكلمين وهو اثبات بعض حكم الاصل في الفرع باعتبار علة (قُلْتُ) وَمَنْ الْمَانِعِينَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِقِيَاسِ الْعَكْسِ أبو حامد الاسفراينى كذلك نقل عنه أبو الوليد التاجى فِي الْأُصُولِ فَلِذَلِكَ مُنِعَ هُنَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مَمْلُوكٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَاسْتَحَقَّ بِهَا عُقُوبَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَزُلْ بِهَا مِلْكُ الْمَالِكِ عَنْهُ وَلَا تَدْفَعُ الْمُزَاحَمَةَ فِيمَا يَحْدُثُ بِالشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهِ يعني والمستحق
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 346)
________________________________________
في الجناية وقعت فيه مزاحمة وهو حق الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى فَارِقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ أَيْضًا وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِالْبُطْلَانِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَبِهَذَا أَقُولُ وَجَعَلَ الْقَوْلَ بالجواز مخرجا ومسند التخريج إلْزَامِ الْمُزَنِيِّ لِمَا فُهِمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا خَرَّجَ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قد نَفَذَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بَطَلَ كَالْمُفْلِسِ إذَا بَاعَ بَعْضَ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِهَذَا وَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ أصحابنا حتى خرج هذا القول وليس بشئ وَالِاشْتِبَاهُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُرَدُّ الْبَيْعُ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمَبِيعَ وَهُوَ الْعَبْدُ (وَقَوْلُهُ) يَتَطَوَّعُ السَّيِّدُ يَعْنِي بِدَفْعِ الْأَرْشِ أَوْ الْقِيمَةِ فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ حَكَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَوْلًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ إلَى تَخْرِيجٍ قَالَ فَإِذَا بِيعَ وَقُلْنَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَدَّى الْأَرْشَ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَزِمَ وَإِلَّا بِيعَ إنْ اسْتَغْرَقَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ بَيْعٌ بِقَدْرِ الْأَرْشِ وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي فَإِنْ أَجَازَ فَبِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ دَاوُد قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا وَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ يَسِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ جِنَايَةُ الْعَمْدِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَفِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ آدَمِيٍّ فَهُوَ كَالْمَالِ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ إلَى مَالٍ بِالْعَفْوِ فَكَانَ كَالْمَالِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي جِنَايَةٍ لا توجب القصاص
فاما فيما توجب الْقِصَاصَ فَلَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَأَمَّا فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الطُّرُقُ الثَّلَاثُ حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ وَأَلْزَمَ السَّيِّدَ الْمَالَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ لَقَالَ وَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ وَيُبَاعُ وَيُعْطَى رَبُّ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِدَفْعِ الْجِنَايَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ (قُلْتُ) وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ جَيِّدٌ عَلَى ضَعْفِ الطَّرِيقَةِ الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الْأُولَى فَلَا يَبْقَى فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلَالَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَمْدِ يَبْقَى
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 347)
________________________________________
وَلَا إثْبَاتَ فَإِجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّخْرِيجِ إنْ صَحَّ الْقِيَاسُ أَوْ بِنَقْلٍ آخَرَ أما هذا فلا ولاجرم كَانَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّحِيحَةَ وَإِنَّ الْخِلَافَ مَقْصُورٌ عَلَى حَالَةِ إيجَابِهَا الْمَالَ فَقَطْ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّ الطَّرِيقَةَ الثَّالِثَةَ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى فِي الرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي نِسْبَتَهَا لِابْنِ خَيْرَانَ وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِهَا مَنْ بَنَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَمْدِ عَلَى أَنَّهُ موجب ماذا ان قلنا القود المحصن صَحَّ بَيْعُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَإِنْ قُلْنَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهَا فَإِنَّهُ قَالَ إنْ الْأَصَحَّ بُطْلَانُ الْبَيْعِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِالْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ وَلَوْ جَعَلْنَا مُوجِبَ الْعَمْدِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَحُكْمُهُ هُنَا كَمَا إذَا جَعَلْنَا مُوجَبَهُ الْقِصَاصَ لَا غير لانا على هذا القول لاثبتها بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ ابْنُ دَاوُد لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَأَنَّهُ قَالَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْجَانِي عَمْدًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِيَارٌ لِلطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا عَفْوَ فَإِنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ ثُمَّ عَرَضَ الْبَيْعَ كان حكمه كالخطأ تجرى فِيهِ طَرِيقَانِ خَاصَّةً إمَّا جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَإِمَّا الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ وَحُكْمُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْعَمْدِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْخَطَأِ وكذلك إذَا أَتْلَفَ الْعَبْدُ مَالًا
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْهُونِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ عَلَى
نفسه والفرقان يقتضيان وجهان
* (الطَّرِيقَةُ الْأُولَى)
* إلَّا أَنْ يُلْغَى الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَأَمَّا الْمَرْهُونُ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كُلُّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ لِإِنْسَانٍ بِاخْتِيَارِهِ يَمْنَعُ الْبَيْعَ قَوْلًا وَاحِدًا كَالرَّهْنِ وَكُلُّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ لِإِنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَهَلْ يَمْنَعُ الْبَيْعَ أَمْ لا على قولين كما ذكرناه هَهُنَا وَكَمَا قُلْنَا فِي الْمَالِ إذَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَبَاعَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَقِّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ (١) يَعْنِي إذَا قُلْنَا إنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ رَهْنٍ أَوْ تَعَلُّقَ جِنَايَةٍ بِعَيْنِهِ مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ وَالطُّرُقِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُتَعَلِّقَةً بِرَقَبَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَاعَهُ قَبْلَ الْفِدَاءِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَوْ كَانَتْ مُوجِبَةَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَمْنَعْ بَيْعُهُ بِحَالٍ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَطَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ فِيهِ وَحَكَمَ بِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ صَحَّحْنَا وَإِنْ بَاعَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفِدَاءِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ اخْتِيَارِهِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفِدَاءِ وَلَكِنْ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَإِطْلَاقُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي طَرْدَ الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ لان
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 348)
________________________________________
اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ لَيْسَ بِالْتِزَامٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ ولا يلزمه به شئ بَلْ لَوْ صَرَّحَ بِالْتِزَامِ الْفِدَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوَسِيطِ فِي آخِرِ الْعَاقِلَةِ قُبَيْلَ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ بَلْ لَوْ قُلْنَا بِاللُّزُومِ فَغَايَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ ضَمَانٌ فَلَمْ يَنْقَطِعْ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ بِهِ حَتَّى يَصِحَّ بَيْعُهَا وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بِإِذْنِ وَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ فِي الصِّحَّةِ
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* (إذا قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ فَقُتِلَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْجِنَايَةِ فِي حَالِ الْعَقْدِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَتْلِ بِرَقَبَتِهِ كَالْعَيْبِ لِأَنَّهُ تُرْجَى سَلَامَتُهُ وَيُخْشَى هَلَاكُهُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضَ وَمَاتَ وَكَانَ قَدْ عَلِمَ بِمَرَضِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ وَإِنْ لم يعلم جع فَكَذَلِكَ هَهُنَا فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ وَقَتْلِ قَوْمٍ وَهُوَ جَانٍ وَقَوْمٍ غَيْرَ جَانٍ فَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَالَ أبو إسحق و؟ ود
القتل بمنزلة لاستحقاق وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فَإِذَا قُتِلَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بالثمن علي البائع علم بالجناية حال العقد؟ ؟ ولم بعلم لِأَنَّهُ أُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الرَّقَبَةِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا اسْتَحَقَّ وَيُخَالِفُ الْمَرِيضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِالْمَرَضِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا مَاتَ بِزِيَادَةِ مَرَضٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَرْجِعْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّفْرِيعِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ لِذَلِكَ فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى الْبُطْلَانِ لَا تَعَلُّقَ به يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّا ان أبطلنا باع الْعَبْدِ الْجَانِي رَدَّهُ وَاسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ وَتَبْقَى الْحُكُومَةُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ توجب القصاص واقتص الولى فذك وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَتْ تُوجِبُ مالا فالسيد على خيرته ان شاء سلمه ليباع وان شَاءَ فَدَاهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ فَإِنْ بيع بقدر الجناية فذك وَإِنْ بِيعَ بِأَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ غَيْرُهُ وَإِنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ يُدْفَعُ إلَى السَّيِّدِ البائع وإذا أفدي فالاظهر؟ ؟ ؟ ؟ يفد به بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَرْشِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ
(وَالثَّانِي)
يتعين لارش وَإِنْ كَثُرَ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ الْعَبْدُ لِيُبَاعَ فَإِنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ رَاغِبٌ بِأَكْثَرَ وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْمَالَ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ السَّيِّدَ مُلْتَزِمٌ لِلْفِدَاءِ بِبَيْعِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِجِنَايَتِهِ فَيُجْبَرُ عَلَى تسليم الفداء كما لو
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 349)
