المجموع شرح المهذب - جـ 16

 المجموع شرح المهذب

________________________________________

القسم: الفقه الشافعي

الكتاب: المجموع شرح المهذب ((مع تكملة السبكي والمطيعي))

المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت ٦٧٦هـ)

الناشر: دار الفكر

(طبعة كاملة معها تكملة السبكي والمطيعي)

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

تاريخ النشر بالشاملة: ٨ ذو الحجة ١٤٣١

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 1)

________________________________________

التكملة الثانية

 

المجموع شرح المهذب

 

للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي

المتوفى سنة ٦٧٦ هـ

‌الجزء السادس عشر

دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 3)

________________________________________

‌كتاب العتق

 

(الشارح) الرق ظاهرة اجتماعية سادت في الارض قبل الاسلام، وتوغلت في حياة المجتمعات البشرية حتى صارت لا يقوم المجتمع قائمة إلا بوجوده لان القوى العاملة في المجتمع التى تمثل عصب الانتاج وتحقيق المنجزات الاقتصادية من زراعية وعمرانية وصناعية كانت تقوم على أيدى الارقاء، وقد أدركت الدولة الرومانية أهمية هذه الفئة في حفظ كيان الدولة فحرمت على الافراد في القانون الرومانى أن يعتقوا عبيدهم، وكانت تحكم بالسجن أو التعذيب أو فرض الرق على من يضبط متلبسا بجريمة عتق عبد له، وكانت مصادر الرق متنوعة فشعوب الامم المغلوبة عسكريا تسترق للغالب من القواد والملوك الجبابرة، والجنود توزع عليهم الاسلاب ومنها رجال ونساء هذه الامم المقهورة، وكل إنسان يخطف من بلده ويفر به خاطفوه إلى أحيائهم ومضاربهم ونجوعهم يصير عبدا مسترقا لخاطفيه لهم بيعه وهبته وتوارثه ويملكون حياته وموته وليس له حرمة في تلك المجتمعات الجاهلية فارسية ورومانية وعربية وشرقية وغربية.

فلما جاء الاسلام وهو في منهجه الرصين سماوي الهداية، وفي تغييره الجذري ثورى الوسيلة، في تدرجه الرزين تربوى التعليم، وفي نظرته لهذه الفئة رحيم السلوك، راقى الاحساس، رفيع الغاية، جفف منابع الرق، ويسر مصافيه، وضيق مصادره ووسع موارده، وقصره على الحروب وحدها وجعله بين المحاربين فقط لا يتجاوزه لى الآمنين ممن لم يرفعوا سلاحا، ثم نظم العلاقة بين السيد ومولاه حتى ليتمنى الحر منا أن يكون مولى لاحد هؤلاء النبلاء من حواريى النبوة وجنود الرساله، بل إن الاسلام حين جعل المرء لا يحط عنه وزر القسم الحانث إلا بعتق رقبة، ولا قنداح عنه معرة الظهار حين يجعل إمرأته كظهر أمه إلا بعتق رقبة من قبل أن يتماسا، وجعل في تعمد الطعام في الصوم إعتاق رقبة، وجعل المؤمن الحق الذى اقتحم العقبة، هو الذى يفك الرقاب العانية، ويطعم في المسغبة المساكين الكادحة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 4)

________________________________________

بل لقد جعل اللطمة على وجه العبد فكاكا له من الرق وجعل جزاء اللطمه عتقه فمن لم يفعل مسته النار.

ثم إن الاسلام جعل من عوامل تصفيه الرق المكاتبة لقوله تَعَالَى (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ من مال الله الذى آتاكم) فجعل للعبد الحق في أن يطلب من سيده شراء نفسه مكاتبه بنجوم وأقساط يؤديها من صنعته أو عمله، وعلى سيده أن يمنحه كل أسباب اليسر وإعطاؤه بعض المال ليكون بمثابه رأس مال له في الحياة يواجه به أعباء الاستقلال عن سيده، ومن عوامل تصفيته التدبير، وهو ان يجعل رقه في حياته ثم يكون حرا بعد موته، ومن أسباب تصفيته أيضا تحريم ميراث أم الولد، وهو تحرير لها ولا ريب، لذلك نزجى اليك فصول العتق والمكاتب والمدبر شاهدة على صدق هذه القضيه التى بسطناها لك في هذه لكليمه مجزأين بها عن الشرح والتعليق لنوفر مكانا على الورق نبذله فيها لم

تتعطل أحكامه، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين،

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

العتق قربة مندوب إليه، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه، ولا يصح إلا من مطلق التصرف في المال لانه تصرف في المال كالبيع والهبه، فإن أعتق الموقوف عليه العبد الموقوف لم يصح عتقه لانه لا يملكه في أحد القولين ويملكه في الثاني الا أنه يبطل به حق البطن الثاني فلم يصح، وان أعتق المريض عبدا وعليه دين يستغرقه لم يصح لان العتق في المرض وصيه فلم يصح مع الدين، وان أعتق العبد الجاني، فعلى ما ذكرناه في العبد المرهون.

 

(فصل)

ويصح بالصريح والكناية وصريح العتق والحريه لانه ثبت لهما عرف الشرع وعرف اللغة والكناية كقوله: سيبتك وخليتك وحبلك على غاربك ولا سبيل لى عليك ولا سلطان لى عليك وأنت لله وأنت طالق وما أشبهها لانها تحتمل العتق فوقع بها العتق مع النية.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 5)

________________________________________

وفي قوله فككت رقبتك وجهان

(أحدهما)

أنه صريح لانه ورد به القرآن قال الله سبحانه فك رقبة

(والثانى)

أنه كناية لانه يستعمل في العتق وغيره، وان قال لامته: أنت على كظهر أمي ونوى العتق ففيه وجهان.

أحدهما: تعتق لانه لفظ يوجب تحريم الزوجه فكان كناية في العتق كسائر اطلاق.

والثانى: لا تعتق لانه لا يزيل الملك فلم يكن كناية في العتق بخلاف الطلاق.

 

(فصل)

وان كان بين نفسين عبد فأعتق أحدهما نصيبه، فان كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه وعتق، لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال من أعتق شركا له في عبد، فإن كان معه ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاه حصصهم وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق، وان كان بين مسلم وكافر عبد مسلم فأعتق الكافر حصته وهو موسر فالمنصوص أنه يقوم عليه، فمن أصحابنا من قال: إذا قلنا ان الكافر لا يملك العبد المسلم لم يقوم عليه لان التقويم يوجب التمليك.

ومنهم من قال: يقوم عليه قولا واحدا لانه تقوم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات، ويخالف البيع لان القصد منه التمليك وفى ذلك صغار على الاسلام والقصد من التقويم العتق ولا صغار فيه، فان كان نصف العبد وقفا ونصفه طلقا فأعتق صاحب الطلق نصيبه لم يقوم عليه الوقف لان التقويم يقتضى التمليك والوقف لا يملك، ولان الوقف لا يعتق بالمباشرة فلان لا يعتق بالتقويم أولى.

 

(فصل)

وتجب قيمة النصيب عند العتق لانه وقت الاتلاف ومتى يعتق فيه ثلاثه أقوال.

أحدها: يعتق في الحال، فإن كانت جارية فولدت كان الولد حرا، لما روى أبو المليح عن ابيه أن رجلا أعتق شقصا له من غلام فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال ليس لله شريك، وفي بعضها فأجاز عتقه.

والثانى: أنه يقع بدفع القيمة، فان كان جارية فولدت كان نصف الولد حرا ونصفه مملوكا، لما روى سالم عن أبيه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 6)

________________________________________

العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فان كان موسرا يقوم عليه ولا وكس ولا شطط ثم يعتق، ولانه عتق بعوض فلا يتقدم على العوض، كعتق المكاتب، والثالث إنه مراعى فإن دفع العوض حكمنا بأنه عتق في الحال وإن لم يدفع حكمنا

بأنه لم يعتق لانا إذا أعتقناه في الحال أضررنا بالشريك في إتلاف ماله قبل أن يسلم له العوض، وإن لم نعتقه أضررنا بالعبد في إبقاء أحكام الرق عليه، فإذا قلنا إنه مراعى لم يكن على كل واحد منهما ضرر، فان دفع القيمة كان حكمه حكم القول الاول، وإن لم يدفع كان حكمه حكم القول الثاني، فان بذل المعتق القيمة أجبرنا الشريك على قبضها، وإن طلب الشريك أجبرنا المعتق على دفعها، فان أمسك الشريك عن الطلب والمعتق عن الدفع وقلنا إن العتق يقف على الدفع فللعبد أن يطالب المعتق بالدفع والشريك بالقبض ليصل إلى حقه، فان أمسك أعتق فللحاكم أن يطالب بالدفع والقبض لما في العتق من حق الله تعالى، فان أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة ففيه وجهان

(أحدهما)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ انه يعتق لانه صادف ملكه

(والثانى)

وهو المذهب انه لا يعتق لان العتق مستحق من جهة المعتق والولاء مستحق له فلا يجوز إبطاله عليه.

 

(فصل)

وإن كان بين اثنين جارية فأحبلها أحدهما ثبت حرمة الاستيلاد في نصيبه وفي نصيب الشريك الاقوال التى ذكرناها في العتق، لان الاستيلاد كالعتق في إيجاب الحرية فكان كالاعتاق في التقويم والسرايه

(فصل)

وان اختلف المعتق والشريك في قيمة العبد والبينة متعذرة، فان قلنا انه يسرى في الحال فالقول قول المعتق لانه غارم لما استهلكه فكان القول قوله، كما لو اختلفا في قيمة ما أتلفه بالجناية.

وإن قلنا لا يعتق إلا بدفع القيمة فالقول قول الشريك لان نصيبه باق على ملكه فلا ينزع منه إلا بما يقر به كالمشترى في الشفعة.

وان ادعى الشريك انه كان يحسن صنعة تزيد بها القيمة فأنكر المعتق فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 7)

________________________________________

هو كالاختلاف في القيمه، وفيه قولان ومنهم من قال القول قول المعتق قولا واحدا لان الظاهر معه والشريك يدعى صنعة الاصل عدمها، وان ادعى المعتق عيبا في العبد ينقص به القيمه وأنكر الشريك ففيه طريقان أيضا، من أصحابنا من قال هو كالاختلاف في القيمه فيكون على قولين.

ومنهم من قال القول قول الشريك قولا واحدا، لان الظاهر معه، والمعتق يدعى عيبا الاصل عدمه.

 

(فصل)

وان كان المعتق معسرا عتق نصيبه وبقى نصيب الشريك على الرق والدليل عليه حديث ابن عمر رضى الله عنه: وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق: ولان تنفيذ العتق لدفع الضرر عن العبد، فلو أعتقنا نصيب الشريك لاضررنا به لانا نتلف ماله ولا يحصل له عوض، والضرر لا يزال بالضرر، ولهذا لو حضر الشفيع وهو معسر لم يأخذ بالشفعه لانه يزيل الضرر بالضرر.

وإن كان موسرا بقيمة البعض عتق منه بقدره، لان ما وجب بالاستهلاك إذا عجز عن بعضه وجب ما قدر عليه كبدل المتلف، وإن كان معه قيمة الحصة وعليه دين يستغرق ما معه، ففيه قولان، بناء على القولين في الدين هل يمنع وجوب الزكاة، فان قلنا لا يمنع وجب عليه العتق، وان قلنا يمنع لم يجب العتق.

 

(فصل)

وان ملك عبدا فأعتق بعضه سرى إلى الباقي لانه موسر بالقدر الذى يسرى إليه فسرى إليه، كما لو أعتق شركا له في عبد وهو موسر

(فصل)

وإن أوصى بعتق شرك له في عبد فأعتق عنه لم يقوم عليه نصيب شريكه، وان احتمله الثلث، لانه بالموت زال ملكه فلا ينفذ إلا فيما استثناه بالوصية، وان وصى بعتق نصيبه وبأن يعتق عنه نصيب شريكه والثلث يحتمله قوم عليه وأعتق عنه الجميع، لانه في الوصية بالثلث كالحى، فإذا قوم على الحى قوم على الميت بالوصية.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 8)

________________________________________

(فصل)

وإن كان عبد بين ثلاثة لاحدهم النصف وللآخر الثلث وللثالث السدس فأعتق صاحب الثلث والسدس نصيبهما في وقت واحد وكانا موسرين قوم نصيب الشريك عليهما بالسوية، لان التقويم استحق بالسراية فقسط على عدد الرؤوس كما لو اشترك اثنان في جراحة رجل فجرحه أحدهما جراحة والآخر جراحات.

 

(فصل)

وان كان له عبدان فأعتق أحدهما بعينه ثم أشكل أمر بأن يتذكر فإن قال: أعتقت هذا قبل قوله لانه أعرف بما قال فان اتهمه الاخر حلف لجواز أن يكون كاذبا، فإن نكل حلف الاخر وعتق العبدان أحدهما باقراره والاخر بالنكول واليمين، وان قال هذا بل هذا عتقا جميعا لانه صار راجعا عن الاول مقرا بالثاني، فإن مات قبل أن يبين رجع إلى قول الوارث، لان له طريقا إلى معرفته، فإن قال الوارث لا أعلم فالمنصوص أنه يقرع بينهما لانه ليس أحدهما بأولى من الاخر فرجع إلى القرعة، ومن أصحابنا من خرج فيه قولا آخر أنه يوقف إلى أن ينكشف لان القرعة تفضى إلى أن يرق من أعتقه ويعتق من أرق فوجب أن يوقف إلى أن يتبين والاول هو الصحيح، لان البيان قد فات والوقوف يضر بالوارث في رقيقه وبالحر في حق نفسه.

 

(فصل)

وان أعتق عبدا من أعبد أخذ بتعيينه وله أن يعين من شاء، فان قال: هو سالم بل غانم عتق سالم ولم يعتق غانم لانه تخير لتعيين عتق فإذا عينه في واحد سقط خياره في الثاني، ويخالف القسم قبله لان ذلك أخبار لا خيار له فيه

فلم يسقط حكم خبره.

فان مات قبل أن يعين ففيه وجهان.

أحدهما: لا يقوم الوارث مقامه في التعيين كما لا يقوم مقامه في تعيين الطلاق في احدى المرأتين فعلى هذا يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق، والثانى: يقوم مقامه وهو الصحيح لانه خيار ثابت يتعلق بالمال فقام الوارث فيه مقامه كخيار الشفعه والرد بالعيب.

 

(فصل)

ومن ملك أحد الوالدين وان علوا أو أحد المولودين وان سفلوا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 9)

________________________________________

عتقوا عليه لقوله تعالى (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هذا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض الا آتى الرحمن عبدا) فنفى الولادة مع العبودية فدل على انهما لا يجتمعان، ولان الولد بعض منه فيصير كما لو ملك بعضه، وإن ملك بعضه، فان كان بسبب من جهته كالبيع والهبه وهو موسر قوم عليه الباقي لانه عتق بسبب من جهته فصار كما لو أعتق بعض عبد، وان كان بغير سبب من جهته كالارث لم يقوم عليه لانه عتق من غير سبب من جهته، ومن ملك من سوى الوالدين والمولودين من الاقارب ولم يعتق عليه لانه لا بعضيه بينهما فكانوا كالاجانب، وان وجد من يعتق عليه مملوكا فالمستحب أن يشتريه ليعتق عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فيشتريه فيعتقه) ولا يجب عليه ذلك لانه استجلاب مال لقربة لم يتقدم وجوبها فلم يجب كشراء المال للزكاة، وإن وصى للمولى عليه بأبيه، فان كان لا تلزمه نفقته وجب على الولى قبوله لانه يعتق عليه فيحصل له جمال عاجل وثواب آجل من غير اضرار وان كان تلزمه نفقته لم يجب قبوله لانه يعتق عليه ويطالب بنفقته، وفي ذلك اضرار فلم يجز، وإن وصى له ببعضه، فان كان معسرا لزمه قبوله لانه لا ضرر عليه من جهة التقويم ولا من جهة النفقة، وإن كان موسرا والاب ممن تلزمه نفقته لم يجب قبوله لانه تلزمه نفقته وفي ذلك إضرار، وإن كان لا تلزمه نفقته ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا يجوز قبوله لان ملكه يقتضى التقويم، في ذلك اضرار.

 

(والثانى)

يلزم قبوله ولا يقوم عليه لانه يعتق عليه بغير اختياره فلم يقوم عليه كما لو ملكه بالارث.

 

‌باب القرعة

والقرعة أن تقطع رقاع متساوية ويكتب في كل رقعة ما يراد اخراجه وتجعل في بنادق من طين متساوية الوزن والصفة وتجفف وتغطى بشئ ثم يقال لرجل لم يحضر الكنابة والبندقة أخرج بندقه ويعمل بما فيها فان كان القصد عتق الثلث

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 10)

________________________________________

جزئوا ثلاثة أجزاء، وإن كان القصد عتق الربع جزئوا أربعة أجزاء، وإن كان القصد عتق النصف جزئوا جزأين وتعدل السهام، فإن كان القصد عتق الثلث فإن كان عددهم وقيمتهم متساوية، فإن كانوا ستة أعبد قيمة كل واحد منهم مائة جعل كل اثنين جزءا، ثم الحاكم بالخيار بين أن يكتب في الرقاع الاسماء ويخرج الاسماء على الحريه والرق، وبين أن يكتب الرق والحريه ويخرج على الاسماء، فإن اختار كتب الاسماء كتب كل اسمين في رقعة، فان شاء أخرج القرعة على الحرية، فإذا خرجت القرعة باسم اثنين عتقا ورق الباقون، وإن شاء أخرج على الرق، فإذا خرجت رق من فيها ثم يخرج قرعة أخرى على الرق، فإذا خرجت رق من فيها ويعتق الباقيان، والاخراج على الحريه أولى لانه أقرب إلى فصل الحكم، فان اتفق العدد واختلفت القيم وأمكن تعديل العدد بالقيمه بأن يكونوا ستة قيمة اثنين أربعمائه وقيمة اثنين ستمائة وقيمة اثنين مائتان جعل

اللذان قيمتهما أربعمائه جزءا وضم أحد العبدين المقومين بستمائة إلى أحد العبدين المقومين بمائتين ويجعل العبدان الاخران جزءا ويخرج القرعه على ما ذكرناه من الوجهين.

وإن اختلفت قيمتهم ولم يتفق عددهم بأن كانوا ثمانيه قيمة واحد مائه وقيمة ثلاثه مائه وقيمة أربعه مائه عدلوا بالقيمه، فيجعل العبد جزءا والثلاثه جزءا والاربعه جزءا، فان خرجت قرعة العتق على العبد عتق ورق السبعه.

وان خرجت على الثلاثه عتقوا ورق الخمسه.

وان خرجت على الاربعة عتقوا ورق الاربعة لانه لا يمكن تعديلهم بغير القيمه فعدلوا بالقيمه، وعلى هذا لو كانوا اثنين قيمة أحدهما مائه وقيمة الاخر مائتان جعلا جزأين وأقرع بينهما، فان خرجت قرعة العتق على المقوم بمائة عتق جميعه ورق الاخر، وان خرجت على المقوم بمائتين عتق نصفه ورق نصفه وجميع الاخر، فان اتفق العدد وأختلفت القيم فان عدل بالعدد اختلفت القيم، وان عدل بالقيمه اختلف العدد بأن كانوا ستة قيمة واحد مائه وقيمة اثنين مائه وقيمة ثلاثه مائه فالمنصوص أنهم يعدلون بالقيمه فيجعل العبد جزءا والعبدان جزءا والثلاثه جزءا وتخرج القرعه على ما ذكرناه من الوجهين.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 11)

________________________________________

ومن أصحابنا من قال يعدلون بالعدد فيجعل اللذان قيمتهما مائة جزءا ويضم أحد الثلاثة إلى المقوم بمائه فيجعلان جزءا وقيمتها مائة وثلث ويجعل الاخران جزءا وقيمتها ثلثمائة وأقرع بينهم فان خرجت القرعة على المقومين بالمائة وقد استكملا الثلث ورق الباقون، وان خرجت على العبدين المقوم أحدهما بمائه والاخر بثلث المائه عتقا ورق الاربعة الباقون ويقرع بين العبدين اللذين خرجت القرعة عليهما لانهما أكثر من الثلث فلم ينفذ العتق فيهما، فان أقرع فخرجت

القرعة على المقوم بمائة عتق ورق الاخر، وإن خرجت على المقوم بثلث المائة عتق وعتق من الاخر الثلثان لاستكمال الثلث ورق الباقي والصحيح هو المنصوص عليه لان فيما قال هذا القائل يحتاج إلى إعادة القرعة وتبعيض الرق والحريه في شخص واحد، فان اختلف العدد والقيم ولم يمكن التعديل بالعدد ولا بالقيمة بأن كانوا خمسه وقيمة أحدهم مائة وقيمة الثاني مائتان وقيمة الثالث ثلثمائة وقيمة الرابع أربعمائه وقيمة الخامس خمسمائه ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أنه يكتب أسماؤهم في رقاع بعددهم ثم يخرج على العتق، فإن خرج المقوم بخمسمائه وهو الثلث عتق ورق الاربعة.

وإن خرج المقوم بأربعمائه عتق وقد بقى من الثلث مائه فيخرج اسم آخر، فان خرج اسم المقوم بثلثمائه عتق منه ثلثه ورق باقيه والثلاثه الباقون، وعلى هذا القياس يعمل في كل ما يخرج.

والقول الثاني انهم يجزأون ثلاثة أجزاء على القيمه دون العدد فيجعل المقوم بخمسمائه جزءا، ويجعل المقوم بثلثمائه والمقوم بالمائتين جزءا، ويجعل المقوم بأربعمائه والمقوم بمائه جزءا ثم يخرج القرعه ويعتق من فيها وهو الثلث ويرق الباقون لان النبي صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء.

 

(فصل)

قال الشافعي: وان أعتق ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم فمات واحد ثم مات السيد أقرع بين الحيين والميت، فان خرج سهم الحريه على الميت رق الاثنان وحكم من خرج عليه سهم الحريه حكم الاحرار منذ خوطب بالعتق إلى أن مات وكان له ما اكتسب واستفاد بارث وغيره.

وان خرج سهم الحريه على أحد الحيين لم يعتق منه الا ثلثاء لان الميت قبل موت سيده مات عبدا فلم يكن له حكم ما خلف السيد، وان مات المعتق ولم يقرع بينهم حتى مات اثنان أقرع بين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 12)

________________________________________

الحى والميتين فان خرج بينهم العتق على الحى عتق كله وأعطى كل ما استفاد من

يوم خوطب بالعتق ورق الميتان

(فصل)

إذا أعتق في مرضه ستة أعبد لا مال له غيرهم فأعتق اثنان بالقرعه ثم ظهر مال يحتمل أن يعتق آخران جعل الاربعة جزأين وأقرع بينهم وأعتق منهم اثنان

(فصل)

وان أعتق في مرضه أعبدا له ومات وعليه دين يستغرق التركة لم ينفذ العتق، لان العتق في المرض وصيه فلا ينفذ الا في ثلث ما يفضل بعد قضاء الدين.

وان استغرق نصفها جعل التركة جزأين ويكتب في رقعة دين، وفي رقعة تركة، وان استغرق الثلث جعلوا ثلاثة أجزاء في رقعة دين وفي رقعتين تركة ويقرع بينهم فمن خرجت عليه قرعة الدين بيع في الدين وما سواه يجعل ثلاثة أجزاء ويعتق منه الثلث لانه اجتمع حق الدين وحق التركة وحق العتق، وليس بعضها بالبيع والارث والعتق بأولى من البعض وللقرعه مدخل في تمييز العتق من غيره فأقرع بينهم (فصل وان أعتقهم ومات وأقرع بينهم وأعتق الثلث ثم ظهر دين مستغرق لم ينفذ العتق لما ذكرناه، فان قال الورثة نحن نقضى الدين وننفذ العتق ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أن لهم ذلك لان المنع من نفوذ العتق لاجل الدين فإذ قضى الدين زال المنع

(والثانى)

انه ليس لهم ذلك لانهم تقاسموا العبيد بالقرعه وقد تعلق بهم حق الغرماء فلم يصح، كما لو تقاسم شريكان ثم ظهر شريك ثالث، فعلى هذا يقضى الدين ثم يستأنف العتق، وان كان الدين يستغرق نصف التركة فهل يبطل العتق بالجميع، فيه وجهان

(أحدهما)

يبطل كما قلنا في قسمة الشريكين

(والثانى)

يبطل بقدر الدين لان بطلانه بسببه فيقدر بقدره، فان كان الذى أعتق عبدين عتق من كل واحد منهما نصفه ورق النصف ثم يقرع بينهما لجمع الحريه فان خرجت القرعه لاحدهما وكانت قيمتها سواء عتق وبيع الاخر في

الدين، وان كانت قيمة أحدهما أكثر فخرجت القرعه على أكثرهما قيمة عتق منه نصف قيمة العبدين ورق باقيه والعبد الاخر.

وان خرجت على أقلهما قيمة عتق وعتق من الثاني تمام النصف وبيع الباقي في الدين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 13)

________________________________________

(باب المدبر)

التدبير قربة لانه يقصد به العتق ويعتبر من الثلث في الصحة والمرض، لما رُوِيَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المدبر من الثلث، ولانه تبرع يتنجز بالموت فاعتبر من الثلث كالوصيه، فإن دبر عبدا وأوصى بعتق آخر وعجز لثلث عنهما أقرع بينهما.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يقدم المدبر لانه يعتق بالموت والموصى بعتقه لا يعتق بالموت والصحيح هو الاول لان لزومهما بالموت فاستويا

(فصل)

ويصح من السفيه لانه إنما منع من التصرف حتى لا يضيع ماله فيفتقر وبالتدبير لا يضيع ماله لانه باق على ملكه، وإن مات استغنى عن المال وحصل له الثواب، وهل يصح من الصبى المميز، فيه قولان (أحدهما أنه يصح لما ذكرناه في السفيه

(والثانى)

لا يصح وهو الصحيح لانه ليس من أهل العقود فلم يصح تدبيره كالمجنون

(فصل)

والتدبير هو أن يقول إن مت فأنت حر، فإن قال دبرتك أو أنت مدبر ونوى العتق صح، وإن لم ينو فالمنصوص في المدبر أنه يصح.

وقال في المكاتب إذا قال كاتبتك على كذا وكذا لم يصح حتى يقول فإذا أديت فأنت حر فمن أصحابنا من نقل جوابه في المدبر إلى المكاتب وجوابه في المكاتب إلى المدبر وجعلهما على قولين

(أحدهما)

أنهما صريحان لانهما موضوعان للعتق في عرف الشرع

(والثانى)

أنهما كنايتان فلا يقع العتق بهما إلا بقرينة أو نية لانهما يستعملان في العتق وغيره، ومنهم من قال في المدبر صريح وفي المكاتب كناية، ولم يذكر فرقا يعتمد عليه.

 

(فصل)

ويجوز مطلقا وهو أن يقول: إن مت فأنت حر، ويجوز مقيدا وهو أن يقول: إن مت من هذا المرض أو في هذا البلد فأنت حر، لانه عتق معلق على صفة فجاز مطلقا ومقيدا كالعتق المعلق على دخول الدار، ويجوز تعليقه على شرط، بأن يقول إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتى، كما يجوز أن يعلق العتق المعلق على دخول الدار بشرط قبله، فإن وجد الشرط صار مدبرا،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 14)

________________________________________

وان لم يوجد الشرط حتى مات السيد لم يصر مدبرا لانه علق التدبير على صفة، وقد بطلت الصفه بالموت فسقط ما علق عليه.

 

(فصل)

ويجوز تدبير المعتق بصفة كما يجوز أن يعلق عتقه على صفة أخرى فإن وجدت الصفة قبل الموت عتق بالصفة وبطل التدبير به، وإن مات قبل وجود الصفه عتق بالتدبير وبطل العتق بالصفة، ويجوز تدبير المكاتب كما يجوز أن يعلق عتقه على صفة، فإذا دبره صار مكاتبا مدبرا ويستحق العتق بالكتابة والتدبير، فإن أدى المال قبل الموت عتق بالكتابة وبطل التدبير، وإن مات قبل الاداء فإن كان يخرج من الثلث عتق بالتدبير وبطلت الكتابة، وإن لم يخرج جميعه عتق منه بقدر الثلث ويسقط من مال الكتابة بقدره وبقى الباقي على الكتابة، ولا يجوز تدبير أم الولد، لان الذى يقتضيه التدبير هو العتق بالموت، وقد استحقت ذلك بالاستيلاد فلم يفد التدبير شيئا، فإذا برها ومات عتقت بالاستيلاد من رأس المال.

 

(فصل)

ويجوز تدبير الحمل كما يجوز في بعض عبد كما يجوز عتقه، ويجوز في العتق، فإن كان بين رجلين عبد فدبر أحدهما نصيبه وهو موسر فهل يقوم

عليه نصيب شريكه ليصير الجميع مدبرا، فيه قولان

(أحدهما)

يقوم عليه لانه أثبت له شيئا يفضى إلى العتق لا محالة فأوجب التقويم كما لو استولد جاريه بينه وبين غيره

(والثانى)

وهو المنصوص أنه لا يقوم عليه لان التقويم انما يجب بالاتلاف كالعتق أو بسبب يوجب الاتلاف كالاستيلاد والتدبير ليس باتلاف ولا سبب يوجب الاتلاف لانه يمكن نقضه بالتصرف فلم يوجب التقويم، فان كان له عبد فدبر بعضه فالمنصوص أنه لا يسرى إلى الباقي وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يسرى فيصير الجميع مدبرا، ووجههما ما ذكرناه في المسألة قبلها، فان كان عبد بين اثنين فدبراه فأن قال كل واحد منهما إذا مت فأنت حر جاز، كما لو أعتقاه، فان أعتق أحدهما نصيبه بعد التدبير وهو موسر فهو يقوم عليه نصيب شريكه ليعتق، فيه قولان منصوصان:

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 15)

________________________________________

(أحدهما)

لا يقوم عليه لان لنصيب شريكه جهة يعتق بها فاستغنى عن التقويم ولانا إذا قومناه على المعتق أبطلنا على شريكه ما ثبت له من العتق والولاء بحكم التدبير.

 

(والثانى)

يقوم عليه ليصير الكل حرا لان المدبر كالقن في الملك والتصرف فكان كالقن في التقويم والسراية، فإن كان بين نفسين عبد فقالا إذا متنا فأنت حر لم يعتق حصة واحد منهما إلا بموته وموت شريكه، فان ماتا معا عتق عليهما بوجود الصفة فان مات أحدهما قبل الآخر انتقل نصيب الميت إلى وارثه ووقف عنقه على موت الاخر فإذا مات الاخر عتق، فان قالا: أنت حبيس على آخرنا موتا فالحكم فيها كالحكم في المسألة قبلها إلا في فصل واحد وهو أن في المسألة الاولى إذا مات أحدهما انتقل نصيب الميت إلى وارثه إلى أن يموت الاخر وفي هذه إذا مات أحدهما كان منفعة نصيبه موصى بها للآخر إلى أن يموت لقوله

أنت حبيس على آخرنا موتا فإذا مات الاخر عتق.

 

(فصل)

ويملك المولى بيع المدبر، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا أعتق غلاما له عن دبر منه ولم يكن له مال غيره فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فبيع بسبعمائة أو بتسعمائة ويملك هبته ووقفه وكتابته قياسا على البيع ويملك أكسابه ومنافعه وأرش ما يجنى عليه لانه لما كان كالعبد القن في التصرف في الرقيه كان كالقن فيما ذكرناه، وان جنى خطا تعلق الارش برقبته وهو بالخيار بين أن يسلمه للبيع وبين أن يفديه كما يفدى العبد القن لانه كالقن في جواز بيعه فكان كالقن في جواز التسليم للبيع والفداء، وان مات السيد قبل أن يفديه.

فإن قلنا: لا يجوز عتق الجاني لم يعتق وللوارث الخيار بين التسليم للبيع وبين الفداء كالسيد في حياته.

وان قلنا: يجوز عتق الجاني عتق من الثلث ووجب أرش الجناية من التركة لانه عتق بسبب من جهته فتعلق الارش بتركته ولا يجب إلا أقل الامرين من قيمته أو أرش الجناية لانه لا يمكن تسليمه للبيع بعد العتق

(فصل)

وإن كان المدبر جارية فأتت بولد من النكاح أو الزنا فهل يتبعها في التدبير فيه قولان.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 16)

________________________________________

(أحدهما)

يتبعها لانها تستحق الحرية فتبعها الولد كأم الولد، فعلى هذا ان ماتت الام في حياة المولى لم يبطل التدبير في الوالد.

 

(والثانى)

لا يتبعها لانه عقد يلحقه الفسخ فلم يسر إلى الولد كالرهن والوصية وان دبرها وهى حامل تبعها الولد قولا واحدا كما يتبعها في العتق، وان دبر عبدا ثم ملكه جارية فأتت منه بولد لحقه نسبه لانه يملكها في أحد القولين وله فيها شبهة في القول الثاني لاختلاف الناس في ملكه.

(فإن قلنا) لا يملك الجارية فالولد مملوك للمولى لانه ولد أمته (وان قلنا)

يملكها فالولد ابن المدبر ومملوكه لانه من أمته وهل يكون مدبرا فيه وجهان.

أحدهما: أنه ليس بمدبر لان الولد انما يتبع الام دون الاب والام غير مدبرة، والثانى: أنه مدبر لانها علقت به في ملكه فكان كالاب كولد الحر من أمته.

 

(فصل)

ويجوز الرجوع في التدبير بما يزيل الملك كالبيع والهبة المقبوضة لما رويناه من حديث جابر رضى الله عنه وهل يجوز بلفظ الفسخ كقوله: فسخت ونقضت ورجعت.

فيه قولان أحدهما: أنه يجرى مجرى الوصية فيجوز له فسخه بلفظ الفسخ وهو اختيار المزني لانه تصرف يتنجز بالموت يعتبره من الثلث فهو كالوصية.

والثانى: أنه يجرى مجرى العتق بالصفة فلا يجوز فسخه بلفظ الفسخ هو الصحيح لانه عتق علقه على صفة فهو كالعتق بالصفات، وان وهبه ولم يقبضه فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ان قلنا: انه كالوصية فهو رجوع، وان قلنا: انه كالعتق بالصفة فليس برجوع لانه لم يزل الملك.

ومنهم من قال: هو رجوع على القولين لانه تصرف يفضى إلى زوال الملك وان كاتبه، فان قلنا ان التدبير كالوصيه كان رجوعا كما لو أوصى بعبد ثم كاتبه، وان قلنا أنه كالعتق بالصفة لم يكن رجوعا بل يصير مدبرا مكاتبا وحكمه ما ذكرناه فيمن دبر مكاتبا، وان دبره ثم قال ان أديت إلى وارثي ألفا فأنت حر.

(فان قلنا) انه كالوصيه كان ذلك رجوعا في التدبير لانه عدل عن العتق بالموت إلى العتق بأداء المال فبطل التدبير ويتعلق العتق بالاداء.

وان قلنا: انه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 17)

________________________________________

كالعتق بالصفة وخرج من الثلث عتق بالتدبير وسقط حكم الاداء بعده لانه علق عنقه بصفة متقدمة ثم علقه بصفة متأخره فعتق بأسبقهما وأسبقهما الموت فعتق به وإن دبر جارية ثم أولدها بطل التدبير لان العتق بالتدبير والاستيلاد في وقت

واحد والاستيلاد أقوى فاسقط التدبير.

 

(فصل)

ويجوز الرجوع في تدبير البعض كما يجوز التدبير في الابتداء في البعض، وان دبر جارية فأتت بولد من نكاح أو زنا وقلنا انه يتبعها في التدبير ورجع في تدبير الام لم يتبعها الولد في الرجوع وان يتبعها في التدبير كما أن ولد ام الولد يتبعها حق الحرية ثم لا يتبعها في بطلان حقها من الحرية بموتها، وان دبرها الصبى وقلنا انه يصح تدبيره، فان قلنا: يجوز الرجوع بلفظ الفسخ جاز رجوعه لانه لا حجر عليه في التدبير فجاز رجوعه فيه كالبالغ، وإن قلنا: لا يجوز الرجوع الا بتصرف يزيل الملك لم يصح الرجوع في تدبيره الا بتصرف يزيل الملك من جهة اولى.

 

(فصل)

وان دبر عبده ثم ارتد فقد قال أبو إسحاق لا يبطل التدبير، فان مات عنق العبد لانه تصرف نفذ قبل الرد فلم تؤثر الردة فيه كما لو باع ماله ثم ارتد، ومن أصحابنا من قال: يبطل التدبير لان المدبر انما يعتق إذا حصل للورثة شئ مثلاه وها هنا لم يحصل للورثة شئ فلم يعتق.

ومنهم من قال: يبنى على الاقوال في ملكه، فان قلنا: يزول ملكه بالردة بطل لانه زال ملكه فيه فأشبه إذا باعه، وان قلنا لا يزول لم يبطل كما لو لم يدبر وإن فلنا: موقوف فالتدبير موقوف وما قال أبو إسحاق غير صحيح لانه ارتد والمدبر على ملكه فزال بالردة بخلاف ما لو باعه قبل الردة وما قال الآخر لا يصح لان ماله بالموت صار للمسلمين وقد حصل لهم مثلاه.

 

(فصل)

وان دبر الكافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد ولم يرجع السيد في التدبير ففيه قولان.

أحدهما: يباع عليه وهو اختيار المزني لانه يجوز بيعه فبيع عليه كالعبد القن والثانى: لا يباع عليه وهو الصحيح لانه لا حظ للعبد في بيعه لانه يبطل به

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 18)

________________________________________

حقه من الحرية فعلى هذا هو بالخيار بين أن يسلمه إلى مسلم وينفق عليه إلى أن يرجع في التدبير فيباع عليه أو يموت فيعتق عليه وبين أن يخارجه على شئ لانه لا سبيل إلى افراره في يده فلم يجز إلا ما ذكرناه، فإن مات السيد وخرج من الثلث عتق، وإن لم يخرج عتق منه بقدر الثلث وبيع الباقي على الورثة لانه صار قنا.

 

(فصل)

وان اختلف السيد والعبد فادعى العبد أنه دبره وأنكر السيد، فان قلنا إن التدبير كالعتق بالصفة صح الاختلاف لانه لا يمكن الرجوع فيه، والقول قول السيد لان الاصل أنه لم يدبر.

وان قلنا: انه كالوصية ففيه وجهان، أحدهما: أن القول قول السيد لان جحوده رجوع وهو يملك الرجوع، والثانى أنه ليس برجوع وهو المذهب لانه قال في الدعوى والبينات إذا أنكر السيد قلنا له قل رجعت ولا يحتاج إلى اليمين فدل على أن جحوده ليس برجوع، والدليل عليه أن جحود الشئ ليس برجوع كما أن جحود النكاح ليس بطلاق فعلى هذا يصح الاختلاف والحكم فيه كالحكم فيه إذا قلنا انه عتق بلصفة، وان مات السيد واختلف العبد والوارث صح الاختلاف على القولين والقول قول الوارث، وان كان في يده مال فقال كسبته بعد العتق، وقال الوارث بل كسبته قبل العتق قالقول قول المدبر لان الاصل عدم الكسب الا في الوقت الذى وجد فيه وقد وجد وهو في يد المدبر فكان له، وان كان أمة ومعها ولد فادعت أنها ولدته بعد التدبير.

وقال الوارث بل ولدته قبل التدبير فالقول قول الوارث لان الاصل في الولد الرق.

 

(فصل)

ويجوز تعليق العتق على صفة مثل أن يقول ان دخلت الدار فأنت حر، وان أعطيتني ألفا فأنت حر لانه عتق على صفة فجاز كالتدبير، فان

قال ذلك في المرض اعتبر من الثلث، لانه لو أعتقه اعتبر من الثلث، فإذا عقده اعتبر من الثلث، وان قال ذلك وهو صحيح اعتبر من رأس المال سواء وجدت الصفة وهو صحيح أو وجدت وهو مريض لان العتق انما يعتبر من الثلث في حال المرض لانه قصد إلى الاضرار بالورثة في حال يتعلق حقهم بالمال وههنا لم يقصد إلى ذلك، فان علق العتق على صفة مطلقة ثم مات بطل لان تصرف الانسان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 19)

________________________________________

مقصور على حال الحياة فحمل إطلاق الصفة عليه، وأن علق عتقه على صفة بعد الموت لم يبطل بالموت لانه يملك العتق بعد الموت في الثلث فملك عقده على صفة بعد الموت.

 

(فصل)

وإن علق عتق امة على صفة ثم أتت بولد من النكاح أو الزنا فهل يتبعها الولد فيه قولان كما قلنا في المدبرة، فان بطلت الصفه في الام بموتها أو بموته بطلت في الولد لان الولد يتبعها في العتق لا في الصفة بخلاف ولد المدبرة فانه يتبعها في التدبير فإذا بطل فيها بقى فيه، وإن قال لامته أنت حرة بعد موتى بسنة فمات السيد وهى تخرج من الثلث، فللوارث أن يتصرف في كسبها ومنفعتها ولا يتصرف في رقبتها لانها موقوفة على العتق، فان أتت بولد بعد موت السيد فقد قال الشافعي رحمه الله يتبعها الولد قولا واحدا، فمن أصحابنا من قال فيه قولان كالولد الذى تأنى به قبل الموت والذى قاله الشافعي رحمه الله احد القولين، ومنهم من قال يتبعها الولد قولا واحدا لانها أتت به، وقد استقر عتقها بالموت فيتبعها الولد كأم الولد بخلاف ما قبل الموت فان عتقها غير مستقر لانه يلحقه الفسخ.

 

(فصل)

وان علق عتق عبده على صفة لم يملك الرجوع فيها بالقول لانه كاليمين أو كالنذر والرجوع في الجميع لا يجوز، ويجوز الرجوع فيه بما يزيل الملك كالبيع وغيره، فان علق عتقه على صفة ثم باعه ثم رجع إليه فهل يعود حكم الصفة

فيه قولان بناء على القولين فيمن علق طلاق إمراته على صفة وبانت منه ثم تزوجها، وإن دبر عبده ثم باعه ثم رجع إليه، فان قلنا: ان التدبير كالوصية لم يرجع لان الوصية إذا بطلت لم تعد، وان قلنا انه كالعتق بصفة فهل يعود أم لا على ما ذكرناه من القولين.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 20)

________________________________________

‌كتاب المكاتب

 

الكتابة جائرة لقوله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) ولا تجوز الكتابة إلا من جائز التصرف في المال لانه عقد على المال فلم يجز إلا من جائز التصرف في المال كالبيع، ولا يجوز أن يكاتب عبد اجيرا لان الكتابة تقتضي التمكين من التصرف والاجارة تمنع من ذلك، ولا يجوز أن يكاتب عبدا مرهونا لان الرهن يقتضى البيع والكتابة تمنع البيع، وتجوز كتابة المدبر وأم الولد لانه عتق بصفة يجوز ان تتقدم على الموت فجاز في المدبر وأم الولد كالعتق المعلق على دخول الدار، فإن كتب مدبرا صار مكاتبا ومدبرا، وقد بينا حكمه في المدبر، وان كاتب أم ولد صارت مكاتبة وأم ولد فان أرت المال قبل موت السيد عتقت بالكتابة، وان مات السيد قبل الاداء عتقت بالاستيلاد وبطلت الكتابة.

 

(فصل)

وتجوز كتابة بعض العبد إذا كان باقيه حرا لانه كتابة على جميع ما فيه من الرق فأشبه كتابة العبد في جميعه، وإن كان عبد بين اثنين فكاتبه احدهما في نصيبه بغير إذن شريكه لم يصح لانه لا يعطى من الصدقات ولا يمكنه الشريك من الاكتساب بالاسفار، وان كاتبه باذن شريكه ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا يصح لما ذكرناه من نقصان كسبه.

 

(والثانى)

يصح لان المنع لحق الشريك فزال بالاذن، وان كان لرجل عبد

فكاتبه في بعضه فالمنصوص انه لا يصح، واختلف أصحابنا فيه فذهب أكثرهم إلى أنه لا يصح قولا واحدا كما لا يصح أن يبعض العتق فيه، ومنهم من قال: إذا قلنا انه يصح أن يكاتب نصيبه في العبد المشترك باذن الشريك صح ههنا لان اتفاقهما على كتابة البعض كاتفاق الشريكين، فإن وصى رجل بكتابة عبد وعجز الثلث عن جميعه فالمنصوص أنه يكاتب القدر الذى يحتمله الثلث، فمن أصحابنا من جعل في الجميع قولين ومنهم من قال: يصح في الوصيه، وقد فرق بينه وبين العبد المشترك بأن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 21)

________________________________________

الكتابة في العبد المشترك غير مستحقة في جميعه والكتابة في الوصية استحقت في جميعه فإذا تعذرت في البعض لم تسقط في الباقي.

 

(فصل)

وان طلب العبد الكتابة نظرت فإن كان له كسب وأمانة استحب أن يكاتب لقوله عز وجل (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وقد فسر الخبر بالكسب والامانة، ولان المقصود بالكتابة العتق على مال، وبالكسب والامانة يتوصل إليه، ولا يجب ذلك لانه عتق فلا يجب بطلب العبد كالعتق في غير الكتابة.

وإن لم يكن له كسب ولا أمانه أو له كسب بلا أمانه لم تستحب لانه لا يحصل المقصود بكتابته ولا تكره لانه سبب للعتق من غير اضرار فلم تكره.

وان كان له امانة بلا كسب ففيه وجهان.

(احدهما) انه لا تستحب لان مع عدم الكسب يتعذر الاداء فلا يحصل المقصود

(والثانى)

تستحب لان الامين يعان ويعطى من الصدقات، وان طلب السيد الكتابة فكره العبد لم يجبر عليه، لانه عتق على مال فلا يجبر العبد عليه كالعتق على مال في غير الكتابة.

 

(فصل)

ولا يجوز الا بعوض مؤجل لانه إذا كاتبه على عوض حال لم

يقدر على أدائه فينفسخ العقد ويبطل المقصود، ولا يجوز على أقل من نجمين، لما روى عن أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه أنه غضب على عبد له وقال: لاعاقبنك ولاكتبنك على نجمين، فدل على أنه لا يجوز على أقل من ذلك.

وعن على كرم الله وجهه أنه قال: الكتابة على نجمين والايتاء من الثاني، ولا يجوز الا على نجمين معلومين، وأن يكون ما يؤدى في كل نجم معلوما لانه عوض منجم في عقد، فوجب العلم بمقدار النجم ومقدار ما يؤديه فيه كالسلم إلى أجلين.

 

(فصل)

ولا يجوز الا على عوض معلوم الصفه، لانه عوض في الذمه فوجب العلم بصفته كالمسلم فيه.

 

(فصل)

وتجوز الكتابة على المنافع، لانه يجوز أن تثبت في الذمة بالعقد

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 22)

________________________________________

فجاز الكتابة عليها كالمال فان كاتبه على عملين في الذمة في نجمين جاز كما يجوز على مالين في نجمين، وان كاتبه على خدمة شهرين لم يجز لان ذلك نجم واحد، وان كاتبه على خدمة شهر ثم على خدمة شهر بعده لم يجز لان العقد في الشهر الثاني على منفعة معينة في زمان مستقبل فلم يجز كما لو استأجره للخدمة في شهر مستقبل.

وان كاتبه على دينار وخدمة شهر بعده لم يجز لانه لا يقدر على تسليم الدينار في الحال، وان كاتبه على خدمة شهر ودينار في نجم بعده جاز لانه يقدر على تسليم الخدمه فهو مع الدينار كالمالين في نجمين، وإن كاتبه على خدمة شهر ودينار بعد انقضاء الشهر فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق لا يجوز لانه إذا لم يفصل بينهما صارا نجما واحدا.

ومنهم من قال يجوز لانه يستحق الدينار في غير الوقت الذى يستحق فيه الخدمه وانما يتصل استيفاؤهما.

فعلى هذا لو كاتبه على خدمة شهر ودينار في نصف الشهر جاز لانه يستحق الدينار في غير الوقت الذى

يستحق فيه الخدمه.

 

(فصل)

وان كاتب رجلان عبدا بينهما على مال بينهما على قدر الملكين وعلى نجوم واحدة جاز، وان تفاضلا في المال مع تساوى الملكين أو تساويا في المال مع تفاضل الملكين، أو على أن نجوم أحدهما أكثر من نجوم الآخر أو على أن نجم أحدهما اطول من نجم الآخر ففيه طريقان، من أصحابنا من قال يبنى على القولين فيمن كاتب نصيبه من العبد بإذن شريكه، فإن قلنا يجوز جاز، وان قلنا لا يجوز لم يجز لان اتفاقهما على الكتابة، ككتابة أحدهما في نصيبه بإذن الآخر.

وعلى هذا يدل قول الشافعي رحمه الله تعالى فانه قال في الام: ولو أجزت لاجزت أن ينفرد أحدهما بكتابة نصيبه، فدل على أنه إذا جاز ذلك هذا، وان لم يجز ذلك لم يجز هذا.

ومنهم من قال لا يصح قولا واحدا لانه يؤدى إلى أن ينتفع أحدهما بحق شريكه من الكسب لانه يأخد أكثر مما يستحق وربما عجز المكاتب فيرجع على شريكه بالفاضل بعدما انتفع به.

 

(فصل)

ولا يصح على شرط فاسد لانه معاوضة يلحقها الفسخ فبطلت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 23)

________________________________________

بالشرط الفاسد كالبيع، ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل، لانه عقد يبطل بالجهالة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع.

 

(فصل)

وإذا انعقد العقد لم يملك المولى فسخه قبل العجز لانه أسقط حقه منه بالعوض فلم يملك فسخه قبل العجز عن العوض كالبيع، ويجوز للعبد أن يمتنع من أداء المال لان ما لا يلزمه إذا لم يجعل شرطا في عتقه لم يلزمه إذا جعل شرطا في عتقه كالنوافل، وهل يملك أن يفسخ، فيه وجهان من أصحابنا من قال لا يملك لانه لا ضرر عليه في البقاء على العقد ولا فائدة له في الفسخ فلم يملكه،

ومنهم من قال له أن يفسخ لانه عقد لحظه فملك أن ينفرد بالفسخ كالمرتهن، فان مات المولى لم يبطل العقد لانه لازم من جهته فلم يبطل بالموت كالبيع، وينتقل المكاتب إلى الوارث لانه مملوك لا يبطل رقه بموت الموالى فانتقل إلى وارثه كالعبد القن وان مات العبد بطل العقد لانه فات المعقود عليه قبل التسليم فبطل العقد كالمبيع إذا تلف قبل القبض ولا يجوز شرط الخيار فيه، لان الخيار لدفع الغبن عن المال والسيد يعلم أنه مغبون من جهة المملوك لانه يبيع ماله بماله والعبد مخير بين أن يدفع المال وبين أن لا يدفع فلا معنى لشرط الخيار، فان اتفقا على الفسخ جاز، لانه عقد يلحقه الفسخ بالعجز عن المال، فجاز فسخه بالتراضى كالبيع.

(باب ما يملكه المكاتب وما لا يمكله) ويملك المكاتب بالعقد اكتساب المال بالبيع والاجارة والصدقه والهبه والاخذ بالشفعة والاحتشاش والاصطياد وأخذ المباحات، وهو مع المولى كالأجنبي مع الأجنبي في ضمان المال وبذل المنافع وأرش الاطراف لانه صار بما بذله له من العوض عن رقبته كالخارج عن ملكه ويملك التصرف في المال بما يعود إلى مصلحته ومصلحة ماله، فيجوز أن ينفق على نفسه لان ذلك من أهم المصالح وله أن يفدى في حياته نفسه أو رقيقه لان له فيه مصلحة، وله أن يختن غلامه يؤدبه لانه اصلاح للمال.

وأما الحد فالمنصوص أنه لا يملك اقامته لان طريقه الولاية والمكاتب ليس من أهل الولاية

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 24)

________________________________________

ومن أصحابنا من قال: له أن يقيم الحد كما يملك الحر في عبده وله أن يقتص في الجناية عليه وعلى رقيقه.

وذكر الربيع قولا آخر أنه لا يقتص من غير اذن المولى ووجهه أنه ربما عجز فيصير ذلك السيد فيكون قد أتلف الارش الذى كان

للسيد أن يأخذه لو لم يقتص منه.

قال أصحابنا: هذا القول من تخريج الربيع، والمذهب أنه يجوز أن يقتص لان فيه مصلحة له.

 

(فصل)

وان كان المكاتب جارية فوطئها المولى وجب عليه المهر ولها أن تطالب به لتستعين به على الكتابة لانه يجرى مجرى الكسب وان أذهب بكارتها لزمه الارش لانه اتلاف جزء لا يستحقه فضمن بدله كقطع الطرف وإن أتت منه بولد صارت مكاتبة وأم ولد، وقد بينا حكمهما في أول الباب، وان كانت مكاتبة بين اثنين فأولدها أحدهما نظرت، فإن كان معسرا صار نصيبه أم ولد، وفي الولد وجهان

(أحدهما)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أن الولد ينعقد جميعه حرا ويثبت للشريك في ذمة الوطئ نصف قيمته لانه يستحيل أن ينعقد نصف الولد حرا ونصفه عبدا.

 

(والثانى)

وهو قول أبى إسحاق: ان نصفه حر ونصفه مملوك، وهو الصحيح اعتبارا بقدر ما يملك منها ولا يمتنع أن ينعقد نصفه حرا ونصفه عبدا كالمرأة إذا كان نصفها حرا ونصفها مملوكا فأتت بولد فان نصفه حرا ونصفه عبد، وان كان موسرا فالولد حر وصار نصيبه من الجارية أم ولد، ويقوم على الواطئ نصيب شريكه وهل يقوم في الحال فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ: فِيهِ قولان.

 

(أحدهما)

يقوم في الحال، فإذا قوم انفسخت الكتابة وصار جميعها أم ولد للواطئ ونصفها مكاتبا له فإن أدت المال عتق نصفها وسرى إلى باقيها.

(والقول الثاني) أنه يؤخر التقويم إلى العجز، فإن أدت ما عليها عتقت عليها بالكتابة، وإن عجزت قوم على الواطئ نصيب شريكه وصار الجميع أم ولد وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يقوم في الاستيلاد نصيب الشريك في الحال قولا واحدا، بل يؤخر إلى أن تعجز لان العتق فيه حظ للعبد لانه يتعجل له

الحريه في الباقي ولا حظ لها في التقويم في الاستيلاد بل الحظ في التأخير لانه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 25)

________________________________________

إذا أخر ربما أدت المال فعتقت وإذا قوم في الحال صارت أم الولد ولا تعتق إلا بالموت، والصحيح هو الاول وأنه على قولين كالعتق لان الاستيلاد كالعتق بل هو أقوى لانه يصح من المجنون والعتق لا يصح منه فإذا كان في التقويم في العتق قولان وجب أن يكون في الاستيلاد مثلاه.

 

(فصل)

وان أتت المكاتبة بولد من نكاح أو زنا ففيه قولان

(أحدهما)

أنه موقوف، فان رقت الام رق، وإن عتقت عتق لان الكتابة سبب يستحق به العتق فيتبع الولد الام فيه كالاستيلاد

(والثانى)

أنه مملوك يتصرف فيه لانه عقد يلحقه الفسخ فلم يسر إلى الولد كالرهن.

(فإن قلنا) انه للمولى كان حكمه حكم العبد القن في الجناية والكسب والنفقة والوطئ (وان قلنا) انه موقوف فقتل ففى قيمته قولان.

أحدهما: أنها لامه تستعين بها في الكتابة لان القصد بالكتابة طلب حظها والثانى: أنها للمولى لانه تابع للام وقيمة الام للمولى فكذلك قيمة ولدها، فان كسب الولد مالا ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أنه للام لانه تابع لها في حكمها فكسبها لها فكذلك كسب ولدها

(والثانى)

أنه موقوف لان الكسب نماء الذات وذاته موقوفة فكذلك كسبه فعلى هذا يجمع الكسب، فإن عتق ملك الكسب كما تملك الام كسبها إذا عتقت وان رق بعجز الام صار الكسب للمولى، فمن أصحابنا من خرج فيه قولا ثالثا أنه للمولى كما قلنا في قيمته في أحد القولين، وان أشرفت الام على العجز وكان في كسب الولد وفاء بمال الكتابة ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أنه ليس للام أن تستعين به على الاداء لانه موقوف على السيد

أو الولد فلم يكن للام فيه حق.

 

(والثانى)

أن لها أن تأخذه وتؤديه لانها إذا أدت عتقت وعتق الولد فكان ذلك أحظ للولد من أن ترق ويأخذه المولى، فإن احتاج الولد إلى النفقة ولم يكن في كسبه ما يفى.

فإن قلنا: ان الكسب للمولى فالنفقة عليه، وان قلنا: انه للام فالنفقة عليها وإن قلنا: انه موقوف ففى النفقة وجهان

(أحدهما)

انها على المولى لانه مرصد

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 26)

________________________________________

لملكه

(والثانى)

أنها في بيت المال لان المولى لا يملكه فلم يبق إلا بيت المال، وان كان الولد جارية فوطئها المولى، فإن قلنا: إن كسبه له لم يجب عليه المهر لانه لو وجب لكان له، وإن قلنا: انه للام فالمهر لها، وإن قلنا: انه موقوف وقف المهر، وإن أحبلها صارت أم ولد له بشبهة الملك ولا تلزمه قيمتها، لان القيمة تجب لمن يملكها والام لا تملك رقبتها وإنما هي موقوفة عليها.

 

(فصل)

وإن حبس السيد المكاتب مدة ففيه قولان

(أحدهما)

يلزمه تخليته في مثل تلك المدة لانه دخل في العقد على التمكين من التصرف في المدة فلزمه الوفاء به

(والثانى)

تلزمه أجرة المثل للمدة التى حبسه فيها وهو الصحيح لان المنافع لا تضمن بالمثل، وإنما تضمن بالاجرة، وإن قهر أهل الحرب المكاتب على نفسه مدة ثم أفلت من أيديهم ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا تجب تخليته في مثل المدة لانه لم يكن الحبس من جهته.

 

(والثانى)

تجب لانه فات ما استحقه بالعقد، ولا فرق بين أن يكون بتفريط أو غير تفريط كالبيع إذا هلك في يد البائع، ولا يجئ ههنا ايجاب الاجرة على المولى لانه لم يكن الحبس من جهته فلا تلزمه أجرته.

 

(فصل)

ولا يملك المكاتب التصرف الا على وجه النظر والاحتياط لان

حق المولى يتعلق باكتسابه، فإن أراد أن يسافر فقد قال في الام: يجوز.

وقال في الامالى: لا يجوز بغير اذن المولى، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ

(أَحَدُهُمَا)

لَا يجوز لان فيه تغريرا

(والثانى)

يجوز لانه من أسباب الكسب، ومنهم من قال: ان كان السفر طويلا لم يجز، وان كان قصيرا جاز، وحمل القولين على هذين الحالين، والصحيح هو الطريق الاول.

 

(فصل)

ولا يجوز أن يبيع نسيئة، وان كان بأضعاف الثمن ولا على أن يأخذ بالثمن رهنا أو ضمينا لانه يخرج المال من يده من غير عوض والرهن قد يتلف والضمين قد يفلس وان باع ما يساوى مائه بمائة نقدا وعشرين نسيئة جاز لانه لا ضرر فيه، ولا يجوز أن يقرض ولا يضارب ولا يرهن لانه اخراج مال بغير عوض.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 27)

________________________________________

(فصل)

ولا يجوز أن يشترى من يعتق عليه لانه يخرج ما لا يملك التصرف فيه بمال لا يملك التصرف فيه، وفي ذلك اضرار، وان وصى له بمن يعتق عليه، فان لم يكن له كسب لم يجز قبوله لانه يحتاج أن ينفق عليه وفي ذلك إضرار، وإن كان له كسب جاز قبوله لانه لا ضرر فيه، فان قبله ثم صار زمنا لا كسب له فله أن ينفق عليه لان فيه إصلاحا لماله.

 

(فصل)

ولا يعتق ولا يكاتب ولا يهب ولا يحابى ولا يبرئ من الدين ولا يكفر بالمال ولا ينفق على أقاربه الاحرار ولا يسرف في نفقة نفسه، وإن كان له أمة مزوجة لم تبذل العوض في الخلع لان ذلك كله استهلاك للمال، وإن كان عليه دين مؤجل لم يملك تعجيله لانه يقطع التصرف فيما يعجله من المال من غير حاجة، وإن كان مكاتبا بين نفسين لم يجز ان يقدم حق احدهما لان ما يقدمه من ذلك يتعلق به حقهما فلا يجوز أن يخص به أحدهما، وإن أقر بجناية خطا،

ففيه قولان.

أحدهما: يقبل لانه اقرار بالمال فقبل كما لو أقر بدين معاملة.

والثانى: لا يقبل لانه يخرج به الكسب من غير عوض فبطل كالهبة، وان جنى هو أو عبد له يملك بيعه على أجنبي لم يجز أن يفديه بأكثر من قيمته لان الفداء كالابتياع فلا يجوز بأكثر من القيمة، وان كان عبدا لا يملك بيعه كالاب والابن لم يجز ان يفديه بشئ قل أو كثر لانه يخرج ما يملك التصرف فيه لاستبقاء ما لا يملك التصرف فيه.

 

(فصل)

وان فعل ذلك كله باذن المولى ففيه قولان، أحدهما: لا يصح لان المولى لا يملك ما في يده والمكاتب لا يملك ذلك بنفسه فلا يصح باجتماعهما كالاخ إذا زوج أخته الصغيرة باذنها، والثانى: أنه يصح وهو الصحيح لان المال موقوف عليهما، ولا يخرج منهما فصح باجتماعهما كالشريكين في المال المشترك والراهن والمرتهن في الرهن، وان وهب للمولى أو حاباه أو أقرضه أو ضاربه أو عجل له ما تأجل من ديونه أو فدى جنايته عليه بأكثر من قيمته، فإن قلنا يصح للاجنبي بإذن المولى صح، وان قلنا: لا يصح في حق الأجنبي بإذنه لم يصح لان قبوله كالاذن فان وهب أو أقرض وقلنا أنه لا يصح فله أن يسترجع فإن لم يسترجع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 28)

________________________________________

حتى عتق لم يسترجع على ظاهر النص، لانه إنما لم يصح لنقصانه وقد زال ذلك.

ومن أصحابنا من قال له أن يسترجع لانه قد وقع فاسدا فثبت له الاسترجاع.

 

(فصل)

ولا يتزوج المكاتب إلا بإذن المولى لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أيما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر، ولانه يلزمه المهر والنفقة في كسبه، وفي ذلك اضرار بالمولى فلم يجز بغير اذنه، فان أذن له المولى جاز قولا واحدا للخير، ولان الحاجة تدعو إليه بخلاف الهبة

 

(فصل)

ولا يتسرى بجارية من غير إذن المولى، لانه ربما أحبلها فتلفت بالولادة، فان أذن له المولى وقلنا إن العبد يملك ففيه طريقان، من أصحابنا من قال على قولين كالهبة، ومنهم من قال يجوز قولا واحدا، لانه ربما دعت الحاجة إليه فجاز كالنكاح، فان أولدها فالولد ابنه ومملوكه لانه ولد جاريته وتلزمه نفقته لانه مملوكه بخلاف ولد الحرة ولا يعتق عليه لنقصان ملكه، فان أدى المال عتق معه لانه كمل ملكه وان رق رق معه

(فصل)

ويجب على المولى الايتاء، وهو أن يضع عنه جزأ من المال أو يدفع إليه جزء من المال، لقوله عز وجل " آتوهم من مال الله الذى آتاكم " وعن عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في هذه الآية: يحط عنه ربع الكتابة، والوضع أولى من الدفع، لانه يتحقق الانتفاع به في الكتابة.

واختلف أصحابنا في القدر الواجب، فمنهم من قال ما يقع عليه الاسم من قليل وكثير، وهو المذهب، لان اسم الايتاء يقع عليه وقال أبو إسحاق: يختلف باختلاف قلة المال وكثرته، فان اختلفا قدره الحاكم باجتهاده كما قلنا في المتعة، فان اختار الدفع جاز بعد العقد للآية، وفي وقت الوجوب وجهان، أحدهما يجب بعد العتق كما تجب المتعة بعد الطلاق، والثانى أنه يجب قبل العتق لانه ايتاء وجب للمكاتب فوجب قبل العتق كالايتاء في الزكاة، ولا يجوز الدفع من غير جنس مال الكتابة لقوله تعالى " وآتوهم من مال الله الذى آتاكم " فان دفع إليه من جنسه من غير ما أداه إليه فَفِيهِ وَجْهَانِ

(أَحَدُهُمَا)

يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الزكاة أن يدفع من غير المال الذى وجب فيه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 29)

________________________________________

الزكاة

(والثانى)

لا يجوز وهو الصحيح للآية، وان سبق المكاتب وأدى المال لزم المولى أن يدفع إليه لانه مال وجب للآدمي فلم يسقط من غير أداء ولا ابراء

كسائر الديون.

وان مات المولى وعليه دين خاص المكاتب أصحاب الديون.

ومن أصحابنا من قال يحاص أصحاب الوصايا لانه دين ضعيف غير مقدر فسوى بينه وبين الوصايا، والصحيح هو الاول لانه دين واجب فحاص به الغرماء كسائر الديون وبالله التوفيق.

(باب الاداء والعجز) ولا يعتق المكاتب ولا شئ منه وقد بقى عليه شئ من المال، لما روى عمرو ابن شعيب رضى الله عنه عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته درهم.

ولانه علق عتقه على دفع مال فلا يعتق شئ منه مع بقاء جزء منه، كما لو قال لعبده: ان دفعت إلى ألفا فأنت حر، فان كاتب رجلان عبدا بينهما ثم أعتق أحدهما نصيبه أو أبرأه مما عليه من مال الكتابة عتق نصيبه لانه برئ من جميع ماله عليه فعتق، كما لو كاتب عبدا فأبرأه، فان كان المعتق موسرا فقد قال أصحابنا يقوم عليه نصيب شريكه كما لو أعتق شركا له في عبد، وعندي أنه يجب أن يكون على قولين

(أحدهما)

يقوم عليه

(والثانى)

لا يقوم، كما قلنا في شريكين دبرا عبدا ثم أعتق أحدهما نصيبه أنه على قولين

(أحدهما)

يقوم

(والثانى)

لا يقوم، فإذا قلنا انه يقوم عليه ففى وقت التقويم قولان

(أحدهما)

يقوم في الحال، كما نقول فيمن أعتق شركا له في عبده

(والثانى)

يؤخر التقويم إلى أن يعجز، لانه قد ثبت للشريك حق العتق والولاء في نصيبه فلا يجوز ابطاله عليه وان كاتب عنده ومات وخلف اثنين فأبرأه أحدهما عن حصته عتق نصيبه لانه أبرأه من جميع ماله عليه، فان كان الذى أبرأه موسرا فهل يقوم عليه نصيب شريكه، فيه قولان

 

(أحدهما)

لا يقوم لان سبب العتق وجد من الاب ولهذا يثبت الولاء له

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 30)

________________________________________

(والثانى)

يقوم عليه وهو الصحيح لان العتق تعجل بفعله، فعلى هذا هل يتعجل التقويم والسراية، فيه قولان

(أحدهما)

يتعجل لانه عتق يوجب السراية فتعجلت به، كما لو أعتق شركا له في عبد

(والثانى)

يؤخر إلى أن يعجز، لان حق الاب في عتقه وولائه أسبق فلم يجز إبطاله.

وإن كاتب رجلان عبدا بما يجوز وأذن أحدهما للآخر في تعجيل حق شريكه من المال وقلنا إنه يصح الاذن عتق نصيبه، وهل يقوم عليه نصيب شريكه، فيه قولان

(أحدهما)

لا يقوم لتقدم سببه الذى اشركا فيه

(والثانى)

يقوم لانه عتق نصيبه بسبب منه ومتى يقوم؟ فيه قولان

(أحدهما)

يقوم في الحال لانه تعجل عتقه

(والثانى)

يؤخر إلى أن يعجز لانه قد ثبت لشريكه عقد يستحق به العتق والولاء فلم يجز أن يقوم عليه ذلك، فعلى هذا إن أدى عتق باقيه، وإن عجز قوم على المعتق.

وإن مات قبل الاداء والعجز مات ونصفه حر ونصفه مكاتب

(فصل)

وإن حل عليه نجم وعجز عن أداء المال جاز للمولى أن يفسخ العقد لانه اسقط حقه بعوض، فإذا تعذر العوض ووجد عين ماله جاز له أن يفسخ ويرجع إلى عين ماله، كما لو باع سلعة فأفلس المشترى بالثمن ووجد البائع عين ماله، وإن كان معه ما يؤديه فامتنع من أدائه جاز له الفسخ لان تعذر العوض بالامتناع كتعذره بالعجز لانه لا يمكن إجباره على أدائه، وإن عجز عن بعضه أو امتنع من أداء بعضه جاز له أن يفسخ لانا بينا أن العتق في الكتابة لا يتبعض فكان تعذر البعض كتعذر الجميع، ويجوز الفسخ من غير حاكم لانه مجمع عليه فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ البيع بالعيب.

 

(فصل)

وإن حل عليه نجم ومعه متاع فاستنطر لبيع المتاع وجب إنظاره لا نه قادر على أخذ المال من غير إضرار ولا يلزمه أن ينظر أكثر من ثلاثة أيام لان الثلاثة قليل فلا ضرر عليه في الانتظار وما زاد كثير وفي الانتظار اضرار، وان طلب الانظار لمال غائب، فإن كان على مال غائب، فان كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة وجب انظاره لانه قريب لا ضرر في انظاره، وان كان على مسافة تقصر فيها الصلاة لم يجب لآنه طويل وفي الانتظار اضرار.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 31)

________________________________________

وان طلب الانظار لاقتضاء دين فان كان حالا على ملئ وجب انظاره لانه كالعين في يد المودع ولهذا تجب فيه الزكاة، وان كان مؤجلا أو على معسر لم يجب الانظار لان عليه أضرارا في الانظار، فان حل عليه المال وهو غائب ففيه وجهان: أحدهما له أن يفسخ لانه تعذر المال فجاز له الفسخ.

والثانى ليس له أن يفسخ، بل يرجع إلى الحاكم ليكتب إلى حاكم البلد الذى فيه المكاتب ليطالبه، فان عجز أو امتنع فسخ لانه لا يتعذر الاداء الا بذلك فلا يفسخ قبله.

وان حل عليه النجم وهو مجنون، فان كان معه مال يسلم إلى المولى عتق لانه قبض ما يستحقه فبرئت به ذمته، وان لم يكن معه شئ فعجزه المولى وفسخ ثم ظهر له مال نقض الحكم بالفسخ لانا حكمنا بالعجز في الظاهر وقد بان خلافه فنقض، كما لو حكم الحاكم ثم وجد النص بخلافه وان كان قد أنفق عليه بعد الفسخ رجع بما أنفق لانه لم يتبرع بل أنفق على أنه عبده، فان أفاق بعد الفسخ وأقام البينة أنه كان قد أدى المال نقض الحكم بالفسخ ولا يرجع المولى بما أنفق عليه بعد الفسخ، لانه تبرع، لانه أنفق وهو يعلم أنه حر.

وان حل النجم فأحضر المال وادعى السيد أنه حرام ولم تكن له بينة فالقول

قول المكاتب مع يمينه لانه في يده والظاهر أنه له، فان حلف خير المولى بين أن يأخذه وبين أن يبرئه منه، فإن لم يفعل قبض عنه السلطان لانه حق يدخله النيابة فإذا امتنع منه قام السلطان مقامه

(فصل)

وان قبض المال وعتق ثم وجد به عيبا فله أن يرد ويطالب بالبدل، فان رضى به استقر العتق لانه برئت ذمة العبد.

وان رده ارتفع العتق لانه يستقر باستقرار الاداء وقد ارتفع الاداء بالرد فارتفع العتق.

وان وجد به العيب وقد حدث به عنده عيب ثبت له الارش، فان دفع الارش استقر العتق وان لم يدفع ارتفع العتق لانه لم يتم براءة الذمة من المال

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 32)

________________________________________

وان كاتبه على خدمة شهر ودينار ثم مرض بطلت الكتابة في قدر الخدمة، وفي الباقي طريقان

(أحدهما)

أنه على قولين

(والثانى)

أنه يبطل قولا واحدا بناء على الطريقين فيمن ابتاع عينين ثم تلفت احداهما قبل القبض.

 

(فصل)

فإن أدى المال وعتق ثم خرج المال مستحقا بطل الحكم بعتقه لان العتق يقع بالاداء، وقد بان أنه لم يؤد، وإن كان الاستحقاق بعد موت المكاتب كان ما ترك للمولى دون الورثة لانا قد حكمنا بأنه مات رقيقا.

 

(فصل)

فان باع المولى ما في ذمة المكاتب، وقلنا انه لا يصح فقبضه المشترى فقد قال في موضع يعتق، وقال في موضع لا يعتق، واختلف أصحابنا فيه، فقال أبو العباس فيه قولان.

 

(أحدهما)

يعتق لانه قبضه بإذنه فأشبه إذا دفعه إلى وكيله.

 

(والثانى)

وهو الصحيح أنه لا يعتق لانه لم يقبضه للمولى وإنما قبضه لنفسه ولم يصح قبضه لنفسه لانه لم يستحقه فصار كما لو لم يؤخذ، وقال أبو إسحاق: هي على اختلاف حالين فالذي قال يعتق إذا أمره المكاتب بالدفع إليه لانه قبضه بإذنه

والذى قال لا يعتق إذا لم يأمره بالدفع إليه لانه لم يأخذه بإذنه وإنما أخذه بما تضمنه البيع من الاذن والبيع باطل فبطل ما تضمنه.

 

(فصل)

إذا اجتماع على المكاتب دين الكتابة ودين المعاملة وأرش الجناية وضاق ما في يده عن الجميع قدم دين المعاملة لانه يختص بما في يده والسيد والمجني عليه يرجعان إلى الرقبة، فان فضل عن الدين شئ قدم حق المجني عليه لان حقه يقدم على حق المالك في العبد القن فكذلك في المكاتب، وان لم يكن له شئ فأراد صاحب الدين تعجيزه لم يكن له ذلك لان حقه في الذمة فلا فائدة في تعجيزه بل تركه على الكتابة أنفع له لانه ربما كسب ما يعطيه وإذا عجزه بقى حقه في الذمة إلى أن يعتق فان أراد المولى أو المجني عليه تعجيزه كان له ذلك لان المولى يرجع بالتعجيز إلى رقبته، والمجني عليه يبيعه في الجناية، فان عجزه المولى انفسخت الكتابة وسقط دينه وهو بالخيار بين أن يسلمه للبيع في الجناية وبين أن يفديه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 33)

________________________________________

فان عجزه المجني عليه نظرت، فإن كان الارش يحيط بالثمن بيع وقضى حقه، وان كان دون الثمن بيع منه ما يقضى منه الارش وبقى الباقي على الكتابة، وان أدى كتابة باقية عتق وهل يقوم الباقي عليه ان كان موسرا فيه وجهان.

أحدهما لا يقوم لانه وجد سبب العتق قبل التبعيض.

والثانى: يقوم عليه لان اختياره للانظار كابتداء العتق.

(باب الكتابة الفاسدة) إذا كاتب على عوض محرم أو شرط باطل فللسيد أن يرجع فيها لانه دخل على أن يسلم له ما شرط ولم يسلم فثبت له الرجوع وله أن يفسخ بنفسه لانه مجمع عليه، وان مات المولى أو جن أو حجر عليه بطل العقد لانه غير لازم من جهته فبطل بهذه الاشياء كالعقود الجائزة، فإن مات العبد بطل لانه لا يلحقه العتق

بعد الموت، وان جن لم تبطل لانه لازم من جهة العبد فلم تبطل بجنونه كالعتق المعلق على دخول الدار.

 

(فصل)

وان أدى ما كاتبه عليه قبل الفسخ عتق لان الكتابة تشتمل على معاوضه وهو قوله كاتبتك على كذا وعلى صفه، وهو قوله فإذا أديت فأنت حر فإذا بطلت المعاوضة بقيت الصفة فعتق بها، وان أداه إلى غير من كاتبه لم يعتق لانه لم توجد الصفه، فإذا عتق تبعه ما فضل في يده من الكسب، وان كانت جارية تبعها الولد لانه جعل كالكناية الصحيحة في العتق فكانت كالصحيحة في الكسب والولد.

 

(فصل)

ويرجع السيد عليه بقيمته لانه أزال ملكه عنه بشرط ولم يسلم له الشرط وتعذر الرجوع إليه فرجع ببدله كما لو باع سلعة بشرط فاسد فتلفت في يد المشترى ويرجع العبد على المولى بما أداه إليه لانه دفعه عما عليه فإذا لم يقع عما عليه ثبت له الرجوع، فان كان ما دفع من جنس القيمة وعلى صفتها كالاثمان وغيرها من ذوات الامثال ففيه أربعة أقوال.

(أحدها) انها يتقاصان فسقط أحدهما بالآخر لانه لا فائدة في أخذه ورده

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 34)

________________________________________

(والثانى)

انه ان رضى أحدهما تقاصا، وإن لم يرض واحد منهما لم يتقاصا لانه إذا رضى أحدهما فقد اختار الراضي منهما قضاء ما عليه بالذى له على الآخر ومن عليه حق يجوز أن يقضيه من أي جهة شاء.

(والثالث) انهما ان تراضيا تقاصا، وان لم يتراضيا لم يتقاصا لانه إسقاط حق بحق فلم يجز إلا بالتراضى كالحوالة.

(والرابع) انهما لا يتقاصان بحال لانه بيع دين بدين، وان أخذ من سهم الرقاب في الزكاة، فان لم يكن فيه وفاء استرجع منه، وان كان فيه وفاء فقد قال

في الام: يسترجع ولا يعتق لانه بالفساد خرج عن أن يكون من الرقاب، ومن أصحابنا من قال: لا يسترجع لانه كالكتابة الصحيحة في العتق والكسب.

 

(فصل)

فإن كاتب عبدا صغيرا أو مجنونا فأدى ما كاتبه عليه عتق بوجود الصفة وهل يكون حكمها حكم الكتابة الفاسدة مع البالغ في ملك ما فضل في يده من الكسب وفي التراجع، فِيهِ وَجْهَانِ

(أَحَدُهُمَا)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: انه لا يملك ما فضل ف ي يده من الكسب ولا يثبت التراجع وهو رواية المزني في المجنون لانه العقد مع الصبى ليس بعقد ولهذا لو ابتاع شيئا وقبضه وتلف في يده لم يلزمه الضمان بخلاف البالغ، فان عقده عقد يقتضى الضمان، ولهذا لو اشترى شيئا ببيع فاسد وتلف عنده لزمه الضمان

(والثانى)

وهو قول أبى العباس أنه يملك ما فضل من الكسب ويثبت بينهما التراجع، وهو رواية الربيع في المجنون لانه كتابة فاسدة فأشبهت كتابة البالغ بشرط فاسد.

 

(فصل)

وإن كاتب بعض عبده، وقلنا انه لا يصح فلم يفسخ حتى أدى المال عتق لوجود الصفة وتراجعا وسرى العتق إلى باقيه لانه عتق بسبب منه، فان كاتب شركا له في عبد من غير إذن شريكه نظرت، فإن جمع كسبه ودفع نصفه إلى الشريك ونصفه إلى الذى كاتبه عتق لوجود الصفة فان جمع الكسب كله وأداه ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

لا يعتق لان الاداء يقتضى أداء ما يملك التصرف فيه وما أداه من مال الشريك لا يملك التصرف فيه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 35)

________________________________________

(والثانى)

يعتق لان الصفة قد وجدت، فإن كاتبه بإذن شريكه، فان قلنا: انه باطل فالحكم فيه كالحكم فيه إذا كاتبه بغير اذنه، وان قلنا: انه صحيح ودفع

نصف الكسب إلى الشريك ونصفه إلى الذى كاتبه عتق، فان جمع الكسب كله ودفعه إلى الذى كاتبه فقد قال بعض أصحابنا فيه وجهان كالقسم قبله، والمذهب انه لا يعتق لان الكتابة صحيحة والمغلب فيها حكم المعاوضة، فإذا دفع فيها ما لا يملكه صار كما لو لم يؤد بخلاف القسم قبله فانها كتابة فاسدة والمغلب فيها الصفه وإذا حكمنا بالعتق في هذه المسائل في نصيبه، فان كان المعتق موسرا سرى إلى نصيب الشريك وقوم عليه لانه عتق بسبب منه، ولا يلزم العبد ضمان السراية لانه لم يلتزم ضمان ما سرى إليه.

 

(فصل)

وان كاتب عبيدا على مال واحد، وقلنا ان الكتابة صحيحة فأدى بعضهم عتق لانه برئ مما عليه، وان قلنا: ان الكتابة فاسدة فأدى بعضهم، فالمنصوص انه يعتق لان الكتابة الفاسدة محمولة على الكتابة الصحيحة في الاحكام فكلذلك في العتق بالاداء.

ومن أصحابنا من قال: لا يعتق، وهو الاظهر لان العتق في الكتابة الفاسدة بالصفة وذلك لم يوجد باداء بعضهم.

(باب اختلاف المولى والمكاتب) إذا اختلفا فقال السيد: كاتبتك وأنا مغلوب على عقلي أو محجور على فأنكر العبد، فان كان قد عرف له جنون أو حجر فالقول قوله مع يمينه لان الاصل بقاؤه على الجنون أو الحجر، وان لم يعرف له ذلك فالقول قول العبد، لان الظاهر عدم الجنون والحجر.

وان اختلفا في قدر المال أو في نجومه تحالفا قياسا على المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن أو في الاجل، فان كان ذلك قبل العتق فهل تنفسخ بنفس التحالف أو يفتقر إلى الفسخ فيه وجهان كما ذكرناه في المتبايعين وان كان التحالف بعد العتق لم يرتفع العتق ويرجع المولى بقيمته ويرجع المكاتب بالفصل كما نقول في البيع الفاسد.

 

(فصل)

وان وضع شيئا عنه من مال الكتابة، ثم اختلفا فقال السيد:

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 36)

________________________________________

وضعت النجم الاخير، وقال المكاتب بل الاول فالقول قول السيد، وان كاتبه على ألف درهم فوضع عنه خمسين دينارا لم يصح لانه أبرأه مما لا يملكه، فان قال أردت ألف درهم بقيمة خمسين دينارا صح، وان اختلفا فيما عنى فادعى المكاتب أنه عنى ألف درهم بقيمة خمسين دينارا وأنكر السيد ذلك فالقول قول السيد لان الظاهر معه ولانه أعرف بما عنى، وان أدى المكاتب ما عليه فقال له المولى أنت حر، وخرج المال مستحقا فادعى العبدان عتقه بقوله: أنت حر، وقال المولى: أردت أنك حر بما أديت، وقد بان أنه مستحق فالقول قول السيد لانه يحتمل الوجهين وهو أعرف بقصده، وان قال السيد استوفيت أو قال العبد أليس أوفيتك فقال بلى، فادعى المكاتب انه وفاه الجميع، وقال المولى: بل وفانى البعض فالقول قول السيد لان الاستيفاء لا يقتضى الجميع.

 

(فصل)

وان كان المكاتب جارية وأتت بولد فاختلفا في ولدها، وقلنا ان الولد يتبعها، فقالت الجارية ولدته بعد الكتابة فهو موقوف معى، وقال المولى بل ولدته قبل الكتابة فهو لى فالقول قول السيد لان هذا اختلاف في وقت العقد والسيد يقول العقد بعد الولادة والمكاتبة تقول قبل الولادة، والاصل عدم العقد، وان كاتب عبدا ثم زوجه أمة له ثم اشترى المكاتب زوجته وأتت بولد فقال السيد: أتت به قبل الشراء فهو لى، وقال العبد: بل أتت به بعد ما اشتريتها فهو لى فالقول قول العبد لان هذا الاختلاف في الملك، والظاهر مع العبد لانه في يده بخلاف المسألة قبلها، فان هناك لم يختلفا في الملك، وإنما اختلفا في وقت العقد.

 

(فصل)

وإن كاتب عبدين فأقر انه استوفى ما على أحدهما أو أبرأ أحدهما، واختلف العبدان فادعى كل واحد منهما انه هو الذى استوفى منه أو أبرأه رجع

إلى المولى، فان أخبر أنه أحدهما قبل منه لانه أعرف بمن استوفى منه أو أبرأه، فان طلب الآخر يمينه حلف له، وان ادعى المولى أنه أشكل عليه لم يقرع بينهما لانه قد يتذكر، فان ادعيا أنه يعلم حلف لكل واحد منهما وبقيا على الكتابة، ومن أصحابنا من قال: ترد الدعوى عليهما، فان حلفا أو نكلا بقيا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 37)

________________________________________

على الكتابة، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عتق الحالف وبقى الاخر على الكتابة.

وإن مات المولى قبل أن يعين ففيه قولان.

أحدهما يقرع بينهما لان الحرية تعينت لاحدهما ولا يمكن التعيين بغير القرعة فوجب تمييزها بالقرعة، كما لو قال لعبدين أحدكما حر، والثانى أنه لا يقرع لان الحرية تعينت في أحدهما فإذا أقرع لم يؤمن أن تخرج القرعة على غيره، فعلى هذا يرجع إلى الوارث، فان قال لا أعلم حلف لكل واحد منهما وبقيا على الكتابة على ما ذكرناه في المولى.

 

(فصل)

وإن كاتب ثلاثة أعبد في عقود أو في عقد على مائه وقلنا إنه يصح وقيمة أحدهم مائة وقيمة كل واحد من الاخرين خمسون فأدوا مالا من أيديهم ثم اختلفوا، فقال من كثرت قيمته النصف لى ولكل واحد منكما الربع.

وقال الآخران بل المال بيننا أثلاثا ويبقى عليك تمام النصف ويفضل لكل واحد منا ما زاد على الربع فقد قال في موضع القول قول من كثرت قيمته.

وقال في موضع القول قول من قلت قيمته، فمن أصحابنا من قال هي على قولين.

أحدهما أن القول قول من قلت قيمته وان المؤدى بينهم أثلاثا، لان يد كل واحد منهم على ثلث المال.

والثانى أن القول قول من كثرت قيمته لان الظاهر معه، فان العادة أن الانسان لا يؤدى أكثر مما عليه.

ومنهم من قال هي على اختلاف حالين، فالذي قال القول قول من كثرت قيمته إذا وقع العتق بالاداء لان الظاهر أنه لا يؤدي أكثر مما عليه.

والذى قال

ان القول قول من قلت قيمته إذا لم يقع العتق بالاداء فيؤدى من قلت قيمته أكثر مما عليه ليكون الفاضل له من النجم الثاني.

والدليل عليه انه قال في الام: إذا كاتبهم على مائة فأدوا ستين، فإذا قلنا انه بينهم على العدد أثلاثا فأراد العبدان أن يرجعا بما فضل لهما لم يجز لان الظاهر أنهما تطوعا بالتعجيل فلا يرجعان به ويحتسب لهما من النجم الثاني.

 

(فصل)

وان كاتب رجلان عبدا بينهما فادعى المكاتب أنه أدعى اليهما مال الكتابة فأقر أحدهما وأنكر الاخر عتق حصة المقر والقول قول المنكر مع يمينه فإذا حلف بقيت حصته على الكتابة فله أن يطالب المقر بنصف ما أقر بقبضه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 38)

________________________________________

وهو الربع لحصول حقه في يده ويطالب المكاتب بالباقي، وله أن يطالب المكاتب بالجميع وهو النصف، فإن قبض حقه منهما أو من أحدهما عتق المكاتب، وليس لاحد من المقر والمكاتب أن يرجع على صاحبه بما أخذه منه لان كل واحد منهما يدعى أن الذى ظلمه هو المنكر فلا يرجع على غيره وإن وجد المكاتب عاجزا فعجزه أحدهما رق نصفه.

قال الشافعي رحمه الله: ولا يقوم على المقر، لان التقويم لحق العبد وهو يقول أنا حر مسترق ظلما فلا يقوم ولا تقبل شهادة المصدق على المكذب لانه يدفع بها ضررا من استرجاع نصف ما في يده، فإن ادعى المكاتب انه دفع جميع المال إلى أحدهما ليأخذ منه النصف ويدفع إلى شريكه النصف نظرت فإن قال المدعى عليه دفعت إلى كل واحد منا النصف وأنكره الاخر عتق حصة المدعى عليه بإقراره وبقيت حصة المنكر على الكتابة من غير يمين، لانه لا يدعى عليه واحد منهما تسليم المال إليه، وله أن يطالب المكاتب بجميع حقه، وله أن يطالب المقر بنصفه والمكاتب بنصفه ولا يرجع واحد منهما بما يؤخد منه على الاخر لان

كل واحد منهما يدعى أن الذى ظلمه هو المنكر فلا يرجع على غيره، فإن استوفى المنكر حقه منهما أو من المكاتب عتقت حصته وصار المكاتب حرا.

وان عجز المكاتب فاسترقه فقد قال الشافعي رحمه الله إنه يقوم على المقر، ووجهه انه عتق نصيبه بسبب من جهته.

وقال في المسألة قبلها لا يقوم، فمن أصحابنا من نقل جوابه في كل واحدة منهما إلى الاخرى فجعلهما على قولين، ومنهم من قال يقوم ههنا ولا يقوم في المسألة قبلها على ما نص عليه، لان في المسألة قبلها يقول المكاتب أنا حر فلا أستحق التقويم على أحد، وههنا يقول صفى مملوك فأستحق التقويم وإن قال المدعى عليه قبضت المال وسلمت نصفه إلى شريكي وأمسكت النصف لنفسي وأنكر الشريك القبض عتق حصة المدعى عليه والقول قول المنكر مع يمينه لان المقر يدعى التسليم إليه، فإذا حلف بقيت حصته على الكتابة وله أن يطالب المكاتب بجميع حقه بالعقد، وله أن يطالب المقر بإقراره بالقبض فان رجع على المقر لم يرجع المقر على المكاتب لانه يقول إن شريكي ظلمنى.

وان رجع على المكاتب رجع المكاتب على المقر صدقه على الدفع أو كذبه لانه فرط

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 39)

________________________________________

في ترك الاشهاد فإن حصل للمنكر ماله من أحدهما عتق المكاتب، وإن عجز المكاتب عن أداء حصة المنكر كان للمنكر أن يستقرق نصيبه، فإذا رق قوم على المقر لانه عتق بسبب كانه منه وهو الكتابة ويرجع المنكر على المقر بنصف ما أقر بقبضه، لانه بالتعجيز استحق نصف كسبه، وإن حصل المال من جهة المكاتب عتق باقيه ورجع المكاتب على المقر ما أقر بقبضه لانه كسبه.

(كتاب عتق أمهات الاولاد) إذا علقت الامة بولد حر في ملك الواطئ صارت أم ولد له فلا يملك بيعها ولا هبتها ولا الوصية بها لما ذكرناه في البيوع، فان مات السيد عتقت لما روى

ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: من ولدت منه أمته فهى حرة من بعد موته وتعتق من رأس المال، لانه إتلاف حصل بالاستمتاع فاعتبر من رأس المال كالاتلاف بأكل الطيب ولبس الناعم، وإن علقت بولد مملوك في غير ملك من زوج أو زنا لم تصر أم ولد له لان حرمة الاستيلاد إنما تثبت للام بحرية الولد.

والدليل عليه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له مارية القبطية فقال أعتقها ولدها، والولد ههنا مملوك فلا يجوز أن تعتق الام بسببه، وإن علقت بولد حر بشبهة من غير ملك لم تصر أم ولد في الحال، فإذا ملكها ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا تصير أم ولد لانها علقت منه في غير ملكه فأشبه إذا علقت منه في نكاح فاسد أو زنا.

 

(والثانى)

إنها تصير أم ولد لانها علقت منه بحر، فأشبه إذا علقت منه في ملكه، وان علقت بولد مملوك في ملك ناقص وهى جارية المكاتب إذا علت من مولاها ففيه قولان

(أحدهما)

أنها لا تصير أم ولد لانها علقت منه بمملوك

(والثانى)

انها تصير أم ولد لانه قد ثبت لهذا الولد حق الحريه، ولهذا لا يجوز بيعه فثبت هذا الحق لامه

(فصل)

وإن وطئ أمته فأسقطت جنينا ميتا كان حكمه حكم الولد الحى في الاستيلاد لانه ولد.

وإن أسقطت جزءا من الادمى كالعين والظفر أو مضغة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 40)

________________________________________

فشهد أربع نسوة من أهل المعرفة والعدالة انه تخطط وتصور ثبت له حكم الولد لانه قد علم انه ولد، وان ألقت مضغه لم تتصور ولم تتخطط وشهد أربع من أهل العدالة والمعرفة انه مبتدأ خلق الادمى، ولو بقى لكان آدميا، فقد قال ههنا ما يدل على أنها لا تصير أم ولد، وقال في العدد تنقضي به العدة، فمن أصحابنا من

نقل جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلها على قولين، أحدهما لا يثبت له حكم الولد في الاستيلاد ولا في انقضاء العدة لانه ليس بولد، والثانى يثبت له حكم الولد في الجميع لانه خلق بشر فأشبه إذا تخطط، ومنهم من قال: لا يثبت له حكم الولد في الاستيلاد وتنقضي به العدة، لان حرمة الاستيلاد تتعلق بوجود الولد، ولم يوجد الولد، والعدة تراد لبراءة الرحم، وبراءة الرحم تحصل بذلك.