________________________________________
أعتقه أو قبله وَقِيلَ هُوَ عَلَى خِيرَتِهِ إنْ فَدَى أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِلَّا فَسَخَ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَخْتَارَ الْفِدَاءَ وَلَوْ اخْتَارَ أَنْ يَفْدِيَهُ ثُمَّ قَبِلَ أَنْ يُخْرِجَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ فِي النَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ وَشَبَّهَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بِمَا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ أَنَا أَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ أَوْ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ لَا يجب عليه الوفاء بذلك وهو النقل نستفيد منه ان عند اختيار الفداء لا يلزم وهو كذلك على الاصح وَبِهِ يَضْعُفُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ التَّهْذِيبِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ ولا يضعف به جعل البيع التزام لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ فِي ذَلِكَ الْحَيْلُولَةُ كَالْعِتْقِ وَالْقَتْلِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ صَرِيحِ الِالْتِزَامِ غَيْرَ مُلْزِمٍ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مُلْزِمًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَفْدِيهِ هَهُنَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا هَكَذَا
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَعَزَاهَا ابْنُ دَاوُد إلَى النَّصِّ (وَالثَّانِيَةُ) ذَكَرَهَا ابْنُ دَاوُد وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَقْتَضِيهَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ فيه وَوَجْهُ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِلْبَيْعِ وَلِذَلِكَ إذَا قَبِلَهُ يَفْدِيهِ بِأَقَلِّ لامرين خَاصَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى فِيهِ الْخِلَافَ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْفِدَاءِ أَوْ تَأَخَّرَ لِإِفْلَاسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ فُسِخَ الْبَيْعُ وبيع في الجناية لان حق االمجنى عَلَيْهِ سَبَقَ حَقَّ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْبَيْعِ الْفِدَاءُ وَهُوَ قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفِدَاءِ وَتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ وَفِي الْفِدَاءِ هَهُنَا الْقَوْلَانِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً خِيَارَ الْقِصَاصِ فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وان طلب القصاص قتله ونظر فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَإِنْ كان بَعْدَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَالْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْجِنَايَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْقِصَاصِ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ فَإِذَا قبل فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْجِنَايَةِ السَّابِقَةِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أن ذلك بمنزلة العيب فانه كَانَ قَدْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ بعده ولم يفسخ حتى قتل فلا شئ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ جَانِيًا وَغَيْرَ جَانٍ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا نَسَبَهُ الْجُمْهُورُ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ يَنْسِبُهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَلَا يَذْكُرُ غَيْرَهُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَاصَّةً وَلَمْ يَنْسِبْ لِابْنِ سُرَيْجٍ فِي هَذِهِ المسألة شيأ وَنَسَبَ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ السَّابِقَةِ أنه في ضَمَانِ الْبَائِعِ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ غَرِيبٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ بُشْرَى نَقَلَ مَا يُوَافِقُ قول
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 350)
________________________________________
ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَيْهِ فِي الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قول ابى اسحق وَابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْفُتْيَا مِنْ الْجُزْءِ الثَّامِنِ من الام قال الشافعي من باع رحلا غَنَمًا قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ بَقَرًا أو بلا فَأُخِذَتْ الصَّدَقَةُ مِنْهَا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا اشْتَرَى كَامِلًا وَأَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ولكن من باعه ابلا دون خمسة وعشرون فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَى الْبَائِعِ صَدَقَةُ الْإِبِلِ الَّتِي حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِي يَدِهِ وَلَا
صَدَقَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهَا قَالَ وَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلُ يبيع العبد وقد حل دمه عند بِرِدَّةٍ أَوْ قَتْلٍ عَمْدٍ أَوْ قَطْعِ يَدِهِ فِي سَرِقَةٍ فَإِذَا قُتِلَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِمَا أُخِذَ مِنْهُ وَإِذَا قُطِعَ فَلَهُ الْخِيَارُ وفى فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْسَاكِهِ لِأَنَّ الْعُيُوبَ فِي الْأَبْدَانِ مخالفة نقص العدد انتهى
* وَقَدْ وَجَّهُوا هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّ السَّبَبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأُحِيلَ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَحْبَلَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَيْعًا فَاسِدًا وَرَدَّهَا إلَى بَائِعِهَا وَمَاتَتْ مِنْ الطَّلْقِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ أَيْ جَعْلُ التَّلَفِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ السَّابِقِ كَظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَبِيعِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهَذَا الشَّبَهُ يُوهَمُ أَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ البيع ولم يريدوا ذك بَلْ يَنْفَسِخُ بِالتَّلَفِ وَوَقَعَ الشَّبَهُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ نَقَلَ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ - وَأَمَّا تَمَسُّكُ الْقَائِلِينَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِمَسْأَلَةِ الْمَرَضِ وَهِيَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مَرِيضًا وَتَمَادَى الْمَرَضُ إلَى أَنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَيُحْكَى هَذَا عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مَا يَقْتَضِيهِ فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا (وَأَشْهَرُهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَعَلَى هَذَا الْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْمَوْتِ فَلَيْسَ الْمَوْتُ بالمرض السابق على البيع بل بما يتجدد بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا سَبَبٌ كَامِلٌ لِلْقِصَاصِ وَهَذَا مَعْنَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْمَرَضِ الْقَدِيمِ فَكَيْفَ وَالظَّاهِرُ حُدُوثُ سَبَبٍ جَدِيدٍ وَالْأَصْلُ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَلُزُومُهُ وَنَظِيرُ ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَمْلِهَا فَمَاتَتْ مِنْ الطَّلْقِ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ أَوْجَاعِ الطَّلْقِ وَهِيَ حَادِثَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَالْمَرِيضِ إذَا مَاتَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطيب وحكم
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 351)
________________________________________
الْجِرَاحَةِ السَّارِيَةِ حُكْمُ الْمَرَضِ ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَجَعَلَهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ أَمَّا غَيْرُ الْمَخُوفِ كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى فَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ إذَا ازْدَادَ فِي يَدِهِ وَمَاتَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحُكْمُ الْقُولَنْجِ حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ والبغوى حينئذ موافقان لِلْحَلِيمِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْجِنَايَةِ حَتَّى قُتِلَ فِي يَدِهِ فَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَفْسَخْ
فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ ويحكى عن أبى اسحق وَاخْتِيَارُ أَبِي حَامِدٍ (قُلْتُ) وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو حامد الاسفرايني فانه كذلك في تعليقه علم به أو لم يعلم وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ إنَّهُ غَلَطٌ وَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لَا يَخْتَلِفُ أَنَّهُ بمنزلة لعيب وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الَّذِي قَدْ رَضِيَ بِهِ ولا شئ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ إنَّهُ لَا يَرْجِعُ بشئ لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَإِمْسَاكِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قال وليس هو كظهور الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ ما صح بيعه اصلا وممن اختيار هَذَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ الْجَهْلِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ وَعِنْدَ الْعِلْمِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ سَقَطَ أَثَرُهُ وَهُوَ أَقْوَى فِي الْمَعْنَى وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ عَيْبٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَكِنْ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ سَقَطَ أَثَرُهُ وَفِي حَالَةِ الْجَهْلِ الْقَتْلُ مِنْ أَثَرِهِ فَلِذَلِكَ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِهِ غَيْرَ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي نقلته فيما تقدم عند طريان الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ عَيْبٌ دَلَّسَ بِهِ فَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ لان الشافعي ما تَكَلَّمَ فِي حَالَةِ الْقِصَاصِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا اطلع عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِصَاصِ قَالَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي كَوْنِهِ إذَا لَمْ يَرُدَّ حَتَّى قتل هل ينفسخ أولا
*
* (فَرْعٌ)
* أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي إذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ وَلَمْ يَحْصُلْ الْقِصَاصُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفِدَاءِ فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ فِي الْعُيُوبِ وَالتَّفْصِيلُ في العمد بين أن يتوب أولا وفى الخطأ بين أن يكثر أولا وَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وان كثرت لا تثبت الخيار إذا كانت خَطَأً وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَأَمَّلْتُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَفِيهِ مَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِالْمَفْهُومِ لَا بِالْمَنْطُوقِ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ التَّمَسُّكُ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَمَّا إذَا كَانَتْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 352)
________________________________________
قَبْلَ الْفِدَاءِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ شِبْهُ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ سَوَاءٌ أَقُلْنَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فِدَاؤُهُ أَمْ لَا وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهَذَا حَيْثُ يَقُولُ إنَّ مُجَرَّدَ الْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ عَيْبًا إما عند التوبة أو عند عدم الكرار أَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْبًا فَهِيَ
كَافِيَةٌ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ
*
* (فَرْعٌ)
* إذَا بَاعَهُ وَلَا جِنَايَةَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ قَدْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ قَبْلَ الْبَيْعِ فَتَرَدَّى فِيهَا مَنْ يَجِبُ ضَمَانُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ كَانَ قَدْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ قصاصا ثم بعد البيع عفي علي مال وقد تقدم
*
* (فروع)
* وطئ الْجَارِيَةِ الْجَانِيَةِ لَا يَكُونُ الْتِزَامًا لِلْفَادِي وَفِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ قال لعبده إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ فَجَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ جَاءَ رَأَسُ الشَّهْرِ عَتَقَ وَلَزِمَ السَّيِّدَ الْفِدَاءُ قَالَهُ الْقَاضِي عَنْهُ فِي بَابِ الْأَمَةِ تَغْرِسُ نَفْسَهَا وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَجَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِذِمَّةِ الْمُعْتَقِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ عَتَقَ بِفِعْلِهِ وَلَمْ يوجد من السيد فعلى وفى الاولى لم يوجد من العبد شئ فَصَارَ السَّيِّدُ مُتْلِفًا بِالْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ مِنْ الْعَبْدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِنَا بِعَدَمِ نُفُوذِ عِتْقِ الجاني وان الاستبار بِحَالِ الصِّفَةِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ بِبَيِّنَةِ لَوْ نَقَصَ الْأَرْشُ عَنْ الرَّقَبَةِ هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كما تقدم ولا يمتنع البيع لا فِي مِقْدَارِ الْأَرْشِ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلِ وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَخْرِيجَ خِلَافٍ وَقَالَ وَقَدْ ذكره الغزالي في لزكاة وَأَيَّدَهُ بِقَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ الْجَانِي كَبَيْعِ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الدَّوْرِ الوقع فِي الْجِنَايَاتِ إذَا جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ وعفى المجني عليه ومات فان أجارته الْوَرَثَةُ فَذَاكَ وَإِلَّا نَفَذَ فِي الثُّلُثِ وَانْفَكَّ ثلث الْعَبْدُ عِنْدَ تَعَلُّقِ الْعَبْدِ وَأَشَارَ الْإِمَامُ فِيهِ إلى وجه آخر كما ان شيأ من المرهون لا ينفك ما بقى شئ مِنْ الدَّيْنِ
* (فَائِدَةٌ)
* أَجْمَعُوا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالٌ وَهُوَ مَأْذُونٌ أَنَّ الدَّيْنَ فِي مَالِهِ وَالْجِنَايَةَ فِي رَقَبَتِهِ فَإِذَا عَجَزَتْ الرَّقَبَةُ عَنْ احْتِمَالِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَرُدَّ إلَّا مَا فِي يَدِهِ وَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ الدَّيْنِ لَمْ يُرَدَّ إلَى الرقبة
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَبِهِ مَرَضٌ أَوْ جراحة فزاد ذلك في يد المشتري ولم يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ حَالَ الِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَدَّادِ الْمِصْرِيِّ تَصِيرُ الزِّيَادَةُ كَأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي يد البائع للمشترى الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ وَالرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَعَلَى قَوْلِ سَائِرِ أَصْحَابِنَا زِيَادَةُ الْمَرَضِ فِي
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 353)
________________________________________
يَدِهِ تَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَعِيبًا بِالْعَيْبِ الذى كان في يد البائع دون لزيادة الَّتِي حَدَثَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذِهِ لزيادة حَدَثَتْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَرَضِ أَوْ الْجِرَاحَةِ حَتَّى سَرَتْ إلى النفس فعلى قول ابن الحداد ينفسخ البيع ويرجع بالثمن وعلى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي عَلِيٍّ لَا يَنْفَسِخُ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحَمْلِ حَتَّى مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ فَعَنْ القاضى أبى الطيب أنه على الوجهين
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُرْتَدًّا فَقُتِلَ فِي يَدِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ في قول أبى اسحق يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي العباس وأبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ بالارش - ووجههما ما ذكرناه في الجاني عما
*
* (الشَّرْحُ)
* بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَرِيضِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَخْرِيجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ يُقَاسُ الْجَانِي عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْفَرْقِ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْجَانِي مُسْتَحَقَّةٌ لَآدَمِيٍّ وَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ فَكَأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ حَاصِلٌ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ وَقَالَ القاضى حسين ابن الوجه المذكور خط لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ أَنَّ رَهْنَ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ جَائِزٌ فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى صِحَّتِهِ فَقُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقَدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْجَانِي عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق وَابْنِ الْحَدَّادِ وَالْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِرِدَّتِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَ عَالِمًا وَجْهَانِ رَأْيُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أبى حامد وأبى اسحق أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا أَطْلَقَ هُنَا وَرَأْيُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لا ينفسخ البيع ولا يرجع بشئ قَالَ الْإِمَامُ كَانَ يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ يَعْنِي الَّذِي يَقُولُ بِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ مُطْلَقًا كَمَا يَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُقَالَ بِالْوَقْفِ حَتَّى يُقَالَ إن قتل المرتد تبينا أن بعيه لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا الصِّحَّةَ قَالَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ (وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهَا عَيْبٌ رَضِيَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ
رَجَعَ كَتَعَذُّرِ الرَّدِّ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ فَيُتَقَوَّمُ مُرْتَدًّا وَغَيْرَ مُرْتَدٍّ وَيُرْجَعُ بما
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 354)
________________________________________
بَيْنَهُمَا مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِنْ قِيلَ الْمُرْتَدُّ قُتِلَ لِإِقَامَتِهِ عَلَى الرِّدَّةِ وَذَلِكَ حَادِثٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ إنَّمَا قُتِلَ بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ قبل الاستنابة لَمْ يَضْمَنْهُ فَإِقَامَتُهُ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تُوجِبْ القتل لكن استيفاء ما وجب عَلَيْهِ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَانْحَتَمَ قَتْلُهُ فَقَدْ ذَكَرَ الشيخ أبو حامد الاسفزايني رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّعْلِيقِ إنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْحَشَرَاتِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَهُ فَصَحَّ بَيْعُهُ كَالزَّمِنِ فَعَلَى هَذَا إذَا قَتَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَحُكْمُهُ حكم القائل عَمْدًا فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ فَإِنْ تَابَ قَبْلَ أن نقدر عَلَيْهِ فَالْقَوَدُ هَهُنَا مُتَحَتَّمٌ بَلْ هُوَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ وَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ وَقُلْنَا تَسْقُطُ الْعُقُوبَةُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الظَّفَرِ فَكَذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَسْقُطُ فَثَلَاثُ طرق (إحداهما) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ قولا واحدا لان قلته مُحَتَّمٌ وَيُفَارِقُ الْمَرِيضَ وَالْمُرْتَدَّ وَالْقَاتِلَ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ لِرَجَاءِ بُرْءِ الْمَرِيضِ وَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقَاتِلِ وَوَافَقَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَسَبَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ إلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ وَطَبَقَتِهِ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الحسين ولم أر في تعليق أبى حامد التعليل بِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَتَحَتَّمُ الْقَتْلُ فَجَازَ أَنْ يَقُولَ مَنْفَعَةُ هَذِهِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ بَاقٍ أَلَّا يُتَخَلَّصَ بِهِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنَّهُ بَاقٍ يُتَخَلَّصُ بِالْعِتْقِ لِلْعِبَادَةِ وَمَنَافِعِ الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَقَالَ جَوَازُ عِتْقِهِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ بِدَلِيلِ الْآبِقِ وَالْمَجْهُولِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ فِي الْعِتْقِ قُوَّةً وَسِرَايَةً (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ كَبَيْعِ الْجَانِي يَعْنِي عَمْدًا فَيَصِحُّ على الاصح وتوجيهها ما ذكره المصنف وقد علمت ما يرد عليه (والثالثة) قال الرافعى أَنَّهَا الْأَظْهَرُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ بَيْعَهُ كَبَيْعِ الْمُرْتَدِّ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَظْهَرُ مِمَّا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ قَدْ تَصِيرُ إلَى الْمَالِ بِخِلَافِ هَذَا لَكِنْ يَرِدُ عَلَى إلْحَاقِهِ بِالْمُرْتَدِّ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مَرْجُوُّ الْبَقَاءِ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُحَارِبِ الَّذِي تَحَتَّمَ قَتْلُهُ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْهُ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي مَنْفَعَةِ الْعِتْقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ مِمَّا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا بِالْأَغْرَاضِ فَتَكُونُ كَبَيْعِ الْمُرْتَدِّ الْمَشْهُورِ بِصِحَّتِهِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ لَا تُعْتَبَرُ فَيَقْوَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حامد
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 355)
________________________________________
وفيه نظر والاقرب الاول لان العتق كيف ما كَانَ فِيهِ أَجْرٌ وَالْأَجْرُ مَقْصُودٌ مُتَوَصَّلٌ إلَيْهِ بِالْأَمْوَالِ فَعَلَى طَرِيقَةِ أَبِي الطَّيِّبِ يَكُونُ حُكْمُهُ حكم القاتل عمدا في غير المحاربة وقد تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهَا أَظْهَرُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ يَكُونُ كَالْمُرْتَدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا وَعَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أبى حامد البيع باطل ولا كلام
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (إذَا بَاعَ عَيْنًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لِأَنَّهُ عَيْبٌ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَبَرِئَ مِنْهُ الْبَائِعُ كَمَا لَوْ أَوْقَفَهُ عليه
(والثانى)
لا يبرأ من شئ مِنْ الْعُيُوبِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَرْتَفِقُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ وَالرَّهْنِ الْمَجْهُولِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْعَيْبُ الْبَاطِنُ فِي الحيوان الذى لا يعلم به البائع لا رَوَى سَالِمٌ أَنَّ أَبَاهُ بَاعَ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةٍ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ فَوَجَدَ الرَّجُلُ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ احْلِفْ لَقَدْ بِعْتَهُ وَمَا بِهِ دَاءٌ تَعْلَمُهُ فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ وَقَبِلَ الْغُلَامَ فَبَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَبْرَأُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُفَارِقُ مَا سواه لانه يغتذى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طَبَائِعُهُ وَقَلَّمَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ يَظْهَرُ أَوْ يَخْفَى فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التبرى من العيب الباطن فيه لان لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَتَوْقِيفِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَلَا فِي الْعَيْبِ الْبَاطِنِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَلَمْ يَجُزْ التَّبَرِّي مِنْهُ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ فِي الْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ غَيْرِهِ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ
مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَلَى أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَخْتَرْهُ لِنَفْسِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ أَمْضَى الْبَيْعَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ هَذَا الشرط يقتضى جزأ مِنْ الثَّمَنِ تَرَكَهُ الْبَائِعُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ فَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ أَنْ يَرُدَّ الْجُزْءَ الَّذِي تَرَكَهُ بِسَبَبِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَالْمَجْهُولُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْلُومٍ صَارَ الْجَمِيعُ مَجْهُولًا فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَفَسَدَ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)