 

(فصل)

ويملك استخدام أم الولد وإجارتها ويملك وطأها لانها باقية على ملكه، وانما ثبت لها حق الحرية بعد الموت، وهذه التصرفات لا تمنع العتق فبقيت على ملكه، وهل يملك تزويجها؟ فيه ثلاثة أقوال (أحدها) يملك لانه يملك رقبتها ومنفعتها فملك تزويجها كالامة القنة

(والثانى)

يملك تزويجها برضاها ولا يملك من غير رضاها لانها تستحق الحرية بسبب لا يملك المولى ابطاله فملك تزويجها برضاها ولا ملك بغير رضاها كالمكاتبة (والثالث) لا يملك تزويجها بحال لانها ناقصة في نفسها وولاية المولى عليها ناقصة فلم يملك تزويجها كالاخ في تزويج أخته الصغيرة، فعلى هذا هل يجوز للحاكم تزويجها باذنهما، فيه وجهان

(أحدهما)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه لا يملك لانه قائم مقامهما ويعقد باذنهما، فإذا لم يملك العقد باجتماعهما لم يملك مع من قوم مقامهما

(والثانى)

وهو قول أبى سعيد الاصطخرى انه يملك تزويجها لانه يملك بالحكم مالا يملك بالولاية وهو تزويج الكافرة.

 

(فصل)

وإن أتت أم الولد بولد من نكاح أو زنا تبعها في حقها من العتق بموت السيد لان الاستيلاد كالعتق المنجز ثم الولد يتبع الام في العتق فكذلك في

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 41)

________________________________________

الاستيلاد، فإن ماتت الام قبل موت السيد لم يبطل الحكم في ولدها لانه حق استقر له في حياة الام فلم يسقط بموتها.

 

(فصل)

وإن جنت أم الولد لزم المولى أن يفيدها لانه منع من بيعها بالاحبال ولم يبلغ بها إلى حال يتعلق الارش بذمتها فلزمه ضمنا جنايتها كالعبد القن إذا جنى وامتنع المولى من بيعه ويفديها بأقل الامرين من قيمتها أو أرش الجناية قولا واحدا، لان في العبد القن إنما فداه بأرش الجناية بالغا ما بلغ في أحد القولين، لانه يمكن بيعه فربما رغب فيه من يشتريه بأكثر من قيمته وأم الولد لا يمكن بيعها فلا يلزمه أن يفديها بأكثر من قيمتها.

وإن جنت ففداها بجميع القيمة ثم جنت ففيه قولان

(أحدهما)

يلزمه أن يفديها لانه إنما لزمه أن يفديها في الجناية الاولى لانه منع من بيعها ولم يبلغ بها حالة يتعلق الارش بذمتها.

وهذا موجود في الجناية الثانية فوجب أن تفدى كالعبد القن إذا جنى وامتنع من بيعه ثم جنى وامتنع من بيعه والقول الثاني وهو الصحيح إنه لا يلزمه أن يفديها بل يقسم القيمة التى فدى بها الجناية الاولى بين الجنايتين على قدر أرشهما، لانه بالاحبال صار كالمتلف لرقبتها فلم يضمن أكثر من قيمتها، وتخالف العبد القن فإنه فاده لانه امتنع من بيعه والامتناع يتكرر فتكرر الفداء، وههنا لزمه الفداء للاتلاف بالاحبال.

وذلك لا يتكرر فلم يتكرر الفداء وإن جنت ففداها ببعض قيمتها ثم جنت، فإن بقى من قدر قيمتها ما يفدى به الجناية الثانية لزمه أن يفديها، وإن بقى ما يفدى به بعض الجناية الثانية فعلى القولين، وإن قلنا يلزمه أن يفدى الجناية الثانية لزمه أن يفديها.

وان قلنا يشارك الثاني الاول في القيمة ضمن ما بقى من قيمتها إلى ما فدى به الجناية الاولى ثم يقسم الجميع بين الجنايتين على قدر أرشهما.

 

(فصل)

وإن أسلمت أم ولد نصراني تركت على يد أمرأة ثقة وأخذ المولى بنفقتها إلى

أن تموت فتعتق، لانه لا يمكن بيعها لما فيه من إبطال حقها من العتق المستحق

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 42)

________________________________________

بالاستيلاد ولا يمكن إعتاقها لما فيه من إبطال حق المولى، ولا يمكن إقرارها في يده لما فيه من الصغار على الاسلام فلم يبق إلا ما ذكرناه.

وإن كاتب كافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد بقى على الكتابة لانه أسلم في حال لا يمكن مطالبة المالك ببيعه أو اعتاقه وهو خارج عن يده وتصرفه فبقى على حالته، فإن عجز ورق أمر ببيعه.

 

‌باب الولاء

 

إذا عتق الحر مملوكا ثبت له عليه الولاء لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اشتريت بريرة واشترط أهلها ولاءها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتق فانما الولاء لمن أعتق وإن عتق عليه بتدبير أو كتابة أو استيلاد أو قرابة، أو أعتق عنه غيره ثبت له عليه الولاء لانه عتق عليه فثبت له الولاء، كما لو باشر عتقه.

وإن باع الرجل عبده من نفسه ففيه وجهان:

(أحدهما)

إنه يثبت له عليه الولاء، لانه لم يثبت عليه رق غيره

(والثانى)

لا ولاء عليه لاحد، لانه لم يعتق عليه في ملكه ولا يملك العبد الولاء على نفسه فلم يكن عليه ولاء

(فصل)

وإن أعتق المكاتب عبدا بإذن المولى وصححنا عتقه ففى ولائه قولان: أحدهما أنه للسيد لان العتق لا ينفك من الولاء والمكاتب ليس من أهله فوجب أن يكون للسيد.

 

(والثانى)

انه موقوف فإن عتق فهو له فان عجز فهو للسيد لان المعتق هو المكاتب فوقف الولاء عليه، فان مات العبد المعتق قبل عجز المكاتب أو عتقه

ففى ماله قولان:

(أحدهما)

أنه موقوف على ما يكون من أمر المكاتب كالولاء

(والثانى)

إنه للسيد لان الولاء يجوز أن ينتقل فجاز أن يقف والارث لا يجوز أن ينتقل فلم يجز أن يقف.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 43)

________________________________________

(فصل)

وإن أعتق مسلم نصرانيا أو أعتق نصراني مسلما ثبت له الولاء، لان الولاء كالنسب، والنسب يثبت مع اختلاف الدين فكذلك الولاء، وان أعتق المسلم نصرانيا فلحق بدار الحرب فسبى لم يجز استرقاقه لان عليه ولاء المسلم فلا يجوز إبطاله وان أعتق ذمى عبده فلحق بدار الحرب وسبى ففيه وجهان

(أحدهما)

لا يجوز أن يسترق لانه لا يلزمنا حفظ ماله فلم يجز إبطال ولائه بالاسترقاق كالمسلم.

 

(والثانى)

يجوز لان معتقه لو لحق بدار الحرب جاز استرقاقه فكذلك عتيقه وإن أعتق حربى عبدا حربيا ثبت له عليه الولاء، فإن سبى العبد المعتق أو سبى مولاه واسترق بطل ولاؤه لانه لا حرمة له في نفسه ولا ماله، وان أعتق ذمى عبدا ثم لحق بدار الحرب فملكه عبده وأعتقه صار كل واحد منهما مولى للآخر لان كل واحد منهما أعتق الآخر.

 

(فصل)

وان اشترك اثنان في عتق عبد اشتركا في الولاء لاشتراكهما في العتق، وإن كاتب رجل عبدا ومات وخلف اثنين فأعتق أحدهما نصيبه أو أبراه مما له عليه، فإن قلنا: لا يقوم عليه فأدى ما عليه للآخر كان ولاؤه للاثنين لانه عتق بالكتابة على الاب، وقد ثبت له الولاء فانتقل اليهما، وان عجز عما عليه للآخر فرق نصيبه ففى ولاء النصف المعتق وجهان.

 

(أحدهما)

انه بينهما لانه عتق بحكم الكتابة فثبت الولاء للاب وانتقل اليهما

 

(والثانى)

أنه للمعتق خاصة لانه هو الذى أعتقه ووقف الاخر عن العتق، وان قلنا انه يقوم في الحال فقوم عليه ثبت الولاء للمقوم عليه في المقوم لان بالتقويم انفسخت الكتابة فيه وعتق عليه، وأما النصف الآخر فانه عتق بالكتابة وفى ولائه وجهان

(أحدهما)

أنه بينهما

(والثانى)

أنه للمعتق خاصة، وان قلنا يؤخر التقويم، فإن أدى عتق بالكتابة وكان الولاء لهما، وان عجز ورق قوم على المعتق وثبت له الولاء على النصف المقوم لانه عتق عليه، والنصف الاخر عتق بالكتابة وفى ولائه وجهان.

 

(فصل)

ولا يثبت الولاء لغير المعتق، فإن أسلم رجل على يد رجل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 44)

________________________________________

أو التقط لقيطا لم يثبت له عليه الولاء لحديث عائشة رضى الله عنها، فانما الولاء لمن أعتق، وإنما في اللغة موضوع لاثبات المذكور ونفى ما عداه فدل على اثبات الولاء للمعتق ونفيه عمن عداه ولان الولاء ثبت بالشرع ولم يرد الشرع في الولاء الا لمن أعتق وهذا المعنى لا يوجد في غيره فلا يلحق به.

 

(فصل)

ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بيع الولاء وعن هبته ولان الولاء كالنسب وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يصح بيعه وهبته فكذلك الولاء، وان أعتق عبدا سائبة على ان لا ولاء عليه عتق وثبت له الولاء لقوله عز وجل (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ ولا وصيلة ولا حام) ولان هذا في معنى الهبة وقد بينا أنه لا يصح هبته.

 

(فصل)

وإن مات العبد المعتق وله مال ولا وارث له ورثه المولى لما روى يونس عن الحسن أن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل وقال: اشتريته وأعتقته فقال هو مولاك ان شكرك فهو خير له، وان كفرك فهو شر له وخير

لك فقال فما أمر ميراثه فقال: ان ترك عصبة فالعصبة أحق وإلا فالولاء، وان كان له عصبة لم يرث للخبر ولان الولاء فرع للنسب فلا يورث به مع وجوده، وإن كان له من يرث الفرض، فان كان ممن يستغرق المال بالفرض لم يرثه لانه إذا لم ترث العصبات مع من يستغرق المال بالفرض فلان لا يرث المولى أولى، وان كان ممن لا يستغرق المال ورث ما فضل عن أهل الفرض، لما روى عبد الله ابن شداد قال: أعتقت ابنة حمزة مولى لها فمات وترك ابنته وابنة حمزة فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة النصف وابنته النصف.

 

(فصل)

وإن مات العبد والمولى ميت كان الولاء لعصبات المولى دون سائر الورثة، لان الولاء كالنسب لما ذكرناه من الخبر، والنسب إلى العصبات دون غيرهم ويقدم الاقرب فالاقرب، لما روى سعيد بن المسيب رحمة الله عَلَيْهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المولى أخ في الدين ونعمة يرثه أولى الناس بالمعتق ولان في عصبات الميت يقدم الاقرب فالاقرب وكذلك في عصبات المولى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 45)

________________________________________

فإن كان للمولى ابن وابنة كان الميراث للابن دون البنت لانا بينا أنه لا يرث الولاء غير العصبات والبنت ليست من العصبات ولان الولاء كالنسب ثم المرأة لا ترث بالقرابة من الميت إذا تباعد نسبها منه وهى بنت الاخ العمه فلان لا ترث بنت المولى وهو مؤخر عن النسب أولى، وإن كان له أب وابن أو أب وابن ابن فالميراث للابن لان تعصيب الابن أقوى لانه يسقط تعصيب الاب، فان لم يكن بنون فالولاء للاب دون الجد والاخ لانه أقرب منهما، وان ترك جدا وأخا، ففيه قولان.

 

(أحدهما)

انهما يشتركان كما يشتركان في ارث النسب.

 

(والثانى)

بقدم الاخ لان تعصيبه كتعصيب الابن وتعصيب الجد كتعصيب

الاب، وإنما لم قدم في ارث النسب للاجمع وليس في الولاء إجماع فوجب ان يقدم فان ترك جدا وابن أخ فهو على القولين، ان قلنا ان الجد والاخ يشتركان قدم الجد، وإن قلنا: ان الاخ يقدم قدم ابنه، وان ترك أبا الجد والعم، فعلى القولين، ان قلنا ان الجد والاخ يشتركان قدم أبو الجد، وان قلنا ان الاخ يقدم قدم العم، وان اجتمع الاخ من الاب والام والاخ من الاب قدم الاخ من الاب والام كما يقدم في الارث بالنسب.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ:

(أَحَدُهُمَا)

يقدم لما قلناه.

 

(والثانى)

انهما سواء لان الام لا ترث بالولاء فلا يرجح بها من يدلى بها فان لم يكن للمولى عصبة وله مولى فالولاء لمولاه لان المولى كالعصبة، فان لم يكن له مولى فلعصبة مولاه، فان لم يكن له مولى ولا عصبة مولى، وهناك مولى لعصبة المولى نظرت، فإن كان مولى أخيه أو مولى ولده لم يرث، لان انعامه على أخيه لا يتعدى إليه، وإن كان مولى أبيه أو جده ورث، لان انعامه عليه انعامه على نسله.

 

(فصل)

فان أعتق عبدا ثم مات وخلف اثنين ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم مات العبد وله مال ورثه الكبر من عصبة المولى وهو الابن دون ابن الابن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 46)

________________________________________

لما روى الشعبى قال: قضى عمر وعلي وزيد رضى الله عنهم ان الولاء للكبر ولان الولاء يورث به ولا يورث.

والدليل عليه ما رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث، فإذا ثبت أنه لا يورث ثبت أنه انما يورث بما ثبت للمولى من الولاء فوجب أن يكون للكبر لانه أقرب

إلى المولى، وان مات المولى وخلف ثلاثة بنين ثم مات أحدهم وخلف ابنا ومات الثاني وخلف أربعة ومات الثالث وخلف خمسة ثم مات العبد المعتق كان ماله بين العشرة بالسوية لتساويهم في القرب، ولو ظهر للمولى مال كان بينهم اثلاثا لابن الابن الثلث وللاربعة الثلث وللخمسة الثلث، لان المال انتقل إلى أولاده اثلاثا ثم انتقل ما ورث كل واحد منهم إلى أولاده والولاء لم ينتقل إلى أولاده، وإنما ورثوا مال العبد لقربهم من المولى الذى ثبت له الولاء وهم في القرب منه سواء فتساووا في الميراث.

 

(فصل)

إذا تزوج عبد لرجل بمعتقة لرجل فأتت منه بولد ثبت المولى الام الولاء على الولد لانه عتق باعتقا الام فكان ولاؤه لمولاها، فان أعتق بعد ذلك مولى العبد عبده انجر ولاء الولد من موالى الام إلى موالى العبد.

والدليل عليه ما روى هشام بن عروة عن أبيه قال: مر الزبير بموال لرافع ابن خديج فأعجبوه فقال لمن هؤلاء، فقالوا هؤلاء موال لرافع بن خديج أمهم لرافع بن خديج وأبوهم عبد لفلان فاشترى الزبير أباهم فأعتقه ثم قال أنتم موالى فاختصم الزبير ورافع إلى عثمان رضى الله عنه فقضى عثمان للزبير.

قال هشام: فلما كان معاوية خاصمونا فيهم أيضا فقضى لنا معاوية، ولان الولاء فرع للنسب والنسب معتبر بالارث، وإنما ثبت لمولى الام لعدم الولاء من جهة الاب كولد الملاعنة نسب إلى الام لعدم النسب من جهة الاب، فإذا ثبت الولاء على الاب عاد الولاء إلى موضعه كولد الملاعنة إذا اعترف به الزوج وان أعتق جد الولد دون الاب ففى ولائه ثلاثة أوجه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 47)

________________________________________

(أحدها) ينجر الولاء إلى معتقه لانه كالاب في الانتساب إليه والولاية، فكان كالاب في جز الولاء إلى معتقه.

 

(والثانى)

لا ينجر، لان بينه وبين الولد الاب فلا ينجر الولاء إلى معتقه كالاخ (والثالث) ان كان الاب حيا لم ينجر الولاء إلى معتقه، وان كان ميتا انجر لان مع موته ليس غيره أحق ومع حياته من هو أحق، فإن قلنا: انه ينجر الولاء إلى معتقه فانجر ثم أعتق الاب انجر من مولى الجد إلى مولى الاب لانه أقوى من الجد في النسب وأحكامه.

 

(فصل)

وان تزوج عبد رجل بأمة آخر فأتت منه بولد ثم أعتق السيد الامة وولدها ثبت له عليها الولاء، فان أعتق العبد بعد ذلك لم ينجر ولاء الولد إلى مولى العبد والفرضيون يعبرون عن علة ذلك أنه ولد مسه الرق ثم ناله العتق والعلة في ذلك ان المعتق أنعم على الولد بالعتق فكان أحق بولائه ممن أنعم على أبيه وتخالف ما قبلها، فان أحدهما أنعم على الام،، والاخر أنعم على الاب فقدم المنعم على الاب لان النسب إليه والولاء فرع للنسب، وههنا أحدهما أنعم على الولد نفسه والآخر أنعم على أبيه فقدم المنعم عليه على المنعم على أبيه، وان تزوج عبد لرجل بجارية آخر فحبلت منه ثم أعتقت الجارية وهى حامل ثبت الولاء على الجارية وحملها، فان أعتق العبد بعد ذلك لم ينجر الولاء إلى مولاه لما ذكرناه من العلة، وان تزوج حر لا ولاء عليه بمعتقة رجل فأتت منه بولد لم يثبت عليه الولاء لمولى الام لان الاستدامة في الاصول أقوى من الابتداء ثم ابتداء الحرية في الاب تسقط استدامه الولاء لمولى الام فلان تمنع استدامة الحرية في الاب ابتداء الولاء لمولى الام أولى، وان تزوج عبد لرجل بمعتقة لاخر وأولدها ولدا ثبت الولاء على الولد لموالى الام، فان اشترى الولد اباه عتق عليه وثبت له الولاء عليه وهل ينجر ولاء نفسه بعتق الاب فيه وجهان.

أحدهما: لا ينجر، لانه لا يملك ولاء نفسه، فعلى هذا يكون ولاؤه باقيا لموالى الام.

والثانى: أنه ينجر ولاء نفسه بعتق أبيه ولا يملكه على نفسه ولكن يزبل به الولاء

عن نفسه ويصير حرا لا ولاء عليه لان عتق الاب يزيل الولاء عن معتق الام.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 48)

________________________________________

(فصل)

إذا مات رجل وخلف اثنين وعبدا فادعى العبد أن المولى كاتبه فصدقه أحدهما وكذبه الآخر، فأدى إلى المصدق كتابته عتق نصفه، وفى ولائه وجهان:

(أحدهما)

أن الولاء بينهما لانه عتق بسبب كان من أبيهما فكان الولاء بينهما

(والثانى)

أن الولاء للمصدق لان المكذب أسقط حقه بالتكذيب فصار كما لو حلف أحد الاخوين على دين لابيهما فأخذ نصفه فإن الآخر لا يشارك في نصفه وإن تزوج المكاتب بحرة فأولدها، فإن كان على الحرة ولاء لمعتق كان له ولاء الولد، فإن عتق الاب بالاداء جر ولاء ولده من معتق الام إلى معتقه، فإن اختلف مولاه ومولى الام، فقال مولى المكاتب قد عتق المكاتب بالاداء وجر إلى ولاء الولد.

وقال مولى الام لم يعتق وولاء الولد لى نظرت فإن كان المكاتب حيا عتق بإقرار سيده وانجر الولاء إلى معتقه ولا يمين عليه ولا على السيد، وإن كان قد مات واختلف السيد ومولى الام، فإن كان للسيد المكاتب بينة شاهدان، أو شاهد وامرأتان، أو شاهد ويمين قضى له لانها بينة على المال وإن لم تكن له بينة فالقول قول مولى الام مع يمينه لانا تيقنا رق المكاتب وثبوت الولاء لمعتق الام فلا ينتقل عنه من غير بينة وبالله التوفيق

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 49)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

‌كتاب الفرائض

 

الفرائض باب من أبواب العلم وتعلمها فرض من فروض الدين، والدليل عليه ما رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإنى امرؤ مقبوض، وان العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدا من يفصل بينهما)

(فصل)

وإذا مات الميت بدئ من ماله بكفنه ومؤنة تجهيزه، لما روى حباب بن الارت قال: قتل مصعب ابن عمير رضى الله عنه يوم أحد وليس له الا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجله، وإذا غطينا رجله خرج رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله من الاذخر ولان الميراث انما انتقل إلى الورثة لانه استغنى عنه الميت وفضل عن حاجته، والكفن ومؤنة التجهيز لا يستغنى عنه فقدم على الارث، ويعتبر ذلك من رأس المال لانه حق واجب فاعتبر من رأس المال كالدين

(فصل)

ثم يقضى دينه لقوله عز وجل من بعد وصية يوصى بها أو دين ولان الدين تستغرقه حاجته فقدم على الارث، وهل ينتقل ماله إلى الورثة قبل قضاء الدين، اختلف أصحابنا فيه: فذهب أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله إلى أنه لا ينتقل بل هو باق على ملكه إلى أن يقضى دينه، فإن حدثت منه فوائد ككسب العبد وولد الامة ونتاج البهيمة تعلق بها حق الغرماء، لانه لو بيع كانت العهدة على الميت دون الورثة، فدل على أنه باق على ملكه.

وذهب سائر أصحابنا إلى أنه ينتقل إلى الورثة، فان حدثت منها فوائد لم يتعلق با حق الغرماء، وهو المذهب، لانه لو كان باقيا على ملك الميت لوجب أن يرثه من أسلم أو أعتق من أقاربه قبل قضاء الدين ولوجب أن لا يرثه من مات من الورثة قبل قضاء الدين.

وان كان الدين أكثر من قيمة التركة فقال الوارث أنا أفكها بقيمتها وطالب

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 50)

________________________________________

الغرماء ببيعها ففيه وجهان بناء القولين فيما يفدى به للولى جناية العبد، أحدهما

لا يجب بيعها، لان الظاهر أنها لا تشترى بأكثر من قيمتها، وقد بذل الوارث قيمتها فوجب أن تقبل.

والثانى: يجب بيعها، لانه قد يرغب فيها من يزيد على القيمة فوجب بيعها.

 

(فصل)

ثم تنفذ وصاياه لقوله عز وجل من بعد وصية بوصى بها أو دين ولان الثلث بقى على حكم ملكه ليصرفه في حاجاته فقدم على المراث كالدين.

(الشرح) حديث عبد الله بن مسعود ذكره أحمد في رواية إبنه عبد الله بسنده إلى الاحوص عن عبد الله ولفظه (تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها، فإنى امرؤ مقبوض، والعلم مرفوع، ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة والمسألة فلا يجدان أحدا يخبرهما) وقد أخرجه أيضا النسائي والحاكم والدارمى والدارقطني من رواية عوف عن سليمان بن جابر عنه، وفيه انقطاع بين عوف وسليمان.

ورواه النضر بن شميل وشريك وغيرهما متصلا.

وأخرجه الطبراني في الاوسط وفى إسناده محمد بن عقبة السدوسى وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم، وفيه أيضا سعيد بن أبى بن كعب، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.

وقد أخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفى إسنادهما من لا يعرف، وقد أخرج نحوه الطبراني في الاوسط عن أبى بكر والترمذي عن أبى هريرة وحديث خباب رواه الشيخان وأحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه وله طرق عن جابر وأنس وعبد الرحمن بن عوف والفرائض جمع فريضة كحدائق جمع حديقه، وهى فعيله بمعنى مفعولة مأخوذة من الفرض وهو القطع، يقال فرضت لفلان كذا، أي قطعت له شيئا من المال.

وقيل هي من فرض القوس، وهو الحز الذى في طرفه حيث يوضع

الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول كذا قاله الخطابى وقبل الثاني خاص بفرائض الله تعالى وهى ما ألزم به عباده لمناسبة اللزوم لما كان الوتر يلزم محله من القوس.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 51)

________________________________________

وقد روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه (تعلموا الفرائض وعلموها، فإنها نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول شئ ينزع من أمتى) رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم.

وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذا لهوتم فالهو بالرمي، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، ورواه سعيد بن منصور عن جرير عن عاصم الاحول عن مورق العجلى عن عمر بن الخطاب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن.

وروى أحمد في مسنده وغيره عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ إمرأة سعد بن الربيع جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: فنزلت آية الميراث فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عمهما فقال: أعط إمرأة سعد الثمن وابنتي سعد الثلثين وما بقى فهو لك) .

وقال علقمة: إذا أردت أن تعلم الفرائض فأمت جيرانك.

إذ ثبت هذا: فإن التوارث في الجاهلية كان بالحلف والنصرة، فكان الرجل يقول للرجل: تنصرنى وأنصرك وترثني وأرثك وتعقل عنى وأعقل عنك، وربما تحالفوا على ذلك، فإذا كان لاحدهما ولد كان الحليف كأحد أولاد حليفه، إن لم يكن له ولد فإن جميع المال للحليف، فجاء الاسلام الناس على هذا، فأقرهم الله تعالى على صدر الاسلام بقوله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم.

وروى أن أبا بكر رضى الله عنه حالف رجلا فمات فورثه أبو بكر ثم نسخ ذلك وجعل التوراث بالاسلام والهجرة، فكان الرجل إذا أسلم وهاجر معه من مناسبيه دون لم يهاجر معه من مناسبيه، مثل أن يكون له أخ وابن مسلمان فهاجر معه الاخ دون الابن فيرثه أخوه دون ابنه، والدليل عليه قوله تعالى (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 52)

________________________________________

آووا ونصروا، أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك ربنا عز وجل بالميراث بالرحم بقوله تبارك اسمه (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) وفسر المعروف بالوصية، وقال تعالى: للرجال نصيب مما ترك الولدان والاقربون، فذكر أن لهم نصيبا في هذه الآية، ولم يبين قدره، ثم بين قدر ما يستحقه كل وارث في ثلاثة مواضع من كتابه على ما نذكره في مواضعه ان شاء الله.

وإذا تقرر هذا فان الميت إذا مات أخرج من ماله كفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزة من رأسماله مقدما على دينه ووصيته، موسرا كان أو معسرا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.

وقال الزهري: ان كان موسرا حسب ذلك من رأس المال، وان كان معسرا احتسب من ثلثه.

وقال خلاس بن عمرو: يحتسب من ثلثه بكل حال.

دليلنا ما روى خباب في الحديث الذى ساقه المصنف ولم يسل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثلث ماله، وروى أن الرجل الذى قضى وهو محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما، ولم يعتبر الثلث، ولان الميراث انما نقل إلى الورثة لاستغناء الميت عنه، وهذا غير ما استقر من كفنه ومؤنة

تجهيزه، فقدم على الارث ثم يقضى دينه ان كان عليه دين ثم تخرج وصاياه لقوله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأجمعت الامة على أن الدين مقدم على الوصية، وهل ينتقل ماله إلى ورثته قبل قضاء الدين؟ اختلف أصحابنا فيه فذهب أكثرهم إلى أنه ينتقل إليهم قبل قضاء الدين.

وقال أبو سعيد الاصطخرى: لا ينتقل إليهم حتى يقضى الدين، هكذا ذكر الشيخان أبو حامد الاسفرايينى وأبو إسحاق المروزى عن أبى سعيد من غير تفصيل، وأما بن الصباغ فحكى عنه: ان كان الدين لا يحيط بالتركة لم يمنع الدين من انتقال المال إلى الورثة الا بقدره، واحتج بأنه لو بيع شئ من ماله بعد موته لكانت العهدة على الميت دون الورثة، فدل على بقاء ملكه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 53)

________________________________________

فعلى هذا إذا حدث من المال فوائد أو نماء قبل الدين كان ذلك ملكا للميت فيقضى منه دينه، وينفذ منه وصاياه.

وقال أبو حنيفة: ان كان الدين يحيط بالتركة منع انتقال الملك إلى الورثة وان كان الدين لا يحيط بالتركة لم يمنع الملك إلى الورثة بحال، لقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم الآية) ولم يفرق، ولانه لا خلاف أن رجلا مات وخلف ابنين وعليه دين فمات أحدهما قبل قضاء الدين، وخلف ابنا ثم أبرأ من له الدين الميت عن الدين، فإن تركة من عليه الدين تقسم بين الابن وابن الابن، فلو كان الدين يمنع انتقال الملك إلى الورثة لكانت التركة للابن وحده، فعلى هذا لو حل من التركة فوائد قبل قضاء الدين فإنها للورثة، لا يتعلق بها حق الغرماء ولا الوصية، وان كان الدين: أكثر من التركة: فقال الوارث أنا أدفع قيمة التركة من مالى ولا تباع التركة، وطلب الغرماء بيعها، فهل يجب بيعها؟ فيه وجهان بناء على العبد الجاني إذا بذل سيده قيمته وطلب

المجني عليه بيعه: وكان الارش أكثر من قيمته، فهل يجب بيعه؟ فيه وجهان.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ثم تقسم التركة بين الورثة والاسباب التى يتوارث بها الورثة المعينون ثلاثة: رحم، ولاء، ونكاح، لان الشرع ورد بالارث بها، وأما المؤاخاة في الدين والموالاة في النصرة والارث فلا يورث بها، لان هذا كان في ابتداء الاسلام ثم نسخ بقوله عز وجل (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) .

 

(فصل)

والوارثون من الرجال عشرة الابن وابن الابن وان سفل، والاب والجد أبو الأب وان علا، والاخ وابن الاخ والعم وابن العم والزوج ومولى النعمة، والوارثات من النساء سبع: البنت وبنت الابن والام والجدة والاخت والزوجة ومولاة النعمة: لان الشرع ورد بتوريثهم على ما نذكره ان شاء الله تعالى.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 54)

________________________________________

فأما ذوو الارحام وهم الذين لا فرض لهم ولا تعصيب فانهم لا يرثون، وهم عشرة: ولد البنات وولد الاخوات وبنات الاخوة وبنات الاعمام وولد الاخوة من الام والعم من الام والعمة والخال والخالة والجد أبو الأم ومن يدلى بهم.

والدليل عليه ما رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ الله تعالى أعطى كل ذى حق حقه، ولا وصية لوارث) فأخبر أنه أعطى كل ذى حق حقه، فدل على أن كل من لم يعطه شيئا فلا حق له: ولان بنت الاخ لا ترث مع أخيها فلم ترث كبنت المولى، ولا يرث العبد المعتق من مولاه لما ذكرناه من حديث أبى أمامة، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أعتق)

(الشرح) حديث أبى امامة الاول مضى تخريجه والكلام عليه في كتاب الوصايا، وأما الحديث الثاني (الولاء لمن أعتق) فهو من حديث عائشة عند أحمد والبخاري ومسلم ولفظه (أن بريرة جاءت تستعينها في كتابها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فان أحبوا أن أقضى عنك كتابتك ويكون ولاؤك لى فعلت، فذكرت بريرة ذلك لاهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابتاعى فأعتقي، فانما الولاء لمن أعتق، ثم قام فقال: ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق) أما الاحكام فانه يصرف مال اليتيم بعد قضاء الدين وإخراج وصيته إلى ورثته.

والارث ضربان: عام وخاص، فأما العام فهو أن يموت رجل من المسلمين ولا وارث له خاص، فان ماله ينتقل إلى المسلمين ارثا بالتعصيب، يستوى فيه الذكر والانثى، وهل يدخل فيه العامل؟ فيه وجهان وأما الارث الخاص فيكون بأحد أمرين بسبب أو نسب، فأما السبب فينقسم قسمين ولاء ونكاح، فأما الولاء فقد مضى بيانه، وأما النكاح فهو ارث أحد

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 55)

________________________________________

الزوجين من الآخر على ما يأتي بيانه.

وأما النسب فهم الوارثون من القرابة من الرجال والنساء، فالرجال المجمع على توريثهم خمسة عشر، منهم أحد عشر لا يرثون الا بالتعصيب.

وهم الابن وابن الابن وان سفل والاخ للاب والام، والاخ للاب، وابن الاخ للاب والام، وابن الاخ للاب، والعم للاب والام والعم للاب، وابن العم للاب، والمولى المنعم.

فكل هؤلاء لا يرث واحد منهم

فرضا وانما يرث تعصيبا، الا الاخ للاب والام فانه يرث بالفرض في التركة على ما نذكره.

واثنان من الرجال الوارثين تارة بالفرض وتارة بالتعصيب، وهما الاب والجد أبو الأب وان علا.

واثنان لا يرثان الا بالفرض لا غير، وهما الاخ للام والزوج.

وأما النساء المجمع على توريثهن فعشر: وهى الابنة وابنة الابن وان سفلت والام والجدة أم الاب والاخت للاب والاخت للام والزوجة والموالاة المنعمة فأربع منهن يرثن تارة بالفرض وتارة بالتعصيب، وهن الابنة، وابنة الابن، والاخت للاب والام والاخت للاب، والاخت للام، والزوجة.

واحدة منهن لا ترث الا بالتعصيب وهى المولاة المنعمة والورثة من الرجال والنساء ينقسمون ثلاثة أقسام: قسم يدلى بنفسه، وقسم يدلى بغيره، وقسم يدلى بنفسه وقد يدلى بغيره.

فأما القسم الذى يدلى بنفسه فهم ستة.

الاب والام والابن والابنة والزوج والزوجة وهؤلاء لا يحجبون بحال.

وأما القسم الذى يدلى بغيره فهو من عدا من ذكر من القرابات وقد يحجبون.

وأما القسم الذى يدلى بنفسه مرة وبغيره أخرى فهو من يرث بالولاء، وقد يحجب أيضا، وقد ورد الشرع بتوريث جميع ما ذكرنا على ما يأتي بيانه.

وأما ذوو الارحام، وهم ولد البنات وولد الاخوات، وبنات الاخوة وولد الاخوة للام، والخال والخالة، والعمة والعم للام وبنات الاعمام وكل أحد بينه وبين الميت أم، ومن يدلى بها ولاء.

فاختلف أهل العلم في توريثهم على ثلاثة مذاهب، فذهب الشافعي رضى الله عنه إلى أنهم لا يرثون بحال.

وبه قال في الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وهى احدى الروايتين عن عمر، ومن الفقهاء الزهري ومالك الاوزاعي واهل الشام وأبو ثور

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 56)

________________________________________

وذهبت طائفة إلى أنهم يرثون ويقدمون على الموالى والرد، ذهب إليه من الصحابة على بن أبي طالب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وهو الصحيح عن عمر، وذهب النووي وأبو حنيفة إلى أن ذوى الارحام يرثون، ولكن يقدم عليهم المولى والرد، فإن كان له مولى منعم ورث، وإن لم يكن له منعم وهناك من له فرض كالابنة والاخت كان الباقي لصاحب الفرض بالرد، وإن لم يكن هناك أحد من أهل الفروض ورث ذوو الارحام، وبه قال بعض أصحابنا إن لم يكن هناك إمام عادل، وهى إحدى الروايتين عن علي كرم الله وجهه إلا أنها رواية شاذة، ولا سند لابي حنيفة في مذهبه غير هذه الرواية الشاذة.

دليلنا ما روى أبو أمامة الباهلى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن الله تعالى قد أعطى لكل ذى حق حقه الحديث، فظاهر النص يقتضى انه لا حق في الميراث لمن لم يعطه الله شيئا، وجميع ذوى الارحام لم يعطهم الله في كتابه شيئا فثبت أنه لا ميراث.

وروى أبو سلمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن ميراث العمة والخالة فقال: لا أدري حتى يأتي جبريل، ثم قال: أين السائل عن ميراث العمه والخالة؟ أتاني جبريل فسارني أن لا ميراث لهما.

وروى عطاء بن يسار عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يأتي قباء على حمار أو حمارة يستخير الله في ميراث العمة والخالة، فأنزل الله عز وجل (أن لا ميراث لهما، ولان كل من لم ترث مع من هو أبعد لم يرث إذا انفرد كابنة المولى، لان ابنة المولى لما لم ترث مع ابن المولى، وهو أبعد منها لم ترث أيضا إذا انفردت كذلك، ولهذا لم ترث مع ابن العم وهو أبعد منها، ولم ترث أيضا إذا انفردت، ولان ابنة الاخ لما لم ترث مع أختها لم ترث إذا انفردت كابنة المولى وعكسه الابنة والاخت فانهما لما ورثتا مع أخيهما ورثتا إذا انفردتا.

(فرع)

مولى الموالاة لا يرث عندنا وهو أن يقول رجل لآخر: واليتك على أن ترثى وأرثك وتنصرني وأنصرك وتعقل عني وأعقل عنك ولا يتعلق بهذه الموالاة عندنا حكم ارث ولا عقل وغيره، وبه قال زيد بن ثابت ومن التابعين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 57)

________________________________________

الحسن البصري والشعبي ومن الفقهاء الاوزاعي ومالك، وذهب النخعي إلى أن هذا العقد يلزم بكل حال ويتعلق به التوارث والعقل ولا يكون لاحدهما فسخه بحال، وقال أبو حنيفة مولى الموالاة يرث ولكنه يؤخر عن المناسبين والموالاة وهى عقد جائز لكل واحد منهما فسخه ما لم يعقل أحدهما عن الاخر، فإذا عقل لزمه ذلك ولم يكن له سبيل إلى فسخه.

دليلنا حديث بريرة (الولاء لمن أعتق) فجعل حسن الولاء للعتق فلم يبق ولاء يثبت لغيره لان كل سبب لم يورث به مع وجود النسب لم يورث به مع فقده كما لو أسلم رجل على يد رجل، ولان عقد الموالاة لو كان سببا يورث به لم يجز فسخه وابطاله كالنسب والولاء.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ولا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم أصليا كان أو مرتدا لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ويرث الذمي من الذمي) وان اختلفت أديانهم كاليهودي من النصراني والنصراني من المجوسي، لانه حقن دمهم بسبب واحد فورث بعضهم من بعض كالمسلمين، ولا يرث الحربي من الذمي ولا الذمي من الحرب، لان الموالاة انقطعت بينهما فلم يرث أحدهما من الاخر كالمسلم والكافر.

 

(فصل)

ولا يرث الحر من العبد، لان ما معه من المال لا يملكه في أحد

القولين، وفى الثاني: يملكه ملكا ضعيفا، ولهذا لو باعه رجع إلى مالكه فكذلك إذا مات ولا يرث العبد من الحر لانه لا يورث بحال فلم يرث كالمرتد، ومن نصفه حر ونصفه عبد لا يرث، وقال المزني: يرث بقدر ما فيه من الحرية ويحجب بقدر ما فيه من الرق، والدليل على أنه لا يرث أنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية، فلم يرث كالعبد، وهل يورث منه ما جمعه بالحرية؟ فيه قولان: قال في الجديد: يرثه ورثته، لانه مال ملكه بالحرية فورث عنه كمال الحر.

وقال في القديم: لا يورث لانه إذا لم يرث بحريته لم يورث بها، وما الذي

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 58)

________________________________________

يصنع بماله.

قال الشافعي رضى الله عنه: يكون لسيده وقال أبو سعيد الاصطخري: يكون لبيت المال، لانه لا يجوز أن يكون لسيده لانه جمعه بالحرية فلا يجوز أن يورث لرقه، فجعل لبيت المال ليصرف في المصالح كمال لا مالك له.

 

(فصل)

ومن أسلم أو أعتق على ميراث لم يقسم لم يرث لانه لم يكن وارثا عند الموت فلم يرث، كما لو أسلم أو أعتق بعد القسمة.

وإن دبر رجل أخاه فعنق بموته لم يرثه، لانه صار حرا بعد الموت، وإن قال له أنت حر في آخر جزء من أجزاء حياتي المتصل بالموت، ثم مات عتق من ثلثه، وهل يرثه؟ فيه وجهان

(أحدهما)

لا يرثه لان العتق في المرض وصية، والارث والوصية لا يجتمعان (والثاني) يرثه ولا يكون عتقه وصية، لان الوصية ملك بموت الموصي، وهذا لم يملك نفسه بموته.

وإن قال في مرضه: إن مت بعد شهر فأنت اليوم حر، فمات بعد شهر عتق يوم تلفظ، وهل يرثه؟ على الوجهين (الشرح) حديث أسامة رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

وفي رواية عند الشيخين قال (يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة؟

قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، ولم يرث جعفر ولا على شيئا، لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ) الاحكام: لا يرث الكافر من المسلم بلا خلاف، وأما المسلم فلا يرث الكافر عندنا، وبه قال علي وزيد بن ثابت وهو قول الفقهاء كافة.

وقال معاذ ومعاوية: يرث المسلم من الكافر، دليلنا حديث أسامة بن زيد وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يتوارث أهل ملتين شيئا، والاسلام والكفر ملتان شتى فوجب أن لا يتوارثا ويرث الكافر من الكافر إذا اجتمعا في الذمة أو فالحرب، فيرث اليهودي من النصراني والعكس وكذا المجوسي إذا جمعتهم الذمة أو كانوا حربا لنا.

فأما أهل الحرب وأهل الذمة فإنهم لا يتوارثون، وإن كانوا من اليهود أو

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 59)

________________________________________

النصارى.

وبه قال من الصحابة عمر وعلي وزيد بن ثابت.

ومن الفقهاء مالك والثوري وأبو حنيفة.

هذا نقل أصحابنا البغداديين.

وقال المسعودي: الذمي هل يرث الحربي؟ فيه قولان، أحدهما يرثه، لان ملتهما واحدة، والثاني: لا يرثه لان حكمنا لا يجري على الحربي.

هذا مذهبنا.

وذهب الزهري والاوزاعي وأبن أبى ليلى وأحمد وإسحاق إلى أن اليهودي لا يرث من النصراني وكذلك العكس وإن جمعتهم الملة، وإنما يرث النصراني من النصراني واليهودي من اليهودي، كما يرث أهل الحرب بعضهم بعضا إذا تحاكموا إلينا، وإن اختلفت دارهما وكان بعضهم يرى قتل بعض، وحكم من دخل الينا بأمان أو تجارة أو رسالة حكم أهل الذمة ويرث بعضهم من بعض ومتى كانت امرأة الكافر ذات رحم منه من نسب أو رضاع لم يتوارثا بالنكاح، وإن كانت غير ذات رحم محرم منه لو اسلما أقرا على

نكاحهما وتوارثا بالنكاح، وإن عقدا بغير ولي ولا شهود (فرع)

قال الشافعي: وميراث المرتد لبيت المال.

قال العمراني: وجملة ذلك أن العلماء اختلفوا في الارث بعد موته على أربعة مذاهب، فذهب الشافعي رحمه الله إلى أن ماله لا يورث بل يكون فيئا لبيت المال.

سواء في ذلك ما اكتسبه في حال إسلامه أو في حال ردته، وسواء قلنا إن ملكه يزول أو لا يزول أو موقوف.

وبهذا قال ابن عباس وهى إحدى الروايتين عن علي وبه قال الاوزاعي وأبو يوسف ومحمد، وذهب قتادة وعمر بن عبد العزيز إلى أن ماله يكون لاهل الذمة التي انتقل إليها، فإن انتقل إلى اليهود كان ماله لهم.

وإن انتقل إلى النصارى كان ماله لهم.

وقال أبو حنيفة والثوري: ما اكتسبه قبل الردة ورث عنه، وما اكتسبه بعد الردة يكون فيئا.

ودليلنا حديث اسامة في الفصل، والمرتد كافر، ولانه لا يرث بحال فلم يورث كالكافر، والجواب على أبي حنيفة هو أن من لم يرث المسلم ما اكتسبه في حالة إباحة دمه لم يرث ما اكتسبه في حال حقن دمه كالذمي إذا لحق بدار الحرب.

إذا ثبت هذا فهل يخمس مال المرتد؟ فيه قولان يأتيان.

(فرع)

إذا مات العبد وفي يده مال لم يرثه قرابته الاحرار، لان من الناس

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 60)

________________________________________

من يقول: انه لا يملك المال، ومنهم من قال انه يملكه إذا ملكه السيد، وهذا ملك ضعيف يزول بزوال ملك سيده وأما من نصفه حر ومن نصفه عبد فهو على وجهه ما أورده المصنف أما إذا مات مسلم حر وخلف أولادا أحرارا مسلمين وأولادا مملوكين ورثه الاولاد المسلمون الاحرار، فإن أسلم الكفار أو أعتق العبيد بعد قسمة الميراث لم يشاركوا في الارث بلا خلاف، وإن أسلموا أو عتقوا بعد موت أبيهم وقبل

قسمة تركته لم يشاركوا في الميراث عندنا، وبه قال أكثر أهل العلم.

وقال أكثر أهل العلم: إذا اسلموا أو عتقوا بعد موت أبيهم وقبل قسمة تركته لم يشاركوا في الميراث عندنا وبه قال أكثر أهل العلم.

وقال عمر وعثمان رضى الله عنهما: إذا أسلموا أو عتقوا قبل القمسة شاركوا في الارث.

دليلنا أن كل من لم يرث حال الموت لم يرث بعد ذلك، كما لو أسلم أو أعتق بعد القسمه

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

واختلف أصحابنا فيمن قتل مورثه فمنهم من قال: ان كان القتل مضمونا لم يرثه لانه قتل بغير حق وان لم يكن مضمونا ورثه لانه قتل بحق فلا يحرم به الارث.

ومنهم من قال: ان كان متهما كالمخطئ أو كان حاكما فقتله في الزنا بالبينه لم يرثه لانه متهم في قتله لاستعجال الميراث، وان كان غير متهم بأن قتله بإقراره بالزنا ورثه لانه غير متهم لاستعجال الميراث.

ومنهم من قال لا يرث القاتل بحال، وهو الصحيح لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لا يرث القاتل شيئا) ولان القاتل حرم الارث حتى لا يجعل ذريعة إلى استعجال الميراث فوجب أن يحرم بكل حال لحسم الباب (الشرح) حديث ابن عباس رواه الدارقطني وفى اسناده كثير من مسلم وهو ضعيف، وعند البيهقى حديث آخر بلفظ: من قتل قتيلا فانه لا يرثه.

وان لم يكن له وارث غيره.

وفى اسناده عمرو بن برق وهو ضعيف، وعن أبى هريرة عند الترمذي وابن ماجه (القاتل لا يرث) وفى اسناده إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ تركه أحمد وغيره وأخرجه النسائي في السنن الكبرى وقال: اسحاق متروك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 61)

________________________________________

ورواه أبو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (لا يرث القاتل شيئا) وأخرجه النسائي وأعله، الدارقطني وقواه ابن عبد البر.

ورواه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجه والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن عمر: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يَقُولُ (ليس لقاتل ميراث) وفى سنده انقطاع.

وقال البيهقي: ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مرفوعا، قال الحافظ بن حجر: وكذا أخرجه النسائي من وجه آخر عن عمر وقال: انه خطأ وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من وجه آخر عن عمر أيضا أما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه: والقاتلون عمدا أو خطأ لا يرثون، وجملة ذلك أن العلماء اختلفوا في ميراث القاتل من المقتول، فذهب الشافعي إلى أن القاتل لا يرث المقتول لا من ماله ولا من ديته، سواء قتله عمدا أو خطأ أو مباشرة أو بسبب مصلحه.

كسقي الدواء أو ربط الجرح أو لغير مصلحه متهما كان أو غير متهم، وسواء كان القاتل صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو مجنونا، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وعمر بن عبد العزيز وأحمد بن حنبل.

وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا: إذا كان القاتل غير متهم بأن كان حاكما فجاء مورثه فأقر عنده بقتل رجل عمدا وطلب وليه القود، فمكنه الحاكم من قتله، أو اعترف عندنا بالزنا وهو محصن فرجمه أو أعترف بقتل الحرابة فقتل فإنه يرثه لانه غير متهم في قتله.

ومن أصحابنا من قال: إن كان القتل مضمونا لم يرث القاتل لانه قتل بغير حق، وإن كان غير مضمون بأن قتله قصاصا أو في الزنا أو كان باغيا فقتله العادل وما أشبه ذلك ورث، لانه قتل بحق فلا يمنع الارث.

وقال عطاء وابن المسيب ومالك والاوزاعي ان كان القتل عمدا لم يرث القاتل لا من ماله ولا من ديته.

وإن كان القتل خطأ ورث ماله ولم يرث من ديته.

وقال أبو حنيفة وأصحابه إن قتله مباشرة فلا يرثه سواء قتله عمدا أو خطأ إلا ان كان القاتل صبيا أو مجنونا أو عادلا فقتل الباغي فإنهم يرثون، وإن قتله بسبب، مثل أن حفر بئرا أو نصب سكينا فوقع عليها مورثه أو كان يقود دابة أو يسرقها فرفسته فإنه يرثه

وإن كان راكبا الدابة فرفست مورثه أو وطئته فمات فقال أبو حنيفة لا يرثه،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 62)

________________________________________

وقال أبو يوسف ومحمد يرثه.

أما نحن فدليلنا ما رويناه من حديث ابن عباس (لا يرث القاتل شيئا) وحديث عمر وحديث أبي هريرة وحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وكلها نصوص في أن القاتل لا يرث.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

(فصل)

واختلف قول الشافعي رحمه الله فيمن بت طلاق امرأته في المرض المخوف واتصل به الموت، فقال في أحد القولين انها ترثه لانه متهم في قطع ارثها فورثت، كالقاتل لما كانت متهما في استعجال الميراث لم يرث.

والثاني أنها لا ترث وهو الصحيح، لانها بينونة قبل الموت فقطعت الارث كالطلاق في الصحة، فإذا قلنا انها ترث فإلى أي وقت ترث؟ فيه ثلاثة أقوال، أحدها ان مات وهى في العدة ورثت لان حكم الزوجية باق، وان مات وقد انقضت العدة لم ترث لانه لم يبق حكم الزوجية، والثاني انها ترث ما لم تتزوح، لانها إذا تزوجت علمنا انها اختارت ذلك، والثالث أنها ترث أبدا، لان توريثها للفرار، وذلك لا يزول بالتزويج فلم يبطل حقها.

وأما إذا طلقها في المرض ومات بسبب آخر لم ترث لانه بطل حكم المرض، وان سألته الطلاق لم ترث لانه غير متهم.

وقال أبو علي بن ابي هريرة ترث لان عثمان بن عفان رضى الله عنه ورث تماضر بنت الاصبع من عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكانت سألته الطلاق، وهذا غير صحيح.

فإن ابن الزبير خالف عثمان في ذلك، وان علق طلاقها في الصحة على صفة تجوز ان توجد قبل المرض فوجدت الصفة في حال المرض لم ترث، لانه غير متهم في عقد الصفة، وان علق طلاقها في المرض على فعل من جهتها، فإن كان فعلا يمكنها تركه ففعلت لم ترث

لانه غير متهم في ميراثها، وان كان فعلا لا يمكنها تركه كالصلاة وغيرها فهو على القولين، وان قذفها في الصحة ثم لاعنها في المرض لم ترث، لانه مضطر إلى اللعان لدرء الحد فلا تلحقه التهمة، وان فسخ نكاحها في مرضه بأحد العيوب ففيه وجهان، أحدهما انه كالطلاق في المرض، والثاني انها لا ترث لانه يستند إلى معنى من جهتها ولانه محتاج إلى الفسخ لما عليه من الضرر في المقام معها على العيب

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 63)

________________________________________

(فصل)

وإن طلقها في المرض ثم صح ثم مرض ومات، أو طلقها في مرض ثم ارتدت ثم عادت إلى الاسلام ثم مات لم ترثه قولا احدا لانه أتت عليها حالة أو مات سقط إرثها فلم يعد.

(الشرح) إذا طلق الرجل إمرأته في مرض موته وقع الطلاق رجعيا فمات وهي في العدة أو ماتت قبله في العدة ورث أحدهما صاحبه بلا خلاف أيضا، لان الرجعية حكمها حكم الزوجة إلا في إباحة وطئها، وهى كالحائض، وان كان الطلاق بائنا، فإن ماتت قبل الزوج لم يرثها الزوج وهو إجماع أيضا لا خلاف فيه، فإن مات الزوج قبلها فهل ترثه؟ فيه قولان، قال في القديم: ترثه، وبه قال عمر وعثمان وعلي، ومن الفقهاء شعبة ومالك والاوزاعي والليث وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد، ووجه هذا ما روى أن عمر قال: المبتوتة في حال المرض ترث من زوجها، وروى أن عبد الرحمن بن عوف طلق إمرأته تماضر بنت أصبع الكلبية في مرض موته فورثها منه عثمان بن عفان، وروى أن عثمان لما حصر طلق إمرأته فورثها منه علي بن أبي طالب وقال: قد كان أشرف على موت، ولانه متهم في قطع ميراثها فغلظ عليه وورثت منه كالقاتل لما كان متهما في القتل لاستعجال الميراث غلظ عليه فلم يرث.

وقال في الجديد: لا ترثه، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ الزبير وأبو ثور وهو الصحيح، لانها فرقة يقطع ميراثه منها فقطعت ميراثها عنه كما أبائها في حال الصحة عكسه الرجعية، ولانها فرقة لو وقعت في الصحة لقطعت ميراثها عنه فإذا وقعت في المرض قطعت ميراثها عنه كاللعان، ولانها ليست بزوجه له بدليل أنه لا يلحقها طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا عدة وفاته فلم ترثه كالاجنبية.

وأما ما روى عن عمر وعثمان وعلي، فإن ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف خالفاهم في ذلك فقال ابن الزبير: أما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة، وعبد الرحمن ابن عوف إنما طلق إمرأته في مرض موته ليقطع ميراثها عنه، فإذا قلنا في الجديد فلا نفرع عليه، وان قلنا بقوله القديم قال: متى ترثه؟ فيه ثلاثة أقوال.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 64)

________________________________________

أحدها: ترثه ما دامت في عدتها منه، فإذا انقضت عدتها لم ترثه، وبه قال أبو حنيفة وسفيان والليث والاوزعي وإحدى الروايتين عن أحمد، لان الميراث للزوجة إنما يكون لزوجة أو لمن هي في حكم الزوجات، فما دامت في عدتها منه فهي في حكم الزوجات.

والثاني: أنها ترثه ما لم تتزوج بغيره، فإذا تزوجت بغيره لم ترثه، وبه قال ابن أبي ليلى، وهى الرواية الصحيحة عن أحمد، لان حقها قد ثبت في ماله، فإذا لم يسقط ببينونتها لم يسقط بانقضاء عدتها، وإنما يسقط برضاها، فإذا تزوجت فقد رضيت بفراقه وقطع حقها عنه.

والثالث: أنها ترثه ابدا سواء تزوجت أو لم تتزوج، وبه قال مالك لانها قد ثبت لها حق في ماله فلم ينقص بانقضاء عدتها ولا بتزويجها كمهرها.

(فرع)

إذا أقر في مرض موته أنه قد كان طلق إمرأته في صحته ثلاثا بانت منه، قال الشيخ أبو حامد: ولا ترثه قولا واحدا، لان ما أقر به في مرض موته

وإضافته إلى الصحة كالذي فعله في الصحة كما لو أقر في مرض موته أنه كان وهب ماله في صحته وأقبضه، فان ذلك يعتبر من التلت.

وحكى القاضي أبو الطيب عن بعض أصحابنا في ذلك قولين كما لو طلقها ثلاثا في مرض موته لانه متهم في اسقاط حقها فلم يسقط بدليل أنه لا يسقط بهذا الاقرار نفقتها ولا سكناها في حال النكاح وان اضاف ذلك إلى وقت ماض.

(فرع)

إذا كان الرجل مريضا فسألته امرأته أن يطلقها ثلاثا ومات في مرضه ذلك، أو قال لها في مرض موته: أنت طالق ثلاثا ان شئت، فقالت: شئت، طلقت، وهل ترثه؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هِيَ عَلَى القولين، لان الاصل في هذا قصة عثمان في توريثه تماضر زوجها عبد الرحمن بن عوف في مرض موته، وقد كانت سألته الطلاق.

وقال الشيخ أبو حامد: لا ترثه قولا واحدا، وهو المذهب لانها إذا سألته الطلاق فلا تهمة عليه في طلاقها، وأما قصة تماضر لا حجه فيها لان عبد الرحمن قال لنسائه: من اختارت منكن أن أطلقها طلقتها، فقالت تماضر: طلقني،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 65)

________________________________________

فقال لها: إذا حضت فأعلميني فأعلمته فطلقها.

وليس طلاقه لها في هذ الوقت جوابا لكلامها لان قولها طلقني يقتضي الجواب في الحال، فإذا تأخر ثم طلقها كان ذلك إبتداء طلاق.

وان سألته في مرض موته أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا ثم مات فهل ترثه فيه قولان، لانها سألته تطليقها فإذا طلقها ثلاثا صار متهما بذلك لانه قصد قطع ميراثها، فصار كما لو طلقها ثلاثا ابتداء من غير سؤالها.

(فرع)

إذا علق المريض طلاق امرأته ثلاثا بصفة ثم وجدت تلك الصفه في مرضه ومات، فهل ترثه؟ نظرت فان كان صفة لها منه بد مثل أن قال لها:

ان دخلت الدار أو خرجت منها أو كلمت فلانا أو صليت النافلة أو صمت النافلة فأنت طالق ثلاثا، ففعلت ذلك في مرض موته لم ترثه قولا واحدا، لانها إذا فعلت ذلك مع علمها بالطلاق فقد اختارت وقوع الطلاق عليها بما لها منه بد فصارت كما لو سألته الطلاق، وان كانت صفة لا بد منها بأن قال: ان تنفست أو صليت الفرض أو كلمت أباك أو أمك فأنت طالق ثلاثا ففعلت ذلك في مرض موته ومات فهل ترثه؟ على القولين لانها لابد لها من فعل هذه الاشياء فصار كما لو طلقها ثلاثا طلاقا منجزا.

وقال الشيخ أبو حامد: ان قال لها ان مرضت فأنت طالق ثلاثا فمات في مرضه فيه قولان، لانه لما جعل مرض موته شرطا في وقوع الطلاق عليها كان متهما في ذلك، فان قال لها وهو صحيح: ان جاء رأس الشهر أو جاء الحاج أو طلعت الشمس وما أشبه ذلك فأنت طالق ثلاثا، فوجدت هذه الصفات في مرضه موته فهل ترثه، قال البغداديون من أصحابنا: لا ترثه قولا واحدا لانه غير متهم في ذلك، لان انفاق ذلك في مرضه مع هذه الصفات لم يكن من قصده.

أما إذ قال أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر، فان عاش هذا الزوج بعد هذا القول أقل من شهر ثم مات لم يحكم بوقوع الطلاق لانا لا نحكم بوقوعه قبل محله، وان عاش بعد ذلك شهرا ومات مع الشهر لم يقع الطلاق لان الطلاق انما يقع عقيب الايقاع مما معه، وان عاش شهرا واحدا طلقت قبل موته بشهر.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 66)

________________________________________

قال الشيخ أبو حامد: وهل ترثه، فيه قولان لانه متهم في ذلك، ثم إنه بذلك منعها من الميراث.

(فرع)

إذا طلقها ثلاثا في مرضه، ثم صح ثم مرض ثم مات فانها لا ترثه قولا واحدا، لانه قد تخلل بين المرض والموت حالة لو طلقها ثلاثا فيها لم ترث

شيئا، فكذلك إذا طلقها قبل تلك الحالة فوجب أن لا ترث، وهكذا إذا طلقها في مرض موته ثلاثا ثم ارتد الزوج أو الزوجه، ثم رجعا ثم مات الزوج لم ترثه قولا واحدا.

(فرع)

إذا طلق إمرأته في الصحة ثم لاعنها في مرض موته لم ترثه قولا واحدا لانه مضطر إلى اللعان لدرء الحد فلا تلحقه التهمة، وإن قذفها في مرض موته ولاعنها قال ابن الصباغ: فإنها لا ترثه قولا واحدا لانه في حاجة إلى اللعان لاسقاط الحد عن نفسه.

قال ابن اللبان.

ويحتمل أن يقال: إن كان قد نفى الحمل فإنها لا ترث لانه مضطر إلى قذفها، وان لم ينف الولد ورثته في أحد القولين، لانه لم يضطر إلى قذفها، وان فسخ نكاحها في مرض موته بأحد العيوب ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو إسحاق، أحدهما: أنه كالطلاق في المرض فيكون في ميراثها منه قولان.

والثاني لا ترثه قولا واحدا، لانه يستند إلى معنى من جهتها، ولان به حاجة إلى الفسخ لما عليه من الضرر في المقام معها على العيب.

(فرع)

إذا كانت تحته أربع نسوة وطلقهن في مرض موته طلاقا بائنا ثم تزوج بعدهن أربعا سواهن ثم مات من مرضه ذلك فإن قلنا بالجديد: وأن المبتوتة في مرض الموت لا ترث كان ميراثه للاربع زوجات دون المطلقات، وان قلنا بالقديم: وأن المبتوتة في مرض الموت ترث فمتى ترث فيه ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد.

(أحدها) أنه للزوجات الجديدات دون المطلقات لانه لا يجوز أن يرث الرجل أكثر من أربع زوجات ولا بد من تقديم بعضهن على بعض، فكان تقديم الزوجات أولى، لان ميراثهن ثابت بنص القرآن، وميراث المطلقات ثبت بالاجتهاد.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 67)

________________________________________

(والثاني) أنه للزوجات المطلقات دون الزوجات الجديدات، لانه لا يجوز أن يرثه أكثر من أربع، فكان تقديم المطلقات أولى لان حقهن أسبق.

(والثالث) أنه يكون بين المزوجات والمطلقات بالسوية لان ارث الزوجات ثابت بنص القرآن، وارث المطلقات ثابت بالاجتهاد فشرك بينهن، وقول من قال: لا يجوز أن يرثه أكثر من أربع زوجات ليس بصحيح لان الشرع انما منع من نكاح ما زاد على أربع، وأما توريث ما زاد على أربع فلم يمنع الشرع منه، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

وان مات متوارثان بالغرق أو الهدم، فإن عرف موت أحدهما قبل الاخر ونسى، وقف الميراث إلى أن يتذكر، لانه يرجى أن يتذكر، وان علم أنهما ماتا معا أو لم يعلم موت أحدهما قبل الآخر، أو علم موت أحدهما قبل موت الآخر، ولم يعرف بعينه، جعل ميراث كل واحد منهما لمن بقى من ورثته ولم يورث أحدهما من الآخر، لانه لا تعلم حياته عند موت صاحبه، فلم يرثه، كالجنين إذا خرج ميتا.

 

(فصل)

وان أسر رجل أو فقد ولم يعلم موته لم يقسم ماله حتى يمضى زمان لا يجوز أن يعيش فيه مثله، وان مات له من يرثه دفع إلى كل وارث أقل ما يصيبه ووقف الباقي إلى أن يتبين أمره.

(الشرح) إذا مات متوارثان كالرجل وابنه أو كالزوجين بالغرق أو الهدم فإن علم أن أحدهما مات أو لا وعرف عينه وورث الثاني من الاول، وان علم ان احدهما مات اولا وعرف عينه ثم نسى، وقف الامر إلى ان يتذكر من الاول منهما فيرث منه الثاني، لان الظاهر ممن علم ثم نسى انه يتذكر، وهذا لا خلاف فيه، وان علم انهما ماتا معا أو علم ان احدهما اولا ولم يعرف عينه.

قال الشيخ أبو حامد: مثل ان غرقا في ماء فرأى أحدهما يصعد من الماء وينزل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 68)

________________________________________

ولم يعرف عينه، والآخر قد نزل ولا يصعد، فإنه يعلم لا محالة أن الذي يصعد وينزل لم يمت، وأن الذي نزل ولا يصعد قد مات، أو لم يعلم هل ماتا في حالة واحدة أو مات أحدهما قبل الآخر، فمذهبنا في هذه الثلاث المسائل أنه لا يرث أحدهما من الآخر، ولكن يرث كل واحد منهما ورثته غير الميت معه.

وبه قال أبو بكر وعمر وابن عباس وزيد بن ثابت ومالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.

وذهب علي بن أبي طالب إلى أن يرث كل واحد منهما الآخر ثم يرثهما ورثتهما وبه قال داود.

دليلنا ما روى عن زيد بن ثابت أنه قال: ولانى أبو بكر موارث قتلى اليمامة فكنت أورث الاحياء من الموتى ولا أورث الموتى من الموتى، ولا كل من لم تعلم حياته عند موت مورثه لم يرثه، أصله الحمل، وهو أن رجل إذا مات وخلف امرأة حاملا فإنه إن خرج حيا ورث، لانا تيقنا حياته عند موت مورثه، وإن خرج ميتا لم يرث، لانا لا نعلم حياته عند موت مورثه، ولان توريث كل واحد منهما من الاخر خطا بيقين، لانهما إن ماتا معا في حالة واحدة لم يرث أحدهما الآخر وان مات أحدهما قبل الآخر فتوريث الساق منهما وتأمن الاخر خطا فإذا كان كذلك لم يرث أحدهما من الآخر لانه ليس أحدهما أن يكون مات أولا بأولى من الاخر (فرع)

إذا مات رجل وخلف ولدا أسيرا في أيدى الكفار فإنه يرث ما دام يعلم حياته، وبه قال أهل العلم كافة، وقال النخعي لا يرث الاسير دليلنا قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) ولم يفرق بين الاسير وغيره، فأما إذا لم تعلم حياته فحكمه حكم المفقود، وإذا فقد رجل وانقطع خبره لم يقسم ماله حتى يعلم موته أو يمضى عليه من الزمان من حين ولد زمان لا يعيش

فيه مثله فحينئذ يحكم الحاكم بموته ويقسم ماله بين ورثته الاحياء يومئذ دون من مات من ورثته قبل ذلك.

وقال مالك (إذا مضى له من العمر ثمانون سنة قسم ماله) وقال عبد الملك بن الماجشون (إذا مضى له تسعون سنة حكم الحاكم بموته) وقال أبو حنيفة (إذا مضى له مائة وعشرون سنة) وحكى بعضهم أن ذلك مذهب الشافعي.

وإن مات المفقود من يرثه قبل أن يحكم بموته أعطى كل وارث من ورثته

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 69)

________________________________________

ما يتيقن أنه له ووقف المشكوك فيه إلى أن يتيقن أمر المفقود، مثل أن تموت امرأة وتخلف زوجا وأختين وأخا لاب وأم مفقودا، فإن الزوج لا يستحق النصف كاملا إلا إذا تيقنا حياة الاخ عند موت المرأة، ولا يستحق الاختان أربعة اسباع المال إلا إذا تيقنا موت الاخ عند موت المرأة، والعمل في هذه وما أشبهها أن يقال لو كان الاخ ميتا وقت موت أخته لكانت الفريضة من سبعة، للزوج ثلاثة وللاختين للاب والام أربعة، ولو كان الاخ حيا وقت موت أخته لكانت الفريضة من ثمانية، للزوج أربعة ولكل أخت سهم وللاخ سهمان، والثمانية لا توافق السبعة، فيضرب ثمانية في سبعة فذلك ستة وخمسون، فيعطى الزوج نصيبه وهو عند موت الاخ، فله حينئذ ثلاثة من سبعه مضروب في ثمانية فذلك أربعة وعشرون وتعطى كل أخت نصيبها وهو عند وجود الاخ حيا عند موت أخته، وذلك سهم من ثمانية مضروب في سبعة، فذلك سبعة ويبقى من المال ثمانية عشر سهما، فيوقف ذلك إلى أن يتبين أمر الاخ، فان بان أنه كان حيا وقت موت أخته كان له سهمان من ثمانية في سبعه فذلك أربعة عشر سهما يأخذها من الموقوف وللزوج اربعة من ثمانيه في سبعه فذلك ثمانية وعشرون فمعه اربعة وعشرون ويبقى له اربعه فيأخذها من الموقوف وقد استوفى الاختيان نصيبهما،

وان بان أن الاخ كان ميتا وقت موت أخته كان للاختين اربعه من سبعه في ثمانيه فذلك اثنان وثلاثون فمعهما أربعة عشر ويبقى لهما ثمانية عشر وهو الموقوف فيأخذانه وقد استوفى الزوج نصيبه هذا هو المشهور من المذهب وخرج ابن اللبان في ذلك وما أشبهه وجهين آخرين

(أحدهما)

أن يجعل حكم الاخ المفقود حكم الحى، لان الاصل بقاء حياته، فلا ينتقص الزوج من النصف كاملا وان لكل اخت الثمن ويوقف ربع المال، فإن بان ان الاخ كان حيا وقت موت اخته دفع إليه الربع أو إلى ورثته ان كان قد مات.

وان بان انه ميت وقت موت أخته أخذ من الزوج نصف السبع ودفع ذلك مع الربع الموقوف إلى الاختين وهل يؤخذ من الزوج ضامن في نصف السبع.

فيه قولان

(أحدهما)

يؤخذ منه ضمان بجواز ان يكون الاخ ميتا

(والثانى)

لا يؤخذ منه ضمين كما يقسم مال الغرماء على الاحباء من ورثتهم ولا يؤخذ منهم ضمان وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 70)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

‌باب ميراث أهل الفرائض

 

وأهل الفرائض هم الذين يرثون الفروض المذكورة في كتاب الله عزوجل، وهى النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، وهم عشرة، الزوج والزوجه والام والجدة، والبنت وبنت الابن، والاخت وولد الام والاب مع الابن وابن الابن والجد مع الابن وابن الابن.

فأما الزوج فله فرضان النصف، وهو إذا لم يكن معه ولد ولا ولد ابن، والربع وهو إذا كان معه ولد أو ولد ابن.

والدليل عليه قوله عز وجل (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين)

فأما الزوجة فلها أيضا فرضان: الربع إذا لم يكن معها ولد ولا ولد ابن.

والثمن إذا كان معها ولد أو ولد ابن.

والدليل عليه قوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) فنص على فرضها مع وجود الولد وعدم الولد، وقسنا ولد الابن في ذلك على ولد الصلب، لاجماعهم على أنه كولد الصلب في الارث والتعصيب، فكذلك في حجب الزوجين، وللزوجتين والثلاث والاربع ما للواحدة من الربع والثمن لعموم الاية.

(الشرح) الفروض المذكورة في كتاب الله تعالى سنة، النصف ونصفه ونصف نصفه الثلثان ونصفه ونصف نصفه وأهل الفروض عشرة ١ - الزوج ٢ - الزوجة ٣ - الام ٤ - الجدة ٥ - البنت ٦ - بنت الابن ٧ - الاخت ٨ - ولد الام ٩ - الاب مع الابن أو ابن الابن ١٠ - الجد مع الابن أو ابن الابن فأما الزوج فله فرضان، النصف مع عدم الولد، وولد الابن، والربع مع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 71)

________________________________________

وجود الولد أو ولد الابن وإن سفل، ذكرا كان أو أنثى، لقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) فأما الزوجة فلها الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد ابن وإن سفل، ولها منه الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن وان سفل.

ذكرا كان أو أنثى لقوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) وللزوجتين والثلاث والاربع ما للزوجة الواحدة لقوله تعالى (ولهن) وجعل سبحانه لهن نصف ميراث الذكر

قال المصنف رحمه الله تعالى

 

(فصل)

وأما الام فلها ثلاثة فروض (أحدها) الثلث.

وهو إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان فصاعدا من الاخوة والاخوات لقوله عز وجل (وورثه أبواه فلامه الثلث) (والفرض الثاني) السدس، وذلك في حالين

(أحدهما)

أن يكون للميت ولد أو ولد ابن.

والدليل عليه قوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ففرض لها السدس مع الولد، وقسنا عليه ولد الابن

(والثانى)

أن يكون له اثنان فصاعدا من الاخوة والاخوات.

والدليل عليه قوله عز وجل (فان كان له اخوة فلامه السدس) ففرض لها السدس مع الاخوة، وأقلهم ثلاثه.

وقسنا عليهم الاخوين لان كل فرض تغير بعدد كان الاثنان فيه كالثلاثه كفرض البنات (والفرض الثالث) ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين، وذلك في مسألتين، في زوج وأبوين، أو زوجة وأبوين، للام ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين، والباقى للاب.

والدليل عليه أن الاب والام إذا اجتمعا كان للاب الثلثان وللام الثلث، فإذا زاحمهما ذو فرض قسم الباقي بعد الفرض بينهما على الثلث والثلثين، كما لو اجتمعا مع بنت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 72)

________________________________________

(الشرح) الام لها ثلاثة فروض الثلث أو السدس أو ثلث ما يبقى، ولها سبعة أحوال.

أحدها: أن يكون معها ولد ذكر أو أنثى أو ولد ابن ذكر أو أنثى وإن سفل، فلها السدس لقوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) .

ثانيها: أن لا يكون مع الام ولد ولا ولد ابن ولا أحد من الاخوة والاخوات

فللام الثلث لقوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث) .

ثالثها: أن يكون مع الام ثلاثة إخوة أو ثلاث أخوات أو منهما فلها السدس لقوله تعالى (فإن كان له إخوة فلامه السدس) وقوله تعالى: إخوة لفظ جمع وأقله ثلاثة.

رابعها: أن يكون مع الام أخ أو أخت فلها الثلث أيضا لقوله تعالى (فإن كان له إخوة فلامه السدس فحجبها عن الثلث إلى السدس بالاخوة، وذلك جمع ولا خلاف أن الواحد ليس بجمع.

خامسها: أن يكون مع الام اثنان من الاخوة والاخوات أو منهما فللام السدس، وبه قال الصحابة والفقهاء عامة الا ابن عباس فانه قال: لها الثلث، وله خمس مسائل في الفرائض انفرد بها، هذه احداهن.

دليلنا: أنه حجب لا يقع بواحد، وينحصر بعدد، فوجب أن يوقف على اثنين، أصله حجب بنات الابن بالبنات، فقولنا: حجب لا يقع بواحد احتراز من حجب الزوج والزوجة فانه يقع الواحد من الاول، وقولنا ينحصر بعد احتراز من حجب البنتين للبنات والاخوة والاخوات لان الابنة فرضها النصف والاخت فرضها النصف، وإذا حصل مع احداهما أخوها حجبها من النصف، ولا ينحصر هذا الحجب بعدد، بل كلما كثر الاخوة حجبوها أكثر، ولانا وجدنا الاثنين من الاخوات كالثلاث في استحقاق الثلثين، فوجب أن يكون حجب الاثنين من الاخوة للام حجب الثلاثة.

وروى أن ابن عباس دخل على عثمان فقال له.

قال الله تعالى (فإن كان له اخوة فلامه السدس) وليس الاخوات اخوة بلسان قومك، فقال عثمان:

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 73)

________________________________________

لا استطيع أن أرد ما كان قبلى، وانتشر في الامصار، وثوارث به الناس، فدل

بهذا أنهم أجمعوا على ذلك.

سادسها: إذا كان هناك زوج وأبوان، قال أصحابنا: فللزوج النصف وللاب ثلث ما بقى، وأصلها من ستة للزوج ثلاثة، وللام ثلث ما بقى وهو سهم وللاب سهمان، وقال بعض أصحابنا كما أفاده صاحب البيان: للام ها هنا الثلت، ولا يقال لها ثلت ما بقى، قلت: ومعنى العبارتين واحد لان العبارة الواحدة هي المشهورة وبه قال عامة الصحابة والفقهاء.

وقال ابن عباس: للزوج النصف، وللام ثلت جميع المال، وللاب ما بقى، وأصلها من ستة للزوج ثلاثة، وللام سهمان وللاب سهم وتابعه على هذا شريح سابعها إذا كان زوجة وأبوان فللزوجة الربع، وللام ثلت ما بقى وهو سهم وللاب ما بقى وهو سهمان، وبه قال عامة الصحابة وأكثر الفقهاء.

وقال ابن عباس للزوجة الربع وللام قلت جميع المال، وللاب ما بقى وأصلها من اثنى عشر للزوج ثلاثة، وللام أربعة، وللاب خمسة، وهاتان المسألتان في المسائل التى انفرد بها ابن عباس عن الصحابة، وتابعه عليها شريح وابن سيرين ودليلنا أن في الاوله يؤدى إلى تفضيل الام على الاب، وهذا لا يجوز، ولانهما معهما أو سهم فوجب أن يكون للام تلت ما بقى بعد ذلك السهم، كما لو كان مع الابوين بنت، ولان كل ذكر وأنثى لو انفرد كان للذكر الثلثان والانثى التلت، وجب إذا كان معهما زوج أو زوجة ان يكون ما بقى بعد فرض الزوج والزوجة بينهما كما كان بينهما إذا انفرد كالابن والابنة والاخ والاخت.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

واما الجدة فان كانت ام الام أو ام الاب فلها السدس، لما روى قبيصة بن ذؤيب قال (جاءت الجدة إلى أبى بكر رضى الله عنه فسألته عن ميراثها فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه ليس لك في كتاب الله شئ وما علمت لك

في سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا فارجعي حتى اسأل الناس فسأل عنها فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 74)

________________________________________

فقال أبو بكر رضى الله عنه هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الانصاري رضى الله عنه فقال مثل ما قال، فأنفذه لها أبو بكر رضى الله عنه ثم جاءت الجدة الاخرى إلى عمر رضى الله عنه فسألته ميراثها، فقال لها: مالك في كتاب الله عز وجل شئ، وما كان القضاء الذى قضى به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا، ولكن هو ذلك السدس، فان اجتمعتما فيه فهو بينكما فأيكما خلت به فهو لها) وإن كات أم أبى الام لم ترث لانها تدلى بغير وارث، وان كانت أم أبى الاب ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أنها ترث هو الصحيح، لانها جدة تدلى بوارث فورثت كأم الام وأم الاب.

 

(والثانى)

أنها لا ترث لانها جدة تدلى بجد فلم ترث كأم أبى الام، فإن اجتمعت جدتان متحاذيتان كأم الام وأم الاب فالسدس بينهما لما ذكرناه، فان كانت إحداهما أقرب نظرت، فان كانتا من جهة واحدة ورثت القربى دون البعدى لان البعدى تدلى بالقربى فلم ترث معها كالجد مع الاب وأم الام مع الام، وإن كانت القربى من جهة الاب والبعدى من جهة الام ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أن القربى تحجب البعدى، لانهما جدتان ترث كل واحدة منهما إذا انفردت فحجبت القربى منهما البعدى، كما لو كانت القربى من جهة الام.

 

(والثانى)

لا تحجبها وهو الصحيح، لان الاب لا يحجب الجدة من جهة الام، فلان لا تحجبها الجدة التى تدلى به أولى، وتخالف القربى من جهة الام، فان الام تحجب الجدة من قبل الاب فحجبتها أمها والاب لا يحجب الجدة من قبل

الام فلم تحجبها أمه، فان اجتمعت جدتان إحداهما تدلى بولادتين بأن كانت أم أم أب، أو أم أم أم، والاخرى تدلى بولادة واحدة كأم أبى أب ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

وهو قول أبى العباس: أن السدس يقسم بين الجدتين على ثلاثة فتأخذ التى تدلى بولادة سهما وتأخذ التى تدلى بولادتين سهمين.

 

(والثانى)

وهو الصحيح أنهما سواء لانه شخص واحد فلا يأخذ فرضين.

(الشرح) حديث قبيصة بن ذؤيب رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 75)

________________________________________

والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم.

قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح لثقة رجاله، إلا أن صورته مرسل، فان قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة، أفاده ابن عبد البر، وقد اختلف في مولده، والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة، وقد أعله ابن عبد الحق تبعا لابن حزم بالانقطاع، وقال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الاختلاف فيه على الزهري: يشبه أن يكون الصواب قول مالك ومن تابعه.

وقد وردت أحاديث متصلة صحيحة تؤيد قصة قبيصة عند الطبراني والبيهقي والدارقطني وابن ماجه وأبى القاسم ابن منده، وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة عليه.

أما الاحكام: فان الجدة أم الام أو ام الاب وارثة بما روى خارجة بن زيد عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اعطى الجدة ام الام السدس.

واجمعت الامة على توريث الجدة.

إذا ثبت هذا: فان فرضها السدس، سواء كانت ام ام أو ام اب، وبه قال الصحابة كافه كما قررنا والفقهاء اجمع، وروى عن ابن عباس رواية شاذة انه قال ام الام ترث التلت لانها تدلى بالام فورثت ميراثها كالجد يرث ميراث الاب.

ودليلنا ما ذكرناه من الخبرين، وبما رواه قبيصة بن ذؤيب في قصة الجدة

المذكورة في الفصل.

قال الشيخ ابو حامد والجدة التى اتت ابا بكر هي ام الام، والجدة التى اتت عمر هي ام الاب، ومعنى قول ابى بكر رضى الله عنه.

مالك في كتاب الله شئ لان الكتاب محصور، وليس فيه ذكر الجدة، ولهذا قلنا ان اسم الام لا ينطلق على الجدة لانه قال.

ما لك في الكتاب شئ، وفى الكتاب ذكر الام، ثم قال وما علمت لك في السنة شيئا فلم يقطع به، لان السنة لا تنحصر، ولكن اراد على مبلغ علمه ومعنى قول عمر لست بزائد في الفرائض أي لا ازيد في الفريضة لاجلك، وإنما هو ذلك السدس الذى قضى به، واما الاحتجاج بقول ابن عباس لما كانت تدلى بالام اخذت ميراثها يبطل بالاخ من الام، فانه يدلى بها، ولا يأخذ ميراثها.

إذا ثبت هذا فان أول منازل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 76)

________________________________________

الجدات يجتمع فيه جدتان أم الام وأم الاب، فان عدمت إحداهما ووجدت الاخرى كان السدس للموجودة منهما، وإن اجتمعا كان السدس بينهما.

قال الشيخ أبو حامد لما روى الحكم عن علي بن أبي طالب رض اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أعطى الجدتين السدس، وروى القاسم بن محمد قال (أتت الجدتان أم الام وأم الاب أبا بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتى من قبل الام، فقال له رجل من الانصار أما أنك تترك التى لو ماتت وهو حى كان إياها يرث فجعل السدس بينهما) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد عن القاسم ورواه الدارقطني من طريق ابن عيينة.

قال الشيخ أبو حامد: وأصحابنا يحكون أن هذه القضيه كانت لعمر، وإنما هي قضية أبى بكر، ومعنى قول الانصاري تترك التى لو ماتت وهو حى كان إياها يرث لانه ابن ابنها، فإذا ارتفع الجدات إلى المنزله الثانيه، اجتمع أربع جدات

اثنتان من جهة الام، وهما أم أم الام، وأم أب الام، واثنتان من جهة الاب فأما أم أم الام، وأم أم ألاب فهما وارثتان بلا خلاف، وأما أم أب الام فانها غير وارثة، وهو قول الفقهاء كافة، إلا ما روى عن ابن سيرين أنه ورثها وهذا خطأ لانها تدلى (١) بمن ليس بوارث فلم تكن وارثة كابنة الخال، وأما الجدة أم أب الاب فهل ترثه، ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا ترث، وبه قال اهل الحجاز الزهري وربيعة ومالك لانها جدة تدلى بجد فلم ترث كأم اب الام، فعلى هذا لا يرث قط إلا جدتان.

 

(والثانى)

انها ترث، وبه قال علي وابن مسعود وابن عباس، وهى احدى الروايتين عن زيد بن ثابت، وبه قال الحسن البصري وابن سيرين واهل الكوفة والثوري وابو حنيفة واصحابه وهو الصحيح، لانها جده تدلى بوارث فورثت كأم الام، ولان تعليل الصحابة رضى الله عنهم موجود فيها حيث قال لابي بكر في ام الاب ورثتها عمن لو ماتت لم يرثها ولم تورثها عمن لو ماتت ورثها فورثها ابو بكر رضى الله عنه لهذه العلة، وهى ام الاب فعلى هذا ترث في الدرجة الثانيه

________________________________________

(١) تدلى أي تتوصل وتمت وهو من إدلاء الدلو، وأدلى بحجته أثبتها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 77)

________________________________________

ثلاث جدات، فإذا ارتفع الجدات إلى المنزلة الثالثة اجتمعن ثمانى جدات فيرث منهن أربع ولا ترث أربع، وانما كان كذلك لان الميت واحد فله في المنزلة الاولى جدتان، فإذا ارتفعن إلى الدرجة الثانية كان للميت أبوان، ولكل واحد منهما جدتان فيجتمع له في الدرجة الثالثة ثمانى جدات ثم في الرابعة ستة عشر جدة، وكلما ارتفع الميت درجة ازداد عدد الجدات ضعفا.

وأما الوارثات منهن فيورث في الدرجة الاولى جدتان، وفى الثانية ثلاث، وفى الثالثة أربع، وفى الرابعة خمس إلى أن ترثه مائة جدة.

في الدرجة الاولى جدتان وفى الثانية ثلاث

وفى الثالثة أربع، وفى الرابعة خمس إلى أن ترثه مائة جدة في الدرجة التاسعة والتسعين يزيد على عدد الدرجات بواحدة.

وإذا اجتمع الجدات الوارثات وهن متحاذيات كان السدس بينهن لما ذكرناه في الحد بين أم الام وأم الاب.

وإن اجتمع جدتان إحداهما أبعد من الاخرى نظرت.

فان كانتا من جهة واحدة بأن كان هناك أم أم وأم أم أم كان السدس لام الام، لان البعدى تدلى هذه القربى.

وكل من أدلى بغيره فانه لا يشاركه في فرضه كالجد مع الاب وابن الابن مع الابن.

وعلى هذا جميع الاصول فان قيل: أليس الاخ للام يدلى بالام ومع ذلك فانه يرث معها.

فالجواب أنه لا يرث أخاه بالادلاء إليه بالام، ولكن لاجل أنه ركض معه في رحم واحد وأنه وإن أدلى بها فقد احترزنا عنه بقولنا لا يشاركه في إرثه، وهو أن السدس إرث للقربى لو انفردت الجدة البعدى لشاركتها في ذلك السدس، وليس كذلك الاخ للام.

وإن اجتمع أم أب وأم أب الاب فان السدس يكون لام أب الاب ويسقط أم أب الاب، وبه قال علي وزيد والفقهاء أجمع.

وقال ابن مسعود في إحدى الروايتين عنه يشتركان في السدس، وهذا ليس بصحيح لانهما من جهة واحدة إذ أنهما يدليان بالاب، وإحداهما أقرب من الاخرى فسقطت البعدى كأم الام إذا اجتمعت مع أم أم الام، وان كانتا من جهتين إحداهما من جهة الام والاخرى من جهة الاب نظرت، فان كانت القربى من جهة الام والبعدى من

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 78)

________________________________________

جهة الاب، فإن القربى تسقط البعدى وقال ابن مسعود لا تسقطها، وإنما يشتركان في السدس، دليلنا أن إحداهما أقرب من الاخرى فسقطت البعدى

بالقربى، كما لو كانا من جهة واحدة وإن كانت القربى من جهة الاب والبعدى من جهة الام ففيه قولان: أحدهما أن البعدى منهما تسقط القربى.

وبه قال علي بن أبى طالب، وهو قول أهل الكوفة، ورووا ذلك عن زيد بن ثابت لانهما جدتان لو انفردت كل واحدة منهما لكان لها السدس، فإذا اجتمعا وجب أن تسقط البعدى بالقربى، كما لو كانت القربى من جهة الام، والثانى لا تسقط البعدى بالقربى بل يشتركان في السدس، وهى الرواية الثانية عن زيد، رواه المدنيون عنه، وهو الصحيح، لان الاب لو اجتمع مع الام لم يحجبها وإن كان أقرب منها، فلان لا يسقط الجدة التى يدلى به من هو أبعد منها لان جهة الام أولى (فرع)

وإن اجتمع جدتان متحاذيتان وإحداهما تدلى بقرابة والاخرى تدلى بقرابتين بأن تزوج رجل بابنة عمته فولد منها ولدا فإن جدة هذا الولد أم أبى أبيه وهى جدته أم أم أمه، وان اجتمع معها أم أم إلى هذا الولد ففيه وجهان، أحدهما وهو قول أبى العباس بن سريح وبه قال الحسن بن صالح ومحمد بن الحسن وزفر أن السدس يقسم بين هاتين الجدتين على ثلاثة.

فتأخذ التى تدلى بولادتين بسهمين وتأخذ التى تدلى بولادة سهما لانها تدلى بنسب واحد.

والثانى يقسم السدس بينهما نصفين.

وبه قال أبو يوسف هو الصحيح لانها شخص واحد فلا تأخذ فرضين.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وأما البنت فلها النصف إذا انفردت لقوله تعالى: وان كانت واحدة فلها النصف.

وللاثنتين فصاعدا الثلثان.

لما روى جابر بن عبد الله قال (جاءت امرأة سعد بن الربيع إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد، قتل أبوهما معك يوم أحد ولم يدع عمهما لهما مالا الا أخذه.

فما ترى

يا رسول الله.

والله لا تنكحان الا ولهما مال، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الله

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 79)

________________________________________

في ذلك.

فنزلت إليه سورة النساء (يوصيكم الله في أولادكم) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادعوا لى المرأة وصاحبها.

فقال لعمهما: أعطهما الثلثين.

وأعط أمهما الثمن وما بقى فلك) فدلت الآية.

وهو قوله تعالى (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) على فرض ما زاد على الاثنتين.

ودلت السنة على فرض الثنتين.

 

(فصل)

وأما بنت الابن فلها النصف إذا انفردت وللاثنتين فصاعدا الثلثان لاجماع الامة على ذلك.

ولبنت الابن مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين.

لها روى الهزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبى موسى وسلمان بن ربيعة رضى الله عنهما فسألهما عن بنت وبنت ابن وأخت فقالا: للبنت النصف وللاخت النصف.

وأت عبد الله فانه سيتابعنا.

فأتى عبد الله فقال: انى قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين.

لاقضين بينهما بما قضى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (للبنت النصف.

ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقى فللاخت) ولان بنت الابن ترث فرض البنات ولم يبق من فرض البنات الا السدس وهكذا لو ترك بنتا وعشر بنات ابن كان للبنت النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين لما ذكرناه من المعنى.

وان ترك بنتا وبنت ابن ابن أو بنات ابن ابن أسفل من البنت بدرج كان لهن السدس لانه بقية فرض البنات ولبنت ابن الابن أو بنات ابن الابن مع بنت الابن من السدس تكملة الثلثين ما لبنت الابن وبنات الابن مع بنت الصلب وعلى هذا أبدا (الشرح) حديث جابر مضى تخريجه، وأما حديث هذيل بن شرحبيل فقد رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

وفى رواية البخاري فأتينا

أبا موسى وفى رواية غيره (جاء رجل إلى أبى موسى وسلمان بن ربيعة) وهذه الواقعة كانت في عهد عثمان لان أبا موسى كان وقت السؤال أميرا على الكوفه وسلمان قاضيا بها.

وقد اختلف في صحبته أما الاحكام فان البنت لها النصف لقوله تعالى (وان كانت واحدة فلها النصف) وان كانتا اثنتين فلهما الثلثان وبه قال الصحابة والفقهاء كافة، وروى عن ابن عباس

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 80)

________________________________________

رواية شاذة أنه قال للابنتين النصف لقوله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) دليلنا حديث جابر الذى ساقه المصنف الذى دل على أن للبنتين الثلثين، ولان الاية وردت على سبب وهو ابنتا سعد بن الربيع، فلا يجوز إخراج السبب عن حكم الاية.

وأيضا فان الله تعالى فرض للابنة الواحدة النصف وفرض للاخت الواحدة النصف في آية أخرى وجعل حكمهما واحدا، ثم جعل للاختين الثلثين، ووجدنا أن البنات أقوى من الاخوات بدليل أن البنات لا يسقطن مع الاب ولا مع البنين والاخوات يسقطن مع الاب والبنتين، فإذا كان للاختين الثلثان فالابنتان بذلك أولى.

والجواب عن قوله: فإن كن نساء فوق اثنتين فان قوله (فوق) صلة في الكلام لقوله تعالى (فاضربوا فوق الاعناق) وإن كان البنات أكثر من اثنتين فلهما الثلثان للآية.

أما مسألة إبنة الابن فان لها النصف إذا انفردت ولابنتي الابن فصاعدا الثلثان، لان الامة أجمعت على أن ولد البنبن يقومون مقام الاولاد، ذكورهم كذكور الاولاد وإناثهم كاناثهم، فإذا اجتمع ابنة وابنه ابن كان للابنه النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين لما رواه هزيل بن شرحبيل في قصه سؤال

أبى موسى وسلمان بن ربيعه ثم فتوى ابن مسعود.