*
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 356)
________________________________________
* (الشرح)
* هذا الفصل باب مستقل وب عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ بِبَابِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَدْرَجُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ مِنْ مَسَائِلِهِ وَقَضَاءُ عُثْمَانَ هَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ في الموطأ عن يحيى ابن سَعِيدٍ عَنْ سَالِمٍ وَلَفْظُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِالْعَبْدِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ الرَّجُلُ بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ لِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِعْتُهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَفِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَّهُمَا اللَّذَانِ اخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ الدَّاءَ زَالَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَصَحَّ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ تَرَكْتُ الْيَمِينَ لِلَّهِ تَعَالَى فَعَوَّضَنِي اللَّهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ جَائِزَةً وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّمَا رَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُمَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدِيثُ شَرِيكٍ عَنْ عاصم بن عبد اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بَرَاءَةٌ لَيْسَ يَثْبُتُ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ وَكَانَ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ أَجَابَ شَرِيكٌ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا قال البيهقى إن صح مَا رَوَاهُ فِي الْبَابِ حَدِيثُ سَالِمٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي قَضَاءِ عُثْمَانَ وَعَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي أَنَّهُ كَانَ لَا يَبْرَأُ من
الداء حتى يريه إياه يقول بَرِئْتُ مِنْ كَذَا وَكَذَا وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الدَّاءِ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ مِثْلُهُ وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ مَا رَأَيْتُهُمْ يُجِيزُونَ مِنْ الدَّاءِ إلَّا مَا يَثْبُتُ وَوَضَعْتَ يَدَكَ عَلَيْهِ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ كَبِيرٌ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصحابة وفاتته الصحبة بشئ يَسِيرٍ وَالْإِسْنَادُ إلَيْهِ فِي هَذَا جَيِّدٌ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يُسَمِّيهِ وَيُرِيهِ هَذَا مَا فِي هَذِهِ المسألة من
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 357)
________________________________________
الْإِثْبَاتِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَاخْتَلَفُوا عَلَى مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) أَنْ يَبْرَأَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدٍ (وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لا يبرأ من شئ مِنْ الْعُيُوبِ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ هَؤُلَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَتَّى يُسَمِّيَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَدَاوُد وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ هَكَذَا مُقَيَّدًا وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَدَاوُد مُطْلَقًا وَظَاهِرُ النَّقْلِ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إذَا سَمَّى كَفَى سَوَاءٌ أَكَانَ العيب مما يعابن أَمْ لَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا يَقُولُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَالثَّالِثُ) أنه لا يبرأ من شئ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عنه واسحق ويشبه أن يكون ذلك الاطلاق فيما يُمْكِنُ كَمَا فَصَّلَهُ أَصْحَابُنَا كَمَا سَيَأْتِي لَكِنَّ قَوْلَهُمْ إنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُعَايَنَةَ فَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِيمَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وان يُرَادُ ظَاهِرُهُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ بَعِيدٌ (الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ) أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْعَيْبِ الْبَاطِنِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً كَقَوْلِ عُثْمَانَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ هُنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عندنا فمن باع عبدا أو وليدة أو حيوان بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِيمَا بَاعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ فِي ذَلِكَ عَيْبًا فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ تَبْرِئَتُهُ وَكَانَ مَا بَاعَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَرَّجُ مِنْهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تحريره ثلاثة أقول كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّابِعُ) قَوْلٌ ثَانٍ لِمَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ مَالِكًا رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بذلك إلا في الرقيق خاصة فيبرأ ما لَمْ يَعْلَمْ وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَ فَكَتَمَ وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنْ الفحاش لان الفحاش تشترى لتريح - وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَبْرَأُ بِهِ عَيْبٌ أَصْلًا (وَالثَّامِنُ) قَوْلٌ ثَالِثٌ لمالك وقيل انه لذى رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْبَرَاءَةِ إلَّا في
ثلاثة أشياء فقط وهو بيع السلط لِلْمَغْنَمِ أَوْ عَلَى مُفْلِسٍ قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ فِي دُيُونِ الْمَيِّتِ
(وَالثَّانِي)
الْعَيْبُ الْخَفِيفُ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ (وَالثَّالِثُ) فِيمَا يُصِيبُ الرَّقِيقَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ خَاصَّةً (وَالتَّاسِعُ) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ كَمَا هُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ خَارِجٌ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَلَا أَعْرِفُهُ صَرِيحًا عَنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 358)
________________________________________
أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ إلَّا عَنْ مَذْهَبِنَا وَبَعْضِ الظاهرية وان صح أن أحد يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ عَنْ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ كَانَتْ الْمَذَاهِبُ عَشَرَةً هَذِهِ جُمْلَةُ الْمَذَاهِبِ (وَأَمَّا) تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ عَنْ طُرُقٍ أَشْهَرُهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ الْوَكِيلِ وَالْإِصْطَخْرِيُّ إنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الثَّالِثُ مِنْهَا وَهُوَ أَنَّهُ يَبْرَأُ فِي الْحَيَوَانِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَدُونَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْبَاطِنِ وَلَا يَبْرَأُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ بِحَالٍ - وَحَاصِلُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ فِي الْحَيَوَانِ ثلاثة أقول وفي غير الحيوان قولين ولا يجئ الثَّالِثُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ لَا بَاطِنَ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِهَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهَا الْأَصَحُّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهَا الْأَلْيَقُ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّ الْأُولَى أَشْهَرُ وَفِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ نِسْبَتُهَا إلَى عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَبْرَأُ فِي الْحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ الْمَعْلُومِ دُونَ الْمَعْلُومِ وَلَا يَبْرَأُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْمَعْلُومِ وَفِي غَيْرِ الْمَعْلُومِ قَوْلَانِ وَقَدْ رَأَيْتُهَا كَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) يُخَرَّجُ مِنْ مَنْقُولِ الْإِمَامِ وَهِيَ إثْبَاتُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ (ثَالِثُهَا) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وغير المعلوم (والطريقة الْخَامِسَةُ) الْقَطْعُ فِي الْحَيَوَانِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَغَيْرِهِ وَإِجْرَاءُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَهِيَ تُخَرَّجُ مِنْ نَقْلِ سَلَامٍ شَارِحِ الْمِفْتَاحِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ مُقْتَضَاهَا عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بين الباطن والظاهر وذلك طَرْدُ التَّفْصِيلِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ لَا بَاطِنَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطيب وذلك يوافق ما حكاه الامام الماوردى وَالرَّافِعِيُّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ نَفْسَ الْعِلْمِ وَالْأَكْثَرُونَ جَعَلُوا الْعُيُوبَ الظَّاهِرَةَ مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْمَعْلُومَةِ لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا وَالْبَحْثِ عَنْهَا قَالَ الْإِمَامُ وَإِذَا جَمَعَ جَامِعُ الْحَيَوَانِ
إلَى غَيْرِهِ انْتَظَمَ لَهُ أَقْوَالٌ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ
(وَالثَّانِي)
الْفَسَادُ فِي الْجَمِيعِ (وَالثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 359)
________________________________________
وَغَيْرِهِ (وَالرَّابِعُ) الْفَرْقُ بَيْنَ مَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ وَكَتَمَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبَعْضَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ فَقَدْ يَجْرِي مِنْ خِلَافِ الْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنَّ مَجْمُوعَهَا سَبْعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) صِحَّةُ الشَّرْطِ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
فَسَادُهُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) فَسَادُهُ فِيمَا عَلِمَهُ وَصِحَّتُهُ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ (وَالرَّابِعُ) فَسَادُهُ فِيمَا عَلِمَهُ أَوْ يَسْهُلُ الْعِلْمُ بِهِ (والخامس) فساده في غير الحيوان وصحة فِي الْحَيَوَانِ (وَالسَّادِسُ) فَسَادُهُ إذَا أَبْهَمَ الْعَيْبَ وَصِحَّتُهُ إذَا عَيَّنَهُ (وَالسَّابِعُ) فَسَادُهُ فِيمَا سَيَحْدُثُ فِي يَدِ الْبَائِعِ إذَا ذَكَرَ مَقْصُودًا وَصِحَّتُهُ فِيمَا عَدَاهُ (قُلْتُ) وَفِي الْخَامِسِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَتَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ يَفْسُدُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَيَصِحُّ فِي الْحَيَوَانِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ لَمْ يَسْهُلْ الْعِلْمُ بِهِ (وَالسَّابِعُ) صَحِيحٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مع جريان الخلاف مع التعيين (وَالثَّامِنُ) صَحِيحٌ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي وَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ ثَامِنٌ بِالْفَسَادِ فِيمَا سَيَحْدُثُ فِي يَدِ البائع إذا ذكر ولو تعابا (والوجه التاسع) بطلان العقد وسبب اخلاف الاصحاب على هذه الطريق أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا بَاعَ لِرَجُلٍ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ فَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ قَضَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَيَقِفُهُ عَلَيْهِ تقليلا وأن الحيوان يفارق ما سواه لانه يغتذى بالصحة والسقم وتحول طبائعه وقل ما يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ يَخْفَى أَوْ يَظْهَرُ وَإِنْ صح في القياس لولا مَا وَصَفْنَا مِنْ افْتِرَاقِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ أَنْ لَا يَبْرَأَ مِنْ عُيُوبٍ لَمْ يَرَهَا وَلَوْ سماها لاختلافهما أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهَذَا النَّصُّ نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْأُمِّ فَإِنَّ فِيهِ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَضَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ الْبَائِعُ ويقفه عليه وانا ذَهَبْنَا إلَى هَذَا تَقْلِيدًا وَأَنَّ فِيهِ مَعْنًى من الغى يفارق فيه الحيوان ما سواه وذلك انما كانت فيه الْحَيَاةُ فَكَانَ يُغَذَّى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طَبَائِعُهُ قل ما يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ يَخْفَى أَوْ يَظْهَرُ فَإِذَا خفى على البائع ابراءه يُبَرِّئُهُ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ فَقَدْ وقع اسم العيوب على ما بعضه يَقِلُّ