وقولهما: وأت عبد الله فانه سيتابعنا، جعل ابن مسعود يقول قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين، يعنى إذا تابعنهما أو أفتيت بقولهما.

ثم قال لاقضين فيهما بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقى للاخت.

فأخبر أن هذا قضاء رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ بنات الابن يرثن فرض البنات، ولم يبق من فروض البنات إلا السدس فكان لابنة الابن.

وان ترك ابنة وبنات ابن كان للابنة النصف ولبنات الابن السدس لانه هو الباقي عن فرض البنات، وهكذا لو ترك بنتا وبنت ابن ابن ابن بدرج أو بنات ابن ابن بدرج كان للابنة النصف ولمن بعدها من بنات الابن وان بعدت السدس إذا تحاذين وان كان بعضهن أعلى من بعض كان السدس لمن أعلا منهن.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 81)

________________________________________

وقال ابن مسعود: لبنات الابن الاقل من المقاسمة وهو السدس، فإن كان السدس قل كان لهن السدس والباقى لابن الابن، وإن كانت المقاسمة أقل من السدس فلهن المقاسمة، ودليلنا عليه ما ذكرناه في الاولة.

(فرع)

فإن خلف بنتا وابن ابن وبنت ابن ابن فللابنة النصف والباقى لابن الابن وسقط بنت ابن الابن لانه أقرب منها، وإن خلف بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن كان للبنتين الثلثان، والباقى بين بنت الابن وابن ابن الابن للذكر مثل حظ الانثيين، وقال بعض الناس: لابن ابن الابن وسقط بنت الابن.

ودليلنا: أنا وجدنا أن بنت الابن لو كانت في درجة ابن الابن لم تسقط معه بل يعصبها، فلما لم يسقطها إذا كانت في درجته فلان لا يسقطها إذا كانت أعلا منه أولى، وإن خلف بننا وبنات ابن وابن ابن ابن كان للبنت النصف، ولبنات الابن السدس، تكملة الثلثين والباقى لابن ابن الابن، لان من فوقه من بنات

الابن قد أخذت شيئا من فرض البنات فلا يجوز أن يرث بالتعصيب فكان الباقي له دونهن، والله تعالى أعلم بالصواب.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وأما الاخت للاب والام فلها النصف إذا انفردت، وللاثنتين فصاعدا الثلثان لقوله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن إمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) وللثلاث فصاعدا ما للاثنتين لان كل فرض يغير بالعدد كان الثلاث فيه كالاثنتين كالبنات، وللاخت من الاب عند عدم الاخت من الاب والام النصف إذا انفردت، وللاثنتين فصاعدا الثلثان، لان ولد الاب مع ولد الاب والام كولد الابن مع ولد الصلب فكان ميراثهم كميراثهم

(فصل)

والاخوات من الاب والام مع البنات عصبة ومع بنات الابن والدليل عليه ما ذكرناه من حديث الهزيل بن شرحبيل.

وروى إبراهيم عن الاسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل رضى الله عنه على

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 82)

________________________________________

عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إمرأة تركت بنتها وأختها للبنت النصف، وللاخت النصف.

وعن الاسود قال: كان ابن الزبير لا يعطى الاخت مع البنت شيئا فقلت: إن معاذا قضى فينا باليمن فأعطى البنت النصف والاخت النصف، قال: فأنت رسولي بذلك، فان لم تكن أخوات من الاب والام فالاخوات من الاب لانهن يرثن ما يرث الاخوات من الاب والام عند عدمهن

(فصل)

وأما ولد الام فللواحد السدس وللاثنين فصاعدا الثلث، والدليل عليه قوله عز وجل (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو

أخت فكل واحد منهما السدس، فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) والمراد به ولد الام، والدليل عليه ما روى أن عبد الله وسعدا كانا يقرآن (وله أخ أو أخت من أم) وسوى بين الذكور والاناث للآية، ولانه ارث بالرحم المحض فاستوى فيه الذكر والانثى كميراث الابوين مع الابن.

 

(فصل)

وأما الاب فله السدس مع الابن وابن الابن، لقوله عز وجل (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ففرض له السدس مع الابن، وقيس عليه إذا كان مع ابن الابن، لان ابن الابن كالابن في الحجب والتعصيب، وأما الجد فله السدس مع الابن وابن الابن لاجماع الامة.

 

(فصل)

ولا ترث بنت الابن مع الابن، ولا الجدة أم الاب مع الاب.

لانها تدلى به، ومن أدلى بعصبة لم يرث معه كابن الابن مع الابن، والجد مع الاب، ولا ترث لجدة من الام مع الام، لانها تدلى بها، ولا الجدة من الاب لان الام في درجة الاب والجدة في درجة الجد، فلم ترث معها، كما لا يرث الجد مع الاب.

(الشرح) حديث إبراهيم عن الاسود رواه أبو داود وكذا البخاري بمعناه أما مسألة الاخوات للاب والام فترتيبهن كترتيب البنات.

فان خلف أختا واحدة فلها النصف فأن خلف أختين فصاعدا فلهن الثلثان لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلاله، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 83)

________________________________________

نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد، فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) ليس في الآية ذكر ثلاث أخوات فما زاد، ولكن قد ذكر في البنات إذا كن فوق اثنتين أن لهن الثلثين، ولم يذكر الثلاث في الاخوات اكتفاء بما ذكره في البنات، كما أنه لم

يذكر ما للابنتين اكتفاء بما ذكره للاختين، لان حكم البنات والاخوات واحد وأيضا قد روى جابر قال: اشتكيت وعندي ثلاث أخوات فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني، فقلت يا رسول الله كيف أصنع بمالى وليس يرثنى الا الكلالة، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رجع فقال: قد أنزل في أخواتك وبين، فجعل لهن الثلثين، قال جابر فنزلت قوله (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) فذكر أن الاية نزلت في أخواته وهن تسع على مافى الصحيح وانما وردت بإبنتين، فدل على أن المراد بالايه الابنتان وما زاد عليهما (فرع)

وأما الاخوات للاب والام كبنات الابن مع البنات لانهن قد تساوين في الاخوة، لان الاخوات للاب والام فضلن في الادلاء بالام فكن كالبنات فضلن على بنات الابن إذا ثبت هذا فان لم يكن هناك أحد من الاخوة للاب والام وهناك أخت واحدة لاب فلها النصف، وان كانتا أختين فصاعدا فلهما الثلثان.

وان كان هناك أخت لاب وأم وأخت لاب كان للاخت للاب والام النصف والاخت للاب السدس قياسا على ابنة الابن مع ابنة الصلب.

وان كان هناك أخت لاب وأم وأخ وأخت كان للاخت للاب والام النصف وللاخ والاخت للاب الباقي للذكر مثل حظ الانثيين، وان خلف أختين لاب وأم وأختا لاب كان للاختين للاب والام الثلثان ولا شئ للاخت للاب لانه لا يجوز أن يأخذ للاخوات الفرض أكثر من الثلثين.

وأن خلف أختين لاب وأم وأخا وأخوات لاب فللاختين للاب والام الثلثان وما بقى للاخ والاخوات للاب، للذكر مثل حظ الانثيين، وبه قال عامة الصحابة والفقهاء الا ابن مسعود فإنه قال: لهن الاقل من المقاسمة أو سدس المال وقد مضى الدليل على ذلك في بنات الابن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 84)

________________________________________

وان خلف أختين لاب وأم وأختا لاب وابن أخ لاب، وأم أم لاب فللاختين للاب والام الثلثان والباقى لابن الاخ، ولا يعصب الاخت للاب.

والفرق بينه وبين ابن الابن حيث عصب عمته أن ابن الابن يعصب أخته فعصب عمته وابن الاخ لا يعصب أخته فلم يعصب عمته (فرع)

وان خلف ابنة وأختا لاب وأم أو لاب أو ابنة ابن وأختا لاب وأم أو لاب كان للابنة أو لابنة الابن النصف وما بقى للاخت.

وهكذا ان خلف ابنتين وأختا لاب وأم أو لاب كان للابنة النصف ولابنة الابن السدس وللاخت ما بقى.

وكذلك ان كان في هذه المسائل مع الاخت ابن أخ أو عم، فإن ما بقى عن فرض البنات للاخت دون ابن الاخ والعم، وبه قال عامة الصحابة والفقهاء الا ابن عباس فانه لم يجعل للاخت مع البنت مع ابنة الابن شيئا، بل جعل ذلك لابن الاخ أو للعم لقوله تعالى (قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فورث الاخ شرط أن لا يكون للميت ولد، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ما أبقت الفرائض فلاولى عصبة ذكر دليلنا ما ذكرناه من حديث هذيل بن شرحبيل، قال ابن مسعود لاقضين فيها بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للابنة النصف ولابنة الابن السدس وللاخت ما بقى.

وأما الجواب عن قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فان الاية تدل على أنه لا فرض لها إذا كان للميت ولد، ونحن نقول كذلك لان هذا النصف الذى يأخذه مع عدم الولد يأخذه بالفرض وهذا الذى يأخذه مع وجود الولد يأخذه بالتعصيب بدليل ما ذكرناه من الخبر.

فأما قوله صلى الله عليه وسلم: ما أبقت الفرائض فلاولى عصبة ذكر، فيحتمل إذا لم يكن هناك أخوات، بدليل ما ذكرناه من خبر ابن مسعود، ولان للاخت تعصيبا ولابن الاخ تعصيبا، وتعصيب الاخت أولى لانها أقرب من ابن الاخ والعم وابن العم.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 85)

________________________________________

وأما مسألة ولد الام فللواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى وللاثنين فما زاد منهم الثلث، ويستوى فيه بين الذكر والانثى لقوله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، وهذه الاية نزلت في الاخوة والاخوات للام، بدليل ما روى أن سعد بن أبى وقاص وابن مسعود كانا يقرآنها (وله أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس) والقراءة الشاذة تحل محل الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أو التفسير، فيجب العمل به، ولان إرث الاخوة للام إرث بالرحم المحض ولا تعصيب لهم فاستوى ذكرهم وأنثاهم كالابوين مع الابن وأما مسألة الاب فله ثلاث حالات: حالة يرث بالفرض لا غير، وحاله يرث فيها بالتعصيب لا غير.

وحاله يرث فيها بالفرض والتعصيب فأما الحاله التى يرث فيها بالفرض لا غير فهو إذا كان مع الابن أو ابن الابن فإن فرض الاب السدس لقوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) والمراد بالولد هنا الذكر.

وأما الحالة التى يرث فيها بالتعصيب لا غير فتنقسم قسمين: أحدهما ينفرد بجميع المال وهو إذا لم يكن معه من له فرض غير الابنة، مثل ان كان معه أم أو أم أم أو زوج أو زوجة فإنه يأخذ ما بقى عن فرض هؤلاء بالتعصيب لقوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث) فأضاف المال إلى الابوين ثم قطع

للام منه الثلث ولم يذكر حكم الباقي، فدل على أن جميعه للاب وأما الحالة الثالثة التى يرث فيها بالفرض والتعصيب فهو إذا كان أب وإبنة أو إبنة ابن فإن للاب السدس بالفرض وللابنة أو لابنه الابن النصف والباقى للاب بالتعصيب.

وقيل ان رجل سأل الشعبى عن رجل مات وخلف بنتا وأبا فقال له: للابنة النصف والباقى للاب، فقال أصبت المعنى وأخطأت العبارة.

قل للاب السدس وللابنة النصف والباقى للاب.

وهكذا لو خلف ابنتين وأبا، أو إبنة ابن وأبا، فللاب السدس وللابنتين الثلثان والباقى للاب.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 86)

________________________________________

(فرع)

وأما الجد ففرضه السدس مع الابن أو ابن الابن لاجماع الامة على ذلك.

وإن مات رجل وخلف جدا أو ابنة ابن قال المسعودي فمن أصحابنا من قال للجد السدس بالفرض وللابنة أو ابنة الابن النصف والباقى للجد بالتعصيب كما قلنا في ابنة وأب.

ومنهم من قال يجوز أن يقال للابنة النصف والباقى للجد.

وأما مسألة الجدة فقد قال الشافعي رضى الله عنه (ولا يرث مع الاب أبواه ولا مع الام جده.

وجملة ذلك أن الام تحجب الجدات من جهتها ومن جهة الاب، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أعطى الجدة السدس إذا لم يكن دونها أم، فشرط في إرث الجدة إذا لم يكن هناك أم.

فدل على أنه إذا كان هناك أم انه لا شئ للجدة.

ولان أم لام تدلى بالام.

ومن ادلى بشخص لم يشاركه في الميراث كابن الابن مع الابن.

وأم أم الاب فإنه لا يرث معه أبواه، لان الجد يدلى بالاب، ومن أدلى بعصبة لم يشاركه في الميراث كابن الابن لا يشاركه الابن، وكذلك لا يرث مع

الاب أحد من أجداده لما ذكرناه في الجد.

ولا يحجب الاب ام الام لانها تدلى بالام، والاب لا يحجب الام فلم يحجب أمها كما لا يحجب الاب ابن الابن، وكذلك أم الام ترث مع الجد لان الاب إذا لم يحجبها فلان لا يحجبها الجد أولى.

وكذلك الجد لا يحجب أم الاب لانها تساويه في الدرجة والادلاء إلى الميت قال أصحابنا وجميع هذه المسائل في الحجب لا خلاف فيها، وأما الاب فهل يحجب أم نفسه؟ اختلف اصحابنا فيه، فذهب الشافعي إلى انه لا يحجبها، وبه قال من الصحابة عثمان وعلي وزيد بن ثابت.

ومن التابعين شريح.

ومن الفقهاء الاوزاعي والليث ومالك وابو حنيفة وأصحابه.

وذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابو موسى وعمران بن الحصين إلى أنه لا يحجبها بل ترث معه من ولده، وبه قال احمد وإسحاق وابن جرير الطبري لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث امرأة من ثقيف مع ابنها، دليلنا انها تدلى بولدها فلم يشاركه في الميراث كأم الام لا ترث مع الام

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 87)

________________________________________

وأما الخبر في الجدة التى ورثت مع ابنها فيجوز أن يكون لها ابنان فمات أحدهما وخلف ابنا ثم مات ابن ابنها وخلف عمه وجدته أو يجوز أن يكون الابن كافرا أو قاتلا أو مملوكا، إذا ثبت هذا ومات رجل وخلف أباه وأم أمه وأم أبيه فإن البغداديين من أصحابنا قالوا: لام الام السدس والباقى للاب.

قال المسعودي فيه وجهان.

أحدهما هذا، والثانى أن الجدة أم الاب تحجب أم الام عن نصف السدس ويأخذه الاب مع باقى المال، ووجهه أنهما لو اجتمعتا لشاركتها في نصف السدس واستحقته، فإذا كان هناك الاب استحق ما كانت تستحقه لانها تدلى به، والاول هو المشهور، ولا ترث ابنة الابن مع الابن لما ذكرناه في أم الاب وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

ولا يرث ولد الام مع أربعة مع الولد وولد الابن والاب والجد لقوله عز وجل (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فورثهم في الكلاله، والكلاله من سوى الوالد والولد، والدليل عليه ما روى جابر رضى الله عنه قال (جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصب من وضوئه على فعقلت، فقلت يا رسول الله لمن الميراث وانما يرثنى كلالة، قال فنزلت آية الفرض) وروى أنه قال كيف أصنع في مالى ولى أخوات، فنزلت آية المواريث: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، والكلالة هو من ليس له ولد ولا والد، وله اخوة، ولان الكلاله مشتق من الاكليل وهو الذى يحتاط بالرأس من الجوانب، والذين يحيطون بالميت من الجوانب الاخوة، فأما الوالد والولد فليسا من الجوانب، بل أحدهما من أعلاه والاخر من أسفله، ولهذا قال الشاعر يمدح بنى أمية: ورثتم قناة الملك لا عن كلالة

* عن ابني مناف عبد شمس وهاشم

(فصل)

ولا يرث ولد الاب والام مع ثلاثة، مع الابن وابن الابن والاب، والدليل عليه قوله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 88)

________________________________________

إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فورثهم في الكلالة، وقد بينا ان الكلالة أن لا تكون والدا ولا ولدا.

 

(فصل)

وإذا استكمل البنات الثلثين ولم يكن مع من دونهن من بنات الابن ذكر لم يرثن.

لما روى الاعمش عن إبراهيم قال: قال زيد رضى الله عنه إذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن شئ إلا أن يلحق بهن ذكر، فيرد عليهن بقية المال، إذا كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ

الانثيين، وان كن أسفل منه فليس لهن شئ، وبقية المال له دونهن، ولانا لو ورثنا من دونهن من بنات الابن فرضا مستأنفا لم يجز لانه ليس للبنات بالبنوة أكثر من الثلثين، وان شركنا بينهن وبين بنات الابن لم يجز، لانهن أنزل منهن بدرجة فلا يجوز أن يشاركنهن، وان استكمل الاخوات للاب والام الثلثين ولم يكن مع الاخوات للاب ذكر يعصبهن لم يرثن لما ذكرناه من المعنى في البنات وبنات الابن.

 

(فصل)

ومن لا يرث ممن ذكرناه من ذوى الارحام أو كان عبدا أو قاتلا أو كافرا لم يحجب غيره من الميراث، لانه ليس بوارث فلم يحجب كالأجنبي.

(الشرح) حديث جابر أخرجه أحمد قال ثنا سفيان أنبأنا ابن المنكدر أنه سمع جابرا يقول: مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني هو وأبو بكر ماشيين، وقد أغمى على فلم أكلمه، فتوضأ فصبه على فأفقت وقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالى ولى أخوات؟ قال: فنزلت آية الميراث (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، كان ليس له ولد وله أخوات) .

وفى رواية الصحيحين عن جابر رضى الله عنه قَالَ (عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر في بنى سلمة يمشيان، فوجدني لا أعقل زاد في رواية الكشميهنى: شيئا) وقد ترجم البخاري له في صحيحه: باب عيادة المغمى عليه وفى باب الاعتصام من صحيح البخاري بأنه صب عليه نفس الماء الذى توضأ به، وفى باب عبادة المريض: فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صب وضوءه على وفى لفظ عند أبى داود: فنفخ في وجهى فأفقت، وفى الصحيحين من رواية رافع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 89)

________________________________________

ابن خديج: فنزلت: يوصيكم الله في أولادكم.

فقد قيل: انه وهم وأن الصواب أن الآية التى نزلت في قصة جابر هي الآية الاخيرة من سورة النساء وهى:

يستفتونك.

قال شعبة: قلت لمحمد بن المنكدر: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة؟ قال: هكذا أنزلت.

أما الاحكام: فإن الاخوة والاخوات للام فيسقطون عن الارث مع أحد أربعة، مع الاب أو الجد الوارث أو مع الولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر أو مع ولد البنين، سواء كان ولد الابن ذكرا أو أنثى، واحدا كان أو أكثر، والدليل عليه قوله تعالى (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) فورثهم بالكلالة، والكلالة هو من لا ولد له ولا والد.

والدليل عليه الكتاب والسنه والاجماع واللغة.

فالكتاب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد، فنص على أن الكلالة من لا ولد له، والاستدلال من الآية أن الكلاله أيضا من لا والد له لقوله تعالى (وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد) فورث الاخت نصف مال الاخ وورث الاخ جميع مال الاخت إذا لم يكن لها ولد ولا والد.

وأما السنة: فرواية جابر كيف أصنع بمالى؟ انما ترثني كلاله، ولم يكن له ولد ولا والد، فأقره النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ.

وأما الاجماع فروى عن أبى بكر وعلى وابن مسعود وابن عمر رضى الله عنهم أنهم قالوا الكلاله من لا ولد له ولا والد، ولا مخالف لهم.

وأما اللغه، فإن الكلاله مأخوذة من الاكليل، والاكليل انما يحيط بالرأس من الجوانب، ولا يتعلق عليه ولا ينزل عنه، والاب يعلو الميت، وولده ينزل عنه، كذلك الكلاله له يحيط بالميت من الجوانب ولا تعلو عليه ولا تنزل عنه، ولهذا قال الشاعر الاموى يمدحهم: ورثتم قناة الملك لا عن كلاله

* عن ابني مناف عبد شمس وهاشم أي لم ترثوا الملك عمن هو مثلكم، وانما ورثتموه عمن هو أعلى منكم،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 90)

________________________________________

عن عثمان بن عفان جدكم وعثمان ورثه عن جده عبد شمس وعبد شمس ورثه عن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن بطال: لان بنى أمية ورثوا الخلافة عن عثمان رضى الله عنه وأبوه من بنى عبد شمس وأم أمه من بنى هاشم، وهى البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم فجدته لامه عمة النبي صلى الله عليه وسلم أما مسألة الاخوة والاخوات للاب والام فإنهم لا يرثون مع أحد ثلاثة، مع الاب أو مع الابن أو ابن الابن لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك) الايه.

فورث للاخت من أخيها بالكلالة، وقد دللنا على أن الكلالة من لا ولد له ولا والد ثم دل الدليل على أنهم يرثون مع البنات وبنات الابن ومع الجد، وبقى الاب والابن وابن الابن على ظاهر الآية، ولا ترث الاخوة والاخوات للاب مع مع أحد أربعة: الاب والابن وابن الابن لما ذكرناه، ولا مع الاخت للاب والام لانها أقرب منهم أما مسألة الحجب فإنه حجبان: حجب إسقاط وحجب نقصان.

فأما حجب الاسقاط فمثل حجب الابن للاخوة والاخوات وبنيهم.

والاعمام وبنيهم.

ومثل حجب الاخوة لبنى الاخوة والاعمام وبنيهم، ومثل حجب الاب للاخوة.

وأما حجب النقصان فمثل حجب الولد للزوج من النصف إلى الربع، وحجب الزوجة من الربع إلى الثمن، ومثل حجب الام من الثلث إلى السدس.

إذا ثبت هذا فإن جميع من ذكرنا ممن لا يرث من ذوى الارحام والكفار والمملوكين والقاتلين ومن عمى موته فإنه لا يحجب غيره.

وبه قال الصحابة والفقهاء كافة إلا ابن مسعود فإنه قال.

يحجبون حجب النقصان.

ووافق أنهم لا يحجبون حجب الاسقاط.

ودليلنا أن كل من لا يحجب حجب الاسقاط لم يحجب حجب النقصان كابن البنت، ولانه ليس بوارث فلم يحجب غيره كالأجنبي، فإن قيل الاخوان لا يرثان مع الاب ويحجبان الام فالجواب أنهما وارثان، وإنما أسقطهما من هو أقرب منهما، وهؤلاء ليسوا بورثة في الجملة (فرع)

قال الشافعي رضى الله عنه: وبنو الاخوة لا يحجبون الام عن الثلث

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 91)

________________________________________

ولا يرثون مع الجد، وهذا صحيح.

بنو الاخوة لا يحجبون الام من الثلث إلى السدس، سواء كان بنى إخوة لاب وأم أو لاب لقوله تعالى (وورثه أبواه) أليس لما حجبها الاولاد حجبها أولاد الاولاد، هلا قلتم لما حجبها الاخوة حجبها اولادهم؟ قلنا: الفرق بينهما أن حجب الاولاد أقوى من حجب الاخوة، بدليل أن الواحد من الاولاد حجب الام، فمن حيث هو أقوى تعدى حجبه ذلك إلى ولده، وحجب الاخوة أضعف لانه لا يحجبها إلا إثنان منهم عندنا.

وعند ابن عباس لا يحجبها إلا ثلاثة.

فمن حيث ضعف حجبهم لم يتعد حجبهم إلى أولادهم، ولان كل من حجبه الولد حجبه ولد الابن، لان الولد يحجب الاخوة فحجبهم ولده، والولد يحجب الاب فحجبه ولده، وليس كذلك ولد الاخوة فانهم لا يحجبون من يحجب أبوهم، ألا ترى أن الاخ للاب والام يحجب الاخ للاب ومعلوم أن ابن الاخ للاب والام لا يحجب الاخ للاب، بل الاخ للاب يسقط ابن الاخ للاب والام ولا يرث بنو الاخوة من الجد لان الجد أقرب منهم فأسقطهم.

والله تعالى أعلم بالصواب

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن اجتمع أصحاب فروض ولم يحجب بعضهم بعضا فرض لكل واحد منهم فرضه فإن زادت سهامهم على سهام المال أعيلت بالسهم الزائد ودخل

النقص على كل واحد منهم بقدر فرضه، فإن ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختين من الام وأختين من الاب والام فللزوج النصف وللام السدس وللاختين من الام الثلث وللاختين من الاب والام الثلثان، وأصل الفريضة من ستة وتعول إلى عشرة، وهو أكثر ما تعول إليه الفرائض لانها عالت بثلثيها وتسمى أم الفروخ لكثرة السهام العائلة، وتسمى الشريحية لانها حدثت في أيام شريح وقضى فيها.

وإن مات رجل وخلف ثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات من الام وثماني أخوات من الاب والام، فللزوجات الربع وللجدتين السدس وللاخوات من الام الثلث وللاخوات من الاب والام الثلثان، وأصلها من إثنى عشر وتعول

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 92)

________________________________________

إلى سبعة عشر وهو أكثر ما يعول إليه هذا الاصل وتسمى أم الارامل، وإن مات رجل وخلف زوجة وأبوين وابنتين فللزوجة الثمن وللابوين السدسان وللابنتين الثلثان وأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين وتسمى المنبرية، لانه روى أن عليا كرم الله وجهه سئل عن ذلك وهو على المنبر فقال صار ثمنها تسعا.

وإن ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختا من أب وأم فللزوج النصف وللاخت النصف وللام الثلث، وأصلها من ستة وتعول إلى ثمانيه وهى أول مسألة أعيلت في خلافة عمر رضى الله عنه وتعرف بالمباهلة، فإن ابن عباس رضى الله عنه أنكر العول وقال هذان النصفان ذهبا بالمال فأبن موضع الثلث فقيل له والله لئن مت أو متنا فيقسم ميراثنا إلا على ما عليه القوم، قال فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) والدليل على إثبات العول أنها حقوق مقدرة متفقة في الوجوب،

ضاقت التركة عن جميعها فقسمت التركة على قدرها كالديون (الشرح) إذا اجتمع أصحاب الفروض وضاقت سهام المال عن أنصبتهم، أعليت الفريضة التى زيد في حسابها ليدخل النقص على كل واحد منهم بقدر حقه.

والعول هو الرفع.

قال الفيومى في المصباح: عالت الفريضة عولا ارتفع حسابها وزادت سهامها فنقصت الانصباء، فالعول نقيص الرد، ويتعدى بالالف في الاكثر، وبنفسه في لغة، فيقال أعال زيد الفريضة وعالها، وعال الرجل عولا جار وظلم.

وقوله تعالى: ذلك أدنى ألا تعولوا.

قيل معناه ألا يكثر من تعولون.

وقال مجاهد: لا تميلوا ولا؟ وروا.

وقال العمرانى في البيان: وانما سمى عولا للرفع في الحساب إلى الزيادة فيه.

إذا ثبت هذا فأصول حساب الفرائض سبعه: الاثنان، والثلاثة، والاربعه، والسته، والثمانية، والاثنا عشر، والاربعة وعشرون.

فأربعة من هذه الاصول لا يعول قط، وهى الاثنان والثلاثة والاربعة والثمانيه، وثلاثه من

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 93)

________________________________________

هذه الاصول يعول، وهى الستة والاثنا عشر والاربعة وعشرون فأما أصل الستة فإنه يعول إلى سبعه وثمانية وسبعه وعشرة.

فأما التى تعول إلى سبعه فهى إذا ماتت امرأة وخلفت زوجا وأختين لاب وأم، فللزوج النصف ثلاثه وللاختين الثلثان أربعه فذلك سبعه.

أو مات رجل وخلف أختين لاب وأم وأختين لام وأما أو جدة فللاختين للاب والام الثلثان أربعه وللاختين للام الثلث سهمان وللام أو الجدة سهم وهو السدس فذلك سبعه، فنتصور أن يكون الميت فيها رجلا أو امرأة.

وأما التى تعول إلى ثمانيه، فمثل أن يكون هناك أختان لاب وأم وأخ لام

وزوج فللاختين للاب والام الثلثان أربعه والاخ للام السدس سهم وللزوج النصف ثلاثه.

وكذلك إذا خلفت زوجا وأختا لاب وأم أو لاب وأما فللزوج النصف ثلاثه وللاخت النصف ثلاثه وللام الثلث سهمان وتعرف هذه المسألة بالمباهلة، فإنها حدثت في أيام عمر رضى الله عنه، فقضى فيها عمر كذلك فأنكره ابن عباس وقال: من شاء باهلته فيها، والبهلة اللعنه.

وأما التى تعول إلى تسعه فمثل ان تموت امرأة وتخلف اختين لاب وأم وزوجا فللاختين الثلثان اربعه وللاخوين للام الثلث وللزوج النصف.

وأما التى تعول إلى عشرة، فمثل ان تموت امرأة وتخلف زوجا واختين لاب وام واخوين لام واما أو جدة فللزوج النصف ثلاثه وللاخوين للاب والام الثلثان اربعه.

وللاخوين للام الثلث سهمان وللام أو للجدة سهم فذلك عشرة.

وهى أكثر ما تعول إليه الفرائض لانها عالت بثلثيها.

وتسمى ام الفروخ لكثرة ما فرخت وعالت به من السهام، وتسمى الشريحيه لانها حدثت في زمان شريح فقضى بها كذلك وكان الزوج يقول: جعل لى شريح النصف لما كان وقت القسمه لم يعط النصف ولا الثلث.

وقال شريح: اراك رجلا جائرا تذكر الفتوى ولا تذكر القصه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 94)

________________________________________

وإذا عالت الفريضة إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة فلا يحتمل أن يكون ذكرا وأما اصل الاثنى عشر فإنها تعول إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر، فأما التى تعول إلى ثلاثة عشر فمثل أن يموت رجل ويخلف زوجة وأختين لاب وأم وأما أو جدة فللاختين الثلثان ثمانية وللزوجة الربع ثلاثة وللام أو الجدة السدس سهمان فيتصور في التى تعول إلى ثلاثة عشر أن يكون الميت رجلا أو إمرأة، وأما التى تعول إلى خمسة عشر فمثل أن يكون هناك زوجة وأختان لاب

وأم وأخوان لام فللزوجة الربع ثلاثة وللاختين للاب والام الثلثان ثمانية وللاخوين للام الثلث أربعة.

أو تموت امرأة فتخلف زوجا وابنتين وأبوين فللزوج الربع ثلاثة وللابنتين الثلثان ثمانية وللابوين السدسان أربعة، فنتصور أن يكون الميت فيها رجلا أو امرأة.

وأما التى تعول إلى سبعة عشر كأن يكون هناك زوجة وأختان لاب وأم وأخوان لام وأم أو جدة، فللزوجة الربع ثلاثة وللاختين للاب والام الثلثان ثمانية وللاخوين للام الثلث أربعة، وللام أو الجدة السدس سهمان فذلك سبعة عشر، وهذا أكثر ما يعول إليه هذا الاصل، وتسمى أم الارامل لانه لا يتصور أن يكون الميت فيها الا رجلا.

وأما أصل أربعة وعشرين فإنه يعول إلى سبعة وعشرين لا غير، وهو أن يكون هناك زوجة وابنتان وأبوان، فللزوجة الثمن ثلاثة وللابنتين الثلثان ستة عشر وللابوين السدسان ثمانية، ولا يتصور أن يكون الميت معها الا رجلا وتسمى المنبرية، لان عليا رضى الله عنه سئل عنها وهو على المنبر فقال: عاد ثمنها تسعا.

إذا ثبت هذا: فقد قال بالعول الصحابة كافه وذلك أنه حدث في أيام عمر رضى الله عنه أن امرأة ماتت وخلفت زوجا وأختا لاب وأم وأما فاستشار الصحابة فيها فأشار العباس عليه بالعول فقالوا: صدقت، وكان ابن عباس يومئذ صبيا فلما بلغ أنكر العول وقال: من شاء باهلته، وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: التقيت أنا وزفر بن أوس الطائى فذهبنا إلى ابن عباس وتحدثنا معه فقال

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 95)

________________________________________

ان الذى أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا فالنصفان ذهبا بالمال، فأين الثلث، فقال له زفر من أول من أعال المسائل، فقال عمر

فقال ابن عباس: وايم الله لو قدموا من قدم الله وأخروا من أخره الله، ما عالت فريضه قط، فقال له زفر: من المقدم ومن المؤخر، فقال: من أهبط من فرض إلى فرض فهو المقدم، ومن أهبط من فرض إلى ما بقى فهو المؤخر، فقال زفر: هلا اشرت عليه، فقال: هبته، وكان امرءا مهيبا، فكان ابن عباس يدخل النقص على البنات والاخوات ويقدم الزوج والزوجه والام، لانهم يستحقون الفرض بكل حال، والبنات والاخوات تارة يفرض لهن وتارة لا يفرض لهن، فيقول في زوجة، وابنتين وابوين: للزوجة الثمن وللابوين السدسان ثمانيه وللابنتين ما بقى هو ثلاثه عشر.

ودليلنا ما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اقسموا الفرائض على كتاب الله عزوجل، ووجدنا ان الله فرض لكل واحد ممن ذكرنا من البنات والاخوات فرضا فوجب ان يقسم ذلك لهن، ولان الاخوات اقوى حالا من الام، والبنات اقوى حالا من الزوج والزوجه بدليل ان البنات يحجبن الزوج والزوجة، من النصف والربع إلى الربع والثمن، والزوجان لا يحجبانهن، والاخوات يحجبن الام والام لا تحجبهن، فكيف يجوز تقديم الضعيف على من هو أقوى منه، ولانه لا خلاف ان رجلا لو اوصى لرجل بثلث ماله ولم يجز الورثة يقسم الثلث بينهما، وإذا ضاق مال المفلس عن ديونه قسم بينهم على قدر ديونهم، فوجب إذا ضاقت التركة عن سهام التركة ان يجعل لكل واحد منهم على قدر سهمه حسب قانون النسبه ويضرب به، ولانه إذا كان هناك زوج واختان لام وأم فلا بد ان ينتقض فيها بعض اصول ابن عباس، لانه قال للزوج النصف وللام السدس وللاختين الثلث نقض اصله في ان الاختين تحجبان الام من الثلث إلى السدس، وان قال: للزوج النصف وللام الثلث وللاختين للام الثلث نقض اصله لانه ادخل النقص على من له فرض مقدر لا ينقص عنه، وان قال: للزوج

النصف وللام الثلث وللاختين للام الثلث اعال الفريضة فنقض اصله في العول، والله تعالى اعلم بالصواب.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 96)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن اجتمع في شخص جهتا فرض، كالمجوسي إذا تزوج ابنته فأتت منه ببنت، فإن الزوجة صارت أم البنت وأختها من الاب، والبنت بنت الزوجة وأختها، فإن ماتت البنت ورثتها الزوجة بأقوى القرابتين وهى بكونها أما، ولا ترث بكونا أختا، لانها شخص واحد اجتمع فيه شيئآن يورث بكل واحد منهما الفرض فورث بأقواهما ولم ترث بهما، كالاخت من الاب والام وإن ماتت الزوجة ورثتها البنت النصف بكونها بنتا، وهل ترث الباقي بكونها أختا، فيه وجهان.

 

(أحدهما)

لا ترث، لما ذكرناه من العلة.

 

(والثانى)

ترث، لان إرثها بكونها بنتا بالفرض إرثها بكونها أختا بالتعصيب لان الاخت مع البنت عصبة، فجاز أن ترث بهما كأخ من أم وهو ابن عم.

(الشرح) كان في بعض الشعوب القديمة إباحة التزوج بالابنة والاخت كالمصريين فقد كان فراعيينهم يتزوجون بأخواتهم كزواج توت عنخ آمون من شقيقته نفرتيتى، وكذلك فعل رعمسيس وغيره من هؤلاء، وكذلك المجوس في فارس وخراسان والهند، وقد شبب المتنبي في شعره وتغزل في اخته فقال لا سامحه الله: يا أخت معتنق الفوارس في الوغى

* لاخوك ثم ارق منك وارحم يرنو اليك مع العفاف وعنده

* ان المجوس تصيب فيما تحكم اما الاحكام: فإنه إذا ادلى شخص بنسبين أو سببين إلى مورثه فإنه يورث

بكل واحد منهما فرضا مقدرا مثل ان يتزوج المجوسى ابنته فأولدها بنتا فلا خلاف انهما لا يورثان بالزوجية، واما القرابة فإنهما قد صارتا اختين لاب واحداهما ام الاخرى، فإن مات الاب كان لابنته الثلثان وما بقى لعصبته، فإن ماتت السفلى ورثتها الاخرى بأقوى القرابتين، وهى كونها اما، وهكذا لو وطئ مسلم ابنته بشبهة فأتت ببنت فإنها بنتها واختها لاب، فان ماتت البنت السفلى ورثتها امها

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 97)

________________________________________

بكونها أما لا بكونها أختا، وبه قال زيد بن ثابت ومن الفقهاء مالك.

وذهب علي وابن مسعود وابن ابى ليلى وابو حنيفة وأصحابه إلى أنها ترث بالقرابتين.

دليلنا أنهما قرابتان يورث بكل واحدة منهما فرض مقدر فوجب ان لا يرث بهما معا، كالاخت للاب والام لا ترث بكونها أختا لاب وأختا لام، وإن ماتت الام ورثتها بكونها بنتا النصف.

وهل ترث الباقي بكونها أختا؟ فيه وجهان

(أحدهما)

لا ترث للعلة الاولى

(والثانى)

وهو قول أبى حنيفة أنها ترث بكونها بنتا النصف بالفرض، وترث بكونها أختا الباقي بالتعصيب، فجاز أن ترث بهما كأخ من أم هو ابن عم.

وإن اتت منه بإبن وابنة ثم مات الاب كان ماله لابنه وابنته للذكر مثل حظ الانثيين.

وإن ماتت بعد ذلك البنت التى هو زوجة كان مالها لابنتها وابنها ولا يرثان بالاخوة.

وإن مات الابن وخلف أما وهى أخت لاب وأختا لاب وأم فعندنا للام الثلث ولا شئ لها بكونها أختا لاب وللاخت للاب والام النصف والباقى للعصبة وعند ابى حنيفة للاخت للاب والام النصف، وللام بكونها أما السدس، ولها بكونها أختا لاب السدس فوافقنا في الجواب وخالفنا في المعنى، والله اعلم

 

قال المصنف رحمه الله:

 

‌باب ميراث العصبة

 

العصبة كل ذكر ليس بينه وبين الميت انثى وهم الاب والابن ومن يدلى بهما وأولى العصبات الابن والاب لانهما يدليان بأنفسهما، وغيرهما يدلى بهما، فإن اجتمعا قدم الابن لان الله عز وجل بدأ به فقال (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) والعرب تبدأ بالاهم فالاهم، ولان الاب إذا اجتمع مع الابن فرض له السدس وجعل الباقي للابن ولان الابن يعصب اخته والاب لا يعصب اخته، ثم ابن الابن وان سفل لانه يقوم مقام الابن في الارث والتعصيب، ثم الاب لان سائر العصبات يدلون به، ثم الجد ان لم يكن اخ لانه أب الاب ثم ابو الجد وان علا، وان لم يكن جد فالاخ لانه ابن الاب ثم ابن الاخ وان سفل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 98)

________________________________________

ثم العم لانه ابن الجد ثم ابن العم وإن سفل ثم عم الاب لانه ابن ابى الجد ثم ابنه وإن سفل، وعلى هذا أبدا.

 

(فصل)

وإن انفرد الواحد منهم أخذ جيمع المال، والدليل عليه قوله عز وجل: ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) فورث الاخ جميع مال الاخت إذا لم يكن لها ولد، وإن اجتمع مع ذى فرض أخد ما بقى، لما رويناه من حَدِيثُ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ورث أخا سعد بن الربيع ما بقى من فرض البنات والزوجة، فدل على أن هذا حكم العصبة.

 

(فصل)

وان اجتمع إثنان قدم أقربهما في الدرجة لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لاولى عصبة ذكر.

وإن اجتمع إثنان في الدرجة وأحدهما يدلى بالاب والام والآخر يدلى بالاب قدم من يدلى بالاب والام، لانه أقرب، وإن استويا في الدرجة والادلاء استويا في الميراث لتساويهما

 

(فصل)

ولا يعصب أحد منهم أنثى إلا الابن وابن الابن والاخ فإنهم يعصبون أخواتهم.

فأما الابن فإنه يعصب اخواته للذكر مثل حظ الانثيين، لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) وأما ابن الابن فإنه يعصب من يحاذيه من أخواته وبنات عمه، سواء كان لهن شئ من فرائض البنات أو لم يكن.

وقال أبو ثور: إذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لابن الابن ولا شئ لبنات الابن، لان البنات لا يرثن بالبنوة أكثر من الثلثين، فلو عصبنا بنت الابن بابن الابن بعد استكمال البنات الثلثين صار ما تأخذه بالتعصيب زيادة على الثلثين وهذا خطأ لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) والولد يطلق على الاولاد وأولاد الاولاد والدليل عليه قوله تعالى (يا بنى آدم) وقوله صلى الله عليه وسلم لقوم من أصحابه يا بنى اسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا ولانه يقال لمن ينتسب إلى تميم وطئ بنو تميم وبنو طئ.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 99)

________________________________________

وقوله: انهن لا يرثن بالبنوة أكثر من الثلثين، فإنما يمتنع ذلك من جهة الفرض، فأما في التعصيب فلا يمتنع، كما لو ترك إبنا وعشر بنات فإن للابن السدس وللبنات خمسة أسداس وهو أكثر من الثلثين وأما.

ابن ابن الابن وإن سفل فإنه يعصب من يحاذيه من أخواته وبنات عمه، سواء بقى لهن من فرض البنات شئ أو لم يبق كما يعصب ابن الابن من يحاذيه.

وأما من فوقه من العمات فينظر فيه فان كان لهن من فرض البنات من الثلثين أو السدس شئ أخذ الباقي ولم يعصبهن لانهن يرثن بالفرض، ومن ورث بالفرض بقرابة لم يرث بالتعصيب بتلك القرابة، وان لم يكن لهن من فرض البنات شئ عصبهن، لما روى عن زيد ابن ثابت رضى الله عنه أنه قال: إذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن

شئ إلا أن يلحق بهن ذكر فيرد عليهن بقية المال إذا كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ الانثيين، وإن كن أسفل منه فليس لهن شئ وبقية المال له دونهن ولانه لا يجوز أن يرث بالبنوة مع البعد، ولا يرث عماته مع القرب، ولا يعصب من هو أنزل منه من بنات أخيه، بل يكون الباقي له لما ذكرناه من قول زيد بن ثابت، فان كن أسفل منه فليس لهن شئ وبقية المال له دونهن، ولانه عصبة فلا يرث معه من هو دونه كالابن مع بنت الابن.

وأما الاخ فانه يعصب أخواته، لقوله تعالى (وان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين.

 

(فصل)

ولا يشارك أحد من العصبات أهل الفروض في فروضهم الا ولد الاب والام فانهم يشاركون ولد الام في ثلثهم في المشتركة، وهى زوج وأم أو جدة واثنان من ولد الام وولد الاب والام، واحدا كان أو أكثر، فيفرض للزوج النصف وللام أو الجدة السدس ولولد الام الثلث يشاركهم ولد الاب والام في الثلث، لانهم يشاركونهم في الرحم الذى ورثوا بها الفرض، فلا يجوز أن يرث ولد الام ويسقط ولد الاب والام كالاب لما شارك الام في الرحم بالولادة لم يجز أن ترث الام ويسقط الاب، وتعرف هذه المسألة بالمشركة لما فيها من التشريك بين ولد الاب والام وولد الام في الفرض وتعرف بالحمارية، فانه يحكى فيها عن ولد الاب والام أنهم قالوا: احسب أن أبانا كان حمارا أليس أمنا وأمهم واحدة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 100)

________________________________________

(الشرح) حديث سعد بن الربيع ومجئ إمرأته للنبى صلى الله عليه وسلم تشكوا أخاه مضى تخريجه، وحديث ابن عباس رواه الشيخان وأحمد في مسنده وحديث يا بنى إسماعيل ارموا مضى تخريجه في كتاب السبق والرمى، أما العصبة فهى القرابة الذكور الذين يدلون بالذكور، هذا معنى ما قاله علماء اللغة، وهو

جمع عاصب مثل كفرة جمع كافر، وقد استعمل الفقهاء العصبة في الواحد إذا لم يكن غيره لانه قام مقام الجماعة في إحراز جميع المال، والشرع جعل الانثى عصبة في مسألة الاعتاق وفى مسألة من المواريث فقلنا بمقتضاه في مورد النص، وقلنا في غيره: لا تكون المرأة عصبة لا لغة ولا شرعا وعصب القوم بالرجل عصبا من باب ضرب احاطوا به لقتال أو حماية، فلهذا اختص الذكور بهذا الاسم لقوله عليه السلام (فلاولى عصبة ذكر) فذكر صفة الاولى وفيه معنى التوكيد كما في قوله تعالى (إلهين اثنين) .

قال في البيان: العصبة كل ذكر لا يدلى إلى الميت بأنثى، وانما سميت عصبة لانه يجمع المال ويحوزه مشتق من العصابة لانها تحيط الرأس وتجمعه، والاصل في توريث العصبة قوله تعالى (ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم) قال مجاهد: الاقربون ههنا هم العصبة.

إذا ثبت هذا: فأقرب العصبة الابن وان سفل ثم الاب قال المسعودي: ومنهم من لا يسمى الابن عصبة وليس بشئ، والدليل على أن الابن أقرب تعصيبا من الاب قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) فبدأ بذكر الولد قبل الوالد والعرب لا تبدأ الا بالاهم فالاهم، ولان الله تعالى فرض للاب مع الولد السدس فدل على ان الابن اسقط تعصيب الاب، لانه انما يأخذ السدس بالفرض، ولان الابن بعصب اخته بخلاف الاب فان عدم البنون وبنوهم وبنوهم وان سفلوا كان التعصيب للاب وكان احق من سائر العصبات لان سائر العصبات يدلون به، فان عدم الاب كان التعصيب للجد ان لم يكن اخ لانه يدلى بالاب ثم اب الجد وان علا يقدمون على الاعمام وان لم يكن جد وهناك اخ لاب وام أو لاب كان التعصيب له لانه بدلى بالاب، فان اجتمع الاب والاخ كان المال بينهما عندنا على ما يأتي

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 101)

________________________________________

بيانه، وإن اجتمع أخ لاب وأم وأخ لاب فالاخ للاب والام أولى لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وقال: ان أعيان بنى الاخ يتوارثون دون بنى العلات يرث الرجل أخاه لابيه وأمه دون أبيه ولانه يدلى بقرابتين فكان أولى ممن يدلى بقرابة، فإن عدم الاخ للاب والام كان التعصيب للاخ للاب، ويقدم على ابن الاخ للاب والام لانه أقرب، فإن عدم الاعمام وبنوهم كان التعصيب لاعمام الجد الاقرب فالاقرب منهم، ثم بعدهم يكون لبنيهم وعلى هذا فإذا انفرد الواحد من العصبة أخذ جميع المال لقوله تعالى: إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فورث الاخ جميع مال الاخت، وان كان هناك اثنان من العصبة في درجة واحدة اقتسما المال بينهما لاستوائهما في النسب، وان كان مع العصبة من له فرض اعطى صاحب الفرض فرضه وكان الباقي للعصبة لما ذكرناه في حديث ابنتى سعد بن الربيع وزوجته وأخته، ويعصب الابن أخته وأخواته، لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) وكذلك ابن الابن يعصب أخواته لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) إلى قوله (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) ومن عدا هؤلاء من العصبة لا يعصب أخواته لانه لافرض لهن عند انفرادهن فلم يعصبهن.

(فرع)

وان ماتت إمرأة وخلفت زوجا وأما واثنتين من ولد الام وأخا وأختا لاب وأم كان للام السدس وهو سهم من ستة، وللزوج النصف ثلاثة وللاخوين للام الثلث سهمان ويشاركهما في هذين السهمين الاخ والاخت للاب والام يقتسمونه بينهم الذكر والانثى فيه سواء، وتصح من اثنى عشر للام سهمان وللزوج ستة ولكل واحد من الاخوة والاخوات سهم، وبه قال عمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت وشريح ومالك وإسحاق.

وقال علي بن أبى طالب وابن عباس وأبو موسى الاشعري وأبى بن كعب والشعبى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد: يسقط الاخ والاخت للاب والام

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 102)

________________________________________

دليلنا: أنها فريضة جمعت ولد أم وولد أب وأم يرث كل واحد منهما إذا انفرد، فإذا ورث ولد الام لم يسقط ولد الاب والام كما لو انفرد ولد الام وولد الاب والام، ولم يكن معهم ذو سهم غيرهم، وهذه المسألة تعرف بالحمارية لانه يحكى فيها أن ولد الاب قالوا: هب أن أبانا كان حمارا أليس أمنا وأمهم واحدة؟ وتعرف بالمشتركة أيضا لما فيها من التشريك بين الاخوة للام والاخوة للاب والام في الثلث، وقد مضى لنا في العول تفصيل يشرح مسائل هذه الفصول فلا داعى للتكرار، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

(فصل)

وان اجتمع في شخص واحد جهة فرض وجهه تعصيب كابن عم هو زوج أو ابن عم هو أخ من أم ورث بالفرض والتعصيب لانهما ارثان مختلفان بسببين مختلفين، فان اجتمع ابنا عم أحدهما أخ من الام ورث الاخ من الام السدس والباقى بينه وبين الاخر.

وقال أبو ثور: المال كله للذى هو أخ من الام لانهما عصبتان يدلى أحدهما بالابوين والآخر بأحدهما فقدم من يدلى بهما كالاخوين أحدهما من الاب والآخر من الاب والام، وهذا خطأ لانه استحق الفرض بقرابة الام فلا يقدم بها في التعصيب كابنى عم احدهما زوج.

 

(فصل)

وان لاعن الزوج ونفى نسب الولد انقطع التوارث بينهما لا نتفاء النسب بينهما، ويبقى التوارث بين الام والولد لبقاء النسب بينهما، وإن مات الولد ولا وارث له غير الام كان لها الثلث، وإن اتت بولدين توأمين فنفاهما

الزوج باللعان ثم مات احدهما وخلف اخاه ففيه وجهان

(أحدهما)

انه يرثه ميراث الاخ من الام لانه لا نسب بينهما من جهة الاب فلم يرث بقرابته كالتوأمين من الزنا إذا مات احدهما وخلف اخاه

(والثانى)

إنه يرثه ميراث الاخ من الاب والام لان اللعان ثبت في حق الزوجين دون غيرهما، ولهذا لو قذفها الزوج لم يحد ولو قذفها غيره حد، والصحيح هو الاول، لان النسب قد انتفى بينهما في حق كل واحد كما انقطع الفراش بينهما في حق كل أحد كما يجوز لكل احد ان يتزوجها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 103)

________________________________________

(فصل)

وإن كان الوارث خنثى، وهو الذى له فرج الرجال وفرج النساء فإن عرف أنه ذكر ورث ميراث ذكر.

وإن عرف أنه أنثى ورث ميراث أنثى.

وإن لم يعرف فهو الخنثى المشكل وورث ميراث أنثى.

فإن كان أنثى وحده ورث النصف، فإن كان معه ابن ورث الثلث وورث الابن النصف لانه يقين ووقف السدس لانه مشكوك فيه، وإن كانا خنثيين ورثا الثلثين لانه يقين ووقف الباقي لانه مشكوك فيه، ويعرف أنه ذكر أو أنثى بالبول، فإن كان يبول من الذكر فهو ذكر، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: يورث الخنثى من حيث يبول، وروى عنه أنه قال: إن خرج بوله من مبال الذكر فهو ذكر.

وإن خرج من مبال الانثى فهو أنثى، ولان الله تعالى جعل بول الذكر من الذكر، وبول الانثى من الفرج، فرجع في التمييز إليه.

وإن كان يبول منهما نظرت فإن كان يبول من أحدهما أكثر فقد روى المزني في الجامع أن الحكم للاكثر.

وهو قول بعض أصحابنا، لان الاكثر هو الاقوى في الدلالة.

والثانى أنه لا تعتبر الكثرة لان اعتبار الكثرة يشق فسقط، وإن لم يعرف بالبول سئل عما يميل إليه طبعه، فإن قال أميل إلى النساء فهو ذكر، وإن قال أميل إلى الرجال فهو أنثى.

وإن قال أميل اليهما فهو المشكل، وقد بيناه.

ومن أصحابنا من قال: إن لم يكن في البول دلالة اعتبر عدد الاضلاع، فإن نقص من الجانب الايسر ضلع فهو ذكر، فإن أضلاع الرجل من الجانب الايسر أنقص، فإن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الايسر، فمن ذلك نقص من الجانب الايسر ضلع.

ولهذا قال الشاعر: هي الضلع العوجاء لست تقيمها

* ألا ان تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى؟

* أليس عجيبا ضعفها واقتدارها (الشرح) قوله (توأمين) واحدهما توأم، ولا يقال للاثنين توأم، على ما اشتهر على ألسنة العامة خطأ، وإنما يقال للواحد توأم وللاثنين توأمين كالذكر والانثى يقال لهما زوجان وكل واحد منهما زوج، والانثى توأمة والجمع توائم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 104)

________________________________________

وتؤام كدخان قال الشاعر: قالت لنا ودمعها تؤام

* على الذين ارتحلوا اسلام أما الاحكام فإذا ماتت امرأة وخلفت ابني عم أحدهما زوج ورث الزوج النصف بالفرض والباقى بينه وبين الاخر بالتعصيب.

وان مات رجل وخلف ابني عم أحدهما أخ لام فإن للذى هو أخ لام السدس بالفرض والباقى بينه وبين الاخر نصفان بالتعصيب، وبه قال علي وزيد بن ثابت ومالك والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وذهب عمر وابن مسعود وشريح وأبو ثور أن المال كله لابن العم الذى هو أخ لام من الرجال الاقربين، فينبغي أن يكون له نصيب، ولانه يدلى بنسب يفرض له به فوجب أن لا يقوى به تعصيبه أحدهما زوج (فرع)

إذا قذف رجل امرأته بالزنا وانتفى عنه نسب ولدها، ونفاه باللعان فإن النسب ينقطع بين الاب والولد فلا يثبت بينهما توارث، لان الارث بينهما بالنسب ولا نسب بينهما بعد اللعان، ولا ينقطع التوارث بين الولد والام لانه

لا ينتفى عنها، فإن ماتت الام ورث ولدها جميع مالها إن كان ذكرا، وإن مات الولد ولم يخلف غير الام كان لها الثلث والباقى لمولاه إن كان له مولى، وإن لم يكن له مولى كان الباقي لبيت المال، وان كان له أخ كان له السدس ولامه الثلث والباقى لمولاه أو لبيت المال، وان كان له أخوان لاب وأم كان لامه السدس ولاخويه لابيه وأمه الثلث والباقى لبيت المال، وبه قال ابن عباس وزيد بن ثابت، وهى إحدى الروايتين عن علي وقال أبو حنيفة: يكون للام فرضها ويأخذ الباقي بالارث بناء على أصله في ذلك وذهب ابن مسعود إلى أن الام عصبة له فتأخذ ثلثها بالفرض والباقى بالتعصيب.

وذهب بعض الناس إلى أن عصبته عصبة الام.

دليلنا ما روى البخاري ومسلم عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال فرق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الرجل والمرأة يعنى باللعان وكانت حاملا فانتفى حملها فكان الولد يدعى لامه، وجرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها.

والذى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 105)

________________________________________

فرض الله للام من الولد الثلث أو السدس، فالظاهر يقتضى أنها لا تزاد على ذلك ولان من ورث سهما من فريضة لم يستحق زيادة منها إلا بتعصيبه قياسا على الزوجة، ولان الام لو كانت عصبة لم يسقطها المولى لان العصبة لا تسقط بالمولى فدل على أنها ليست بعصبة.

وأما الدليل على أن عصبتها ليس عصبة لولدها أن الام ليست عصبة للولد فلم يكن من يدلى بها عصبة له كابن الاخ للام إذا ثبت هذا فإن حكم ولد الزنا حكم ولد الملاعنة لانه ثابت النسب من أمه وغير ثابت النسب من أبيه فكان حكمه حم ولد الملاعنة

(فرع)

وإن أتت المرأة بولدين توأمين من الزنا، أو أتت امرأة رجل بولدين توأمين فنفاهما الاب باللعان فكان التوارث بينهما وبين الاب ينقطع لما ذكرناه في الولد ولا ينقطع توارثهما بينهما وبين الام واما إرث أحدهما من الآخر فهل يتوارثان بكونهما أخوين لام لا غير؟ أو بكونهما أخوين لاب وأم؟ فيه وجهان:

(أحدهما)

يتوارثان بكونهما أخوين لاب وأم، ولان حكم اللعان إنما يتعلق بالزوجين دون غيرهما.

ألا ترى أن الزوج إذا قذفها بعد اللعان لم يحد، وإذا قذفها غيره حد

(والثانى)

انهما يتوارثان بكونهما أخوين لام لا غير وهو الاصح، لان نسبهما قد انقطع عن الاب فكيف يتوارثان به؟ وقد روى أبو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جعل ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها من بعدها) (مسألة) إذا مات ميت وخلف وارثا خنثى وهو الذى له ذكر رجل وفرج امرأة فإن كان يبول من الذكر لا غير فهو رجل، وان كان يبول من الفرج لا غير فهو امرأة، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: ان خرج بوله من مبال الذكر فهو ذكر.

وان خرج من مبال الانثى فهو أنثى.

ولان الله تعالى أجرى العادة في الرجل أنه يبول من ذكره وأن الانثى تبول من فرجها فنرجع في التمييز إليه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 106)

________________________________________

وان كان يبول منهما سواء أو خلق الله له موضعا آخر يبول منه فهو مشكل وان كان يبول منهما الا أنه يبول من أحدهما أكثر ففيه وجهان:

(أحدهما)

يعتبر بالاكثر لانه أقوى في الدلالة.

 

(والثانى)

لا يعتبر به، ولان اعتبار ذلك يشق.

وحكى أن أبا حنيفة سئل عن الخنثى المشكل فقال: يحكم بالمبال، وقال أبو يوسف: ان كان يبول بهما.

قال: لا أدرى قال أبو يوسف: لكى أرى أن يحكم بأسبقهما بولا.

قال أبو حنيفة أرأيت لو استويا في الخروج؟ فقال أبو يوسف بأكثرهما، فقال أبو حنيفة يكل أو يوزن؟ فسكت أبو يوسف.

وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول.

وممن روى عنه ذلك علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم.

وقال ابن قدامة في المغنى: قال ابن اللبان: رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن مولود له قبل وذكر من أبن يورث؟ قال من حيث يبول) وروى أنه عليه السلام أتى بخنثى من الانصار فقال (ورثوه من أول ما يبول منه) قلت: وان لم يكن فيه دلالة من المبال فهل يعتبر فيه نبات اللحية ونهود الثديين وعدد الاضلاع؟ فيه وجهان

(أحدهما)

يعتبر بنبات اللحية للرجال ونهود الثديين للنساء، وان استوت أضلاعه من الجانبين فهو امرأة، وان نقص أحد جانبيه ضلعا فهو رجل، لان المرأة لها في كل جانب سبع عشرة ضلعا، والرجل من الجانب الايمن سبعة عشر ضلعا ومن الجانب الايسر ستة عشر ضلعا، لانه يقال ان حواء خلقت من ضلع من جانب آدم الايسر، فلذلك نقصت من الجانب الايسر من الرجال، وراثة عن أبيهم.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 107)

________________________________________

ومنهم من قال: لا يعتبر بذلك، وهو قول أكثر أصحابنا لان اللحية قد نبتت لبعض النساء ولا تنبت لبعض الرجال، وروى أن بعض الرجال كان له ثدى يرضع به في مجلس هرون الرشيد، وأما اعتبار الاضلاع فإنه يشق ولا يتوصل إلى ذلك إلا بالتشريح الطبى وقد يخفى الضلع فلا يمكن اعتبار ذلك.

إذا ثبت هذا: أو تعذر اعتباره من هذه الاشياء فإنه يرجع إلى قوله وإلى ماذا يميل طبعه، فإن قال: أميل إلى جماع النساء فهو رجل، وإن قال أميل إلى جماع الرجال فهو امرأة وليس ذلك مميزا له وانما هو سؤال له عن ميلان طبعه، فإن أخبر بأحدهما ثم رجع عنه لم يقبل رجوعه لانه إذا أخبر بأحدهما تعلقت به أحكام، وفى قبول قوله في الرجوع اسقاط لتلك الاحكام فلم يجز.

والانسان وقد خلق الله فيه مركبات من الغدد التى منحها سبحانه خصائص الذكورة وأخرى منحها خصائص الانوثة، فبعض هذه الغدد له افرازات في الجسم ونشاط في تشكيل شكل الجسم، فغدد الانوثة يتضح عملها في كبر الارداف ونتوء الثديين وتجرد الوجه من الشعر كاللحية والشارب، ورخامة الصوت في لين ونعومة وارتخاء.

أما غدد الذكورة فيتضح عملها في نبات اللحية والشارب وضمور الارداف وامتشاق الجسم وثخانة شعر الرجل وخشونته عن شعر المرأة، وخشونة صوت الرجل واستقامة نبراته وصحة نطقه، وهذه الغدد يكون مركزها في بيضتي المذاكير عند الرجال ومبائض المرأة القريبة من رحمها، وقد قرأنا كثيرا من أخبار اللائى يتحولن من الاناث إلى الذكران، والذين يتحولون من الذكران اناثا ويحدث اشكال في تغيير هوياتهم وشهادات ميلادهم وشهادات دراساتهم.

وسبيل الطب إلى تحويل هؤلاء هو دراسة أعضائهم السفلى وتحديد النشاط الغالب على هذه الغدد فقد تكون مذاكير الرجل مطوية في عمق يظن أنه فرج

ثم يقوم الطبيب بإجراء جراحة يخلص بها مذاكير الرجل الذى كان في نظر الناس امرأة لاختفاء مذاكيره وانعكاسها إلى أسفل، وقد تكون غدد الانوثة أقوى بمعنى أن تكون له مبايض امرأة مرتخيه في شكل الانثيين للرجل ولكن تصرفات

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 108)

________________________________________

هذا الشخص، وميوله تنبئ عن أنوثة حبيسة حتى إذا أجريت له جراحة لوضع غدده في مكانها الطبيعي صار امرأة.

أما بعد: فقد وصل الطب إلى تحديد حقيقة الخنثى المشكل بالاشعة والتشريح ودراسة الظواهر الخارجية التى تدل على اتجاه الغدد نحو الانوثة أو الذكورة، فإذا رؤى اختفاء الشارب واللحية وبروز الثديين واختفاء المذاكير وتغير الصوت وكبر الارداف عرفنا أنه امرأة وإذا عملت للشخص جراحة تخلص من الاشكال وكذلك إذا كان نشاط الغدد عكس ما قررنا كان للجراحة أيضا دورها في تحديد نوع الشخص كرجل.

بقى بعد ذلك حكم الفقهاء في كثير من الصور الشاذة التى يحتمل وقوعها ولا يحيل العقل أو العلم حدوثها.

قال المسعودي: ان قال: أنا رجل فزوج بإمرأة فحبلت امرأته وحبل هو تبينا أنه امرأة وان كان نكاحه باطلا وأن ولد المرأة غير لاحق به لان حمله يدل على الانوثة قطعا.

وان قال الخنثى: أنا أشتهى جماع الرجال والنساء أو لا أشتهى واحدا منهما فهو مشكل، والحكم في توريث المشكل أنه يعطى ما يتبين أنه له، وان كان معه ورثه أعطى كل واحد منهم ما يتيقن أنه له وهو أقل حقيه ووقف الباقي حتى يتبين امر الخنثى بأى طريق من الطرق والتى أضبطها وادقها طرق الطب الحديث التى يمتزج فيها علم النفس مع علم وظائف الاعضاء والتشريح، وان مات ميت

وخلف ابنا خنثى مشكلا لا غير اعطى نصيب ماله، وان كانا خنثيين اعطيا الثلثين ووقف الباقي إلى ان يتبين امرهما أو يصطلحوا عليه.

وقال ابو حنيفة: يعطى الخنثى المشكل ما يتبين انه له، ويصرف الباقي إلى العصبة، وخرج ابن اللبان وجها آخر وليس بمشهور، وذهبت طائفه من البصريين إلى انه إذا خلف ابنا خنثى مشكلا لا غير اعطى ثلاثه ارباع المال.

واختلفوا في تنزيل حاله، فمنهم من قال: يترك حاله لانه يحتمل ان يكون ذكرا فيكون له جميع المال، ويحتمل ان يكون انثى فيكون له نصف

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 109)

________________________________________

المال، والباقى للعصبه، فالنصف متيقن له والنصف الاخر يتنازعه هو والعصبه فيكون بينهما.

ومنهم من قال: ينزل لانه يحتمل أن يكون ذكرا فيكون له جميع المال، ويحتمل أنه أنثى فيكون له نصف المال فأعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى دليلنا أنه يحتمل أن يكون ذكرا ويحتمل أن يكون أنثى فأعطيناه اليقين وهو ميراث الانثى لانه متيقن له ولم نورثه ما زاد لانه توريث بالشك، وعلى أبى حنيفة أنا لا نتيقن استحقاق العصبة للموقوف له فلم يجز ذلك إليهم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

(فصل)

وان مات رجل وترك حملا وله وارث غير الحمل نظرت، فإن كان له سهم مقدر لا ينقص كالزوجة دفع إليها الفرض، ووقف الباقي إلى أن ينكشف، وإن لم يكن له سهم مقدر كالابن وقف الجميع لانه لا يعلم أكثر ما تحمله المرأة، والدليل عليه أن الشافعي رحمه الله قال: دخلت إلى شيخ باليمن لاسمع منه الحديث فجاءه خمسة كهول فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم جاءه خمسة شباب فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم جاءه خمسة فتيان فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم

جاءه خمسة صبيان فسلموا عليه وقبلوا رأسه، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: أولادي كل خمسة منهم في بطن، وفى المهد خمسة أطفال.

وقال ابن المرزبان: أسقطت إمرأة بالانبار كبسا فيه اثنا عشر ولدا كل اثنين متقابلان، فإذا انفصل الحمل واستهل ورث لما روى سعيد بن المسيب رحمة الله عليه عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إن من السنه أن لا يرث المنفوس ولا يورث حتى يستهل صارخا، فإن تحرك حركة حى أو عطس ورث، لانه عرف حياته فورث كما لو استهل، وإن خرج ميتا لم يرث لانا لا نعلم أنه كان وارثا عند موت مورثه، وان تحرك حركة مذبوح لم يرث لانه لم يعرف حياته، وان خرج بعضه وفيه حياة ومات قبل خروج الباقي لم يرث لانه لا يثبت له حكم الدنيا قبل انفصال جميعه، ولهذا لا تنقضي به العدة ولا يسقط حق الزوج عن الرجعة قبل انفصال جميعه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 110)

________________________________________

(الشرح) حديث أبى هريرة بلفظه هكذا مرفوع المعنى لقوله: من السنة، وقد ورد الحديث مرفوع اللفظ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا استهل المولود ورث.

وعن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله والمسور بن مخرمة قالا (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يرث الصبي حتى يستهل) ذكره أحمد بن حنبل من رواية ابنه عبد الله وأخرجه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ (إذا استهل السقط صلى عليه وورث) وفى إسناده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف.

قال الترمذي: وروى مرفوعا والموقوف أصح، وبه جزم النسائي.

وقال الدارقطني في العلل: لا يصح رفعه.

وحديث أبى هريرة عند أبى داود في إسناده محمد بن اسحاق وفيه مقال معروف، وقد روى عن ابن حبان تصحيح الحديث.

وقد تقدم في كتاب الجنائز الكلام على السقط، وقد اختلف في الامر الذى تعلم به حياة المولود فأهل الفرائض قالوا بالصوت أو الحركة، وهو قول الكرخي.

وروى عن على وزفر والشافعي.

وروى عن ابن عباس وجابر وشريح والنخعي ومالك وأهل المدينة أنه لا يرث ما لم يستهل صارخا.

قال العمراني في البيان: ان مات وخلف حملا وارثا نظرت فإن استهل صارخا فإنه يرث سواء كان فيه روح حال الموت مورثه أو كان يومئذ نطفة لما روى أبو الزبير عَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا استهل الصبى ورث وصلى عليه.

وقال الشيخ أبو حامد: ولا خلاف في هذا، وان خرج ولم يستهل ولكن علمت حياته بحركة أو غير ذلك، ثم مات فإنه يرث عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لا يرث.

دليلنا: أن كل من تحققت حياته بعد انفصاله وجب أن يرث كما لو خرج واستهل صارخا، ولان النبي صلى الله عليه وسلم انما نص على الاستهلال لان ذلك يعلم به الحياة، فكل ما علمت به الحياة كالحركة والبكاء قام مقامه، وان خرج ميتا لم يرث، لانا لا نعلم أنه نفخ فيه الروح وصار من أهل الميراث أو لم ينفخ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 111)

________________________________________

وإن انفصل ميتا وتحرك بعد الانفصال حركة لا تدل على الحياة لم يرث.

لان بهذه الحركة لم يعلم حياته لان المذبوح قد يتحرك، واللحم قد يختلج ولا روح فيه وإن خرج بعضه فصرخ ثم مات قبل أن ينفصل لم يرث لانه ما لم ينفصل جميعه لا تثبت له أحكام الدنيا.

إذا ثبت هذا فما حكم مال الميت قبل انفصال الحمل؟ ينظر فيه، فإن كان مع الحمل وارث له فرض لا ينقص الحمل عنه كالزوج والزوجة والام والجدة أعطى

صاحب الفرض فرضه ووقف الباقي من ماله، وإن كان الوارث معه ممن لا سهم له مقدر كالابن والابنة، فاختلف أصحابنا فيه، فذهب المسعودي وابن اللبان وغيرهما إلى أنه يدفع إلى الابن الموجود خمس المال ويوقف الباقي وحكى الشيخ ابو حامد أن هذا مذهب أبى حنيفة لان أكثر ما تلد المرأة في بطن أربعة.

وقال الشيخان أبو حامد الاسفرايينى وأبو إسحاق المروزى: لا يعطى الابن الموجود شيئا من المال بل يوقف جميعه.

وحكى المسعودي أن هذا مذهب أبى حنيفة وقال محمد بن الحسن: يدفع إليه ثلث المال لان أكثر ما تلده المرأة إثنان.

وقال أبو يوسف: يدفع إليه نصف لان الظاهر أنها لا تلد أكثر من واحد.

فإذا قلنا إنه يوقف جميع المال فوجهه أنه لا يعلم أكثر ما تحمله المرأة، وحكى عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قدمت اليمن عند شيخ بها أسمع عليه الحديث.

قال ابن بطال: هذا الشيخ من بادية صنعاء من قرية تسمى خيرة.

قال الشافعي: فبينما هو جالس على بابه إذ جاء خمسة كهول إلى آخر ما قال ووجه سوق القصة أن بعض النساء يمكن أن تلد خمسة توائم، وقد طالعتنا الانباء منذ حين قريب بامرأة ولدت ستة توائم.

وحكى ابن المرزبان أنه قال: أسقطت امرأة عندنا بالانبار كيسا به اثنا عشر ولدا كل اثنين متحاذيان، فعلم أنه ليس لما تلده المرأة حد، واستطرادا على مناسبة الكيس فإن ولدينا الانور وعبد الناصر قد رزقني الله بهما توأمين، وكان الأنور في كيس رائق شفاف فتبارك الله أحسن الخالقين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 112)

________________________________________

(فرع)

ميت مات فقالت امرأة حامل: إن ولدت أنثى لم ترث منه، وإن ولدت ذكرا ورث منه، وان ولدت ذكرا وأنثى ورث الذكر دون الانثى فهذه

امرأة أخ الميت أو امرأة ابن أخيه أو امرأة عمه أو امرأة ابن عمه.

وان قالت: ان ولدت أنثى ورثت وان ولدت ذكرا لم يرث وإن ولدت ذكرا وأنثى لم يرثا، فهذه امرأة ماتت وخلفت زوجا وبنتا وأبوين وزوجة ابنها حاملا من ابنها، وان ولدت ذكرا وأنثى لم يرثا وان قالت امرأة حامل: ان ولدت ذكرا ورث وان ولدت أنثى لم ترث، وان ولدت ذكرا وأنثى ورثا، فهذا ميت مات وخلف ابنين وزوجة ابن حاملا منه، أو ميت مات وخلف أختين لاب وأم وزوجة أب حاملا منه ولو قالت الحامل: ان ولدت ذكرا ورث وورثت منه، وان ولدت ذكرا وأنثى ورثا وورثت معهما، وان ولدت ابنا لم يرث ولم أرث، فهذا رجل مات وخلف ابنتين وابنة ابن حاملا من ابن ابن آخر قد مات ولو قالت الحامل: ان ولدت أنثى ورثت وورثت معها، وان ولدت ذكرا أو ذكرا وأنثى لم يرث واحد منا، فهذه امرأة ماتت وخلفت ابنة وأبوبن وزوجا وهذه الحامل ابنة ابن ابن هذه الميتة من ابن ابن لها آخر، أفاده العمرانى (فرع)

ان مات رجل وخلف أخا وامرأة حاملا فولدت ابنا وبنتا فاستهلا ثم مات احدهما ثم ماتت المرأة بعده ثم مات الولد الاخر ولم يعلم أيهما مات قبل الام، قال ابن اللبان: وقد قيل القياس لا يرث الولدان أمهما، ولا يرثهما لانه لا يعلم على الانفراد أيهما مات قبلها كالغرقى، فيكون ثمن المرأة لعصبتها والسبعة الاثمان التى للولدين للاخ بميراثه منهما وقيل بل ينزل فيقال: ان الذى مات قبل المرأة وهى البنت، والمال كله للاخ، وان كان الذى مات قبل المرأة هو الابن ورثت المرأة منه ثلث سهامه وهو أربعة أسهم وثلثا سهم من أربعة وعشرين.

وورثت الاخت نصفها والعم سدسها، فلما ماتت المرأة كان ما بيدها وهو سبعة أسهم وثلثا سهم بين ابنتها وعصبتها

نصفين، فيصح لعصبتها ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم، فلما ماتت البنت صار ما في يدها للعم، فاجتمع للعم بميراثه من الابن والبنت عشرون سهما وسدس

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 113)

________________________________________

سهم، وهذا نصيب الاخ بيقين والباقى من المال وهو ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم لعصبة المرأة، فيوقف ذلك حتى يصطلحا عليه، فتضرب الفريضة وهى أربعة وعشرون في مخرج السدس وهو سنة، فذلك مائة وأربعة وأربعون.

والله تعالى أعلم بالصواب.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن مات رجل ولم تكن له عصبة ورثه المولى المعتق كما ترثه العصبة على ما ذكرناه في باب الولاء، فإن لم يكن له وارث نظرت، فإن كان كافرا صار ماله لمصالح المسلمين، وإن كان مسلما صار ماله ميراثا للمسلمين، لانهم يعقلونه إذا قتل، فانتقل ماله إليهم بالموت ميراثا كالعصبة، فإن كان للمسلمين إمام عادل سلم إليه ليضعه في بيت المال لمصالح المسلمين، وان لم يكن إمام عادل ففيه وجهان:

(أحدهما)

أنه يرد على أهل الفرض على قدر فروضهم إلا على الزوجين فإن لم يكن أهل الفرض قسم على ذوى الارحام على مذهب أهل التنزيل، فيقام كل واحد منهم مقام من يدلى به، فيجعل ولد البنات والاخوات بمنزلة أمهاتهم، وبنات الاخوة والاعمام بمنزلة آبائهم، وأبوالام والخال بمنزلة الام، والعمة والعم من الام بمنزلة الاب، لان الامة أجمعت على الارث بإحدى الجهتين، فإذا عدمت إحداهما تعينت الاخرى.

(والثاني) وهو المذهب: أنه لا يرد على أهل السهام، ولا يقسم المال على ذوى الارحام، لانا دللنا أنه للمسلمين، والمسلمون لم يعدموا، وإنما عدم من

يقبض لهم فلم يسقط حقهم، كما لو كان الميراث لصبى وليس له ولى، فعلى هذا يصرفه من في يده المال إلى المصالح (الشرح) الاحكام: إن مات ميت وخلف من الورثة من له فرض لا يستغرق جميع ماله كالام والابنة والاخت، فان صاحب الفرض يأخذ فرضه وما بقى عن فرضه يكون لعصبته إن كان له عصبة، وان لم يكن له عصبة كان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 114)

________________________________________

للمولى إن كان له مولى، وإن لم يكن له مولى كان الباقي لبيت المال، فيصرف إلى الامام ليصرفه في مصالح المسلمين.

وبه قال زيد بن ثابت والزهرى والاوزاعي ومالك وذهب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى أنه يرد ذلك إلى ذوى الفروض إلا على الزوجين فانه لا يرد عليهما، فان لم يكن له أحد من أهل الفروض صرف ذلك إلى ذوى الارحام، فيقام كل واحد من ذوى الارحام مقام من يدلى به، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، واختاره بعض أصحابنا إذا لم يكن هناك امام عادل، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقر أن تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وابنها الذى لاعنت به، فأخبر أنها تحوز ميراث ابنها الذى لاعنت عليه، وهذا نص.

ودليلنا قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) ولم يفرق بين أن يكون هناك وارث غيرها أو لم يكن.

فمن قال ان لها جميع المال فقد خالف ظاهر القرآن.

وكذلك جعل للابنتين الثلثين ولم يفرق، ولان كل من استحق من فريضة سهما مقدرا لم يرث شيئا آخر الا بتعصيب كالزوج والزوجة فعلى هذا ان كان هناك امام عادل يسلم المال إليه، وان لم يكن هناك امام عادل

صرفه من هو بيده إلى مصالح المسلمين، والله أعلم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 115)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

‌باب الجد والأخوة

 

إذا اجتمع الجد أو أبو الجد وإن علا مع ولد الاب والام أو ولد الاب، ولم تنقصه المقاسمة من الثلث، قاسمهم وعصب إناثهم، وقال المزني: يسقطهم، ووجهه أن له ولادة وتعصيبا بالرحم، فأسقط ولد الاب والام كالاب، وهذا خطأ لان ولد الاب يدلى بالاب فلم يسقطه الجد كأم الاب، ويخالف الاب، فإن الاخ يدلى به، ومن أدلى بعصبة لم يرث معه كابن الاخ مع الاخ، وأم الاب مع الاب، والجد والاخ بدليان بالاب فلم يسقط أحدهما الاخر، كالاخوين من الاب وأم الاب مع الجد، ولان الاب يحجب الام من الثلث إلى ثلث الباقي مع الزوجين، والجد لا يحجبها.

 

(فصل)

وإن اجتمع مع الجد ولد الاب والام وولد الاب عاد ولد الاب والام الجد بولد الاب، لان من حجب بولد الاب والام وولد الاب إذا انفرد حجب بهما إذا اجتمعا كالام، فان كان له جد وأخ من أب وأم، وأخ من أب، قسم المال على ثلاثة أسهم، للجد سهم، ولكل واحد من الاخوين سهم، ثم يرد الاخ من الاب سهمه على الاخ من الاب والام، لانه لا يرث معه فلم يشاركه فيما حجبا عنه، كما لا يشارك الاخ من الاب، الاخ من الاب والام فيما حجبا عنه الام، وتعرف هذه المسألة بالمعاذة لان الاخ من الاب والام عاد الجد بالاخ من الاب، ثم أخذ منه ما حصل له، وان اجتمع مع الجد أخ من الاب وأخت من الاب والام قسم المال على خمسة أسهم، للجد سهمان وللاخ سهمان وللاخت سهم، ثم يرد الاخ على الاخت تمام النصف وهو سهم ونصف، ويأخذ

ما بقى وهو نصف سهم، لان الاخ من الاب إنما يرث مع الاخت من الاب والام ما يبقى بعد استكمال الاخت النصف، وتصح من عشرة وتسمى عشرية زيد رضى الله عنه، وإن اجتمع مع أختين من الاب وأختين من الاب والام قسم المال بينهم على ستة أسهم للجد سهمان، ولكل أخت سهم، ثم ترد الاختان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 116)

________________________________________

من الاب جميع ما حصل لهما على الاختين من الاب والام، لانهما لا يرثان قبل أن تستكمل الاختان من الاب والام الثلثين.

(الشرح) الجد أبو الأب وان علا وارث بلا خلاف بين أهل العلم، وروى عن عمر رضى الله عنه أنه سأل الصحابة هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل في الجد شيئا؟ فقال معقل بن يسار المزني: نعم شهدت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورثه السدس فقال له عمر: مع من؟ قال: لا أدرى فقال: لا دريت إذن، رواه أبو القاسم بن منده.

فإن اجتمع الجد مع الاخوة أو الاخوات للام أسقطهم بالاجماع، وقد مضى بيان ذلك، وان اجتمع مع الاخوة والاخوات للاب والام أو للاب فقد كانت الصحابة رضوان الله عليهم يتحرجون من الكلام فيه لما روى سعيد بن المسيب إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار، وروى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والاخوة، وروى عن ابن مسعود أنه قال: سلونا عن كل شئ ودعونا من الجد لا حياه الله ولا بياه.

إذا ثبت هذا: فقد اختلف الناس في الجد إذا اجتمع مع الاخوة والاخوات للاب والام أو للاب: فذهب الشافعي رضى الله عنه إلى أن الجد لا يسقطهم، وروى ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، وبه قال مالك

والا وزاعى وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل، وذهبت طائفة إلى أن الجد يسقطهم، وروى ذلك عن أبى بكر وابن عباس وعائشة وأبى الدرداء، وبه قال أبو حنيفة وعثمان البتى وابن جرير الطبري وداود وإسحاق، واخباره المزني.

قال المسعودي: واليه ذهب ابن سريج.

دليلنا قوله تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، فجعل للرجال والنساء الاقارب نصيبا، والاخوة والاخوات للاب إذا اجتمعوا مع الجد وهم من الاقارب، فمن قال: لا نصيب لهم فقد ترك ظاهر القرآن، وأن الاخ تعصيب أخيه فلم يسقطه الجد

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 117)

________________________________________

كالابن، لان الاخت تأخذ النصف بالفرض فلم يسقطها الجد كالبنت، ولان الجد والاخ على منزلة واحدة من الميت لان الجد أبو أبيه والاخ ابن أبيه، والجد له تعصيب ورحم، والاخ له تعصيب من غير رحم فلم يسقطه الجد كالابن والبنت إذا اجتمعا.

إذا ثبت هذا: فإن الجد كالاب في عامة أحكامه، فيرث بالتعصيب إذا انفرد كالاب ويرث بالفرض مع الابن وابن الابن ويرث بالفرض والتعصيب مع البنت وبنت الابن إلا أن الجد يخالف الاب في أربع مسائل: منها أن الاب يحجب الاخوة للاب والام، أو للاب، والجد لا يحجبهم، والثانية والثالثة: أن الاب يحجب الام عن كمال الثلث إلى ثلث ما يبقى في زوج وأبوين أو زوجه وأبوين فإن الجد لا يحجبها، بل يكون لها ثلث جميع المال مع الجد فيها.

الرابعة: أن الاب يحجب أم نفسه، والجد لا يحجب أم الاب، لانها تساويه في الدرجة إلى الميت، وتدلى بالاب فلم ترث معه.

(فرع)

إذا اجتمع الجد والاخوة أو الاخوات للاب والام أو للاب وليس

معهم من له فرض فللجد الاحظ من المقاسمة، أو ثلث جميع المال، فإن كان معه أخ واحد فالا حظ له ههنا المقاسمه، لانه يأخذ نصف المال، وان كان معه أخوان استوت له المقاسمة والثلث، وان كان معه ثلاثة اخوة فما زاد فالا حظ له ههنا أن يفرد بثلث جميع المال، هذا مذهبنا، وبه قال زيد بن ثابت وابن مسعود.

وروى عن علي رضى الله عنه روايتان.

احداهما: وهى المشهورة أن له الا حظ من المقاسمة أو سدس جميع المال، فإذا كان معه اربعة اخوة فالمقاسمة احظ له، وان كانوا خمسة استوت المقاسمة والسدس، وان كانوا ستة فالسدس احظ له.

والثانية: ان له الا حظ من المقاسمة أو سبع جميع المال، وروى عن عمران ابن الحصين وابى موسى الاشعري انهما قالا: له الا حظ من المقاسمة أو نصف سدس جميع المال، فإذا كان معه عشرة اخوة فالمقاسمة خير له، وان كانوا أحد عشر استوت المقاسمة ونصف السدس.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 118)

________________________________________

ودليلنا عليهم: أن البنين أقوى حالا من الاخوة، بدليل أن الاخوة يسقطون بالبنين ثم ثبت أن البنين لا يسقطون.

وأما الدليل على ما قلناه فلان حجب الاخوة للجد لا يقع بواحد، وينحصر بعدد، فوجب أن يكون غاية ذلك اثنين قياسا على حجب الاخوة للام عن الثلث، وحجب البنات لبنات الابن، وحجب الاخوات للاب والام للاخوات للاب.

وأما إذا اجتمع مع الجد الاخوات للاب والام أو للاب منفردا فمذهبنا أن حكمهن حكم الاخوة مع الجد فيقاسمهن ويكون المال بينه وبينهن للذكر مثل حظ الانثيين ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث، فإذا نقصته عن الثلث أفرد بثلث جميع المال، وبه قال زيد بن ثابت.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ: يفرض للاخوات فرضهن، ويكون الباقي للجد، ودليلنا أنها فريضة جمعت أبا أب وولد أب فوجب أن لا يأخذ ولد الاب بالفرض كما لو كان مع الجد إخوة واخوات لاب وأم أو للاب، فإن الجد يقاسمهم للذكر مثل حظ الانثيين ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث، فإذا انقصته عن ذلك فرض له الثلث كما ذكرنا والله اعلم.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وإن كانت المقاسمة تنقص الجد من الثلث بأن زاد الاخوة على اثنين والاخوات على اربع فرض للجد الثلث وقسم الباقي بين الاخوة والاخوات لانا قد دللنا على انه يقاسم الواحد، ولا خلاف انهم لا يقاسمونه ابدا فكان التقدير بالاثنين اشبه بالاصول، فإن الحجب إذا اختلف فيه الواحد والجماعة وجب التقدير فيه بالاثنين كحجب الام من الثلث، وحجب البنات لبنات الابن وحجب الاخوات للاب والام للاخوات للاب، ولا يعاد ولد الاب والام الجد بولد الاب في هذا الفصل، لان المعاذة تحجب الجد ولا سبيل إلى حجبه عن الثلث.

 

(فصل)

وان اجتمع مع الجد والاخوة من له فرض اخذ صاحب الفرض فرضه وجعل للجد أوفر الامرين من المقاسمة أو ثلث الباقي ما لم ينقص عن سدس

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 119)

________________________________________

جميع المال لان الفرض كالمستحق من المال فيصير الباقي كأنه جميع المال، وقد بينا أن حكمه في جميع المال أن يجعل له أوفر الامرين من المقاسمة أو ثلث المال فكذلك فيما بقى بعد الفرض، فإن نقصته المقاسمة أو ثلث الباقي عن السدس فرض له السدس لان ولد الاب والام ليس بأكثر من ولد الصلب، ولو اجتمع الجد مع ولد الصلب لم ينقص حقه من السدس، فلان لا ينقص مع ولد الاب

والام أولى.

وإن مات رجل وخلف بنتا وجدا وأختا فللبنت النصف والباقى بين الجد والاخت، للذكر مثل حظ الانثيين، وهى من مربعات عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فإنه قال: للبنت النصف والباقى بين الجد والاخت نصفان، وتصح من أربعة، وإن ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وجدا فللزوج النصف وللام الثلث والباقى للجد وهو السدس، وهى من مربعات عبد الله رضى الله عنه لانه يروى عنه أنه قال: للزوج النصف والباقى بين الجد والام نصفان.

وتصح من أربعة.

هذا خطأ.

لان الجد أبعد من الام فلم يجز أن يحجبها كجد الاب مع أم الاب.

وإن مات رجل وخلف زوجة وأما وأخا وجدا فللزوجة الربع وللام الثلث والباقى بين الجد والاخ نصفان، وتصح من أربعة وعشرين، للزوجة ستة أسهم وللام ثمانية والباقى بين الجد والاخ لكل واحد منهما خمسه، وهى من مربعات عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فانه روى عنه أنه جعل للزوجة الربع وللام ثلث ما بقى والباقى بين الجد والاخ نصفان وتصح من أربعة، للزوجة سهم وللام سهم وللاخ سهم وللجد سهم وإن مات رجل وخلف امرأة وجدا وأختا، فللمرأة الربع والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل حظ الانثيين وتعرف بالمربعة، لان مذهب زيد ما ذكرناه ومذهب أبى بكر وابن عباس رضى الله عنهما: للمرأة الربع، والباقى للجد.

ومذهب علي وعبد الله رضى الله عنهما: للمرأة الربع وللاخت النصف والباقى للجد واختلفوا فيها على ثلاثة مذاهب واتفقوا على القسمة من أربعة.

وإن مات رجل وخلف أما وأختا وجدا، فللام الثلث، والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 120)

________________________________________

حظ الانثيين، وتسمى الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها، فان زيدا ذهب إلى ما قلناه وذهب أبو بكر وابن عباس رضى الله عنهما إلى أن للام الثلث والباقى للجد.

وذهب عمر إلى أن للاخت النصف وللام ثلث الباقي وهو السدس والباقى للجد وذهب عثمان رضى الله عنه إلى أن للام الثلث والباقى بين الجد والاخت نصفان وتصح من ثلاثة.

وذهب علي عليه السلام إلى أن للاخت النصف وللام الثلث والباقى للجد، وعن ابن مسعود روايتان: إحداهما مثل قول عمر رضى الله عنه، والثانية للاخت النصف والباقى بين الام والجد نصفان، وتصح من أربعة وتعرف بمثلثة عثمان ومربعة عبد الله رضى الله عن الجميع

(فصل)

ولا يفرض للاخت مع الجد الا في مسألة واحدة وهى: إذا ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختا وجدا، فللزوج النصب وللام الثلث وللاخت النصف وللجد السدس.

وأصلها من ستة وتعول إلى تسعه، ويجمع نصف الاخت وسدس الجد فيقسم بينهما للذكر مثل حظ الانثيين، وتصح من سبعة وعشرين، للزوج تسعة وللام ستة وللجد ثمانية وللاخت أربعة، لانه لا بد من أن يعطى الزوج النصف لانه ليس ههنا من يحجبه، ولا بد من أن تعطى الام الثلث لانه ليس ههنا من يحجبها، ولا بد من أن يعطى الجد السدس لان أقل حقه السدس، ولا يمكن اسقاط الاخت لانه ليس ههنا من يسقطها ولا يمكن أن تعطى النصف كاملا، لانه لا يمكن تفضيلها عن الجد، فوجب أن يقسم مالهما بينهما للذكر مثل حظ الانثيين، وتعرف هذه المسألة بالاكدرية لان عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا اسمه الاكدر فنسبت إليه وقيل سميت أكدرية لانها كدرت على زيد أصله لانه لا يعيل مسائل الجد وقد أعال ولا يفرض للاخت مع الجد وقد فرض، فان كان مكان الاخت في الاكدرية أخ لم يرث لان للزوج النصف وللام الثلث وللجد السدس، ولا

يجوز أن يشارك الجد في السدس لان الجد يأخذ السدس بالفرض، والاخ لا يرث بالفرض وانما يرث بالتعصيب ولم يبق ما يرثه بالتعصيب فسقط.

وبالله التوفيق.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 121)

________________________________________

(الشرح) الاحكام: إذا اجتمع مع الجد والاخوة من له فرض وهم ستة: البنت وبنت الابن والزوج والزوجة والام والجدة فان صاحب الفرض يعطى فرضه ويكون للجد أوفى ثلاثة أشياء: المقاسمة.

أو ثلث ما يبقى أو سدس جميع المال، وإن كان الفرض أقل من نصف جميع المال فثلث ما يبقى خير له من السدس فيكون له الاحظ من المقاسمة أو ثلث ما يبقى، وإن كان الفرض النصف فثلث ما يبقى والسدس واحد، وإن كان الفرض أكثر من النصف فالسدس أكثر من ثلث ما يبقى فيكون للجد الاحظ من المقاسمة أو السدس إذا ثب هذا فمات الرجل وخلف بنتا وأختا لاب وأم وجدا فللبنت النصف والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل حظ الانثيين.

والمقاسمة ههنا خير للجد هذا مذهبنا، وبه قال زيد بن ثابت وقال علي بن أبي طالب: للبنت النصف وللجد السدس والباقى للاخت دليلنا: أنه فريضة جمعت أبا أب وولد أب فاشتركا في الفاضل من فرض ذوى السهام كما لو كان بدل الاخت أخا مع البنت والجد (فرع)

زوج وجد وأم فالتركة من ستة: للزوج ثلاثة وللام الثلث سهمان وللجد سهم وبه قال زيد بن ثابت.

فان كان بدل الزوج زوجة كان لها الربع وللام الثلث الباقي للجد وروى عن عمر روايتان (إحداهما) أن للزوج النصف وللام ثلث ما بقى والباقى للجد (والثانية) للزوج النصف وللام السدس والباقى للجد.

ويفيد اختلاف الروايتين إذا كان مكان الزوج زوجة، فعلى

إحدى الروايتين يكون للزوجة الربع وللام الثلث مما بقى للجد وروى عن ابن مسعود ثلاث روايات، روايتان كروايتي عمر، والثالثة للزوج النصف والباقى بين الجد والام، فيكون على هذه الرواية من مربعات ابن مسعود.

وإن مات رجل وخلف زوجة وأما وأخا وجدا كان أصلها من إثنى عشر: للزوجة ثلاثة وللام أربعة وللاخ وللجد ما بقى وهى خمسة.

وتصح من أربعة وعشرين وهى من مربعات ابن مسعود فانه قال: للزوجة الربع وللام ثلث ما بقى وللاخ سهمان.

وإن خلف رجل زوجه وأختا وجدا كان للزوجة الربع سهم من أربعه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 122)

________________________________________

والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل حظ الانثيين، ويصح من أربعه، وبه قال زيد بن ثابت.

وقال أبو بكر وابن عباس: للزوجه الربع والباقى للجد.

وقال عمر وابن مسعود: للزوجه الربع سهم من أربعه، وللاخت النصف سهمان وللجد ما بقى وهو سهم وتعرف هذه المسألة بالمربعة، فانهم اختلفوا في قدر ما يرث كل واحد من الجد والاخت واتفقوا على أن أصلها من أربعه.

(فرع)

وإن مات رجل وخلف أما وأختا وجدا فهذه تسمى الخرقاء لتخرق أقاويل الصحابة فيها.

قال ابن بطال (لعلها مأخوذة من الخرق، وهى الارض الواسعه) وأن فيها سبعة أقاويل فأبو بكر وابن عباس وعائشة وهم من قالوا إن الجد مسقط للاخوة، فللام الثلث والباقى للجد ويسقط الاخت.

وعن عمر فيها روايتان (إحداهما) للاخت النصف وللام السدس والباقى للجد (والثانيه) أن للاخت النصف وللام ثلث ما يبقى والباقى بين الجد والاخت نصفا.

وعن ابن مسعود فيها ثلاث روايات، روايتان مثل روايتي عمر والثالثه

للاخت النصف والباقى بين الجد والام نصفان، فيكون على هذه الرواية من مربعته.

وعن عثمان يقسم المال كله على ثلاثة للام سهم وللاخت سهم وللجد سهم.

وقال على للام الثلث وللاخت النصف وللجد السدس، وقال زيد بن ثابت للام الثلث والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل حظ الانثيين.

وتصح من تسعه، وبه قال الشافعي وأصحابه.

(فرع)

قال الشافعي رضى الله عنه، وليس يقال لاحد من الاخوة والاخوات مع الجد الا في الاكدريه، وهو زوج وأم وأخت لاب وأم أو لاب وجد، وقد اختلف الصحابة رضى الله عنهم فيها، فذهب أبو بكر وابن عباس أن للزوج النصف وللام الثلث والباقى للجد، وتسقط الاخت.

وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللاخت النصف وللجد السدس فيعول إلى تسعه، فتأخذ الاخت ثلاثه.

وقال زيد بن ثابت تعول إلى تسعه كما قال على، ولكن يجمع الثلاثه التى للاخت والسهم الذى للجد فتصير أربعة، فيقسمان للذكر مثل حظ الانثيين.

وتصح من سبعه وعشرين للزوج وللام سته وللجد

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 123)

________________________________________

ثمانية وللاخت أربعة، وبهذا قال الشافعي وأصحابه، وإنما كان كذلك لانه ليس ههنا من يحجب الزوج عن النصف ولا من يحجب الام عن الثلث، ولا يمكن أن ينتقص الجد عن السدس لان الابن لا يسقط عنه فهؤلاء أولى، وقد استكملت الفريضة ولا سبيل إلى إسقاط الاخت لانه ليس ههنا من يسقطها ففرض لها النصف، ولا يمكن أن يأخذ جميعه لانه لا يجوز تفضيلها على الجد فوجب أن يجتمع نصيبها ويقسماه للذكر مثل حظ الانثيين، كما قلنا في غير هذا الموضع.

وإختلف الناس لاى معنى سميت أكدرية، فروى عن الاعمش أنه قال إنما سميت أكدرية لان عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا يقال له أكدر فذكر

له اختلاف الصحابة فيها فنسبت إليه.

وقيل سميت أكدرية لانها كدرت على زيد أصله، لانه لا يفرض للاخوات مع الجد وقد فرض لها ههنا، ولا يعيل مسائل الجد وقد أعال ههنا.

وقال ابن بطال يقال إنه اسم المرأة في المسألة فنسبت إليها، وإن كان بدل الاخت أخا فإن للزوج النصف وللام الثلث وللجد السدس، ويسقط الاخ لان الاخ له تعصيب محض ولا يمكن أن يفرض له.

ولم يبق في الفريضة شئ فسقط وإن كان هناك زوج وأم وأختان وجد فليست بأكدرية، بل للزوج النصف وللام السدس والباقى بين الجد والاختين للذكر مثل حظ الانثيين، فيصح من إثنى عشر، فإن كان هناك زوج وأم وبنت وأخت وجد كان أصلها من إثنى عشر للزوج ثلاثة وللبنت سته، وللام سهمان وللجد سهمان ولا شئ للاخت لان المسألة قد عالت ولا يفرض لها لانها انما تأخذ مع البنت بالتعصيب ولا تعصيب ههنا (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه والاخوة للاب والام معادون الجد بالاخوة والاخوات للاب.

وجملة ذلك أنه إذا اجتمع جد وأخ لاب وأم وأخ لاب فان الاخ للاب والام يعاد الجد بالاخ للاب فيقسم المال بينهم على ثلاثة لكل واحد سهم ثم يرجع الاخ للاب والام فيأخذ سهم الذى بيد الاخ للاب، وبه قال زيد بن ثابت ومالك بن أنس.

وذهب على وابن مسعود إلى أن الاخ للاب يسقط ويكون المال بين الجد والاخ للاب والام نصفين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 124)

________________________________________

دليلنا أن الجد إذا حجب بأخوين وارثين جاز أن يحجب بأخوين أحدهما وارث والآخر غير وارث، كالام تحجب بالاخوين أحدهما لاب والآخر لاب وأم، فإن كان هناك أخ لاب وأم وأخت لاب وجد عاد الاخ للاب والام الجد بالاخت للاب فيقسم المال على خمسة، للجد سهمان وللاخ للاب والام سهمان

وللاخت سهم، ثم يرجع الاخ فيأخذ سهم الاخت، وان كان هناك أخوات لاب وأم وأخ لاب وجد ولا حاجة ههنا إلى المعادة لان الجد لا يجوز أن ينقص عن الثلث.

(فرع)

وان اجتمع أخت لاب وأم وأخت لاب وجد كان المال بينهم على أربعة أسهم، للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم تأخذ الاخت للاب والام السهم الذى بيد الاخت للاب وقد حصل معها نصف المال، وان كان هناك أخت لام وأب وأخ لاب وجد كان المال بينهم على خمسة، للجد سهمان وللاخت سهم وللاخ سهمان ثم تأخذ الاخت من الاخ تمام النصف وهو سهم ونصف: لانه لا يجوز أن ترث أكثر من نصف المال.

فبضرب الخمسة في اثنين فتصبح من عشرة للجد اثنان في اثنين فذلك أربعة وللاخت سهمان ونصف في اثنين فذلك خمسة وللاخ النصف في اثنين فذلك سهم، وتعرف هذه المسألة بعشرية زيد، لانه يبقى للاختين سهم من عشرة فتضرب في العشرة اثنين فذلك عشرون، وتعرف بالعشرينيه.

وان اجتمع مع الجد والاخوة للاب والام والاخوة للاب من له فرض كان الحكم فيه حكم ما لو كان للجد والاخوة للاب والام من له فرض في أن يجعل للجد الاوفر من المقاسمه بعد الفرض أو ثلث ما يبقى أو سدس جميع المال ويعاد الاخوة للاب والام الجد بالاخوة للاب على ما ذكرنا.

والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 125)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

 

‌كتاب النكاح

 

النكاح جائز لقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ولما روى علقمة عن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) .

(الشرح) قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم مرتبط بأول الآية (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خقتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) .

قال الشافعي رضى الله عنه: أن لا يكثر عيالكم، فدل على أن قلة العيال أدنى وقيل: قد قال الشافعي ذلك وخالف جمهور المفسرين وقالوا: معنى الآية: ذلك أدنى أن لا تجوروا ولا تميلوا، فانه يقال: عال الرجل يعول عولا إذا مال وجار ومنه عول الفرائض، لان سهامها زادت: ويقال عال يعيل عيلة إذا احتاج.

قال تعالى ((وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) .

وقال الشاعر: وما يدرى الفقير متى غناه

* وما يدرى الغنى متى يعيل قال ابن القيم: وأما كثرة العيال فليس من هذا ولا من هذا أي لا من الفقر ولا من الجور قلت: إن ما ذكره الشافعي لغة حكاها الفراء عن الكسائي قال: ومن الصحابة من يقول: عال يعول إذا كثر عياله، قال الكسائي وهى لغة فصيحة سمعتها من العرب، على أن قصد المصنف من سوق الآية هو الاستشهاد بها على جواز النكاح، وسنعود إليه.

أما حديث علقمة عن عبد الله بن مسعود فقد رواه أصحاب الكتب الستة وأحمد في مسنده، وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن سعد بن أبى وقاص قال

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 126)

________________________________________

((رد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس (أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال بعضهم: لا أتزوج، وقال بعضهم: أصلى ولا أنام، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا بال اقوام قالوا كذا وكذا، لكنى اصوم وافطر، واصلي وانام، واتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى) وفى مسند احمد وصحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال لى ابن عباس: هل تزوجت، قلت: لا، قال: تزوج فان خير هذه الامة اكثرها نساء.

وفى سنن الترمذي وابن ماجه عن قتادة عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عن التبتل) وقرأ قتادة (ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذرية) قال الترمذي: إنه حسن غريب قال: وروى الاشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقال: كلا الحديثين صحيح.

(قلت) وفى سماع الحسن من سمرة خلاف مشهور مضى في غير موضع، وحديث عائشة الذى ذكره الترمذي رواه النسائي ايضا، وفى مسند الفردوس عن ابن عمر مرفوعا (حجوا تستغنوا، وسافروا تصحوا، وتناكحوا تكثروا فانى اباهى بكم الامم) وفى إسناده محمد بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن البيلمانى وهما ضعيفان، ورواه البيهقى عن الشافعي انه ذكره بلاغا وزاد في آخره حتى بالسقط، ورواه البيهقى عن ابى امامة بلفظ (تزوجوا فانى مكاثر بكم الامم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى) وفى اسناده محمد بن ثابت وهو ضعيف، وعند الدارقطني في المؤتلف وابن قانع في الصحابة عن حرملة بن النعمان بلفظ (امرأة ولود احب إلى الله من امرأة حسناء لا تلد، انى مكاثر بكم الامم يوم القيامة) وقد ضعف اسناده ابن حجر، وعند ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (النكاح من سنتى، فمن لم يعمل بسنتى فليس منى، وتزوجوا فانى مكاثر

بكم الامم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم فان الصوم له وجاء) وفى اسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 127)

________________________________________

وفى مسلم عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (الدنيا متاع وخير متاعها لمرأة الصالحة) وعند النسائي والطبراني بإسناد حسن عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (حبب إلى من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عينى في الصلاة) وعند الترمذي والدارقطني والحاكم عن أبى هريرة مرفوعا (ثلاثة حق على الله إعانتهم، المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعف، والمكاتب يريد الاداء) وعند الحاكم عن أنس بلفظ (من رزقة الله إمرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني) .

قال ابن حجر: وإسناده ضعيف وروى بلفظ (من تزوج إمرأة صالحة فقد أعطى نصف العبادة) وفى إسناده زيد العمى وهو ضعيف.

وعند أبى داود والحاكم عن ابن عباس مرفوعا بلفظ (ألا أخبركم بخير ما يكن المرء؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها اطاعته) وعند الترمذي نحوه بإسناد منقطع، وعند البغوي في معجم الصحابة بلفظ (من كان موسرا فلم ينكح فليس منا) ورواه البيهقى وقال: هو مرسل، وكذا جزم به أبو داود والدولابى.

وقد روى ابن ماجه والحاكم عن ابن عباس (لم ير المتحابين مثل التزويج) وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وصححه والطبراني من رواية عطاء عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا (لا صرورة في الاسلام) ولا رواية لعطاء عن عكرمة ولعله من رواية عمرو بن عطاء بن وراز، وهو مجهول أو عمرو بن أبى الجوار، والصرورة الذى لم يتزوج والذى لم يحج، وعند الحاكم من حديث عياض بن

غنم مرفوعا (لا تزوجوا عاقرا ولا عجوزا فإنى مكاثر بكم الامم) وإسناده ضعيف وقد قال ابن حجر في الفتح: وفيه أيضا عن الصنابح بن الاعسر وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان ومعاوية بن حيدة.

أما لغات الفصل وغريبه، فإن الباءة بالد النكاح والتزوج وقد تطلق الباءة على الجماع نفسه، ويقال أيضا: الباهة والباه بالالف مع الهاء وابن قتيبة يجعل هذه الاخيرة تصحيفا وليس كذلك، بل حكاه الازهرى عن ابن الانباري،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 128)

________________________________________

وبعضهم يقول الهاء مبدلة من الهمزة يقال: فلان حريص على الباءة والباء والباه بالهاء والقصر أي على النكاح.

قال ابن الانباري: الباه الواحدة والباء الجمع ثم حكاها الازهرى عن ابن الاعرابي أيضا ويقال إن الباءة هو الموضع الذى تبوء إليه الابل ثم جعل عبادة عن المنزل ثم كنى به عن الجماع إما لانه لا يكون إلا في الباءة غالبا أو لان الرجل يتبوأ من أهله أي يستمكن كما يتبوأ من داره، وقوله عليه الصلاة والسلام (من استطاع منكم الباءة) على حذف مضاف والتقدير من وجد مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع أي من لم يجد أهبة فعليه بالصوم، وقيل الباءة بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطئ.

قال أبو العلاء المعرى.

والباء مثل الباء يخ

* - فض للدناءة أو يجر قال ابن حجر: ولا مانع من الحمل على المعنى الاعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطئ ومؤن التزويج، وقد وقع في رواية عند الاسماعيلي من طريق أبى عوانه بلفظ (من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج) وفى رواية للنسائي (من كان ذا طول فلينكح) وقوله (اغض للبصر وأحصن للفرج) أي أشد غضا للبصر وأشد

إحصانا ومنعا من الفاحشه، وقوله (فعليه) قيل هذا من إغراء الغائب، ولا تكاد العرب تغرى إلا الشاهد، تقول عليك زيدا، ولا تقول عليه زيدا.

قال الطيبى وجوابه أنه لما كان الضمير للغائب راجعا إلى لفظة من وهى عبارة عن المخاطبين في قوله (يا معشر الشباب) والشباب جمع شاب.

قال الازهرى لم يجمع فاعل على فعال غيره، وبيان لقوله (منكم) جاز قوله عليه لانه بمنزلة الخطاب، وأجاب القاضى عياض بأن الحديث ليس فيه اغراء الغائب، بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولا بقوله (من استطاع منكم) وقد استحسنه القرطبى والحافظ ابن حجر، وقوله: وجاء بكسر الواو والمد وأصله الغمز ومنه وجأ في عنقه أذا غمزه، ووجأه بالسيف إذا طعنه به، ووجأ أنثييه غمزهما حتى رضهما وتسمية الصيام وجاء استعارة، والعلاقه المشابهة،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 129)

________________________________________

لان الصوم لما كان مؤثرا في ضعف شهوة النكاح شبه بالصوم.

وقد يقال: إن الصوم بما فيه من عبادة في ذاته وفيما يلابسه من ترك لشهواته الحسية والمعنوية فإنه صارف عن مقارفة الشهوات أو التجانف للمآثم، وهو بما يحيط بالمرء من فيض نور الطاعة وقاية من الفحشاء أي وقاية.

(أما الاحكام) فان النكاح مشروع بالكتاب والسنة كما أوردنا من نصوصهما وقد اختلف الفقهاء في كونه واجبا أو جائزا فمذهبنا جوازه، وهو المشهور من مذهب أحمد بن حنبل رضى الله عنه إلا أن يخاف أحد على نفسه الوقوع في محظور بتركه فيلزمه إعفاف نفسه.

وحكى عن داود أنه واجب في العمر مرة واحدة للآية والخبر.

دليلنا أن الله تعالى حين أمر به علقه على الاستطابه بقوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) والواجب لا يقف على الاستطابة، وقال.

مثنى وثلاث ورباع.

ولا يجب ذلك

بحال بالاتفاق.

قالت عائشة رضى الله عنها كانت مناكح أهل الجاهلية على أربعة أقسام.

(أحدها) مناكح الرايات وهو أن المرأة كانت تنصب على بابها راية لتعرف أنها عاهرة، فيأتيها الناس.

 

(والثانى)

أن الرهط من القبيله أو الناحية كانوا يجتمعون على وطئ إمرأة لا يخالطهم غيرهم، فإذا جاءت بولد ألحق بأشبههم (الثالث) نكاح الاستخبار، وهو ان المرأة إذا ارادت ان يكون ولدها كريما بذلت نفسها لعدة من فحول القبائل ليكون ولدها كأحدهم (الرابع) النكاح الصحيح وهو الذى قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولدت من نكاح لا سفاحا، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد قبل النبوة من عمها ورقة بن نوفل، وكان الذى خطبها له عمه ابو طالب وخطب فقال الحمد لله الذى جعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوجا وجعلنا سدنته، وهذا محمد قد علمتم مكانه من العقل والنبل، وان كان في المال قل، الا ان المال ظل زائل،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 130)

________________________________________

وعارية مسترجعة.

وما أردتم من المال فعلى، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك، فزوجها منه عمها.

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

ولا يصح النكاح إلا من جائز التصرف.

فأما الصبى والمجنون فلا يصح منهما عقد النكاح لانه عقد معاوضة فلم يصح من الصبى والمجنون كالبيع.

وأما المحجور عليه لسفه فلا يصح نكاحه بغير إذن الولى لانه عقد يستحق به المال فلم يصح منه من غير اذن الولى ويصح منه بإذن الولى لانه لا يأذن له إلا فيما يرى الحظ فيه.

وأما العبد فلا يصح نكاحه بغير إذن المولى لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل) ولانه بالنكاح تنقص قيمته ويستحق بالمهر والنفقة كسبه، وفى ذلك إضرار بالمولى فلم يجز من غير إذنه، ويصح منه باذن المولى لانه لما أبطل النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه بغير إذنه دل على أنه يصح باذنه، ولان المنع لحق المولى فزال باذنه.

 

(فصل)

ومن جاز له النكاح وتاقت نفسه إليه وقدر على المهر والنفقة فالمستحب له أن يتزوج لحديث عبد الله، ولانه أحصن لفرجه وأسلم لدينه، ولا يجب ذلك لما روى ابراهيم بن ميسرة رضى الله عنه عن عبيد بن سعد يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ أحب فطرتي فليستن بسنتى، ومن سنتى النكاح) ولانه ابتغاء لذة تصبر النفس عنها فلم يجب كلبس الناعم وأكل الطيب، ومن لم تق نفسه إليه، فالمستحب له أن لا يتزوج لانه تتوجه عليه حقوق هو غنى عن التزامها ويحتاج أن يشتغل عن العبادة بسببها، وإذا تركه تخلى للعبادة فكان تركه أسلم لدينه.

(الشرح) حديث ابن عمر أخرجه ابن ماجه.

قال الترمذي (لا يصح انما هو عن جابر، ورواية جابر عند أحمد وأبى داود والترمذي وحسنه بلفظ.

(أيما عبد تزوج بغير اذن سيده فهو عاهر) أما حديث عبيد بن سعد فأصح طرقه رواينا عائشة وأنس في الرهط الذين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 131)

________________________________________

جاءوا إلى البيت، وقد مضى تخريجه.

أما الاحكام فإنه لا يصح النكاح إلا من حر بالغ عاقل مطلق التصرف.

فأما العبد فلا يصح نكاحه بغير إذن السيد.

وأما الصبى والمجنون فلا يصح نكاحهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ.

وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق)

ولانه عقد معاوضة فلم يصح من الصبى والمجنون كالبيع.

وأما السفيه فلا يصح نكاحه بغير إذن الولى، لانه لا يأذن له إلا فيما فيه مصلحة من ذلك (فرع)

النكاح مستحب غير واجب عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ في المشهور من مذهبه وأكثر أهل العلم وقال داود بن على الظاهرى: هو واجب على الرجل والمرأة مرة في العمر دليلنا كما قلنا قوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء فعلقه بالاستطابة وما كان واجبا لا يتعلق بالاستطابة.

وروى أبو أيوب الانصاري إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أربع من سنن المرسلين: الختان والتعطر والسواك والنكاح) وقوله (من أحب فطرتي) فعلقه على المحبة وسماه سنة، فإذا أطلقت السنة اقتضت المندوب إليه.

وروى أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فبين لها ذلك، فقالت لا والله لا تزوجت أبدا، فلو كان النكاح واجبا لانكر عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وروى أن جماعة من الصحابة ماتوا ولم يتزوجوا ولم ينكر عليهم إذا ثبت هذا فالناس في النكاح على أربعة أضرب: ضرب تتوق نفسه إليه، أي اشتاقت ويجد أهبته وهو المهر والنفقة وما يحتاج إليه، فيستحب له أن يتزوج لما رواه عبد الله بن مسعود حديث (يا معشر الشباب) والضرب الثاني: من تتوق نفسه إلى الجماع ولا يقدر على المهر والنفقة فالمستحب له أن لا يتزوج، بل يتعاهد نفسه بالصوم فإنه له وقاية.

ولا يشغل ذمته بالمهر والنفقة.

والضرب الثالث: من لا تتوق نفسه إلى الجماع ويريد التخلي إلى عبادة الله تعالى فيستحب له أن لا يتزوج، لانه يلزم ذمته حقوقا هو مستغن عن التزامها

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 132)

________________________________________

والضرب الرابع، من لا تتوق نفسه وهو قادر على المهر والنفقة ولا يريد العبادة فهل يستحب له أن يتزوج؟ فيه قولان حكاهما العمرانى في الفروع،

(أحدهما)

لا يستحب له أن يتزوج لانه يشغل ذمته بما لا حاجة به إليه.

 

(والثانى)

يستحب له لقوله صلى الله عليه وسلم (من أحب فطرتي فليستن بسنتى، ومن سنتى النكاح.

وقال أبو حنيفة النكاح مستحب بكل حال، وبه قال بعض أصحابنا، بل قال أبو عوانة الاسفرايينى من محدثي أصحاب الشافعي (انه يجب للثائق إليه القادر على مؤنته) وصرح به في صحيحه، ونقله المصعبى في شرح مختصر الجوبنى وجها وقال ابن حزم في المحلى وفرض على كل قادر على الوطئ إن وجد ما يتزوج به أو يتسرى أن يفعل أحدهما، فإن لم يجد فليكثر من الصوم، وهو قول جماعة من السلف.

انتهى.

وقال الماوردى من أصحابنا الذى نطق به مذهب مالك أنه مندوب، وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به.

وقال القاضى عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل، ولو لم يكن في الوطئ شهوة، وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطئ.

فأما من لا نسل له ولا إرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت.

وقد يقال انه مندوب أيضا لعموم (لا رهبانيه في الاسلام) قال الحافظ بن حجر ولم أره بهذا اللفظ.

لكن في حديث سعد بن أبى وقاص عند الطبراني (إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفيه السمحه)

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

والمستحب أن لا يتزوج إلا ذات دين لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تنكح المرأة لاربع، لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ولا يتزوج إلا ذات عقل، لان القصد بالنكاح العشرة وطيب العيش، ولا يكون ذلك الا مع ذات عقل، ولا يتزوج إلا من يستحسنها لما روى أبو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 133)

________________________________________

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (إنما النساء لعب، فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها)

(فصل)

وإذا أراد نكاح امرأة فله أن ينظر وجهها وكفيها، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا أراد أن يتزوج امرأة من نساء الانصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انظر إليها فإن أعين الانصار شيئا) ولا ينظر إلى ما سوى الوجه والكفين لانه عورة، ويجوز للمرأة إذا أرادت أن تتزوج برجل أن تنظر إليه، لانه يعجبها من الرجل ما يعجب الرجل منها.

ولهذا قال عمر رضى الله عنه (لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم، فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن) ويجوز لكل واحد منهما أن ينظر إلى وجه الآخر عند المعاملة، لانه يحتاج إليه للمطالبة بحقوق العقد والرجوع بالعهدة.

ويجوز ذلك عند الشهادة للحاجة إلى معرفتها في التحمل والاداء.

ويجوز لمن اشترى جارية أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها للحاجة إلى معرفتها ويجوز للطبيب أن ينظر إلى الفرج للمداواة لانه موضع ضرورة فجاز له النظر إلى الفرج كالنظر في حال الختان.

وأما من غير حاجة فلا يجوز للاجنبي أن ينظر إلى الاجنبية، ولا للاجنبية أن تنظر إلى الأجنبي، لقوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم.

وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)

وروت أم سملة رضى الله عنها قالت: كنت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده ميمونة، فأقبل ابن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجبن عنه، فقلت (يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال أفعمياوان أنتما أليس تبصرانه؟) وروى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الفضل فاستقبلته جارية من خثعم فلوى عنق الفضل، فقال أبوه العباس: لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما) ولا يجوز النظر إلى الامرد من غير حاجة لانه يخاف الافتتان به كما يخاف الافتتان بالمرأة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 134)

________________________________________

(فصل)

ويجوز لذوى المحارم النظر إلى ما فوق السرة ودون الركبة من ذوات المحارم لقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الاربة من الرجال) ويجوز للرجل أن ينظر إلى ذلك من الرجل وللمرأة أن تنظر إلى ذلك من المرأة لانهم كذوى المحارم في تحريم النكاح على التأييد فكذلك في جواز النظر.

واختلف أصحابنا في مملوك المرأة، فمنهم من قال هو محرم لها في جواز النظر والخلوة، وهو المنصوص لقوله عز وجل (أو ما ملكت أيمانهن) فذكره مع ذوى المحارم في إباحة النظر.

وروى أنس رضى الله عنه قال (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة غلاما فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الغلام فتقنعت بثوب إذا قنعت رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك) ومنهم من قال ليس بمحرم، لان المحرم من يحرم على التأييد، وهذا لا يحرم على التأييد فلم يكن محرما، واختلفوا في المراهق مع الاجنبية، فمنهم من

قال هو كالبالغ في تحريم النظر لقوله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) فدل على أنه لا يجوز لمن ظهر على عورات النساء، ولانه كالبالغ في الشهوة فكان كالبالغ في تحريم النظر.

ومن أصحابنا من قال يجوز له النظر إلى ما ينظر ذو محرم، وهو قول أبى عبد الله الزبيري لقوله عز وجل (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا) فدل على أنهم إذا لم يبلغوا الحلم لم يستأذنوا،

(فصل)

ومن تزوج امرأة أو ملك جارية يملك وطأها فله أن ينظر منها إلى غير الفرج، وهل يجوز أن ينظر إلى الفرج؟ فيه وجهان

(أحدهما)

لا يجوز، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (النظر إلى الفرج يورث الطمس)

(والثانى)

يجوز، وهو الصحيح، لانه يملك الاستمتاع به فجاز له النظر إليه كالفخذ وإن زوج أمته حرم عليه النظر إلى مابين السرة والركبة لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا زوج أحدكم جاريته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة والركبة)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 135)

________________________________________

(الشرح) حديث أبى هريرة رواه الشيخان وأحمد في مسنده وأصحاب السنن ما عدا الترمذي، وحديث أنس رواه أبو داود والبيهقي وابن مردويه وفى إسناده أبو جميع سالم بن دينار الهجيمى البصري، قال ابن معين ثقة، وقال أبو زرعة الرازي: بصرى لين الحديث.

وقوله (إذا قنعت) بفتح النون المشددة سترت وغطت.

وأما حديث النظر إلى الفرج يورث الطمس، فقد مضى في العبادات في ستر العورة وضعفه النووي وغيره، وكذلك حد العورة من الجارية مضى في ستر العورة فليراجع.

أما غريبه فقوله (لاربع) أي لاجل أربع، وقوله (لحسبها) بفتح الحاء والسين أي شرفها، والحسب في الاصل الشرف بالآباء وبالاقارب مأخوذ من

الحساب، لانهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم فان زاد عدده على غيره، وقيل المراد بالحسب هنا الافعال الحسنة، وقيل المال، وهو مردود بذكره قبله، ويؤخذ من الحديث أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة، إلا ان تعارض نسيبة غير ذات دين، وغير نسيبة ذات دين، فتقدم ذات الدين، وهكذا كل الصفات وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه (إن أحساب أهل الدنيا الذى يذهبون إليه المال) فقال ابن حجر: يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له، ومنه حديث سمرة يرفعه (الحسب المال والكرم التقوى) أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم.

قوله (وجمالها) يؤخذ منه استحباب نكاح الجميلة، ويلحق بالجمال في الذات الجمال في الصفات، قوله (فاظفر بذات الدين) فيه دليل على أن اللائق بذى الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شئ لاسيما فيما تطول صحبته كالزوجه وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه والبزار والبيهقي يرفعه (لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لاموالهن فعسى أموالهن أن تطغبهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولامة سوداء ذات دين أفضل)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 136)

________________________________________

والحديث يكشف البشر وما استقر في طباعهم من قصد هذه الخصال الاربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أيها الحصيف بذات الدين تربت يداك أي لصقت بالتراب وهى كناية عن الفقر، وهو خبر بمعنى الدعاء، لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة.

وحكى ابن العربي أن المعنى: استغنت يداك، ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى، وترب إذا افتقر، وقيل: معناه ضعف عقلك، وقيل: افتقرت من العلم وقيل: فيه شرط مقدر أي وقع ذلك لك إن لم تفعل ورجحه ابن العربي.

وحديث إنما النساء لعب مضى تخريجه.

أما حديث أبى هريرة فقد رواه أحمد والنسائي، وأخرجه مسلم من حديث أبى حازم عنه ولفظه (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج إمرأة من الانصار فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الانصار شيئا) أما حديث أم سلمة فقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان وفى إسناده نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق، وقد روى مالك في موطئه عن عائشة أنها احتجبت من أعمى فقيل لها: إنه لا ينظر اليك قالت: لكنى أنظر إليه.

أما حديث على كرم الله وجهه فقد أخرجه الترمذي وصححه، ورواه البخاري من حديث عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه، وفيه قصة المرأة الخثعمية التى سألته صلى الله عليه وسلم عن أمها التى لم تحج، وقد مضى في كتاب الحج تفصيله وطرقه وفحواه.

أما الاحكام: فإنه يستحب له أن يتزوج ذات العقل، لان القصد بالنكاح طيب العيش معها ولا يحصل ذلك مع من لا عقل لها، ويستحب له أن يتزوج بكرا لما روى جابر قال: تزوجت إمرأة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتزوجت يا جابر؟ فقلت: نعم، فقال: بكرا أم ثيبا؟ فقلت له ثيبا، فقال هلا جارية بكرا تلاعبها وتلاعبك إلخ الحديث، ويستحب له أن لا يتزوج إلا من

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 137)

________________________________________

يستحسنها لحديث (فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها) ويستحب له أن يتزوج ذات نسب لحديث تنكح المرأة الاربع ولقوله صلى الله عليه وسلم (تخيروا لطفكم) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم وخضراء الدمن، قيل وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء) .

والاولى أن يتزوج من غير عشيرته لان الشافعي رضى الله عنه قال إذا تزوج الرجل من عشيرته فالغالب على ولده الحمق، ومن المقرر في علم الاجناس أن من أسباب انقراض الجنس حصره في أسرة واحدة فان ذلك يفضى بتدهور السلالات وضعف النسل، ويستحب له أن يتزوج الولود، لقوله صلى الله عليه وسلم (تناكحوا تكثروا) وقوله صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الولود الودود) وقوله صلى الله عليه وسلم (سوداء ولود خير من حسناء عقيم) ويستحب له أن يتزوج في شوال، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تزوجني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شوال، وبنى بى في شوال، فكانت عائشة رضى الله عنها تستحب أن يبتنى بنسائها في شوال.

(فرع)

ويجوز للحر أن يجمع بين أربع زوجات حرائر، ولا يجوز له أن يجمع بين أكثر من أربع لقوله: مثنى وثلاث ورباع، قال الصيمري من أصحابنا إلا أن المستحب أن لا يزيد على واحدة لاسيما في زماننا هذا أي في زمان الصيمري وقال القاسم وشيعته (القاسمية) يجوز أن يجمع بين تسع ولا يجوز له أكثر من ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات عن تسع زوجات، ولان قوله تعالى (مثنى وثلاث ورباع فيكون المجموع تسعا.

وذهبت طائفة من الرافضة إلى أنه يتزوج أي عدد شاء.

دليلنا أن غيلان بن سلمة الثقفى أسلم وتحته عشر نسوة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امسك منهن أربعا وفارق سائرهن.

وروى عن نوفل بن معاوية قال: اسلمت

وتحتي خمس نسوة فقال لى النبي صلى الله عليه وسلم (امسك اربعا منهن وفارق واحدة منهن.

واما الآية فالمراد بها التخيير بين الاثنتين والثلاث والاربع، ولم يرد به الجمع، كقوله تعالى (اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع في صفة الملائكه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 138)

________________________________________

وتقول.

جاء في القوم مثنى وثلاث ورباع، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان مخصوصا بذلك، وما روى أن أحدا من الصحابة جمع بين أكثر من اربع زوجات.

(فرع)

وإذا أراد الرجل خطبة إمرأة جاز له النظر منها إلى ما ليس بعورة منها وهو وجهها وكفاها بإذنها وبغير اذنها ولا يجوز له أن ينظر إلى ما هو عورة منها وبه قال مالك وأبو حنيفة.

وحكى عن مالك أنه لا يجوز له ذلك الا بإذنها.

وقال المزني: لا يجوز أن ينظر إلى شئ منها.

وقال داود بن على: يجوز له أن ينظر إلى جميع بدنها إلا إلى فرجها.

دليلنا على المزني حديث أبى هريرة مرفوعا (أنظر إليها فإن في أعين الانصار شيئا) .

وروى عن المغيرة بن شعبة قال: أردت أن أنكح إمرأة من الانصار فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (اذهب فانظر إليها فانه أحرى يؤدم بينكما قال فذهبت فأخبرت أباها بذلك، فذكر أبوها ذلك لها فرفعت الخدر فقالت: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لك أن تنظر فانظر، وإلا فإنى أخرج عليك ان كنت تؤمن بالله ورسوله.

وأما الدليل على داود فقوله تَعَالَى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ منها) قبل في التفسير: الوجه والكفان، وظاهر الاية يقتضى أنه لا يجوز للمرأة أن تبدى الا وجهها وكفيها.

وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ

تزويج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها، فدل على أنه لا يجوز له النظر إلى غير ذلك، ولان ذلك يدل على سائر بدنها.

إذا ثبت هذا: فله أن يكرر النظر إلى وجهها وكفيها، لما روى أبو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: إذا قذف الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن يتأمل محاسن وجهها.

ولا يمكنه تأمل ذلك الا بأن يكرر إليها النظر.

قال الصيمري: فإذا نظر إليها ولم توافقه فالمستحب له أن يسكت ولا يقول

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 139)

________________________________________

لا أريدها.

قال: وقد جرت عادة الرجال في وقتنا هذا أن يبعث بامرأة ثقة لتنظر إلى المرأة التى يريدون خطبتها، وهو خلاف السنة، وذلك في كتاب الافصاح.

(فرع)

قال الشيخ أبو إسحاق: ويجوز للمرأة إذا أرادت أن تتزوج برجل أن تنظر إليه لانه يعجبها منه ما يعجبه منها، ولهذا قال عمر رضى الله عنه: لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم فانه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن وإذا أراد الرجل أن ينظر إلى امرأة اجنبية منه من غير سبب فلا يجوز له ذلك لا إلى العورة ولا إلى غير العورة لقوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم) ولحديث على في ارداف الرسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس خلفه في حجة الوداع في قصة الخثعمية.

وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعلى (يا على لا تتبع النظرة النظرة فانما لك الاولى وليست لك الآخرة) اخرجه احمد وابو داود والترمذي من حدث بريدة.

ولا يجوز للمرأة ان تنظر إلى الرجل الأجنبي لا إلى العورة ولا إلى غيرها من غير سبب، لقوله تعالى (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ولحديث دخول ابن ام مكتوم على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده ام سلمة

وميمونة، وقيل عائشة وحفصة فأمرهما صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب، قائلا افعمياوان انتما، أليس تبصرانه، ولان المعنى الذى منع الرجل لاجله هو صرف الافتتان، وهذا موجود في المرأة لانها اسرع إلى الافتتان لغلبة شهوتها فحرم عليها ذلك.

(فرع)

ويجوز للرجل ان ينظر إلى وجه المرأة الاجنبية عند الشهادة وعند البيع منها والشراء، ويجوز لها ان تنظر إلى وجهه لذلك، لان هذا يحتاج إليه فجاز النظر لاجله، ويجوز لكل واحد منهما ان ينظر إلى بدن الآخر إذا كان طبيبا واراد مداواته لانه موضع ضرورة فزال تحريم النظر لذلك.

(فرع)

واختلف اصحابنا في الصبى المراهق مع المرأة الاجنبية، فمنهم من قال: هو كالرجل البالغ الأجنبي معها فلا يحل لها ان تبرز له لقوله تعالى: أو الطفل الذين لم يتطهروا على عورات النساء.

ومعناه لم يقووا على مواقعة النساء

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 140)

________________________________________

والمراهق يقوى على المواقعة والجماع فهو كالبالغ، ومنهم من قال: هو معها كالبالغ من ذوى محارمها لقوله تَعَالَى (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) فأمر بالاستئذان إذا بلغوا الحلم: فدل على أنه قبل أن يبلغ الحلم يجوز دخولهم من غير استئذان.

ولا يجوز للرجل الخصئ أن ينظر إلى بدن المرأة الاجنبية.

قال ابن الصباغ: إلى أن يكبر ويهرم وتذهب منه شهوته، قال: وكذلك المخنث لقوله تعالى (أو التابعين غير أولى الاربة من الرجال) وروى أن مخنثا كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يعدونه من غير أولى الاربة.

فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه هو ينعت امرأة لعبد الله بن أمية أخى أم سلمة يقول: يا عبد الله ان فتح الله

عليكم الطائف فإنى أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يدخلن هؤلاء عليكم.

رواه البخاري ومسلم وأخرجه أحمد في مسنده عن أم سلمة، ورواه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث عائشة.

وقوله (تقبل بأربع) يعنى أربع عكن في مقدم بطنها، وقوله (تدبر بثمان) لان الاربع محيطة ببطنها وجنبيها فتبدو العكن من خلفها ثمان أربع من اليمين وأربع من اليسار.

وهذا هو تفسير مالك رضى الله عنه للحديث، وتابعه عليه جمهور العلماء في اللغة والحديث.

(فرع)

ويجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة من ذوات محارمه، وكذلك يجوز لها النظر إليه من غير سبب ولا ضرورة، لقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن) الآية وفى الموضع الذى يجوز له النظر إليها منها وجهان حكاهما المسعودي

(أحدهما)

وهو قول البغداديين من أصحابنا أنه يجوز له النظر إلى جميع بدنها الا ما بين السرة والركبة، لانه لا يحل له نكاحها بحال، فجاز له النظر إلى ذلك كالرجل مع الرجل.

 

(والثانى)

وهو اختيار القفال أنه يجوز له النظر إلى ما يبدو منها عند المهنه (١)

________________________________________

(١) المهنه بفتح الميم بعدها هاء ساكنة ثم نون مفتوحه فهاء وهى الخدمة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 141)

________________________________________

لانه لا ضرورة به إلى النظر إلى ما زاد على ذلك.

قال المسعودي: وهكذا الوجهان في النظر إلى أمة غيره.

ويجوز للرجل أن ينظر إلى جميع بدن الرجل الا إلى ما بين السرة والركبة من غير سبب ولا ضرورة، لانه لا يخاف الافتتان بذلك (فرع)

إذا امتلكت المرأة خادما فهل يكون كالمحرم لها في جواز النظر والخلوة به؟ فيه وجهان

(أحدهما)

أنه يصير محرما لها، وقد مال في المهذب إلى

ذلك، وهو المنصوص لقوله تعالى (أو ما ملكت أيمانهن) فعده من ذوى المحارم وروت أُمِّ سَلَمَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا كان مع احداكن مكاتب وفى فلتحتجب عنه) فلولا أن الاحتجاب لم يكن واجبا عليهن قبل ذلك لما أمرهن به.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى فاطمة رضى الله عنها غلاما فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليها ومعه على والغلام وليس عليها الا ثوب واحد، فأرادت أن تغطى رأسها به ورجليها فلم يبلغ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بأس عليك انما هو أبوك وزوجك وخادمك، ولان الملك سبب يحرم الزوجية بينهما فوجب أن يكون محرما له كالنسب والرضاع.

والثانى لا يكون محرما لها.

قال الشيخ ابو حامد وهو الصحيح عند أصحابنا لان الحرمة انما تثبت بين شخصين لم تخلق بينهما شهوه كالاخ والاخت.

والخادم وسيدته شخصان خلقت بينهما الشهوة فهو كالأجنبي.

وأما الآية فقال أهل التفسير، والمراد بها الا ما دون العبيد.

وأما الخبر فيحتمل أن يكون الغلام الَّذِي أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة صغيرا.

اه (فرع)

وإذا تزوج الرجل امرأة يحل له الاستمتاع بها كان لكل واحد منهما النظر إلى جميع بدن الآخر، لانه يملك الاستمتاع به، وهل يجوز له النظر إلى الفرج؟، فيه وجهان

(أحدهما)

يجوز لانه موضع يجوز الاستمتاع به فجاز له النظر إليه كالفخذ

(والثانى)

لا يجوز لما روى من ان النظر إلى الفرج يورث الطمس وهو العمى، قال تعالى (فطمسنا أعينهم) ولان فيه دناءة وسخفا.

وقال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ، يعنى بالطمس العمى أي في النظر، وقال الطبري في العدة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 142)

________________________________________

أي أن الولد بينهما يولد أعمى.

وإذا زوج الرجل أمته كانت كذوات محارمه فلا

يجوز له أن ينظر منها إلى ما بين السرة والركبة للحديث: إذا زوج أحدكم أمته فلا ينظر منها إلى مابين السرة والركبه، ولانه إذا زوجها فحكم الملك ثابت بينهما وإنما حرم عليه الاستمتاع بها فصارت كذوات محارمه.

(مسألة (١) قال الشافعي رضى الله عنه: ان الله عز وجل لما خص به رسوله صلى الله عليه وسلم من وحيه وأنابه بينه وبين خلقه بما فرضه عليهم من طاعته افترض عليه أشياء خففها على خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينا لفضيلته.

وجملة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خص بأحكام في النكاح وغيره ولم يشاركه غيره فيها فأما ما خص به في غير النكاح فأوجب الله تعالى عليه أشياء لم يوجبها على غيره ليكون ذلك أكثر لثوابه، فأوجب عليه السواك والوتر والاضحية.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث كتبهن الله على ولم تكتب عليكم: السواك والوتر والاضحية.

وكان يجب عليه إذا لبس لامة حربه أن لا ينزعها حتى يلقى العدو.

الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبى إذا لبس لامته أن ينزعها حتى حكم الله بينه وبين عدوه وأما قيام الليل فمن أصحابنا من قال كان واجبا عليه إلى أن مات لقوله تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) الايه.

والمنصوص أنه كان واجبا عليه ثم نسخ بقوله تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) وبعض أهل العلم يرى أن الاية ليست ناسخه.

وأن قوله نافلة لك تجرى مجرى معناها اللغوى، أي زيادة خاصة بك وليست نافلة بمعناها الاصطلاحي أمن كونها دون الواجب.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى منكرا أنكره وأظهره، لان إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه، وقد ضمن الله تعالى له النصر.

وحرم عليه أشياء لم يحرمها على

________________________________________

(١) هو فصل محذوف من النسخة المطبوعة أورده العمرانى في كشف ما في

المهذب من الاشكال، وكم في النسخة المطبوعة من نقص استدركناه في فروعنا.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 143)

________________________________________

غيره تنزيها له وتطهيرا، فحرم على الكتابة وقول الشعر وتعليمه تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته: قال تبارك وتعالى (وما كنت تنلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون.

وذكر النقاش من أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما مات حتى كتب، والاول هو المشهور: وحرمت عليه الصدقة المفروضة قولا واحدا.

وفى صدقة التطوع قولان وقد مضى بيانه مفصلا في الزكاة وحرم عليه خائنة الاعين وهو الرمز بالعين، لما روى أن رجلا دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج قال: هلا قتلتموه، فقالوا هلا رمزت الينا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبى أن يكون له خائنة الاعين.

وحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرت به إبل عست بأبوالها وأبعارها فغطى عينيه، فقيل له في ذلك، فقال قال الله تعالى (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) وأباح الله تعالى له أشياء لم يبحها لغيره تفضيلا له واختصاصا، منها انه أباح له الوصال في الصوم.

والدليل عليه أنه نهى عن الوصال، فقيل له يا رسول الله انك تواصل، فقال (انى لست مثلكم، انى أطعم وأسقى) وفى رواية (انى أبيت عند ربى فيطعمني ويسقيني) وأبيح له أربعة أخماس الغنيمة، وخمس الخمس من الفئ والغنيمة، وأبيح له أن يختار منها ما شاء، وأكرمه الله تعالى بأشياء منها أحل له الغنائم ولامته وكانت لا تحل لمن قبله من الانبياء.

ويزعم اليهود في توراتهم أن السبى والفئ والغنيمة حلال لهم بالحرب.

وفى التلمود كل اموال ودماء ونساء وأطفال غير اليهود مستباحه لليهود، وقالوا ليس

علينا في الاميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) وجعلت له الارض مسجدا وطهورا ولامته وكان من قبله من الانبياء لا تصح صلاتهم إلا في المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم (فضلنا على الناس بثلاث، جعلت الارض لنا مسجدا وترابها طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكه وجعل له معجزات كمعجزات الانبياء قبله وزيادة، فكانت معجزة موسى العصا وانبجاس الماء من الصخرة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 144)

________________________________________

وقد انشق القمر للنبى صلى الله عليه وسلم وخرج الماء من بين أصابعه وكانت معجزة عيسى إحياء الموتى وإبراء الاكمه والابرص، وقد سبحت الحصى بيد النبي صلى الله عليه وسلم وحن الجذع إليه، وفضله الله تعالى عليهم بأن جعل القرآن معجزته وجعل معجزته فيه باقية إلى يوم القيامة، ولهذا كانت نبوته مؤبدة لا تنسخ إلى يوم القيامة، ونصر بالرعب مسيرة شهر، وبعث إلى الخلق كافة، وقد كان كل نبى يبعث في نسب قومه خاصة، وقال صلى الله عليه وسلم: تنام عيناى ولا ينام قلبى، وكان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، وأما ما خص بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الاحكام في النكاح فاختلف أصحابنا في المنع من الكلام فيه فحكى الصيمري أبا على بن خيران منع من الكلام فيه وفى الامامة لان ذلك قد انقضى فلا معنى للكلام فيه.

وقال سائر أصحابنا: لا بأس في الكلام بذلك وهو المشهور من المذهب لما فيه من زيادة العلم، وقد تكلم العلماء فيما لا يكون كما بسط الفرضيون مسائل الوصايا وقالوا: إذا ترك أربعمائة جدة وأكثر.

وإذا ثبت هذا فانه أبيح للنبى صلى الله عليه وسلم أن ينكح من النساء أي عدد شاء.

وحكى الطبري في العدة وجها آخر أنه لم يبح له أن يجمع بين أكثر من تسع

والاول هو المشهور، قال تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) قيل في التفسير: أن لا تجوروا في حقوقهن فحرم الزيادة على الاربع وندب إلى الاقتصار على واحدة خوفا من الجور وترك العدل، وهذا مأمون من النبي صلى الله عليه وسلم ولان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ثمانى عشرة امرأة، وقيل: بل خمسة عشر وجمع بين أربعة عشر، وقيل بل بين أحد عشر، ومات عن تسع هن عائشة بنت أبى بكر الصديق، وحفصة بنت عمر، وأم سلمه بنت أبى أمية، وأم حبيبة بنت أبى سفيان وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حي، وزينب بنت جحش، فهؤلاء ثمان نسوه كان يقسم لهن إلى أن مات صلى الله عليه وسلم والتاسعة سودة بنت زمعة كانت وهبت ليلتها لعائشة حتى قال له ربه تعالى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 145)

________________________________________

(لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن) ثم نسخ هذا التحريم بقوله تعالى (يا أيها النبي انا أحللنا لك أزواجك اللائى هاجرن معك) الاية.

قال الشافعي رضى الله عنه فمن ذلك أن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها وأمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يخير نساءه فاخترته، ومن ذلك أن الله تعالى خيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نبيا ملكا وعرض عليه مفاتيح خزائن الدنيا وبين أن يكون نبيا مسكينا فاختار المسكنة وهى أعلى المنزلتين ومن ثم أمره الله تعالى أن يخير زوجاته فربما كان فيهن من تكره المقام على الشدة تنزيها له، ومما خص به النبي صلى الله عليه وسلم أن جعل أزواجه أمهات المؤمنين.

قال الشافعي.

معنى قوله تعالى (وأزواجه أمهاتهم) في معنى دون معنى وأراد به أن أزواجه اللاتى مات عنهن لا يحل لاحد نكاحهن ومن استحل ذلك كان كافرا.

أما إذا تزوجها ولم يدخل بها ثم فارقها كالكلبيه التى قالت أعوذ بالله منك.

فقال لها لقد استعذت بمعاذ الحقى بأهلك، فقيل انه تزوجها عكرمة بن أبى جهل في خلافة الصديق أو خلافة عمر فهم برجمها، فقيل له انه لم يدخل بها فخلى عنها وقيل ان الذى تزوج منها الاشعث بن قيس الكندى.

وقال القاضى أبو الطيب الذى تزوجها المهاجر ابن أبى أميه ولم ينكر أحد ذلك فدل على انه اجماع، ومما خص به النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ فضل زوجاته على نساء العالمين.

يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن، وقوله (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينه يضاعف لها العذاب ضعفين) إلى قوله تعالى (وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين) فجعل حدهن مثل حد غيرهن لكمالهن وفضيلتهن كما جعل حد الحر مثلى حد العبد وكذلك حسناتهن مضاعفه لهن تفضيلا لهن وتشريفا، وقد قال الشافعي في كتاب احكام القرآن الذى رواه عنه البيهقى، وابان من فضله من المباينه بينه وبين خلقه فرض عليهم طاعته في غير آية من كتابه، وافترض عليه اشياء خففها عن خلقه، قال العمرانى وهذا أوضح معنى مما نقله المزني وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 146)

________________________________________

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

 

‌بَابُ مَا يصح به النكاح

 

لا يصح النكاح إلا بولي فان عقدت المرأة لم يصح، وقال أبو ثور: إن عقدت بإذن الولى صح، ووجهه أنها من أهل التصرف، وإنما منعت من النكاح لحق الولى، فإذا أذن زال المنع كالعبد إذا أذن له المولى في النكاح، وهذا خطأ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رفعه (لا تنكح المرأة المرأة، ولا تنكح المرأة نفسها) ولانها غير مأمونة على البضع لنقصان عقلها، وسرعة انخداعها، فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال، ويخالف العبد فانه منع لحق المولى، فانه ينقض قيمته بالنكاح، ويستحق كسبه في المهر والنفقة فزال المنع باذنه، فان عقد النكاح بغير

ولى وحكم به الحاكم ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

وهو قول أبى سعيد الاصطخرى: أنه ينقض حكمه، لان مخالف لنص الخبر: وهو ما رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل: فنكاحها باطل، فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له فان أصابها فلها مهرها بما استحل من فرجها) .

 

(والثانى)

لا ينقض، وهو الصحيح، لانه مختلف فيه فلم ينقض فيه حكم الحاكم كالشفعة للجار.

وأما الخبر فليس بنص لانه محتمل للتأويل، فهو كالخبر في شفعة الجار، فان وطئها الزوج قبل الحكم بصحته لم يجب الحد.

وقال أبو بكر الصيرفى: إن كان الزوج شافعيا يعتقد تحريمه وجب عليه الحد كما لو وطئ إمرأة في فراشه وهو يعلم أنها أجنبية، والمذهب الاول لانه وطئ مختلف في إباحته فلم يجب به الحد، كالوطئ في النكاح بغير شهود، ويخالف من وطئ امرأة في فراشه وهو يعلم أنها أجنبية لانه لا شبهة له في وطئها، وان طلقها لم يقع الطلاق.

وقال أبو إسحاق: يقع لانه نكاح مختلف في صحته، فوقع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 147)

________________________________________

فيه الطلاق كنكاح المرأة في عدة أختها، والمذهب الاول، لانه طلاق في غير ملكه فلم يصح كما لو طلق أجنبية.

 

(فصل)

وان كانت المنكوحة أمة فوليها مولاها لانه عقد على منفعتها فكان إلى المولى كالاجارة، وان كانت الامه لامرأة زوجها من يزوج مولاتها، لانه نكاح في حقها فكان إلى وليها كنكاحها، ولا يزوجها الولى الا باذنها لانه تصرف في منفعتها فلم يجز من غير اذنها، فان كانت المولاة غير رشيدة نظرت، فان إن وليها غير الاب والجد، لم يملك تزويجها، لانه لا يملك التصرف في مالها

وان كان الاب أو الجد ففيه وجهان:

(أحدهما)

لا يملك، لان فيه تغريرا بمالها لانها ربما حبلت وتلفت،

(والثانى)

وهو قول أبى اسحاق: انه يملك تزويجها لانها تستفيد به المهر والنفقه واسترقاق ولدها، وان كانت المنكوحة حرة فوليها عصباتها وأولاهم الاب ثم الجد ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثم ابن العم، لان الولاية في النكاح تثبت لدفع العار عن النسب، والنسب إلى العصبات، فان لم يكن لها عصبه زوجها المولى المعتق، ثم عصبة المولى، ثم مولى المولى، ثم عصبته، لان الولاء كالنسب في التعصيب فكان كالنسب في التزويج، فان لم يكن فوليها السلطان، لقوله صلى الله عليه وسلم (فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) ولا يزوج أحد من الاولياء وهناك من هو أقرب منه، لانه حق يستحق بالتعصيب فقدم فيه الاقرب فالاقرب كالميراث، وان استوى اثنان في الدرجه وأحدهما يدلى بالابوين والآخر بأحدهما كأخوين أحدهما من الاب والام والآخر من الاب ففيه قولان.

قال في القديم: هما سواء، لان الولاية بقرابة الاب وهما في قرابة الاب سواء، وقال في الجديد: يقدم من يدلى بالابوين لانه حق يستحق بالتعصيب فقدم من يدلى بالابوين على من يدلى بأحدهما كالميراث، فان استويا في الدرجة، والادلاء فالمستحب ان يقدم اسنهما واعلمهما واورعهما، لان الاسن اخبر، والاعلم اعرف بشروط العقد، والاورع احرص على طلب الحظ، فان زوج الآخر صح لان ولايته ثابته، وان تشاحا اقرع بينهما لانهما تساويا في الحق

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 148)

________________________________________

فقدم بالقرعة كما لو أراد أن يسافر بإحدى المرأتين، فإن خرجت القرعة لاحدهما فزوج الآخر ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يصح لان خروج القرعة لاحدهما لا يبطل ولاية الاخر

(والثانى)

 

لا يصح لانه يبطل فائدة القرعة.

(الشرح) حديث أبى هريرة رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي لفظة (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها) قال ابن كثير: الصحيح وقفه على أبى هريرة، وقال ابن حجر: رجاله ثقات وفى لفظ للدارقطني: كنا نقول: التى تزوج نفسها هي الزانية.

قال ابن حجر: فتبين أن هذه الزيادة من قول أبى هريرة: وكذلك رواها البيهقى موقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى.

أما حديث عائشة رضى الله عنها رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه وأبو عوانة وابن حبان والحاكم عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة، وقد أعل بالارسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال: ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره.

وقد عد أبو القاسم بن مندة عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا، وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته إياه عن سليمان بن موسى، وأن قرة وموسى ابن عقبه ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعه تابعوا سليمان ابن موسى عن الزهري، قال: ورواه أبو مالك الجنبى ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعه عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة وقد أعل ابن حبان وابن عدى وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكايه عن ابن جريج بانكار الزهري، وعلى تقدير الصحه لا يلزم نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه، ويؤيد هذا الحديث ما رواه عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لانكاح إلا بولي) وما رواه أبو داود الطيالسي بلفظ (لا نكاح إلا بولي، وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فان لم يكن لها ولى فالسلطان ولى من لا ولى له) .

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 149)

________________________________________

على أن حديث (لا نكاح إلا بولي، هل يعد النفى متوجها إلى الذات الشرعية لان الذات الموجودة، أعنى صورة العقد بدون ولى ليست شرعية؟ أم يتوجه إلى الصحة التى هي أقرب المجازين إلى الذات فيكون النكاح بغير ولى باطلا كما هو مصرح به في حديث عائشة، وكما يدل عليه حديث أبى هريرة المذكور في أول الفصل، لان النهى يدل على الفساد والمرادف للبطلان.

وقد ذهب إلى هذا على وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبى ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم: فقالوا لا يصح العقد بدون ولى.

وقال ابن المنذر: إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.

وحكى في البحر عن أبى حنيفة أنه لا يعتبر الولى مطلقا لحديث (الثيب أحق بنفسها من وليها) وسيأتى.

وأجيب بأن المراد اعتبار الرضى منها جمعا بين الاخبار وعن أبى يوسف ومحمد للولى الخيار في غير الكفء وتلزمه الاجازة في الكفء.

وعن مالك يعتبر الولى في الرفيعة دون الوضيعة.

وأجيب عن ذلك بأن الادلة لم تفصل وعن الظاهرية أنه يعتبر في البكر فقط، وأجيب عنه بأن الادلة لم تفرق.

وقال أبو ثور يجوز لها أن تزوج نفسها بإذن وليها أخذا بمفهوم قوله (وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها) ويجاب عن ذلك بحديث أبى هريرة الذى ساقه المصنف في أول الفصل، والمراد بالولي هو الاقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته.

وليس لذوى السهام ولا لذوى الارحام ولايه.

وهذه مذهب الجمهور.

وروى عن أبى حنيفة أن ذوى الارحام من الاولياء، فإذا لم يكن ثم ولى أو كان موجودا وعضل انتقل الامر إلى السلطان لانه ولى من لا ولى له كما أخرجه الطبراني من

حديث ابن عباس، وفى إسناده الحجاج بن أرطاة قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ (لا نكاح إلا بولي) من الام، زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن معقل بن يسار كان زوج أختا له ابن عم له، فطلقها ثم أراد الزوج وأرادت نكاحه بعد مضى عدتها فأبى معقل.

وقال زوجتك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 150)

________________________________________

وآثرئك على غيرك فطلقتها، لا أزوجكها أبدا فنزل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) يعنى فانقضى أجلهن يعنى عدتهن (فلا تعضلوهن) يعنى أولياءهن (أن ينكحن أزواجهن) إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن، وما أشبه معنى ما قالوا من هذا بما قالوا، ولا أعلم الآية تحتمل غيره لانه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الاولياء، والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها، وإن لم تنقض عدتها فقد يحرم عليها أن تنكح غيره وهو لا يعضلها عن نفسه، وهذا أبين مافى القرآن من أن للولى مع المرأة في نفسها حقا، وأن على الولى أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف.

قال الشافعي وجاءت السنه بمثل معنى كتاب الله عز وجل أخبرنا مسلم وسعيد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها) وقال بعضهم في الحديث فإن اشتجروا وقال غيره منهم، فإن اختلفوا فالسلطان ولى من لا ولى له أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج.

قال أخبرني عكرمه بن خالد قال جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا فجلد عمر بن الخطاب الناكح ورد نكاحها.

قال الشافعي فأى امرأة نكحت بغير اذن وليها فلا نكاح لها، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ فنكاحها باطل، وان أصابها فلها صداق مثلها بما اصاب منها بما قضى لها به النبي صلى الله عليه وسلم وقال العمرانى في البيان وهذا الخبر يعنى حديث عائشة دليل على من خالفنا الا ابا ثور فإنه يقول، لما ابطل النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها بغير اذن وليها دل على انه يصح بإذن وليها.

ودليلنا عليه ان المراد ههنا بالاذن لغيرها من الرجال بدليل قوله صلى الله عليه لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها ولم يفرق بين ان يكون ذلك بإذن الولى أو بغير اذنه.

إذا ثبت هذا فإن اصحابنا قد ذكروا في حديث عائشة فوائد (١) ان للولى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 151)

________________________________________

شركا في بعضها لانه أبطل نكاحها بغير إذنه (٢) ان الولاية ثابته على جميع النساء لان لفظ أي مراد به العموم (٣) ان الصلة جائزة في الكلام لقوله (أيما) ومعناه أي امرأة (٤) ان للولى أن يوكل في عقد النكاح (٥) ان مطلق النكاح في الشريعة ينصرف إلى العقد، لان المعين أيما امرأة عقدت (٦) جواز إضافة النكاح إليها (٧) ان اسم النكاح يقع على الصحيح والفاسد (٨) ان النكاح الموقوف لا يصح لانه لو كان صحيحا لما ابطله (٩) ان الشئ إذا كان بينا في نفسه جاز أن يؤكد بغيره لانه لو اقتصر على قوله فنكاحها باطل لكان بينا، فأكد بالتكرار، وهو كقوله تعالى (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رجعتم تلك عشرة كاملة) وكقوله تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة (١٠) وطئ الشبهة يوجب المهر (١١) ان اللمس كناية عن الوطئ (١٢) انه إذا مس سائر بدنها غير الفرج فلا مهر عليه (١٣) قال الصيمري: إن القبل والدبر سواء لان كله فرج (١٤) انه لا فرق بين الخصى والفحل (١٥) لا فرق بين قوى الجماع وضعيفه (١٦) انه لا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل

(١٧) لا فرق بين أن يجامعها مرة أو مرارا (١٨) انه يجوز ان يثبت له وعليه حتى يجهل قدره (١٩) ان النكاح الفاسد إذا لم يكن فيه جماع فلا مهر فيه (٢٠) أن مهر المثل يتوصل إلى العلم به (٢١) أن المهر يجب مع العلم بتحريم الوطئ ومع الجهل به لانه لم يفرق (٢٢) المكره يجب عليه المهر، لان المكره مستحل لفرج المكرهة (٢٣) أن المهر لا يجب إلا بخلوة، لانه شرط اللمس في الفرج (٢٤) أنه لا حد في وطئ الشبهة (٢٥) قال الشيخ أبو حامد: إن النسب يثبت بالوطئ في الشبهة (٢٦) إن العدة تجب على الموطوءة بالشبهة لان النسب إذا لحق به أوجب العدة.

(٢٧) أن تحريم المصاهرة يثبت بوطئ الشبهة (٢٨) أن المرأة يجوز أن يكون لها جماعة أولياء لقوله صلى الله عليه وسلم (فإن اشتجروا) فهذا إخبار عن جمع (٢٩) أن السلطان ولى من لا ولى لها (٣٠) ان الاولياء إذا عضلوا المرأة عن النكاح انتقلت إلى السلطان، لان الاختلاف المراد في الخبر أن يقول كل واحد منهم: لا أزوجها بل زوجها أنت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 152)

________________________________________

فأما إذا قال كل واحد منهم: أنا أزوجها دونك: فلا تنتقل إلى السلطان (فرع)

إذا تزوج الرجل امرأة من نفسها ثم ترافعا إلى حاكم شافعي أو حنبلي لان الظاهر من مذهب أحمد بطلان النكاح بغير ولى وشاهدين كما في المغنى لابن قدامة فإن كانا لم يترافعا إلى حاكم حنفى قبله حكم الشافعي بفساده وفرق بينهما لانه يعتقد بطلانه، وان كانا قد ترافعا قبله إلى حاكم حنفى فحكم بصحته فهل ينقض الشافعي حكمه.

فيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخرى: ينقض حكمه ويحكم بفساده، لان حكمه مخالف لنص النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم فنكاحها باطل،

والثانى وهو الاصح أنه لا يصح حكمه بفساده، لان حكم الاول وقع بما يسوغ فيه الاجتهاد فهو كالحكم بالشفعة للجار (فرع)

وإن تزوج رجل امرأة من نفسها ووطئها، فان لم يعلم بتحريم الوطئ بأن كان جاهلا لا يعلم تحريمه أو عاميا فقلد مجتهدا يرى تحليله، أو كان الوطئ حنفيا يرى تحليله فلا حد عليه لانه موضع شبهة.

وان كان الواطئ شافعيا يعتقد تحريمه ففيه وجهان.

قال أبو بكر الصيرفى: عليه الحد لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (البغى من انكحت نفهسا بغير ولى ولا بينة) قال في المغنى شرح مختصر الخرقى: ولا حد في وطئ النكاح الفاسد سواء اعتقد حله أو حرمته وعن أحمد ما يدل على أنه يجب الحد بالوطئ في النكاح بلا ولى إذا اعتقد حرمته، وهو اختيار السمرقندى من أصحاب الشافعي لما روى الدارقطني بإسناده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، ان الزانية هي التى تزوج نفسها) وبإسناده عن الشعبى قال: ماكان أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشد في النكاح بغير ولى من على رضى الله عنه كان يضرب فيه.

اه ولخبر عمر الذى فيه انه جلد الناكح، ولا مخالف له، ولان أكثر ما فيه حصول الاختلاف في إباحته، وذلك لا يوجب اسقاط الحد فيه كشرب النبيذ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 153)

________________________________________

والثانى وهو قول أكثر أصحابنا، وهو المذهب أنه لا حد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات.

وحصول الاختلاف في إباحته من أعظم الشبهات ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الحد في حديث عائشة.

وأما قوله في رواية الدارقطني (فإن الزانية هي التى تزوج نفسها) فقد

أخرجه أيضا البيهقى.

قال ابن كثير: الصحيح وقفه على أبى هريرة.

وفى لفظ: للدارقطني كنا نقول التى تزوج نفسها هي الزانية.

قال الحافظ ابن حجر: فنبين أن هذه الزيادة من قول ابى هريرة، وكذلك رواها البيهقى موقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى.

فتسميتها بالبغى أو الزانية إذا صحت روايات الرفع حمل على سبيل المجاز لتعلق بعض حكم البغى عليها وهو تحريم الوطئ.

فأما جلد عمر لها فكان على جهة التعزير لا على جهة الحد، بدليل أنه جلد المنكح وهو بالاجماع لا حد عليه.

وأما النبيذ فالفرق بينهما أن هذا الوطئ بين الزنا والوطئ في النكاح الصحيح وشبهه بالوطئ في النكاح الصحيح أكثر بدليل أنه يجب فيه المهر والعدة ويلحق به النسب، وانما يشبه الزنا بتحريم الوطئ لا غير، فكان إلحاقه بالوطئ في النكاح الصحيح في اسقاط الحد أولى والنبيذ ليس له الا أصل واحد يشبهه وهو الخمر لانه شراب فيه شدة مطربة وليس في الاشربة ما يشبه الخمر غيره فألحقناه به.

(فرع)

ولو تزوج رجل امرأة من نفسها ثم طلقها فهل يقع الطلاق عليها فيه وجهان: قال أبو إسحاق المروزى: يقع عليها طلاقه لانه نكاح مختلف في صحته فوقع فيه الطلاق، كما لو تزوج امرأة ودخل بها وطلقها طلاقا بائنا ثم يتزوج أختها أو عمتها قبل انقضاء عدة الاولى، فإن نكاح الثانية مختلف في صحته، لان مذهبنا أنه يصح، ومذهب ابى حنيفة واصحابه انه لا يصح، ولو طلق الثانية لوقع عليها الطلاق وان كان مختلفا في نكاحها فكذلك هذه مثلها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 154)

________________________________________

والوجه الثاني وهو المنصوص: أنه لا يقع عليها طلاقه، لان الطلاق قطع

الملك، فإذا لم يقع هناك ملك لم يقع الطلاق، كما لو اشترى عبدا شراء فاسدا ثم اعتقه، ويخالف إذا تزوج إمرأة ودخل بها في عدة أختها فإن النكاح عندنا صحيح فلذلك وقع عليها الطلاق وههنا النكاح عندنا غير صحيح فلم يقع عليها الطلاق.

(فرع)

النكاح الموقوف على الاجازة لا يصح عندنا سواء كان موقوفا على إجازة الولى أو الزوج أو الزوجة، فالموقوف على إجازة الولى أن يتزوج الرجل إمرأة من رجل ليس بولي لها ويكون موقوفا على إجازة وليها، أو تزوج الامة نفسها أو العبد نفسه بغير إذن السيد، ويكون موقوفا على إذن السيد.

وأما الموقوف على إجازة الزوج بأن يزوج الرجل إمرأة بغير إذنه، ويكون ذلك موقوفا على إجازته.

وأما الموقوف على اذن الزوجة بأن يزوج الولى امرأة يشترط اذنها في النكاح بغير اذنها ويكون موقوفا على اجازتها: فجميع هذه الانكحة لا تصح عندنا، وبه قال أحمد رضى الله عنه.

وقال أبو حنيفة: تصح هذه الانكحة، فإن أجاز ذلك الموقوف على رضاه لزم، وان رده بطل.

وقال مالك: يجوز أن يقف النكاح مدة قريبة، فان تطاول الزمان بطل.

دليلنا ما قدمنا من أحاديث (فنكاحها باطل) وحديث (أيما عبد تزوج بغير اذن سيده فهو عاهر) : (فرع)

المرأة لا تتوكل في قبول النكاح ولا في ايجابه، وقال أبو حنيفة: إذا وكل الولى امرأة في ايجاب النكاح أو وكلها الزوج في القبول صح.

دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تنكح المرأة ولا تنكح المرأة نفسها) وهذا عام وروى عن ابن عمر وابن عباس وأبى موسى الاشعري وأبى هريرة رضى الله عنهم أنهم قالوا: المرأة لا تقبل عقد النكاح، ولا مخالف لهم، وروى عن عائشة رضى الله عنها انها حضرت نكاحا فخطبت ثم قالت: اعقدوا فإن النساء لا يعقدن

فدل على انه اجماع.

(فرع)

إذا كانت المنكوحة حرة فأولى الولاة بتزويجها الاب لان سائر

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 155)

________________________________________

الاولياء يدلون به، ولان القصد بالولي طلب الحظ لها والاب أشفق عليها، وأطلب للحظ لها من غيره، فإن لم يكن أب وهناك جد أو أب أوجد من أجداد الاب الوارثين وإن علا فهو أولى من الاخ.

وحكى عن مالك أنه قال: الاخ أولى من الجد.

دليلنا أن الجد له ولادة وتعصيب فكان مقدما على الاخ كالاب، فإن قيل هلا قلتم إن الجد يساوى الاخ في الولاية كما قلتم في الميراث؟ قلنا الفرق بينهما أن الميراث مستحق بالتعصيب المحض، ولهذا قدم الابن على الاب في الميراث والاخ يساوى الجد في التعصيب أو هو أقوى من الجد في التعصيب بدليل أنه يعصب أخواته وإنما لم يقدم عليه في الميراث للاجماع فلذلك سوينا بينهما في الارث، والولاية في النكاح تستحق بالشفقة وطلب الحظ، بدليل أن الابن لا ولاية له على أمه لذلك.

والجد أكثر شفقه عليها من الاخ فكان أولى، فإن عدم الاجداد من قبل الاب انتقلت الولاية إلى الاخوة للاب والام أو الاب ثم إلى بنيهم ويقدمون على الاعمام وبنيهم لانهم يدلون بالاب، والاعمام يدلون بالجد، والاب أقرب من الجد، فإن عدم الاخ وبنوهم انتقلت الولاية للاعمام ثم إلى بنيهم، ويقدمون على أعمام الاب وبنيهم، لان الاعمام يدلون بالجد، وأعمام الاب يدلون بابن الجد وعلى هذا يقدم الاقرب فالاقرب كما قلنا في الميراث.

(فرع)

وإن اجتمع وليان أحدهما يدلى بالاب والام، والاخر يدلى بالاب كأخوين أو عمين، أو ابنا عم أحدهما لاب وأم والاخر لاب ففيه قولان، قال في القديم هما سواء، وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور، لان ولاية النكاح تستفاد

بالانتساب إلى الاب بدليل أن الاخ للام لا ولاية له في النكاح، وهما في الانتساب إلى الاب سواء فاستويا في الولاية.

وقال في الجديد ان المدلى بالاب والام أولى، وبه قال أبو حنيفة وهو الصحيح لقوله تعالى (فقد جعلنا لوليه سلطانا) ولو قتل رجل وله أخ لاب وأم أو أخ لاب كان القصاص للاخ للاب والام دون الاخ للاب فثبت انه لا ولاية له معه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 156)

________________________________________

ولانه حق يستحق بالتعصيب فقدم المدلى بالابوين على المدلى بأحدهما كالارث وهكذا القولان في التقدم في الصلاة على الميت وفى العقل، وأما الارث والولاء والوصية للاقرب، فان المدلى بالاب والام أولى قولا واحدا، وإن اجتمع ابنا عم أحدهما معتق أو أخ فهل يقدم في ولاية النكاح والصلاة على الميت والعقل فيه قولان كأخوين أحدهما لاب وأم والآخر لاب، وإن اجتمع ابنا عم أحدهما خال لم يقدم قولا واحدا: إلا انه لا مدخل الخئولة في الميراث.

(فرع)

وإن اجتمع للمرأة اولياء في درجة واحدة كالاخوة أو بنيهم والاعمام أو بنيهم فالمستحب ان يقدم اكبرهم سنا واعلمهم واورعهم لما روى أن حويصة ومحيصه دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ محيصه بالكلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كبر كبر: يعنى قدم اخاك في الكلام لانه أكبر سنا منك، ولان الاكبر اخبر بالناس فكان اولى، والاعلم اعرف بشروط العقد، والاورع احرص على طلب الحظ لها، فإن زوجها احدهم باذنها من غير إذن الباقين صح، وإن كان اصغرهم سنا لقوله صلى الله عليه وسلم إذا انكح الوليان فالاول احق، ولان كل واحد منهم ولى، وان تشاجرا وقال كل واحد منهم انا ازوج ولم يقدموا الاكبر الاعلم الاورع اقرع بينهم لاستواء استحقاقهم في الولاية كما رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا اراد ان يسافر باحدى نسائه اقرع بينهن،

فان خرجت القرعة لاحدهم فزوج أو اذن لغيره من الاولياء الباقين أو غيرهم صح وان زوج واحد ممن لم تخرج عليه القرعة باذن المرأة ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يصح لان خروج القرعة لاحدهم لا تبطل ولاية الباقين كما لو زوجها أحدهم قبل القرعة.

 

(والثانى)

لا يصح لان الفائدة في خروج القرعة ان تتعين الولاية لمن خرجت له، فلو صححنا عقد غيره بغير اذنه لبطلت فائدة القرعة، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

ولا يجوز للابن ان يزوج أمه بالبنوة لان الولاية ثبتت للاولياء لدفع العار عن النسب ولا نسب بين الابن والام، وان كان للابن تعصيب بأن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 157)

________________________________________

كان ابن ابن عمها جاز له أن بزوج لانهما يشتركان في النسب.

فان كان لها ابنا ابن عم أحدهما ابنها فعلى القولين في أخوين أحدهما من الاب والام والآخر من الاب

(فصل)

ولا يجوز أن يكون الولى صغيرا ولا مجنونا ولا عبدا لانه لا يملك العقد لنفسه فلا يملكه لغيره، واختلف أصحابنا في المحجور عليه لسفه، فمنهم من قال: يجوز أن يكون وليا لانه إنما حجر عليه في المال خوفا من اضاعته وقد أمن ذلك في تزويج ابنته فجاز له ان يعقد كالمحجور عليه للفلس، ومنهم من قال: لا يجوز لانه ممنوع من عقد النكاح لنفسه فلم يجز أن يكون وليا لغيره، ولا يجوز أن يكون فاسقا على المنصوص، لانها ولاية فلم تثبت مع الفسق كولاية المال.

ومن أصحابنا من قال: إن كان أبا أو جدا لم يجز، وإن كان غيرهما من العصبات جاز، لانه يعقد بالاذن فجاز أن يكون فاسقا كالوكيل.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ

(أَحَدُهُمَا)

لا يجوز لما ذكرناه

(والثانى)

يجوز لانه حق يستحق بالتعصيب فلم يمنع منه الفسق كالميراث والتقدم في الصلاة

على الميت، وهل يجوز أن يكون أعمى؟ فيه وجهان.

 

(أحدهما)

يجوز، لان شعيبا عليه السلام كان أعمى وزوج ابنته من موسى صلى الله على نبينا وعليهم وسلم.

 

(والثانى)

لا يجوز، لانه يحتاج إلى البصر في اختيار الزوج، ولا يجوز للمسلم أن يزوج ابنته الكافرة، ولا للكافر أن يزوج ابنته المسلمة لان الموالاة بينهما منقطعة، والدليل عليه قوله تعالى (والمؤمنون المؤمنات بعضهم أولياء بعض) وقوله سبحانه (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولهذا لا يتوارثان ويجوز للسلطان أن يزوج نساء أهل الذمة، لان ولايته تعم المسلمين وأهل الذمة ولا يجوز للكافر أن يزوج أمته المسلمة، وهل يجوز للمسلم أن يزوج أمه الكافرة فيه وجهان

(أحدهما)

يجوز، وهو قول أبى إسحاق وأبى سعيد الاصطخرى وهو المنصوص، لانها ولاية مستفادة بالملك فلم يمنع منها اخلاف الدين كالولاية في البيع والاجارة

(والثانى)

لا يجوز، وهو قول أبى القاسم الداركى لانه إذا لم يملك تزويج الكافرة بالنسب فلان لا يملك بالملك أولى.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 158)

________________________________________

(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولا يزوج المرأة ابنها إلا أن يكون عصبه، وبيان ذلك أن الابن لا ولاية له على أمه في النكاح من جهة البنوة.

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بن حنبل وإسحاق رحمهم الله تعالى: يثبت له عليها ولاية النكاح بالبنوة، واختلفوا في ترتيب ولايته فذهب مالك وابو يوسف وإسحاق إلى انه مقدم على الاب، وذهب محمد واحمد إلى ان الاب مقدم عليه، وذهب ابو حنيفة إلى انهما سواء.

دليلنا على انه لا ولاية له ان بين الابن وأمه قرابة لا ينسب أحدهما إلى الآخر ولا ينتسبان إلى من هو اعلى منهما: فلم يكن له عليها ولاية كابن الاخت.

قال الشافعي رضى الله عنه: ولان ولاية النكاح انما وضعت طلبا لحظ المرأة والاشفاق عليها والابن يعتقد ان تزويج أمه عار عليه فلا يطلب لها الحظ، ولا يشفق عليها فلم يستحق الولاية عليها، وان كان ابنها من عصبتها بأن كان ابن ابن عمها كان وليا لها في النكاح لانهما لا ينسبان إلى من هو اعلى منهما فجاز له تزويجها كتزويج الاخ لاخته للاب، وان كان لها ابنا ابن عم احدهما ابنها ففيه قولان.

(احدهما) انهما سواء

(والثانى)

ان ابنها اولى كالقولين في الاخوين احدهما لاب وام والآخر لاب، وهكذا إذا كان ابنها مولاها أو كان حاكما فله عليها ولاية من جهة الولاء والحكم لا من جهة البنوة.

(فرع)

وان كانت له اخت لام لا قرابه بينهما غير ذلك لم يملك تزويجها، وقال ابو حنيفة في احدى الروايتين: له تزويجها دليلنا أنه لا تعصيب بينهما فلم يملك تزويجها كالأجنبي.

(فرع)

قال الشافعي في البويطى: لا يكون الولى الا مرشدا.

وقال في موضع آخر وولى الكافرة كافر، وهو يقتضى ثبوت الولاية للفاسق، واختلف أصحابنا في الفاسق هل هو ولى في النكاح ام لا؟ على خمسة طرق فقال الشيخ ابو حامد: الفاسق ليس بولي في النكاح قولا واحدا.

وقال القفال: الفاسق بولي في النكاح قولا واحدا.

وقال ابو اسحاق المروزى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 159)

________________________________________

ان كان الولى ممن يجبر على النكاح كالاب والجد في تزويج البكر لم يصح أن يكون فاسقا لانه يزوج بالولاية، والولاية لا تثبت مع الفسق، كفسق الحاكم والوصى وان كان ممن لا يجبر على النكاح كمن عدا الاب والجد من الاولياء، وكتزويج الاب والجد للثيب صح تزويجه، وان كان فاسقا، لانه يزوج بإذنها فهو كالوكيل

ومن أصحابنا من قال: ان كان الفاسق مبذرا في ماله لم يجز أن يكون وليا في النكاح، وان كان رشيدا في أمر دنياه كان وليا في النكاح، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ

(أَحَدُهُمَا)

أن الفاسق ولى في النكاح بكل حال.

وهو قول مالك وأبى حنيفة لقوله تعالى (وأنكحوا الايامى منكم) وهذا خطاب للاولياء، ولم يفرق بين العدل والفاسق، ولان الكافر لما ملك تزويج ابنته الكافرة والمسلم الفاسق أعلا منه فلان يملك تزويج وليته أولى

(والثانى)

لا يصح أن يكون وليا بحال، وهو المشهور من المذهب لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا نكاح الا بولي.

وروى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قال (لا نكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل، ولا مخالف له، والمرشد من أسماء المدح، والفاسق ليس بممدوح، ولانه تزويج في حق غيره فنافاه الفسق في دينه كفسق الحاكم، فقولنا تزويج، احتراز من ولاية القصاص، وقولنا في حق غيره، احتراز من تزويج الفاسق لامته فإنه تزويج في حقه، بدليل أنه يجب له المهر.

وقولنا في دينه، احتراز من تزويج الكافر لابنته الكافرة، لانه ليس بفسق في دينه، ولان الولى انما اشترط في العقد لئلا تحمل المرأة شهوتها على أن تلقى نفسها في أحضان غير كفء، وتزوج نفسها في العدة، فيلحق العار بأهلها.

وهذا المعنى موجود في الفاسق لانه لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يضع المرأة في أحضان غير كفء، ويزوجها في العدة، فيلحق العار بأهلها، فلم يجز أن يكون وليا وأما الآية فلا نسلم له أنها تنصرف إلى الفاسق لانه ليس بولي عندنا، فإن سلمنا فإن عمومها مخصص بالخبر وأما الكافر فإنما يصح أن يزوج ابنته الكافرة إذا كان رشيدا في دينه لانه مقر عليه بخلاف الفاسق.

إذا ثبت هذا وقلنا الفاسق ليس بولي فقد قال المسعودي: واختلف أصحابنا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 160)

________________________________________

في الفسق الذى يخرجه عن ولاية النكاح، فمنهم من قال: شرب الخمر فحسب، لانه إذا كان يشربها فإنه يميل إلى من هو في مثل حاله، ومنهم من قال: جميع الفسق بمثابته.

(فرع)

قال الشافعي رضى الله عنه: وإن كان الولى سفيها أو ضعيفا غير عالم بموضع الحظ، أو سفيها مؤلما أو به علة تخرجه عن الولاية فهو كمن مات، فإذا صلح صار وليا.

قال أصحابنا: أما السفيه فله تأويلان

(أحدهما)

أنه أراد الصغير

(والثانى)

أنه أراد به الشيخ الذى قد ضعف نظره عن معرفة موضع الحظ.

وأما السقيم فمن كان به سقم شديد قد نقص نظره وأخرجه عن طلب الحظ.

وأما المؤلم وهو صفة السقيم، وهو السقيم الذى اشتد به الالم إلى أن أخرجه عن النظر.

وروى أو سقيما موليا، فيكون معناه السقيم الذى صار مولى من قلة تمييزه.

وأما الذى به علة فالمراد به إذا قطعت يده أو رجله أو أصابه جرح عظيم أخرجه عن حد التمييز فإن ولايته تزول، فإن زالت هذه الاسباب عادت ولايته، لان المانع وجود هذه الاسباب فزال المنع بزوالها (فرع)

قال أبو على الطبري: إذا كان الولى يجن يوما ويفيق يوما، أو يغمى عليه يوما ويفيق يوما، فهل يخرجه ذلك من الولاية؟ فيه وجهان.

وأما السكران فان قلنا إن الفاسق ليس بولي وهذا فاسق.

وإن قلنا الفاسق ولى فهل يخرج السكران من الولاية؟ فيه وجهان كالجنون غير المطبق والاحرام في الحج هل يخرجه من الولاية؟ فيه وجهان، فان قلنا يخرجه زوجها من دونه من الاولياء، وإن قلنا لا يخرجه زوجها السلطان.

وأما الاخرس إذا كان له إشارة مفهومة كان وليا في النكاح، وإن لم يكن له اشارة مفهومة فليس بولي في النكاح.

(فرع)

وهل يصح أن يكون الاعمى وليا في النكاح؟ فيه وجهان.

 

(أحدهما)

لا يصح لانه قد يحتاج إلى النظر في اختيار الزوج لها، لئلا يزوجها بمعيب أو دميم

(والثانى)

يصح، وهو الصحيح، لان شعيبا عليه السلام كان أعمى وزوج ابنته من موسى عليه السلام.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 161)

________________________________________

(فرع)

قال الشافعي رضى الله عنه: وولى الكافرة كافر، ولا يكون المسلم ولى الكافرة إلا على أمته.

وبيان ذلك أنه إذا كان للكافر ابنة مسلمة فإنه لا ولاية له عليها، فإن كان لها ولى مسلم زوجها وإلا زوجها الحاكم لقوله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أراد أن يتزوج أم حبيبة بنت أبى سفيان وكانت مسلمة وأبو سفيان لم يسلم، وكل صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمرى فتزوجها من ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص، وكان مسلما، وإن كان للمسلم ابنة كافرة فلا ولاية له عليها لقوله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) فدل على أنه لا ولاية للمسلم عليها، فإن كان لها ولى كافر زوجها للآيه، وإن لم يكن لها ولى كافر زوجها الحاكم لقوله صلى الله عليه وسلم: فالسلطان ولى من لا ولى له.

ولم يفرق بين المسلم وغيره، ولان ولايته عامة فدخل فيها المسلم والكافر.

وإن كان للمسلم أمة كافرة فهل له عليها ولاية في النكاح، فيه وجهان: من أصحابنا من قال له عليها ولاية، وهو المنصوص في الام، لانها ولاية مستفادة بالملك فلم يمنع اختلاف الدين كالفسق لما لم يؤثر في منع تزويج أمته، فكذلك كفرها.

ومنهم من قال ليس بولي لها، لانه إذا لم يملك تزويج ابنته الكافرة

فلان لا يملك تزويج أمته الكافرة أولى.

وحمل النص على الولاية في عقد البيع والاجارة، والاول أصح، وان كان للكافر أمة مسلمة فهل له أن يزوجها.

قال ابن الصباغ فيه وجهان كما قلنا في تزويج المسلم لامته الكافرة، والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وان خرج الولى عن أن يكون من أهل الولاية بفسق أو جنون انتقلت الولاية من بعده من الاولياء لانه بطلت ولايته فانتقلت الولاية إلى من بعده، كما لو مات، فان زال السبب الذى بطلت به الولاية عادت الولاية لزوال السبب الذى أبطل ولايته، فإن زوجها من انتقلت إليه قبل أن يعلم بعود ولاية الاول ففيه وجهان بناء على القولين في الوكيل إذا باع ما وكل في بيعه قبل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 162)

________________________________________

أن يعلم بالعزل، وان دعت المنكوحة إلى كفؤ فعضلها الولى زوجها السلطان لقوله صلى الله عليه وسلم: فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له، ولانه حق توجه عليه تدخله النيابة، فادا امتنع قام السلطان مقامه كما لو كان عليه دين فامتنع من أدائه، وان غاب الولى إلى مسافة تقصر فيها الصلاة زوجها السلطان ولم يكن لمن بعده من الاولياء أن يزوج لان ولاية الغائب باقية، ولهذا لو زوجها في مكانه صح العقد وإنما تعذر من جهته فقام السلطان مقامه، كما لو حضر وامتنع من تزويجها، فان كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة ففيه وجهان

(أحدهما)

لا يجوز تزويجها الا باذنه لانه كالحاضر.

 

(والثانى)

يجوز للسلطان أن يزوجها لانه تعذر استئذانه فأشبه إذا كان في سفر بعيد، ويستحب للحاكم إذا غاب الولى وصار التزويج إليه أن يأذن لمن تنتقل الولاية إليه ليزوجها ليخرج من الخلاف، فان عند أبى حنيفة أن الذى يملك التزويج هو الذى تنتقل الولاية إليه.

(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولا ولاية لاحد وثم أولى منه، وجملة ذلك أنه إذا كان للمرأة وليان أحدهما أقرب من الآخر، فان الولاية للاقرب فان زوجها من بعده لم يصح.

وقال مالك يصح.

دليلنا أنه حق مستحق بالتعصيب فلم يثبت للابعد مع الاقرب كالميراث، فان خرج الاقرب عن أن يكون وليا باختلاف الدين أو الفسق أو الجنون أو الصغر انتقلت الولاية إلى الولى الا بعد، لان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة من ابن عمها مع وجود أبيها لكون أبيها كافرا.

وإذا ثبت ذلك في الكفر كان الفسق والجنون والصغر مثله، لان الجميع يمنع ثبوت ولاية النكاح.

وان أعتق رجل أمة ومات وخلفت ابنا صغيرا وأخا لاب كبيرا وأرادت الجارية النكاح ولا مناسب لها فلا أعلم فيها نصا، والذى يقتضى المذهب أن ولاية نكاحها لاخ المعتق، لان الولاية في الولاء فرع عن ولاية النسب وولاية أبيه الميت لاخيه مادام الابن صغيرا.

وكذلك ولاية المعتقة (فرع)

وان زال السبب الذى أوجب قطع الولاية في الاقرب عادت ولايته

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 163)

________________________________________

لان المانع قد زال فان كان الولى الابعد قد زوجها قبل زوال المانع صح النكاح وإن زوجها بعد زوال المانع وبعد علمه بزوال المانع لم يصح كما لو باع الوكيل ما وكل في بيعه بعد العزل وبعد علمه بالعزل، وإن زوج بعد زوال المانع وقبل علمه بزواله ففيه وجهان بناء على القولين في الوكيل إذا باع بعد العزل وقبل علمه بالعزل (فرع)

وان دعت المرأة أن تزوج لكفؤ فامتنع الولى زوجها الحاكم، ولا تنتقل إلى من عدا العاضل من الاولياء لقوله صلى الله عليه وسلم (فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) ولان النكاح حق لها فإذا تعذر ذلك من جهة وليها كان على الحاكم استيفاؤه، كما لو كان على رجل دين فامتنع من بذله فان الحاكم

ينوب عنه في الدفع من مال الممتنع.

(فرع)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ كَانَ أولاهم به مفقودا أو غائبا غيبة بعيدة كانت أو قريبة زوجها السلطان، وجملة ذلك أنه إذا كان للمرأة أب أو جد فغاب الاب وحضر الجد ودعت المرأة إلى تزويجها نظرت، فان كان الاب مفقودا بأن انقطع خبره ولا يعلم أنه حى أو ميت فان الولاية لا تنتقل إلى الجد، وانما يزوجها السلطان، لان ولاية الاب باقية عليها، بدليل أنه لو زوجها في مكانه لصح، وانما تعذر بغيبته فناب الحاكم عنه، كما لو غاب وعليه دين، فان الحاكم ينوب عنه في الدفع من ماله دون الاب وان غاب غيبه غير منقطعه بأن يعلم أنه حى نظرت فان كان على مسافة تقصر فيها الصلاة جاز للسلطان تزويجها، لان في استئذانه مشقة فصار كالمفقود.