وَيَكْثُرُ وَيَصْغُرُ وَيَكْبُرُ وَتَقَعُ الْقِسْمَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقِفَهُ عليه وان صح في القياس لولا التقليد وما وصفنا من تفرق الحيوان بأن لا يبرأ من عيب كان به لم يبرئه صاحبه ولكن التقليد ما وصفنا الاولى بِمَا وَصَفْنَا هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْعَبْدُ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ فِيهِ تَصْرِيحًا بِالتَّسْوِيَةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ الَّذِي يُخْبِرُ عن نفسه وبينه على العيب الَّذِي بِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَلَيْسَ كَمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ ذكر إلى قَالَهُ الْمُزَنِيّ آخِرًا مِنْ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ إذَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 360)
________________________________________
عَرَفَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُونَ قَالُوا إنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ بَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الموافق لقضاء عثمان وبين القولين الاخيرين الذين أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ وَإِنْ صَحَّ فِي الْقِيَاسِ لولا مَا وَصَفْنَا أَنْ لَا يَبْرَأَ أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ - وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ الْقَوْلَ وَقَالَ لولا قَضَاءُ عُثْمَانَ وَمُفَارِقَةُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِهِ لَكَانَ الْقِيَاسُ هَذَا وَلَكِنْ تَرَكْتُ الْقِيَاسَ لِقَوْلِ عُثْمَانَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (قلت) أنا قال الشافعي في كتاب اخْتِلَافُهُ وَمَالِكٌ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ بَرِئَ مِمَّا عَلِمَ وَمِمَّا لَمْ يَعْلَمْ لَكَانَ مَذْهَبًا يَجِدُ فِيهِ حُجَّةً وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ مَذْهَبَهُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وأنه قول واحد انتهى
* والجوزي نقل عن هَذَا النَّصَّ عَنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَالْمَاوَرْدِيِّ ذَكَرَ هذا النص وقال ابن أبى خَيْرَانَ وَأَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يُخْرِجَا ذَلِكَ قَوْلًا لا جماله (قُلْتُ) وَالْإِجْمَالُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَقَدْ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا تُجَوِّزُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ قَوْلًا لَهُ وَالْمَشْهُورُ طَرِيقَةُ إثْبَاتِ الْأَقْوَالِ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي الِاسْتِذْكَارِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْعِرَاقِيِّ بِبَغْدَادَ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يُرِيهِ لِلْمُشْتَرِي فَاسْتَفَدْنَا بِهَذَا النَّقْلِ إثْبَاتَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ وَأَنَّهُ فِي الْقَدِيمِ وَأَضْعَفُ الطُّرُقِ الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ خِلَافُ صَرِيحِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَطَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُحْتَمَلَةٌ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى طَرِيقَةٍ سَادِسَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْحَيَوَانِ يَقْطَعُ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْرَأُ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا لَكَانَ ذَلِكَ وجه
وَهَذِهِ غَيْرُ طَرِيقَةِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ غَيْرِ الْمَعْلُومِ فِي الْحَيَوَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَقُولُهَا مُقْتَضَاهَا اجراء القولين في غير الحيوان فيما عَلِمَهُ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالْقَطْعُ بِالتَّفْصِيلِ فِي الْحَيَوَانِ وَوَجْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ لِقَضَاءِ عثمان وقوله انه ولولا ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ لَكَانَ يَبْرَأُ أَوْ لَا يَبْرَأُ يَعْنِي كَانَ فِيهِ قَوْلَانِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا عَدَا الْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ تَقْلِيدُ عُثْمَانَ وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وهو غير الحيوان فالطريقة الْقَاطِعَةِ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِيهِ مِنْ عَيْبٍ أصلا كما تقتضيه طريقة ابن أبى خَيْرَانَ وَأَبِي إِسْحَاقَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا غَايَةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مُقْتَضَى اسْتِدْلَالِهِمْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْقَطْعِ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَهَبَ إلَيْهَا وَلَهَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ الظاهر أنه يريد به الاول من الاحتمالمين اللذين ذكرهما لولا تَقْلِيدُ عُثْمَانَ وَمُفَارِقَةُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِهِ أَيْ أَنَّ الْقَوْلَ إنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَصَحُّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 361)
________________________________________
بِالْأَوَّلِ مَا قَالَهُ مُوَافِقًا لِقَضَاءِ عُثْمَانَ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي الْحَيَوَانِ وَقَوْلَيْنِ فِي غَيْرِهِ كَمَا هُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ
*
* (فَرْعٌ)
* قَسَّمَ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَيْعَ بشرط لبراءة إلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) يَبْرَأُ مِنْ عُيُوبٍ سَمَّاهَا وَوَقَفَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا فَهَذِهِ بَرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ وَبَيْعٌ جَائِزٌ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ وَلُزُومِ الشَّرْطِ فِي العقد فان وجد المشترى بالبيع غَيْرَ تِلْكَ الْعُيُوبِ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تِلْكَ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَبْرَأَ مِنْ عُيُوبٍ سَمَّاهَا وَلَمْ يَقِفْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا فَهَذَا عَلَى نَوْعَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ تَكُونَ الْعُيُوبُ مِمَّا لَا يُعَيَّنُ كَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ فِيهَا بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ فَلَمْ يُمْكِنْ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا وَاكْتَفَى بِالتَّسْمِيَةِ فيها فان ذكرها إعلاما والاطلاع عَلَيْهَا (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُعَايَنُ كَالْبَرَصِ وَالْقُرُوحِ فَلَا تَكْفِي التَّسْمِيَةُ حَتَّى يَقِفَ عليها ويشاهدها لان النقص الْعَيْبِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ يَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ الْعَيْبُ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهِ فَصَارَتْ التَّسْمِيَةُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ مُشَاهَدَتِهَا جُمَلًا بِهَا (قُلْتُ) وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ سَمَّاهَا لِاخْتِلَافِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا أن يقفه عليه وكلام الماوردى
يقتضى أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ لَيْسَ مَحَلَّ الْخِلَافِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا إذَا أَطْلَقَ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ يَقُولُ هُنَا عِنْدَ التَّسْمِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَقِفْهُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَرَصُ وَنَحْوُهُ فِي بَاطِنٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَفِي حَالَةِ التَّسْمِيَةِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ إنْ أَرَاهُ مَوْضِعَ الْبَرَصِ وَقَدَّرَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ فَهُوَ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْفُورَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ الرَّافِعِيُّ هَكَذَا فَصَّلُوهُ وَكَأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا يَعْرِفُهُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ الْعُيُوبِ وَأَمَّا مَا لَا يَعْرِفُهُ وَيُرِيدُ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ لَوْ كَانَ فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ تَفْرِيعًا عَلَى فَسَادِ الشَّرْطِ فِيهِ خِلَافًا مُخَرَّجًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي فَسَادِ الشَّرْطِ الْجَهَالَةُ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ صَحَّ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَلَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 362)
________________________________________
وَمَثَّلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِتَسْمِيَةِ الْعَيْبِ بِأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ الزِّنَا وَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وهذا الذى تقدم من أن الذى تسكن مُعَايَنَتُهُ لَا تَكْفِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ هُوَ قَوْلُ الاصحاب قال القاضى حسين وعنه يكون يصح في هذا الموضع لِقِلَّةِ الْجَهَالَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَثَّلَ الْقَاضِي هَذَا النَّوْعَ بِإِخْبَارِهِ بِمِثْلِ الْجِدَارِ وَانْكِسَاحِ الْجِذْعِ
*
* (فَرْعٌ)
* ادَّعَى الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْبَرَاءَةِ إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ لِأَنَّ ذِكْرَهُمَا إعْلَامٌ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي الْفَتَاوَى مَا يَقْتَضِي الْمُنَازَعَةَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ وَأَنَّهُ إنْ قَالَ هُوَ آبِقٌ وَبِعْتُكَهُ بِشَرْطِ أَنِّي برئ مِنْ عَيْبِ الْإِبَاقِ بَرِئَ قَطْعًا وَلَوْ قَالَ لا أعلمه آبقا وبعتكه بشرط أني برئ مِنْ عَيْبِ الْإِبَاقِ قَالَ فَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَدِّمَةٌ وهى أنه لو اشتراه ولم يعلمه آبقا فقال أبرأتك من عيب الاباق فبان آبقا هل له الرد وجهان كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ ابْنِهِ عَلَى ظَنِّ أنه حى فبان ميتا (فان قلنا) يبرئ بَرِئَ هُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْرَأُ فَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ هَلْ يَصِحُّ عَلَى قَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَفِي صِحَّةِ الشَّرْطِ جَوَابَانِ - وَإِنْ قال بعتكه بشرط أنى برئ من الاباق يعني لَوْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا قَالَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ إعْلَامٌ - وَإِنْ قال لاعلم هل هو آبق أو لا ولم يزد عليه يعنى ولو يشترط فوجده آبقا فله الرد ذكره هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبْرَأَ إلَيْهِ
مِنْ كُلِّ عَيْبٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهَا وَلَا يَقِفُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا فَهُوَ مَحَلُّ الْأَقْوَالِ وَالطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرِ الْقَوْلِ الظَّاهِرِ من المذهب وأجوبتها (أَمَّا) الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَبِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْمَجْهُولِ صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلَيْنِ تَخَاصَمَا عِنْدَهُ فِي مواريث درست أسهما وموجبا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 363)