وان كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال يجوز للحاكم تزويجها، وهو المذهب، لان في استئذانه الحاق مشقه، فهو كما لو كان على مسافة القصر

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 164)

________________________________________

ومنهم من قال لا يجوز تزويجها لانه في حكم الحاضر، بدليل أنه لا يجوز له القصر والفطر، فهو كما لو كان في البلد.

هذا مذهبنا وبه قال زفر.

وحكى ابن القاص قولا آخر أن الولاية تنتقل إلى من بعده من الاولياء، وليس بمشهور وقال أبو حنيفة ومحمد وأحمد بن حنبل (أن غاب الاب غيبة منقطعة جاز للجد تزويجها.

وان كانت غيبة غير منقطعه لم يجز للجد تزويجها

واختلف أصحاب أبى حنيفة في حد المنقطعة، فمنهم من قال من الرقة إلى البصرة، ومنهم من قال من بغداد إلى البصرة وقال محمد (إذا سافر من اقليم إلى اقليم، كمن سافر من الكوفة إلى بغداد فهى منقطعه، وان كان في اقليم واحد فهى غير منقطعه ومنهم من قال المنقطعة الذى لا تجئ منه القافلة في السنة الا مرة واحدة.

ودليلنا أن كل ولايه لم تنقطع بالغيبة القريبه لم تنقطع بالغيبة البعيدة كولاية المال.

إذا ثبت هذا فان الشافعي رضى الله عنه قال (وان غاب الولى وأراد الحاكم تزويجها استحب له أن يستدعى عصباتها، وان لم يكونوا أولياء، فان لم يكن لها عصبات فذوي الارحام والقرابات لها، فيسألهم عن حال الزوج ويستشيرهم في أمره ليستطيب بذلك نفوسهم، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر نعيما أن يشاور أم ابنته في تزويجها، وان لم يكن لها ولاية، فان قالوا انه كفء زوجها قال الشيخ أبو إسحاق ويستحب له أن يأذن لمن تنتقل الولاية إليه ليزوجها ليخرج من الخلاف، فإن زوجها الحاكم بنفسه أو أذن لاحد أو لم يشاورهم صح ذلك، لان الولاية له.

قال الشافعي: ولا يزوجها ما لم يشهد شاهدان أنه ليس لها ولى وليست في نكاح أحد ولا عدة.

قال المسعودي: من أصحابنا من قال: هذا واجب، ومنهم من قال: هذا مستحب والله أعلم بالصواب.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 165)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ويجوز للاب والجد تزويج البكر من غير رضاها صغيرة كانت أو كبيرة: لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها في نفسها) فدل على أن الولى

أحق بالبكر وإن كانت بالغة فالمستحب أن يستأذنها للخبر وإذنها صماتها لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) ولانها تستحى أن تأذن لابيها بالنطق فجعل صماتها إذنا، ولا يجوز لغير الاب والجد تزويجها إلا أن تبلغ وتأذن، لما روى نافع (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه تزوج بنت خاله عثمان ابن مظعون فذهبت أمها إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالت: إن ابنتى تكره ذلك فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفارقها.

وقال: لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن، فإن سكتن فهو إذنهن فتزوجت بعد عبد الله، المغيرة ابن شعبة) ولانه ناقص الشفقة ولهذا لا يملك التصرف في مالها بنفسه، ولا يبيع مالها من نفسه، فلا يملك التصرف في بضعها بنفسه، فان زوجها بعد البلوغ ففى اذنها وجهان.

 

(أحدهما)

أن اذنها بالنطق لانه لما افتقر تزويجها إلى اذنها افتقر إلى نطقها بخلاف الاب والجد.

 

(والثانى)

وهو المنصوص في الاملاء وهو الصحيح: أن اذنها بالسكوت لحديث نافع، وأما الثيب فإنها ان ذهبت بكارتها بالوطئ فان كانت بالغة عاقلة لم يجز لاحد تزويجها إلا بإذنها، لما روت خنساء بنت خدام الانصارية (أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك، فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها) وإذنها بالنطق لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) فدل على ان اذن الثيب بالنطق، وان كانت صغيرة لم يجز تزويجها حتى تبلغ وتأذن لان اذنها معتبر في حال الكبر

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 166)

________________________________________

فلا يجوز الافتيات عليها في حال الصغر، وإن كانت مجنونة جاز للاب والجد

تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة لانه لا يرجى لها حال تستأذن فيها ولا يجوز لسائر العصبات تزويجها لان تزويجها إجبار وليس لسائر العصبات غير الاب والجد ولاية الاجبار، فأما الحاكم فانها ان كانت صغيرة لم يملك تزويجها لانه لا حاجة بها إلى النكاح، وان كانت كبيرة جاز له تزويجها ان رأى ذلك لانه قد يكون في تزويجها شفاء لها، وان ذهبت بكارتها بغير الوطئ ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

انها كالموطوءة لعموم الخبر.

 

(والثانى)

وهو المذهب انها تزوج تزويج الابكار لان الثيب انما اعتبر اذنها لذهاب الحياء بالوطئ والحياء لا يذهب بغير الوطئ.

 

(فصل)

وإن كانت المنكوحة أمة فللمولى أن يزوجها بكرا كانت أو ثيبا، صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة كانت أو مجنونة، لانه عقد يملكه عليها بحكم الملك، فكان إلى المولى كالاجارة.

وان دعت الامة المولى إلى النكاح، فان كان يملك وطأها لم يلزمه تزويجها لانه يبطل عليه حقه من الاستمتاع، وان لم يملك وطأها ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

لا يلزمه تزويجها لانه تنقص قيمتها بالنكاح.

 

(والثانى)

يلزمه لانه لا حق له في وطئها، وإن كانت مكاتبة لم يملك السيد تزويجها بغير إذنها لانه لا حق له في منفعتها، فإن دعت السيد إلى تزويجها ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يجبر لانها تستعين بالمهر والنفقة على الكتابة

(والثانى)

لا يجبر لانها ربما عادت إليه وهى ناقصه بالنكاح.

(الشرح) حديث ابن عباس رواه أحمد ومسلم وأبى داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبى شيبة بلفظ (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) وفى رواية لاحمد ومسلم وأبى داود والنسائي (والبكر

يستأمرها أبوها) وفى رواية لاحمد والنسائي (واليتيمة تستأذن في نفسها) وفى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 167)

________________________________________

رواية لابي داود والنسائي (ليس للولى مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها) قال الحافظ: ورجاله ثقات وأعل بالارسال، وبتفرد جرير بن حازم عن أيوب وبتفرد حسين عن جرير، وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا، وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقى عن زيد بن حباب عن أيوب موصولا، وإذا اختلف في وصل الحديث وارساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء، وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى.

وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير، وانفصل البيهقى عن ذلك بأنه محمول على أنه زوجها من غير كفء.

وقد أخرج أحمد والبخاري وأصحاب السنن عن خنساء بنت خدام الانصارية أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها، وروى أحمد والشيخان وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تنكح الايم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف اذنها، قال: أن تسكت) وأخرج أحمد والشيخان عن عائشة قالت (قلت: يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن قال: نعم، قلت: ان البكر تستأمر فتستحي فتسكت فقال سكاتها اذنها) وهو من أحاديث الفصل.

أما حديث نافع من قصة زواج عبد الله بن عمر من ابنة خاله فقد أخرجه أحمد والدارقطني عن ابن عمر بلفظ (توفى عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الاوقصى، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبد الله: وهما خالاى فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن

مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة يعنى إلى أمها فأرغبها في المال فحطت إليه، وحطت هوى الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرهما إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله ابنة أخى أوصى بها إلى فزوجتها ابن عمتها فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة، ولكنها إمرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها قال: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 168)

________________________________________

وسلم: هي يتيمة ولا تنكح الا بإذنها، قال: فانتزعت والله منى بعد أن ملكتها فزوجوها لمغيرة بن شعبة، وقد أورده الحافظ ابن حجر في التلخيص وسكت عنه، وقال الهيثمى في مجمع الزوائد: ورجال أحمد ثقات.

أما الاحكام: فإنه لا يخلو حال المراد زواجها من أن تكون حرة أو أمة، فإن كانت حرة نظرت، فإن كانت عافلة فلا تخلو إما أن تكون بكرأ أو ثيبا، فان كانت بكرا فلا يخلو إما أن تكون صغيرة أو كبيرة، فإن كانت صغيرة جاز للاب تزويجها بغير إذنها بغير خلاف، والدليل عليه قوله تعالى (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن) وتقديره وكذلك عدة اللائى لم يحضن، وإنما يجب على الزوجة الاعداد من الطلاق بعد الوطئ فدل على أن الصغيرة التى لم تحض يصح نكاحها، ولا جهة يصح نكاحها معها إلا أن يزوجها أبوها.

وروت عائشة رضى الله عنها قالت: تزوجني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابنة سبع سنين ودخل بى وأنا ابنة تسع سنين، ومعلوم أنه لم يكن بإذنها حكم في تلك الحال، فعلم أن أباها زوجها بغير إذنها فيجوز للاب والجد إجبارها على النكاح ولا يجوز لغيرهما من الاولياء تزويجها قبل أن تبلغ.

وقال مالك: لا يجوز للجد.

وقال أبو حنيفة، يجوز للاب والجد وسائر

العصبات، وللحاكم إجبارها على النكاح إلا أنه إذا زوجها غير الاب والجد ثبت لها الخيار في فسخ النكاح إذا بلغت.

دليلنا على مالك ان للجد ولادة وتعصيبا فجاز له اجبار البكر كالاب، وعلى أبى حنيفة بما روى ان عمر من حديث زواجه بابنة خاله عثمان بن مظعون، وقول النبي صلى الله عليه وسلم.

انها يتيمة وانها لا تنكح الا بإذنها.

ولان غير الاب والجد لا بلى مالها بنفسه فلم يملك اجبارها على النكاح كالأجنبي.

إذا ثبت هذا: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ.

استحب للاب أن لا يزوجها حتى تبلغ لتكون من أهل الاذن.

لانه يلزمها بالنكاح حقوق.

قال الصيمري.

إذا قاربت البلوغ وأراد تزويجها فالمستحب أن يرسل إليها نساء

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 169)

________________________________________

ثقات ينظرن ما عندها، فإن كانت البكر بالغا فللاب والجد اجبارها على النكاح وان أظهرت الكراهية، وبه قال ابن أبى ليلى وأحمد واسحاق.

وقال مالك.

للاب اجبارها دون الجد، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والاوزاعي لا يجوز لاحد اجبارها.

دليلنا على مالك أن الجد له تعصيب وولادة فملك اجبار البكر على النكاح كالاب، وعلى أبى حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم (الثيت أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها واذنها صماتها) فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الثيب أحق بنفسها من وليها دل على أن الولى أحق بالبكر، والمراد بالولي هنا الاب والجد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (اليتيمة تستأمر في نفسها، فان صمتت فهو اذنها، وان أبت فلا جواز عليها) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه، وأراد باليتيمة التى لا أب لها وسماها يتيمة بعد البلوغ استصحابا لاسمها قبل البلوغ، فلما أوجب استئذان اليتيمة دل على أن غير اليتيمة لا تستأذن، ومن لها أب أو جد فليست بيتيمة

إذا ثبت هذا فان زوج الاب أو الجد البكر البالغ فالمستحب لهما استئذانها واذنها صماتها للخبر، ولانها تستحى أن تأذن بالنطق، فان لم يستأذنها جاز لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن فقصد بذلك التفرقة بينهما، فلو قلنا: أن استئذان البكر واجب لما كان بينهما فرق، وان زوج البكر البالغ غير الاب والجد من الاولياء لم يصح حتى يستأذن وهو اجماع لا خلاف فيه، وفى اذنها وجهان.

 

(أحدهما)

لا يحصل الا بنطقها، لان كل من يفتقر نكاحها إلى اذنها افتقر إلى نطقها مع قدرتها على النطق كالثيب وهو المذهب انها إذا استؤذنت فصمتت كان ذلك اذنا منها في النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم اليتيمة تستأمر في نفسها فان صمتت فهو اذنها لانها تستحى ان تأذن بالنطق بخلاف الثيب.

قال العمرانى في البيان، قال أصحابنا المتأخرون فان استأذنها وليها أن يزوجها بأقل من مهر مثلها أو بغير نقد البلد وصمتت لم يكن ذلك اذنا منها في ذلك، لان ذلك مال فلا يكون صمتها اذنا فيه، كما لو استأذنها في بيع مالها فصمتت، بخلاف النكاح.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 170)

________________________________________

وإن كانت المراد تزويجها ثيبا نظرت فان ذهبت بكارتها بالوطئ في نكاح أو ملك أو شبهة.

فإن كانت بالغا لم يجز لاحد من الاولياء إجبارها على النكاح سواء كان الولى أبا أو جدا أو غيرهما، لما روى أن خنساء بنت خدام الانصارية زوجها أبوها وهى ثيب، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد نكاحها.

وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ليس للولى مع الثيب أمر.

قال الشيخ أبو حامد: وهو إجماع لا خلاف فيه.

ولا يصح نكاحها إلا باذنها، ولا يصح إذنها إلا بنطقها مع قدرتها على النطق لقوله صلى الله عليه وسلم: والبكر تستأذن

في نفسها وإذنها صماتها.

فلما جعل اذن البكر الصمت دل على أن اذن الثيب بالنطق، فان كانت خرساء وأشارت إلى الاذن بما يفهم منها صح تزويجها، وان كانت الثيب صغيرة لم يجز لاحد من الاولياء تزويجها قبل البلوغ، سواء كان الولى أبا أو جدا أو غيرهما.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز للاب والجد وغيرهما من الاولياء اجبارها على النكاح، والاجبار عندهم يختلف بصغر المنكوحة وكبرها، وعندنا يختلف ببكارتها وثيوبتها.

دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ للولى مع الثيب أمر، ولم يفرق، ولانها حرة سليمة ذهبت بكارتها بجماع فلم تجبر على النكاح كالثيب الكبيرة.

وقولنا (حرة) احتراز من الامة، وقولنا سليمة احتراز من المجنونة: وقولنا بجماع احتراز ممن ذهبت بكارتها بوثبة أو غيرها (فرع)

وان ذهبت بكارتها بالزنا فهو كما لو ذهبت بالجماع في النكاح، فيكون حكمها حكم الثيب في الاذن.

وقال أبو حنيفة: حكمها حكم البكر.

دليلنا أنها حرة سليمة ذهبت بكارتها بجماع، فهو كما لو ذهبت بنكاح وان ذهبت بكارتها بوثبة أو تعنيس ففيه وجهان:

(أحدهما)

حكمها حكم الموطوءة بنكاح لانها ثيب

(والثانى)

حكمها حكم البكر في الاذن، وهو المذهب، لان الثيب انما اعتبر اذنها بالنطق لذهاب الحياء بالوطئ وهذا الحياء لا يذهب بغير الوطئ بخلاف الزانية فانها إذا لم تستح من مباضعة الرجال على الزنا والاقدام عليه لم تستح من النطق بالاذن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 171)

________________________________________

وقال الصيمري: وان خلقت المرأة لا بكارة لها فهى كالبكر، وان ادعت المرأة البكارة أو الثيوبه قال الصيمري: القول قولها.

ولا يكشف عن الحال

لانها أعلم بحالها.

(فرع)

قال ابن الحداد: إذا زوج الرجل ابنته البكر البالغ بغير اذنها فلما بلغها ذلك قالت (أنا أخته من الرضاع) يعنى الزوج، أو تزوجني أبوه قبله أو غير ذلك من الاسباب المحرمة فالقول قولها مع يمينها، ويبطل النكاح.

وان كانت ثيبا فزوجها وليها باذنها أو زوجها أبوها وهى بكر بغير اذنها فمكن الزوج من وطئها ثم ذكرت سببا يوجب التحريم لم يقبل قولها كما قال الشافعي رضى الله عنه فيمن ضل له عبد فأخذه الحاكم ورأى المصلحة في بيعه فباعه أو باعه عليه الحاكم لدين عليه وهو غائب ثم قدم وادعى أنه أعتقه قبل ذلك قبل قوله فيه مع يمينه.

ولو بلغه المالك بنفسه أو باعه الحاكم عليه وهو حاضر لدين عليه امتنع منه ثم ادعى بعد البيع أنه كان أعتقه أو أوقفه لم يقبل قوله في ذلك، فمن أصحابنا من صوب ابن الحداد ومنهم من خطأه وقال لا يقبل قولها بحال، لان لها غرضا في اجبار الازواج، وربما كرهت زوجها وطلبت غيره، ولا تصدق على ما يوجب بطلان نكاحها، كما إذا أقر العبد بجناية خطأ أو اتلاف مال فانه لا يقبل (فرع)

قال ابن الحداد (وان قالت امرأة وهى بالغ عاقلة زوجنى أبى زيدا بشهادة شاهدين وصادقها زيد على ذلك فأنكر الاب أو الشاهدان ذلك لم يلتفت إلى انكار الاب أو الشاهدين لان الحق للزوجين، ولا حق للاب ولا للشاهدين في ذلك، فهو كما لو قال رجل باع وكيلى دارى من فلان وادعاه المشترى وأنكر الوكيل لم يلتفت إلى انكاره فكذلك هذا مثله قال القاضى أبو الطيب هذا على قول الشافعي رحمه الله الجديد أن النكاح ثبت بتصادق الزوجين، وهو المشهور وأما على القول القديم فانه لا يثبت بتصادقهما الا ان كانا عربيين

(فرع)

وان كانت المراد نكاحها مجنونة فان كان وليها أباها أو جدها فزوجها

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 172)

________________________________________

على أي صفة كانت، صغيرة أو كبيرة، بكرا أو ثيبا لانهما يملكان إجبارها على النكاح، وإنما لم يجز لهما تزويج الثيب الصغيرة العاقلة لانه يرجى لها أن تبلغ وتأذن، ولم يجز لهما تزويج الثيب البالغة إلا بإذنها لانها من أهل الاذن والمجنونة ليست من أهل الاذن ولا يرجى لها حال تصير فيه من أهل الاذن، وإن كان وليها غير الاب والجد من العصبات لم يملك تزويجها، لان تزويجها إجبار وهم لا يملكون إجبارها على النكاح.

وإن كان وليها الحاكم قال الشيخ أبو حامد، بأن لا يكون لها ولى مناسب، أو كان لها ولى مناسب غير الاب والجد فإنه لا ولاية لهم عليها في هذه الحالة، وتنتقل الولاية إلى الحاكم، فإن كانت صغيرة لم يجز للحاكم تزويجها لانها لا حاجة بها إلى التزوج في هذه الحال.

وإن كانت كبيرة جاز له تزويجها لان لها في ذلك حظا لانها تحتاج إليه للعفه ويكسبها غنى، وربما كان لها فيه شفاء، والفرق بين الحاكم وبين غير الاب والجد من العصبات أنه يزوجها حكما، وبهذا يجوز له التصرف في مالها، والعصبات غير الاب والجد يزوجونها بالولاية ولا ولاية لهم عليها، هذا نقل أصحابنا البغداديين وقال الخراسانيون: المجنونة المطبقه إن كانت بكرا فللاب والجد تزويجها، صغيرة كانت أو كبيرة، وإن كانت ثيبا، فإن بلغت مجنونة فلهما ذلك، وإن بلغت عاقلة فهل لهما تزويجها؟ فيه وجهان بناء على أنه هل تعود ولاية المال لهما؟ وفيه وجهان.

وإن كانت صغيرة ثيبا فوجهان، وان كان جنونها غير مطبق وهى ثيب فهل لهما تزويجها في يوم الجنون؟ على وجهين، وأما غير الاب والجد من العصبات فليس له تزويجها بحال، وللحاكم أن يزوجها إذا كانت بالغة، وهل

يستأذن الحاكم غيره من العصبات؟ فيه وجهان وأما إذا كان المراد تزويجها أمة فعلى ما ذكر المصنف.

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

وإن كان ولى المرأة ممن يجوز له أن يتزوجها كابن عم، والمولى المعتق، لم يجز أن يزوجها من نفسه، فيكون موجبا قابلا لانه يملك الايجاب

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 173)

________________________________________

بالاذن فلم يجز أن يملك شطرى العقد كالوكيل في البيع، فإن أراد أن يتزوجها، فإن كان هناك من يشاركه في الولاية زوجها منه، وإن لم يكن من يشاركه في الولاية زوجها الحاكم منه، وإن أراد الامام أن يتزوج امرأة لا ولى لها غيره ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أن له أن يزوجها من نفسه، لانه إذا فوض إلى غيره كان غيره وكيلا، والوكيل قائم مقامه فكان إيجابه كايجابه

(والثانى)

يرفعه إلى حاكم ليزوجها منه، لان الحاكم يزوج بولاية الحكم فيصير كما لو زوجها منه، ولى، ويخالف الوكيل لانه يزوجها بوكالته، ولهذا يملك عزله إذا شاء، ولا يملك عزل الحاكم من غير سبب وإذا مات انعزل الوكيل ولا ينعزل الحاكم.

وان كان لرجل ابن ابن وبنت ابن وهما صغيران فزوج بنت الابن بابن الابن.

ففيه وجهان

(أحدهما)

لا يجوز، وهو قول أبى العباس ابن القاص، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كل نكاح لم يحضره أربعه فهو سفاح خاطب وولى وشاهدان)

(والثانى)

وهو قول أبى بكر بن الحداد المصرى أنه يجوز كما يجوز أن بلى شطرى العقد في بيع ماله من ابنه، فعلى هذا يحتاج أن يقول زوجت بنت ابني

بابن ابني، وهل يحتاج إلى القبول.

فيه وجهان

(أحدهما)

يحتاج إلى القبول، وهو أن يقول بعد الايجاب وقبلت نكاحها له وهو قول أبى بكر بن الحداد، لانه يتولى ذلك بولايتين فقام فيه مقام الاثنين.

 

(والثانى)

لا يحتاج إلى لفظ القبول، وهو قول أبى بكر القفال، لانه قائم مقام اثنين فقام لفظه مقام لفظين.

 

(فصل)

وان وكل الولى رجلا في التزويج فهل يلزمه أن يعين الزوج فيه قولان أحدهما لا يلزمه لان من ملك التوكيل في عقد لم يلزمه تعيين من يعقد معه كالموكل في البيع.

والثانى يلزمه لان الولى انما جعل إليه اختيار الزوج لكمال شفقته ولا يوجد كمال الشفقه في الوكيل فلم يجعل اختيار الزوج إليه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 174)

________________________________________

(الشرح) حديث عائشة أخرجه الدارقطني بلفظ (لا بد في النكاح من أربعة، الولى والزوج والشاهدين) وفى إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة مجهول وروى نحوه البيهقى في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه، وابن أبى شيبة بنحوه أيضا، وعن أنس أشار إليه الترمذي، وأخرج الدارقطني رواية أخرى عن عائشة بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فان تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) وقد أخرجه أيضا البيهقى من طريق محمد بن أحمد بن الحجاج الرقى عن عيسى بن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة كذلك وقد توبع الرقى عن عيسى، ورواه سعيد بن خالد بن عبد الله ابن عمر وبن عثمان، ويزيد بن سنان ونوح بن دراج، وعبد الله بن حكيم عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة كذلك، وقد ضعف ابن معين ذلك كله، وأقره البيهقى، وقد تقدم في فصل لا نكاح إلا بولي طرف منه، ويؤيد هذا الحديث ما رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: البغايا اللاتى

ينكحن أنفسهن بغير بينة) .

وذكر الترمذي أنه لم يرفعه غير عبد الاعلى وأنه قد وقفه مرة وأن الوقف أصح، وهذا لا يقدح لان عبد الاعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته، وقد يرفع الراوى الحديث وقد يقفه، وقال الترمذي: هذا الحديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روى عن عبد الاعلى عن سعيد عن قتادة مرفوعا.

وروى عن عبد الاعلى عن سعيد هذا الحديث موقوفا، والصحيح ما روى ابن عباس (لا نكاح إلا ببينة) ويؤيده حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل) ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله وقد أشار إليه الترمذي، وأخرجه الدارقطني والبيهقي في العلل من حديث الحسن عنه، وفى إسناده عبد الله بن محرز وهو متروك.

ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مرسلا وقال: هذا، وإن كان منقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به.

وقد روى الشافعي والبيهقي من طريق ابن خيثم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 175)

________________________________________

ابن عباس موقوفا بلفظ (لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) وقال البيهقى بعد أن رواه من طريق أخرى عن أبى خيثم بسنده مرفوعا بلفظ (لا نكاح إلا بإذن ولى مرشد أو سلطان) قال: والمحفوظ الموقوف، ثم رواه من طريق الثوري عن أبى خيثم، ومن طريق عدى بن الفضل عن أبى خيثم بسنده مرفوعا بلفظ.

(لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فإن نكحها ولى مسخوط عليه فنكاحها باطل) وعدى بن الفضل ضعيف.

وعن أبى هريرة مرفوعا وموقوفا عند البيهقى بلفظ (لا نكاح إلا بأربعة خاطب وولى وشاهدين، وفى إسناده المغيرة بن موسى البصري قال البخاري: منكر الحديث.

وهذه الاحاديث تفيد شرطية الاشهاد في النكاح، وهو قول على وعمر وابن عباس والعترة والشعبى وابن المسيب والاوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ قالوا (لا نكاح الا بشهود) لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم إلا قوم من المتأخرين من أهل العلم، وانما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد، فقال أكثر أهل العلم من الكوفة وغيرهم، لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد روى بعض أهل المدينة إذا شهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره.

وقال بعض أهل العلم: يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح، وهو قول أحمد واسحاق.

انتهى كلام الترمذي وحكى عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن مهدى وداود بن على أنه لا يعتبر الاشهاد.

وحكى أيضا عن مالك انه يكفى الاعلان بالنكاح، والحق ما ذهب إليه الاولون لان الاحاديث التى سقناها يؤيد بعضها بعضا.

(اما احكام الفصل) فانه إذا اراد الرجل ان يتزوج امرأة بلى عليها امر النكاح من نفسه كابن العم والمعتقة أو وكل الولى رجلا يزوج وليته فيزوجها الوكيل من نفسه لم يصح.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 176)

________________________________________

وقال ربيعه ومالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يصح، دليلنا ما روت عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نِكَاحَ إلَّا بولي وشاهدي عدل فان تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) .

وحديث أبى هريرة (لا نكاح إلا بأربعة خاطب وولى وشاهدان) وهذا لم

يحضره الا ثلاثة، وشرط أن يكون ولى وخاطب ولم يوجد ذلك، ولانه لو وكل وكيلا ليبيع له سلعة لم يجز للوكيل أن يبتاعها من نفسه، فكذلك هذا مثله، وقد وفقنا أبو حنيفة على البيع، وخلفنا مالك فيه وقد مضى في البيع.

إذا ثبت هذا: فأراد ابن العم أن يتزوجها فان كان هناك ولى لها في درجته تزوجها منه، وان لم يكن هناك ولى في درجته بل كان أبعد منه أو لا ولى لها تزوجها من السلطان لانها تصير في حقه بمنزلة من لا ولى لها فيتزوجها من السلطان.

(فرع)

إذا أراد الحاكم أن يتزوج امرأة لا ولى لها فانه يتزوجها من الامام قال ابن الصباغ: أو يرد ذلك إلى من يزوجه اياها ويتولى طرفي العقد لانه إذا تزوجها من الحاكم فهو قائم من جهته فصح أن يتولى ذلك.

والثانى: لا يصح أن يتولى العقد بنفسه بل يتزوجها الحاكم لان الحاكم ليس بوكيل له، وانما هو نائب عن المسلمين، ولهذا لا يملك الامام عزله من غير سبب.

(فرع)

وان أراد الجد أن يزوج ابنه الصغير بابنة ابن له آخر ففيه وجهان أحدهما: لا يصح، وهو اختيار ابن القاص لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نِكَاحَ إلَّا بولي وخاطب وشاهدي عدل) والثانى: يصح، وهو اختيار ابن الحداد والقاضى أبى الطيب لانه يملك طرفي العقد بغير تولية فجاز أن يتولاه ههنا كبيع مال الصغير من نفسه، وأما الخبر فمحمول إذا كان الولى غير الخاطب فعلى هذا لا تصح الولاية الا بشروط.

(أحدها) إذا كان أبواهما ميتين أو فاسقين أو أحدهما ميتا والآخر فاسقا لانه لا ولاية للجد الرشيد عليهما مع ثبوت ولاية الابوين عليهما.

(الشرط الثاني) أن يكون ابن الابن صغيرا أو مجنونا (الثالث) أن تكون الابنة بكرا فأما إذا كانت ثيبا فلا يملك تزويجها بحال

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 177)

________________________________________

الا باذنها، وقد اشترط ابن الحداد أن تكون صغيره، وليس بصحيح لان الجد يملك اجبارها على النكاح إذا كانت بكرا بكل حال الا أن تكون الابنة مجنونة فيملك الجد اجبارها على النكاح بكل حال.

إذا ثبت هذا: فان الجد يقول زوجت فلانة بفلان أو فلانا بفلانة، وهل يفتقر إلى لفظ القبول؟ وهو أن يقول: وقبلت نكاح فلانة لفلان؟ فيه وجهان من أصحابنا من قال: لا يفتقر إلى ذلك لان الا يجاب يتضمن القبول، وهو قول ابن الحداد، وهو المشهور، لان كل عقد افتقر إلى الايجاب افتقر إلى القبول كما لو كان بين شخصين.

(فرع)

وان تزوج الولى وليته من ابنه الكبير صح لانه هو الذى يوجب النكاح على المرأة وبقبله لابنه، والشخص الواحد لا يجوز أن يكون قابلا موجبا في النكاح.

(فرع قال الشافعي رضى الله عنه: وكيل الولى يقوم مقامه، وجملة ذلك أن الولى إذا كان ممن يملك اجبار المرأة على النكاح فله ان يوكل من يزوجها بغير اذنها كما يجوز ان يعقد عليها بنفسه بغير اذنها، فان وكل في تزويجها من رجل بعينه صح، وان قال الوكيل وكلتك في تزويجها واطلق فهل يصح؟ حكى الشيخان ابو حامد وابو إسحاق فيها قولين، وحكاهما ابن الصباغ والمسعودي وجهان.

احدهما: يصح، لان من جاز ان يوكل وكالة معينه جاز ان يوكل وكالة مطلقه كالوكالة في البيع.

والثانى: لا يصح هذا التوكيل لان الولى انما فوض إليه اختيار الزوج لكمال شفقته وهذا لا يوجد في الوكيل، وان كان الولى لا يملك التزويج الا باذنها، فان اذنت له في التزويج والتوكيل صح توكيله، وان اذنت في التزويج لا غير فهل يملك التوكيل؟ فيه وجهان مضى ذكرهما في الوكالة.

(فرع)

إذا كان الولى لا يملك ان يعقد على المرأة الا باذنها، فان أذنت له أن يزوجها من رجل معين صح، وان أذنت أن يزوجها مطلقا قال الشيخ أبو حامد: يصح ذلك قولا واحدا لكمال شفقته.

وقال الطبري في العدة.

هو كالوكيل إذا وكله الولى في التزويج وأطلق على

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 178)

________________________________________

ما مضى، ويجوز للمرأة أن يأذن لوليها بلفظ الاذن، ويجوز بلفظ الوكالة نص عليه الشافعي رضى الله عنه لان المعنى فيهما واحد، وإن أذنت لوليها أن يزوجها ثم رجعت لم يصح تزويجها كالموكل إذا عزل وكيله، فان زوجها الولى بعد العزل وقبل أن يعلم به فهل يصح، فيه وجهان مأخوذان من القولين إذا باع بعد العزل وقبل العلم به، والله تعالى أعلم بالصواب.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ولا يجوز للولى أن يزوج المنكوحة من غير كفء إلا برضاها ورضى سائر الاولياء، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تخيروا لنطفكم، فانكحوا الاكفاء وانكحوا إليهم) ولان في ذلك إلحاق عار بها وبسائر الاولياء فلم يجز من غير رضاهم.

 

(فصل)

وإن دعت المنكوحة إلى غير كفء لم يلزم الولى تزويجها لانه يلحقه العار، فان رضيا جميعا جاز تزويجها لما روت فاطمة بنت قيس قَالَتْ (أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته أن أبا الجهم يخطبني ومعاوية، فقال: أما أبو الجهم فأخاف عليك عصاه وأما معاوية فشاب من شباب قريش لا شئ له ولكني أدلك على من هو خير لك منهما، قلت: من يا رسول الله، قال: أسامة قلت، أسامة، قال نعم أسامة فتزوجت أبا زيد فبورك لابي زيد في وبورك لى في أبى زيد) وقال عبد الرحمن بن مهدى، وأسامة من الموالى وفاطمة قرشية،

ولان المنع من نكاح غير الكف، لحقهما، فإذا رضيا زال المنع، فان زوجت المرأة من غير كفء من غير رضاها أو من غير رضا سائر الاولياء، فقد قال في الام النكاح باطل.

وقال في الاملاء كان للباقين الرد، وهذا يدل على أنه صحيح فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ

(أَحَدُهُمَا)

أنه باطل لانه عقد في حق غيره من غير إذن فبطل كما لو باع مال غيره بغير اذنه

(والثانى)

أنه صحيح ويثبت فيه الخيار، لان النقص يوجب الخيار دون البطلان، كما لو اشترى شيئا معيبا.

ومنهم من قال: العقد باطل قولا واحدا لما ذكرناه، وتأول قوله في الاملاء

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 179)

________________________________________

على أنه أراد بالرد المنع من العقد، ومنهم من قال إن عقد وهو يعلم أنه ليس بكفء بطل العقد، كما لو اشترى الوكيل سلعة وهو يعلم بعيبها، وإن لم يعلم صح العقد وثبت الخيار، كما لو اشترى الوكيل سلعة ولم يعلم بعيبها، وحمل القولين على هذين الحالين.

(الشرح) حديث عائشة أورده السيوطي في الجامع الصغير مرموزا له بابن ماجه والبيهقي والحاكم، كما أورد ما أخرجه ابن عدى في الكامل وعبد الرزاق وابن عساكر عن عائشة بلفظ (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن) وقد ضعفه السيوطي.

وأخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن أنس (تخيروا لنطفكم واجتنبوا هذا السواد فإنه لون مشوه) وقد رد الذهبي حديث عائشة بأن الحارث بن عمران الجعفري عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعا (تخيروا لنطفكم وانكحوا الاكفاء) تابعه عكرمة بن ابراهيم بأن الحارث كان يضع الحديث، قال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات.

وكذلك عكرمة عن هشام ضعيف أيضا.

وقال ابن حجر: مداره على

أناس ضعفاء أمثلهم صالح بن موسى الطلحى والحارث الجعفري.

وقال في الفتح رواه أبو نعيم وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عمر أيضا وفى إسناده مقال ويقوى أحد الاسنادين الآخر.

وقال ابن الديبع الشيباني في تمييز الطيب من الخبيث: مداره على أناس ضعفاء وكل طرقه ضعيفه وحديث عائشة (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن الخ) الذى سقناه.

قال ابن الجوزى: حديث لا يصح فيه عيسى بن ميمون.

قال ابن حبان منكر الحديث لا يحتج بروايته.

وقال الخطيب: حديث غريب وكل طرقه واهيه.

وقال السخاوى هو ضعيف، وبالجملة كل ما ورد من طرق هذا الحديث على مختلف صوره وطرقه وألفاظه ليس فيها صحيح.

أما حديث فاطمة بنت قيس فقد أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الاربعة بلفظ (أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكنى ولا نفقة، قالت: وقال لى رسول الله إذا حللت فأذني، فأذنته فخطبها معاوية

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 180)

________________________________________

وأبو جهم وأسامة بن زيد، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما معاوية فرجل ترب لا مال له.

وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، ولكن أسامة، فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة؟ فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طاعة الله وطاعة رسوله قالت فتزوجته فاغتبطت) وقد اختلف في معاوية هذا فقيل هو ابن أبى سفيان بن حرب وقيل غيره.

وفى صحيح مسلم التصريح بأنه هو، وقوله: فرجل ضراب.

وفى روايه: لا يضع عصاه عن عاتقه، وهو كنايه عن كثرة ضربه للنساء.

وقال أبو عبيد في قوله صلى الله عليه وسلم (أنفق على أهلك ولا ترفع عصاك عنهم) لم يرد العصا التى يضرب بها ولا أمر أحدا بذلك، وإنما أراد يمنعها من الفساد، يقال للرجل إذا

كان رفيقا حسن السياسه لين العصا.

وقيل السفر.

كنى بالعصا عنه قال الشاعر: فألقت عصاها واستقر بها النوى وقيل كما أفاده ابن بطال كنى به عن كثرة الجماع وليس بشئ.

قال الازهرى معناه أنه شديد على أهله خشن الجانب في معاشرتهن مستقص عليهن في باب الغيرة أما الاحكام فقد ذكرنا أن للزوج أن يوكل من يتزوج له، لان النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أميه الضمرى أن يتزوج له أم حبيبه رضى الله عنها بنت أبى سفيان من ابن عمها من أرض الحبشه، ووكل أبا رافع في تزويج ميمونه، فان وكله أن يزوج له امرأة بعينها صح، فان وكله أن يتزوج له ممن شاء، ففيه وجهان.

مضى ذكرهما في الوكالة، قال أبو العباس بن سريج وأبو عبد الله الزبيري لا يجوز، لان الاغراض تخلف في ذلك.

قال القاضى أبو حامد المروروذى يجوز، واليه ذهب الصيمري فانه قال، لو وكله أن يزوجه امرأة من العرب فزوجه امرأة من قريش جاز، ولو وكله أن يزوجه امرأة من قريش فزوجه امرأة من العرب لم يصح، ولو وكله أن يزوجه امرأة من الانصار فزوجه امرأة من الاوس أو الخزرج من بنات الانصار جاز، ولو وكله أن يزوجه امرأة من الاوس فزوجه امرأة من الخزرج لم يجز، ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها فتزوجها الموكل لنفسه ثم طلقها قبل الدخول أو بعد الدخول وانقضت عدتها ثم تزوجها الوكيل للموكل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 181)

________________________________________

قال الصيمري لم يصح، لان وكالته قد بطلت لما تزوجها الموكل لنفسه فإن وكله أن يتزوج امرأة بمائة فتزوجها له بخمسين صح، فإن تزوجها له بأكثر من مائة قال الصيمري: فقد قال شيخ من أصحابنا: يبطل النكاح، والصحيح أنه يصح ولها مهر مثلها.

(فرع)

فإن جاء رجل وادعى أن فلانا وكله أن يتزوج له امرأه فتزوجها له

وضمن عنه المهر ثم أنكر الموكل الوكالة ولا بينة فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف لم يلزمه النكاح، ولا يقع النكاح للوكيل بخلاف وكيل الشراء لان الغرض من النكاح أعيان الزوجين فلا يقع بغير من عقد له، وترجع الزوجة على الوكيل بنصف المهر.

وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف، لانها تدعى وجوبه على الزوج والوكيل ضامن به وهو مقر به.

وقال محمد بن الحسن يرجع على الوكيل بجميع الصداق، لان الفرقة لم تقع في الباطن بانكاره، وهذا ليس بشئ، لانه يملك الطلاق، فإذا أنكر النكاح فقد أقر بتحريمها عليه، فصار بمنزلة إيقاعه للطلاق، ولو مات الزوج قبل المصادقة على النكاح لم ترث هذه الزوجة إلا أن يصدقها سائر ورثته على التوكيل أو يقدم لها بينة على ذلك.

ولو غاب رجل عن امرأته فجاءها رجل فذكر أن زوجها طلقها طلاقا بانت به منه بدون الثلاث وأنه وكله في استئناف عقد النكاح عليها؟ ؟ ؟ فعقد عليها النكاح بألف وضمن لها الوكيل الالف ثم قدم الزوج فأنكر ذلك فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف فهل للزوجة أن ترجع على الوكيل بالالف فيه وجهان: قال الساجى والقاضى أبو الطيب: لا ترجع عليه بشئ، وبه قال أبو حنيفة لان الضامن فرع على المضمون عنه، فإذا لم يلزم المضمون عنه شئ لم يلزم الضامن

(والثانى)

يرجع عليه بالالف.

قال الشيخ أبو حامد: وقد نصر عليه الشافعي رحمه الله في الاملاء وهو الاصح لان الوكيل مقر بوجوبها عليه كما قلنا في التى قبلها، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 182)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

والكفاءة في الدين والنسب والحرية والصنعة، فأما الدين فهو

معتبر، فالفاسق ليس بكفء للعفيفة، لما روى أبو حاتم المزني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض، وأما النسب فهو معتبر فالأعجمي ليس بكفء للعربيه، لما روى عن سلمان رضى الله عنه أنه قال (لا نؤمكم في صلاتكم، ولا ننكح نساءكم) وغير القرشى ليس بكفء للقرشيه لقوله صلى الله عليه وسلم (قدموا قريشا ولا تتقدموها) وهل تكون قريش كلها أكفاء؟ فيه وجهان.

 

(أحدهما)

أن الجميع أكفاء، كما أن الجميع في الخلافه أكفاء

(والثانى)

أنهم يتفاضلون، فعلى هذا غير الهاشمي والمطلبى ليس بكفء للهاشمية والمطلبيه، لما روى واثلة بن الاسقع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إن الله اصطفى كنانة من بنى اسماعيل واصطفى من كنانه قريشا، واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم) وأما بنو هاشم وبنو المطلب فهم أكفاء، لان النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهم في الخمس، وقال (إن بنى هاشم وبنى عبد المطلب شئ واحد) وأما الحرية فهى معتبرة، فالعبد ليس بكفء للحرة، لقوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوون؟ ولان الحرة يلحقها العار بكونها تحت عبد.

وأما الصنعه فهى معتبرة فالحائك ليس بكفء للبزاز، والحجام ليس بكفء للخراز، لان الحياكة والحجامه يستر ذل أصحابها.

واختلف أصحابنا في اليسار فمنهم من قال يعتبر، فالفقير ليس بكفء للموسرة لما روى سمرة قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الحسب المال والكرم التقوى) ولان نفقة الفقير دون نفقة الموسر، ومنهم من قال لا يعتبر لان المال يروح ويغدو ولا يفتخر به ذوو المروءات.

ولهذا قال الشاعر

غنينا زمانا بالتصعلك والغنى

* وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر فما زادنا بغيا على ذى قرابة

* غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 183)

________________________________________

(الشرح) حديث أبى حاتم المزني رواه الترمذي بلفظ (إن أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنه في الارض وفساد كبير، قالوا: يا رسول الله وان كان فيه، قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، ثلاث مرات) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

ونقل المناوى عن البخاري أنه لم يعده محفوظا، وعده أبو داود في المراسيل، وأعله ابن القطان بالارسال، وضعف راويه، وأبو حاتم المزني له صحبة، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الحديث، وقد أخرج الترمذي أيضا هذا الحديث من حديث أبى هريرة ولفظه قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض) ومن ثم ندرك أن المصنف أخطأ في عزو لفظ رواية أبى هريرة إلى عائشة.

وقال المناوى: قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث، ورواه الليث بن سعد عن أبى عجلان عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ البخاري: وحديث الليث اشبه، ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا.

وعن ابن عمر عند الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: العرب أكفاء بعضهم لبعض، قبيلة لقبيلة، وحى لحى، ورجل لرجل، إلا حائك أو حجام) وفى اسناده رجل مجهول وهو راويه عن ابن جريج، وقد سأل ابن أبى حاتم أباه عن هذا الحديث فقال: هذا كذب لا أصل له، وقال في موضع آخر باطل.

ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق أخرى عنه.

قال الدارقطني في العلل لا يصح اه.

وله طريق آخر عن غير ابن عمر رواها البزار في مسنده من حديث معاذ رفعه (العرب بعضها لبعض أكفاء) وفيه سليمان بن أبى الجون.

قال ابن القطان لا يعرف ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ ولم يسمع منه، وفى المنفق عليه من حديث أبى هريرة (خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام إذا فقهوا) وأما قول سلمان فقد مضى الاشارة إليه في الامامة، ولعل أبا حنيفة حين قال قريش أكفاء بعضهم بعضا العرب كذلك وليس أحد من العرب كفؤا لقريش كما ليس

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 184)

________________________________________

أحد من غير العرب كفؤا للعرب، كان متأثرا بقول سلمان هذا.

وقال الثوري: إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح، وبه قال أحمد في رواية.

وقال الشافعي: ليس نكاح غير الاكفاء حراما فأرد به النكاح، وانما هو تقصير بالمرأة والاولياء، فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه، فلو رضوا الا واحد فله فسخ.

قال: ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب من حديث، وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه (العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض) فإسناده ضعيف، واحتج البيهقى بحديث (ان الله اصطفى بنى كناية من بنى اسماعيل الخ الحديث) الذى ساقه المصنف في هذا الفصل وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الاحتجاج به لذلك نظر، وقد ضم إليه بعضهم حديث (قدموا قريشا ولا تقدموها) .

ونقل ابن المنذر عن البويطى أن الشافعي قال: الكفاءة في الدين، وهو كذلك في مختصر البويطى، قال الرافعى: وهو خلاف مشهور.

قال في الفتح: واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه، فلا تحل المسلمة لكافر.

قال الخطابى: ان الكفاءة معتبرة فقول أكثر العلماء بأربعة أشياء.

الدين والحرية، والنسب، والصناعة، ومنهم من اعتبر السلامة من العيوب، واعتبر

بعضهم اليسار.

ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه (أن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال) وما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة رفعه (الحسب المال والكرم التقوى) وقد ساقه المصنف في الفصل.

قال ابن حجر.

يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام الاول لمن لا نسب له.

(اللاحكام) ليس المولى أن يزوج المرأة من غير كفؤ الا برضاها ورضا سائر الاولياء لحديث عائشة، ولان في ذلك الحاق عار بها وسائر الاولياء فلم يجز من غير رضاهم قال الشيخ أبو حامد.

والاولياء الذين يعتبر رضاهم في نكاح المرأة من غير كفؤ هو كل من كان وليا للعقد حال التزوج، فأما من يجوز أن تنتقل إليه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 185)

________________________________________

الولاية فلا يعتبر رضاه، فإن دعت المرأة أولياءها أن يزوجوها من غير كفؤ فامتنعوا لم يجبروا على ذلك، ولا ينوب الحاكم منابهم في تزويجها لحديث عائشة (فانكحوا الاكفاء وانكحوا إليهم) .

قال العزيزي في شرح الجامع الصغير: يحتمل أن المراد تزوجوا الخيرات وانضموا اليهن فالهمزة همزة وصل في الفعلين وأطلق ضمير المذكر على المؤنث، وفيه رد على من لم يشترط الكفاءة.

وقال الشيخ الحفنى في شرحه على الجامع الصغير: أي تزوجوا النساء المكافئات لكم من النساء، وانكحوا إليهم أي ميلوا إليهم من قولنا تناكحت الاشجار إذا مال بعضها على بعض، وقد استعير ضمير الذكور للاناث في قوله إليهم، ولو كان المراد من الثاني، وزوجوا بناتكم الاكفاء لقال: وأنكحوهن ولم يقل إليهم فهو بوصل الهمزة في الموضعين لا يقطعها في الثاني.

(قلت) لم يجبروا على تزويجها ولا ينوب الحاكم منابهم في تزويجها ولما روى عَنْ عَلَى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثلاثة لا يؤخرن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والايم إذا وجدت كفؤا) رواه الترمذي، فدل على أنها إذا وجدت غير كفؤ جاز أن تؤخر، وإن دعت المرأة الولى أن يزوجها من كفؤ بأقل من مهر مثلها وجب عليه إجابتها، فإن زوجها وإلا زوجها الحاكم، فإن كان لها أولياء فزوجها أحدهم بأقل من مهر مثلها، أو زوجها واحد منهم بذلك ألزموا الزوج مهر مثلها ولم يكن لهم فسخ النكاح.

دليلنا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من استحل بدرهمين فقد استحل، ولان كل من لا يملك الاعتراض عليها في جنس المهر لم يكن له الاعتراض عليها في قدره كأباعد الاولياء والاجانب، ولان المهر حق لها ولا عار عليهم بذلك فلم يكن لهم الاعتراض عليها.

(فرع)

فإن زوجت المرأة من غير كفؤ برضاها ورضى سائر الاولياء صح النكاح، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.

وقال سفيان وأحمد وعبد الملك بن الماجشون: لا يصح.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 186)

________________________________________

دليلنا: ما روى أن فاطمة بنت قيس أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله إن معاوية وأبا الجهم خطباني على حد الرواية التى ساقها المصنف أو على حد الرواية التى أخرجها أكثر الجماعة باشراك أسامة في خطبتها ثم اختار النبي صلى الله عليه وسلم أسامة لها لخلوه من صعلكة معاوية وقسوة أبى الجهم مع أنه كان من الموالى، قالت فتزوجت أبا زيد، وفاطمة قرشية وأسامة مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وروى أبو هريرة رضى الله عنه قال: حجم أبو هند رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اليافوخ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بنى بياضة أنكحوا أبا هند

وانكحوا إليه) رواه أبو داود والحاكم وحسنه ابن حجر في التلخيص فندبهم إلى التزوج من حجام وليس بكفؤ لهم.

وروى أن بلالا رضى الله عنه تزوج بهالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهم، وقيل: بل هو حذيفة، روى الدارقطني عن حنظلة بن أبى سفيان الجمحى عن أمه قالت رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال.

وروى أن سلمان الفارسى خطب إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنهما ابنته فأنعم له عمر رضى الله عنه فكره ذلك عبد الله بن عمر، فلقى عمرو بن العاص فأخبره بذلك فقال أنا أكفيك هذا فلقى سلمان فقال له عمرو: هنيئا لك فقال بماذا؟ فقال: تواضع لك أمير المؤمنين، فقال سلمان: المثلى يتواضع؟ والله لا تزوجتها أبدا.

وعن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد ابن عتبة بن ربيعة وهو مولى إمرأة من الانصار.

(فرع)

فإن زوج الاب أو الجد البكر من غير كفؤ بغير رضاها أو زوجها أحد الاولياء بغير كفؤ برضاها من غير رضا سائر الاولياء، فقد قال الشافعي النكاح باطل.

وقال في موضع كان للباقين الرد، وهذا يدل على أنه وقع صحيحا واختلف أصحابنا فيها على ثلاث طرق، فمنهم من قال فيها قولان، وهو اختيار الشيخ أبو حامد.

(أحدههما) أن النكاح صحيح ويثبت لها ولسائر الاولياء الخيار في فسخه، لان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 187)

________________________________________

النقص دخل عليها، وحصول النقص لا يمنع صحة العقد، وإنما يثبت الخيار كما لو اشترى لموكله شيئا معيبا.

 

(والثانى)

أن العقد لا يصح، لان العاقد تصرف في حق غيره، فإذا فرط

بطل العقد، كما لو باع الوكيل بأقل من ثمن المثل.

ومنهم من قال: العقد باطل قولا واحدا، وحيث قال: كان للباقين الرد، أي المنع من العقد، ومنهم من قال هي على حالين، فحيث قال: يبطل العقد أراد إذا عقد وهو يعلم أنه ليس بكفؤ، وحيث قال: لا يبطل العقد أراد إذا عقد ولم يعلم أنه غير كفؤ، كما قلنا في الوكيل إذا اشترى شيئا معيبا يعلم بعيبه لم يصح في حق الموكل، وإن اشتراه وهو لا يعلم بعيبه صح في حق موكله، هذا مذهبنا.

وقال أبو حنيفة: إذا زوجها أحد الاولياء بغير كفؤ برضاها لم يكن للباقين في ذلك اعتراض.

دليلنا: أن رضا جميعهم معتبر فلم يسقط برضا بعضهم.

(فرع)

وإن دعت المرأة وليها إلى تزويجها برجل وزعمت أنه كفؤ لها فقال الولى: ليس بكفؤ لها رفع ذلك إلى الحاكم ونظر فيه.

فإن كان كفؤا لها لزمه تزويجها به فإن امتنع زوجها منه، وإن كان ليس بكفؤ لها لم يلزم الولى إجابتها إليه (مسألة) الكفؤ معتبر في خمسة أشياء كما قررنا النسب، والدين، والحرية والصنعة، والسلامة من العيوب، فأما النسب فان الاعجمي ليس بكفؤ للعربية، وأما العجم فهم أكفاء لا فضل لبعضهم على بعض لما روى نافع عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ العرب أكفاء حى لحى الخ، فدل على أن العجم ليسوا بأكفاء للعرب.

وأما العرب فان غير قريش ليس بكفؤ للقرشيه.

وقال أبو حنيفة: بل هم أكفاء لهم، دليلنا ما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله عز وجل اختار العرب من سائر الامم، واختار من العرب قريش، واختار من قريش بنى هاشم وبنى المطلب) وأما قريش فان بنى هاشم وبنى المطلب أكفاء لقوله صلى الله عليه وسلم (أن بنى هاشم وبنى المطلب شئ واحد، وشبك بين أصابعه) وهل يكون سائر قبائل قريش أكفاء لبنى هاشم وبنى المطلب؟ فيه وجهان حكاهما المصنف.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 188)

________________________________________

(أحدهما)

أنهم أكفاء كما أنهم في الخلافة أكفاء

(والثانى)

إنهم ليسوا بأكفاء لهم، ولم يذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ غيره لما روت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، قال لى جبريل: لم أجد في مشارق الارض ومغاربها أفضل من بنى هاشم اه.

فأما سائر قبائل العرب فلا فضل لبعضهم على بعض لحديث (العرب بعضهم أكفاء بعض حى لحى وقبيلة لقبيله ورجل لرجل إلا الحائك والحجام) قال الصيمري: وموالى قريش أكفاء لقريش لقوله صلى الله عليه وسلم (موالى القوم من أنفسهم) قال العمرانى وهذا الذى ذكره الصيمري مخالف لظاهر قول سائر أصحابنا لانهم يحتجون على جواز نكاح المرأة بمن ليس بكفء لها بتزويج أسامة ابن زيد لفاطمة بنت قيس وأسامة مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة قرشية، ولو قيل فيها وجهان كالوجهين هل تحل الصدقة المفروضة لموالى بنى هاشم وبنى المطلب لكان محتملا.

فأما إذا وطئ الرجل أمته فأولدها ولدا كان كفؤا لمن أمه عربية لان الولد يتبع الاب في النسب دون الام بدليل أن الهاشمي لو تزوج أعجمية كان ولده منها هاشميا، ولو تزوج الاعجمي هاشمية فإن ولده منها أعجمى، وأما الدين فهو معتبر فالفاسق الذى يشرب الخمر ويزنى أو لا يصلى ليس بكفء للحرة العفيفة، وقال محمد بن الحسن هو كفؤ لها إلا أن يكون مظاهرأ بسكره مولعا بالصبيان.

دليلنا قوله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) فنفى المساواة بينهما في جميع الوجوه.

ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير) ولان الفاسق لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يجنى على المرأة، فثبت لها الخيار

في فسخ نكاحه.

وأما الحرية فهى معتبرة، فالحرة ليست بكفء للعبد، والحر لا يكافئ الامة لقوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا) إلى قوله تعالى (هل يستوون) فنفى المساواة بينهما، ولان بريرة أعتقت تحت عبد فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم.

فإذا ثبت الخيار إذا طرأت عليها الحرية، فلان يثبت لها الخيار إذا كانت حرة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 189)

________________________________________

عند ابتداء النكاح أولى، ولان عليه النفقة لها ولعيالها منه فلا يستطيع أن ينفق نفقة الموسرين.

وأما أهل الصنعة الدنيئة، كالحمامي والزبال وما أشبههم، وقد كانوا يعتبرون الحائك منهم لنص الحديث (إلا الحائك والحجام) فإن للصنعة تأثيرا في الكفاءة ولان الصنعة الدنيئة نقص في العادة فاعتبرت.

فأما اليسار فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال إنه معتبر بالمعسر ليس بكفء للموسرة لقوله صلى الله عليه وسلم (الحسب المال) ولانه لما ثبت أن العبد لا يكافئ الحرة لعجزه عن الانفاق عليها نفقة الموسر فكذلك المعسر، فعلى هذا لا يعتبر أن يكون الرجل مثل المرأة في اليسار في جميع الوجوه، بل إذا كان كل واحد موسرا يسارا ما تكافأ، وان اختلفا في المال.

ومنهم من قال اليسار غير معتبر في الكفاءة، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يكن من أهل اليسار ومات ودرعه مرهونة عند يهودى في طعام أهله، ولان الفقر ليس بنقص في الكفاءة في العادة لان المال يغدو ويروح، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنى خالد لا تيأسا من رزق الله تعالى.

وأما السلامه من العيوب فهى معتبرة في الكفاءة، والعيوب في الرجال الجنون والجذام والبرص والجب والعنة، والعيوب في النساء الجنون والجذاء والبرص

والرتق (١) والقرن ولها أحكام تأتى في بابها.

قال الصيمري واعتبر قوم البلدان، فقالوا ساكنوا مكة والمدينة والبصرة والكوفة ليسوا بأكفاء لمن يسكن الجبال.

وهذا ليس بشئ، وليس للحسن والقبح والطول والقصر والسخاء والبخل ونحو ذلك مدخل في الكفاءة، لان ذلك ليس بنقص في العادة ولا عار فيه ولا ضرر، واليتان لرجل يدعى عروة الصعاليك كان يجمع الفقراء في حظيرة ويرزقهم مما يغنم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

________________________________________

(١) الرتقاء التى لا يستطاع جماعها أو لا خرق لها إلا المبال خاصة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 190)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن كان للمرأة وليان وأذنت لكل واحد منهما في تزويجها، فزوجها كل واحد منهما من رجل نظرت، فإن كان العقدان في وقت واحد، أو لم يعلم متى عقدا؟ أو علم أن أحدهما قبل الآخر، ولكن لم يعلم عين الساق منهما بطل العقدان، لانه لا مزية لاحدهما على الآخر.

وإن علم السابق ثم نسى وقف الامر لانه قد يتذكر.

وإن علم السابق وتعين فالنكاح هو الاول والثانى باطل، لما روى سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ زوجها وليان فهى للاول منهما) فان ادعى كل واحد من الزوجين أنه هو الاول وادعيا علم المرأة به، فإن أنكرت العلم فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل عدم العلم.

وإن أقرت لاحدهما سلت إليه، وهل تحلف للآخر.

فيه قولان.

 

(أحدهما)

لا تحلف، لان اليمين تعرض على المنكر حتى يقر.

ولو أقرت للثاني بعدما أقرت للاول لم يقبل فلم يكن في تحليفها له فائدة.

 

(والثانى)

تحلف لانها ربما نكلت وأقرت للثاني فيلزمها المهر، فعلى هذا إن حلفت سقطت دعوى الثاني، وإن أقرت للثاني لم يقبل رجوعها ويجب علهيا المهر

للثاني.

وإن نكلت رددنا اليمين على الثاني، فان لم يحلف استقر النكاح للاول وإن حلف حصل مع الاول إقرار، ومع الثاني يمين، ونكول المدعى عليه، فان قلنا إنه كالبينة حكم بالنكاح للثاني، لان البينة تقدم على الاقرار، وإن قلنا انه بمنزلة الاقرار وهو الصحيح ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يحكم ببطلان النكاحين، لان مع الاول إقرارا ومع الثاني ما يقوم مقام الاقرار، فصار كما لو أقرت لهما في وقت واحد

(والثانى)

أن النكاح للاول لانه سبق الاقرار له فلم يبطل باقرار بعده ويجب عليها المهر للثاني كما لو أقرت للاول ثم أقرت للثاني.

(الشرح) الاحكام: إذا كان للمرأة وليان في درجة واحدة فأذنت لكل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 191)

________________________________________

واحد منهما أن يزوجها برجل غير الذى أذنت به للآخر، أو أذنت لكل واحد منهما أن يزوجها برجل ولم يعين.

وقلنا يجوز، فزوجها كل واحد منهما برجل.

ففيه خمس مسائل: (١) أن يعلم أن العقدين وقعا معا في حالة واحدة فهما باطلان، لانه لا يمكن الجمع بينهما، إذ المرأة لا يجوز أن يكون لها زوجان لاختلاط النسب وفساده، وليس أحدهما أولى من الاخر في التقديم فبطلا كما لو تزوج أختين في عقد واحد (٢) أن لا يعلم هل وقع العقدان في حالة واحدة أو سبق أحدهما الاخر، فقال أصحابنا البغداديون بطل العقدان، لانه لا يمكن الجمع بينهما، ولا مزية لاحدهما على الاخر في التقديم.

وقال الخراسانيون: بطل العقدان في الظاهر، وهل يبطلان في الباطن.

فيه وجهان.

(٣) أن يعلم أن أحدهما سبق الاخر إلا أنه أشكل عين السابق منهما، فقال أصحابنا البغداديون بطل العقدان لما ذكرنا في الذى قبلها.

ومن أصحابنا من

قال فيها قولان

(أحدهما)

أنهما باطلان

(والثانى)

يتوقف فيهما بناء على القولين في الجمعتين إذا وقعتا معا في بلدة وعلم بسبق إحداهما، ولم يتيقن السابقة، وهذا اختيار الجوبنى.

(٤) أن يعلم أحد العقدين سبق الاخر، ونسى السابق منهما، فيتوقفان إلى أن يتذكر السابق، لان الظاهر مما علم ثم نسى أن يتذكر (٥) أن يعلم السابق منهما ويتعين ويذكر، فإن النكاح الصحيح هو الاول، والثانى باطل، سواء دخلا بها أو لم يدخلا بها.

أو دخل بها أحدهما، وبه قال في الصحابة على رضى الله عنه، ومن التابعين شريح والحسن البصري.

ومن الفقهاء الاوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق، وذهبت طائفة إلى أنه ان لم يطأها أحدهما أو وطئاها معا أو وطئها الاول دون الثاني فهى للاول كقولنا.

وان وطئها الاول دون الثاني فالنكاح للثاني دون الاول وبه قال عمر (رض) وعطاء والزهرى ومالك دليلنا قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) إلى قوله (والمحصنات من النساء) والمراد به المزوجات ولم يفرق وروى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا نكح الوليان فهى للاول منهما ولانه نكاح لو عرى عن الوطئ لم يصح، فإذا كان فيه الوطئ لم يصح كنكاح المعتدة والمحرمة بالحج

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 192)

________________________________________

(فرع)

إذا زوج المرأة وليان من رجلين ولم يعلم السابق منهما، وادعى كل واحد من الزوجين أنه هو السابق منهما نظرت، فإن ادعى أحد الزوجين، قال المسعودي: لم تسمع دعواه، لانه لا شئ في يده، وإن ادعيا على الولى فإن كان غير مستبد بنفسه بأن لا يصح إنكاحه إلا بإذنها، لم تسمع دعواهما عليه وإن كان مستبدا بنفسه كالاب والجد في تزويج البكر، هل تسمع الدعوى عليه؟ فيه قولان، فان ادعيا على المرأة، وادعيا علمها بذلك، هل تسمع الدعوى عليها فيه قولان بناء على القولين في اقرارها لاحدهما بالسبق، هل يقبل؟ قال في القديم

يقبل إقرارها، فعلى هذا تسمع الدعوى عليها.

وقال في الجديد: لا يقبل إقرارها فعلى هذا لا تسمع الدعوى عليها.

وأما الشيخ أبو حامد والبغداديون من أصحابنا فقالوا: تسمع الدعوى عليها من غير تفسير، فإذا قلنا: تسمع الدعوى عليها نظرت فان أنكرت أنها لا تعرف السابق منهما فالقول قولها مع يمينها أنها لا تعرف السابق، فإذا حلفت سقطت دعواهما وبطل النكاحان فإن نكلت عن اليمين ردت اليمين عليها فيحلف كل واحد منهما أنه هو السابق بالعقد، فإذا حلفا بطل النكاحان، لان كل واحد قد اثبت بيمينه أنه هو السابق، ولا مزية لاحدهما على الآخر فبطلا، وان حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت نكاح الحالف وبطل نكاح الناكل، فان نكلا جميعا بطل النكاحان أيضا، لانه لا مزية لاحدهما على الآخر، وإن أقرت أنها تعلم السابق منهما نظرت، فان أقرت لكل واحد منهما سابقا فيكون دعواهما عليها باقية فيطالب بالجواب، وإن أقرت لاحدهما أنه هو السابق حكم بالنكاح له لانه لم يثبت عليها نكاح غير المقر له حال الاقرار، فقبل اقرارها على نفهسا، فان أراد الثاني أن يحلفها بعد اقرارها للاول أنها لا تعلم، لانه هو السابق، فهل يلزمها أن تحلف له، فيه قولان بناء على أنها أقرت للثاني هل يلزمها غرم، فيه قولان كالقولين فيمن أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو، فهل يلزمه الغرم لعمرو، فيه قولان.

 

(أحدهما)

لا يلزمها أن تحلف للثاني لانها لو أقرت له لم يقبل اقرارها له، فلا معنى لعرض اليمين عليها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 193)

________________________________________

(والثانى)

يلزمها أن تحلف للثاني بجواز أن تخاف من اليمين فتقر له فيلزمها الغرم، فان قلنا: لا يلزمها أن تحلف للثاني ثبت النكاح للاول وانصرف الثاني

وان قلنا: يلزمها أن تحلف للثاني نظرت، فان حلفت له انصرف، وان أقرت للثاني بأنه هو السابق لم يقبل قولها في النكاح لان في ذلك اسقاط حق للاول الذى قد ثبت، ولكنها قد أقرت أنها حالت بين الثاني وبين بضعها باقرارها الاول وهل يلزمها أن تغرم له.

قال الشيخ أبو حامد: فيه قولان كما لو أقرت بدار لزيد ثم أقرت به لعمرو.

قال المحاملى وابن الصباغ: يلزمها له الغرم قولا واحدا، لانا انما عرضنا عليها اليمين على القول الذى يقول يلزمها الغرم فإذا أقرت له لزمها أن تغرم له عوض ما حالت بينه وبينه، وكم يلزمها من الغرم.

قال الشيخ أبو حامد وأكثر أصحابنا: يلزمها أن تغرم جميع مهر المثل.

والثانى نصف مهر مثلها كالقولين في المرأة إذا أرضعت زوجة لرجل وانفسخ نكاحها بذلك، وان لم تقر للثاني ولا حلفت له، بل نكلت عن اليمين ردت اليمين عليه، فان قلنا ان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه يحل محل البينة ثبت النكاح للثاني وانفسخ نكاح الاول.

قال الشيخ أبو حامد وهذا القول ضعيف جدا، وان قلنا ان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه يحل محل اقرار المدعى عليه وهو الصحيح، ففيه وجهان.

قال الشيخ أبو إسحاق ببطل النكاحان، لان مع الاول اقرارا ومع الثاني ما يقوم مقام الاقرار، وليس أحدهما أولى من الاخر فبطلا.

ومن أصحابنا من قال يثبت نكاح الاول لان اقرارها له أسبق.

قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب المهذب وابن الصباغ والمحاملى يلزمها عل هذا أن تقوم مهر مثلها للثاني وذكر الشيخ أبو حامد في التعليق هل يلزمها الغرم للثاني محل هذا، فيه قولان.

قال ابن الصباغ فعلى قول أبى اسحاق لا تعرض عليها اليمين، لانه لا فائدة فيها

هذا ترتيب البغداديين.

وقال المسعودي: إذا نكحت وحلف الثاني فهل ينفسخ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 194)

________________________________________

نكاح الاول فيه وجهان: فإذا قلنا ينفسخ، قال القفال: فانه لا يثبت نكاح الثاني، والاول المشهور.

(فرع)

قال الشافعي رحمه الله في الاملاء: إذا زوج الرجل أخته من رجل ثم مات الزوج فادعى ورثته أن الاخ زوجها بغير إذنها، فالنكاح باطل ولا ترث وإذا ادعت المرأة أنه زوجها بإذنها فالقول قولها وترث: لان هذا اختلاف في إذنها وهى أعلم به، ولان الاصل في النكاح أنه يقع صحيحا، فإذا ادعى الورثة بفساده كان القول قولها لان الظاهر صحته.

قال في الاملاء: إذا قال رجل: هذه المرأة زوجتى وصدقته على ذلك تمت الزوجية بينهما، وأيهما مات ورثه الآخر لان الزوجية قد ثبتت، وإن قال رجل هذه زوجتى فسكتت، فان ماتت لم يرثها، لان إقراره عليها لا يقبل، فإن مات ورثته لان إقراره على نفسه مقبول، وكذلك إذا أقرت المرأة بالزوجية من رجل ولم يسمع منه إقرار فإن مات لم ترثه، وإن ماتت ورثها كما ذكرناه في التى قبلها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

(فصل)

ويجوز لولى الصبى أن يزوجه إذا رأى ذلك، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زوج ابنا له صغيرا، ولانه يحتاج إليه إذا بلغ، فإذا زوجه ألف حفظ الفرج، وهل له أن يزوجه بأكثر من إمرأة، فيه وجهان

(أحدهما)

لا يجوز لان حفظ الفرج يحصل بامرأة.

 

(والثانى)

يجوز أن يزوجه بأربع، لانه قد يكون له فيه حفظ، وأما المجنون فانه ان كان له حال افاقة لم يجز تزويجه بغير اذنه، لانه يمكن اسثئذانه فلا يجوز الافتيات عليه، وان لم يكن له حال افاقة ورأى الولى تزويجه للعفة أو الخدمة

زوجه، لان له فيه مصلحة.

وأما المحجور عليه لسفه فانه ان رأى الولى تزويجه زوجه، لان ذلك من مصلحته فان كان كثير الطلاق سراه بجارية، لانه لا يقدر على اعتاقها، وان طلب التزويج وهو محتاج إليه فامتنع الولى فتزوج بغير اذنه ففيه وجهان.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 195)

________________________________________

(أحدهما)

أنه لا يصح لانه تزوج بغير اذنه فلم يصح منه، كما لو تزوج قبل الطلب

(والثانى)

يصح لانه حق وجب له يجوز له أن يستوفيه باذن من هو عليه فإذا امتنع جاز له أن يستوفيه بنفسه، كما لو كان له على رجل دين وامتنع من أدائه وأما العبد فانه ان كان بالغا فهل يجوز لمولاه أن يزوجه بغير رضاه، فيه قولان.

 

(أحدهما)

له ذلك لانه مملوك يمك بيعه واجارته، فملك تزويجه من غير رضاه كالامة

(والثانى)

ليس له ذلك لان النكاح معنى يقصد به الاستمتاع فلم يملك اجباره عليه كالقسم، وان كان صغيرا ففيه طريقان.

 

(أحدهما)

أنه على القولين لانه تصرف بحق الملك فاستوى فيه الصغير والكبير كالبيع والاجارة.

 

(والثانى)

أنه يملك تزويجه قولا واحدا، لانه ليس من أهل التصرف فجاز تزويجه كالابن الصغير، وان دعا العبد البالغ مولاه إلى النكاح ففيه قولان.

أحدهما: يلزمه تزويجه لانه مكلف مولى عليه، فإذا طلب التزويج وجب تزويجه كالسفيه.

والثانى: لا يلزمه لانه يملك بيعه واجارته فلم يلزمه تزويجه كالامة، وأما المكاتب فلا يملك المولى اجباره على النكاح لانه سقط حقه من رقبته ومنفعته، فان دعا المكاتب المولى إلى التزويج، فان قلنا يجب عليه تزويج العبد فالمكاتب أولى.

وان قلنا: لا يجب عليه تزويج العبد ففى المكاتب وجهان

(أحدهما)

لا يجب

لانه مملوك، فلم يلزمه تزويجه كالعبد

(والثانى)

يجب لانه لا حق له في كسبه بخلاف العبد، فان كسبه للمولى فإذا زوجه بطل عليه كسبه للمهر والنفقة.

(الشرح) الاحكام: يجوز للاب والجد أن يزوج ابنه الصغير إذا كان عاقلا لما روى أن ابن عمر زوج ابنا له صغير، ولانه يملك التصرف في مصلحته والنكاح مصلحة له، لانه ان بلغ وهو محتاج إلى النكاح وجد شريكة تحته يستمتع بها وينتفع بخدمتها وتقوم على حوائجه فيكون ذلك سكنا له، وان بلضع وهو غير محتاج إلى النكاح فان المرأة تكون سكنا له، هذا نقل أصحابنا البغداديين.

وقال المسعودي: هل يزوج الصغير، فيه وجهان، الاصح لا يزوجه لانه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 196)

________________________________________

لا حاجة به إليه، وكم يجوز للاب والجد أن يزوجا الصغير؟ حكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي رضى الله عنه قال: له أن يزوجه بزوجة واحدة واثنتين وثلاثا وأربعا كالبالغ، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز له أن يزوجه بأكثر من واحدة، لانه لا حاجة به إلى ما زاد عليها، ويجوز للولى والحاكم أن يزوجا الصغير كما قلنا في الاب والجد.

(فرع)

ولا يجوز للاب والجد ولا للوصي ولا للحاكم تزويج الصغير المجنون لانه لا يحتاج إلى النكاح في الحال، ولا يدرى إذا بلضع هل يحتاج إلى النكاح أم لا، بخلاف الصغير العاقل، لان الظاهر أن يحتاج إلى النكاح عقد بلوغه، فان كان المجنون بالغا نظرت، فان كان يجن ويفيق، لم يجز للولى تزويجه لان له حالة يمكن استئذانه فيها وهى حال إفاقته، وإن لم يكن له حال الافاقة، فان كان خصيا أو مجبوبا أو علم أنه لا يشتهى النكاح لم يجز للولى تزويجه لانه لا حاجة به إلى النكاح، وان علم أنه يشتهى بأن يراه يتبع نظره النساء أو علم ذلك بانتشار ذكره أو غير ذلك جاز للاب والجد تزويجه لان فيه مصلحة له، وهو ما يحصل

له به من العفاف، فان لم يكن له أب ولا جد زوجه الحاكم.

(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: وليس له أن يزوج ابنته الصغيره عبدا ولا غير كفؤ ولا مجنونا ولا مخبولا ولا مجذوما ولا أبرص.

وهذا كما قال: لا يجوز للرجل أن يزوجها لغير كفؤ، وقد مضى شروط الكفاءة.

والمريض بمرض عقلي أن جسماني مزمن لا يجوز له أن يرضى به زوجا لابنته الصغيرة.

لان القصد من النكاح الاستمتاع وهذا متعذر منه ولانه لا يؤمن ان يجنى عليها.

والمخبول هو الذى تقادم جنونه وسكن.

فلا يتأذى الناس به، أو يكون أبله لا يحصل منه أذية، وهذا يحدث من خلل في تلافيف المخ يترتب عليها أعراض ظاهرة كارتخاء الشفتين أو انفراج الفم وسيلان اللعاب والعى والفهاهة في النطق، لان مراكز المخ إذا اختلت بعض خلاياها وما أكثرها ظهرت أعراضها فان بعضها مختص بحواس البشرة واللمس وبعضها بحواس الشم وبعضها بحواس الذوق إلى آخر ما عند الانسان من آفاق حيويه مادية ومعنوية

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 197)

________________________________________

كل خلجة منها لها خلية في المخ تعطى إشاراتها إلى بقية أجزاء الجسم فأى خلل في خلية منها يعطل وظيفتها فيظهر ذلك في وجهه أو تصرفاته أو صوته، فينبغي مراعاة جانب الصحة النفسية لمن أراد أن يزوج صغيرته حتى لا تشقى بسوء اختيار أبيها أو جدها أو وليها.

وقال الشيخ أبو حامد في الابرص والمجذوم: ولانه يقال إن هذه العيوب تعدى.

وربما اعدت إليها أو إلى ولدها منه، وكذلك لا يزوجها بخصى ولا مجبوب.

لان المقصود من النكاح الاستمتاع.

وذلك لا يوجد منه.

فان خالف الاب وزوج ابنته الصغيرة ممن به أحد هذه العيوب فهل يصح النكاح على الطرق الثلاث إذا زوج المرأة من غير كفء بغير رضاها أو من غير رضى سائر الاولياء

فإذا قلنا ان النكاح باطل فلا كلام.

وان قلنا ان النكاح صحيح فهل يجب على الاب أن يختار فسخ النكاح أو يدعه حتى تبلغ فتختار.

حكى القاضى أبو الطيب فيه قولان وحكاهما الشيخ أبو حامد وجهين.

 

(أحدهما)

يجب عليه ذلك لانه قد فرط فكان عليه أن يتلافى تفريطه كالوكيل إذا اشترى شيئا معيبا.

 

(والثانى)

لا يجب عليه وليس له ذلك.

لان الشهوات والميول تختلف.

وقد تختار المرأة التزوج ممن به هذه العيوب، فعلى هذا إذا بلغت كانت بالخيار إن شاءت فسخته وان شاءت أقرته قال ابن الصباغ (هذا إذا كان المزوج هو الولى وحده.

فأما إذا كان معه غيره فلهم الاعتراض على العقد وفسخه قولا واحدا.

لان العاقد أسقط حقه برضاه والباقون لم يرضوا.

وان أراد أن يزوج أمته من عبد جاز لانه مكافئ لها أما إذا أرادت ان تتزوج بمجنون أو مجذوم أو ابرص أو مجبوب أو خصى لم يكن له ذلك، لان الضرر الذى يلحق الحرة في ذلك يلحق الامة (فرع)

ولا يزوج ابنه الصغير بامرأة ليست بكفء له.

ولا بمجنونة ولا مخبولة ولا مجذومة ولا برصاء ولا رتقاء لانه لا مصلحة له في تزويج احداهن.

فان زوجه بأمة لم يصح قولا واحد.

لان تزويج الامة انما يصح للحر إذا لم يجد طول حرة ويخاف العنت.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 198)

________________________________________

وإن زوج إبنه المجنون برتقاء، فإن قلنا يصح تزويج الصغير العاقل بها صح بالمجنون، وإن قلنا لا يصح تزويج الصغير العاقل بها ففى المجنون وجهان.

 

(أحدهما)

لا يصح كما لو زوجها من الصغير العاقل

(والثانى)

يصح لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لا يحتاج إلى الوطئ.

(فرع)

قال الصيمري: ولا يزوج ابنه الصغير بعجوز هرمة ولا بمقطوعة اليدين والرجلين ولا عمياء ولا زمنة ولا يهودية ولا نصرانية، ولا يزوج ابنته الصغيرة بشيخ هرم، ولا بمقطوع اليدين والرجلين، ولا بأعمى ولا زمن ولا بفقير وهى غنية، فإن فعل ذلك فسخ.

وعندي أنها تحتمل وجها آخر أنه لا يكون له الفسخ لانه ليس بأعظم ممن زوج ابنته الصغيرة بمجذوم أو أبرص

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ولا يصح النكاح إلا بشاهدين.

وقال أبو ثور يصح من غير شهادة لانه عقد فصح من غير شهادة كالبيع.

وهذا خطأ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح.

خاطب وولى وشاهدان، ويخالف البيع فإن القصد منه المال والقصد من النكاح الاستمتاع وطلب الولد، ومبناهما على الاحتياط ولا يصح إلا بشاهدين ذكرين فإن عقد برجل وامرأتين لم يصح لحديث عائشة رضى الله عنها، ولا يصح إلا بعدلين لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) فان عقد بمجهولى الحال ففيه وجهان

(أحدهما)

وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يصح، لان ما افتقر ثبوته إلى الشهادة لم يثبت بمجهولين كالاثبات عند الحاكم

(والثانى)

يصح وهو المذهب لانا لو اعتبرنا العدالة الباطنة لم تصح أنكحة العامة إلا بحضرة الحاكم لانهم لا يعرفون شروط العدالة، وفى ذلك مشقة فاكتفى بالعدالة الظاهرة كما اكتفى في الحوادث في حقهم بالتقليد حين شق عليهم ادراكها بالدليل، فإن عقد بمجهولين ثم بان انهما كانا فاسقين لم يصح لانا حكمنا بصحته في الظاهر، فإذا بان خلافه حكم بإبطاله، كما لو حكم الحاكم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 199)

________________________________________

باجتهاده ثم وجد النص بخلافه.

ومن أصحابنا من قال: فيه قولان بناء على القولين

في الحاكم إذا حكم بشهادة شاهدين ثم بان أنهما كانا فاسقين، وإن عقد بشهادة أعميين ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أنه يصح، لان الاعمى يجوز يكون شاهدا،

(والثانى)

لا يصح، لانه لا يعرف العاقد فهو كالاصم الذى لا يسمع لفظ العاقد ويصح بشهادة ابني أحد الزوجين، لانه يجوز أن يثبت النكاح بشهادتهما وهو إذا جحد الزوج الآخر وهل يصح بشهادة ابنيهما؟ أو بشهادة ابن الزوج وابن الزوجة، فيه وجهان

(أحدهما)

يصح لانهما من أهل الشهادة

(والثانى)

لا يصح لانه لا يثبت هذا النكاح بشهادتهما بحال.

 

(فصل)

وإذا اختلف الزوجان فقالت الزوجة: عقدنا بشاهدين فاسقين وقال الزوج: عقدنا بعدلين، ففيه وجهان

(أحدهما)

ان القول قول الزوج لان الاصل بقاء العداله

(والثانى)

أن القول قول الزوجة، لان الاصل عدم النكاح وإن تصادقا على أنهما تزوجا بولي وشاهدين، وأنكر الولى والشاهدان لم يلفت إلى انكارهم لان الحق لهما دون الولى والشاهدين.

(الشرح) حديثا عائشة وابن مسعود رضى الله عنهما مضى تخريجهما في بحث النكاح بولي.

أما الاحكام: فإنه لا يصح النكاح إلا بحضرة شاهدين ذكرين عدلين، وروى ذلك عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وابن عباس والحسن البصري وابن المسيب والنخعي والشعبى والاوزاعي وأحمد بن حنبل.

وقال ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن مهدى وداود وأهل الظاهر.

لا يفتقر النكاح إلى الشهادة، وبه قال مالك، إلا أنه قال من شرطه أن لا يتواصوا بكتمانه، وان تواصوا على كتمانه لم يصح النكاح وان حضره شهود، وبه قال الزهري.

وقال أبو حنيفة: من شرطه الشهادة الا أنه ينعقد بشهادة رجلين فاسقين وعدوين ومحدودين، وشاهد وامرأتين.

دليلنا ما روى عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل) رواه أحمد في رواية ابنه عبد الله ورواه الدارقطني، وأشار إليه الترمذي، وروت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 200)

________________________________________

(كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح: خاطب وولى وشاهدان) وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (البغايا اللاتى ينكحن أنفسهن بغير بينة) رواه الترمذي، وهذه الاحاديث وغيرها مضى تخريجها في الولى، ولانه عقد فلم يكن من شرطه ترك التواصي بالكتمان كالبيع ولان كل ما لم يثبت بشهادة عدلين بم يثبت بشهادة فاسقين كالاثبات عند الحاكم.

(فرع)

قال الشافعي رضى الله عنه: والشهود على العدل حتى يعلم الجرح يوم وقع النكاح.

وجملة ذلك أنه إذا عقد بحضرة شاهدين فإن علمت عدالتهما ظاهرا وباطنا انعقد النكاح بشهادتهما، وإن علمت عدالتهما في الظاهر وجهلت في الباطن ففيه وجهان حكاهما المصنف.

قال أبو سعيد الاصطخرى: لا يصح لان ما افتقر ثبوته إلى الشهادة لم يثبت بمجهول الحال كالاثبات عند الحاكم، والثانى وهو المذهب ولم يحك الشيخ أبو حامد وابن الصباع غيره أن النكاح صحيح لان الظاهر العداله، ولانا لو اعتبرنا العدالة الباطنة لم ينعقد النكاح إلا بحضرة الحاكم، لان العامة لا يعرفون شروط العدالة، وقد أجمع المسلمون على جواز انعقاده بغير حضور الحاكم.

فإذا قلنا بهذا فبان أنهما فاسقاق، فان حدث هذا الفسق بعد العقد لم يؤثر، لان الاعتبار وجود العداله حال العقد، وإن بان أنهما فاسقان حال العقد لم يصح

النكاح، لان فسقهما ينافى قبول شهادتهما على النكاح.

ومن أصحابنا من قال: فيه قولان كالقولين في الحاكم إذا حكم بشهادة شاهدين ظاهرهما العدالة، ثم بان فسقهما حال الشهادة وليس بشئ، فإن ترافع الزوجان إلى الحاكم وأقرا بالنكاح وأنه عقد بشهادة رجلين ظاهرهما العدالة واختصما في حق من حقوق الزوجية كالنفقة والكسوة وما أشبههما، فإن الحاكم يحكم بينهما فيما احتكما فيه، ولا ينظر في حال عدالة شاهدين في الباطن إلا أن يعلم أنهما فاسقان فلا يحكم بينهما، وإن جحد أحد الزوجين الآخر فأما المدعى منهما بشاهدين فإن علم الحاكم عدالتهما ظاهرا وباطنا حين عقد النكاح حكم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 201)

________________________________________

بصحة النكاح، وإن علم فسقهما حال الشهادة لم يحكم بصحة العقد بل يحكم بفساده على المذهب، فإن عرف أنهما كانا عدلين في الظاهر وجهل عدالتهما في الباطن فلا يجوز أن يحكم بصحة العقد ولا بفساده بل يتوقف إلى أن يعلم عدالتهما في الباطن، لانه لا يجوز أن يحكم بشهادة شاهد الا بعد معرفة حاله ظاهرا وباطنا، بخلاف ما لو أقر بالنكاح، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد في التعليق.

وذكر ابن الصباغ أن الرجل إذا ادعى نكاح امرأة بولي وشاهدي عدل فأقام شاهدين عدلين عند الحاكم فإنه يبحث عن حالهما عند الحاكم ولا يبحث عن حالهما حين العقد، والاول أصح.

وهل ينعقد النكاح بشهادة أعميين أو أعمى وبصير؟ فيه وجهان أحدهما ينعقد، لان الاعمى من اهل الشهادة، والثانى: لا يصح لانه لا يعرف العاقد فهو كالاصم الذى لا يسمع لفظ العاقد، وهل ينعقد بشهادة أخرسين أو أخرس وناطق؟ فيه وجهان

(أحدهما)

لا ينعقد، قال الشيخ أبو حامد: وهو المذهب، لان الشهادة تفتقر إلى صريح اللفظ، والاخرس لا يتأتى منه ذلك.

 

(والثانى)

ينعقد.

قال القاضى أبو الطيب: وهو المذهب لان اشارته إذا كانت

مفهومة تقوم مقام عبارة غيره، وهل تنعقد شهادة أصحاب الصنع الدنيئة مثل الحجام والقصاب والكناس وغيرهم؟ فيه وجهان بناء على جواز قبول شهادتهم في سائر الحقوق؟ ويأتى بيانهما في موضعهما، وان عقد النكاح بشهادة ابني أحد الزوجين أو بشهادة ابنه وحده أو بشهادة عدوى أحد الزوجين صح النكاح لانه يثبت بشهادتهما، وهو إذا شهد الابنان على والدهما أو شهد العدوان لعدوهما، وان عقد النكاح بشهادة ابني الزوجين أو ابن لهذا وابن لهذه أو جد هذا وجد هذه أو عدوين لهما ففيه وجهان، أحدهما ينعقد لانهما من أهل الشهادة في النكاح في الجملة، والثانى: لا ينعقد لانه لا يثبت بشهادتهما بحال من الاحوال، من أصحابنا الخراسانين من قال: ينعقد بشهادة العدوين وجها واحدا، لان العداوة قد تزول (فرع)

وليس من شرط الشهادة احضار الشاهدين بل لو حضر الشاهدان لانفسهما وسمعا الايجاب والقبول صح ذلك ولو سمعا الايجاب والقبول ولم يسععا الصداق صح النكاح لان الصداق ليس بشرط في النكاح، وان سمع أحد الشاهدين الايجاب وسمع الآخر القبول لم يصح النكاح، لانهما شرط في الايجاب والقبول

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 202)

________________________________________

(فرع)

وإذا تزوج المسلم كتابية فانه يتزوجها من وليها الكافر إذا كان عدلا في دينه، ولا يصح إلا بحضرة شاهدين مسلمين عدلين.

وقال أحمد: لا يصح أن يتزوجها إلا من المسلم.

وقال أبو حنيفة: يتزوجها من وليها الكافر، ويصح أن يكون بشهادة كافرين.

دليلنا على أحمد قوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) فدل ذلك على أنه لا ولاية لهم على الكافرين.

وعلى أبى حنيفة لانهما شاهدان لا يثبت بهما نكاح المسلمه، فلم يثبت بهما نكاح الكافرة كالعبدين، وكالفرق بين الولى والشاهدين لان الولى اريد لدفع العار عن النسب، والكافر كالمسلم في دفع العار

والشاهدان يرادان لاثبات الفراش عند جحد أحد الزوجين، وليس الكافر كالمسلم في إثبات الفراش، لانه لا يثبت بشهادته الفراش، ولان الولى بتعين في العقد فتأكد حاله فجاز أن يكون كافرا، والشاهد لا يتعين فلم يجز أن يكون كافرا قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ولا يصح إلا على زوجين معينين لان المقصود بالنكاح أعيانهما فوجب تعيينهما: فإن كانت المنكوحة حاضرة فقال: زوجتك هذه صح.

وان قال: زوجتك هذه فاطمة واسمها عائشة صح، لان مع التعيين بالاشارة لا حكم للاسم، فلم يؤثر الغلط فيه، وإن كانت المنكوحة غائبة فقال: زوجتك ابنتى وليس له غيرها صح، وإن قال: زوجتك ابنتى فاطمة وهى عائشة صح، لانه لا حكم للاسم مع التعيين بالنسب، فلم يؤثر الخطأ فيه، وإن كان له اثنتان فقال: زوجتك ابنتى لم يصح حتى يعينها بالاسم أو بالصفة، وإن قال: زوجتك عائشة وقبل الزوج ونويا ابنته، أو قال زوجتك ابنتى وقبل الزوج ونويا الكبيرة صح لانها تعينت بالنية، وان قال زوجتك ابنتى ونوى الكبيرة وقبل الزوج ونوى الصغيرة لم يصح، لان الايجاب في إمرأة والقبول في أخرى.

وان قال زوجتك ابنتى عائشة، ونوى الصغيرة وقبل الزوج، ونوى الكبيرة، صح النكاح في عائشة في الظاهر، ولم يصح في الباطن، لان الزوج قبل في غير ما أوجب الولى.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 203)

________________________________________

(فصل)

ويستحب أن يخطب قبل العقد، لما روى عن عبد الله قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خطبة الحاجة (الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يظل فلا هادى له، وأشهد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، قال عبد الله ثم تصل خطبتك بثلاث آيات: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم

مسلمون، اتقوا الله الذى تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا، اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) فإن عقد من غير خطبة جاز لما روى سهل بن سعد الساعدي (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للذى خطب الواهبة، زوجتكها بما معك من القرآن) ولم يذكر الخطبة، ويستحب أن يدعى لهما بعد العقد، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رفأ الانسان إذا تزوج قال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) .

(الشرح) حديث عبد الله بن مسعود أخرجه الترمذي وحسنه وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ ولم يسمع منه، وقد رواه الحاكم من طريق أخرى عن قتادة عن عبد ربه عن أبى عياض عن ابن مسعود وليس فيه الآيات، ورواه أيضا من طريق اسرائيل عن أبى اسحاق عن أبى الاحوص وأبى عبيدة أن عبد الله قال فذكر نحوه، ورواه البيهقى من حديث واصل الاحدب عن شقيق عن ابن مسعود بتمامه، وفى رواية للبيهقي (إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النكاح أو غيره فليقل: الحمد لله نحمده ونستعينه الخ) ، ورواية الترمذي أردفها بعد التحسين بقوله.

رواه الاعمش عن أبى اسحاق عن أبى الاحوص عن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكلا الحديثين صحيح لان اسرائيل جمعهما فقال.

عن أبى اسحاق عن أبى الاحوص وأبى عبيدة عن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ النووي في كتاب الاذكار: يستحب أن يخطب بين يدى العقد خطبة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 204)

________________________________________

تشتمل على ما ذكرنا في الباب الذى قبل هذا وتكون أطول من تلك، وسواء خطب العاقد أو غيره، وأفضلها ما روينا في سنن أبى داود والترمذي والنسائي

وابن ماجه وغيرها بالاسانيد الصحيحة عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدا عبده ورسوله، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام، إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم وبغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) ثم قال هذا لفظ إحدى روايات أبى داود.

وفى رواية له أخرى بعد قوله (ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدى الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا) قال الترمذي حديث حسن.

اه أما حديث سهل بن سعد الساعدي فقد رواه أحمد والبخاري ومسلم، وَلَفْظُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امرأة فقالت يا رسول الله إنى قد وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال ما عندي إلا إزارى هذا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا، فقال ما أجد شيئا، فقال التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم يجد شيئا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل معك من القرآن شئ؟ قال نعم، سورة كذا وسورة كذا لسور يسميها، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد زوجتكها بما معك من القرآن)

وقد روى سعيد بن منصور في سننه عن أبى النعمان الازدي قال (زوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لاحد بعدك مهرا)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 205)

________________________________________

وهو مع إرساله فيه من لا يعرف.