________________________________________
وليحلل أحد كما صَاحِبَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَبِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ لَا تَسْلِيمَ فِيهِ فَيَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَبِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِاقْتِضَاءِ مُطْلَقِ الْعَقْدِ السَّلَامَةَ فَإِذَا صَرَّحَ بالبراءة فقد ارْتَفَعَ الْإِطْلَاقُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْهَا عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِيهِ كَلَامٌ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ صِحَّتَهُ ثُمَّ هُوَ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ هُوَ في كتاب الله فهو باطل ونهى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ (وَعَنْ الثَّانِي) بِأَنَّ التَّحْلِيلَ يَصِحُّ بِأَنْ يُصَيِّرَهُ مَعْلُومًا فَيَقُولُ مِنْ كَذَا وَكَذَا (وَعَنْ الثَّالِثِ) بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُمَا فَصَحَّا فِي الْمَجْهُولِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ من شئ من العيوب إلا بالتسمية والتوقيف فللنهى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَعَنْ الْغَرَرِ وَمِنْ الْقِيَاسِ أَنَّهُ رِفْقٌ فِي الْبَيْعِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى صِفَتِهِ كَمَا إذَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ حدوث العيب والرضى بِهِ وَبِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ فَلَا يَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْهِبَةِ وَبِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يُنْفَى بِالشَّرْطِ كَسَائِرِ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَمُلَخَّصُ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ الدَّالَّةِ لِهَذَا الْقَوْلِ تَرْجِعُ إلَى سَبَبَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
التَّعْلِيلُ بِالْجَهَالَةِ
(وَالثَّانِي)
بِمُخَالَفَةِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَوَضْعِ الشَّرْعِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنْ قَالُوا الْهِبَةُ فِيهَا تَسْلِيمٌ وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْ التسليم انتقض عليهم بالوصية والاقرار فيهما تَسْلِيمٌ وَاجِبٌ وَيَصِحَّانِ فِي الْمَجْهُولِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى بِأَنْ تُفْرَضَ الْمَسْأَلَةُ فِيمَنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِمَّا يَحْدُثُ فِي يَدِهِ مِنْ عَيْبٍ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ الضَّمَانِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَجُزْ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ ضَمَانِ جَمِيعِ الثَّمَنِ إذَا تلف في يده - وأما القول الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ فَضَعِيفَانِ جِدًّا لَا دَلِيلَ لَهُمَا وَالسَّادِسُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ قَرِيبٌ مِنْ الثَّالِثِ إلى هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 364)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
* فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْقَوْلِ الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَضَاءِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ مُفَارِقَةِ الْحَيَوَانِ لِمَا سِوَاهُ كَمَا بَيَّنَهُ فَلَوْ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ لَا يَصِحُّ لَأَدَّى إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ بَيْعٌ فِي حَيَوَانٍ أَصْلًا وَالتَّمَسُّكُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَيْضًا كَذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَتَرَافُعُهُمَا إلَى إمَامِ الْوَقْتِ فِي خُصُومَةٍ وَيُقْضَى بَيْنَهُمَا بِقَضَاءٍ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَعْسُرُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ الْإِنْكَارُ فَكَانَ إجْمَاعًا وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ مُخَالِفٌ فَإِنَّهُ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ (أَمَّا) عِلْمُهُ فَلِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْيَمِينِ (وَأَمَّا) اعْتِقَادُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَقَبِلَهُ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلِمَ وَامْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ تَوَرُّعًا (قُلْتُ) وَهَذَا الْجَوَابُ وَالِاحْتِمَالُ يُعْتَضَدُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْقَوْلُ بِالْبَرَاءَةِ لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ فِي الْعَبْدِ يُبْتَاعُ وَيَبْرَأُ صَاحِبُهُ مِنْ الْعَيْبِ فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ عمر رضى الله عنهم بأن يحلف ما كان به داءا عَلِمْتُهُ وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ التَّبَرِّي يبرئه مِمَّا عَلِمَ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَاطِبُ مَنْ سَأَلَهُ فَاخْتَرْتُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ وَسَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِكَ مَنْ يَقُولُ عُثْمَانُ الْخَلِيفَةُ وَقَضَاؤُهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَأَنَّهُ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ وَقَوْلُهُ بِهَذَا كُلِّهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ انْتَهَى
* ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا فِيمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ وَخِلَافِهِ فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي اعْتِقَادَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِعُثْمَانَ وَحِينَئِذٍ يُعْتَضَدُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ صَحِيحًا لَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال لِلشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ وَهُوَ قَائِلٌ بِخِلَافِهِ - نَعَمْ يَصِحُّ لِمَنْ يَنْظُرُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَا يتقيد بكلام الشافعي أن يقوله - وما يُضْعِفُ التَّمَسُّكُ بِهَذَا الْوَجْهِ لِلْمَذْهَبِ أَنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 365)
________________________________________
الشَّافِعِيَّ عَضَّدَ قَوْلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بما ذكره من مفارقة الحيوان لغيره وعلى هذا الوجه لا يحتاج إلى ذلك وأيضا لو كان كذلك لما سماه تقليد وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إذَا انْتَشَرَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ يَكُونُ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَفِيهِ نِزَاعٌ فَإِنَّهُ أَنْزَلَ رُتْبَةً مِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ سُكُوتُ الْبَاقِينَ
(وَإِنْ قُلْنَا) بأن الاجماع في السكوت حجة لاسيما هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الِاحْتِمَالِ الْقَوِيِّ فِي مُخَالَفَةِ ابْنِ عُمَرَ وَوُرُودِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَعَنْ زَيْدٍ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَإِنْ كَانَتْ ضعيفة فان ذلك يخرم الظن بعدم المخالف - وَذَكَرَ الْإِمَامُ هَهُنَا مُعْتَرِضًا عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَذَا الْوَجْهِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ (الْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ مِنْ اعْتِضَادِ قَوْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقِيَاسِ وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْقَدِيمِ فَلِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ - وَأَمَّا عَلَى الْجَدِيدِ فَلِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مَعَ الْقِيَاسِ الضَّعِيفِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ بِقِيَاسِ التَّقْرِيبِ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ بِقِيَاسِ التَّحْقِيقِ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ الَّذِي لَا تَجْتَمِعُ فِيهِ شُرُوطُ الْقِيَاسِ فَيُشْكَلُ اعْتِضَادُ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَيَأْتِي فِيهِ الْبَحْثُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمُرْسَلِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ أَوْ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ خفى لو انقرد يُقَدَّمُ الْقِيَاسُ الْقَوِيُّ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ وَقَدْ فَسَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مُرَادَهُ بِقِيَاسِ التَّقْرِيبِ وَقِيَاسِ التَّحْقِيقِ وَهَهُنَا مَبَاحِثُ (أَحَدُهَا) أَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقَدِيمِ حُجَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ ذَلِكَ مُطْلَقٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمُنْتَشِرِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْقَدِيمِ مَنْقُولَانِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ - وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهُ فِي الْقَدِيمِ حُجَّةٌ وَفِي الْجَدِيدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ ينتشر
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 366)
________________________________________
فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا انْتَشَرَ يَكُونُ حُجَّةً في الجديد وقال الجوزي إن قول السحابى الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُخَالِفٌ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْجَدِيدِ إذَا اُعْتُضِدَ بِضَرْبٍ مِنْ الْقِيَاسِ وَإِنَّهُ فِي الْقَدِيمِ حُجَّةٌ فَإِذَا احْتَمَلَ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا كَانَ مَا وَافَقَهُ أَوْلَى وَهُوَ أَدْوَنُ الِاجْتِمَاعَاتِ وَأَعْلَى مِنْهُ الْإِجْمَاعُ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْخَاصَّةُ كَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَأَعْلَى مِنْهُ وَهُوَ إجْمَاعُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ لِكَوْنِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي مُقَدَّمَةِ كتابه الذَّخِيرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُرِدْ الشَّافِعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ يُسَمَّى تَقْلِيدًا وَإِنَّمَا أَرَادَ قَبُولَ قَوْلِهِ فِي صُورَةِ التَّقْلِيدِ - فَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنْ قَالَ عُلَمَاؤُهَا قَوْلًا كَانَ حُجَّةً مَقْطُوعًا عَلَى مَعِيَّتِهَا وَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ
مِنْهُمْ قولا وانتشر في الباقين فان صوره أَوْ قَالُوا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ إجْمَاعٌ أَيْضًا وَحُجَّةٌ مَقْطُوعٌ عَلَى مَعِيَّتِهَا إنْ بلغهم ومكتوا وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى نَصٍّ وَلَا إنْكَارٍ فَإِذَا انْقَرَضَ الْعَصْرُ كَانَ حُجَّةً أَيْضًا مَقْطُوعًا عَلَى مَعِيَّتِهَا فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِبَارَةِ وَجْهَانِ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ لَا يُسَمَّى إجْمَاعًا - وَقَالَ دلود وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَيْسَ بِحَجَّةٍ وَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَوْلًا وَلَمْ يَنْتَشِرْ قَالَ فِي الْقَدِيمِ هُوَ حُجَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (فَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَإِنْ عَاضَدَهُ قِيَاسٌ وَإِنْ ضَعُفَ كَانَ قَوْلُهُ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ وَإِنْ لَمْ يُعَضِّدْهُ قِيَاسٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ التَّابِعِيِّ يُقَدَّمُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَلَا يُخَصُّ بِقَوْلِهِ الْعُمُومُ (وَإِنْ قُلْنَا) حُجَّةٌ قُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ فَيَكُونُ هَذَا الْقِيَاسُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ وَهَلْ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ وَجْهَانِ هَذَا فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْفُتْيَا (أَمَّا) حُكْمُهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِشَارَةِ الصَّحَابَةِ فَإِجْمَاعٌ وَإِلَّا فَإِنْ انْتَشَرَ وَلَمْ يُنْكِرْ فَاَلَّذِي سَمِعْتُ الشَّيْخَ يَقُولُ لَيْسَ بِحَجَّةٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 367)
________________________________________
الواحد إذا لم ينشر عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَسَعُ خلافه فلا يدل السكوت علي الرضى وَرَأَيْتُ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ فِي الْإِفْصَاحِ يَقُولُ هذا حجة قولا واحد وَلَكِنْ هَلْ يَقَعُ عَلَى مَعِيَّتِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ كَالْفَتْوَى
(وَالثَّانِي)