ومن ثم فلا يحتج به في تخصيص الحكم بهذه المرأة أما حديث أبى هريرة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه وحسنه وابن ماجه وقال النووي في الاذكار (ويستحب أن يقال لكل واحد من الزوجين بارك الله لكل واحد منكما في صاحبه وجمع بينكما في خير) روينا في صحيحي البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه حين أخبره أنه تزوج (بارك الله لك) وروينا في الصحيح أيضا أنه صلى الله عليه لجابر رضى الله عنه حين أخبره أنه تزوج (بارك الله عليك) أما اللغات فقوله (رفأ) قال في الفتح بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز، معناه دعا له.

وفى القاموس رفأه ترفئة وترفيا، قال له بالرفاء والبنين.

أي بالالتئام وجمع الشمل اه.

والترفئة في الاصل الالتئام.

يقال رفأ الفتق لام خرقه وضم بعضه إلى بعض، وكانت ترفئة الجاهلية أن يقال (بالرفاء والبنين) ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وأرشد إلى ما في الاحاديث الواردة على ما سيأتي في الاحكام.

أما الاحكام فإنه إذا أراد عقد النكاح على امرأة فلا بد أن تتميز عن غيرها بالمشاهدة أو بالصفة أو بالتسمية، فإذا كان له ابنة واحدة وهى حاضرة، فإن قال زوجتك هذه صح ولم يحتج إلى ذكر اسمها ولا إلى صفتها وان قال زوجتك ابنتى وزوجتك هذه عائشة صح لانها تميزت بالاشارة، وكان ما زاد تأكيدا، وان كان اسمها عائشة فقال زوجتك هذه فاطمة، فقال البغداديون من أصحابنا

يصح، لانه لا حكم لتغيير الاسم مع الاشارة وقال المسعودي هل يصح؟ فيه وجهان بناء على الوجهين فيما لو قال بعتك هذا البغل وكان حمارا أو فرسا.

وإن كان له ابنة واحدة اسمها عائشة وهى غائبة عنهما، فان قال زوجتك ابنتى صح، لان قوله ابنتى صفة لازمة لها وليس له غيرها.

وان قال زوجتك ابنتى عائشة صح، لان النكاح ينعقد بقوله ابنتى، فإذا سماها باسمها كان تأكيدا، وان قال زوجتك ابنتى فاطمة فغير اسمها، فقال البغداديون من أصحابنا يصح، لان قوله ابنتى صفة لازمة لها لا تختلف ولا تتغير، والاسم يتغير ويختلف، فاعتبر حكم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 206)

________________________________________

الصفة اللازمة وألغى الاسم، قال المسعودي لا يصح، ولم يذكر له وجها.

وان قال زوجتك عائشة وقصد ابنته فذكر الشيخ أبو إسحاق والطبري في العدة وحكاه ابن الصباغ عن الشيخ أبى حامد أنه يصح لانها تتميز بالنية، وإن لم يقصد ابنته لم يصح، قال ابن الصباغ، وهذا فيه نظر، لان هذا العقد تعتبر فيه الشهادة فلا بد أن يكون العقد مما يصح أداء الشهادة على وجه يثبت به العقد وهذا متعذر في النية ولم أجد فيما قرأت من تعليق الشيخ أبى حامد وغيره أنه لا يصح من غير تفصيل لان هذا الاسم يقع على ابنتيه وعلى من اسمها عائشة فلا تتميز بذلك عن غيرها، فإن كانت له ابنتان كبيرة اسمها عائشة وصغيرة اسمها فاطمة، فان قال زوجتك ابنتى أو إحدى إبنتى لم يصح لان المزوجة غير متميزة.

وإن قال زوجتك ابنتى عائشة أو ابنتى الكبيرة صح لانه قد بينها بالصفة أو بالاسم وإن قال زوجتك ابنتى الكبيرة فاطمة فغير اسمها صح النكاح على الصغيرة ولا يضر تغييره للاسم، وعلى قول المسعودي في التى قبلها لا يصح هاهنا.

وإن قال زوجتك ابنتى عائشة وهو ينوى الصغيرة واسم الصغيرة فاطمة فقبل الزوج وهو ينوى الصغيرة، قال الشيخ أبو حامد ينعقد النكاح على الصغيرة لاتفاق

نيتهما ولا يضر تغيير الاسم.

وإن قال زوجتك ابنتى عائشة وهو ينوى الصغيرة وقبل الزوج وهو ينوى الكبيرة انعقد النكاح في الظاهر على الكبيرة لانه أوجب نكاحها له فقبلها في الباطن، وهو مفسوخ لانه أوجب له النكاح في الصغيرة فقبل في الكبيرة: فإن قال زوجتك ابنتى فقبل الزوج ونويا الكبيرة فقال الشيخ أبو إسحاق يصح لانها تميزت بالنية.

وقال ابن الصباغ لا يصح لانه لا يمكن اذن الشهادة في هذا.

(فرع)

وان كان لرجل ابنتان فزوج رجل احداهما بعينها ثم مات الاب وادعت كل واحدة من الابنتين على الزوج أنها هي التى زوجها أبوها منه.

فان أنكرهما حلف لكل واحدة يمينا، وان أقر لاحداهما تثبت زوجيتهما.

فان ادعت عليه الاخرى النكاح بعد ذلك قال ابن الحداد لم تسمع دعواها لانه قد أقر بتحريمها على نفسه، وان ادعت عليه نصف المهر فالقول قوله مع يمينه، فان حلف لها فلا كلام، وان نكل حلفت ووجب المسمى لها الذى ادعت.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 207)

________________________________________

وإن لم يدعيا عليه ولكنه أدعى على إحداهما أنها زوجته فإن أقرت له ثبت النكاح بينهما، وإن أنكرت حلفت له وسقطت دعواه قال ابن الحداد: ووجب عليه لها نصف مهرها.

قلت: وينبغى أنه لا يثبت لها ذلك إلا إذا ادعته، فأما إذا لم تدعيه لم يثبت لها.

قال ابن الحداد: ويكون ذلك إبطالا لنكاح التى أقر بنكاحها أولا، ويجب لها نصف مهرها إن لم يدخل بها، وجميع مهرها أن دخل بها.

(فرع)

إذا قال: زوجتك حمل هذه المرأة إن كان ابنة لم يصح النكاح لانه قد يكون ريحا أو حملا موهوما فلا يتحقق وجوده، وقد يكون ذكرا، وقد يكون ابنتين، فلا يعلم أيتهما المعقود عليها وهذا غرر من غير حاجة، فلا يصح

كما إذا كتب رجل إلى الولى: زوجنى ابنتك فقرأه الولى أو غيره بحضرة شاهدين فقال الولى: زوجته لم ينعقد النكاح.

وحكى ابن الصباغ أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: يصح، دليلنا أنه لم يوكل القارى فلم يصح كما لو استدعاه من غائب فبلغه فأوجب.

(مسألة) وإذا أراد العقد خطب الولى أو الزوج أو أجنبي من الحاضرين فيحمد الله تعالى ويصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم ووصى بتقوى الله ويرغب في النكاح لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بحمد الله فهو ابتر) فالنكاح من الامور التى لها بال، والخطبة مستحبة غير واجبة، وبه قال عامة أهل العلم الا داود فإنه قال: انها شرط في النكاح.

دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (لانكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل) ولم يشترط الخطبة، ولان النبي صلى الله عليه وسلم زوج الواهبة ولم يخطب، وتزوج عائشة رضى الله عنها ولم يخطب.

قال الشيخ أبو حامد: وقد روى في بعض الروايات أنه قال في الثلاث الايات يا أيها الناس، قال: وحكى عن بعض المتأخرين أنه كان يقول: المحمود الله والمصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير ما عمل به كتاب الله قال: وزاد بعضهم فكان يقول: المحمود الله ذو الجلال والاكرام، والمصطفى رسول الله

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 208)

________________________________________

صلى الله عليه وسلم وخير ما عمل به كتاب الله المفرق بين الحلال والحرام، ثم يقول والنكاح مما أمر الله بن وندب إليه.

وأما الخطبة التى تحلل العقد بأن يقول الولى: بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله، أوصيكم بتقوى الله ويقول كما روى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أنكحتك على ما أمر الله به من امساك بمعروف أو تسريح بإحسان،

ثم يقول الزوج، بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أوصيكم بتقوى، قبلت نكاحها فاختلف أصحابنا في صحة العقد مع ذلك، فذكر الشيخ أبو حامد والمحاملى وابن الصباغ أن ذلك يصح، لان الخطبة متعلقة بالنكاح فلم يؤثر فصلها بين الايجاب والقبول، كالتيمم بين صلاتي الجمع.

وحكى الشيخ مصنف المهذب عن بعض أصحابنا ان الفصل بين الايجاب والقبول بالخطبة يبطل العقد كما لو فصل بينهما بغير الخطبة، ويخالف التيمم، فإنه مأمور به بين الصلاتين، والخطبة مأمور بها قبل العقد.

قال النووي في الاذكار، فلو قال، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قبلت نكاحها صح، ولم يضر هذا الكلام بين الايجاب والقبول لانه فصل يسير له تعلق بالعقد، ويكره أن يقال للزوج بعد العقد بالرفاء والبنين، لما روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن عقيل بن أبى طالب أنه تزوج امرأة من بنى جشم فقالوا بالرفاء والبنين، فقال لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللهم بارك لهم وبارك عليهم) وفى رواية له، لا تقولوا ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهانا عن ذلك، قولوا بارك الله لها فيك وبارك لك فيها، وأخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وهو من رواية الحسن عن عقيل، قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال، وقد اختلف في علة النهى عن الترفئه التى كانت تفعلها الجاهلية فقيل لانه لا حمد فيها ولا ثناء ولا ذكر لله، وقيل لما فيه من الاشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر، والا فهو دعاء للزوجين بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه.

وقال ابن المنير: الذى يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 209)

________________________________________

موافقة الجاهلية لانهم كانوا يقولونه تفاؤلا لا دعاء فيظهر أنه لو قيل بصورة

الدعاء لم يكره كأن يقول: اللهم ألف بينهما وارزقهما بنين صالحين وقال العمرانى من أصحابنا: ويكره أن يقال للزوج بعد العقد بالرفاء والبنين والمستحب أن يقول ما ورد في حديث أبى هريرة وساقه، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

ولا يصح العقد إلا بلفظ التزويج أو الانكاح، لان ما سواهما من الالفاظ كالتمليك والهبة لا يأتي على معنى النكاح، ولان الشهادة شرط في النكاح فإذا عقد بلفظ الهبة لم تقع الشهادة على النكاح، واختلف أصحابنا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة، فمنهم من قال: لا يصح لان كل لفظ لا ينعقد به نكاح غيره لم ينعقد به نكاحه كلفظ الاحلال.

ومنهم من قال: يصح لانه لما خص بهبة البضع من غير بدل خص بلفظها، وإن قال: زوجنى فقال: زوجتك صح، لان الذى خطب الواهبة مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ زوجنيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (زوجتكها بما معك من القرآن، وإن قال زوجتك، فقال قبلت، ففيه قولان.

 

(أحدهما)

يصح لان القبول يرجع إلى ما أوجبه الولى كما يرجع في البيع إلى ما أوجبه البائع.

 

(والثانى)

لا يصح لان قوله، قبلت ليس بصريح في النكاح فلم يصح به، كما لو قال، زوجك فقال نعم.

وان عقد بالعجمية ففيه ثلاثه أوجه (أحدها) لا يصح لقوله صلى الله عليه وسلم (استحللتم فروجهن بكلمة الله) وكلمة الله بالعربية فلا تقوم العجمية مقامها كالقرآن

(والثانى)

وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه إن كان يحسن بالعربية لم يصح، وإن لم يحسن صح، لان ما اختص بلفظ غير معجز جاز بالعجمية عند العجز عن العربية، ولم يجز عند القدرة كتكبيرة الصلاة (والثالث) وهو الصحيح أنه يصح، سواء أحسن بالعربية أو لم يحسن، لان لفظ النكاح بالعجمية يأتي على ما يأتي عليه لفظه بالعربية، فقام مقامه، ويخالف

القرآن فان القصد منه النظم المعجز، وذلك لا يوجد في غيره، والقصد بالتكبيرة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 210)

________________________________________

العبادة ففرق فيه بين العجز والقدرة كأفعال الصلاه، والقصد بالنكاح ثمليك ما يقصد بالنكاح، والعجمية كالعربيه في ذلك، فإن فصل بين القبول والايجاب بخطبة بأن قال الولى، زوجتك.

وقال الزوج: بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت نكاحها، ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرابنى رحمه الله: إنه يصح لان الخطبة مأمور بها للعقد فلم تمنع صحته كالتيمم بين صلاتي الجمع.

 

(والثانى)

لا يصح، لانه فصل بين الايجاب والقبول فلم يصح كما لو فصل بينهما بغير الخطبة، ويخالف التيمم فإنه مأمور به بين الصلاتين والخطبة مأمور بها قبل العقد.

 

(فصل)

وإذا انعقد العقد لزم ولم يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا خِيَارُ الشَّرْطِ لان العادة في النكاح أنه يسئل عما يحتاج إليه قبل العقد فلا حاجة فيه إلى الخيار بعده، والله تعالى أعلم.

(الشرح) الاحكام: لا ينعقد النكاح عندنا إلا بلفظ النكاح أو التزويج، وهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن، وهو قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقوله تعالى (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) فأما لفظ البيع والتمليك والهبة والاجارة وغيرها من الالفاظ فلا ينعقد به النكاح، وبه قال عطاء وابن المسيب والزهرى وربيعة وأحمد بن حنبل.

وقال أبو حنيفة: ينعقد النكاح بكل لفظ يقتضى التمليك كالبيع والتمليك والهبة والصدقه، وفى لفظ الاجارة عنه روايتان، ولا ينعقد بالاباحة والتحليل وقال مالك إن ذكر المهر مع الالفاظ التى تقتضي التمليك انعقد بها النكاح، وإن

لم يذكر المهر لم ينعقد بها النكاح.

دليلنا قوله تعالى (وإمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بالنكاح بلفظ الهبة، وأن غيره لا يساويه، ولانه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كالاجارة والاباحة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 211)

________________________________________

(فرع)

قال الشافعي رضى الله عنه: والفرج محرم قبل العقد فلا يحل أبدا إلا بأن يقول الولى: قد زوجتكها أو أنكحتكها، ويقول الزوج: قد قبلت التزويج أو النكاح.

أو قال أنكحتك ابنتى، فقال الزوج: قبلت النكاح والتزويج صح ذلك، لانه قد وجد الايجاب والقبول في النكاح والتزويج، فإن قال الولى زوجتك ابنتى أن أنكحتك، فقال الزوج: قبلت، ولم يقل النكاح ولا التزويج فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي موضع: يصح.

وقال في موضع لا يصح، واختلف أصحابنا فيها على ثلاث طرق، فمنهم من قال.

لا يصح قولا واحدا وحيث قال يصح أراد إذا قبل الزوج قبولا تاما.

ومنهم من قال يصح قولا واحدا، وحيث شرط الشافعي رضى الله عنه لفظ النكاح أو التزويج في القبول فأراد على سبيل التأكيد، وهذا لا يصح لانه قال لا ينعقد النكاح، فقال أكثر أصحابنا: هي على قولين، وهذا اختيار الشيخ ابى إسحاق وابن الصباغ.

 

(أحدهما)

يصح، وهو قول أبى حنفية وأحمد لان قوله قبلت إذا ورد على وجه الجواب عن إيجاب متقدم كان المراد به قبول ما تقدم، فصح كما لو قال بعتك دارى أو وهبتكها، فقال قبلت، فإنه يصح.

 

(والثانى)

لا يصح، قال الشيخ أبو حامد وهو الصحيح، لان الاعتبار في

النكاح أن يحصل الايجاب والقبول فيه بلفظ النكاح أو التزويج، فإذا عرى القبول منه لم يصح كما لو قال رجل لآخر زوجت ابنتك من فلان؟ فقال الولى نعم، وقال الزوج.

قبلت النكاح، فإن هذا لا يصح بلا خلاف.

وان قال الولى زوجتك ابنتى، فقال الزوج نعم.

قال الصيمري.

هو كما لو قال الزوج.

قبلت على الطرق الثلاث.

وقال الشيخ أبو حامد وأكثر أصحابنا لا يصح قولا واحدا.

وإن قال الزوج زوجنى ابنتك.

فقال الولى.

زوجتك صح ذلك، ولا يفتقر الزوج إلى أن يقول قبلت نكاحها، وقد وافقنا أبو حنيفة ههنا وخالفنا في البيع، لما روى أن الذى تزوج الواهبة قال للنبى صلى الله عليه وسلم زوجنيها يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 212)

________________________________________

زوجتكها ولم يأمره بالقبول بعد هذا.

وإن قال الزوج أتزوجني ابنتك، فقال الولى زوجتك لم يصح حتى يقول الزوج قبلت التزويج أو النكاح، لان قوله: أتزوجني استفهام ليس باستدعاء، ولو قال الولى أتستنكحها؟ فقال الزوج قد استنكحت أو قد تزوجت لم يكن بد من قول الولى بعد هذا زوجتك أو أنكحتك لان ما تقدم إنما كان استفهاما ولم يكن تقريرا.

(فرع)

وإن عقد النكاح بالعجمية فاختلف أصحابنا فيه، فقال الشيخ أبو حامد: إن كانا يحسنان العربية لم يصح العقد بالعجمية وجها واحدا.

وإن كانا لا يحسنان العربية فهل يصح العقد بالعجمية؟ فيه وجهان، المذهب أنه يصح.

وقال القاضى أبو الطيب: إن كانا لا يحسنان العربية صح العقد بالعجمية وجها واحدا، وان كانا يحسنان بالعربية فهل يصح العقد بالعجمية؟ فيه وجهان وقال المصنف فيه ثلاثة أوجه.

(أحدها) لا يصح العقد بالعجمية لقوله صلى الله عليه وسلم: استحللتم

فروجهن بكلمة الله، وكلمة الله انما هي بالعربية

(والثانى)

ان كانا يحسنان العربية لم يصح العقد بالعجمية.

وان كانا لا يحسنان العربية صح بالعجمية كما قلنا في تكبيرة الاحرام (والثالث) يصح العقد بالعجمية بكل حال.

لان لفظ العجمية يأتي على ما يأتي عليه العربية في ذلك.

وان كان أحدهما يحسن العربية ولا يحسن العجمية، والآخر يحسن العجمية ولا يحسن العربية، وقلنا يصح العقد بالعجمية صح العقد بينهما شرط أن يفهم القائل أن الولى أوجب له النكاح، لانه إذا لم يفهم لا يصح أن يقبل، وهكذا إذا حضر شاهدان أعجميان وعقد بالعربية، أو عربيان وعقد بالعجمية فلا يصح الا إذا فهما أن العاقدين عقد النكاح، لان الغرض بالشاهدين معرفتهما بالعقد وتحملهما الشهادة.

(فرع)

وإذا وكل الزوج من يقبل له النكاح، أو قبل الاب لابنه الصغير، فإن النكاح لا يصح حتى يسمى الزوج في الايجاب والقبول، فيقول الولى زوجت فلانة فلانا ويسمى الزوج، ويقول القائل من قبل الزوج قبلت النكاح لفلان ويسمى الزوج بخلاف الوكيل في الشراء فانه لا يجب ذكر الموكل، لان النكاح

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 213)

________________________________________

لا يقبل نقل الملك فيه.

أي أن الرجل لا يجوز أن يتزوج امرأة ثم ينتقل نكاحها منه إلى غيره.

والملك في المال من قبل النقل.

أي أنه يجوز أن يتملك الرجل عينا ثم ينتقل ملكها منه إلى غيره قال الطبري: ولهذا قال أصحابنا: لو قال رجل لآخر وكلتك أن تزوج ابنتى من زيد فزوجها من وكيل زيد صح لانه في الحقيقة زوجها من زيد.

ولو قال وكلتك أن تبيع سيارتي هذه من زيد فباعها من وكيل زيد لم يصح لهذا المعنى.

فإذا انعقد النكاح لزم ولم يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الثلاث.

وقد

مضى تفصيل ذلك في البيع وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

 

‌بَابُ مَا يحرم من النكاح وما لا يحرم

 

من ارتد عن الدين لم يصح نكاحه.

لان النكاح يراد للاستمتاع ولا يوجد ذلك في نكاح المرتد.

ولا يصح نكاح الخنثى المشكل لانه ان تزوج امرأة لم يؤمن أن يكون امرأة.

وان تزوج رجلا لم يؤمن أن يكون رجلا ولا يصح نكاح المحرم لما بيناه في الحج.

 

(فصل)

ويحرم على الرجل من جهة النسب الام والبنت والاخت والعمة والخالة وبنت الاخ وبنت الاخت لقوله (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت) ومن حرم عليه مما ذكرناه بنسب حرم عليه بذلك النسب كل من يدلى به.

وان بعد فتحرم عليه الام وكل من يدلى بالامومة من الجدات من الاب والام وان علون.

تحرم عليه البنت وكل من ينتسب إليه بالبنوة من بنات الاولاد وأولاد الاولاد وان سفلن وتحرم عليه الاخت من الاب والاخت من الام والاخت من الاب والام.

وتحرم عليه العمه وكل من يدلى إليه بالعمومه من أخوات الآباء والاجداد من الاب والام أو من الاب أو من الام وان علون.

وتحرم عليه الخالة وكل من يدلى إليه بالخئولة من أخوات الجدات من الاب والام أو من الاب أو من الام وان علون

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 214)

________________________________________

ويحرم عليه بنت الاخ وكل من ينتسب إليه ببنوة الاخ من بنات أولاده وأولاد أولاده وإن سفلن، وتحرم عليه بنت الاخت وكل من ينتسب إليه ببنوة الاخت من أولادها وأولاد أولادها وان سفلن، لان الاسم يطلق على ما قرب وبعد، والدليل عليه قوله سبحانه وتعالى (يا بنى آدم) وقوله تعالى (ملة أبيكم ابراهيم)

وقوله سبحانه وتعالى (ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب) فأطلق عليهم اسم الاباء مع البعد، وقال صلى الله عليه وسلم لقوم من أصحابه يرمون (ارموا فإن أباكم اسماعيل عليه السلام كان راميا) فسمى اسماعيل أباهم مع البعد، ولان من بعد منهم كمن قرب في الحكم، والدليل عليه أن ابن الابن كالابن، والجد كالاب في الميراث والولاية والعتق بالملك ورد الشهادة، فلان يكون كالابن والاب في التحريم ومبناه على التغليب أولى (الشرح) لا يصح نكاح المرتد والمرتدة لان القصد بالنكاح الاستمتاع ولما كان دمهما مهدرا ووجب قتلهما فلا يتحقق الاستمتاع، ولان الرحمة تقتضي إبطال النكاح قبل الدخول فلا ينعقد النكاح معها كالرضاع، ولا يصح نكاح الخنثى المشكل لانه لا يدرى هل هو رجل أم امرأة، فان حمل هذا الخنثى تبينا أنه امرأة، وأن نكاحه كان باطلا لان الحمل دليل على الانوثة من طريق القطع (مسألة) النساء اللائى نص القرآن على تحريمهن أربع عشرة امرأة، ثلاث عشرة بقوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الايه، وواحدة في قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) فسبع منهن حرمت بالنسب وثنتان بالرضاع وأربع بالمصاهرة وواحدة بالجمع، فالسبع المحرمات بالنسب: الام والبنت والاخت والعمة والخالة وبنت الاخ وبنت الاخت للآية: حرمت عليكم أمهاتكم الخ فأما الام فيحرم عقد النكاح عليها ووطئها.

قال الصيمري: ومن أصحابنا من قال تحريم وطئها علم بالعقل، وليس بشئ وسواء في التحريم الا حقيقة وهى التى ولدته، والام مجازا وهى جدته أم أمه وأم أبيه، وكذلك كل جد من قبل أبيه أو أمه وان علت، وأما البنت فتحرم عليه التى يقع عليها اسم البنت حقيقة وهى بنته لصلبه، والبنت التى يقع عليها اسم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 215)

________________________________________

البنت مجازا وهى بنت بنته وبنت ابنه وإن سفلت.

وأما الاخت فتحرم عليه سواء أكانت لاب وأم أو لاب أو لام لعموم قوله تعالى (وأخواتكم) وأما العمة فيحرم عليه من يقع عليه اسم العمه حقيقة وهى أخت أبيه، سواء كانت أخته لابيه وأمه أو لابيه أو لامه، ويحرم عليه من يقع عليها اسم العمة مجازا وهى أخت لجد من أجداده من قبل أبيه أو من قبل أمه وأما الخاله فيحرم عليه نكاح من يقع عليه اسم الخاله حقيقة.

وهى أخت أمه لابيها وأمها أو لابيها أو لامها، ويحرم عليه من يقع عليها اسم الخاله مجازا وهى أخت كل جدة له من قبل أمه وأبيه.

وأما بنت الاخ فتحرم عليه نكاح بنت أخيه حقيقة وهى بنت أخيه لصلبه ويحرم عليه بنت أخيه مجازا وهى كل من تنسب إلى أخيه بالبنوة من قبل أبنائه وبناته وإن سفلت.

وأما بنت الاخت فتحرم عليه بنت أخته حقيقة، وهى بنت أخته لصلبها، ويحرم عليه بنت أخته مجازا، وهى كل من ينسب إلى أخته بالبنوة من بنات أبنائها وبناتها وإن سفلن.

وهل يحرم عليه كل من وقع عليها الاسم مجازا بالاسم أو بالقياس على من وقع عليها الاسم حقيقة؟ فيه وجهان.

الصحيح أنه يحرم بوقوع الاسم عليها لقوله تعالى (يا بنى آدم) وقوله تعالى (ملة أبيكم ابراهيم) وقوله (ملة آبائى ابراهيم وإسحاق ويعقوب) فأطلق عليهم اسم البنوة والابوة مع البعد إذا ثبت هذا فقد عبر بعض أصحابنا عن المحرمات بالنسب فقال (يحرم على الرجل أصوله وفصوله، وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعده وهى عبارة عن حسبه، لان أصوله من ينسب الرجل إليه بالبنوة، ومن الامهات وفصوله من ينسب إلى الرجل بالبنوة، وفصول أول أصوله الاخوات وأولادهم وبنات الاخوة، وأول فصل من كل أصل بعده العمات والخالات

فاحترز عن بنات العمات وبنات الخالات وأول فصل من كل أصل بعده.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 216)

________________________________________

(مسألة) وأما الاثنتان المنصوص على تحريمهما بالرضاع فالام والاخت لقوله تعالى (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) فمتى كان للرجل زوجة وانبثق منها لبن من وطئه فأرضعت به طفلا، له دون الحولين خمس رضعات متفرقات صار كالولد لهما من النسب، وصارا كالوالدين له من النسب في تحريم النكاح وجواز الخلوة، ويحرم عليها نكاحه ونكاح أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا لانه ولدهما، ويحرم على الرضيع نكاح الام من الرضاع الحقيقة والمجاز والاخت من الرضاع والعمة من الرضاع الحقيقة والمجاز، وبنت الاخت من الرضاع الحقيقة والمجاز على ما ذكرناه في المحرمات من النسب، لان الله تعالى نص على السبع المحرمات بالنسب، ونص على الام والاخت من الرضاع لينبه بهما على من تقدم ذكرهن من المحرمات والنسب.

وروت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

وفى رواية ما يحرم من الولادة، ويقال: الرضاع بكسر الراء وفتحها، فأما الرضاعة بالهاء فبفتح الراء لا غير.

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

وتحرم عليه من جهة المصاهرة أم المرأة دخل بها أو لم يدخل، لقوله تعالى ((وأمهات نسائكم) ويحرم عليه كل من يدلى إلى إمرأته بالامومة من الجدات من الاب والام لما بيناه في الفصل قبله، ويحرم عليه ابنة المرأة بنفس العقد تحريم جمع، لانه إذا حرم عليه الجمع بين المرأة وأختها، فلان يحرم الجمع بين المرأة وابنتها أولى.

فإن بانت الام قبل الدخول حلت له البنت، وإن دخل بالام حرمت عليه البنت على التأبيد، لقوله تعالى (وربائبكم اللاتى في حجوركم

من نسائكم اللاتى دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم، وتحرم عليه كل من ينتسب إلى إمرأته بالبنوة من بنات أولادها وأولاد أولادها وإن سفلن من وجد منهن ومن لم يوجد، كما تحرم البنت وتحرم عليه حليلة الابن لقوله تعالى (وحلائل أبنائكم) وتحرم عليه حليلة كل من ينتسب إليه بالبنوة من

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 217)

________________________________________

بنى الاولاد وأولاد الاولاد لما بيناه، وتحرم عليه حليلة الاب لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وتحرم عليه حليلة كل من يدلى إليه بالابوة من الاجداد لما ذكرناه.

ومن حرم عليه بنكاحه أو بنكاح أبيه أو ابنه حرم عليه بوطئه أو وطئ أبيه أو إبنه في ملك أو شبهة لان الوطئ معنى تصير به المرأة فراشا فتعلق به تحريم المصاهرة كالنكاح ولان الوطئ في إيجاب التحريم آكد من العقد، بدليل أن الربيبة تحرم بالعقد تحريم جمع وتحرم بالوطئ على التأبيد، فإذا ثبت تحريم المصاهرة بالعقد فلان يثبت بالوطئ أولى، واختلف قوله في المباشرة فيما دون الفرج بشهوة في ملك أو شبهة فقال في أحد القولين هو كالوطئ في التحريم لانها مباشرة لا تستباح إلا بملك فتعلق بها تحريم المصاهرة كالوطئ، والثانى لا يحرم بها ما يحرم بالوطئ، لقوله تعالى (فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) ولانها مباشرة لا توجب العدة فلا يتعلق بها التحريم كالمباشرة بغير شهوة، وإن تزوج إمرأة ثم وطئ أمها أو بنتها أو وطئها أبوه أو ابنه بشبهة انفسخ النكاح لانه معنى يوجب تحريما مؤبدا فإذا طرأ على النكاح أبطله كالرضاع.

(الشرح) الاربع المنصوص على تحريمهن بالمصاهرة، فأما الزوجة والربيبة وحليلة الابن وحليلة الاب لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقوله تعالى (وأمهات نسائكم وربائكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم

بهن) فأما أم الزوجة فإن الرجل إذا عقد النكاح على إمرأة حرمت عليه كل أم لها حقيقة أو مجازا من جهة النسب أو من جهة الرضاع سواء دخل بها أو لم يدخل وبه قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه أنه قال: لا تحرم عليه الا بالدخول بالبنت كالربيبه، وبه قال مجاهد.

وقال زيد: الموت يقوم مقام الدخول.

دليلنا قوله تعالى (وأمهات نسائكم) وبالعقد عليها تدخل في اسم نساء العاقد عليها وروى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نكح امرأة طلقها قبل الدخول بها حرمت عليه أمها ولم تحرم عليه بنتها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 218)

________________________________________

وأما الربيبة فهى بنت زوجته فإذا عقد النكاح على إمرأة حرمت عليه ابنتها حقيقة ومجازا من النسب والرضاع ثم الجمع، فإن دخل بالام حرمت عليه ابنتها على التأبيد، وإن ماتت الزوجة أو طلقها قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج بابنتها، وسواء كانت الربيبة في حجره وكفالته أو لم تكن، وبه قال عامه أهل العلم وقال داود: إنما تحرم عليه الربيبة إذا كانت في حجره وكفالته، فإن لم تكن في حجره وكفالته لم تحرم عليه، وإن دخل بأمها.

وروى ذلك عن على بن أبى طالب وقال زيد بن ثابت: تحرم عليه إذا دخل بأمها أو ماتت.

دليلنا ما رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (من نكح إمرأة ثم طلقها قبل الدخول بها حرمت عليه أمها ولم تحرم عليه ابنتها) .

فأما التربية فلا تأثير لها في التحريم كتربية الاجنبية، وأما الآية فلم يخرج ذلك مخرج الشرط، وإنما وصفها بذلك تعريفا لها، كأن العادة أن الربية تكون في حجره، وأما حليلة الابن، فإن الرجل إذا عقد النكاح على إمرأة حرمت على

أب الزوج سواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها لقوله تعالى (وحلائل ابنائكم الذين من أصلابكم) وبالعقد عليها يقع عليها اسم الحليلة، وسواء كان ابنه حقيقة أو مجازا، وسواء كان ابنه من الرضاع حقيقة أو مجازا لما ذكرناه في المحرمات من النسب.

فإن قيل: فقد قال الله تعالى (وحلائل ابنائكم الآية) فدليل خطابه يدل على أنه لا تحرم حلائل الابناء من الرضاع.

فالجواب أن دليل الخطاب إنما يكون حجه إذا لم يعارضه نص وههنا نص أقوى منه فقدم عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) رواه أبو داود وغيره من حديث عائشة رضى الله عنهما.

وأما حليلة الاب فإن الرجل إذا تزوج إمرأة حرمت على ابن الزوج سواء دخل بها أو لم يدخل بها لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف) ولا فرق بين الاب حقيقة أو مجازا، وسواء كان الاب من الرضاع حقيقة أو مجازا لما ذكرناه في المحرمات من النسب والله أعلم.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 219)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها، فقال لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح ولا تحرم بالزنا أمها ولا ابنتها ولا تحرم هي على ابنه ولا على أبيه للآية والخبر، ولانه معنى لا تصير به المرأة فراشا فلم يتعلق به تحريم المصاهرة كالمباشرة بغير شهوة، وإن لاط بغلام لم تحرم عليه أمه وابنته للآية والخبر، وإن زنى بامرأة فأتت منه بابنة فقد قال الشافعي رحمه الله أكره أن يتزوجها، فان تزوجها

لم أفسخ، فمن أصحابنا من قال: إنما كره خوفا من أن تكون منه، فعلى هذا إن علم قطعا أنها منه بأن أخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه لم تحل له.

ومنهم من قال: إنما كره ليخرج من الخلاف، لان أبا حنيفه يحرمها، فعلى هذا لو تحقق أنها منه لم تحرم، وهو الصحيح، لانها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب فلم يتعلق بها التحريم، كالولادة لما دون ستة أشهر من وقت الزنا، واختلف أصحابنا في المنفية باللعان، فمنهم من قال: يجوز للملاعن نكاحها لانها منفيه عنه فهى كالبنت من الزنا، ومنهم من قال: لا يجوز للملاعن نكاحها لانها غير منفية عنه قطعا، ولهذا لو أقر بها ثبت النسب.

(الشرح) حديث عائشة أخرجه البيهقى في السنن وضعفه وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر، قال العلقمي: قال الدميري: هذا يدل لمذهب الشافعي أن الزنا لا يثبت حرمة المصاهرة حتى يجوز للزاني أن ينكح أم المزني بها، وقد ورد في هذا المعنى أحاديث لكل واحد منها مدلوله عند المخالفين فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (الزانى المجلود لا ينكح إلا مثله) رواه أحمد وأبو داود، وقال في الفتح رجاله ثقات.

وعن عبد الله بن عمرو (أن رجلا من المسلمين اسْتَأْذَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إمرأة يقال لها: أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه فاستأذن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 220)

________________________________________

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذكر له أمرها فقرأ عليه نبى الله صلى الله عليه وسلم (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) رواه أحمد والطبراني في الكبير والاوسط، قال الهيثمى في مجمع الزوائد: ورجال أحمد ثقات.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أن مرثد بن أبى مرثد الغنوى كان يحمل الاسارى بمكة، وكان بمكه بغى يقال لها عناق وكانت صديقته قال: فجئت

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رسول الله أنكح عناقا؟ قال: فسكت عنى فنزلت (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) فدعاني فقرأها على وقال: لا تنكحها) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.

ويمكن الجمع بين الاحاديث بأن المنع لمن كانت مستمرة في مزاولة البغاء يدل على هذا ما روى عن ابن عباس عند أبى داود والنسائي قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال (إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال: غربها، قال: أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها) قال المنذرى: ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين.

وذكر الدارقطني أن الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة بن أبى حفصة وأن الفضل بن موسى السينانى تفرد به عن الحسن بن واقد، وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية وقال: هذا الحديث ليس بنابت، وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب.

وقال الامام أحمد: لا تمنع يد لامس تعطى من ماله.

قلت: فإن أبا عبيدة يقول: من الفجور، قال ليس عندنا إلا أنها تعطى من ماله، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بإمساكها وهى تفجر، وسئل عنه ابن الاعرابي فقال: من الفجور.

وقال الخطابى معناه الزانية وأنها مطاوعه لمن أرادها لا ترد يده.

وعن جابر عند البيهقى بنحو حديث ابن عباس هذا، وفى الادلة التى ساقوها ما يمنع أن تتزوج المرأة من ظهر منه الزنا، والرجل أن يتزوج من ظهر منها الزنا ويدل على ذلك قوله تعالى (وحرم ذلك على المؤمنين فإنه صريح في التحريم.

قال ابن رشد: اختلفوا في قوله تعالى (وحرم ذلك على المؤمنين) هل خرج مخرج الذم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 221)

________________________________________

أو مخرج التحريم، وهل الاشارة في قوله ذلك إلى الزنا أو إلى النكاح، قال وانما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على التحريم لحديث ابن عباس الذى

سقناه.

وقد حكى الرويانى عن على وابن عباس وابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهرى والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبى ثور أنها لا تحرم على من زنى بها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحرم الحلال الحرام) أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر وحكى عن الحسن البصري انه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها على التأبيد واستدل بالاية.

وحكى أيضا عن قتادة وأحمد إلا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم، وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزانى المشرك، واستدل بقوله تعالى (أو مشركة) قال وهى تحرم على الفاسق المسلم بالاجماع، ولا يخفى ما في هذا من تأويل يعطل فائدة الآية إذ منع النكاح مع الشرك والزنا حاصل بغير الاية، ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزانى والزانية.

وقال في البيان: إذا زنى بامرأة لم ينتشئ بهذا الزنا تحريم المصاهرة.

فلا يحرم على الزانى نكاح المرأة التى زنى بها ولا أمها ولا ابنتها ولا تحرم الزانية على أبى الزانى ولا على أبنائه، وكذلك إذا قبلها بشهوة حراما، أو لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة حراما.

ثم قال وانفرد الاوزاعي وأحمد رحمه الله عليهما انه إذا لاط بغلام حرم عليه بنته وأمه.

وقال أبو حنيفة: إذا قبل امرأة بشهوة حراما أو لمسها بشهوة حراما أو كشف عن فرجها ونظر إليه تعلق به تحريم المصاهرة، وان قبل أم امرأته انفسخ به نكاح امرأته.

وإن قبل رجل امرأة ابنه انفسخ نكاح الاب.

دليلنا قَوْله تَعَالَى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) وقوله تعالى (وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) فأثبت تعالى الصهر في الموضع الذى أثبت فيه النسب.

فلما لم يثبت بالزنا النسب فلم يثبت به الصهر ولحديث عائشة وابن عمر مرفوعا

عند البيهقى وابن ماجه (لا يحرم الحرام الحلال) والعقد قبل الزنا حلال.

وروى أن عمر رضى الله عنه جلد رجلا وامرأة وحرص أن يجمع بينهما في النكاح.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 222)

________________________________________

وسئل ابن عباس رضى الله عنه عن رجل زنى بامرأة وأراد ان يتزوجها فقال يجوز، أرأيت لو سرق رجل من كرم رجل ثم ابتاعه أكان يجوز؟ (فرع)

فإن زنى بامرأة فأتته بإبنة يمكن ان تكون منه بأن تأتى بها لستة أشهر من وقت الزنا فلا خلاف بين أهل العلم انه لا يثبت نسبها من الزانى ولا يتوارثان، وأما نكاحه لها فقد قال الشافعي رضى الله عنه أكره له ان يتزوجها فإن تزوجها لم أفسخ، واختلف اصحابنا في العلة التى لاجلها كره الزانى ان يتزوج بها، فمنهم من قال انما كره ذلك ليخرج من الخلاف، فإن من الناس من قال لا يجوز له نكاحها فهلى هذا لو تحقق انها من مائه بأن اخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه انها من مائه لم يحرم عليه نكاحها، لان علة الكراهة حصول الاختلاف لا غير.

ومنهم من قال إنما كره له ذلك بإمكان ان يكون من مائه لانه لم يتحقق ذلك، فلو تحقق انها من مائه بأن اخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه انها من مائه لم يجز له تزويجها، هذا مذهبنا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لا يجوز له تزويجها، واختلف اصحاب ابى حنيفة في علة تحريمها، فقال المتقدمون من أصحابه إنما حرم نكاحها لكونها ابنة من زنى بها لا انها ابنته من الزنا، وانما الزنا عنده ثبت به تحريم المصاهرة على ما مضى.

فعلى هذا لا تحرم على آبائه ولا ابنائه.

وقال المتأخرون من اصحابه انما حرم نكاحها لكونها مخلوقة من مائه، فعلى هذا تحرم على آبائه وابنائه، وهذا اصح عندهم، دليلنا أنها منفية عنه قطعا بدليل انه

لا يثبت بينهما التوارث ولا حكم في احكام الولادة، فلم يحرم عليه نكاحها كالاجنبية وان أكره رجل امرأة على الزنا فأتت منه بإبنة فحكمه حكم ما لو طاوعته على الزنا لانه زنا في حقه.

(فرع)

وان اتت امرأة بإبنة فنفاها باللعان فان كان قد دخل بالزوجة لم يجز له التزوج بإبنتها لانها بنت امرأة دخل بها، وان لم يدخل بالام فهل يجوز له نكاح الابنه؟ فيه وجهان

(أحدهما)

يجوز له تزويجها لانها منفية عنه فهى كالابنة من الزنا.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 223)

________________________________________

(والثانى)

لا يجوز له تزويجها لانها غير منفية عنه قطعا، بدليل أنه لو أقر بها لحقته نسبتها، والابنة من الزنا لو عاد الزانى فأقر بنسبها لم يلحقه نسبها.

(فرع)

وإن زنى رجل بزوجة رجل لم ينفسخ نكاحها، وبه قال عامة العلماء وقال على بن أبى طالب: ينفسخ نكاحها وبه قال الحسن البصري.

دليلنا حديث ابن عباس في الرجل الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن امرأتي لا ترد يد لامس، وقد مضى تخريجه في أول الفصل، فكنى الرجل عن الزنا بقوله (لا ترد يد لامس) ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بانفساخ نكاحها.

(فرع)

ولو قال رجل: أنا أحيط علما أن لى في هذه البلدة امرأة يحرم على نكاحها بنسب أو رضاع أو صهر ولا أعلم عينها، جاز له أن يتزوج من تلك البلدة لان في المنع من ذلك مشقة، كما لو كان في يد رجل صيد فانفلت واختلط بصيد ناحية ولم يتميز، فإنه لا يحرم على الناس أن يصطادوا من تلك الناحية، وان اختلطت هذه المرأة بعدد محصور من النساء قل ذلك العدد أو كثر حرم عليه أن يتزوج بواحدة منهن، لانه لا مشقة عليه في اجتناب التزويج من العدد المحصور هكذا أفاده ابن الحداد المصرى من أصحابنا.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

(فصل)

ويحرم عليه أن يجمع بين أختين في النكاح لقوله عز وجل (وأن تجمعوا بين الاختين) ولان الجمع بينهما يؤدى إلى العداوة وقطع الرحم، ويحرم عليه أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) ولانهما امرأتان لو كانت احدهما ذكرا لم يحل له نكاح الاخرى، فلم يجز الجمع بينهما في النكاح كالاختين، فإن جمع بين الاختين أو بين المرأة وعمتها أو بين المرأة وخالتها في عقد واحد بطل نكاحهما لانه ليست احداهما بأولى من الاخرى فبطل نكاحهما، وان تزوج احداهما بعد الاخرى بطل نكاح الثانية لانها اختصت بالتحريم، وان تزوج احداهما ثم طلقها فإن كان طلاقا بائنا حلت له الاخرى لانه لم يجمع بينهما في الفراش، وان كان رجعيا لم تحل لانها باقية على الفراش.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 224)

________________________________________

وان قال أخبرتني بانقضاء العدة وأنكرت المرأة لم يقبل قوله في اسقاط النفقة والسكنى لانه حق لها، ويقبل قوله في جواز نكاح أختها لانه الحق لله تعالى، وهو مقلد فيما بينه وبينه، فان نكح وثنى وثنية ودخل بها أسلم وتزوج بأختها في عدتها لم يصح.

وقال المزني: النكاح موقوف على اسلامها، فان لم تسلم حتى انقضت العدة صح، كما يقف نكاحها على اسلامها.

وهذا خطأ لانها جارية إلى بينونة فلم يصح نكاح أختها كالرجعية، ويخالف هذا نكاحها، فإن الموقوف هناك الحل، والنكاح يجوز ان يقف حله ولا يقف عقده، ولهذا يقف حل نكاح المرتدة على انقضاء العدة ولا يقف نكاحها على الاسلام، ويقف حل نكاح الرجعية على العدة ولا يقف نكاح أختها على العدة.

(الشرح) حديث ابن هريرة رواه احمد والشيخان واصحاب السنن الاربعة

والدارقطني.

قال ابن عبد البر: أكثر طرقه متواترة عنه.

وزعم قوم انه تفرد به وليس كذلك.

قلت: رواه احمد والبخاري والترمذي من حديث جابر، وقال البيهقى عن الشافعي: ان هذا الحديث لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث الا عن ابى هريرة، وما ذكرناه من رواية جابر يدفعه.

قال البيهقى: هو كما قال الشافعي قد جاء من حديث عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وعبد الله بن عمرو وأنس وأبى سعيد وعائشة، وليس فيها شئ على شرط الصحيح، وإنما اتفقنا على اثبات حديث أبى هريرة.

وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبى عن جابر وبين الاختلاف على الشعبى فيه، قال والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية ابن عون وداود بن أبى هند اه.

قال الحافظ بن حجر: وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لان الشعبى أشهر بجابر منه بأبى هريرة، وللحديث طريق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن ابى جريج عن ابى الزبير عن جابر وقول من نقل عنهم البيهقى تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفى بتخريج البخاري له موصولا قوة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 225)

________________________________________

قال ابن عبد البر: كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبى هريرة، يعنى من وجه يصح، وكأنه لم يصح حديث الشعبى عن جابر وصححه عن ابى هريرة والحديثان جميعا صحيحان.

قال ابن حجر.

وأما من نقل البيهقى أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله، وفى الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة، قال وقع لى أيضا من حديث أبى الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبى وقاص

ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود.

قال وأحاديثهم موجودة عند ابن أبى شيبة وأحمد وأبى داود والنسائي وابن ماجه وابى يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم، ولولا خشية التطويل لاوردتها مفصله.

قال ولكن في لفظ حديث ابن عباس عند ابى داود أنه كره أن يجمع بين المرأة على العمة والخالة وقال إنكن إذا فعلتن قطعتن أرحامكن.

اه وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة) وأخرجه أيضا ابن ابى شيبة.

وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن ابيه عن ابى بكر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن ولكن الاحاديث التى مضى لنا ذكرها تدل على تحريم الجمع بين من ذكر في حديث ابى هريرة، لان ذلك هو معنى النهى حقيقة.

وقد حكاه الترمذي عن عامة أهل العلم.

وقال لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك وكذلك حكاه الشافعي عن جميع المفتين وقال لا اختلاف بينهم في ذلك، وقال ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم، وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج.

وهكذا حكى الاجماع القرطبى واستثنى الخوارج.

قال ولا يعتد بخلافهم.

وهكذا نقل الاجماع ابن عبد البر ولم يستثن، ونقل الاجماع ان حزم واستثنى عثمان البتى.

ونقله النووي في الروضة والمنهاج واستثنى في الروضة طائفة من الخوارج والشيعه.

ونقله ابن دقيق العيد عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف أما أحكام الفصل فإن المنصوص على تحريمها بالجمع فهى أخت الزوجة،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 226)

________________________________________

فلا يجوز للرجل أن يجمع بين الاختين في النكاح، سواء ان كانتا أختين لاب وأم أو لاب أو لام، وسواء كانتا أختين من النسب أو من الرضاع لقوله تعالى

(وأن تجمعوا بين الاختين) الايه، ولان العادة جارية ان الرجل إذا جمع ضرتين تباغضا وتحاسدا وتتبعت كل واحدة عيوب الاخرى وعوراتها، فلو جوزنا الجمع بين الاختين لادى ذلك إلى تباغضهما وتحاسدهما فيكون في ذلك قطع الرحم بينهما ولا سبيل إليه، وهو إجماع لا خلاف فيه، فإن تزوجهما معا في عقد واحد لم يصح نكاح واحدة منهما، لانه لا مزية لاحداهما على الاخرى، فبطل الجمع كما لو ابتاع درهمين بدرهمين، وان تزوج إحداهما ثم تزوج الثانية بطل نكاح الثانية دون الاولة، لان الجمع اختص بالثانية.

(فرع)

ويحرم عليه الجمع بين المرأة وعمتها الحقيقة والمجاز من الرضاع أو من النسب، ويحرم عليه الجمع بين المرأة وخالتها الحقيقة والمجاز من الرضاع أو من النسب.

دليلنا ما سقناه من أحاديث بلغت حد التواتر من طرفها الاول إلى مخرجيها ومدونيها.

قال العمرانى من أصحابنا.

ولان كل امرأتين منهما لو قلبت إحداهما ذكرا لم يجز له ان يتزوج بالاخرى بالنسب، فوجب ان لا يجوز الجمع بينهما في النكاح كالاختين، ولا يجوز أن يجمع بين المرأة وخالة أمها أو عمة أمها اه.

ويجوز الجمع بين امرأة كانت لرجل وبين ابنة زوجها الاول من غيرهما.

وقال ابن ابى ليلى (لا يجوز لانه لو قلبت ابنة الرجل ذكرا لم يحل له نكاح امرأة ابنه فهما كالاختين.

دليلنا قَوْله تَعَالَى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) لانه لو قلبت امرأة الرجل ذكرا لحل له نكاح الاخرى، ويخالف الاختين لانك لو قلبت كل واحدة منهما ذكرا لم يحل له الاخرى، ويجوز ان يجمع بين المرأة وبين زوجة ابيها لانه لا قرابه بينهما ولا رضاع، وكذلك إذا تزوج رجل له ابنة امرأة لها أبنه فيجوز لآخران يجمع بين ابنة الزوج وابنة الزوجه، لانه إذا جاز ان يجمع

بين المرأة وبين ابنة ضرتها لانه لا قرابة بينهما ولا رضاع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 227)

________________________________________

وإن تزوج رجل له ابن بامرأة لها ابنة جاز لابن الزوج أن يتزوج بابنة الزوجة لما روى أن رجلا له ابن تزوج إمرأة لها ابنة ففجر الغلام بالصبية فسألهما عمر رضى الله عنه فاعترفا فجلدهما وعرض أن يجمع بينهما، فأبى الغلام، ولانه لا نسب بينهما ولا رضاع.

فان قيل: أليس الرجل لو أولد من المرأة ولدا كان أخا أو أختا له فكيف يجوز له أن يتزوج بأخت أخيه؟ قلنا: إنه لا يجوز له التزوج بأخت نفسه، فأما بأخت أخيه فلا يمنع منه، فان رزق كل واحد منهما ولدا من امرأته كان ولد الاب ثم ولد الابن وخاله، فان تزوج بامرأة وتزوج ابنه بأمها جاز، لان أمها محرمة على أبيه دونه، فان رزق كل واحد منهما ولدا كان ولد الاب عم ولد الابن وولد الابن خال ولد الاب.

(فرع)

وإن تزوج بامرأة ثم طلقها وأراد أن يتزوج بأختها أو عمتها أو خالتها أو تزوج أربع نسوة وطلقهن واراد أن ينكح أربعا غيرهن أو طلق واحدة منهن وأراد أن يتزوج غيرها فان كان الطلاق قبل الدخول يصح تزويجه بلا خلاف، لانه لا عدة له على المطلقة، وان كان بعد الدخول فان كان الطلاق رجعيا لم يصح تزويجه قبل انقضاء العدة، لان المطلقة في حكم الزوجات، وإن كان الطلاق بائنا صح تزويجه عندنا قبل انقضاء العدة، وبه قال زيد بن ثابت رضى الله عنه والزهرى ومالك.

وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يصح، وروى ذلك عن على وابن عباس.

دليلنا أن المطلقة بائن منه فجاز له عقد النكاح على أختها كالبائن قبل الدخول.

(فرع)

قال الشافعي في الام: فان تزوج رجل إمرأة فطلقها طلاقا رجعيا

ثم قال الزوج: قد أخبرتني بانقضاء عدتها فأنكرت لم يقبل قوله في إسقاط نفقتها وكسوتها وسائر حقوقها، لانه حق لها فلم يقبل قوله في إسقاطه، وإن أراد أن يتزوج بأختها أو عمتها وصادقته التى تزوجها على ذلك صح تزويجه، لان الحق لله تعالى وهو مقدر فيما بينه وبينه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 228)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ومن حرم عليه نكاح امرأة بالنسب له أو بالمصاهرة أو بالجمع حرم عليه وطؤها بملك اليمين لانه إذا حرم النكاح فلان يحرم الوطئ وهو المقصود أولى وان ملك أختين فوطئ إحداهما حرمت عليه الاخرى حتى تحرم الموطوءة ببيع أو عتق أو كتابة أو نكاح.

فان خالف ووطئها لم يعد إلى وطئها حتى تحرم الاولى، والمستحب أن لا يطأ الاولى حتى يستبرئ الثانية حتى لا يكون جامعا للماء في رحم أختين، وإن تزوج إمرأة ثم ملك أختها لم تحل له المملوكة، لان أختها على فراشه، وإن وطئ مملوكة ثم تزوج أختها حرمت المملوكة وحلت المنكوحة، لان فراش المنكوحة أقوى، لان يملك به حقوق لا تملك بفراش المملوكة من الطلاق والظهار والايلاء واللعان.

فثبت الاقوى وسقط الاضعف كملك اليمين لما ملك به ما لا يملك بالنكاح من الرقبة والمنفعة إذا طرأ على النكاح ثبت وسقط النكاح.

 

(فصل)

وما حرم النكاح والوطئ بالقرابه حرم بالرضاع، لقوله تعالى (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعه) فنص على الام والاخت وقسنا عليهما من سواهما، وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) .

 

(فصل)

ومن حرم عليه نكاح امرأة على التأبيد برضاع أو نكاح أو وطئ مباح صار لها محرما في جواز النظر والخلوة، لانها محرمه عليه على التأبيد بسبب

غير محرم فصار محرما لها كالام والبنت، ومن حرمت عليه بوطئ شبهة لم يصر محرما لها لانها حرمت عليه بسبب غير مباح، ولم تلحق بذوات المحارم والانساب (الشرح) حديث عائشة رضى الله عنها مضى تخريجه.

اما الاحكام: فان الشرع ساوى بين الامة والحرة في تحريم الجمع بين الاختين كما لا يحل له نكاحها بنسب أو رضاع أو مصاهرة، لم يحل له وطؤها واسم النكاح يقع على الوطئ، ولان المقصود بعقد النكاح هو الوطئ، فإذا حرم عقد النكاح

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 229)

________________________________________

فلان يحرم الوطئ أولى، ويسرى على الاماء تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها في الوطئ، وإن كان يحل في الملك، لان الاستمتاع ليس غاية للملك، وإنما المقصود بالملك المنفعة وما ذكره المصنف فعلى وجهه.

(مسألة) إذا حرم عليه نكاح المرأة على التأبيد بنكاح أو رضاع أو وطئ مباح صار محرما لها في جواز النظر والخلوة، لانها محرمة عليه على التأبيد بسبب غير محرم فصار محرما لها كالام والابنة، وان حرم عليه نكاحها بوطئ شبهة فهل تصير محرما له؟ فيه قولان حكاهما الصيمري، المشهور أنها لا تصير محرما له لانها حرمت عليه بسبب غير مباح فلم يلحق بذوات الانساب.

والثانى: أنها تصير محرما له لانها لما ساوت من وطئت وطئا مباحا في تحريم النكاح ولحوق النسب من هذا الوطئ ساوتها في الخلوة والنظر.

(مسألة) إذا وطئ الرجل إمرأة بملك صحيح أو بشبه ملك أو بشبهة عقد نكاح أو وطئها زوجة أو أمة حرمت عليه أمهاتها وبناتها على التأبيد لانه وطئ يتعلق به لحوق النسب فتعلق به تحريم المصاهرة كالوطئ في النكاح، ولانه معنى تصير به المرأة فراشا فتعلق به تحريم المصاهرة كعقد النكاح، وهذا هو المشهور من المذهب.

وحكى المسعودي قولا آخر أنه لا يتعلق به تحريم المصاهرة بوطئ شبهة، وليس بشئ عن أصحابنا منهم صاحب البيان وغيره.

وإن باشر امرأة دون الفرج بشهوة في ملك أو شبهة بأن قبلها أو لمس شيئا من بدنها فهل يتعلق بذلك تحريم المصاهرة وتحرم عليه الربيبة على التأبيد؟ فيه قولان

(أحدهما)

يتعلق به التحريم، وبه قال ابو حنيفة ومالك.

وقالا: انه روى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وليس له مخالف في الصحابة، ولانه تلذذ بمباشرة فتلعق به تحريم المصاهرة والربيبة كالوطئ فقولنا: تلذذ احتراز من المباشرة بغير شهوة، وقولنا: بمباشرة احتراز من النظر.

 

(والثانى)

لا يتعلق به تحريم المصاهرة ولا الربيبة، وبه قال احمد بن حنبل لقوله تعالى (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) وهذا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 230)

________________________________________

ليس بدخول، ولانه لمس لا يوجب الغسل فلم يتعلق بن تحريم كالمباشرة بغير شهوة وإن نظر إلى فرجها بشهوة لم يتعلق به تحريم المصاهرة ولا تحريم الربيبة.

وقال الثوري وأبو حنيفة: يتعلق بها التحريم، وحكاه المسعودي قولا آخر للشافعي وليس بمشهور.

دليلنا أنه نظر إلى بعض بدنها فلم يتعلق به التحريم كما لو نظر إلى وجهها.

(فرع)

وإن تزوج إمرأة ثم وطئ بنتها أو أمها بشبهة أو وطئ الاب زوجة الابن بشبهة أو وطئ الابن زوجة الاب بشبهة انفسخ النكاح، لانه معنى يوجب تحريما مؤبدا، فإذا طرأ على النكاح أبطله كالرضاع.

إذا ثبت هذا: فإن تزوج رجل امرأة، وتزوج ابنه ابنتها، وزفت إلى كل منهما زوجة صاحبه ووطئها ولم يعلما، فان الاول لما وطئ غير زوجته منهما لزمه لها مهر مثلها وانفسخ نكاح الموطوءة من زوجها لانها صارت فراشا لابيه أو ابنه، ويجب عليه الغرم لزوجها، لانه حال بينه وبين بضع امرأة، وفيما يلزمه

قولان

(أحدهما)

جميع مهر المثل

(والثانى)

نصفه، كالقولين فيما يلزم المرضعة لزوج الرضيعة إذا انفسخ النكاح بإرضاع، وينفسخ نكاح الواطئ الاول من زوجته لان أمها أو ابنتها صارت فراشا له، فيجب عليه لامرأته نصف المسمى لان الفرقة جاءت من جهته.

وأما الواطئ الثاني فيلزمه مهر المثل للتى وطئها، ولا يجب عليه لزوجها شئ لانه لم يحل بينه وبين بضعها لان الحيلولة بينهما حصلت بوطئ الاول، ولا يجب على الثاني لزوجته أيضا شئ، لان الفرقة بينهما جاءت من قبلها بتمكينها الاول من نفسها، فإن عرف الاول منها أو الثاني، تعلق بوطئ كل واحدة منهما مهر المثل على الذى وطئها وينفسخ النكاحان، ويجب لكل واحدة منهما على زوجها نصف المسمى لها، لانا نتيقن وجوبه فلا يسقط بالشك ولا يرجع أحدهما على الآخر بشئ، لان ذلك انما وجب للثاني على الاول ولم يعلم الاول من الثاني، ويجب على كل واحدة منهما العدة، وان جاءت كل واحدة بولد لحق الولد بواطئها ولا حد على أحدهما، وهذا ان كان الواطئ والموطوءة جاهلين بالتحريم، وان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 231)

________________________________________

كانت جاهلة وهو عالم بالتحريم ثبت لها المهر ولا حد عليها ولا يجب عليها عدة، ولا يلحقه النسب، ولا يثبت بهذا الوطئ تحريم المصاهرة، ويجب على الواطئ الحد، وان كان الواطئ جاهلا بالتحريم والمرأة عالمة بالتحريم وجب عليها العده ولحق النسب به وثبت به تحريم المصاهرة ولا حد عليه ولا مهر لها وعليها الحد وجوبا.

(فرع)

وان تزوج رجل امرأة ثم تزوج أخرى فوطئ احداهما ثم بان أن احداهما أم الاخرى.

فان نكاح الاولة صحيح لانه لم يتقدمه ما يمنع صحته، ونكاح الثانية باطل، لان نكاح الاولى يمنع نكاح الثانية.

وأما الواطئ فان كان وطئ الاولى فقد صادف وطؤه زوجته واستقر به المسمى لها، ويفرق بينه وبين الثانية، وتحرم عليه على التأبيد، لانها ان كانت هي البنت فقد وطئ أمها، وان كانت هي الام فقد عقد على بنتها ووطئها، وان كانت الموطوءة هي الثانية وجب لها عليه مهر مثلها وانفسخ نكاح الاولى وحرمت عليه على التأبيد، لانها ثبت من وطئها بشبهة أو أمها، ووجب عليه للاولى نصف المسمى لها لان الفسخ من جهته، وهل يجوز أن يتزوج الثانية الانفراد؟ ينظر فيه، فان كانت البنت جاز له أن يتزوجها لانها ربيبة لم يدخل بأمها، وان كانت الام لم يجز له تزويجها، لانه قد عقد النكاح على ابنتها، وان وطئهما جميعا ثم بان أن احداهما أم الاخرى فان وطئ أولا المنكوحة أولا فقد صادف وطؤه زوجته فاستقر به عليه مهر مثلها المسمى، فلما وطئ الثانية لزم لها مهر مثلها وانفسخ نكاح الاولة بوطئ الثانية، ولا يسقط من مهر الاولة شئ، لان الفسخ وقع بعد الدخول.

وان وطئ أولا المنكوحة ثانيا ثم وطئ بعدها المنكوحة أولا، فان لما وطئ المنكوحة ثانيا أولا لزمه لها مهر مثلها وانفسخ بهذا الوطئ نكاحه من زوجته وهى المنكوحة أولا ولزمه لها نصف المهر المسمى، فإذا وطئ المنكوحة اولا بعد ذلك لزمه بهذا الوطئ مهر مثلها، وان اشكل الامر فلم يعلم المنكوحة اولا من المنكوحة ثانيا، ووطئ احداهما، وقف عنهما لجواز ان تكونا محرمتين عليه على التأبيد، فان كانت الموطوءة تعلم عينها وجب لها اقل الامرين من مهر

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 232)

________________________________________

المثل أو المسمى لها لانها تستحق ذلك بيقين، لانها إن كانت هي المنكوحة أولا فلها المسمى، وان كانت هي المنكوحة ثانيا فلها مهر المثل وتوقف الزيادة حتى تتبين، وان كانت الموطوءة أيضا مشكلة وقف أقل المهرين بينهما حتى يتبين أو

يصطلحا.

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

ويحرم على المسلم أن يتزوج ممن لا كتاب له من الكفار، كعبدة الاوثان ومن ارتد عن الاسلام، لقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) ويحرم عليه أن يطأ إماءهم بملك اليمين، لان كل صنف حرم وطئ حرائرهم بعقد النكاح حرم وطئ إمائهم بملك اليمين كالاخوات والعمات، ويحل له نكاح حرائر أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قبل التبديل لقوله تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ولان الصحابة رضى الله عنهم تزوجوا من أهل الذمة، فتزوج عثمان رضى الله عنه نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهى نصرانية وأسلمت عنده، وتزوج حذيفة رضى الله عنه بيهودية من أهل المدائن، وسئل جابر رضى الله عنه عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال (تزوجنا بهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبى وقاص) ويحل له وطئ امائهم بملك اليمين، لان كل جنس حل نكاح حرائرهم حل وطئ امائهم كالمسلمين، ويكره أن يتزوج حرائرهم وأن يطأ اماءهم بملك اليمين، لانا لا نأمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين أو يتولى أهل دينها، فإن كانت حربية فالكراهية أشد، لانه لا يؤمن ما ذكرناه، ولانه يكثر سواد أهل الحرب، ولانه لا يؤمن أن يسبى ولده منها فيسترق.

 

(فصل)

وأما غير اليهود والنصارى من أهل الكتاب، كمن يؤمن بزبور داود عليه السلام وصحف شيث، فلا يحل للمسلم أن ينكح حرائرهم ولا أن يطأ اماءهم بملك اليمين لانه قيل أن ما معهم ليس من كلام الله عز وجل وانما هو شئ نزل به جبريل عليه السلام كالاحكام التى نزل بها على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 233)

________________________________________

من غير القرآن، وقيل ان الذى معهم ليس بأحكام وانما هي مواعظ، والدليل عليه قوله تعالى (انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد التبديل لا يجوز للمسلم أن ينكح حرائرهم ولا أن يطأ اماءهم بملك اليمين لانهم دخلوا في دين باطل فهم، كمن ارتد من المسلمين، ومن دخل فيهم ولا يعلم أنهم دخلوا قبل التبديل أو بعده كنصارى العرب وهم تنوخ وبنو تغلب وبهراء لم يحل نكاح حرائرهم ولا وطئ امائهم بملك اليمين، لان الاصل في الفروج الحظر فلا تستباح مع الشك.

(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: وأهل الكتاب الذين يحل نكاحهم اليهود والنصارى دون المجوس، وجملة ذلك أن المشركين على ثلاثه أضرب: ضرب لهم كتاب وضرب لا كتاب لهم ولا شبهة، وضرب لهم شبهة كتاب، فأما الضرب الذين لهم كتاب فاليهود والنصارى، وليس بين أهل العلم اختلاف في حرائر أهل الكتاب.

وممن روى عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم.

قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الاوائل أنه حرم ذلك.

وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبد تزوجوا نساء من أهل الكتاب، وبه قال سائر اهل العلم، وحرمته الامامية تمسكا بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) دليلنا قوله تعالى (يسئلونك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ، قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ إلى قوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) قال ابن عباس: هذه الآية نسخت قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) لان المائدة نزلت بعد البقرة، وقد نكح عثمان نصرانيه، ونكح حذيقه يهودية، وسئل جابر

ابن عبد الله، عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية، فقال: تزوجناهن بالكوفة عام الفتح، يعنى فتح العراق، إذ لم نجد مسلمه، فلما انصرفنا طلقناهن، نساؤهم حل لنا ونساؤنا يحرمن عليهم.

وأما من لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب فهم عبدة الاوثان، وهم قوم يعبدون

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 234)

________________________________________

ما يستحسنون من حجر وحيوان وشمس وقمر ونار وأنهار وأشجار ولا يجوز اقرارهم على دينهم ولا يجوز نكاح حرائرهم، وإن ملكت منهم أمة لم يحل وطؤها بملك اليمين لقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فيحرم نكاح المشركات ثم نسخ منه نكاح أهل الذمة على قول من يجعل الاستثناء من العام نسخا في قدره، وبقى الباقي منهم على عموم التحريم.

وأما من لهم شبهة كتاب وهم المجوس ولا خلاف أنه ليس لهم كتاب موجود وهل كان لهم كتاب ثم رفع؟ فيه قولان يأتيان في موضعهما إن شاء الله إذا ثبت هذا فيجوز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية، ولا يحل نكاح حرائرهم.

وحكى عن أبى إسحاق المروزى أنه قال: إذا قلنا إن لهم كتابا حل نكاح حرائرهم والاول هو المذهب.

وقد ذهب ابن حزم إلى جواز نكاح حرائرهم في كتابه الفصل في الملل والاهواء والنحل بناء على وجوب الجزية عليهم، وهو أخذ بالقياس الذى يرفضه ويحمل عليه في جميع كتبه التى تدور كلها على ذم القياس وتزييفه ودحضه.

ودليلنا قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وهذا عام في كل مشركة إلا ما قام عليه دليل وهو أهل الكتاب، وهؤلاء غير متمسكين بكتاب فلم تحل مناكحتهم، وقال ابراهيم الحربى روى عن بضعة عشر نفسا من الصحابة رضى الله عنهم أنهم قالوا: لا يحل لنا

نكاح نسائهم.

وقال أبو ثور: يحل لنا نكاح حرائرهم قياسا على الجزيه.

وقد قلنا إن هؤلاء ليسوا أهل كتاب فلم تحل مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم كعبدة الاوثان.

وأما قول أبى إسحاق من أصحابنا وابى ثور من الفقهاء فغير صحيح، لانه لو جاز نكاحهم على القول بأن لهم كتابا لحل قتالهم على القول الذى يقول: لا كتاب لهم.

هكذا أفاده العمرانى في البيان.

(فرع)

فأما المتمسكون بالكتب التى نزلت على الانبياء صلوات الله عليهم كمن تمسك بصحف ابراهيم وزبور داود وشيث عليهم السلام، فلا يحل نكاحهم ولا وطئ الاماء منهم بملك اليمين، ولا يحل أكل ذبائحهم، وعلل الشافعي رضى الله عنه ذلك بعلتين إحداهما أن تلك الكتب ليس فيها أحكام، وانما هي

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 235)

________________________________________

مواعظ فلم تثبت لها حرمة.

والثانيه: أنها ليست من كلام الله سبحانه وتعالى، وانما كانت وحيا منه وقد يوحى ما ليس بقرآن كما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: أتانى جبريل يأمرنى أن أجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ولم يكن ذلك قرآنا وكلاما من الله تعالى، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد وأفاده العمرانى.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

واختلف أصحابنا في السامرة والصابئين، فقال أبو إسحاق: السامرة من اليهود والصابئون من النصارى، واستفتى القاهر أبا سعيد الاصطخرى في الصابئين فأفتى بقتلهم لانهم يعتقدون أن الكواكب السبعه مديرة، والمذهب أنهم ان وافقوا اليهود والنصارى في أصول الدين من تصديق الرسل والايمان بالكتب كانوا منهم، وان خالفوهم في أصول الدين لم يكونوا منهم وكان حكمهم حكم عبدة الاوثان.

واختلفوا في المجوس، فقال أبو ثور يحل نكاحهم لانهم يقرون على دينهم بالجزيه كاليهود والنصارى.

وقال أبو إسحاق: ان قلنا انهم كان لهم كتاب حل نكاح حرائرهم ووطئ امائهم والمذهب انه لا يحل لانهم غير متمسكين بكتاب فهم كعبدة الاوثان.

وأما حقن الدم فلان لهم شبهة كتاب والشبهة في الدم تقتضي الحقن وفى البضع تقتضي الحظر.

وأما ما قال أبو إسحاق فلا يصح لانه لو جاز نكاحهم على هذا القول لجاز قتلهم على القول الآخر.

 

(فصل)

ويحرم عليه نكاح من ولد بين وثنى وكتابيه لان الولد من قبيلة الاب ولهذا ينسب إليه ويشرف بشرفه، فكان حكمه في النكاح حكمه، ومن ولد بين كتابي ووثنيه ففيه قولان

(أحدهما)

أنها لا تحرم عليه، لانها من قبيلة الاب، والاب من أهل الكتاب

(والثانى)

أنها تحرم لانها لم تتمحض كتابية فأشبهت المجوسية.

(الشرح) الاحكام: السامرة والصابئون.

قال الشافعي رضى الله عنه في موضع: السامرة صنف من اليهود، والصابئون صنف من النصارى، وتوقف الشافعي رضى الله عنه في موضع آخر في حكمهم، فقال أبو إسحاق: انما توقف

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 236)

________________________________________

في حكمهم قبل أن يتيقن أمرهم، فلما تيقن أمرهم ألحقهم بهم.

وحكى أن القاهر العباسي استفتى في الصابئة فأفتاه أبو سعيد الاصطخرى أنهم ليسوا من أهل الكتاب.

لانهم يقولون: إن الفلك حى ناطق، وإن الانجم السبعة آلهة، وهما الشمس والقمر والمشترى (جوبتير) وزحل والمريخ وزهرة وعطارد، فأفتى بضرب رقابهم فجمعهم القاهر ليقتلهم فبذلوا له مالا كثيرا فتركهم.

وهؤلاء يتفقون مع قدماء اليونان في عبادة الزهرة والمريخ، وفينوس إله الجمال واكوس إله النبيذ وجوبتير، أما السامريون فيقال انهم أصحاب موسى السامري وقبيله.

وهم يقطنون نابلس من أرض فلسطين كشف الله البلاء عنها وأزاح غمتها،

وفرج الكروب الملمة، والنكبات المدلهمة التى حاقت بالقدس الشريف.

وعلينا أن تنظر في أمر الفريقين فإن كانوا يخالفون اليهود والنصارى في أصول دينهم فليسوا منهم، وإن كانوا يوافقونهم ولا أظن الصابئين يوافقونهم في أصول دينهم ويخالفونهم في الفروع فهم منهم، كما أن المسلمين ملة واحدة لاتفاقهم في أصول الدين، وإن اختلفوا في الفروع.

وقال المقريزى: اعلم أن طائفة السمرة ليسوا من بنى اسرائيل البنة، وانما هم قوم قدموا من المشرق وسكنوا بلاد الشام وتهودوا، إلى أن قال: وعرفوا بين الامم بالسامرة لسكناهم بمدينة شمرون، وشمرون هذه هي مدينة نابلس.

(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: ولا أكره نساء أهل الحرب الا لئلا يفتن مسلما عن دينه، وجملة ذلك أن الحربية من أهل الكتاب يجوز نكاحها اعتبارا بالكتاب دون الدار.

إذا ثبت هذا فإنه يكره للمسلمين نكاح الكتابية بكل حال، لانه لا يؤمن أن تفتنه عن دينه، أو تزعزع عقيدة أبنائه منها ولطالما رأينا ملحدين وخونة وعملاء يرجع سبب ذلك إلى تأثرهم بأمهاتهم غير المسلمات أو خلطائهم ممن يطوون على الاسلام كشحا، ولا يودون لامته عزا، فيزلزون المثل الرفيعه في ضمائر هؤلاء المتفرنجين، فينقلبون حربا على أمتهم وعلى عقائدها وشرائعها، وقد كثرت جرائم هذا الصنف من الزواج الغر الجهول حتى تفشت مضاره فسنت حكومة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 237)

________________________________________

مصر قانونا بحظر الزواج من هؤلاء الاجنبيات على ضباط القوات المسلحه، وعلى رجال السلك الدبلوماسي من السفراء والقناصل والمفوضين ومن إليهم حتى لا تتسرب أسرارنا إلى العدو، وهذا يدل على بعد نظر الامام الشافعي رضى الله عنه ودقة فهمه وقوة اجتهاده حين كره ذلك لجميع أفراد الامه ولم يفرق بين فئه

وأخرى، لان كل مسلم على ثغرة من ثغور الاسلام.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ولا يحل له نكاح الامة الكتابيه لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) ولانها ان كانت لكافر استرق ولده منها، وان كانت لمسلم لم يؤمن أن يبيعها من كافر فيسترق ولده منها.

وأما الامة المسلمة فإنه ان كان الزوج حرا نظرت فإن لم يخش العنت وهو الزنا لم يحل له نكاحها لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله عز وجل (ذلك لمن خشى العنت منكم) فدل على انها لا تحل لمن لم يخش العنت، وان خشى العنت ولم تكن عنده حرة ولا يجد طولا، وهو ما يتزوج به حرة، ولا ما يشترى به أمة جاز له نكاحها للآية، وان وجد ما يتزوج به حرة مسلمة لم يحل له نكاح الامة لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم) فدل على أنه إذا استطاع ما ينكح به محصنة مؤمنه أنه لا بنكح الامة، وان وجد ما يتزوج به حرة كتابيه أو يشترى به أمة ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يجوز، لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم) وهذا غير مستطيع أن ينكح المحصنات المؤمنات

(والثانى)

لا يجوز، وهو الصحيح، لقوله تعالى (ذلك لمن خشى العنت منكم) وهذا لا يخشى العنت.

وان كانت عنده حرة لا يقدر على وطئها لصغر أو لرتق أو لضنى من مرض ففيه وجهان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 238)

________________________________________

(أحدهما)

يحل له نكاح الامة، لانه يخشى العنت.

 

(والثانى)

لا يحل، لان تحته حرة فلا يحل له نكاح الامة، والصحيح هو الاول، فان لم تكن عنده حرة ولم يقدر على طول حرة وخشى العنت فتزوج أمة ثم تزوج حرة أو وجد طول حرة أو أمن العنت لم يبطل نكاح الامة.

وقال المزني إذا وجد صداق حرة بطل نكاح الامة، لان شرط الاباحة قد زال، وهذا خطأ، لان زوال الشرط بعد العقد لا حكم له كما لو أمن العنت بعد العقد، وإن كان الزوج عبدا حل له نكاح الامة، وإن وجد صداق حرة ولم يخف العنت لانها مساوية له فلم يقف نكاحها على خوف العنت وعدم صداق الحرة كالحرة في حق الحر

(فصل)

ويحرم على العبد نكاح مولاته، لان أحكام الملك والنكاح تتناقض فإن المرأة بحكم الملك تطالبه بالسفر إلى المشرق، والعبد بحكم النكاح يطالبها بالسفر إلى المغرب، والمرأة بحكم النكاح تطالبه بالنفقة، والعبد بحكم الملك يطالبها بالنفقة، وإن تزوج العبد حرة ثم اشترته انفسخ النكاح، لان ملك اليمين أقوى لانه يملك به الرقبة والمنفعة، فأسقط النكاح، ويحرم على المولى أن يتزوج أمته لان النكاح يوجب للمرأة حقوقا يمنع منها ملك اليمين فبطل، وإن تزوج جارية ثم ملكها انفسخ النكاح لما ذكرناه في العبد إذا تزوج حرة ثم اشترته.

 

(فصل)

ويحرم على الاب نكاح جارية ابنه لان له فيها شبهة تسقط الحد بوطئها فلم يحل له نكاحها كالجارية المشتركة بينه وبين غيره، فإن تزوج جارية أجنبي ثم ملكها ابنه ففيه وجهان

(أحدهما)

انه يبطل النكاح لان ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاد فكان كملكه في إبطال النكاح

(والثانى)

لا يبطل لانه لا يملكها بملك الابن فلم يبطل النكاح.

(الشرح) لا يجوز للحر المسلم نكاح الامة المشركه سواء كانت وثنية أو كتابية وقال أبو حنيفة يجوز له نكاح الامة الكتابية، دليلنا قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم

المؤمنات، الآية، فدل على أنه لا يجوز نكاح الفتيات غير المؤمنات، ويجوز للحر المسلم أن ينكح الامة المسلمة بشرطين.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 239)

________________________________________

(أحدهما)

أن يكون عادما للطول وهو مهر حرة المحصنه.

والمحصنات هنا هن الحرائر ولو كن أبكارا، والمحصنات أيضا المزوجات والمحصنات العفائف، أحصنت المرأة عفت عن الزنا، وكل امرأة عفيفة محصنة ومحصنة، وكل امرأة مزوجة محصنة بالفتح فقط، والحصان بفتح الحاء المرأة العفيفة، ولعل اللفظ مأخوذ في الاصل من الحصن وهو المكان الذى لا يقدر عليه لارتفاعه، وحصن بالضم حصانة فهو حصين، والحصان بالكسر الفرس العتيق، ولعله سمى بذلك لان ظهره كالحصن لصاحبه.

وقيل إنه ضن بمائه فلم ينز إلا على كريمة.

ومن هذه المادة كان إذا أصاب الحر البالغ امرأته أو أصيبت الحرة البالغة بنكاح فهو إحصان في الاسلام والشرك، والمراد في نكاح صحيح، واسم الفاعل من أحصن إذا تزوج محصن بالفتح على غير قياس والمرأة محصنة أيضا على غير قياس، ولذا قال تعالى (المحصنات) .

 

(والثانى)

أن يكون خائفا من العنت، والعنت الخطأ وأيضا المشقة، يقال أكمة عنوت أي شاقة.

قال تعالى (عزيز عليه ما عنتم) وقال (ودوا ما عنتم) ومعناه هنا الفجور أو الوقوع في المشقة المفضية إلى الزنا، فإن خاف العنت أو لم يستطع الطول جاز له أن ينكح الامة المسلمة، وبه قال ابن عباس وجابر رضى الله عنهم.

ومن التابعين الحسن وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار والزهرى، ومن الفقهاء مالك والاوزاعي.

وقال أبو حنيفة: إذا لم يكن تحته حرة حل له نكاح الامة وإن لم يخف العنت سواء كان قادرا على صداق حرة أو غير قادر، وقال الثوري وأبو يوسف: إذا

خاف العنت حل له نكاح الامة، وان لم يعدم الطول.

وقال عثمان البتى: يجوز له أن يتزوج الامه بكل حال كالحرة.

دليلنا قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله (ذلك لمن خشى العنت منكم) فلم يجز نكاحها إلا مع وجود الشرطين، فإن وجد مهر حرة مسلمه لم يجز له نكاح الامة للآيه.

وإن كان مجنونا لم يحل له نكاح الامه لانه لا يخاف الزنا، وان كان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 240)

________________________________________

عادما لطول حرة مسلمه وخائفا للعنت فأقرضه رجل مهر حرة أو رضيت الحرة بتأخير الصداق عليه حل له نكاح الامه، لان عليه ضررا بتعلق الدين بذمته، وإن بذل له رجل هبة الصداق حل له نكاح الامه لان عليه منه في ذلك، وإن وجد طول حرة مسلمه إلا أنه لا يتزوج لقصور نسبه أو لم يزوجه أهل البلد إلا بأكثر من مهر المثل فله أن يتزوج أمة لانه غير قادر على حرة مسلمه، ووجود الشئ بأكثر من ثمن مثله بمنزلة عدمه، وان رضيت الحرة بدون مهر المثل وهو واجد له فهل له أن يتزوج أمة؟ فيه وجهان حكاهما المسعودي، وان كان تحته حرة صغيرة لا يقدر على وطئها، أو تحته كبيرة مريضه أو غائبه لا يصل فهل له أن يتزوج أمة؟ فيه وجهان

(أحدهما)

يجوز له نكاح الامه، لان الله تعالى شرط في نكاحها أن لا يستطيع نكاح المحصنات المؤمنات والشرط موجود

(والثانى)

لا يجوز له وهو الاصح لانه لا يخاف العنت.

(مسألة) لا يصح نكاح العبد لمولاته لتناقض أحكام الملك والنكاح في النفقه والسفر، لان العبد مستحق النفقه عليها وهى مستحقة النفقة عليه، وللمرأة أن تسافر بعبدها إلى أي بلد تشاء، وللزوج أن يسافر بزوجته إلى أي بلد يشاء، فلو صححنا نكاحه لمولاته لتناقضت الاحكام في ذلك، فإن تزوج حرة ثم ملكته

انفسخ نكاحها منه لان حكم ملك اليمين أقوى من النكاح.

ولا يصح للرجل أن ينكح جارية ولده لصلبه، ولا ولد ولده وان سفل لان له شبهه في ماله بدليل أنه يجب عليه إعفافه فصارت كجارية نفسه، وفى أحكام هذه الفصول فروع كثيرة اجتزأنا بأحراها بنظرة الاسلام إلى ظاهرة الرق لندعم بها ما قررنا في أول أبواب العتق.

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

(فصل)

ولا يجوز نكاح المعتدة من غيره لقوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ولان العدة وجبت لحفظ النسب، فلو جوزنا فيها النكاح اختلط النسب وبطل المقصود، ويكره نكاح المرتابة بالحمل بعد انقضاء العدة، لانه لا يؤمن ان تكون حاملا من غيره، فإن تزوجها ففيه وجهان.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 241)

________________________________________

(أحدهما)

وهو قول أبى العباس أن النكاح باطل لانها مرتابة بالحمل فلم يصح نكاحها، كما لو حدثت الريبة قبل النقضاء العدة.

 

(والثانى)

وهو قول أبى سعيد وأبى إسحاق أنه يصح، وهو الصحيح، لانها ريبه حدثت بعد انقضاء العدة فلم تمنع صحة العقد كما لو حدثت بعد النكاح، ويجوز نكاح الحامل من الزنا لان حملها لا يلحق بأحد فكان وجوده كعدمه.

(الشرح) الاحكام: لا يصح نكاح المعتدة من غيره لقوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) فالعزم على الشئ وعزمه عزما من باب ضرب عقد ضميره على فعله، والمعنى هنا لا تعزموا على عقدة النكاح في العدة، لان العزم عليه بعدها لا بأس به، ثم حذف على.

قال سيبويه: والحذف في هذه الآية لا يقاس عليه.

قال النحاس: يجوز أن يكون المعنى ولا يعقدوا عقدة النكاح، لان معنى

تعزموا وتعقدوا واحد قيل إن العزم على الفعل يتقدمه فيكون في هذا النهى مبالغة، لانه إذا نهى عن المتقدم على الشئ كان النهى عن ذلك الشئ بالاولى وحتى هنا غاية للنهى، وبلوغ الكتاب أجله كناية عن انقضاء العدة، والكتاب هنا هو الحد والقدر الذى رسم من المدة سماه كتابا لكونه محدودا ومفروضا.

كقوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) والمراد بالاجل آخر مدة العدة، وإن ارتابت بالحمل بأن أمارات الحمل وشكت هل هو حمل أو لا؟ فإن حدثت لها هذه الريبة قبل انقضاء العدة: ثم انقضت عدتها بالاقراء أو بالشهور والريبة باقية لم يصح نكاحها لانها تشك في خروجها من العدة والاصل بقاؤها.

وإن انقضت عدتها من غير ريبة فتزوجت ثم حدثت لها ريبة بالحمل لم تؤثر هذه الريبة، لان النكاح قد صح في الظاهر.

وإن انقضت عدتها بالشهور أو بالاقراء ثم حدثت لها ريبة بالحمل فيكره نكاحها، فإن تزوجها رجل فهل يصح، فيه وجهان

(أحدهما)

لا يصح لانها مرتابه بالحمل فلم يصح نكاحها، كما لو حدثت بها ريبه قبل انقضاء العدة ثم انقضت عدتها وهى مرتابه بالحمل فلم يصح نكاحها

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 242)

________________________________________

كذلك هذا مثله

(والثانى)

يصح نكاحها وهو المذهب لانها ريبة حدثت بعد انقضاء عدتها فلم تؤثر كما لو نكحت بعد انقضاء العدة ثم حدثت الريبه.

(فرع)

إذا زنت المرأة لم يجب عليها العدة، سواء كانت حائلا أو حاملا، فإن كانت حائلا جاز للزاني ولغيره عقد النكاح عليها وإن حملت من الزنا فيكره.

نكاحها قبل وضع الحمل، وهو أحد الروايتين عن أبى حنيفه رضى الله عنه وذهب ربيعه ومالك والثوري وأحمد وإسحاق رضى الله عنهم إلى أن الزانيه يلزمها العدة كالموطوءة بشبهه، فإن كانت حائلا اعتدت ثلاثه أقراء، وإن كانت حاملا

اعتدت بوضع الحمل، ولا يصح نكاحها قبل وضع الحمل.

قال مالك رضى الله عنه: إذا تزوج امرأة ولم يعلم أنها زانيه ثم علم أنها حامل من زنا فإنه يفارقها، فإن كان قد وطئها لزمه مهر المثل.

وقال ربيعه: يفارقها ولا مهر عليه.

وذهب ابن سيرين وأبو يوسف رضى الله عنهما إلى أنها ان كانت حائلا فلا عدة عليها، وإن كانت حاملا لم يصح عقد النكاح عليها حتى تضع وهى الرواية الاخرى عن أبى حنيفه.

دليلنا قَوْله تَعَالَى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحرم الحرام الحلال) والعقد على الزانيه كان حلالا قبل الزنا وقبل الحمل فلا يحرمه الزنا.

وروى أن رجلا كان له ابن تزوج امرأة لها ابنة ففجر الغلام بالصبيه، فسألهما عمر رضى الله عنه فأقرا فجلدهما وحرص أن يجمع بينهما بالنكاح فأبى الغلام ولم ير عمر رضى الله عنه انقضاء العدة، ولم ينكر عليه أحد، فدل على أنه اجماع ولانه وطئ لا يلحق به النسب، أو حمل لا يلحق بأحد فلم يمنع صحة النكاح كما لو لم يوجد.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ويحرم على الحر أن يتزوج بأكثر من أربع نسوة، لقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وروى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 243)

________________________________________

رضى الله عنهما (أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذ منهن أربعا) ويحرم على العبد أن يجمع بين أكثر من امرأتين.

وقال أبو ثور: يحل له أن يجمع بين أربع، وهذا خطأ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خطب وقال (من يعلم ماذا يحل للمملوك من النساء، فقال

رجل أنا، فقال كم؟ قال اثنتان، فسكت عمر) وروى ذلك عن على وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما.

(الشرح) حديث ابن عمر رواه أحمد وابن ماجه والترمذي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه، وأخرجه الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري بإسناده المذكور.

وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه.

وزاد أحمد في رواية: فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: إنى لاظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تمكث إلا قليلا، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لاورثهن منك ولآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبى رغال.

قال البزار: جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن.

وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: هذا الحديث غير محفوظ.

قال البخاري: وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لارجمنك.

وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح.

وحكى الحاكم عن مسلم أن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة.

قال فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة وقد اخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر الحكم فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه قال الحافظ بن حجر: ولا يفيد ذلك شيئا فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا منه بالبصرة، وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها فحديثه الذى حدث به في غير بلده مضطرب، لانه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة.

وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها، اتفق على ذلك أهل العلم كابن المدينى والبخاري

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 244)

________________________________________

وابن أبى حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم، وحكى الاثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح والعمل عليه، وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده وقال ابن عبد البر طرقه كلها معلولة، وقد أطال الدارقطني في العلل تخريج طرقه ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلا، ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك، وقد وافق معمر على وصله بحر كنيز السقاء عن الزهري ولكنه ضعيف وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك ويحيى ضعيف جدا، وأما الزيادة التى رواها أحمد عن عمر فأخرجها أيضا النسائي والدارقطني، قال الحافظ ابن حجر وإسناده ثقات وهذا الموقوف على عمر هو الذى حكم البخاري بصحته وقد توبع الحديث بما رواه أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحرث قال (أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فقال: اختر منهن أربعا) وفى رواية الحرث بن قيس، وفى إسناده مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وقد ضعفه غير واحد من الائمة، وقد توبع أيضا بما روى عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقى، وقد استدل جمهور أهل العلم بهذه الاخبار على تحريم الزيادة على أربع.

وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا، ووجههم قوله تعالى (مثنى وثلاث ورباع) ومجموع ذلك لا باعتبار ما فيه من العدل تسع.

وقد أخطأ الشوكاني في عزو ذلك إلى ابن الصباغ والعمراني وبعض الشيعة، والصحيح أن ابن الصباغ والعمراني ردا على القائلين بهذا كالقاسم بن ابراهيم وبعض الشيعة وبعض الظاهرية، وحاشا لبعض أصحابنا من الفحول ان يذهبا إلى حل أكثر من أربع، ونحن نعتمد في شرح هذا السفر على أقوال ابن الصباغ والعمراني وغيرهما من أصحابنا، ولم نجد لاحد منهم الذهاب إلى هذا المذهب.

وأما خبر عمر فقد أخرج الدارقطني بسنده إلى عمر رضى الله عنه قال (ينكح

العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الامة حيضتين) وقد روى البيهقى وابن أبى شيبة من طريق الحكم بن عتيبة أنه أجمع الصحابة على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين.

وقال الشافعي بعد أن روى ذلك عن على وعمر وعبد الرحمن بن عوف أنه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 245)

________________________________________

لا يعرف لهم من الصحابة مخالف.

وأخرجه ابن أبى شيبة عن جماهير التابعين عطاء والشعبى والحسن وغيرهم.

ويؤخذ من هذا الفصل الرد على القائلين بإباحة التزويج بأكثر من أربع لان الاحاديث التى سقناها تنتهض إلى درجة الحسن الذى ينتهض حجة للعمل به، ويجاب على استدلالهم بزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا مخصوص به، ويجاب عن الآية بأنه من المستساغ لغة أن تقول عن الف جاءوك: جاءني هؤلاء مثنى مثنى أو ثلاث، أو رباع إذا كان مجيئهم اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثه أو أربعة أربعة، ويؤيد ذلك كون الاصل في الفروج الحرمة، كما صرح به الخطابى، فلا يجوز الاقدام على شئ منه إلا بدليل.