لَا وَإِذَا انْتَشَرَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ فِي التَّابِعِينَ لَمْ يَكُنْ كَانْتِشَارِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ هَذَا تَلْخِيصُ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَكَثِيرٌ مِمَّا ذَكَرَهُ شَارَكَهُ فِيهِ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَلَكِنْ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةُ فَوَائِدَ فَلِذَلِكَ رَأَيْتُ نَقْلَهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَنَّهُ إذَا عَضَّدَهُ قِيَاسٌ ضَعِيفٌ لا يصير حجة لان كلا منهما بانفراده لَيْسَ بِحُجَّةٍ (وَقَالَ) الصَّيْرَفِيُّ يَصِيرُ حُجَّةً وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَفْسِيرُ الضَّعِيفِ بِمَا يَكُونُ حُجَّةً الا أن يكون ثم قياسا أَقْوَى مِنْهُ فَيُقَدَّمُ هُوَ مَعَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فُهِمَ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّهُ يَقُولُ بِظَاهِرِ عِبَارَتِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قادحا في دعوى عدم الخلاف في مسألتنا إذا فسرنا الضعيف بالتفسير الَّذِي ذَكَرْتُهُ
وَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ وَهُوَ يُشْعِرُ بِمَا قُلْنَاهُ وَيُشِيرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ حُجَّةٌ كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ وَلَا يعضده شئ لَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ بِهِ فِي قَدِيمٍ وَلَا جَدِيدٍ وَإِنْ اعْتَضَدَ أَوْ انْتَشَرَ قَالَ بِهِ في القديم والجديد وقال الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي أَوَّلِ تَعْلِيقَتِهِ إنَّهُ إذَا اقْتَرَنَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ قِيَاسٌ خَفِيَ قُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قُلْتُهُ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ ويؤيده قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 368)
________________________________________
سَجَدَاتٍ قَالَ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْتُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ (فالظاهر) أنه فعله توقيعا فَهَذَا النَّصُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَإِنَّهُ إنَّمَا يَرُدُّهُ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَالْأُصُولِيُّونَ ذَكَرُوا هَذَا النَّصَّ مِنْ تَفَارِيعِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ لان اخْتِلَافَ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ - وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إسحاق الاسفراينى قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إذَا انْتَشَرَ حُجَّةٌ مَقْطُوعٌ بِهَا وَهَلْ يُسَمَّى إجْمَاعًا فِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ ينشر فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْقَدِيمِ فَعَلَى الْقَدِيمِ فِي تَخَصُّصِ الْعُمُومِ بِهِ وَجْهَانِ وَيُقَدَّمُ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَيْهِ وَفِي الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ وَهُوَ الشَّبَهُ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ
(وَالثَّانِي)
يُقَدَّمُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ إنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَأَمَّا عَلَى الْجَدِيدِ فَلَا يُخَصُّ به العموم قطعا وفي ترجح أحد القياسين المتعارضين به وجهان (الثاني) أن هذا القول إذا لم يكن وحده حجة فَالْقِيَاسُ الَّذِي عَضَّدَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً أَيْضًا لَمْ تثبت الدلالة باجتماعها وَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ كَافِيًا فِي الْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ الْحُجَّةَ فَالْحُجَّةُ فِيهِ لَا فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْقِيَاسَ الْقَوِيَّ يُقْتَضَى أَنْ لَا يَبْرَأَ مُطْلَقًا أَوْ يَبْرَأَ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ قِيَاسٌ صَحِيحٌ فَلَوْ انْفَرَدَ هَذَانِ الْقِيَاسَانِ لَقُلْنَا بِالْقِيَاسِ الْأَصَحِّ لَكِنْ لَمَّا جَاءَ قَضَاءُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوِيَ هُوَ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ عَلَى
الْقِيَاسِ الْأَصَحِّ وَلَا يُمْنَعُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حجة أن لا يقوى به لاسيما عُثْمَانَ وَقَضَاؤُهُ فِي هَذَا (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلِمَ سَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ تَقْلِيدًا وَقَبُولُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقَدِيمِ أَوْ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 369)
________________________________________
إذَا اعْتَضَدَ بِمَا ذَكَرْتُمْ عَلَى الْجَدِيدِ حُجَّةٌ وقبول الحجة لاسيما تَقْلِيدًا لِقَبُولِ الْخَبَرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْوَاجِبَ اتِّبَاعُهُ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِهِ وَهُوَ مَجْمُوعُ مَا حَصَلَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ مَعَ الْقِيَاسِ الْفَارِقِ وَالْمَوْصُوفِ بِالتَّقْلِيدِ هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحده واطلاقه التَّقْلِيدِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَحْدَهُ وَلَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ قَالَهُ وهذان هما حد التقليد فاجتمع هذا تَقْلِيدٌ وَدَلِيلٌ وَالْمُمْتَنِعُ عِنْدَنَا هُوَ التَّقْلِيدُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ إنَّهُ مَا قُصِدَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ مَحْضَ التَّقْلِيدِ بَلْ أَرَادَ الِاسْتِئْنَاسَ كَمَا قَالَ فِي الْفَرَائِضِ أَنَّهُ قَلَّدَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْقِيَاسِ (الرَّابِعُ) فِي قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ المشكلات التى استشكله إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَفِي الْأُمِّ مِنْ كَلَامِ الرابيع أَوْ مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ اللَّهُ أَعْلَمُ
* فِي اخْتِلَافِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (فَقُلْتُ) لِلشَّافِعِيِّ إنَّ لَنَا كتابا قد صرنا لى اتباعه وفيه ذكر ان الناس اجتمعوا فيه والامر المجتمع عندنا وَفِيهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ أَوْضَحْنَا لَكَ مَا يَدُلُّكَ عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِالْمَدِينَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَطَوَّلَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبَحْثِ في ذلك ولا يراد نحو ثلاث أوراق ثُمَّ قَالَ وَمَا كَلَّمْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا قَطُّ فرأيته يعرف معناها وما ينبغى لكن أَنْ تَجْهَلُوا كَيْفَ مَوْضِعُ الْأَمْرِ عِنْدَنَا إنْ كَانَ يُوجَدُ فِيهِ مَا تَرَوْنَ (قُلْتُ) وَقَدْ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مَالِكٍ بَيَانَ قَوْلِهِ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ (فَقَالَ) اسماعيل بن أبى أوديس سَأَلْتُ خَالِي مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّإِ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا يُفَسِّرُهُ لِي (فَقَالَ) أَمَّا قَوْلِي الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الامر الذى لا اختلاف فيه فهذا مالا اخْتِلَافَ فِيهِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا (وَأَمَّا) قَوْلِي الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَنْ أرضى من أهل وَأَقْتَدِي بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْخِلَافِ (وَأَمَّا) قَوْلِي الْأَمْرُ عِنْدَنَا
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 370)
________________________________________
وَمَا سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَرْتَضِيهِ وَأَقْتَدِي بِهِ وَمَا اخْتَرْتُهُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ
مَالِكٍ دُونَ لَفْظِهِ (قَالَ) وَتَنْزِيلُ مَالِكٍ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَرْتِيبُهَا مَعَ تَقَارُبِهَا فِي الْأَلْفَاظِ يَدُلُّ عَلَى تَجَوُّزِهِ فِي الْعِبَارَةِ وَأَنَّهُ يُطْلِقُ لَفْظَ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ تَرْجِيحَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ مِنْ الرُّتْبَةِ
*
* (التَّفْرِيعُ)
* وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (إنْ قُلْنَا) الشَّرْطُ بَاطِلٌ فَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِهِ وَجْهَانِ وَقَالَ الْإِمَامُ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ وَابْنِ دَاوُد وَالرَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي الْمَجْمُوعِ لِلْمَحَامِلِيِّ وَالتَّجْرِيدِ لَهُ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْعُدَّةِ إنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَحَّحَ الْبَيْعَ لَكِنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ بِأَثَرِ عُثْمَانَ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَعَ بُطْلَانِ الشَّرْطِ - وَاعْلَمْ أَنَّ قَضَاءَ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْيَمِينِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ نَصٌّ مِنْهُ فِي أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ عِنْدَهُ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَأَنَّ ظُهُورَ الْعَيْبِ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وان كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ أَوْ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ لَقَضَى فِيهِ بِهَذَا أَيْضًا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الَّذِي لَاحَظَهُ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* لَكِنْ يُشْكَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ عُثْمَانَ تَحْلِفُ أَنَّكَ مَا عَلِمْتَ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ صَاحِبِ هذا الوجه لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي هَذَا - الْمَذْهَبِ فِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ فِي الْعَيْبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَإِنْ خَالَفَ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِهَذَا أَنَّ أَثَرَ عُثْمَانَ صَحِيحٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفِي أَحَدِ أَمْرَيْنِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 371)
________________________________________
بَعْدَهُ إمَّا فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ العلم وغيره كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَإِمَّا فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَيْبِ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَذْهَبُ عُثْمَانَ ذَلِكَ وَهَذَا يُبَيِّنُ لَنَا إشْكَالًا فِي التَّمَسُّكِ بِهِ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْإِمَامُ تَمَسَّكَ لَهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي وَضْعِهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْعَقْدِ النُّفُوذُ فَالشَّرْطُ يَتَضَمَّنُ تَأْكِيدَ اللُّزُومِ وَالظَّاهِرُ السَّلَامَةُ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا المعنى بأنه لو صح لوجب الحكم بحصة الشَّرْطِ مِنْ وَجِهَةٍ مُوَافَقَةٍ مَقْصُودَ الْعَقْدِ - وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بأن قضية الامتناع من التزام سبب يفضى إلى رفع العقد فكان موافقا موضوع
العقد لكن يرد عليه فِي هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَكُونُ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَنْقُولُ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَجَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ يبطل العقد كسائر الشروط الفاسدة ولانه يخالف مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا الْمُصَنِّفُ وَسَيَأْتِي أَنَّ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ اخْتَارَ هَذَا أَيْضًا وَمَالَ الْغَزَالِيُّ إلَيْهِ وَفِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بشئ (وَإِنْ قُلْنَا) بِصِحَّةِ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ الرَّدُّ بِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ لَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِ نَقَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ وَهَمَ بَعْضُهُمْ فَزَعَمَ أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى إلْحَاقِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ بِالْحَادِثِ قبلها في البراءة عنه وليس في كلام الغزالي الحاق ذلك إلا في صحة اشتراط البراءة عنه فلا يعتبر بِذَلِكَ - وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْعُيُوبِ الْكَائِنَةِ وَاَلَّتِي تَحْدُثُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي حسين