وايضا هذا الخلاف مسبوق بالاجماع على عدم جواز الزيادة على الاربع كما صرح بذلك في البحر.

وقال في الفتح: اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ولا يجوز نكاح الشغار، وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته من رجل على أن يزوجه ذلك ابنته أو أخته، ويكون بضع كل واحدة منهما صداقا للاخرى، لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته من الرجل على أن يزوجه الآخر

ابنته وليس بينهما صداق) ولانه اشرك في البضع بينه وبين غيره فبطل العقد، كما لو زوج ابنته من رجلين.

فأما إذا قال زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك صح النكاحان، لانه لم يحصل التشريك في البضع، وإنما حصل الفساد في الصداق، وهو أنه جعل الصداق أن يزوجه ابنته فبطل الصداق وصح النكاح.

وإن قال زوجتك ابنتى بمائة على أن تزوجني ابنتك بمائة صح النكاحان ووجب مهر المثل، لان الفساد في الصداق وهو شرطه مع المائة تزويج ابنته، فأشبه المسألة قبلها.

وإن قال زوجتك ابنتى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 246)

________________________________________

بمائة على أن تزوجني ابنتك بمائة ويكون بضع كل واحدة منهما صداقا للاخرى ففيه وجهان

(أحدهما)

يصح لان الشغار هو الخالى من الصداق، وههنا لم يخل من الصداق

(والثانى)

لا يصح وهو المذهب، لان المبطل هو التشريك في البضع، وقد اشترك في البضع.

(الشرح) حديث ابن عمر رواه عنه نافع وأخرجه الشيخان وأصحاب السنن الاربعة وأحمد في مسنده والدارقطني، ولم يذكر الترمذي ما ورد من تفسير الشغار.

وأبو داود جعله من كلام نافع، وهو كذلك في رواية عند أحمد والشيخين وروى عن ابن عمر أيضا عند مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا شغار في الاسلام) وعند أحمد ومسلم أيضا عن أبى هريرة (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشغار، والشغار ان يقول الرجل للرجل زوجنى ابنتك وأزوجك ابنتى أو زوجنى أختك وأزوجك أختى) وأخرج أحمد وأبو داود عن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج (أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته.

وقد كانا جعلاه صداقا، فكتب معاوية بن ابى سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره

بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذى نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه) وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وصححه من حديث عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام، ومن انتهب فليس منا) وروى مثل ذلك عن جابر عند مسلم.

وأخرج البيهقى عن جابر أيضا (نهى عن الشعار، والشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه) وأخرج عبد الرزاق عن أنس مرفوعا (لا شغار في الاسلام، والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته) وأخرج أبو الشيخ من حديث ريحانه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن المشاغرة أن يقول: زوج هذا من هذه، وهذه من هذا بلا مهر) وأخرج الطبراني عن أبى بن كعب مرفوعا (لا شغار، قالوا يا رسول الله وما الشغار.

قال إنكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 247)

________________________________________

وقال الشافعي في حديث ابن عمر (لا أدرى التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك.

هكذا حكى عن الشافعي البيهقى في المعرفة.

قال الخطيب: تفسير الشغار لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما هو من قول مالك.

وهكذا قال غير الخطيب، قال القرطبى: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة، فإن كان مرفوعا فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لانه أعلم بالمقال وأقعد بالحال.

أما لغات الفصل فالشغار مادته من شغر البلد من باب قعد إذا خلا عن حافظ يمنعه، وشغر الكلب شغرا من باب نفع رفع إحدى رجليه ليبول، وشغرت رفعت رجلها للنكاح، وشغرتها فعلت بها ذلك يتعدى ويلزم وقد يتعدى بالهمز

فيقال أشغرتها.

وقال في المصباح: وشاغر الرجل الرجل شغارا من باب قتل زوج كل واحد صاحبه حريمته على أن بضع كل واحدة صداق الاخرى ولا مهر سوى ذلك وكان سائغا في الجاهلية.

قيل مأخوذ من شغر البلد، وقيل مأخوذ من شغر برجله إذا رفعها، والشغار وزان سلام: الفارغ اه.

قال ابن بطال: قال في الفائق: هو من قولهم شغرت بنى فلان من الباب إذا أخرجتهم قال: ونحن شغرنا ابني نزار كليهما

* وكلبا بطعن مرهب متقاتل ومنه قولهم: تفرقوا شغر بغر، لانهما إذا تبدلا بأختيهما فقد أخرج كل واحد منهما أخته إلى صاحبه وفارق بها إليه.

وقيل سمى شغارا لخلوه عن المهر من قولهم: شغر البلد إذا خلا عن أهله.

وقال في الشامل: وقيل سمى شغارا لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول.

الاحكام: قال العمرانى في البيان: ولا يصح الشغار، وهو أن يقول رجل لآخر: زوجتك ابنتى أو أختى أو امرأة يلى عليها، على أن تزوجني ابنتك أو أمك فيكون بضع كل واحدة منهما صداقا للاخرى، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وقال الزهري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يصح: ويجب مهر المثل اه دليلنا ما سقناه من الاحاديث والاخبار المستفيضة، ولانه حصل في البضع تشريك فلم يصح العقد مع ذلك، كما لو زوج ابنته من رجلين.

وبيان التشريك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 248)

________________________________________

أنه جعل البضع ملكا للزوج وابنته، لانه إذا قال زوجتك ابنتى فقد ملك الزوج بضعها، فإذا قال: على أن تزوجني ابنتك، فيكون بضع كل واحدة منهما مهرا للاخرى فقد شرك ابنة الزوج في ملك بضع هذه الزوجة، لان الشئ إذا جعل صداقا اقتضى تمليكه لمن جعل صداقا لها، فصار التشريك حاصلا في البضعين فلم

يصح.

إذا ثبت هذا فإنه إن قال زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك واقتصر على هذا فالنكاح صحيح لانه لم يحصل في البضع تشريك، وإنما حصل الفساد في الصداق، وهو أنه جعل مهر ابنته أن يزوجه الآخر ابنته ففسد المهر المسمى ووجب مهر المثل.

هذا نقل البغداديين من أصحابنا.

وقال المسعودي: هل يصح النكاح؟ فيه وجهان

(أحدهما)

يصح لما ذكرناه

(والثانى)

لا يصح لانهما لم يسميا صداقا صحيحا، ولكن جعل عقد نكاح كل واحدة منهما صداقا للاخرى، لانه أخرج ذلك مخرج الصداق، والاول هو المشهور.

وان قال: زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ويكون مهر كل واحدة منهما كذا وكذا، فيصح النكاحان ويبطل المهران المسميان، ويجب لهما مهر المثل سواء اتفق المهران أو اختلفا، لانه لم يحصل في البضعين تشريك، وانما حصلل الفساد في المهر لانه شرط مع المهر تزويج ابنته فهو كما لو قال: زوجتك ابنتى بمائة على أن تبيعني دارك، فإن النكاح صحيح والمهر باطل.

وان قال زوجتك ابنتى على أن تطلق زوجتك ويكون ذلك صداقا لابنتي صح النكاح ولا يلزمه أن يطلق زوجته ويجب للزوجة مهر المثل، لانه لم يسم لها صداقا صحيحا وان قال زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ويكون بضع ابنتك صداقا لابنتي صح النكاح الاول ولم يصح النكاح الثاني، لانه ملكه بضع ابنته في الابتداء من غير تشريك وشرط عليه شرطا فاسدا وهو التزويج فلم يؤثر في عقد الاولى.

والثانية هي التى حصل التشريك في بضعها.

وان قال زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ويكون بضع ابنتى مهرا لابنتك فالعقد على إبنة المخاطب باطل، لان التشريك حصل في بضعها، والعقد على إبنة القائل صحيح لانه لم يحصل في بضعها تشريك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 249)

________________________________________

وإن قال: زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ويكون بضع كل واحدة مائة درهم صداقا للاخرى ففيه وجهان

(أحدهما)

أن النكاحين صحيحان، ويجب لها مهر المثل، لان الشغار هو الخالى عن المهر، وههنا يخل عن المهر

(والثانى)

وهو الصحيح، أن النكاحين باطلان، لان التشريك في البضع موجود مع تسمية المهر والمفسد هو التشريك.

وإن قال زوجتك ابنتى وهذا الحائط فهل يصح النكاح؟ فيه وجهان حكاهما صاحب العدة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ولا يجوز نكاح المتعة وهو أن يقول: زوجتك ابنتى يوما أو شهرا لما روى محمد بن على رضى الله عنهما (أنه سمع أباه على بن أبى طالب كرم الله وجهه وقد لقى ابن عباس وبلغه أنه يرخص في متعة النساء، فقال له على كرم الله وجهه: إنك امرؤ تائه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الانسية) ولانه عقد يجوز مطلقا فلم يصح مؤقتا كالبيع ولانه نكاح لا يتعلق به الطلاق والظهار والارث وعدة الوفاة فكان باطلا كسائر الانكحة الباطلة.

 

(فصل)

ولا يجوز نكاح المحلل وهو أن ينكحها على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما وأن يتزوجها على أن يحللها للزوج الاول لما روى هزيل عن عبد الله قَالَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الواصلة والموصولة.

والواشمة والموشومة والمحلل والمحلل له، وآكل الربا ومطعمه) ولانه نكاح شرط انقطاعه دون غايته، فشابه نكاح المتعة.

وإن تزوجها على أنه إذا وطئها طلقها ففيه قولان

(أحدهما)

أنه باطل لما ذكرناه من العلة

(والثانى)

أنه يصح لان النكاح مطلق، وإنما شرط قطعه بالطلاق

فبطل الشرط وصح العقد، فإن تزوجها واعتقد أنه يطلقها إذا وطئها كره ذلك، لما روى أبو مرزوق التجينى (أن رجلا أتى عثمان رضى الله عنه فقال: إن جارى طلق امرأته في غضبه ولقى شدة فأردت أن أحتسب نفسي ومالى فأتزوجها ثم أبنى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 250)

________________________________________

بها ثم أطلقها فترجع إلى زوجها الاول، فقال له عثمان رضى الله عنه: لا تنكحها إلا بنكاح رغبة) فإن تزوج على هذه النية صح النكاح لان العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد، ولهذا لو اشترى عبدا بشرط أن لا يبيعه بطل، ولو اشتراه بنية أن لا يبيعه لم يبطل.

 

(فصل)

وإن تزوج بشرط الخيار بطل العقد لانه عقد يبطله التوقيت فبطل بالخيار الباطل كالبيع، وان شرط أن لا يتسرى عليها أو لا ينقلها من بلدها بطل الشرط لانه يخالف مقتضى العقد ولا يبطل العقد لانه لا يمنع مقصود العقد وهو الاستمتاع، فإن شرط أن لا يطأها ليلا بطل الشرط لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حلالا) فإن كان الشرط من جهة المرأة بطل العقد، وان كان من جهة الزوج لم يبطل، لان الزوج يملك الوطئ ليلا ونهارا وله أن يترك، فإذا شرط أن لا يطأها فقد شرط ترك ماله تركه والمرأة يستحق عليها الوطئ ليلا ونهارا، فإذا شرطت أن لا يطأها فقد شرطت منع الزوج من حقه، وذلك ينافى مقصود العقد فبطل.

(الشرح) حديث على كرم الله وجهه رواه عنه ولده محمد بن الحنفية وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم بلفظ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية زمن خيبر) وفى رواية (ونهى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الحمر الانسيه) وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم عَنْ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا

نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ معنا نساء، فقلنا ألا نختصى؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) الآيه.

وعن أبى جمرة سألت ابن عباس عن متعة النساء فرخص فقال له مولى له: انما ذلك في الحال الشديد وفى النساء قلة، فقال نعم) وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: انما كانت المتعة في أول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفه، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 251)

________________________________________

فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام) رواه الترمذي.

وفى إسناده موسى بن عبيد الربذى، وهو ضعيف، وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم ابن خلف القاضى المعروف بوكيع في كتابه الغرر بسنده المتصل بسعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في المتعة، فقد أكثر فيها حتى قال فيها الشاعر.

قال: وما قال: قال: قال: قلت للشيخ لما طال محبسه

* يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس وهل ترى رخصة الاطراف آنسة

* تكون مثواك حتى مصدر الناس قال: وقد قال فيه الشاعر، قلت نعم، قال فكرهما أو نهى عنها.

ورواه الخطابى عن سعيد قال: قد سارت بفتياك الركبان، وقالت فيها الشعراء، وذكر البيتين فقال سبحان الله، والله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا لمضطر وروى الرجوع أيضا البيهقى وأبو عوانة في صحيحه.

وقال ابن حجر بعد أن ذكر رجوع ابن عباس.

وذكر حديث سهل بن سعد عند الترمذي بلفظ (إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة لغربة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك)

أما حديث هذيل عن عبد الله فقد أخرجه النسائي، أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أبو نعيم عن سفيان عن أبى قبس عن هزيل عن عبد الله بلفظ المصنف، وعبد الله هو ابن مسعود وفى إسناده أبو قيس وهو عبد الرحمن ثروان الاودى روى عن هذيل بن شرحبيل وغيره.

قال عبد الله بن أحمد سألت أبى عنه فقال هو كذا وكذا وحرك يده وهو يخالف في أحاديث قال الحافظ الذهبي: خرج له البخاري حديثه عن هذيل قال: أخبر بن مسعود بقول أبى موسى في ميراث ابنة وابنة ابن وأخت.

وصحح الترمذي حديثه عن هذيل عن عبد الله في لعن المحلل.

وخرج له البخاري بالاسناد: إن أهل الجاهلية كانوا يسيبون.

الحديث.

وأخرجه الترمذي بلفظ (لعن الله المحلل والمحلل له) ولم يذكر بقية الحديث من الواصلة إلى غير ما ذكرنا.

وقال الترمذي بعد ذكر الحديث: هذا حديث حسن صحيح وأبو قيس الاودى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 252)

________________________________________

اسمه عبد الرحمن بن ثروان، وقد روى هذا الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وجه، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم، وهو قول الفقهاء من التابعين وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد واسحاق.

قال وسمعت الجارود بن معاذ يذكر عن وكيع أنه قال بهذا.

وقال ينبغى أن يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأى.

قال جارود: قال وكيع: وقال سفيان: إذا تزوج الرجل المرأة ليحللها ثم بدا له أن يمسكها فلا يحل له أن يمسكها حتى يتزوجها بنكاح جديد.

اه وقد أخرج الحديث أحمد في مسنده وأخرجه ابن ماجه والدارقطني كلها من

طريق ابن مسعود، وقد صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق.

وروى عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ألا أخبركم بالتيس المستعار.

قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له) أخرجه ابن ماجه والحاكم وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالارسال.

وحكى الترمذي عن البخاري أنه استنكره.

وقال أبو حاتم: ذكرته ليحيى بن بكير فأنكره انكارا شديدا، وسياق اسناده في سنن ابن ماجه هكذا، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصرى حدثنا أبى سمعت الليث بن سعد يقول.

قال لى مشرح بن عاهان قال عقبه بن عامر فذكره، ويحيى بن عثمان ضعيف وشرح قد وثقه ابن معين.

وأخرج ابن ماجه عن ابن عباس مثله، وفى اسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف.

وعن أبى هريرة عند أحمد واسحاق والبيهقي والبزار وابن أبى حاتم في العلل والترمذي في العلل، وحسنه البخاري، والاحاديث المذكورة تدل على تحريم التحليل، لان اللعن انما يكون على ذنب عظيم.

قال الحافظ بن حجر استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها وبانت منه أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك، ولا شك أن اطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها، لكن روى الحاكم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 253)

________________________________________

والطبراني في الاوسط عن عمر أنه جاء إليه رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لاخيه، هل تحل للاول.

قال لا إلا بنكاح رغبة.

كنا نعد هذا سفاحا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: وقال ابن حزم: ليس الحديث على عمومه في كل محلل إذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج، فصح أنه أراد به بعض المحللين، وهو من أحل

حراما لغيره بلا حجة، فتعين أن يكون ذلك فيمن شرط ذلك، لانهم لم يختلفوا في أن للزوج إذا لم ينو تحليلها للاول ونوت هي أنه لا يدخل في اللعن فدل على أن المعتبر الشرط اه أما اللغات فقوله: المتعة ومادته من المتاع وهو كل ما ينتفع به، وأصل المتاع ما يتبلغ به من الزاد، وهو اسم من متعته إذا أعطيته ذلك، ومتعة المطلقة ستأتي ومتعة الحج مضت ونكاح المتعة هو النكاح المؤقت في العقد.

قال في العياب كان الرجل يشارط المرأة شرطا على شئ إلى أجل معلوم ويعطيها ذلك فيستحل بذلك فرجها ثم يخلى سبيلها من غير تزويج ولا طلاق، وقيل في قوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) المراد نكاح المتعة، والآية محكمة والجمهور على تحريم نكاح المتعة.

وقالوا معنى قوله (فما استمتعتم) فما نكحتم على الشريطة التى في قوله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) أي عاقدين النكاح، واستمتعت بكذا وتمتعت به انتفعت.

وقوله (الحمر الانسية) كل حيوان إنسى ما كان أيسر، والوحشي من كل دابة الجانب الايمن.

قال الشاعر.

فمالت على شق وحشيها

* وقد ريع جانبها الايسر قال الازهرى، قال أئمة اللغة، الوحشى من جميع الحيوان غير الانسان الجانب الايمن، وهو الذى لا يركب منه الراكب ولا يحلب منه الحالب، والانسى الجانب الايسر وقد مضى له مزيد.

وقوله (انك امرؤ تائه) من التيه بكسر التاء المفازة، والتيهاء بالفتح والمد مثله.

وهى التى لا علامة فيها يهتدى بها وتاه الانسان في المفازة يتيه تيها ضل عن الطريق، وتاه يتوه توها لغة، وقد تيهته وتوهته.

ومنه يستعار لمن رام أمرا فلم يصادف الصواب، فيقال انه تائه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 254)

________________________________________

وقوله (الواصلة) وصلت المرأة شعرها بشعر غيره وصلا فهى واصلة، (واستوصلت) سألت أن يفعل بها ذلك، واسم الفاعل هنا مقرونا باسم المفعول (الواصلة والموصولة) معناه التى تصل الشعر لغيرها، والموصولة اتى يفعل بها ذلك (والواشمة والموشومة) وشمت المرأة يدها من باب وعد غرزتها بإبرة ثم ذرت عليها النؤر، وهو النيلج وتسميه العامة بمصر النيلة، وهو دخان الشحم، حتى يخضر.

أما الاحكام فلا يصح عندنا نكاح المتعة، وهو أن يتزوج لمدة معلومة أو مجهولة بأن يقول زوجنى ابنتك شهرا أو أيام الموسم، وبه قال جميع الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والفقهاء إلا ابن جريج فإنه قال يصح، وقد ورد ابن جريج خطأ في نيل الاوطار بابن جرير والصواب ما ذكرنا.

وقال ابن المنذر جاء عن الاوائل الرخصة فيها، ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى يخالف كتاب الله وسنة رسوله.

(قلت) ودليل المجيزين ما ثيت من اباحته صلى الله عليه وسلم لها في مواطن متعددة، منها في عمرة القضاء، كما أخرجه عبد الرزاق عن الحسن البصري وابن حبان عن سبرة، ومنها في خيبر كما في حديث ابن مسعود، ومنها عام الفتح كما في حديث سبرة أيضا.

ومنها يوم حنين رواه النسائي من حديث على.

قال في الفتح ولعله تصحيف عن خيبر، وذكره الدارقطني بلفظ حنين، ووقع في حديث سلمة في عام أوطاس.

قال السبيلى: وهو موافق لرواية من روى عام الفتح، فإنهما كانا في عام واحد، ومنها في تبوك رواه الحازمى والبيهقي عن جابر ولكنه لم يبحها لهم النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنيه مما يلى الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفنا برجالنا، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهن فأخبرناه، فغضب وقام فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه

ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ ولم نعد، ولا نعود فيها أبدا، فلهذا سميت ثنية الوداع، قال الذهبي وهذا اسناد ضعيف، لكن عند ابن حبان من حديث أبى هريرة ما يشهد له.

قال ابن حجر.

انه لا يصح من روايات الاذن بالمتعة شئ بغير علة الا في

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 255)

________________________________________

غزوة الفتح لان الاذن في عمرة القضاء من مراسيل الحسن وكل مراسيله ضعيفة وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر، لان القضاء وخيبر كانا في سنة واحدة، كالفتح وأوطاس، ويبعد كل البعد أن يقع في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح في أيام الفتح قبلها فإنها حرمت إلى يوم القيامة (مسألة) وأما نكاح المحلل فإن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا فإنها لا تحل له إلا بعد زوج وإصابة، فإذا طلق امرأته وانقضت عدتها منه ثم تزوجت بآخر بعده ففيها ثلاث مسائل إحداهن أن يقول: زوجتك ابنتى إلى أن تطأها أو إلى أن تحللها للاول، فإذا أحللتها فلا نكاح بينكما، وهذا باطل بلا خلاف للاحاديث في لعن المحلل والمحلل له ووصفه بالتيس المستعار، ولان هذا أفسد من نكاح المتعة لانه يعقده إلى مدة مجهولة.

الثانية أن يقول: زوجتك ابنتى على أنك ان وطئتها طلقتها.

أو قال تزوجتك على أنى إذا أحللتك للاول طلقتك، وكان هذا الشرط بنفس العقد ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أن النكاح باطل لقوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) ولم يفرق

(والثانى)

أن النكاح صحيح، والشرط باطل لان العقد وقع مطلقا من غير توقيت، وأنه شرط على نفسه الطلاق ولم يؤثر في النكاح، وانما بطل المهر، كما لو شرط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى عليها.

(الثالثة) ان شرط عليه قبل النكاح أنه إذا أحللها للاول طلقها أو تزوجها أو نوى بنفسه ذلك فعقد النكاح عقدا مطلقا فيكره له ذلك، فإن عقد كان العقد صحيحا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وقال مالك والثوري والليث وأحمد والحسن والنخعي وقتادة رضى الله عنهم لا يصح.

دليلنا ما روى الشافعي رضى الله عنه أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا وكان مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد، فجاءته امرأة فقالت: هل لك في امرأة تنكحها وتبيت معها ليلة فإذا أصبحت فارقتها؟ فقال نعم، قال فكان ذلك، فلما تزوجها قالت له المرأة انك إذا أصبحت فسيقولون لك طلقها فلا تفعل، فإنى لك كما ترى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 256)

________________________________________

واذهب إلى عمر رضى الله عنه، فلما أصبح أتوه وأتوها فقالت لهم: أنتم جئتم به فسألوه أن يطلقها فأبى، وذهب إلى عمر رضى الله عنه فأخبره، فقال له: الزم زوجتك، وإن رابوك بريب فأتني، وبعث إلى المرأة الواسطة فنكل بها.

وكان يغدو بعد ذلك ويروح على عمر رضى الله عنه في حلة، فقال له عمر رضى الله عنه الحمد لله يا ذا الرقعتين الذى رزقك حلة تغدو بها وتروح ولم ينكر أحد على عمر، فدل على أنه إجماع.

وقال أحمد: حديث ذى الرقعتين ليس له إسناد، يعنى أن ابن سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر (قلت) ولعل ذا الرقعتين لم يقصد التحليل ولا نواه، وقد وافق ذلك ما انتوته زوجته.

(فرع)

عقد المصنف هذا الفصل وسيأتى في باب الخيار في النكاح والرد بالعيب مزيد، وجملة ما ههنا أنه ان تزوج امرأة بشرط الخيار بطل العقد لانه لا مدخل للخيار فيه فأبطله، فإن شرط في العقد أنه لا يطؤها ليلا بطل الشرط لقوله صلى الله عليه وسلم (والمؤمنون عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ

حرم حلالا) رواه أبو داود والحاكم عن أبى هريرة والحاكم عن أنس والطبراني عن عائشة ورافع بن خديج وقد مضى في البيوع، فإن كان هذا الشرط من قبل الزوج لم يبطل العقد، لان ذلك حق له، وإن كان الشرط من جهة المرأة بطل العقد لان ذلك حق عليها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

(فصل)

ويجوز التعريض بخطبة المعتدة عن الوفاة والطلاق الثلاث لقوله تعالى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خطبة النساء) ولما روت فاطمة بنت قيس (أن أبا حفص بن عمرو طلقها ثلاثا، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقيني بنفسك فزوجها بأسامة رضى الله عنه) ويحرم التصريح بالخطبة، لانه لما أباح التعريض دل على أن التصريح محرم ولان التصريح لا يحتمل غير النكاح، فلا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 257)

________________________________________

فتخبر بانقضاء العدة والتعريض يحتمل غير النكاح فلا يدعوها إلى الاخبار بانقضاء العدة، وان خالعها زوجها فاعتدت لم يحرم على الزوج التصريح بخطبتها، لانه يجوز له نكاحها فهو معها كالأجنبي مع الاجنبية في غير العدة، ويحرم على غيره التصريح بخطبتها لانها محرمة عليه، وهل يحرم التعريض، فيه قولان

(أحدهما)

يحرم لان الزوج يملك أن يستبيحها في العدة، فلم يجز لغيره التعريض بخطبتها كالرجعية.

 

(والثانى)

لا يحرم لانها معتدة بائن، فلم يحرم التعريض بخطبتها كالمطلقة ثلاثا، والمتوفى عنها زوجها، والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة فيما يحل وفيما يحرم، لان الخطبة للعقد فلا يجوز أن يختلفا في تحليله وتحريمه، والتصريح أن يقول إذا انقضت عدتك تزوجتك أو ما أشبهه، والتعريض أن يقول رب

راغب فيك.

وقال الازهرى أنت جميله وأنت مرغوب فيك، وقال مجاهد مات رجل وكانت امرأته تتبع الجنازة، فقال لها رجل لا تسبقينا بنفسك، فقالت قد سبقك غيرك، ويكره التعريض بالجماع لقوله تعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) وفسر الشافعي رحمه الله السر بالجماع، فسماه سرا لانه يفعل سرا، وأنشد فيه قول امرئ القيس.

ألا زعمت بسباسة اليوم أننى

* كبرت وأن لا يحسن السر أمثالى ولان ذكر الجماع دناءة وسخف (الشرح) حديث زواج فاطمة بنت قيس بأسامة مضى في الفصول الاولى من النكاح، وقد رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الخمسة وبيت امرؤ القيس من قصيدة مطلعها ألا عم صباحا أيها الطلل البالى

* وهل يعمن من كان في العصر الخالى حتى قال: ألا زعمت بسباسة اليوم اننى

* كبرت وأن لا يحسن السر أمثالى كذبت لقد أصبى على المرء عرسه

* وأمنع عرسي أن يزن به الخالى وفى بعض الروايات وأن لا يحسن اللهو أمثالى، وهى في الدواوين المطبوعة هكذا، إلا أن رواية الشافعي أضبط وهو الاديب الشاعر الذواقة القريب عهده

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 258)

________________________________________

بامرئ القيس.

وبسباسة اسم امرأة، وقد فضح امرؤ القيس نفسه بتسجيل اتهام بسباسة له بضعف الباه، وقد حدث أن طلق أم جندب لانها انحازت لعلقمة في مقارضة بينهما في وصف الصيد فاتهمها بأنها له وامض، وقد قالت له إنى أكرهك فقال ولم؟ قالت لانك ثقيل صدرك خفيف عجزك، سريع الاراقة بطئ الافاقة فلما طلقها تزوجت بعلقمة فدعى علقمة الفحل، لانه كان أقوى على جماعها منه، وكان امرؤ القيس ملكا على كندة ثم سلب ملكه وفر إلى الروم ومات قبل البعثة

وإطلاق السر على الجماع كإطلاق الغيب على الفرج في قوله تعالى (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) أما أحكام الفصل فقد روى البخاري عن ابن عباس (فيما عرضتم به من خطبة النساء.

يقول إنى أريد التزويج ولوددت أنه يسر لى امرأة صالحه) وعن سكينة بنت حنظله قالت (استأذن على محمد بن على (وهو مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيِّ زِيَنِ الْعَابِدِينَ بْنِ الحسين) ولم تنقض عدتي من مهلكة زوجي، فقال قد عرفت قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرابتي من على وموضعى من العرب، (قلت) غفر الله لك يا أبا جعفر، إنك رجل يؤخذ عنك، وتخطبني في عدتي؟ فقال إنما أخبرتك بقرابتي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن على.

وقد دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أم سلمة وهى متأيمة من أبى سلمة، فقال لقد علمت أنى رسول الله وخيرته من خلقه وموضعى من قومي، كانت تلك خطبته) رواه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل وسكينه عمته، وهو منقطع في خبر أم سلمة، لان محمدا لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن التعريض إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لفاطمة بنت قيس لا تفوتينا بنفسك قال الزمخشري في الكشاف: التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شئ لم يذكره.

واعترض على الزمخشري بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز، وأجيب بأنه لم يقصد التعريف، ثم حقق التعريض بأنه ذكر شئ مقصود بلفظ حقيقي أو مجازى أو كنائى ليدل به على شئ آخر لم يذكر في الكلام، مثل أن يذكر المجئ للتسليم، ومراده التقاضى.

فالسلام مقصود والتقاضى عرض، أي أميل إليه الكلام عن عرض، أي جانب.

وامتاز عن الكنايه فلم يشتمل على جميع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 259)

________________________________________

أقسامها، والحاصل أنهما يجتمعان ويفترقان، فمثل: جئت لاسلم عليك كناية

وتعريض.

ومثل طويل النجاد، كناية لا تعريض، ومثل آذيتنى فستعرف.

خطابا لغير المؤذى تعريض بتهديد المؤذى لا كنايه والتعريض كالتلويح والتلميح والتورية قال الشافعي رضى الله عنه في الاية (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خطبة النساء) الايه، قال وبلوغ الكتاب أجله والله أعلم انقضاء العدة قال: فبين في كتاب الله تعالى أن الله فرق في الحكم بين خلقه وبين أسباب الامور وعقد الامور وبين إذ فرق الله تعالى ذكره بينهما ان ليس لاحد الجمع بينهما وأن لا يفسد أمر بفساد السبب إذا كان عقد الامر صحيحا ولا بالنية في الامر، ولا تفسد الامور إلا بفساد إن كان في عقدها لا بغيره.

ألا ترى أن الله حرم أن يعقد النكاح حتى تنقضي العدة ولم يحرم التعريض بالخطبة في العدة، ولا أن بذكرها وينوى نكاحها بالخطبة لها والذكر لها والنية في نكاحها إلى أن قال قول الله تبارك وتعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) يعنى والله تعالى أعلم جماعا (إلا أن تقولوا قولا معروفا) قولا حسنا لا فحش فيه.

إلى أن قال: والتعريض الذى أباح الله ما عدا التصريح من قول.

وذلك أن يقول: رب متطلع اليك وراغب فيك وحريص عليك، وإنك لبحيث تحبين، وما عليك أيمة، وإنى عليك لحريص وفيك راغب، وما كان في هذا المعنى مما خالف التصريح، والتصريح أن يقول تزوجيني إذا حللت، أو أنا أتزوجك إذا حللت، وما أشبه ذلك مما جاوز به التعريض، وكان بيانا أنه خطبة لا أنه يحتمل غير الخطبة، اه وقال المسعودي هل يجوز التعريض بخطبة البائن بالثلاث، فيه قولان.

والمشهور هو الاول لحديث فاطمة بنت قيس، ويحرم التصريح بخطبتها لان الله تعالى لما أباح التعريض بالخطبة دل على أنه لا يجوز التصريح بها، ولان التعريض يحتمل النكاح وغيره، والتصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح أن تخبر بانقضاء عدتها قبل انقضائها.

وأما البائن التى تحل لزوجها فهى التى طلقها

زوجها طلقة أو طلقتين بعوض أو فسخ أحدهما النكاح بعيب فيجوز لزوجها التعريض بخطبتها والتصريح لانها تحل له بعقد النكاح.

وأما غير زوجها فلا يحل له التصريح بخطبتها كالبائن بالثلاث.

وهل يجوز التعريض بخطبتها، فيه قولان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 260)

________________________________________

(أحدهما)

يجوز له التعريض بخطبتها لانها معتدة بائن عن زوجها، فهى كالبائن بالوفاة أو بالثلاث.

 

(والثانى)

لا يجوز له لانها تحل لزوجها في حال العدة فهى كالرجعية.

قال الشافعي رضى الله عنه: وكل معتدة حل للزوج التعريض بخطبتها حل لها التعريض بإجابته، وكل من لا يحل له التعريض بخطبتها والتصريح لم يحل لها إجابته بتعريض ولا بتصريح، لانه لا يحل له ما يحرم عليها ولا يحل لها ما يحرم على فتساويا.

إذا ثبت هذا فالتصريح ما لا يحتمل غير النكاح، مثل أن يقول: أنا أريد أن أتزوجك، أو إذا انقضت عدتك تزوجتك، والتعريض بكل كلام احتمل النكاح وغيره كأن يقول: إن الله ليسوق اليك خيرا أو رزقا كان ذلك تعريضا.

هذا مذهبنا.

وقال داود: لا تحل الخطبة سرا وإنما تحل علانية لقوله تعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) فهذا ليس بصحيح لان الله تعالى لم يرد بالسر ضد الجهر، وإنما أراد أن لا يعرض للمعتدة بالجماع ولا يصرح به مثل أن يقول: عندي جماع يصلح لمن جومعه، ولا يكره للرجل التعريض لزوجته بالجماع ولا التصريح به لانه لا يكره له جماعها فلان لا يكره له ذكره أولى، والاية وردت في المعتدات، فإن عرض بخطبة امرأة لا يحل له التعريض بخطبتها أو صرح بخطبتها ثم انقضت عدتها وتزوجها صح نكاحها.

وقال مالك: يبينها بطلقة واحدة.

دليلنا أن النكاح حادث بعد المعصية فلا تؤثر المعصية فيه، كما لو قال لا أتزوجها إلا بعد أن أراها متجردة، فتجردت له

ثم نكحها.

أو قالت لا أرضى نكاحه حتى يتجرد لى أو حتى يجامعنى، فتجرد لها أو جامعها ثم تزوجها.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ومن خطب امرأة فصرح له بالاجابة حرم على غيره خطبتها إلا أن يأذن فيه الاول، لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب الاول أو يأذن له فيخطب) وان لم يصرح له بالاجابة ولم يعرض له لم يحرم على غيره، لما روى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 261)

________________________________________

أن فاطمة بنت قيس قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ معاوية وأبا الجهم خطباني فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له فانكحى أسامة) وان عرض له بالاجابة ففيه قولان، قال في القديم تحرم خطبتها لحديث ابن عمر رضى الله عنه، ولان فيه إفسادا لما تقارب بينهما.

وقال في الجديد لا تحرم لانه لم يصرح له بالاجابه فأشبه إذا سكت عنه، فإن خطب على خطبة أخيه في الموضع الذى لا يجوز فتزوجها صح النكاح، لان المحرم سبق العقد فلم يفسد به العقد.

وبالله التوفيق.

(الشرح) حديث ابن عمر رواه أحمد والبخاري والنسائي.

وقد روى أحمد ومسلم عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يذر) وأخرج البخاري والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك) وفى لفظ للبخاري من حديث ابن عمر (نهى أن يبيع بعضكم على بيع بعض

أو يخطب) وفى لفظ لاحمد من حديث الحسن عن سمرة (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه) وقد استدل الجمهور على تحريم الخطبه على الخطبه بهذه الاحاديث الناهية وجزموا بالتحريم.

وحكى النووي أن النهى فيه للتحريم بالاجماع.

وقال الخطابى ان النهى ههنا للتاديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء، قال الحافظ ولا ملازمه بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور، بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد.

ولكنهم اختلفوا في شروطه، فقالت الشافعية والحنابلة محل التحريم إذا صرحت المخطوبة بالاجابه أو وليها الذى أذنت له.

وأما ما احتج به من حديث فاطمة بنت قيس الذى مضى تخريجه في الكفاءة أن معاوية وأبا الجهم خطباها فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما، بل خطبها لاسامه فليس

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 262)

________________________________________

فيه حجة كما قال النووي لاحتمال أن يكونا خطباها معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الاول والنبى صلى الله عليه وسلم أشار بأسامة ولم يخطب، وعلى تقدير أن ذلك كان خطبة فلعله كان بعد ظهور رغبتهما عنها، وظاهر حديث فاطمة أن أسامة خطبها مع معاوية وأبى الجهم فهى عند أحمد ومسلم وأصحاب السنن الخمسة: أبى داود والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارقطني (قالت: وقال لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حللت فآذنينى فأذنته فخطبها معاوية وأبوالجهم وأسامة بن زيد.

الحديث) وعن بعض المالكية لا تمتنع الخطبة إلا بعد التراضي على الصداق.

ولا دليل على ذلك.

وقال داود: إذا تزوجها الثاني فسخ النكاح قبل الدخول وبعده.

وللمالكية في ذلك قولان، فقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده.

قال في الفتح: وحجة الجمهور أن المنهى عنه الخطبة وهى ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة.

قال في الام: وإن قالت امرأة لوليها زوجنى من شئت أو ممن ترى، حل لكل أحد خطبتها لحديث فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي أبو حفص بالشام ثلاثا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فأمرني أن أعتد في بيت أم مكتوم وقال: إذا حللت فآذنينى، فلما انقضت عدتي أتيته فأخبرته وقلت له إن معاويه وأبا جهم، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا معاوية فصعلوك لا مال له: وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، ولكن أدلك على من هو خير لك منهما، قلت ومن يا رسول الله؟ قال أسامة بن زيد، قلت أسامة.

قال نعم أسامة.

الخ الحديث.

قال الشافعي رضى الله عنه، ولم تكن فاطمة رضى الله عنها أذنت في نكاحها من معاوية ولا من أبى الجهم، وإنما كانت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الرجلين إذا خطبا امرأة خطبها أحدهما بعد الاخر فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الآخير منهما ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم لثالث بعدهما فدل على جوازه وإن خطب رجل امرأة إلى وليها وكان ممن يخيرها فعرض له بالاجابة، ولم يصرح مثل أن يقول أنا أستشير في ذلك، أو أنت مرغوب فيك، أو يشترط بشرائط العقد مثل تقديم المهر وغيره، فهل يحرم على غيره خطبتها، فيه قولان،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 263)

________________________________________

قال في القديم يحرم على غيره خطبتها، وبه قال مالك وأبو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) ولم يفصل.

ولان فيه إفسادا لما يقارب بينهما.

وقال في الجديد لا يحرم على غيره خطبتها، وهو الصحيح، لان النبي صلى الله عليه وسلم خطب فاطمة بنت قيس لاسامه بعد أن أخبرته أن معاويه وأبا الجهم خطباها ولم يسألها هل ركنت إلى أحدهما أو رضيت به أم لا، فدل على أن الحكم

لا يختلف بذلك، لان الظاهر من حالها أنها ما جاءت تستشيره إلا وقد رضيت بذلك وركنت إليه.

قال الصيمري فإن خطب رجل خمس نسوة جملة واحدة فأذن في نكاحه لم يحل لاحد خطبة واحدة منهن حتى يترك أو يعقد على أربع، فيحل خطبة الخامسه، وان خطب كل واحده وحدها فأذنت كل واحدة في نكاحه لم يجز لغيره خطبة الاربع الاولات، ويحل خطبة الخامسه لغيره.

إذا ثبت هذا، فإن خطب رجل امرأة في الحالة التى قلنا لا يحل له خطبتها فيه وتزوجها صح ذلك.

وقال داود لا يصح، وحكاه ابن الصباغ عن مالك رضى الله عنه.

دليلنا أن المحرم انما يفسد العقد إذا قارنه، فأما إذا تقدم عليه لم يفسده، كما لو قالت امرأة لا أتزوج فلانا حتى أراه مجردا فتجرد ثم تزوج بها.

إذا تقرر هذا فذكر أصحابنا في حديث فاطمة بنت قيس رضى الله عنها فوائد (وقد مر نصه) وقد اختلفت الروايات فيه، فروى ان زوجها طلقها بالشام فجاءها وكيله بشعير فسخطت به، فقا لها (مالك علينا شئ) فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه فقال لها (لا نفقة لك الا أن تكوني حاملا) فإحدى فوائد الخبر انه دل على جواز الطلاق.

(الثانيه) انه يدل على جواز الطلاق الثلاث (الثالثه) ان طلاق الغائب يقع (الرابعة) انه يجوز للمرأة ان تستفتى لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عليها (الخامسه) أن كلامها ليس بعورة (السادسة) انه يجوز للمعتدة أن تخرج من منزلها لحاجة (السابعه) انه لا نفقة للمبتوته الحائل خلافا لابي حنيفه (الثامن) ان للحامل المبتوته النفقه (التاسعة) يدل على جواز نقل المعتدة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 264)

________________________________________

عن بيت زوجها، واختلف لاى معنى نقلها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال

ابن المسيب كانت بذيئة أو كانت تستطيل على أحمائها.

وقالت عائشة أم المؤمنين عليها السلام: كان بيت زوجها وحشا فخيف عليها فيه، وأى الروايتين صح مع الخبر دليل على جواز النقل لاجله (العاشرة) يدل على جواز التعريض بالخطبة للمعتدة (الاحدى عشرة) أنه يجوز للرجل أن يعرض المعتدة بالخطبة لغيره لان النبي صلى الله عليه وسلم عرض لها في الخطبة لاسامة بن زيد رضى الله عنهما لا لنفسه (الاثنتا عشرة) انه يجوز للمرأة أن تستشير الرجال لانها جاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم (الثالثة عشرة) يدل على جواز وصف الانسان بما فيه، وإن كان يكره ذلك للحاجة، لان النبي صلى الله عليه وسلم وصف معاويه رضى الله عنه وأبا جهم رضى الله عنه بما فيهما وإن كانا يكرها ذلك (الرابعة عشر) انه يجوز أن يعبر بالاغلب عن الشئ ويذكر العموم والمراد به الخصوص لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أما معاوية فصعلوك لا مال له، ومعلوم انه لا يخلو أن يملك شيئا من المال وإن قل كثيابه وما أشبهها وإنما أراد أنه لا يملك ما يتعارفه الناس مالا، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في أبى جهم لانه لا يضع عصاه عن عاتقه، وإن كان لا يخلو أن يضعها في بعض أوقاته، والصعلوك الفقير.

قال الشاعر.

غنينا زمانا بالتصعلك والغنى

* وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر.

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يضع العصا عن عاتقه ففيه تأويلان.

أحدهما إنه كثير الاسفار.

قال الشاعر فألقت عصاها واستقرت بها النوى

* كما قر عينا بالاياب المسافر فعلى هذا يكون فيه دليل على جواز السفر بغير إذن زوجته (الثاني) أنه أراد أنه كان كثير الضرب لزوجته، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: لا ترفع عصاك

على أهلك، أي في التأديب في الكلام أو الضرب، فعلى هذا التأويل يدل على جواز ضرب الزوج لزوجته لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يخرجه مخرج النكير

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 265)

________________________________________

وقال بعضهم: يدل على أنه كثير الجماع.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا ترفع عصاك عن أهلك.

أراد به الكناية عن الجماع، فيكون في هذه الدلالة دلالة على جواز الكناية بالجماع، وهذا غلط في التأويل، لانه ليس من الكلام ما يدل على أنه أراد هذا.

قال الصيمري: ولو قيل انه أراد بقوله صلى الله عليه وسلم هذا كثرة الجماع أي أنه كثير التزويج لكان أشبه (الثامنة عشرة) يدل على جواز خطبة الرجل، لان النبي صلى الله عليه وسلم خطبها لاسامة (التاسعة عشرة) أنه يجوز للرجل أن يخطب امرأة قد خطبها غيره إذا لم يتقدم اجابة للاول (العشرون) أنه يجوز للمستشار أن يشير على المستشير بما لم يسأله عنه لانها لم تستشر في أسامة رضى الله عنه (الاحدى والعشرون) انه لا يجب على المستشير المصير إلى ما أشار به المشير لان النبي صلى الله عليه لم يقل لها يجب عليك المصير إلى ما أشرت به، وانما أعاد ذلك عليها على سبيل المشورة.

(الثالثة والعشرون) أن الخير لا يختص بالنسب، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أدلك على من هو خير منهما، ونسبهما خير من نسبه (الرابعة والعشرون) أن الكفاءة ليست بشرط في النكاح، لانها قرشية وأسامة مولى (الخامسه والعشرون) أنه يجوز أن يخطب المرأة إلى نفسها، وان كان لها ولى.

والله تعالى أعلم بالصواب.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

‌باب الخيار في النكاح والرد بالعيب

 

إذا وجد الرجل امرأته مجنونه أو مجذومه أو برصاء أو رتقاء وهى التى انسد فرجها أو قرناء وهى التى في فرجها لحم يمنع الجماع، ثبت له الخيار.

وان وجدت المرأة زوجها مجنونا أو مجذوما أو ابرص أو مجبوبا أو عنينا، ثبت لها الخيار، لما روى زيد بن كعب بن عجرة قال (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى غفار فرأى بكشحها بياضا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البسى ثيابك والحقى بأهلك)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 266)

________________________________________

فثبت الرد بالبرص بالخبر.

وثبت في سائر ما ذكرناه بالقياس على البرص، لانها في معناه في منع الاستمتاع.

وإن وجد أحدهما الآخر وله فرج الرجال وفرج النساء ففيه قولان:

(أحدهما)

يثبت له الخيار، لان النفس تعاف عن مباشرته فهو كالابرص

(والثانى)

لا خيار له، لانه يمكنه الاستمتاع به.

وإن وجدت المرأة زوجها خصيا ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لها الخيار، لان النفس تعافه

(والثانى)

لا خيار لها لانها تقدر على الاستمتاع به، وإن وجد أحدهما بالآخر عيبا وبه مثله، بأن وجده أبرص وهو أبرص ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

له الخيار، لان النفس تعاف من عيب غيرها وإن كان بها مثله

(والثانى)

لا خيار له لانهما متساويان في النقص فلم يثبت لهما الخيار، كما لو تزوج عبد بأمة.

وإن حدث بعد العقد عيب يثبت به الخيار، فإن كان بالزوج، ثبت لها الخيار، لان ما ثبت به الخيار إذا كان موجودا حال العقد ثبت به الخيار إذا حدث بعد العقد كالاعسار بالمهر والنفقة.

وإن كان بالزوجة ففيه قولان.

 

(أحدهما)

يثبت به الخيار، وهو قوله في الجديد، وهو الصحيح، لان ما ثبت به الخيار في ابتداء العقد ثبت به الخيار إذا حدث بعده كالعيب في الزوج

 

(والثانى)

وهو قوله في القديم أنه لا خيار له، لانه يملك أن يطلقها.

(الشرح) خبر زيد بن كعب بن عجرة رواه أحمد هكذا: حدثنا القاسم المزني قال أخبرني جميل بن زيد قال: صحبت شيخا من الانصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب، فحدثني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج امرأة من غفار فلما دخل عليها وضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضا، فانحاز عن الفراش ثم قال: خذى عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا (وهذا يدور سنده على رجلين هما موضع نظر، أولهما جميل بن زيد وثانيهما زيد بن كعب أو كعب بن زيد، ونتكلم عن الثاني لشرف الصحبة فنقول:

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 267)

________________________________________

رواية أحمد كما عرفت زيد بن كعب ولم تعرف من الصحابة سوى زيد بن كعب البهزى ثم السلمى صاحب الظبى الحاقف وكان صائده، وقد سقناه في اللقطة، ومن قبل ساقه النووي في الصيد، وليس هو الذى حدث جميلا، وإن كان كعب ابن زيد فليس عندنا مصدر يعرفنا به سوى جميل بن زيد.

ولذلك جاء التعريف به في الاستيعاب هكذا: كعب بن زيد ويقال زيد بن كعب.

روى قصة الغفارية التى وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البياض بكشحها.

روى عنه جميل بن زيد وفى الخبر اضطراب.

اه ويأتى الحاكم فيروى عن جميل هذا فيقول عن جميل بن زيد الطائى عن زيد ابن كعب بن عجرة عن أبيه، فيكون الصحابي هنا كعب بن عجرة الانصاري وهو من مشاهير الصحابة فلا يناسبه ما في رواية أحمد صحبت شيخا ذكر أنه كانت له صحبة يقال له الخ.

ويأتى اسماعيل بن زكريا فيقول: حدثنا جميل بن زيد، حدثنا ابن عمر قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وخلى سبيلها.

الحديث

فهو تارة يرويه عن زيد بن كعب أو كعب بن زيد شيخ ذكر أن له صحبة، وتاوة يرويه عن زيد بن كعب بن عجرة الانصاري عن أبيه، وتارة يرويه عن ابن عمر مع أن ابن حبان يقول روى عن ابن عمر ولم ير ابن عمر.

وقال ابن معين جميل بن زيد ليس بثقة.

وقال البخاري لم يصح حديثه.

وروى أبو بكر بن عياش عن جميل قال (هذه أحاديث ابن عمر، ما سمعت من ابن عمر شيئا، انما قالوا لى اكتب أحاديث بن عمر فقدمت المدينة فكتبتها.

وقال أبو القاسم البغوي في معجمه الاضطراب في حديث الغفاريه منه، يعنى تارة عن ابن عمر وتارة عن هذا وتارة عن ذاك.

قال وقدر روى أحاديث عن ابن عمر يقول فيها (سألت ابن عمر، مع أنه لم يسمع من ابن عمر شيئا) وقال أبو حاتم والبغوى (ضعيف الحديث) وقال النسائي (ليس بثقة) وقد قال العلامة السفاربنى في كتابه نفثات صدر المكمد وقوة عين الارمد لشرح ثلاثيات مسند الامام أحمد قال ابن حبان (جميل بن زيد دخل المدينة بعد موت ابن عمر رضى الله عنهما.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 268)

________________________________________

فجمع أحاديثه ثم رجع إلى البصرة فرواها، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن زيد بن كعب بن عجرة ولم يشك، وكذا قال الامام ابن القيم في الهدى: زيد بن كعب بن عجرة.

اه والحاصل أن الحديث لم يثبت من طريق آخر فآفته في جميع الكتب جميل ابن زيد.

ولذلك لا نستطيع أن نجزم بواقعة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من الغفارية.

أما أحكام الرد بالعيب في النكاح فإنها ثبتت بالقواعد الكلية في العقود والمعاوضات وغير ذلك على ما سيأتي، ولكن ابن حجر بصحح رواية الشافعي من طريق مالك وابن أبى شيبة عن أبى إدريس عن يحيى قال: ورجاله ثقات أما اللغات فقوله (أبصر بكشحها) أي خصرها أو بطنها، والكشح ما بين

الخاصرة إلى الضلع الخلف.

وفى حديث سعد: إن أميركم هذا لاهضم الكشحين أي دقيق الخصرين.

وقوله (بياضا) يحتمل أن يكون بهقا ويحتمل أن يكون برصا، وهو الاصح وإن كان كل منهما تكرهه النفس.

قوله (امرأة من غفار) قيل اسمها الغالية، وقيل أسماء بنت النعمان، قاله الحاكم، يعنى الجونية.

وقال الحافظ بن حجر.

الحق أنها غيرها.

أما الاحكام فإنه إذا وجد أحد الزوجين عيبا بالآخر ثبت له الخيار في فسخ النكاح، والعيوب التى يثبت لاجلها الخيار في النكاح خمسة، ثلاثة يشترك فيها الزوجان، وينفرد كل واحد منهما باثنين، فأما الثلاثة التى يشتركان فيها، فالجنون والجذام والبرص، وينفرد الرجل بالجب والعنة وتنفرد المرأة بالرتق والقرن، فالرتق أن يكون فرج المرأة مسدودا يمنع من دخول الذكر، والقرن قيل هو عظم يكون في فرج المرأة يمنع من الوطئ.

والمحققون يقولون هو لحم ينبت في الفرج يمنع من دخول الذكر، مثل أن يتورم الرحم وتنشأ عليه أورام سرطانية تسد مدخل فرجها، وإنما يصيب المرأة ذلك في بعض حالات الولادة، هذه العيوب يثبت بها الخيار.

هذا مذهبنا وبه قال عمر رضى الله عنه وابن عباس رضى الله عنهما ومالك وأحمد وإسحاق.

وقال على كرم الله وجهه وابن مسعود رضى الله عنه لا ينفسخ النكاح بالعيب

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 269)

________________________________________

واليه صار النخعي والثوري وأبو حنيفة، إلا أنه قال إذا وجدت المرأة زوجها مجبوبا أو عنينا كان لها الخيار، فإن اختارت فرق بينهما الحاكم بتطليقها.

دليلنا الخبر المذكور وما قاله عمر رضى الله عنه فيما روى يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب عنه رضى الله عنه: أيما امرأة زوجت وبها جنون أو جذام

أو برص فدخل بها، ثم اطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولى الصداق بما دلس كما غره.

وكذا روى الشعبى عن على رضى الله عنه (أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك والا طلق.

وان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.

ولان المجنون منهما يخاف منه على الآخر وعلى الولد، والجب والعنة والرتق والقرن يتعذر معها مقصود الوطئ والجذام والبرص تعاف النفوس من مباشرته.

قال الشافعي رضى الله عنه (ويخاف منهما العدوى للآخر والى النسل (فإن قيل فقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عدوى ولا هامة ولا صفر.

وقال صلى الله عليه وسلم (لا يعدى شئ شيئا) فقال أعرابي يا رسول الله ان الثفر قد تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الابل العظيمة فتجرب كلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فما أجرب الاول.

قال أصحابنا وقد وردت أيضا أخبار بالعدوى، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم لا يوردن ذو عاهة على مصح.

وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تديموا النظر إلى المجذومين، فمن كلمه منكم فليكن بينهم وبينه قدر رمح.

وروى أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبايعه فأخرج يده فإذا هي جذماء، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضم يدك قد بايعتك، وكان من عادته صلى الله عليه وسلم المصافحة فامتنع من مصافحته لاجل الجذام، وقال صلى الله عليه وسلم (فر من المجذوم فرارك من الاسد) قال العمرانى في البيان وانما نفى النبي صلى الله عليه وسلم العدوى الذى يعتقده الملاحدة، وهو أنهما يعتقدون أن الادواء تعدى بأنفسها وطباعها.

وليس هذا بشئ وانما العدوى الذى نريده أن يقول إن الداء جرت العادة أن يخلق الداء عند ملاقاة الجسم الذى فيه الداء، كما أنه أجرى العادة أن يخلق الابيض بين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 270)

________________________________________

الابيضين والاسود بين الاسودين، وإن كان في قدرته أن يخلق الابيض من الاسودين لا أن هذه الادواء تعدى بنفسها.

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا هامة ولا صفر) فإن أهل الجاهلية كانوا يقولون: إذا قتل الانسان ولم يؤخذ بثأره خرج من رأسه طائر يصرخ ويقول اسقوني دم قاتلي.

هكذا حكاه ابن الصباغ.

وأما الصفر فان أهل الجاهلية كانوا يقولون في الجوف دابة تسمى الصفر إذا تحركت جاع الانسان وهى أعداء من الجرب عند العرب، وقيل هو تأخير حرمة المحرم إلى صفر، فأبطل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذَلِكَ.

وقد بسط الشافعي رضى الله عنه في أحكام العيب فقال: ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الاربع التى سمينا فيها الخيار يعنى الجذماء والبرصاء والرتقاء والمجنونة فلا خيار له، وقد ظلم من شرط هذا نفسه.

إلى أن قال: وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا من أربع.

أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال، وهذا مانع للجماع الذى له عامة ما نكحها، فان كانت رتقاء فكان يقدر على جماعها بحال فلا خيار له، أو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن يوصل إليها فلا خيار للزوج، وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال.

وإن سألها أن يشقه هو بحديدة أو ما شابهها ويجبرها على ذلك، لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار.

وإن فعلته هي فوصل إلى جماعها قبل أن أخيره لم أجعل له خيارا، ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة، ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا، فأما الزعر في

الحاجب أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما.

وقال الجنون ضربان، فضرب خنق وله الخيار بقليله وكثيره، وضرب غلبة على عقله من غير حادث مرض فله الخيار في الحالين معا.

وهذا أكثر من الذى يخنق ويفيق.

اه وذهب بعض الحنابلة إلى ما ذهب إليه أصحابنا، إلا أنهم جعلوا خيار العيوب

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 271)

________________________________________

على التراخي، لا يسقط الا أن يوجد منه دلالة على الرضى من قول أو وطئ أو تمكين مع العلم بالعيب أو يأتي بصريح الرضا، فان ادعى الجهل بالخيار ومثله يجهله فالاظهر ثبوت الفسخ، هكذا أفاده ابن تيمية.

وقال في شرح الثلاثيات العلامة السفارينى الحنبلى: لابد لصحة فسخ النكاح بأحد العيوب لذكورة من حكم حاكم خلافا لشيخ الاسلام ابن تيميه.

وقال داود الظاهرى وابن حزم ومن وافقهما: لا يفسخ النكاح بعيب البنة، قال السفارينى، وقال الامام ابن القيم من علمائنا بسوغ الفسخ بكل عيب ترد به الجارية في البيع من العمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو أحدهما أو كون الرجل كذلك، لان هذه الامور من أعظم المنفرات والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش وهو مناف للدين، والا طلاق ينصرف إلى السلامة فهو كالمشروط عرفا.

قال والقياس أن كل عيب ينفر أحد الزوجين منه ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع اه (فرع)

إن وجد كل واحد من الزوجين بصاحبه عيبا فان كان العيبان من جنسين بأن كان أحدهما أجذم والاخر أبرص ثبت لكل واحد منهما الخيار لان نفس الانسان تعاف من داء غيره.

وإن كانا من جنس واحد بأن كان كل واحد

منهما أجذم أو أبرص ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

لا يثبت لواحد منهما الخيار لانهما متساويان في النقص فهو كما لو تزوج عبد امرأة فكانت أمة

(والثانى)

يثبت لكل واحد منهما الخيار لان نفس الانسان تعاف من عيب غيره وان كان به مثله.

وان أصاب الرجل امرأته قرناء أو رتقاء وأصابنه عنينا أو مجبوبا ففيه وجهان.

أحدهما يثبت لكل واحد منهما الخيار لوجود النقص الذى يثبت لاجله الخيار.

والثانى لا خيار لواحد منهما، لان الرتق والقرن يمنع الاستمتاع والمجبوب والعنين لا يمكنه الاستمتاع فلم يثبت الخيار.

هذا الكلام في العيوب الموجودة حال العقد التى لم يعلم بها الاخر.

فأما إذا حدث شئ من هذه العيوب بأحد الزوجين بعد العقد نظرت، فان كان ذلك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 272)

________________________________________

بالزوج ويتصور فيه حدوث العيوب كلها إلا العنة فانه لا يتصور أن يكون غير عنين قبله ثم يكون عنينا بعده، فإذا حدث فيه أحد العيوب الاربعة ثبت للزوجة الخيار، لان كل عيب ثبت لاجله الخيار إذا كان موجودا حال العقد ثبت لاجله الخيار إذا حدث بعد العقد كالاعسار بالفقة والمهر.

وإن كان ذلك حادثا في الزوجة فإنه يتصور بها جميع العيوب الخمسة، فإذا حدث منها شئ فهل يثبت للزوج فسخ النكاح؟ فيه قولان.

قال في القديم: لا يثبت له الفسخ.

وبه قال مالك رضى الله عنه لانها لم تدلس عليه، ولانه يمكن التخلص من ذلك بالطلاق.

وقال في الجديد: يثبت له الخيار في الفسخ، وهو الصحيح، وقد استدل أصحابنا لصحة هذا بخبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالغفاريه وردها لما وجد في كشحها بياضا.

ولان كل عيب يثبت لاجله الفسخ إذا كان موجوا حال العقد

يثبت لاجله الفسخ إذا حدث كالعيب بالزوج، والقول الاول يمكنه أن يطلق يبطل بالعيب الموجود حال العقد فإنه يمكنه أن يطلق ومع هذا فثبت له الفسخ.

(فرع)

قال في الاملاء: إذا علم بالعيب حال العقد فلا خيار له لانه عيب رضى به فلم يكن له الفسخ لاجله، كما لو اشترى شيئا معيبا مع العلم بعيبه.

فإن أصاب أحد الزوجين بالآخر عيبا فرضى به سقط حقه من الفسخ لاجله، فإن وجد عيبا غيره بعد ذلك ثبت له الفسخ لاجله لانه لم يرض به، وإن زاد العيب الذى رآه ورضى به نظرت، فإن حدث في موضع آخر بأن رأى البرص والجذام في موضع من البدن فرضى به، ثم حدث البرص في موضع آخر من البدن كان له الخيار في الفسخ، لان هذا غير الذى رضى به، وإن اتسع ذلك الموضع الذى رضى به لم يثبت له الخيار لاجله، لان رضاه به رضاه بما تولد منه

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

والخيار في هذه العيوب على الفور، لانه خيار ثبت بالعيب فكان على الفور، كخيار العيب في البيع، ولا يجوز الفسخ إلا عند الحاكم لانه مختلف فيه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 273)

________________________________________

(فصل)

وإن فسخ قبل الدخول سقط المهر، لانه إن كانت المرأة فسخت كانت الفرقة من جهتها فسقط مهرها، وإن كان الرجل هو الذى فسخ إلا أنه فسخ لمعنى من جهة المرأة وهو التدنيس بالعيب فصار كأنها اختارت الفسخ، وإن كان الفسخ بعد الدخول سقط المسمى ووجب مهر المثل، لانه يستند الفسخ إلى سبب قبل العقد فيصير الوطئ كالحاصل في نكاح فاسد فوجب مهر المثل، وهل يرجع به على من غره؟ فيه قولان.

قال في القديم: يرجع لانه غره حتى دخل في العقد.

وقال في الجديد: لا يرجع لانه حصل له في مقابلته الوطئ، فإن قلنا يرجع فإن كان الرجوع على الولى رجع بجميعه، وان كان على المرأة ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يرجع بجميعه كالولي

(والثانى)

يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بدل.

وإن طلقها قبل الدخول ثم علم أن كان بها عيب لم يرجع بالنصف، لانه رضى بإزالة الملك والتزام نصف المهر فلم يرجع به

(فصل)

ولا يجوز لولى المرأة الحرة ولا لسيد الامة ولا لولى الطفل تزويج المولى عليه ممن به هذه العيوب، لان في ذلك إضرارا بالمولى عليه، فإن خالف وزوج فعلى ما ذكرناه فيمن زوج المرأة من غير كفء، وإن دعت المرأة الولى أن يزوجها بمجنون لم يلزمه تزويجها لان عليه في ذلك عارا، وان دعت إلى نكاح مجبوب أو عنين، لم يكن له أن يمتنع، لانه لا ضرر عليه في ذلك، وان دعت إلى نكاح مجذوم أو أبرص ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

له أن يمتنع لان عليه في ذلك عارا

(والثانى)

ليس له أن يمتنع لان الضرر عليها دونه.

 

(فصل)

وإن حدث العيب بالزوج ورضيت به المرأة لم يجبرها الولى على الفسخ، لان حق الولى في ابتداء العقد دون الاستدامة، ولهذا لو دعت المرأة إلى نكاح عبد كان للولى أن يمتنع، ولو أعتقت تحت عبد فاختارت المقام معه لم يكن للولى اجبارها على الفسخ.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 274)

________________________________________

(الشرح) كل موضع قلنا لاحد الزوجين أن يفسخ النكاح بالعيب فإن ذلك الخيار يثبت له على الفور لا على التراخي لانه خيار عيب لا يحتاج إلى نظر وتأمل فكان على الفور، كما لو اشترى عينا فوجد بها عيبا، فقولنا خيار عيب

احتراز من خيار الاب في رجوعه بهبته لابنه ومن خيار الولى في القصاص والعفو.

وقولنا (لا يحتاج إلى نظر وتأمل) احتراز من المعتقة تحت عبد إذا قلنا يثبت لها الخيار على التراخي ولسنا نريد الفسخ يكون على الفور بل نريد المطالبة وهو أن أحد الزوجين إذا علم بالآخر عيبا فإنه يرفع ذلك إلى الحاكم، فيستدعى الحاكم الاخر ويسأله، فإن اقر به أو كان ظاهرا انفسخ النكاح بينهما، وان أنكر وكان خفيا فعلى المدعى البينة، فإذا أقام البينة فسخ النكاح بينهما وقال أصحاب أحمد: إن خيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى به من القول والاستمتاع من الزوج أو التمكين من المرأة أفاده الخرقى في ظاهر كلامه، وذكر القاضى من الحنابلة أنه على الفور، كما أن ظاهر مذهب الحنابلة أن الفسخ يحتاج إلى الحاكم لانه مجتهد فيه، وذهب السفارينى من الحنابلة إلى أن الفسخ لا يحتاج إلى الحاكم كالرد بالعيب في البيع.

ويرى ابن تيمية فسخه بالحاكم كما في الفتاوى له.

وقد رأيت في البيان للعمراني من الشافعية (مخطوطة دار الكتب العربية) بهامش الجزء السابع ما يأتي: وفيه وجه أنه ينفرد كل واحد من الزوجين بالفسخ من غير مرافعة الحاكم، كفسخ البيع بالعيب ينفرد به كل واحد من المتبايعين اه وقال قاضيخان من أصحاب أبى حنيفة: إذا كان الزوج عنينا والمرأة رتقاء لم يكن لها حق الفرقة لوجود المانع من جهتها.

كذا في حاشية جلبى وفى ملتقى الابحر أنه لو أقر أنه عنين يؤجله الحاكم سنه قمريه ولا يحتسب منها مدة مرضه ومرضها، ويحتسب منها رمضان وأيام حيضها.

اه قال الشيخ أبو حامد: ولا يجوز لاحد الزوجين أن يتولى الفسخ بنفسه بحال، وقال ابن الصباغ: إذا رفعت الامر إلى الحاكم فالحاكم أولى به، وهو بالخيار ان شاء فسخ بنفسه وان شاء أمرها بالفسخ.

وقال القفال: إذا رفعت الامر إلى

لحاكم وأثبتت العيب عنده خيرت بين أن تفسخ بنفسها وبين أن يفسخ الحاكم بمسألتها

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 275)

________________________________________

(مسألة) وإذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيبا ففسخ النكاح نظرت، فإن كان الفسخ قبل الدخول سقط جميع المهر لان المرأة ان كانت هي التى فسخت بالفرقة جاءت من جهتها، وان كان الزوج الذى فسخ فهو بمعنى من جهتها وهو تدنيسها بالعيب، فصار كما لو فسخت بنفسها، وان كان الفسخ بعد الدخول فإن كان الفسخ لعيب كان موجودا حال العقد فالمشهور من المذهب أنه يلزم الزوج مهر المثل سواء كان العيب بالزوج أو بالزوجة، لان الفسخ مستند إلى العيب الموجود حال العقد فصار كما لو كان النكاح فاسدا.

وحكى المسعودي قولا آخر مخرجا أنه يجب المسمى، لان الفسخ رفع العقد في حالة لا من أصله وليس بشئ، وان كان الفسخ بعيب حدث بعد العقد بالزوج أو بالزوجة على القول الجديد فيه ثلاثة أوجه.

(أحدها) يجب لها المسمى؟ لانه قد وجب المسمى بالعقد فلا يتغير بما يحدث بعده بالعيب

(والثانى)

لها مهر المثل، وان حدث بعد الوطئ وجب لها المسمى لانه إذا حدث قبل الوطئ فقد حدث قبل استقرار المسمى، فإذا فسخ العقد ارتفع من أصله فصار كما لو وطئها بشبهة، وإذا حدث العيب بعد الوطئ فقد حدث بعد استقرار المسمى بالدخول فلا يتغير بما طرأ بعده.

(فرع)

فإن تزوج رجل امرأة وبها عيب فلم تعلم به حتى وطئها ثم علم به فسخ النكاح، وقد قلنا: انه يجب لها مهر المثل، وهل للزوج أن يرجع به على الولى، فيه قولان، قال في القديم: يرجع عليه، وبه قال مالك رضى الله عنه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (أيما رجل تزوج بإمرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها الصداق ولزوجها غرم على وليها (ولان الولى هو الذى أتلف

على الزوج المهر لانه أدخله في العقد حتى لزمه مهر المثل فوجب أن يلزمه الضمان كالشهود إذا شهدوا عليه بقتل أو غيره ثم رجعوا.

وقال في الجديد " لا يرجع عليه، وبه قال على كرم الله وجهه، وهو قول أبى حنيفه وهو الاصح لانه ضمن ما استوفى بدله وهو الوطئ فلا يرجع به على غيره كما لو كان المبيع معيبا فأتلفه، فإذا قلنا بهذا فلا تفريع عليه، وإذا قلنا بالاول فإن كان الولى ممن يجوز له

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 276)

________________________________________

النظر إلى وليته كالاب والجد والعم رجع الزوج عليه سواء علم الولى بالعيب أو لم يعلم، لانه فرط بترك الاستعلام بالعيب، ولان الظاهر أنه يعلم ذلك، وإن كان الولى ممن لا يجوز له النظر إليها كان العم والحاكم فإن علم الولى بعيبها رجع عليه الزوج، وإن لم يعلم الولى بالعيب لم يرجع عليه الزوج، ويرجع الزوج على المرأة لانها هي التى عرفت، فإن ادعى الزوج على الولى أنه علم بالعيب فأنكر فإن أقام الزوج بينة على إقرار الولى بالعيب رجع عليه، وإن لم يقم عليه بينة حلف الولى أنه لم يعلم بالعيب، ورجع الزوج على الزوجة، وإن كان لها جماعة أولياء في درجة واحدة ممن لهم النظر إليها، رجع الزوج عليهم إذا علموا فإن كان بعضهم عالما بالعيب، وبعضهم جاهلا ففيه وجهان، حكاهما الطبري في العدة.

أحدهما: يرجع على العالم لانه هو الذى غره.

والثانى: يرجع على الجميع لان ضمان الاحوال لا يختلف بالخطأ والعمد، هكذا نقل البغداديون.

وقال المسعودي: إذا كان الولى غير محرم لها فهل يرجع عليه الزوج؟ فيه قولان، وكل موضع قلنا: يرجع الزوج على الولى، فانه يرجع عليه بجميع مهر المثل، وكل موضع قلنا: يرجع الزوج على الزوجة، فبكم يرجع عليها؟ فيه قولان، ومنهم من قال: هما وجهان.

 

(أحدهما)

لا يرجع عليها بجميع مهر المثل، وإنما يبقى قدرا إذ يمكن أن

يكون صادقا لئلا يعرى الوطئ عن بدل.

 

(والثانى)

يرجع عليها بالجميع، لانه قد حصل لها بدل الوطئ وهو المهر، وإنما رجع إليه بسبب آخر فهو كما لو وهبته منه، والاول أصح.

وحكى المسعودي أن القولين في الولى.

والمشهور أنه يرجع عليه بالجميع قولا واحدا.

(فرع)

قال في الام: إذا تزوج إمراة ثم طلقها قبل الدخول، وعلم بعد ذلك أنه كان بها عيب يثبت به خيار الفسخ لزمه نصف المهر لانه رضى بازالة الملك والتزام نصف الصداق بالطلاق فلم يرجع إليه.

(فرع)

وإن دعت المرأة وليها لتزويجها إلى مجنون كان له الامتناع من ذلك لان عليه عار أن تكون وليته تحت مجنون، لانه لا يشهد ولا يحضر الجمعة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 277)

________________________________________

والجماعة، وان دعا الولى وليته إلى تزويجها بمجنون أو خصى فلها أن تمتنع لان عليها ضررا به وعارا يلحقها.

وإن دعت المرأة وليها إلى أن يزوجها بمجذوم أو أبرص فهل له أن يمتنع؟ فيه وجهان، أحدهما: ليس له أن يمتنع لان الخيار إنما يثبت لها في النكاح لان النفس تعاف من مباشرتهم، وذلك نقص عليها دون الولى فهو كالمجبوب والخصى والثانى: له أن يمتنع لان على الولى عارا في ذلك، وربما أعداها أو أعدى ولدها فيلتحق العار بأهل نسبها وإن دعاها الولى إلى تزويجها بمجذوم أو أبرص كان لها أن تمتنع لان عليها في ذلك عارا ونقصا، وإن تزوجت إمرأة برجل سليم لا عيب فيه ثم حدث فيه عيب يثبت لاجله الخيار، فإن فسخت النكاح لم يعترض عليها وليها بذلك، فإن اختارت المقام معه على ذلك جاز ولا اعتراض للولى عليها بذلك لان حق الولى إنما هو في ابتداء العقد دون استدامته، ولهذا لو دعت الحرة وليها إلى تزويجها بعبد لم يلزمه اجابتها، ولو اعتقت تحت عبد واختارت المقام معه لم

يجبر على الفسخ والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

إذا ادعت المرأة على الزوج أنه عنين وأنكر الزوج، فالقول قوله مع يمينه، فان نكل ردت اليمين على المرأة، وقال أبو سعيد الاصطخرى: يقضى عليه بنكوله.

ولا تحلف المرأة، لانه أمر لا تعلمه، والمذهب الاول، لانه حق نكل فيه المدعى عليه عن اليمين فردت على المدعى كسائر الحقوق، وقوله: انها لا تعلمه يبطل باليمين في كناية الطلاق وكناية القذف، فإذا حلفت الرأة أو اعترف الزوج أجله الحاكم سنة، لما روى سعيد بن المسيب (أن عمر رضى الله عنه قضى في العنين أن يؤجل سنه (وعن علي عليه السلام وعبد الله والمغيرة بن شعبة رضى الله عنهم نحوه، ولان العجز عن الوطئ قد يكون بالتعنين، وقد يكون لعارض من حرارة أو برودة أو رطوبة أويبوسة، فإذا مضت عليه الفصول الاربعة، واختلفت عليه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 278)

________________________________________

الاهوبة ولم يزل، دل على أنه خلقة، ولا تثبت المدة إلا بالحاكم، لانه يختلف فيها بخلاف مدة الايلاء، فان جامعها في الفرج سقطت المدة، وأدناه أن يغيب الحشفة في الفرج، لان أحكام الوطئ تتعلق به ولا تتعلق بما دونه، فان كان بعض الذكر مقطوعا لم يخرج من التعنين إلا بتغييب جميع ما بقى.

ومن أصحابنا من قال: إذا غيب من الباقي بقدر الحشفة خرج من حكم التعنين لان الباقي قائم مقام الذكر، والمذهب الاول، لانه إذا كان الذكر سليما فهناك حد يمكن اعتباره وهو الحشفة، وإذا كان مقطوعا فليس هناك حد يمكن اعتباره فاعتبر الجميع، وان وطئها في الدبر لم يخرج من حمكم التعنين لانه ليس بمحل للوطئ ولهذا لا يحصل به الاحلال للزوج الاول، وان وطئ في الفرج وهى حائض

سقطت المدة لانه محل للوطئ، وان ادعى أنه وطئها فان كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لانه لا يمكن اثباته بالبينة، وان كانت بكرا فالقول قولها لان الظاهر أنه لم يطأها، فان قال الزوج: وطئت ولكن عادت البكارة حلفت لجواز أن يكون قد ذهبت البكارة ثم عادت.

 

(فصل)

وان اختارت المقام معه قبل انقضاء الاجل ففيه وجهان.

أحدهما يسقط خيارها لانها رضيت بالعيب مع العلم.

والثانى: لا يسقط خيارها، لانه اسقاط حق قبل ثبوته فلم يصح، كالعفو عن الشفعة قبل البيع، وان اختارت المقام بعد انقضاء الاجل سقط حقها لانه اسقاط حق بعد ثبوته، وان أرادت بعد ذلك أن ترجع وتطالب بالفسخ لم يكن لها، لانه خيار ثبت بعيب وقد أسقطنه فلم يجز أن ترجع فيه، فان لم يجامعها حتى انقضى الاجل وطالبت بالفرقة فرق الحاكم بينهما، لانه مختلف فيه، وتكون الفرقة فسخا لانه فرقة لا تقف على ايقاع الزوج ولا من ينوب عنه: فكانت فسخا كفرقة الرضاع، وان تزوج امرأة ووطئها ثم عن منها لم تضرب المدة، لان القدرة يقين فلا تترك بالاجتهاد (الشرح) خبر عمر رضى الله عنه رواه الدارقطني باسناده عن عمر ورواه عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم، ورواه أبو حفص عن علي كرم الله وجهه، أما العنين فهو الرجل العاجز عن الجماع، وربما يشتهى الجماع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 279)

________________________________________

ولا يناله، واشتقاقه من عن الشئ إذا اعترض من أحد الجانبين والعنه بفتح العين وضمها الاعتراض بالفضول، وعن عن الشئ من باب ضرب إذا أعرض عنه وانصرف، وعنان الفرس جمعه أعنة وقد مضى بعض هذه المادة في الشركة حيث شركة العنان، وهو هنا من عن ذكره إذا اعترض عن يمين الفرج وشماله فلا يقصده، وقيل مشتق من عنان الدابة أي أنه يشبهه في اللين.

إذا ثبت هذا

فالعنة في الرجل عيب يثبت الخيار لزوجته في فسخ النكاح لاجلها على ما نبينه وبه قال عامة أهل العلم.

وقال الحكم بن عيينة وداود وأهل الظاهر ليست بعيب.

دليلنا قوله تعالى (الطلاق مرتان، فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) فخير الله الازواج بين أن يمسكوا النساء بمعروف أو يسرحوهن باحسان، والامساك بمعروف لا يكون بغير وطئ، لانه هو المقصود بالنكاح، فإذا تعذر عليه الامساك بمعروف من هذا الوجه تعين عليه التسريح باحسان، لان من خير بين شيئين إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وقد أجمع الصحابة رضى الله عنهم على تأجيل العنين سنة، فان جامعها والا فرق بينهما روينا ذلك عمن ذكرنا من الصحابة ولا مخالف لهم، ولان الله تعالى أوجب على المؤلى أن يقر أو يطلق لما يلحقها بامتناعه من الوطئ، والضرر الذى يلحق امرأة العنين أعظم من امرأة المؤلى لان المؤلى ربما وطئها، فإذا ثبت الفسخ لامرأة المؤلى، فلان يثبت لامرأة العنين أولى.

إذا ثبت هذا: فان المرأة إذا جاءت إلى الحاكم وادعت على زوجها أنه عنين أو أنه عاجز عن وطئها استدعاه الحاكم وسأله، فان أقر أنه عنين أو أنه عاجز عن وطئها ثبت أنه عنين، وان أنكر وقال: لست بعنين فان كان مع المرأة بينة على اقراره تقول: انه عنين وأقامتها ثبت أنه عنين، وان لم يكن معها بينة فالقول قوله مع يمينه أنه ليس بعنين، فإذا حلف سقطت دعواها، وإذا ثبت أنه قادر على وطئها فهل يجبره الحاكم على وطئها ليتقرر مهرها؟ فيه وجهان حكاهما المسعوى.

وان نكل عن اليمين حلفت أنه عنين، ولا يقضى عليه بنكوله من غير يمين.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 280)

________________________________________

وحكى الشيخ أبو إسحاق عن أبى سعيد الاصطخرى أنه يقضى عليه بنكوله من غير أن تحلف، لانه أمر لا تعلمه وليس بشئ، لانه حق نكل فيه المدعى عليه عن اليمين فحلف المدعى كسائر الحقوق.

وقوله: أمر لا تعلمه يبطل بكنايات الطلاق والقذف، فإذا ثبت أنه عنين باقراره أو بيمينها بعد نكوله فإن الحاكم يؤجله سنة سواء كان الزوج حرا أو عبدا.

وحكى عن مالك أنه قال: يؤجل العبد نصف سنة.

دليلنا ما رويناه عن الصحابة عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة وعلي، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبى سليمان، وعليه فتوى فقهاء الامصار منهم أبو حنيفة وأصحابه والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد ولم يفرق هؤلاء بين العبد والحر.

ولان العجز عن الوطئ قد يكون من أصل الخلقة، وقد يكون لعارض، فإذا مضت عليه سنة اختلفت الاهوية (جمع هواء) فان كان ذلك قد أصابه من الحرارة انحل في الشتاء، وان أصابه من الرطوبة انحل في الصيف وشدة الحر، وان كان طبعه يميل إلى هواء معتدل أمكنه ذلك في الفصلين الآخرين، فان مضت عليه سنة ولم يقدر على الوطئ علم أن عجزه من أصل الخلقة، ولان بعضهم قال: الداء لا يستكن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر ولا يضرب المدة له الا الحاكم، لان عمر رضى الله عنه أجل العنين سنه ولان من الناس من قال يؤجل.

ومنهم من قال: لا يؤجل، وكل حكم مختلف فيه فلا يثبت الا بالحاكم كالفسخ بالعيوب والاعسار بالنفقه، ولا يضرب الحاكم له المدة الا من حين ترافعا إليه بعد ثبوت العنه، فأما إذا أفر الزوج بالعنه وأقاما على ذلك زمانا فلا يحكم عليه بالتأجيل لان عمر رضى الله عنه أجل العنين سنه والظاهر أنه انما ضرب له المدة من حين ترافعا إليه.

(فرع)

فإذا ضرب للعنين المدة ثم جامع امرأته قبل انقضاء السنه أو بعدها وقبل الفسخ سقط حقها من الفسخ، لانه قد ثبتت قدرته على الوطئ، وان كان ذكره سليما خرج من العنه بتغييب الحشفه (والحشفة ما فوق الختان) في فرجها ولا يخرج بما دون ذلك، ولا يلزمه أكثر من ذلك لان احكام الوطئ من وجوب

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 281)

________________________________________

الغسل والحد والعدة واستقرار المهر يتعلق بذلك: وإن كان بعض ذكره مقطوعا وبقى منه ما يمكنه به الجماع، فإن غيب جميعه في فرجها خرج من العنة، وإن غيب منه أقل من الحشفة لم يخرج من العنة بذلك لانه لو كان ذكره سليما فغيب منه هذا القدر خرج من العنة، وكذلك لم يخرج من العنة بذلك، وكذلك إذا كان بعضه مقطوعا، والثانى - وهو ظاهر النص - أنه لا يخرج من العنة إلا يتغييب جميع ما بقى من الذكر في الفرج، ولانه إذا كان سليما فهنالك حد يمكن اعتباره وهو الحشفة، فإذا كان بعضه مقطوعا فليس هناك حد يمكن اعتباره، فاعتبر كله، وعندي أن الغسل وسائر أحكام الوطئ على هذين الوجهين.

وإن وطئها في الموضع المكروه لم يخرج من العنة، لانه ليس محل الوطئ في الشرع ولهذا لا يجعل به الاحلال للزوج الاول، وإن أصابها بالفرج وهى حائض أو نفساء أو صائمة عن فرض أو محرمه خرج من العنة، لانه محل للوطئ في الشرع وإنما حرم الوطئ لعارض.

(فرع)

وان ادعى الزوج أنه وطئها أنكرت فان كانت ثيبا فالقول قول الزوج مع يمينه، لانه لا يمكن اثباته بالبينه، وان كانت بكرا عرضت على أربع من القوابل، فان قلن: ان بكارتها قد زالت فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الظاهر أن البكارة لا تزول الا بالوطئ، وان قلن: ان البكارة باقيه، فان قال الزوج: اننى قد أصبتها وهى ثيب لم يلتفت إلى قوله، لان ذلك طعن على

البينه، فثبت عجزه، وان قال: صدقت كنت قد أصبتها وزالت بكارتها ثم عادت فالقول قول الزوجه، لان الظاهر أن البكارة لا تعود.

قال الشافعي رضى الله عنه: وتحلف المرأة على ذلك، لان ما يدعيه الزوج ممكن لانه قد قال أهل الخبرة: ان الرجل إذا وطئ البكر ولم يبالغ، فان البكارة ربما زالت ثم عادت، فحلفت عليه، هذا مذهبنا.

وقال الاوزاعي: يترك الزوج معها، ويكون هناك امرأتان جالستين خلف ستر قريب منهما، فإذا قام الرجل عن جماعها بادرتا فنظرتا إلى فرجها، فان رأتا فيه الماء علمتا أنه أصابها، وان لم تريا فيه الماء علمتا أنه لم يصبها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 282)

________________________________________

وقال مالك: يفعل ذلك ولكن يقتصر على إمراة واحدة، وحكى أن إمرأة ادعت على زوجها العنة، فكتب سمرة بن جندب رضى الله عنه بذلك إلى معاوية رضى الله عنه فكتب إليه أن يزوج الرجل إمرأة ذات حسن وجمال يذكر عنها الصلاح ويساق إليها صداقها من بيت المال لتختبر حاله، فإن أصابها فقد كذبت يعنى زوجته المدعية وإن لم يصبها فقد صدقت ففعل ذلك ثم سألها عنه فقالت: ما عندي شئ، فقال سمرة رضى الله عنه ما دنا ولا انتشر عليه؟ فقالت بلى دنا وانتشر عليه، ولكن جاءه سره أي أنزل قبل أن يولج هذه رواية الشيخ أبى حامد وسائر أصحابنا.

وأما أبو عبيد فذكر أن معاوية رضى الله عنه كتب إليه أن اشتر له جارية من بيت المال وأدخلها معه ليلة، ثم اسألها عنه، ففعل سمرة رضى الله عنه فلما أصبح قال.

ما صنعت؟ فقال فعلت حتى حصحص فيه، فسأل الجارية فقالت لم يصنع شيئا فقال.

خل سبيلها ما محصحص، والحصحصة الحركة في الشئ حتى يستقر، وما ذكره الاوزاعي ومالك غير صحيح، لان العنين قد ينزل من غير

ايلاج وقد يولج من غير انزال، وما ذكره معاوية غير صحيح، لان الرجل قد يعن عن إمرأة ولا يعن عن غيرها.

(مسألة) وإذا انقضت السنة ولم يقدر على وطئها كانت بالخيار بين الاقامة والفسخ، فإن اختارت الاقامة سقط حقها من الفسخ لانها أسقطت ما ثبت لها من الفسخ، فإن أرادت بعد ذلك أن ترجع فتطالب بالفسخ لم يكن لها ذلك لانه عيب رضيت به، فهو كما لو وجدته مجذوما أو أبرص فرضيت به ثم أرادت أن تفسخ بعد ذلك فإن اختارت الفسخ - لم يصح الا بالحاكم لانه مجتهد فيه.

قال ابن الصباغ ويفسخ الحاكم النكاح، ويجعله إليها فتفسخ.

قال الشيخ أبو حامد لا تفسخه المرأة بنفسها لان الصحابة رضى الله عنهم، قالوا فان جامعها والا فرق بينهما، فأخبر أنها لا تنولاه، ويكون ذلك فسخا لا طلاقا.

وقال مالك والثوري وأبو حنيفة رضى الله عنهم تكون طلقة بائنة.

دليلنا أنه فسخ بعيب كفسخ المشترى لاجل العيب في المبيع، وكالامة إذا أعتقت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 283)

________________________________________

تحت عبد فاختارت الفسخ، فان رضيت بالمقام معه قبل أن يضرب له المدة وفى اثباتها فيه وجهان وحكاهما ابن الصباغ قولين.

 

(أحدهما)

يسقط حقها من الفسخ لانها رضيت بعيبه فهو كما لو رضيت به بعد انقضاء المدة

(والثانى)

لا يسقط حقها من الفسخ وهو الاصح، لانها أسقطت حقها من الفسخ.

قبل جوازه فلم يسقط كالشفيع إذا أسقط حقه من الشفعة قبل الشراء.

(فرع)

إذا تزوج رجل امرأة فوطئها ثم عجز عن وطئها لم يثبت لها الخيار ولا يحكم لها عليه بالعنة.

وقال أبو ثور: يضرب لها المدة، ويثبت لها الخيار كما لو وطئها ثم جب ذكره.

دليلنا أن العنة يتوصل إليها بالاستدلال والاجتهاد

فإذا تحققنا قدرته على الوطئ في هذا النكاح لم يرجع فيه إلى الاستدلال، ومضى الزمان لانه رجوع من اليقين إلى الظن، ويخالف إذا وطئها ثم جب، لان الجب أمر مشاهد متحقق فجاز أن تدفع قدرته على الوطئ بالامر المتحقق، فان تزوج امرأة ثم وطئها ثم طلقها فبانت منه ثم تزوجها فادعت عليه بالعنة سمعت دعواها عليه، فان أقر بذلك ضربت له المدة لان كل نكاح له حكم نفسه، ويجوز أن يثبت في نكاح دون نكاح، كما يثبت من امرأة دون امرأة.

(فرع)

وان تزوج رجل امرأة مع علمها أنه عنين بأن أخبرها أنه عنين أو تزوجها فأصابته عنينا فسخت النكاح ثم تزوجها ثانيا.

فيه قولان.

قال في الام: لا يثبت لها الخيار لانها تزوجته مع العلم بحاله فلم يثبت لها الفسخ كما لو اشترى سلعه مع العلم بعيبها.

وقال في الجديد: يثبت لها الفسخ لان كل نكاح له حكم نفسه، ولانها انما تحققت عنته في النكاح الاول، ويجوز أن يكون عنينا في نكاح دون نكاح.

(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: فان فارقها بعد ذلك ثم راجعها ثم سألت أن يؤجل لها لم يكن لها ذلك، وجملة ذلك أن امرأة إذا أصابت زوجها عنينا فضربت له المدة ورضيت بالمقام معه ثم طلقها وعادت إليه نظرت، فان طلقها طلاقا رجعيا ثم راجعها وأرادت أن تضرب له المدة ثانيا لم يكن لها ذلك لان الرجعيه استصلاح النكاح الاول وليس بتجديد عقد النكاح، وقد رضيت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 284)

________________________________________

بمقامها معه في هذا النكاح فلم يكن لها أن تطالب بضرب المدة، فاعترض المزني على الشافعي وقال: لا تجتمع الرجعية مع العنة، لانه إن كان قد وطئها في هذا النكاح، فإنه لا تضرب له مدة العنة لانه وإن لم يصبها فيه فلا عدة عليها له ولا رجعة، قال أصحابنا: يحتمل أن يكون الشافعي رضى الله عنه بنى هذا على

القول القديم أن الخلوة تثبت العدة، فكأنه فرضها فيمن خلا بإمرأته ولم يطأها فأصابته عنينا فضربت له المدة ثم اختارت المقام معه ثم طلقها ولم يبنها، فإن له الرجعة عليها لان الخلوة كالدخول في استقرار المهر بوجوب العدة والرجعة على هذا ويحتمل أنه بناها على القول الجديد وهو إذا وطئها ولم يغيب الحشفة في الفرج وأنزل واستدخلت ماءه من غير جماع، فإنه يجب عليها العدة وله عليها الرجعة.

قال الشيخ أبو حامد: وهذا أصح، لان الشافعي رحمه الله ذكرها في الام، وقوله في الام: إن الخلوة لا تقر المهر، ولا توجب العدة.

وقال المسعودي: يحتمل أن يكون الشافعي رحمه الله أراد إذا وطئها في دبرها وإن كان الطلاق بائنا ثم تزوجها بعده فقد تزوجته مع العلم بعيبه، وهل لها الخيار؟ فيه قولان مضى بيانهما.

(فرع)

فرع إذا تزوج إمرأتين فعن عد إحداهما دون الاخرى ضربت له المدة التى عن عنها لان لكل واحدة حكم بعنتتها فاعتبر حكمها بانفرادها.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن وجدت المرأة زوجها مجبوبا ثبت لها الخيار في الحال، لان عجزه متحقق، فإن كان بعضه مجبوبا وبقى ما يمكن الجماع به فقالت المرأة: لا يتمكن من الجماع به.

وقال الزوج: أتمكن، ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أن القول قوله، لان له ما يمكن الجماع بمثله، فقبل قوله.

كما لو اختلفا وله ذكر قصير.