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 372)
________________________________________
(احدهما) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْكَائِنَةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَذْكُرُ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ غَيْرُهُ إنَّهُ فَاسِدٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّهُ إذَا فَسَدَ الشَّرْطُ فَالْحُكْمُ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ عَلَى مَا سَبَقَ يَعْنِي فيصح العقد على المذهب فان أفرض مَا سَيَحْدُثُ بِالشَّرْطِ فَهُوَ بِالْفَسَادِ أَوْلَى قَالَ الرافعى ومقتضى ذلك مجئ الْخِلَافِ فِيهِ بِالتَّرْتِيبِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الشَّرْطَ يَبْطُلُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَعْنِي إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْكَائِنَةِ وَاَلَّتِي سَتَحْدُثُ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) صِحَّةُ الْبَرَاءَةِ فِي الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
الْفَسَادُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ تَابِعًا أَوْ مَقْصُودًا وَهَذَا مَعْنَى الْأَوْلَوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَحَيْثُ فَرَّقْنَا بَيْنَ الْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ هَلْ هُوَ حَادِثٌ أَوْ قَدِيمٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَفِيهِ وَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي اخْتِلَافِ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْحُدُوثَ وَادَّعَى المشترى التقدم فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ العلة أن الحدوث تعين
والتقدم مشكل فِيهِ فَهَهُنَا لَا يَبْرَأُ مِنْهُ الْبَائِعُ وَيَكُونُ القول قول المشتري - ومن مَنْ قَالَ الْعِلَّةُ أَنَّ مَا أَوْجَبَ الْإِمْضَاءَ أَوْلَى فَالْقَوْلُ هُنَا قَوْلُ الْبَائِعِ وَيُمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفَسْخِ - وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَهُ وَكَتَمَهُ وَلَا عَمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْحَيَوَانِ عَلَى الْأَصَحِّ - وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ نَفْسَ الْعِلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ هَلْ الْمُرَادُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِخَفَائِهِ وَإِنْ عِلْمَهُ الْبَائِعُ أَوْ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ لِجَهْلِهِ ومقتضى كلام الرويانى نسبة لاول إلَى الْمُحَصِّلِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ وَنِسْبَةُ الثَّانِي إلَى حِكَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِي الْجَامِعِ وَأَنَّهُ غَلَطٌ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ هَذَا دَفْعًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْجَامِعِ وَحَيْثُ حَكَى الْوَجْهَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ هَلْ يلحق ما مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ بِالْجَوَازِ قِيلَ نَعَمْ لِعُسْرِ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 373)
________________________________________
الْوُقُوفِ - وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ والقاضى حسين وغيرهم لا وقال المحاملى انه لا خلاف فيه وكذلك الرُّويَانِيُّ قَالَ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَجَمَاعَةٌ حَكَوْا الْخِلَافَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ الْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِتَبَدُّلِ حَالِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ الْعَيْبَ الَّذِي بِهِ قَدْ يَزُولُ بِنَفْسِهِ وَبِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْعَيْبِ الَّذِي فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ وَهَذَا يمكن بادخال عود ونحوه وبان الحيوان يغتذى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ فَلَا يَخْلُو فِي الْغَالِبِ عَنْ عَيْبٍ بِخِلَافِ هَذَا فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد ان (قلنا) نظر فيه الْإِصْطَخْرِيِّ كَانَ فِيهِ قَوْلَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ قَوْلًا وَاحِدًا (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ وَتَأْتِي فِيهِ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ
*
* (فَرْعٌ)
* قَدْ اجْتَمَعَ فِي الشَّرْطِ مَعَ الْعَقْدِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَصِحَّانِ وَيَفْسُدَانِ يَصِحُّ الْعَقْدُ ويفسد الشرط قال لامام وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ قَبْلَهُ وَهَذَا كَاخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِي شرط نفى خيار المجلس والرؤيا إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَفِيهَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ كَمَا وَصَفْنَاهَا وَخِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ خِيَارٌ شَرْعِيٌّ يتضمه مُطْلَقُ الْعَقْدِ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ (قُلْتُ) لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ (وَالْأَصَحُّ) هُنَا صِحَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ (وَأَمَّا) عَلَى مَا نَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ فَلَا (قَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ فعل هَذَا التَّرْتِيبِ يَجْتَمِعُ فِي الْحَيَوَانِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَرَابِعٌ وَهُوَ التَّفْصِيلُ
* (تَنْبِيهٌ)
* عَرَفْت
بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ فَسَادُ الشَّرْطِ فِي غير الحيون وَصِحَّتُهُ فِي الْحَيَوَانِ مَعَ التَّفْصِيلِ فِي الْبَرَاءَةِ فَإِنْ سَقَطَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَالشَّرْطُ وَالْبَيْعُ بَاطِلَانِ وَهَذَا مِنْهُ كَأَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِهِ الْبُطْلَانُ إذَا قُلْنَا بِفَسَادِ الشَّرْطِ (أَمَّا) عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الشَّرْطُ يَصِحُّ الْعَقْدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ إذَا قُلْنَا بِفَسَادِ الشَّرْطِ بِالْحَيَوَانِ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ
*
* (فَرْعٌ)
* لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ القديم والحادث في ضمانه قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَبِعَهُ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهُ مَنْعُ تَصَرُّفٍ فِي حَقٍّ ثَبَتَ لَهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَإِنَّهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مَنَعَ ثُبُوتَ الْحَقِّ
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 374)
________________________________________
وَخَالَفَ الرَّافِعِيُّ مَا جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَهُوَ أظهر ونما ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي شَرْطِ عَدَمِ الرَّدِّ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ مَبِيعِ الْبَرَاءَةِ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وأنكر المشترى (فان قلنا) البيع صحيح ومع شرط البراءة تحالفا على الصحيح وقبل الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ غَيْرَهُ وَقَالَ فيحلف أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَرْضَ (وَإِنْ قُلْنَا) فَاسِدٌ فَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي وَرَآهُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَلَا أَثَرَ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ الاطلاع أن يقول له هذه الْعُيُوبُ وَأَبْرِئْنِي مِنْهَا (وَإِذَا قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي عَلِمْتُ هَذَا الْعَيْبَ وَكَتَمْتُهُ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَعْلَمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ بِعْتُهُ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ عَيْبًا كَتَمْتُهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُثْمَانَ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ
*
* (فَرْعٌ)
* شُغِفَ بَعْضُ الْوَرَّاقِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِأَنْ يَجْعَلَ بَدَلَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ أَعْلَمَ الْبَائِعُ المشتري أن بالمبيع جميع العيوب ورضي به وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُمْ عَنْ بُطْلَانِ البيع والشرط على؟ ض اقول في شرط البراءة وهذ جَهْلٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلَا يُفِيدُ (أَمَّا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فَلِأَنَّهُ كَذِبٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فِي مَحَلٍّ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَضَادٌّ (وَأَمَّا) أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لا يكتفى
بِاَللَّهِ بِعْتُهُ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ عَيْبًا كَتَمْتُهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُثْمَانَ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ
*
* (فَرْعٌ)
* شُغِفَ بَعْضُ الْوَرَّاقِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِأَنْ يَجْعَلَ بَدَلَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ أَعْلَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ بِالْمَبِيعِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ وَرَضِيَ بِهِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُمْ عَنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ والشرط على؟ ض اقول في شرط البراءة وهذ جَهْلٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلَا يُفِيدُ (أَمَّا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فَلِأَنَّهُ كَذِبٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فِي مَحَلٍّ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَضَادٌّ (وَأَمَّا) أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لا يكتفى بِالتَّسْمِيَةِ فِيمَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ فَذِكْرُهُ مُجْمَلًا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذِكْرِ مَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهِ أَيْضًا فَهَذَا فِعْلٌ بَاطِلٌ وَشَهَادَةٌ بَاطِلَةٌ قَصَدْتُ التَّحْذِيرَ عَنْهَا لِأَنَّ كَثِيرًا يُغَيِّرُهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى هَذَا الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ وَبُطْلَانِهِ وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيَصِحُّ على الآخر ويبرأ من العيب الباطن المجهول في الحيوان دون غيره
*
المجموع شرح المهذب - جـ 12(ص: 375)
________________________________________
* (فرع)
* نحتم بِهِ الْبَابُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ خِيَارُ الْمَجْلِسِ والشرط والعيب وخلف الْمَقْصُودِ وَالْإِقَالَةِ وَالتَّحَالُفِ وَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْتُ) وَالتَّصْرِيَةُ لَمَّا كَانَتْ مُلْحَقَةً عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بِالْعَيْبِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِالْخُلْفِ لَمْ تَكُنْ خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ رُجُوعُ الْبَائِعِ عِنْدَ إفْلَاسِ الْمُشْتَرِي وَلَهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بالعيب لكن مثل هذا النكاب يقتضى عد العيب والحلف شَيْئًا وَاحِدًا فَالْوَجْهُ جَعْلُ ذَلِكَ قِسْمًا آخَرَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَيْضًا الِافْتِرَاقُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ قَبْلَ التقابس وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَبَقِيَ أَيْضًا تَعَذُّرُ إمْضَاءِ الْعَقْدِ كَمَا فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ الْمُخَالِفَةِ لَهَا مُكَايَلَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهَا (وَأَمَّا) الْخِيَارُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِ الْإِجْبَارِ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْعَيْبِ لِأَنَّهُ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ مَسْأَلَةَ الِاخْتِلَافِ فِي قِدَمِ الْعَيْبِ وَحُدُوثِهِ وَإِذَا بَاعَهُ عَصِيرًا أَوْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي الْمُهَذَّبِ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وسنشرحها هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِعَوْنِ اللَّهِ وتيسيره
*