 

(والثانى)

وهو قول أبى إسحاق: أن القول قول المرأة، لان الظاهر معها، فإن الذكر إذا قطع بعضه ضعف، وإن اختلفا في القدر الباقي هل يمكن الجماع به فالقول قول المرأة، لان الاصل عدم الامكان،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 285)

________________________________________

(فصل)

إذا تزوجت إمرأة رجلا على أنه على صفة فخرج بخلافها، أو على نسب فخرج بخلافه، ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أن العقد باطل، لان الصفة مقصودة كالعين، ثم اختلاف العين يبطل العقد، فكذلك اختلاف الصفة، ولانها لم ترض بنكاح هذا الزوج فلم يصح، كما لو أذنت في نكاح رجل على صفة فزوجت ممن هو على غير تلك الصفة (والقول الثاني) أنه يصح العقد وهو الصحيح، لان ما لا يفتقر العقد إلى ذكره إذا ذكره وخرج بخلافه لم يبطل العقد كالمهر، فعلى هذا إن خرج أعلى من المشروط لم يثبت الخيار، لان الخيار يثبت للنقصان لا للزيادة، فإن خرج دونها فإن كان عليها في ذلك نقص بأن شرط أنه حر فخرج عبدا أو أنه جميل فخرج قبيحا أو أنه عربي فخرج عجميا، ثبت لها الخيار لانه نقص لم ترض به، وإن لم يكن عليها نقص بأن شرطت أنه عربي فخرج عجميا وهى عجميه، ففيه وجهان، أحدهما لها الخيار لانها ما رضيت أن يكون مثلها، والثانى: لا خيار لها لانها لا نقص عليها في حق ولا كفاءة: (الشرح) وإن أصابت المرأة زوجها مجبوبا، فإن جب ذكره من أصله ثبت لها الخيار في الحال، لان عجزه متحقق، وإن بقى بعضه فإن كان الباقي مما لا يمكن الجماع به فهو كما لو لم يبق منه شئ، لان وجود الباقي كعدمه، وإن كان الباقي مما يمكن الجماع به، فإن اتفق الزوجان على أن الزوج يقدر على الجماع به فلا خيار لها، وإن اختلفا فقالت الزوجه، لا يقدر على الجماع به، وقال الزوج بل أقدر على الجماع به، ففيه وجهان.

أحدهما: أن القول قول الزوج مع يمينه كما لو كان الذكر سليما.

والثانى: هو قول أبى إسحاق، أن القول قول الزوجه مع يمينها، لان الظاهر ممن قطع بعض ذكره أنه لا يقدر على الجماع به، فان ثبت عجزه عن الجماع

باقراره أو يمينها ففيه وجهان حكاهما ابن الصباغ

(أحدهما)

حكاه عن الشيخ أبى حامد أن الخيار يثبت لها في الحال، لان عجزه متحقق

(والثانى)

وهو قول القاضى ابى الطيب ولم أجد له الا ذلك انه يضرب له مدة العنين، لان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 286)

________________________________________

عجزه غير متحقق، لانه يقدر على الجماع به فهو كالعنين، فأما إذا اختلفا في القدر الباقي هل هو مما يمكن الجماع به أو مما لا يمكن الجماع به، فذكر الشيخ أبو حامد والشيخ أبو إسحاق المروزى والمحاملى أن القول قول الزوجة وجها واحدا، لان الاصل عدم الامكان.

وقال ابن الصباغ: ينبغى أن لا يرجع في ذلك إليها، وإنما يرجع إلى من يعرف ذلك بصغره أو كبره كما لو ادعت أنه مجبوب وأنكر ذلك.

وإن أصابت زوجها خصيا أو خنثى قد زال إشكاله فإن قلنا: لها الخيار كان لها الخيار في الحال، سواء كان قادرا على الوطئ أو عاجزا عنه، لان العلة فيه أن النفس تعاف من مباشرته، وإن قلنا: لا خيار لها وادعت عجزه عن الجماع فأقر بذلك ضربت له مدة العنين وهى سنه.

(فرع)

روى المزني عن الشافعي: فان لم يجامعها الصبى أجل.

قال المزني معناه عندي صبى قد بلغ أن يجامع مثله قال أصحابنا: المزني أخطأ في النقل والتأويل، أما النقل فان الشافعي قال في القديم، وإن لم يجامعها الخصى أجل وثنى الشافعي هذا، إذا قلنا لا خيار في الخصى وادعت عجزه في الجماع فانه يؤجل فغلط المزني من الخصى إلى الصبى، وأما تأويله فغلط أيضا لان الصبى لا تثبت العنة في حقه، لان العنة لا تثبت إلا باعترافه أو بنكوله عن اليمين، ونكول ويمين الزوجة، وهذا متعذر في حقه قبل أن يبلغ، لان دعوى المرأة لا تسمع عليه بذلك قبل بلوغه، وإن ادعت إمرأة المجنون على زوجها العنة لم تسمع

دعواها عليه، لانه لا يمكنه الجواب على دعواها، وان ثبتت عنته قبل الجنون فضربت له المدة وانقضت وهو مجنون فلا يجوز للحاكم أن يفسخ النكاح بينهما، لانه لو كان عاقلا لجاز أن يدعى الاصابة ويحلف عليها إن كانت ثيبا، وهذا متعذر منه في حال جنونه، وإن كانت بكرا فيجوز أن يكون وطئها وزالت بكارتها ثم عادت البكارة أو منعته عن نفسها فلم يحكم عليه قبل إفاقته.

(مسألة) إذا تزوجت إمرأة رجلا على أنه على صفة فخرج بخلافها.

أو على نسب فخرج بخلافه، سواء خرج أعلى مما شرط أو دون ما شرط فالحكم واحد

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 287)

________________________________________

بأن تتزوج رجلا بشرط أنه طويل، فيخرج قصيرا: وبشرط أنه قصير فيخرج طويلا، أو أنه أسود فيأتى أبيض، أو أنه أبيض فيأتى أسود، أو أنه موسر فيخرج فقيرا، أو أنه فقير فيخرج موسرا أو على أنه قرشي فيخرج غير قرشي، أو على أنه ليس بقرشي فيخرج قرشيا، أو على أنه حر فكان عبدا وكان نكاحه باذن مولاه، أو على أنه عبد فخرج حرا وكان هذا الشرط في حال العقد، فهل يصح العقد؟ فيه قولان.

 

(أحدهما)

أن النكاح باطل، لان الاعتماد في النكاح على الصفات والاسماء كما أن الاعتماد في البيوع على المشاهدة، بدليل أنه لو قال: زوجتك أختى أو ابنتى صح وان لم يشاهدها الزوج، كما أنه إذا باعه سلعة شاهداها صح، ثم اختلاف الاعيان يوجب بطلان النكاح البيع بدليل أنه لو قال: زوجتك ابنتى يا زيد فقبل نكاحها وهو عمر، أو قال: بعتك عبدى هذا فقال المشترى: قبلت البيع في الجارية لم يصح النكاح والبيع، فوجب أن يكون اختلاف الصفة يوجب بطلان العقد، فعلى هذا يفرق بينهما، فان لم يدخل بها فلا شئ عليه، وإن دخل بها وجب لها مهر مثلها.

(والقول الثاني) أن النكاح صحيح، وبه قال أبو حنيفة وهو الاصح، لانه معنى لا يفتقر العقد إلى ذكره، ولو ذكره وكان كما شرط صح العقد، فان ذكره وخرج بخلاف ما شرطه لم يبطل العقد كالمهر.

فإذا قلنا بهذا نظرت، فان كان الشرط في الصفة، فان خرج الزوج أعلى منها شرط في الصفة بأن شرط كونه فقيرا فكان موسرا، أو أنه شيخ فكان شابا، لم يكن لها الخيار في فسخ النكاح لان الخيار يثبت للنقص، وهذا زيادة لا نقصان فيه، وإن خرج أدنى مما شرط ثبت لها الخيار في فسخ النكاح، لانه دون ما شرط وإن كان في النسب نظرت، فان شرط أنه حر فخرج عبدا وهى حرة ثيب لها الخيار في فسخ النكاح قولا واحدا، لان العبد لا يكافئ الحرة، وكذلك إذا شرط أنه عربي فخرج عجميا، وهو من كان من أبوين عجميين وهى عربية ثبت لها الخيار، لانه لا يكافئها، وإن خرج نسبه أعلى من نسبها بأن شرط أنه ليس

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 288)

________________________________________

من قريش فكان قرشيا فلا خيار لها لانه أعلى مما شرط، وإن خرج نسبه دون نسبه الذى انتسب إليه ودون نسبها ثبت لها الخيار، وإن كان مثل نسبها أو أعلى منه ففيه وجهان (أحداهما) لها الخيار، لانها لم ترض بكفؤ لها

(والثانى)

وهو المنصوص في الام: أنه لا خيار لها لانه كفؤ لها ولا نقص عليها في ذلك.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن كان الغرر من جهة المرأة نظرت، فان تزوجها على أنها حرة فكانت أمة وهو ممن يحل له نكاح الامة ففى صحة النكاح قولان.

فان قلنا: أنه باطل فوطئها لزمه مهر المثل، وهل يرجع به على الغار فيه قولان، أحدهما لا يرجع، لانه حصل له في مقابلته الوطئ، والثانى: يرجع، لان الغار ألجأه إليه فان كان الذى غره غير الزوجة رجع عليه، وان كانت هي الزوجة رجع عليها

إذا عتقت، وان كان وكيل السيد رجع عليه في الحال، وان أحبلها فضمن قيمة الولد رجع بها على من غره.

وان قلنا انه صحيح فهل يثبت له الخيار فيه قولان.

أحدهما لا خيار له لانه يمكنه أن يطلق.

والثانى له الخيار وهو الصحيح، لان ما ثبت به الخيار للمرأة ثبت به الخيار للرجل كالجنون.

وقال أبو إسحاق: ان كان الزوج عبدا فلا خيار له قولا واحدا، لانه مثلها والصحيح أنه لا فرق بين أن يكون حرا أو عبدا، لان عليه ضررا لم يرض به، وهو استرقاق ولده منها وعدم الاستمتاع بها في النهار.

فان فسخ فالحكم فيها كالحكم فيه إذا قلنا: انه باطل.

(وان قلنا) لا خيار له أو له الخيار ولم يفسخ فهو كالنكاح الصحيح، فان وطئها قبل العلم بالرق فالولد حر، لانه لم يرض برقه، وان وطئها بعد العلم بالرق فالولد مملوك، لانه رضى برقه، وان غرته بصفة غير الرق أو بنسب ففى صحة النكاح قولان.

فان قلنا انه باطل ودخل بها وجب مهر المثل.

وهل يرجع به على من غره؟ على القولين، فان قلنا يرجع فان كان الغرور من غيرها رجع بالجميع وان كان منها ففيه وجهان.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 289)

________________________________________

(أحداهما) يرجع بالجميع كما يرجع على غيرها

(والثانى)

يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بدل.

وان قلنا: انه صحيح، فان كان الغرور بنسب فخرجت أعلى منه، لم يثبت الخيار، وان خرجت دونه ولكنه مثل نسبه أو أعلى منه لم يثبت الخيار، وان كان دون نسبه ففيه وجهان.

أحدهما: له الخيار، لانه لم يرض أن تكون دونه.

والثانى: لا خيار له، لانه لا نقص على الزوج بأن تكون المرأة دونه في الكفاءة، فإن قلنا أن له

الخيار فاختار الفسخ، فالحكم فيه كالحكم فيه إذا قلنا: انه باطل، وان اختار المقام فهو كما قلنا انه صحيح وقد بيناه.

(الشرح) وان تزوج رجل امرأة على أنها حرة فكانت أمة فهل يصح النكاح فيه وجهان وجههما ما ذكرناه في التى قبلها، وانما يتصور القولان مع وجود أربع شرائط (أحداها) أن يكون الزوج ممن يحل له نكاح الامة

(والثانى)

أن يكون القولان مع وجود أربع شرائط.

(أحدها) أن يكون الزوج ممن يحل له نكاح الامة (الثاني) أن يكون الشرط في حال العقد فاما قبله أو بعده فلا يؤثر.

(الثالث) أن يكون الغرور من جهة الامة أو من وكيل السيد: فأما ان كان من السيد فإنها تعتق.

(الرابع) أن يكون النكاح بإذن السيد: إذا ثبت هذا فإن قلنا ان النكاح باطل فإن لم يدخل بها فرق بينهما، ولا شئ عليه، وان دخل بها لزمه مهر المثل لسيدها، فإذا غرمه فهل يرجع به على من غرة؟ فيه قولان مضى توجيههما، وان حبلت منه وخرج الولد حيا كان حرا للشبهة سواء كان الزوج حرا أو عبدا ويلزمه قيمته لسيدها، وما قاله المصنف في استرقاق الولد والغرور بالرق فعلى وجهه (فرع)

وان تزوجها على أنها على صفة فخرجت بخلافها، أو أنها من نسب فخرجت بخلافه، وكان هذا الشرط حال العقد، فهل يصح النكاح؟ فيه قولان سواء خرجت أعلى من الشرط أو دونه، فإن قلنا ان النكاح باطل، فان لم يدخل بها فرق بينهما ولا شئ عليه.

وان دخل بها لزمه مهر مثلها.

وهل يرجع به

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 290)

________________________________________

على من غره؟ فيه قولان مضى يوجيههما، فإن قلنا: لا يرجع فلا كلام، وإن قلنا: يرجع على من غره فغرم، فان كان الذى غره وليها وهو واحد رجع عليه

بالجميع، وإن كانوا جماعة فان غروه بالنسب رجع على جميعهم بالسوية بجميع المهر، لان نسبها لا يخفى عليهم، وإن غروه بصفة غير النسب فان كانوا كلهم عالمين بحالها أو كلهم جاهلين بحالها رجع على جميعهم بالسوية، لانه لا مزية لبعضهم على بعض، وان كانوا بعضهم عالمين بحالها وبعضهم جاهلين بحالها، ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد.

 

(أحدهما)

يرجع على الجميع لان الجميع منهم زوجوه، وحقوق الاموال لا يسقط بالخطأ،

(والثانى)

يرجع على العالم منهم بحالها دون الجاهل، لان العالم بحالها هو الذى غره، وان كان الذى غره هي الزوجة ففيه وجهان.

أحدهما: يرجع عليها بجميع المهر كما قلنا في الاولياء.

والثانى: لا يرجع عليها بالجميع بل يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بذل، فان قلنا: يرجع عليها بالجميع فان كانت قد قبضته منه ردته إليه، وان لم تقبضه منه لم يقبضه، بل يسقط أحدهما بالآخر، وان قلنا لا يرجع عليها بالجميع فان كانت قد قبضت الجميع رجع عليها بما قبضت منه، وبقى منه بعضه، وان لم يقبضه منه أقبضها منه شيئا وسقط الباقي عنه، وان قلنا ان النكاح صحيح، لانه لا نقص عليه، فان غرته بصفة فخرجت أعلا مما شرطت فلا خيار للزوج لانه لا نقص عليه، وان خرج نسبها دون النسب الذى شرطت ودون نسب الزوج، أو كان الغرور بصفة فخرجت صفتها دون الصفة التى شرطت فهل له الخيار في فسخ النكاح، فيه قولان.

 

(أحدهما)

له الخيار لانه معنى لو شرط بنفسه وخرج بخلافه لثبت لها الخيار فيثبت للزوج الخيار كالعيوب.

 

(والثانى)

لا يثبت له الخيار، لانه يمكنه أن يطلقها، ولانه لا عار على الزوج بكون نسب الزوجه دون نسبه ودون صفته بخلاف الزوجة فان قلنا:

له الخيار، فاختار الفسخ فهو كما لو قلنا: انه باطل، وان قلنا لا خيار له أو له الخيار، فاختار امساكها لزمه أحكام العقد الصحيح.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 291)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وان تزوج امرأة من غير شرط يظنها حرة فوجدها أمة فالنكاح صحيح، والمنصوص أنه لا خيار له.

وقال فيمن تزوج حرة يظنها مسلمة فخرجت كتابية أن له الخيار.

فمن أصحابنا من نقل جوابه فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وجعلهما على قولين.

 

(أحدهما)

له الخيار، لان الحرة الكتابية أحسن حالا من الامة، لان الولد منها حر، والاستمتاع بها تام، فإذا جعل له الخيار فيها كان في الامة والولد منها رقيق، والاستمتاع بها ناقص أولى.

(والقول الثاني) لا خيار له لان العقد وقع مطلقا فهو كما لو ابتاع شيئا يظنه على صفة فخرج بخلافها.

فانه لا يثبت له الخيار.

فكذلك ههنا، وإذا لم يجعل له الخيار في الامة ففى الكتابية أولى.

ومنهم من حملهما على ظاهر النص فقال له الخيار في الكتابية.

ولا خيار له في الامة.

لان في الكتابية ليس من جهة الزوج تفريط.

لان الظاهر ممن لا خيار عليه أنه ولى مسلمة، وانما التفريط من جهة الولى في ترك الخيار.

وفى الامة التفريط من جهة الزوج في ترك السؤال.

 

(فصل)

إذا أعتقت الامة وزوجها حر لم يثبت لها الخيار، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أعتقت بريرة فخيرها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زوجها.

وكان عبدا فاختارت نفسها.

ولو كان حرا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولانه لا ضرر عليها في كونها حرة تحت حر.

ولهذا لا يثبت به الخيار في ابتداء النكاح فلا يثبت به الخيار في استدامته.

وان أعتقت تحت عبد

ثبت لها الخيار.

لحديث عائشة رضى الله عنها ولان عليها عارا وضررا في كونها تحت عبد.

ولهذا لو كان ذلك في ابتداء النكاح ثبت لها الخيار.

فثبت به الخيار في استدامته.

ولها أن تفسخ بنفسها لانه خيار ثابت بالنص.

فلم يفتقر إلى الحاكم.

وفى وقت الخيار قولان.

 

(أحدهما)

أنه على الفور، لانه خيار لنقص فكان على الفور كخيار العيب

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 292)

________________________________________

في البيع

(والثانى)

أنة على التراخي، لانا لو جعلناه على الفور لم نأمن أن تختار المقام أو الفسخ ثم تندم، فعلى هذا في وقته قولان.

 

(أحدهما)

يتقدر بثلاثة أيام، لانه جعل حدا لمعرفة الحظ في الخيار في البيع

(والثانى)

أن لها الخيار إلى أن تمكنه من وطئها لانه روى ذلك عن ابن عمر وحفصة بنت عمر رضى الله عنهما، وهو قول الفقهاء السبعة سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمَ بن محمد وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بن هشام وخارجة بن زيد بن ثابت وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بن مسعود وسليمان بن يسار رضى الله عنهم، فإن أعتقت ولم تختر الفسخ حتى وطئها ثم ادعت الجهل بالعتق فإن كان في موضع يجوز أن يخفى عليها العتق فالقول قولها مع يمينها، لان الظاهر أنها لم تعلم، وإن كان في موضع لا يجوز أن يخفى عليها لم يقبل قولها لان ما تدعيه خلاف الظاهر، وإن علمت بالعتق ولكن ادعت أنها لم تعلم بأن لها الخيار، ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا خيار لها كما لو اشترى سلعة فيها عيب، وادعى أنه لم يعلم أن له الخيار.

 

(والثانى)

أن لها الخيار، لان الخيار بالعتق لا يعرفه غير أهل العلم، وإن أعتقت وهى صغيرة ثبت لها الخيار إذا بلغت، وإن كانت مجنونة ثبت لها الخيار

إذا عقلت وليس للولى أن يختار، لان هذه طريقة الشهوة فلا ينوب عنها الولى كالطلاق، وإن أعتقت فلم تختر حتى عتق الزوج ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا يسقط خيارها لانه حق ثبت في حال الرق فلم يتغير بالعتق كما لو وجب عليه حد ثم أعتق.

 

(والثانى)

يسقط لان الخيار ثبت للنقص وقد زال، فإن أعتقت وهى في العدة من طلاق رجعى فلها أن تترك الفسخ، لانتظار البينونة بانقضاء العدة ولها أن تفسخ لانها إذا لم تفسخ ربما راجعها إذا قارب انقضاء العدة فإذا فسخت احتاجت أن تستأنف العدة وإن اختارت المقام في العدة لم يسقط خيارها لانها جارية إلى بينونه، فلا يصح منها اختيار المقام مع ما ينافيه، وإن أعتقت تحت عبد فطلقها قبل ان تختار الفسخ ففيه قولان.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 293)

________________________________________

أحدهما: أن الطلاق ينفذ، لانه صادف الملك.

والثانى: لا ينفذ لانه يسقط حقها من الفسخ، فعلى هذا إن فسخت لم يقع الطلاق، وإن لم تفسخ حكمنا بوقوع الطلاق من حين طلق.

 

(فصل)

وان أعتقت وفسخت النكاح، فان كان قبل الدخول سقط المهر لان الفرقة من جهتها، وان كان بعد الدخول نظرت، فان كان العتق بعد الدخول استقر المسمى، وان كان قبله ودخل بها ولم تعلم بالعتق سقط المسمى ووجب مهر المثل لان العتق وجد قبل الدخول فصار كما لو وجد الفسخ قبل الدخول ويجب المهر للمولى لانه وجب بالعقد في ملكه، وان كانت مفوضة فأعتقت فاختارت الزوج وفرض لها المهر بعد العتق ففى المهر قولان ان قلنا يجب بالعقد كان للمولى لانه وجب قبل العتق.

وان قلنا: يجب بالفرض كان لها لانه وجب بعد العتق.

 

(فصل)

وان تزوج عبد مشرك حرة مشركة ثم أسلما ففيه وجهان.

أحدهما لا خيار لها لانها دخلت في العقد مع العلم برقه.

والثانى: وهو ظاهر النص أن لها أن تفسخ النكاح لان الرق ليس بنقص في الكفر وانما هو نقص في الاسلام فيصير كنقص حدث بالزوج، فيثبت لها الخيار، وان تزوج العبد المشرك أمة فدخل بها ثم أسلمت وتخلف العبد فأعتقت الامة ثبت لها الخيار، لانها عتقت تحت عبد، وان أسلم العبد وتخلفت المرأة ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

وهو قول أبى الطيب بن سلمة أنه لا يثبت لها الخيار، وهو ظاهر ما نقله المزني، والفرق بينها وبين ما قبلها أن هناك الامر موقوف على اسلام الزوج فإذا لم تفسخ لم تأمن أن لا يسلم حتى يقارب انقضاء العدة ثم يسلم فتفسخ النكاح فتطول العدة.

وههنا الامر موقوف على اسلامها فأى وقت شائت أسلمت وثبت النكاح فلم يثبت له الفسخ

(والثانى)

وهو قول أبى اسحاق أنه يثبت لها الخيار كالمسألة قبلها، وأنكر ما نقله المزني.

 

(فصل)

إذا ملك مائة دينار وأمة قيمتها مائة دينار وزوجها من عبد بمائة ووصى بعتقها فأعتقت قبل الدخول لم يثبت لها الخيار لانها إذا فسخت سقط

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 294)

________________________________________

مهرها، وإذا سقط المهر عجز الثلث عن عتقها فسقط خيارها فيؤدى إثبات الخيار إلى اسقاطه فسقط.

 

(فصل)

وإن أعتق عبد وتحته أمة ففيه وجهان.

أحدهما: يثبت له الخيار كما يثبت للامة إذا كان زوجها عبدا، والثانى: لا يثبت لان رقها لا يثبت به الخيار في ابداء النكاح فلا يثبت به الخيار في استدامته.

(الشرح) خبر بريرة بلفظ المصنف أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه من طريق عروة عن عائشة، وقال ابن القيم في الهدى: حديث عائشة

رواه ثلاثة الاسود وعروة والقاسم، وهو يرجح كون زوج بريرة حرا بيد أن الروايات الثابته عندنا تخالف ابن القيم فيما ذهب إليه.

وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الزوج حرا هل يثبت الخيار للزوجة أم لا فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت، وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة لان المرأة إذا صارت حرة وكان زوجها عبدا لم يكن كفؤا لها، ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب، ولو كان حرا لم يخيرها، ولكنه تعقب بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه، وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك، ولو سلم انه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة، وذهبت العترة والشعبى والنخعي والثوري والحنفية إلى أنه يثبت الخيار ولو كان الزوج حرا وتمسكوا أولا بتلك الرواية التى فيها أنه كان زوج بريرة حرا، وقد عرفنا عدم صلاحية ذلك للتمسك به.

وما بقى من فروع المسائل في هذه الفصول فعلى وجهه لمن أراد أن يحيط بها إجمالا إذ لا حاجة بنا إلى بسطها لانها تقوم على أساس الرق وقد تلاشى الرق اليوم وصار الناس يتساوون اليوم في حقوقهم وواجباتهم، وقد ضاقت فوارق التكافؤ بينهم الا قليلا، والله الموفق للصواب،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 295)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

‌باب نكاح المشرك

 

إذا أسلم الزوجان المشركان على صفة لو لم يكن بينهما نكاح جاز لهما عقد النكاح أقرا على النكاح، وان عقد بغير ولى ولا شهود، لانه أسلم خلق كثير فأقرهم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أنكحتهم، ولم يسألهم عن شروطه وان أسلما والمرأة ممن لا تحل له كالام والاخت لم يقرا على النكاح، لانه لا يجوز أن يبتدئ نكاحها فلا يجوز الاقرار على نكاحها، وان أسلم أحد الزوجين

الوثنيين أو المجوسيين أو أسلمت المرأة والزوج يهودى أو نصراني فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة، وان كان بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة، فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وان لم يسلم حتى انقضت العدة حكم بالفرقة.

وقال أبو ثور: ان أسلم الزوج قبل الزوجة وقعت الفرقة وهذا خطأ، لما روى عبد الله بن شبرمة (أن الناس كانوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يسلم الرجل قبل المرأة، والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهى امرأته، وان أسلم بعد انقضاء العدة فلا نكاح بينما) والفرقة الواقعة باختلاف الدين فسخ لانها فرقه عريت عن لفظ الطلاق ونيته فكانت فسخا، كسائر الفسوخ.

(الشرح) خبر عبد الله بن شبرمه مرسل لانه من الطبقة الخامسه في التابعين ومن ثم يؤخذ على المصنف استدلاله به مع استفاضة الروايات المرفوعة وكثرة طرقها، من ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس قال (كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركى أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه.

وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح.

وان جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه) .

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 296)

________________________________________

وأخرج أحمد وأبو داود وصححه الحاكم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رد ابنته زينب على زوجها ابى العاص بن الربيع بالنكاح الاول لم يحدث شيئا) وفى لفظ (رد ابنته زينب على أبى العاص زوجها بنكاحها الاول بعد سنتين ولم يحدث صداقا) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

وفى لفظ (رد ابنته زينب

على أبى العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الاول، ولم يحدث شهادة لا صداقا) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال فيه (لم يحدث نكاحا) وقال ليس بإسناده بأس.

وقد روى بإسناد ضعيف عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ابنته على أبى العاص بمهر جديد ونكاح جديد) قال الترمذي في إسناده مقال، وقال أحمد: هذا حديث ضعيف والحديث الصحيح أنه أقرهما على النكاح الاول.

وقال الدارقطني: هذا حديث لا يثبت، والصواب حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ردها بالنكاح الاول) وقال الخطابى: حديث ابن عباس أصح من حديث عمرو بن شعيب.

وقال ابن كثير في الارشاد: هو حديث جيد قوى، وهو من رواية ابن اسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس.

إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ضعف أمرها على بن المدينى، وابن إسحاق فيه مقال معروف، وحديث عمرو بن شعيب أخرجه ابن ماجه أيضا، وفى إسناده الحجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس، ولم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبو عبيد، وإنما حمله عن العزرمى وهو ضعيف، وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم.

وأخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح وهرب صفوان من الاسلام، فبعث إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمانا، وشهد حنينا والطائف وهو كافر وإمرأته مسلمة فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح.

قال ابن شهاب: وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحوا من شهر)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 297)

________________________________________

وفى الموطأ عن ابن شهاب (أن أم حكيم ابنة الحرث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبى جهل من الاسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت على زوجها باليمن ودعته إلى الاسلام فأسلم، وقدم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك.

قال ابن شهاب: ولم يبلغنا أن إمرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها الا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها، وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهى في عدتها) .

وروى البيهقى عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازى وغيرهم عن عدد مثلهم (أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكه، ومكه يومئذ دار حرب، وكذلك حكيم بن حزام، ثم أسلم المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى الله عليه وسلم النكاح) .

وقد استشكل بعض علماء الحديث والفقه ما جاء في روايات ابن عباس من قوله (بعد سنتين) وفى الرواية الثانية (بست سنين) ووقع في رواية (بعد ثلاث سنين) وأشار ابن حجر في الفتح إلى الجمع فقال: المراد بالست ما بين هجر ة زينب واسلامه، وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى (لا هن حل لهم) وقدومه مسلما، فإن بينهما سنتين وأشهرا.

قال الترمذي في حديث ابن عباس انه لا يعرف وجهه.

قال الحافظ: وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة، قال: ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها، وممن نقل الاجماع في

ذلك ابن عبد البر، وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع المذكور، وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما، فقد أخرجه ابن أبى شيبه عن على وابراهيم النخعي بطرق قوية، وأفتى به حماد شيخ أبى حنيفة، وأجاب الخطابى عن الاشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن.

وان لم تجربه عادة في الغالب،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 298)

________________________________________

ولا سيم ان كانت المدة إنما هي سنتان وأشهر، فان الحيض قد يبطئ عن ذات الاقراء لعارض، وبمثل هذا أجاب البيهقى.

قال الحافظ: وهو أولى ما يعتمد في ذلك.

وقال السهيلي في شرح السيرة: ان حديث عمرو بن شعيب هو الذى عليه العمل، وإن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء، لان الاسلام قد كان فرق بينهما، قال الله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ومن جمع بين الحديثين قال: معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الاول في الصداق والحباء، ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره اه.

وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البر، وقيل: إن زينب لما أسلمت وبقى زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى الله عليه بينهما إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر، فلما نزل قوله تعالى (لا هن حل لهم) الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أن تعتد فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة، فقررها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الاول فيندفع الاشكال، وحديث عمرو بن شعيب تعضده الاصول، وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد، والاخذ بالصريح أولى من الاخذ بالمحتمل، ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري.

قال الحافظ ابن حجر: وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الائمة، وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية

التحريم واسلام أبى العاص، ولا مانع من ذلك، وأغرب ابن حزم فقال: إن قوله: ردها إليه بعد كذا، مراده جمع بينهما، وإلا فاسلام أبى العاص گان قبل الحديبية، وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم.

قال الحافظ ابن حجر: وهو مخالف لما أطبق عليه أهل المغازى أن إسلامه كان بعد نزول آية التحريم.

وقال ابن القيم في الهدى ما حاصله: إن اعتبار العدة لم يعرف في شئ من الاحاديث، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا ولو كان الاسلام بمجرده فرقة، لكانت طلقة بائنة ولا رجعة فيها، فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم، وقد دل حكمه صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 299)

________________________________________

فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهى زوجته، وان انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت، وان أحبت انتظرته، وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح، قال: ولا نعلم أحدا جدد بعد الاسلام نكاحه ألبتة، بل كان الواقع أحد الامرين اما افتراقهما ونكاحها غيره واما بقاؤهما على النكاح الاول إذا أسلم الزوج، وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة فلم يعلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده، وهذا كلام في غاية الحسن والمنانة.

قال: وهذا اختيار الخلال وأبى بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم، وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم.

قال ابن حزم: وهو قول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وابن عباس ثم عد آخرين، وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر واليه جنح البخاري، وشرط أهل الكوفه ومن وافقهم

أن يعرض على زوجها الاسلام في تلك المدة فيمتنع ان كانا معا في دار الاسلام وقد روى عن أحمد أن الفرقه تقع بمجرد الاسلام من غير توقف على مضى العدة كسائر أسباب الفرقه من رضاع أو خلع أو طلاق.

قال في البحر: إذا أسلم أحدهما دون الآخر انفسخ النكاح اجماعا ثم قال بعد ذلك: ومذهب الشافعي ومالك وأبى يوسف على أن الفرقه بإسلام أحدهما فسخ لا طلاق إذا العلة اختلاف الدين كالردة.

وقال ابو العباس وابو حنيفة ومحمد: بل طلاق حيث اسلمت وابى الزوج، إذ امتناعه كالطلاق قلنا بل كالردة اه.

وجملة ما اوردنا في هذا البحث ان اهل الشرك انكحتهم صحيحه وطلاقهم واقع وينبنى على هذا انه إذا نكح مشرك مشركة وطلقها ثلاثا لم تحل له الا بعد زوج، ولو نكح مسلم ذميه ثم طلقها ثلاثا ثم نكحها ذمى ودخل بها وطلقها الذمي حلت للمسلم الذى طلقها بعد انقضاء عدتها، فيتعلق بأنكحتهم سائر الاحكام التى تتعلق بأنكحة المسلمين، وبه قال الزهري والاوزاعي وابو حنيفة واصحابه.

وقال مالك: انكحة اهل الشرك باطله فلا يتعلق بها حكم من احكام النكاح الصحيح، وحكاه اصحابنا الخراسانيون قولا آخر للشافعي.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 300)

________________________________________

دليلنا قوله تعالى (وقالت إمرأة فرعون) وقوله تعالى (تبت يدا أبى لهب وتب إلى قوله وإمرأته حمالة الحطب) فأضاف إمرأتيهما اليهما وحقيقة الاضافة تقتضي الملك، وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ولدت من نكاح لا من سفاح) وكان مولودا في الشرك.

إذا ثبت هذا فان أسلم الزوجان المشركان معا فإن كانا عند إسلامهما يجوز ابتداء النكاح بينهما أقرا على نكاحهما الاول، وإن كانا عقدا بغير ولى ولا شهود لانه أسلم خلق كبير وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على أنكحتهم، ولم يسأل عن

شروطها، وإن كان لا يجوز لهما ابتداء النكاح بينهما، فإن كانت محرمة عليه بنسب أو رضاع أو صهارة أو معتدة عنه لانه لا يجوز لهما ابتداء النكاح فلا يجوز إقرارهما عليه.

قال أصحابنا: فإن أسلم الزوج والزوجة كتابية أقرا على النكاح لانه يجوز للمسلم ابتداء النكاح على الكتابية فأقرا عليه، وإن أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو أسلم الزوج ولم تسلم الزوجة، فان كان قبل الدخول انفسخ النكاح، وإن كان بعد الدخول وقف النكاح، وإن أسلم الكافر منهما قبل انقضاء عدة الزوجة أقرا على النكاح، وأن لم يسلم الكافر منهما حتى انقضت عدة الزوجة بانت منه من وقت إسلام المسلم منهما، ولا فرق بين أن يكون ذلك في دار الاسلام أو في دار الحرب، وبه قال أحمد.

وقال مالك: إن كانت هي المسلمة فكما قلنا، وإن كان هو المسلم عرض عليها الاسلام في الحال، فإن أسلمت والا انفسخ نكاحها، وقال أبو بكر رضى الله عنه ان أسلم الزوج قبل الزوجة وقعت الفرقة بكل حال.

وقال أبو حنيفة: ان كان في دار الحرب وكان ذلك بعد الدخول فالنكاح موقوف على انقضاء العدة كقولنا، وان كان في دار الاسلام فسواء كان قبل الدخول أو بعده فإن النكاح لا ينفسخ بل يعرض على المتأخر منهما الاسلام، فإن اسلم فهما على الزوجية، وان لم يسلم فرق بينهما بتطليقة، وان لم يعرض الاسلام على المتأخر منهما وأقاما على الزوجية مدة طويلة فهما على النكاح.

دليلنا ما رويناه من الاخبار التى تفيد بمنطوقها أن الناس كانوا يسلمون على

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 301)

________________________________________

عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهى امرأته، وان أسلم بعد انقضاء العدة فلا نكاح

بينهما، والعدة لا تكون الا بعد الدخول، ولم يفرق بين أن أسلم الرجل أو لا أو المرأة، وبين أن يكون في دار الاسلام أو في دار الحرب، فإن اسلم الزوجان في حالة واحدة قبل الدخول لم ينفسخ نكاحهما لانه لم يسبق أحدهما الآخر.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وان أسلم الحر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه، لزمه أن يختار أربعا منهن، لما روى ابن عمر رضى الله عنه (أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يختار منهن أربعا) ولان ما زاد على أربع لا يجوز اقرار المسلم عليه، فإن امتنع أجبر عليه بالحبس والتعزير، لانه حق توجه عليه لا تدخله النيابة فأجبر عليه، فإن أغمى عليه في الحبس خلى إلى أن يفيق لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الاختيار، فخلى كما يخلى من عليه دين إذا أعسر به، فان أفاق أعيد إلى الحبس والتعزير إلى أن يختار، ويؤخذ بنفقة جميعهن إلى أن يختار لانهن محبوسات عليه بحكم النكاح، والاختيار أن يقول: اخترت نكاح هؤلاء الاربع، فينفسخ نكاح البواقى، أو يقول: اخترت فراق هؤلاء، فيثبت نكاح البواقى: وان طلق واحدة منهن كان ذلك اختيارا لنكاحها، لان الطلاق لا يكون الا في زوجة، وان ظاهر منها أو آلى لم يكن ذلك اختيارا لانه قد يخاطب به غير الزوج، وان وطئ واحدة ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أنه اختيار لان الوطئ لا يجوز الا في ملك فدل على الاختيار كوطئ البائع الجارية المبيعة بشرط الخيار.

 

(والثانى)

وهو الصحيح أنه ليس باختيار لانه اختيار للنكاح فلم يجز بالوطئ كالرجعة، وان قال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت نكاحها لم يصح لان الاختيار كالنكاح فلم يجز تعليقه على الصفة ولا في غير معين، وان قال: كلما اسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يصح، لان الفسخ لا يجوز

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 302)

________________________________________

تعليقه على الصفة، ولان الفسخ انما يستحق فيما زاد على أربع، وقد يجوز أن لا يسلم أكثر من أربع فلا يستحق فيها الفسخ، وان قال: كلما أسلمت واحدة فهى طالق ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يصح، وهو ظاهر النص، لانه قال: وان قال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يكف شيئا الا أن يريد به الطلاق.

فدل على أنه إذا أراد الطلاق صح، ووجهه أن الطلاق يصح تعليقه على الصفات

(وَالثَّانِي)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه لا يصح، لان الطلاق ههنا يتضمن اختيار الزوجية، والاختيار لا يجوز تعليقه على الصفة، وحمل قول الشافعي رحمه الله على من أسلم وله أربع نسوة في الشرك، وأراد بهذا القول الطلاق فانه يصح، لانه طلاق لا يتضمن اختيارا فجاز تعليقه على الصفة، وان أسلم ثم ارتد لم يصح اختياره، لان الاختيار كالنكاح فلم يصح مع الردة، وان أسلم وأحرم، فالمنصوص أنه يصح اختياره، فمن أصحابنا من جعلها على قولين.

أحدهما، لا يصح كما لا يصح نكاحه.

والثانى: يصح كما تصح رجعته، ومنهم من قال: ان اسلم ثم احرم ثم اسلمن لم يجز ان يختار قولا واحدا، لانه لا يجوز ان يبتدئ النكاح وهو محرم، فلا يجوز ان يختاره، وحمل النص عليه، وإذا اسلم ثم اسلمن ثم احرم فان له الخيار، لان الاحرام طرأ بعد ثبوت الخيار.

(الشرح) حديث ابن عمر اخرجه احمد وابن ماجه والترمذي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وزاد احمد في رواية (فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: انى لاظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تمكث الا قليلا، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لاورثنك منك، ولآمرن بقبرك ان يرجم

كما رجم قبر ابى رغال (وابو رغال ككتاب ففى سنن ابى داود ودلائل النبوة عن ابن عمر (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: هذا قبر ابى رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود، وكان بهذا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 303)

________________________________________

الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه) الحديث.

أما قول الجوهرى بأنه كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكه فمات في الطريق غير معتد به، وكذا قول ابن سيدة في المخصص أنه كان عبدا لشعيب وكان عشارا جائرا، وقد سبق لنا الكلام على إسناد الحديث وما في وهم معمر وتفرده والعلل في الخبر.

أما الاحكام: فإذا أسلم الرجل وتحته أكثر من أربع زوجات فأسلمن معه في العدة أو كن كتابيات، لزمه أن يختار أربعا منهن، ويفارق ما زاد سواء تزوجهن بعقد واحد أو بعقود، وسواء اختار من نكاحها أولا أو آخرا، وبه قال مالك وأحمد ومحمد بن الحسن.

وقال الزهري وأبو حنيفة وأبو يوسف: لا يصح التخيير بحال، بل ان كان تزوجهن بعقد واحد بطل نكاح الجميع، ولا يحل له واحدة منهن إلا بعقد مستأنف، فإن تزوجهن بعقود لزمه نكاح الاربع الاوائل، وبطل نكاح من بعدهن.

دليلنا ما روى عن غيلان بن سلمة في قصة إسلامه التى أتينا عليها قبل.

(فرع)

إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن فقد ذكرنا أنه يجب عليه أن يختار الاربع منهن لقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان: اختر أربعا، وهذا أمر، والامر يدل على الوجوب، فان لم يختر أجبره الحاكم على الاختيار، لانه لا يجوز له أن يمسك أكثر من أربع ويحبسه ليختار، فان لم يفعل اخرجه وضربه

جلدات دون اقل الجلد، فان لم يختر اعاده إلى الحبس، فان لم يفعل اخرجه وضربه ثانيا وعلى هذا يتكرر عليه الحبس والضرب إلى ان يختار، لان هذا حق يتعين عليه، فهو كما لو كان عليه دين وله مال ناض اخفاه فانه يحبس ويعزر إلى ان يظهره ليقضى به الدين، ويجب عليه ان ينفق على جميعهن إلى ان يختار لانهن محبوسات عليه، فان جن في حال الحبس اطلق سراحه لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الاختيار، فإذا افاق اعيد إلى الحبس والتعزير، ولا ينوب الحاكم عنه في الاختيار، لانه اختيار شهوة فلم يثب عنه الحاكم.

فان قال لاربع منهن: اخترتكن أو اخترت نكاحكن أو اخترت حبسكن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 304)

________________________________________

أو أمسكنكن أو أمسكت نكاحكن أو أثبت نكاحكن أو أثبت عقدكن لزم نكاحهن وانفسخ نكاح ما زاد عليهن.

وإن قال لواحده أو لما زاد على أربع: فسخت نكاحكن انفسخ نكاحهن ولزم نكاح الاربع الباقيات.

وإن طلق واحدة أو أربعا وقع عليها وكان ذلك اختيار لها للزوجية، لان ذلك يتضمن الاختيار لان الطلاق لا يقع إلا في زوجة وإن قال لواحدة فارقتك أو اخترت فراقك فذكر الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق أن ذلك يكون اختيارا لفسخ نكاحها.

وقال القاضى أبو الطيب: يكون ذلك اختيارا لها الزوجية فيقع عليها الفرقة ويعتد بها من الاربع الزوجات، لان الفراق صريح في الطلاق، فلما كان الطلاق في واحدة منهن اختيارا لزوجيتها فكذلك لفظ الطلاق صريح في الطلاق.

قال ابن الصباغ: وهذا وإن كان مبنيا على هذا الاصل إلا أنه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لغيلان اختر منهن أربعا وفارق سائرهن.

وكذلك حديث نوفل بن معاوية حيث قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمسك أربعا وفارق

الاخرى رواه الشافعي وفى إسناده مجهول لان الشافعي يقول حدثنا بعض أصحابنا عن أبى الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية.

وهل يكون لفظ الفراق صحيحا كما قلنا إنه صريح في الطلاق، فيكون صريحا في الطلاق وفى الفسخ لانه حقيقة فيهما ويتخصص بالموضع الذى يقع فيه، فإن كان ظاهر من واحدة منهن أو آلى منها لم يكن ذلك اختيارا لها، لانه قد يخاطب به غير الزوجة.

وإن وطئ واحدة ففيه وجهان:

(أحدهما)

يكون ذلك اختيارا للنكاح، لان الظاهر أنه لا يطأ إلا من يختارها للنكاح كما قلنا في البائع إذا وطئ الجارية المبيعة في حال الخيار فإنه فسخ للبيع،

(والثانى)

لا يكون ذلك اختيارا لها، لان ما يتعلق به اصطلاح النكاح لا يكون بالوطئ كالرجعية، فإذا قلنا إنه اختيار للموطوءة للنكاح فوطئ أربعا منهن لزم نكاحهن وانفسخ نكاح البواقى.

وإذا قلنا لا يكون اختيارا للنكاح

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 305)

________________________________________

قلنا له: اختر أربعا، فإن اختار الموطوءة فلا شئ عليه، وإن اختار أربعا غير الموطوءة لزمه للموطوءة مهر مثلها (فرع)

وان قال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت نكاحها لم يصح، لان الاختيار كابتداء العقد، فلا يجوز تعليقه على صفة.

قال الشافعي رضى الله عنه: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها.

لم يكن شيئا إلا أنه يريده طلاقا، وجملة ذلك أن الرجل إذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات فقال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها، فإن أراد به الفسخ لم يصح لان الفسخ لا يصح تعليقه بالصفات، فهو كما لو أسلمن وقال لكل واحدة (إذا طلعت الشمس فقد فسخت نكاحك)

وإن نوى به الطلاق، أو قال كلما أسلمت واحدة منكن فهى طالق، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال بظاهر كلام الشافعي، وقال يصح ذلك لان الطلاق يصح تعليقه على الصفات، فإذا أسلم أربع منهن وقع عليهن الطلاق، وكان ذلك اختيار الزوجتين، ومنهم من قال لا يصح ولا يتعلق بهذا حكم.

قال الشيخ أبو حامد، وهو المذهب، لان هذا يتضمن اختيارا للزوجة.

والاختيار لا يصح تعليقه بالصفة، ومن قال بهذا تأول كلام الشافعي ثلاثة تأويلات.

 

(أحدهما)

أنه إذا أسلم الرجل وليس عنده إلا أربع زوجات حرائر وتأخر إسلامهن فقال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها، فإن أراد به الفسخ لم يصح لان الفسخ لا يصح الا فيمن تفضل عن الاربع، وان أراد به الطلاق صح لانه يلزمه نكاح جميعهن والطلاق يصح تعليقه بالصفات (والتأويل الثاني) أنه أراد إذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات، فكلما أسلمت واحده منهن قال لها فسخت نكاحك ونوى به الطلاق فيصح ذلك ويكون طلاقا واختيارا لها، فيكون الشرط من كلام الشافعي لا من كلام الزوج،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 306)

________________________________________

والتأويل الثالث: أنه أراد إذا أسلم رجل وعنده ثمانى زوجات فأسلم أربغ منهن فاختار نكاحهن لزمه نكاحهن، ثم قال بعد ذلك الباقيات: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاح واحدة من زوجاتي اللاتى اخترت نكاحهن فإن أراد به الفسخ لم يصح، وإن أراد به الطلاق صح، فكلما أسلمت واحدة من الباقيات طلقت واحدة من الزوجات.

قال ابن الصباغ: والطريقة الاوله أظهر والتأويل يبعد، لان الطلاق يصح تعليقه بالصفات والاختيار تابع.

(فرع)

وان أسلم وأسلمن ثم ارتد لم يصح اختياره، وكذلك إذا رجعن إلى الردة لم يصح اختيارهن ولا واحدة منهن، لان الردة تنافى ابتداء النكاح فكذلك الاختيار، وان أسلم وأحرم فالمنصوص أنه يصح اختياره كما تصح رجعته، ومنهم من قال: إن أسلم وأحرم فالمنصوص في الام أنه يصح اختياره، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يصح اختياره كما لا يصح نكاحه.

والثانى: يصع اختياره كما تصح رجعته، ومنهم من قال: إن أسلم وأحرم ثم أسلمن لم يصح اختياره كما لا يصح نكاحه، وإن أسلم وأسلمن ثم أحرم صح اختياره، لان الاحرام طرأ بعد ثبوت الاختيار.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وإن مات قبل أن يختار لم يقم وارثه مقامه، لان الاختيار يتعلق بالشهوة فلا يقوم فيه غيره مقامه، وتجب على جميعهن العدة، لان كل واحدة منهن يجوز أن تكون من الزوجات، فمن كانت حاملا اعتدت بوضع الحمل ومن كانت من ذوات الشهر اعتدت بأربعة أشهر وعشر، ومن كانت من ذوات الاقراء اعتدت بالاقصى من الاجلين من ثلاثة أقراء، أو أربعة أشهر وعشر، ليسقط الفرض بيقين وبوقف ميراث أربع نسوة إلى أن يصطلحن، لانا نعلم أن فيهن أربع زوجات، وإن كان عددهن ثمانية فجاء أربع يطلبن الميراث لم يدفع اليهن شئ لجواز أن تكون الزوجات غيرهن، وإن جاء خمس دفع اليهن ربع الموقوف لان فيهن زوجة بيقين، ولا يدفع اليهن إلا بشرط أنه لم يبق لهن حق ليمكن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 307)

________________________________________

صرف الباقي إلى باقى الورثة، وإن جاء ست دفع اليهن نصف الموقوف لان فيهن زوجتين بيقين، وعلى هذا القياس، وإن كان فيهن أربع كتابيات ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

وهو قول ابى القاسم الداركى انه لا يوقف شئ، لانه لا يوقف

إلا ما يتحقق استحقاقه ويجهل مستحقه، وههنا لا يتحقق الاستحقاق لجواز ان تكون الزوجات الكتابيات فلا يرثن.

 

(والثانى)

يوقف لانه لا يجوز ان يدفع إلى باقى الورثة إلا ما يتحقق انهم يستحقونه، ويجوز ان يكون المسلمات زوجاته فلا يكون الجميع لباقي الورثة.

(الشرح) الاحكام: إذا اسلم رجل حر وعنده اكثر من اربع زوجات حرائر واسلمن معه، فمات قبل ان يختار اربعا، فإن الوارث لا يقوم مقامه في الاختيار لانه اختيار شهوة، والوارث لا ينوب منابه في الشهوة فلزمهن العدة فإن كن حوامل لم تنقض عدتهن إلا بوضع الحمل، لان من كانت منهن زوجة فهى متوفى عنها زوجها، وعدة المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل، وإن كن حوائل فإن كن من ذوات الشهور لم تنقض عدتهن الا بأربعة اشهر وعشر لان من كانت منهن زوجة فهى موطوءة بشبهة فعدتها ثلاثة اشهر، ولا تنقص الزوجات من غيرهن فلزمهن اربعة اشهر وعشر ليسقط الفرض بيقين، وان كن من ذوات الافراء لزم كل واحدة منهن ان تعتد بأقصى الاجلين من اربعة اشهر وعشر أو ثلاثة اقراء، لان عدة المتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا وعدة الموطوءة بشبهة ثلاثة اقراء.

فإن كانت قبل مضى اربعة اشهر وعشرا لزمها استكمال العدة اربعة اشهر وعشرا ليسقط الفرض بيقين كما قلنا فيمن نسى صلاة من خمس صلوات لا يعرفها بعينها،، وان كان بعضهن حوامل وبعضهن من ذوات الشهور، وبعضهن من ذوات الاقراء لزم كل واحدة حكم نفسها فيما ذكرنا من ذلك ويوقف لهن من ماله ميراث اربع زوجات وهو الربع مع عدم الولد والثمن مع الولد، لان فيهن أربع زوجات بيقين، وان لم يعرفهن بأعيانهن، فإن اصطلحن فيه، فإن كن ثمان نسوة فأخذت كل واحدة منهن ثمن الموقوف أو تفاضلن فيه برضاهن صح عن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 308)

________________________________________

الشافعي رضى الله عنه، فإن كان فيهن مولاة عليها إما لانها صغيرة أو مجنونة لم يصح لوليها أن يصالح عنها بأقل من ثمن الموقوف لانها تستحق هذا القدر في الظاهر، فلا يجوز أن يصالح عنها على أقل منه.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: فإن جاءت منهن واحدة إلى الحاكم تطلب حقها من الميراث لم يدفع إليها شئ لانه يمكن أن لا تكون زوجة وكذلك إن جاء اثنتان أو ثلاث أو أربع فان جاء خمس دفع اليهن ربع الموقوف لانا نتيقن أن فيهن زوجة.

قال أكثر أصحابنا: إلا أنه لا يدفع ذلك اليهن إلا بشرط أنه لم يبق لهن حق في الباقي من الموقوف ليمكن صرفه إلى الثلاث الباقيات إن طلبنه لانه إذا لم يشرط عليهن ذلك كان حقهن متعلقا به فيؤدى إلى أن يأخذن نصيب زوجة بيقين، وحقهن بالباقي، وكذلك ان جاء ست دفع اليهن نصف الموقوف بهذا الشرط، ودفع الباقي إلى الاخيرتين ان طلبتاه وان جاء سبع منهن دفع اليهن ثلاثة أرباع الموقوف بهذا الشرط، ودفع الباقي منه إلى الثامنة ان طلبت ذلك.

قال ابن الصباغ: وهذا فيه نظر، وذلك أن من يعطى من الميراث اليقين لا يسقط بذلك حقه مما يجوز أن يستحقه كما لو خلف زوجة وحملا فانا نعطى الزوجة اليقين، ونوقف الباقي، ولا يسقط حقها منه، وان أسلم وتحته أربع زوجات كتابيات وأربع وثنيات فأسلم الوثنيات معه ثم مات قبل أن يختار، ففيه وجهان

(أحدهما)

لا يوقف شئ من تركته بل يدفع الجميع إلى باقى ورثته لانه لا يوقف الا ما يتيقن استحقاقه على باقى الورثة، ويجهل من يستحقه، وههنا يجوز ان يكون الزوجات هن الكتابيات

(والثانى)

يجوز ان يكون المسلمات هن الزوجات.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وان اسلم وتحته اختان، أو امرأة وعمتها، أو امرأة وخالتها، واسلمتا معه لزمه ان يختار احداهما، لما روى (ان ابن الديلمى اسلم وتحته اختان فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اختر أيتهما شئت وفارق الاخرى) وان اسلم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 309)

________________________________________

وتحته أم وبنت وأسلمتا معه، لم يخل إما أن لا يكون قد دخل بواحدة منهما أو دخل بهما أو دخل بالام دون البنت أو بالبنت دون الام، فإن لم يكن دخل بواحدة منهما ففيه قولان.

 

(أحدهما)

يمسك البنت وتحرم الام، وهو اختيار المزني، لان النكاح في الشرك كالنكاح الصحيح، بدليل أنه يقر عليه والام تحرم بالعقد على البنت: وقد وجد العقد، والبنت لا تحرم إلا بالدخول بالام، ولم يوجد الدخول.

(والقول الثاني) وهو الصحيح أنه يختار من شاء منهما، لان عقد الشرك إنما تثبت له الصحة إذا انضم إليه الاختيار، فإذا لم ينضم إليه الاختيار فهو كالمعدوم، ولهذا لو أسلم وعنده أختان واختار إحداهما جعل كأنه عقد عليها ولم يعقد على الاخرى، فإذا اختار الام صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على البنت، وإذا اختار البنت صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على الام، فعلى هذا إذا اختار البنت حرمت الام على التأبيد، لانها أم إمرأته، وان اختار الام حرمت البنت تحريم جمع لانها بنت إمرأة لم يدخل بها، وإن دخل بها حرمت البنت بدخوله بالام وأما الام فان قلنا: إنها تحرم بالعقد على البنت حرمت لعلتين بالعقد على البنت وبالدخول بها.

وإن قلنا: إنها لا تحرم بالعقد حرمت بعلة وهى الدخول، وإن دخل بالام دون البنت فان قلنا: إن الام تحرم بالعقد على البنت حرمت الام بالعقد

على البنت وحرمت البنت بالدخول بالام، وان قلنا: ان الام لا تحرم بالعقد على البنت حرمت البنت بالدخول بالام وثبت نكاح الام، وان دخل بالبنت دون الام ثبت نكاح البنت وانفسخ نكاح الام وحرمت في أحد القولين بالعقد وبالدخول، وفى القول الاخر بالدخول.

(الشرح) حديث ابن الديلمى لعله فيروز في رواية ابنه الضحاك عند الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه والدارقطني وابن حبان وصححه، عن الضحاك عن أبيه قال (أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق احداهما) وفى لفظ الترمذي (اختر أيتهما شئت) .

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 310)

________________________________________

فإذا أسلم وعنده أختان اختار احداهما وفارق الاخرى وكذلك إذا أسلم وعنده امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها وأسلمتا اختار احداهما لانه لا يجوز الجمع بينهما فهما كالاختين، وقد مضى كلامنا على الاحاديث الواردة في ذلك.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وان أسلم وتحته أربع اماء فأسلمن معه فان كان ممن يحل له نكاح الامة اختار واحدة منهن لانه يجوز أن يبتدئ نكاحها فجاز له اختيارها كالحرة وان كان ممن لا يحل له نكاح الامة لم يجز أن يمسك واحدة منهن.

وقال أبو ثور: يجوز لانه ليس بابتداء النكاح فلا يعتبر فيه عدم الطول وخوف العنت كالرجعة وهذا خطأ، لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فلا يجوز له اختيارها كالام والاخت ويخالف الرجعة، لان الرجعة سد ثلمة في النكاح والاختيار اثبات النكاح في المرأة، فصار كابتداء العقد، وان أسلم وتحته اماء وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر ثم أسلمن فله أن يختار واحدة منهن، لان وقت الاختيار عند اجتماع اسلامه واسلامهن، وهو في هذا الحال ممن يجوز له نكاح

الامة، فكان له اختيارها، وان أسلم بعضهن وهو موسر وأسلم بعضهن وهو معسر، فله أن يختار من اجتمع اسلامه واسلامها وهو معسر، ولا يختار من اجتمع اسلامه واسلامها وهو موسر اعتبارا بوقت الاختيار.

 

(فصل)

وان أسلم وعنده أربع اماء فأسلمت منهن واحدة، وهو ممن يجوز له نكاح الاماء فله أن يختار المسلمة وله أن ينتظر اسلام البواقى ليختار من شاء منهن، فان اختار فسخ نكاح المسلمة لم يكن له ذلك، لان الفسخ انما يكون فيمن فضل عمن يلزمه نكاحها، وليس ههنا فضل، فان خالف وفسخ ولم يسلم البواقى لزم نكاح المسلمة، وبطل الفسخ، وان أسلمن فله أن يختار واحدة، فان اختار نكاح المسلمة التى اختار فسخ نكاحها، ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

ليس له ذلك لانا منعنا الفسخ فيها لانها لم تكن فاضلة عمن يلزم فيها النكاح، وباسلام غيرها صارت فاضلة عمن يلزم نكاحها، فثبت فيها الفسخ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 311)

________________________________________

(والثانى)

وهو المذهب أن له أن يختار نكاحها لان اختيار الفسخ كان قبل وقته، فكان وجوده كعدمه، كما لو اختار نكاح مشركة قبل إسلامها.

 

(فصل)

وإن أسلم وعنده حرة وأمة وأسلمتا معه ثبت نكاح الحرة وبطل نكاح الامة، لانه لا يجوز أن يبتدئ نكاح الامة مع وجود حرة، فلا يجوز أن يختارها، فإن أسلم وأسلمت الامة معه وتخلفت الحرة فان أسلمت قبل انقضاء العدة ثبت نكاحها وبطل نكاح الامة كما لو أسلمتا معا، وان انقضت العدة ولم تسلم بانت باختلاف الدين، فإن كان ممن يحل له نكاح الامة فله أن يمسكها.

 

(فصل)

وإن أسلم عبد وتحته أربع فأسلمن معه لزمه أن يختار اثنتين فان أعتق بعد إسلامه وإسلامهن لم تجز له الزيادة على اثنتين لانه ثبت له الاختيار وهو عبد وإن أسلم وأعتق ثم أسلمن أو أسلمن وأعتق ثم أسلم لزم نكاح الاربع

لانه جاء وقت الاختيار وهو ممن يجوز له أن ينكح أربع نسوة.

(الشرح) قوله: سد الثلمة يعنى جبر الخلل يقال ثلمته أثلمه وبابه ضرب وفى السيف ثلم وفى الاناء ثلم إذا كسر من شفته.

أما الاحكام: فإنه إذا أسلم الحر وتحته أربع زوجات اماء وأسلمن معه بعد الدخول، فان كان عادما لطول حرة خائفا للعنت لزمه أن يختار واحدة منهن، وان كان واجدا لطول حرة أو آمنا من العنت لم يجز له ان يختار منهن واحدة.

وقال ابو ثور: له أن يختار واحدة منهن بكل حال، لان الاختيار ليس بابتداء نكاح وانما هو كالرجعة، وهذا ليس بصحيح لانه لا يجوز له النكاح للامة، فلا يحل له اختيار نكاحها كالمعتدة.

إذا ثبت هذا: فإن اسلم وهو موسر فلم يسلمن معه حتى اعسر فله ان يختار واحدة منهن اعتبارا بوقت اجتماع اسلامه واسلامهن، وان اسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى ايسر لم يكن له ان يختار واحدة منهن، وان اجتمع اسلامه واسلام بعضهن وهو موسر واجتمع اسلامه واسلام بعضهن وهو معسر فله ان يختار ممن اجتمع اسلامه واسلامهن في حال الاعسار دون يساره، وان اسلم واسلمت واحدة منهن وتخلف ثلاث في الشرك فله ان يختار المسلمة، وله ان ينتظر اسلام

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 312)

________________________________________

الثلاث الباقيات، لانه قد يكون له غرض في ذلك، فإن اختار نكاح المسلمة لزمه نكاحها، فان لم يسلم الباقيات حتى انقضت عدتهن انفسخ نكاحهن من وقت اسلامهن وكان ابتداء عدتهن من ذلك الوقت، وان أسلمن قبل انقضاء عدتهن انفسخ نكاحهن وقت اختيار الاولة، وكان ابتداء عدتهن من ذلك الوقت، فان ماتت المسلمة بعد اختيار نكاحها فليس له أن يختار واحدة من الباقيات، وان لم يختر المسلمة الاولة نظرت، فإن لم يسلم الباقيات حتى انقضت عدتهن لزمه نكاح

المسلمة وانفسخ نكاح الباقيات من وقت اسلامه وابتداء عدتهن من ذلك الوقت وهكذا لو أسلم وتحته ثمان نسوة دخل بهن وأسلم منهن أربع وتخلف أربع فله أن يختار نكاح الاربع المسلمات، وله أن ينتظر اسلام الباقيات، فإذا اختار كان الحكم في وقت الفسخ ووقت العدة ما ذكرناه في التى قبلها، فان طلق الامة المسلمة أولا أو الاربع الحرائر المسلمات قبل اسلام الباقيات صح طلاقه، وكان ذلك اختيارا لمن طلق، وان أراد أن يفسخ نكاح المسلمه أولا أو الاربع المسلمات قبل اسلام الباقيات لم يكن له ذلك، لان الفسخ انما يكون فيمن فضل عمن يلزمه نكاحه، ويجوز أن لا يسلم الباقيات، فيلزمه نكاح من قد أسلم، فان خالف وفسخ نكاح من أسلم نظرت، فان لم يسلم الباقيات لم يصح الفسخ ولزمه نكاح من فسخ نكاحه، وان أسلم الباقيات نظرت، فان اختار نكاح واحدة من الثلاث الاماء أو الاربع الحرائر المسلمات لزمه نكاح من اختار نكاحه وانفسخ نكاح الباقيات، وان اختار نكاح الامة المسلمة أو الاربع الحرائر أولا ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يصح اختياره، لان فسخه الاول لم يحكم بصحته

(والثانى)

لا يصح، لانا انما لم نحكم بصحة فسخه لانها لم تكن فاضله عمن يلزمه نكاحها، وباسلام الباقيات صار من فسخ نكاحها فاضلا والاول أصح.

(مسألة) إذا نكح الحر ثمانى زوجات في الشرك، فأسلم وأسلم منهن أربع وتخلف أربع، ثم مات الاربع المسلمات أو بعضهن ثم أسلم الاربع الباقيات قبل انقضاء عدتهن، فله أن يختار الاربع الموتى للنكاح، لان الاختيار ليس هو

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 313)

________________________________________

ابتداء عقد، وإنما يتعين به من كانت زوجة ولان الاعتبار بالاختيار حال ثبوته وقد كن أحياء ذلك الوقت.

(فرع)

إذا تزوج وثنية ثم أسلمت وتخلف الزوج في الشرك فتزوج أختها فان أسلم بعد انقضاء عدة الاولة انفسخ نكاح الاولة وثبت نكاح الثانية إن أسلمت معه قبل انقضاء عدتها، وإن أسلم الزوج قبل انقضاء عدة الاولة وأسلمت معه الثانية، اختار أيتهما شاء.

(فرع)

إذا كان تحته ثمان زوجات فأسلم وأسلمن معه فقد قلنا: إذا طلق واحدة كان ذلك اختيارا لزوجيتها، وإن ظاهر من واحدة أو آلى منها أو قذفها لم يكن ذلك اختيارا لها، لانه قد يخاطب به غير الزوجة، فيكون ذلك موقوفا فإن لم يختر التى ظاهر منها أو آلى لم يصح ظهاره ولا إيلاؤه، وإن اختارها للنكاح تبينا أن ظهاره أو إيلاؤه صحيح.

وأما المقذوفة: فإن لم يخترها للنكاح، وجب عليه الحد بقذفها، ولا يسقط إلا بالبينة، وان اختارها للنكاح تبينا أنها كانت زوجة، وله أن يسقط حد قذفها بالبينة أو باللعان، وان أسلم وتخلفن في الشرك فطلق واحدة منهن أو ظاهر منها أوآلى أو قذفها، فان لم يسلمن حتى انقضت عدتهن لم يكن لطلاقه وظهاره وايلائه حكم، ويجب عليه التعزير للمقذوفه، وان أسلمن قبل انقضاء عدتهن.

قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى: فان اختار التى طلق أو ظاهر منها أو آلى وقع عليها الطلاق والظهار والايلاء.

ويلزمه التعزير بقذفها، وله أن يسقطه بالبينة أو باللعان، وان لم يخترها فانها أجنبية منه فلا يقع عليها طلاق ولا ظهار ولا ايلاء ويلزمه بقذفها التعزير، ولا يسقط الا بالبينة.

قال ابن الصباغ في الشامل: وفى هذا عندي نظر، بل يجب إذا أسلمت المطلقة أن يقع عليها الطلاق، ويكون ذلك اختيارا لها لان هذا الطلاق إذا كان يقع عليها مع اختياره وقع عليها باسلامها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 314)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وان تزوج امرأة معتدة من غيره وأسلما فان كان قبل انقضاء العدة لم يقرا على النكاح، لانه لا يجوز له أن يبتدئ نكاحها فلا يجوز اقراره على نكاحها، وان كان بعد انقضاء العدة أقرا عليه، لانه يجوز أن يبتدئ نكاحها، وان أسلما وبينهما نكاح متعة لم يقرا عليه، لانه ان كان بعد انقضاء المدة لم يبق نكاح، وان كان قبله لم يعتقدا تأبيده، والنكاح عقد مؤبد، وان أسلما على نكاح شرط فيه الخيار لهما ألا حدهما متى شاء لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه والنكاح عقد لازم، وان أسلما على نكاح شرط فيه فيه خيار ثلاثة أيام فان كان قبل انقضاء المدة لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، وان كان بعد انقضاء المدة اقرار عليه لانهما يعتقدان لزومه، وان طلق المشرك امرأته ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج ثم أسلما لم يقرا عليه، لانها لا تحل له قبل زوج، فلم يقرا عليه كما لو أسلم وعنده ذات رحم محرم، وان قهر حربى حربية ثم أسلما فان اعتقدا ذلك نكاحا أقرا عليه لانه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه، كالنكاح بلا ولى ولا شهود، وان لم يعتقدا ذلك نكاحا لم يقرا عليه لانه ليس بنكاح.

 

(فصل)

إذا ارتد الزوجان أو أحدهما فان كان قبل الدخول وقعت الفرقة، وان كان بعد الدخول وقعت الفرقة على انقضاء العدة، فان اجتمعا على الاسلام قبل انقضاء العدة فهما على النكاح، وان لم يجتمعا وقعت الفرقة، لانه انتقال من دين إلى دين يمنع ابتداء النكاح، فكان حكمه ما ذكرناه كما لو أسلم أحد الوثنيين.

 

(فصل)

وان انتقل الكتابى إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر عليه، لانه لو كان على هذا الدين في الاصل لم يقر عليه، فكذلك إذا انتقل إليه، وما الذى يقبل منه؟ فيه ثلاثة أقوال.

(أحدها) يقبل منه الاسلام أو الدين الذى كان عليه، أو دين يقر عليه أهله، لان كل واحد من ذلك مما يجوز الاقرار عليه.

 

(والثانى)

لا يقبل منه الا الاسلام لانه دين حق، أو الدين الذى كان عليه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 315)

________________________________________

لانا أقررناه عليه (والثالث) لا يقبل منه إلا الاسلام وهو الصحيح، لانه اعترف ببطلان كل دين سوى دينه، ثم بالانتقال عنه اعترف ببطلانه، فلم يبق إلا الاسلام، وإن انتقل الكتابى إلى دين يقر أهله عليه ففيه قولان.

 

(أحدهما)

يقر عليه، لانه دين يقر أهله عليه فأقر عليه كالاسلام.

 

(والثانى)

لا يقر عليه لقوله عز وجل (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه) فعلى هذا فيما يقبل منه قولان.

أحدهما: يقبل منه الاسلام أو الدين الذى كان عليه، والثانى: لا يقبل منه إلا الاسلام لما ذكرناه.

وكل من انتقل من الكفار إلى دين لا يقر عليه فحكمه في بطلان نكاحه حكم المسلم إذا ارتد.

 

(فصل)

وان تزوج كتابي وثنية ففيه وجهان.

أحدهما وهو قول أبى سعيد الاصطخرى: أنه لا يقر عليه لان كل نكاح لم يقر عليه المسلم لم يقر عليه الذمي كنكاح المرتدة.

والثانى: وهو المذهب أنه يقر عليه لان كل نكاح أقر عليه بعد الاسلام أقر عليه قبله كنكاح الكتابية.

(الشرح) إذا تزوج مرتدة من غيره، فان أسلما قبل انقضاء عدتها من الاول لم يقرا على النكاح لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فلم يجز إقراره عليه كذوات محارمه، وإن أسلما بعد انقضاء عدتها من الاول أقرا على النكاح لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فأقرا عليه.

(فرع)

إذا نكح مشرك مشركة نكاح متعة ثم أسلما لم يقرا عليه لانهما ان أسلما قبل انقضاء المدة التى شرطها فهما لا يعتقدان لزومه الآن بعد انقضائها

وإن أسلما بعد انقضائها فهما لا يعتقدان لزومه.

قال الشافعي رضى الله عنه: فان أبطلا بعد العقد المتعة وجعلا العقد مطلقا لم يؤثر ذلك، لانه حالما عقداه كانا يعتقدان أنه لا يدوم بينهما فلم يتغير ذلك الحكم بما طرأ من الشرط، وهكذا لو تزوجها على أن لهما أو لاحدهما الخيار في فسخ النكاح متى شاء ثم أسلم لم يجز إقرارهما عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، فان اتفقا على إسقاط الشرط لم يؤثر ذلك، ولم يقرا عليه لما ذكرناه، وان شرطا بينهما خيار ثلاثة أيام، فإن أسلما قبل الثلاث لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، وان أسلما بعد الثلاث أقرا عليه لانهما بعتقدان لزومه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 316)

________________________________________

(فرع)

قال في الام: وان قهر حربى حربية على نفسها فوطئها أو طاوعته فوطئها ثم أسلما لم يقر على ذلك إذا كانا لا يعتقدان ذلك نكاحا.

قال أصحابنا: فإن اعتقدا ذلك نكاحا وأسلما أقرا عليه لانه لا يجوز لبعض أهل الذمة أن يقهر بعضا، لان على الامام الذب عنهم.

(مسألة) إذا ارتد أحد الزوجين فإن كان قبل الدخول انفسخ نكاحهما وقال داود: لا ينفسخ.

دليلنا قوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولان هذا اختلاف دين يمنع الاصابة فانفسخ به النكاح كما لو أسلمت الذمية تحت كافر وان ارتد أحدهما بعد الدخول وقف النكاح على انقضاء عدة الزوجه، فإن رجع المرتد منهما قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح.

وان انقضت عدتها قبل أن يسلم المرتد منهما بانت منه بردة المرتد منهما، وبه قال أحمد وإحدى الروايتين عن مالك وقال أبو حنيفة: ينفسخ النكاح في الحال، وهى الرواية الاخرى عن مالك دليلنا أن هذا اختلاف دين بعد الدخول فلا يوجب الفسخ في الحال كما لو أسلمت الحربية تحت الحربى، وإن ارتدا معا فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح

بينهما، وان كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء عدة الزوجة، فإن رجعا إلى الاسلام قبل انقضائها فهما على النكاح، وان انقضت قبل إسلامهما بانت منه بالردة، وبه قال مالك وأحمد رضى الله عنهما.

وقال أبو حنيفة: لا ينفسخ العقد استحسانا، دليلنا أنها ردة طارئة على النكاح فوجب أن يتعلق بها فسخه كما لو ارتد أحدهما.

(فرع)

إذا ارتدت الزوجة بعد الدخول فطلقها الزوج ثلاثا فإن انقضت العدة قبل أن ترجع إلى الاسلام تبينا أنها بانت بالردة، ولم يقع عليها طلاق، وإن رجعت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة، تبينا أنها كانت زوجة وقت الطلاق ووقع عليها، وإن تزوج أختها أو عمتها بعد الطلاق أو خالتها بعد الطلاق صح بكل حال، لانها إما بائن منه بالردة أو بالطلاق، وان تزوج أختها أو عمتها بعد الردة وقبل الطلاق في العدة لم يصح، لجواز أن ترجع إلى الاسلام فتكون زوجة.

(فرع)

وان ارتدت زوجة رجل بعد الدخول عليه، وله امرأة صغيرة فأرضعتها أم المرتدة قبل انقضاء عدة المرتدة خمس رضعات متفرقات، فإن رجعت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 317)

________________________________________

المرتدة إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها انفسخ نكاح الصغيرة وفى الكبيرة قولان وان لم ترجع إلى الاسلام بانت بالردة، ولم ينفسخ نكاح الصغيرة، وان أرضعتها الكبيرة أو بنتها انفسخ نكاح الصغيرة بكل حال.

(مسألة) إذا انتقل اليهودي أو النصراني إلى دين لا يقر أهله عليه، لم يقر عليه، كما لا يقر أهله عليه وما الذى يقبل منه؟ فيه ثلاثه أقوال.

(أحدها) الاسلام أو الدين الذى كان عليه أو دين يقرا أهله عليه، لان كل دين من ذلك يقر أهله عليه.

 

(والثانى)

لا يقبل منه الا الاسلام، لانه الدين الحق، أو الدين الذى كان

عليه، لانا قد أقررناه عليه.

(والثالث) وهو الاصح، أنه لا يقبل منه الا الاسلام، لانه قد اعترف ببطلان كل دين فلم بقبل الا الاسلام فإن انتقل إلى دين يقر أهله عليه فهل يقر عليه فيه قولان مضى توجيههما، فإن قلنا: لا يقر عليه فهل يقبل منه الدين الذى كان عليه أو لا يقبل منه الا دين الاسلام، فيه قولان مضى توجيههما، وكل موضع قلنا: لا يقبل منه ما انتقل إليه فحكمه في النكاح حكم المرتد وقد مضى بيانه.

(مسألة) إذا تزوج الكتابى بكتابية أقرا عليه قبل اسلامهما وبعد اسلامهما وان تزوج الكتابى وثنية أو مجوسية فإن أسلما أقرا عليه بلا خلاف، لان غيلان بن سلمة اسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يختار منهن اربعا، ولم يسأله هل هن كتابيات أو غير كتابيات، فدل على ان الحكم لا يختلف، وان ترافعا الينا قبل الاسلام فَفِيهِ وَجْهَانِ.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يقران عليه لان كل نكاح لم يقر عليه المسلم لم يقر عليه الكتابى كالمرتد.

والثانى وهو المذهب انهما يقران عليه، لان كل نكاح اقرا عليه إذا أسلما أقرا عليه إذا لم يسلما كنكاح الكتابية ويخالف المسلم فإن الكافر انقص من المسلم فجاز له استدامة نكاح المجوسية والوثنية وان لم يجز ذلك للمسلم كما قلنا في العبد: يجوز له تزويج الامة ولا يعتبر فيه خوف العنت، وعدم الطول، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 318)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

إذا أسلم الوثنيان قبل الدخول ثم اختلفا فقالت المرأة: أسلم أحدنا قبل صاحبه فانفسخ النكاح، وقال الزوج: بل أسلمنا معا، فالنكاح على حاله، ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أن القول قول الزوج، وهو اختيار المزني، لان الاصل بقاء النكاح

(والثانى)

أن القول قول المرأة، لان الظاهر معها، فإن اجتماع اسلامهما حتى لا يسبق أحدهما الآخر متعذر.

قال في الام: إذا أقام الزوج بينة أنهما أسلما حين طلعت الشمس، أو حين غربت الشمس، لم ينفسخ النكاح لا تفاق إسلامهما في وقت واحد، وهو عند تكامل الطلوع أو الغروب، فإن أقام البينة أنهما أسلما حال طلوع الشمس أو حال غروبها انفسخ نكاحهما، لان حال الطلوع والغروب من حين يبتدئ بالطلوع والغروب إلى أن يتكامل وذلك مجهول.

وإن أسلم الوثنيان بعد الدخول واختلفا، فقال الزوج: أسلمت قبل انقضاء عدتك فالنكاح باق.

وقالت المرأة بل أسلمت بعد انقضاء عدتي، فلا نكاح بيننا، فقد نص الشافعي رحمه الله تعالى على أن القول قول الزوج، ونص في مسألتين على أن القول قول الزوجة إحداهما إذا قال الزوج للرجعية: راجعتك قبل انقضاء العدة، فنحن على النكاح وقالت الزوجة: بل راجعتني بعد انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة.

والثانية إذا ارتد الزوج بعد الدخول ثم أسلم.

فقال: أسلمت قبل انقضاء العدة فالنكاح باق.

وقالت المرأة بل أسلمت بعد انقضاء العدة فالقول قول المرأة.

فمن أصحابنا من نقل جواب بعضها إلى بعض، وجعل في المسائل كلها قولين.

 

(أحدهما)

أن القول قول الزوج لان الاصل بقاء النكاح.

 

(والثانى)

أن القول قول الزوجة، لان الاصل عدم الاسلام والرجعة.

ومنهم من قال: هي على اختلاف حالين، فالذي قال: إن القول قول الزوج إذا سبق بالدعوى، والذى قال: القول قول الزوجة إذا سبقت بالدعوى، لان قول كل واحد منهما مقبول فيما سبق إليه، فلا يجوز ابطاله بقول غيره.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 319)

________________________________________

ومنهم من قال: هي على اختلاف حالين على وجه آخر، فالذي قال: القول قول الزوج، أراد إذا اتفقا على صدقه في زمان ما ادعاه لنفسه، بأن قال أسلمت وراجعت في رمضان، فقالت المرأة صدقت، لكن انقضت عدتي في شعبان، فالقول قول الزوج باتفاقهما على الاسلام بالرجعة في رمضان، واختلافهما في انقضاء العدة، والذى قال: القول قول المرأة إذا اتفقا على صدقها في زمان ما ادعته لنفسها، بأن قالت: انقضت عدتي في شهر رمضان، فقال الزوج لكن راجعت أو أسلمت في شعبان، فالقول قول المرأة لاتفاقهما على انقضاء العدة في رمضان، واختلافهما في الرجعة والاسلام.

(الشرح) إذا أسلم الزوج بعد الدخول وتخلفت الزوجة فلا نفقة لها، وإن أسلمت الزوجة ولم يسلم فعليه نفقتها، فإن اختلفا فقالت الزوجة: أسلمت أنا وأقمت أنت على الشرك فأنا استحق عليك النفقة، وقال الزوج: بل أسلمت أنا ولم تسلمي أنت فلا نفقة لك على، ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

القول قول الزوجة، لانه قد ثبت استحقاقها للنفقة بالزوجية، والاصل بقاؤها.

 

(والثانى)

أن القول قول الزوج، لان نفقة كل يوم يجب بيومه، والاصل عدم الوجوب.

(مسألة) إذا أسلم الزوج قبل الزوجة وقبل الدخول وجب عليه نصف المسمى ان سمى لها مهرا صحيحا، وإن سمى لها مهرا باطلا ولم تقبضه في لشرك وجب لها نصف مهر المثل، وان أسلمت الزوجة قبله قبل الدخول لم يجب لها شئ.

إذا ثبت هذا: فان اتفقا أنهما أسلما قبل الدخول وقالا: لا نعلم السابق منا بالاسلام انفسخ النكاح بينهما، لان الحال لا يختلف في انفساخ النكاح.

وأما الصداق: فإن كان في يد الزوج لم تقبض منه الزوجه شيئا، لانها إن كانت أسلمت أولا فإنها لا تستحق منه شيئا، وإن أسلم الزوج أولا فلها نصفه، فإذا

لم تعلم على أي وجه كان لم يتيقن استحقاقها بشئ من المهر، وان كان الصداق في يد الزوجة لم يكن للزوج أن يقبض منه الا النصف، لانه لا يتيقن أنه يستحق

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 320)

________________________________________

إلا ذلك، وإن اختلفا فقالت الزوجة أسلمت أنت أولا فأنا استحق عليك نصف الصداق، وقال الزوج: بل أسلمت أنت أولا فلا تستحقين على شيئا، فالقول قول الزوجه مع يمينها، لانا تيقنا استحقاقها لنصف المهر، والاصل بقاء ذلك الاستحقاق، وان اختلفا في انفساخ النكاح، فقالت الزوجة أسلم أحدنا قبل صاحبه قبل الدخول فانفسخ النكاح.

وقال الزوج بل أسلمنا معا في حالة واحدة ففيه قولان.

 

(أحدهما)

القول قول الزوج مع يمينه وهو اختيار المزني وأبى اسحاق المروزى لان الاصل بقاء النكاح.

 

(والثانى)

القول قول الزوجة مع يمينها، لان الظاهر معها لان الظاهر أنه لا يتفق اسلامهما في حالة واحدة الا نادرا، وان قال الزوج: أسلم أحدنا قبل صاحبه.

وقالت الزوجة بل أسلمنا معا في حالة واحدة فانه يحكم على الزوج بانفساخ النكاح لانه أقر بذلك.

وأما المهر فيحتمل أن يكون على القولين كالاولة، وان أقام الزوج البينة أنهما أسلما قبل الدخول حين طلعت الشمس أو حين زالت أو حين غربت، لم ينفسخ النكاح، وان قال الزوجان أسلمنا معا مع طلوع الشمس أو مع زوالها أو مع غروبها أو حال طلوعها أو حال زوالها أو حال غروبها لم يثبت اسلامهما معا فينفسخ، والفرق بينهما ان حين طلوعها وحين زوالها وحين غروبها هو حين تكامل الطلوع والزوال والغروب إلى استكماله، فيجوز أن يكون اسلام احدهما قبل الآخر.

(فرع)

وان اسلمت الزوجة بعد الدخول ثم اسلم الزوج بعدها ثم اختلفا

فقال الزوج: اسلمت قبل انقضاء العدة، وقالت الزوجة: بل اسلمت بعد انقضاء العدة.

قال الشافعي رحمه الله: فالقول قول الزوج.

وقال الشافعي رحمه الله: إذا طلق زوجته طلقة رجعية ثم راجعها فقال الزوج: راجعت قبل انقضاء العدة.

وقالت الزوجة: بل راجعت بعد انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة.

وقال: إذا ارتد الزوج بعد الدخول ثم اسلم فقالت الزوجة: اسلمت بعد انقضاء العدة.

وقال الزوج اسلمت قبل انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة، واختلف أصحابنا في هذه المسائل الثلاث على ثلاث طرق.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 321)

________________________________________

فمنهم من قال: فيها قولان.

أحدهما: القول قول الزوج لان الاصل بقاء النكاح.

والثانى: القول قول الزوجة، لان الاصل عدم الاسلام والرجعة.

ومنهم من قال: هي على حالين، فحيث قال: القول قول الزوجة إذا كانت هي السابقة بالدعوى، لان قول كل واحد منهما مقبول فيما أظهره وسبق إليه.

ومنهم من قال: هي على حالين آخرين، فحيث قال، القول قول الزوج إذا اتفقا على وقت إسلامه أو رجعته، واختلفا في وقت انقضاء عدتها بأن قال.

أسلمت أو راجعت في شعبان، فقالت صدقت لكن انقضت عدتي في رجب، وحيث قال القول قول الزوجة، أراد إذا اتفقا على وقت انقضاء عدتها، واختلفا في وقت إسلامه ورجعته، فأن قالت انقضت عدتي في شعبان فقال صدقت لكن أسلمت أو راجعت في رجب، لان الاصل بقاء العدة إلى شعبان وعدم الاسلام أو الرجعة في رجب.

(فرع)

وان تزوج الكتابى بالكتابية صغيرة وأسلم أحد أبويها قبل الدخول انفسخ نكاحها، لانها صارت مسلمة تبعا لمن أسلم من أبويها قبل الدخول فهو كما لو قال أسلمت بعد بلوغها وقبل الدخول، وهل يجب لها من المهر شئ.

قال

ابن الحداد، سقط جميع المهر، لان الفرقه وقعت بينهما قبل الدخول، ولم يكن من الزوج صنع فيها فسقط المهر، كما لو اشترت المرأة زوجها قبل الدخول، فمن أصحابنا من صوبه، ومنهم من خطأه وقال.

يجب لها المهر لانها لم يكن من جهتها صنع في الفرقه، فهو كما لو أرضعتها أم الزوج، فإذا قلنا بهذا فإن الزوج لا يرجع على من أسلم من أبويها بشئ، ويرجع على المرضعة، والفرق بينهما أن الاسلام واجب فلم يكن فعله جناية، وليس كذلك الارضاع فانه ليس بواجب، غير أنه إن وجدت هذه المرضعة الصغيرة عطشانة قد أشرفت على الموت، ولم تجد أحدا يرضعها أو يسقيها لبنا، ولم تتمكن من إحيائها إلا بالرضاع فانه يجب عليها إرضاعها وإذا أرضعتها انفسح النكاح ولم يجب عليها شئ للزوج، هكذا ذكر القاضى أبو الطيب والله تعالى أعلم وهو الموفق للصواب.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 322)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله: كتاب الصداق المستحب أن لا يعقد النكاح إلا بصداق لما روى سعد بن سهل رضى الله عنه (أن إمرأة قالت: قد وهبت نفسي لك يا رسول الله صلى الله عليك، فر في رأيك فقال رجل: زوجنيها، قال: اطلب ولو خاتما من حديد، فذهب فلم يجئ بشئ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ معك من القرآن شئ، فقال: نعم فزوجه بما معه من القرآن) ولان ذلك أقطع الخصومة، ويجوز من غير صداق، لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فأثبت الطلاق مع عدم الفرض.

وروى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل: إنى أزوجك فلانة، قال: نعم قال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا،

قالت: نعم فزوج أحدهما من صاحبه، فدخل عليها ولم يفرض لها به صداق، فلما حضرته الوفاة قَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجنى فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا، وإنى قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف) ولان القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير صداق.

 

(فصل)

ويجوز أن يكون الصداق قليلا لقوله صلى الله عليه وسلم (اطلب ولو خاتما من حديد) ولانه بدل منفعتها فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها ويجوز أن يكون كبيرا لقوله عز وجل (وآتيتم إحداهن قنطارا) قال معاذ رضى الله عنه القنطار ألف ومائتا أوقية.

وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: ملء مسك ثور ذهبا.

والمستحب أن يخفف لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) ولانه إذا كبر أجحف وأضر ودعى إلى المقت والمستحب أن لا يزيد على خمسمائة درهم، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 323)

________________________________________

(كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لازواجه إثنتى عشرة أوقية ونشا أتدرون ما النش، نصف أوقية، وذلك خمسمائة درهم) والمستحب الاقتداء به والتبرك بما بعته، فإن ذكر صداق في السر وصداق في العلانية فالواجب ما عقد به العقد، لان الصداق يجب بالعقد فوجب ما عقد به، وإن قال زوجتك ابنتى بألف، وقال الزوج قبلت نكاحها بخمسمائة، وجب مهر المثل لان الزوج لم يقبل بألف والولى لم يوجب بخسمائة فسقط الجميع ووجب مهر المثل.

(الشرح) خبر سهل بن سعد في التى وهبت نفسها أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وقد مضى ذكره في غيره موضع، وحديث عقبة بن عامر أخرجه أبو داود

والحاكم، وقد استشهد به المحدثون لصحة حديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وابن حبان (أن عبد الله ابن مسعود أتى في إمرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقا، ولم يكن دخل بها، فاختلفوا إليه فقال.

أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة، فشهد معقل بن سنان الاشجعى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في بروع ابنة واشق بمثل ما قضى) .

وقال الشافعي لا أحفظة من وجه يثبت مثله ولو ثبت حديث بروع لقلت به وقال ابن حزم، لا مغمز فيه لصحة إسناده، وروى الحاكم في المستدرك عن حرملة بن يحيى انه قال.

سمعت الشافعي يقول إن صح حديث بروع بنت واشق قلت به.

قال الحاكم، قال شيخنا أبو عبيد الله لو حضرت الشافعي لقمت على رؤس الناس وقلت قد صح الحديث فقل به.

أما حديث عائشة رضى الله عنها باللفظ الذى ساقه المصنف رواه أحمد ورواه الطبراني في الاوسط بلفظ (أخف النساء صداقا أعظمهن بركة) وفى إسناده الحرث بن شبل، وأخرجه الطبراني في الكبير والاوسط بنحوه، وأخرج نحوه الحاكم وأبو داود عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خير الصداق أيسره) .

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 324)

________________________________________

وأما حديث عائشة الثاني فقد أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن أبى سلمة قال (سألت عائشة رضى الله عنها كم كان صداق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كان صداقه لازواجه اثنتى عشرة أوقية ونشا، قالت: أتدرى ما النش، قلت.

لا.

قالت نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم) قوله (فر) فعل أمر من رأى محذوف الوسط المهموز كحذف همزة

الوسط في سأل فيقال: سل، ولانه معتل الآخر فهو مبنى على حذف حرف العلة وبذلك حذفت الالف المهموزة والالف المقصورة فكان فعل الامر (ر) راء مفتوحة فقط.

والصداق فيه لغات أولها بفتح الصاد، والثانية كسرها، والجمع صدق بضمتين والثالثة لغة الحجاز، صدقة بفتح الصاد وضم الدال وجمعها صدقات على لفظها وفى التنزيل (وآتوا النساء صدقاتهن) والرابعة لغة تميم صدقه بضم الصاد وإسكان الدال والجمع صدقات مثل غرفه وغرفات في وجوهها، والخامسه صدقه وجمعها صدق مثل قرية وقرى، وأصدقتها أعطيتها صداقها وأصدقتها تزوجتها على صداق وشئ صدق وزان فلس أي صلب.

(أما الاحكام) الصداق هو ما تستحقه المرأة بدلا في النكاح وله سبعة أسماء الصداق والنحلة والاجرة والفريضة والمهر والعليقة والعقد، لان الله تعالى سماه الصداق والنحلة والفريضة، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم المهر والعليقة، وسماه عمر بن الخطاب رضى الله عنه العقد، قال تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) وقال تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضه، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الآيه، وقال صلى الله عليه وسلم (فان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها) وقال صلى الله عليه وسلم (أدوا العلائق، قيل وما العلائق قال ما تراضى عليه الاهلون) فان قيل لم سماه نحلة، والنحلة العطية بغير عوض، والمهر ليس بعطية وإنما هو عوض عن الاستمتاع، ففيه ثلاثة تأويلات.

أحدها: أنه لم يرد بالنحله العطيه، وإنما أراد بالنحله من الانحال وهو التدين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 325)

________________________________________

لانه يقال: انتحل فلان مذهب كذا أي دان به، فكأنه تبارك وتعالى قال (وآتوا

النساء صدقاتهن نحلة) أي تدينا.

 

(والثانى)

أن المهر يشبه العطية لانه يحصل للمرأة من اللذة في الاستمتاع ما يحصل للزوج وأكثر، لانها أجلب شهوة، والزوج ينفرد ببذل المهر، فكأنها تأخذه بغير عوض.

(والثالث) أنه عطية من الله تعالى في شرعنا للنساء، لان في شرع من قبلنا كان المهر للاولياء، ولهذا قال تعالى في قصة شعيب (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) الآية.

إذا ثبت هذا: فالمستحب أن يسمى الصداق في العقد لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتزوج أحدا من نسائه عليهن السلام ولا زوج أحدا من بناته عليهن السلام إلا بصداق سماه في العقد، وحديث المرأة التى جاءت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله قد وهبت نفسي منك فصعد النبي صلى الله عليه وسلم بصره ثم صوبه ثم قال ما لى إلى النساء من حاجة، فقام رجل فقال زوجنيها يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تصدقها، قال: إزارى، قال: إن أصدقنها إزارك جلست ولا إزار لك، التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس ولم يجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمعك شئ من القرآن، قال نعم سورة كذا وسورة كذا، فقال صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من القرآن.

ولانه إذا زوجه بالمهر كان أقطع للخصومة، فإن عقد النكاح بغير صداق انعقد النكاح لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) والآية.

فأثبت الطلاق من غير فرض، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح، وخير الرجل الذى تزوج إمرأة ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة أعطاها عن صداقها سهمه بخيبر، ولان المقصود في النكاح أعيان الزوجين دون المهر، ولهذا يجب ذكر الزوجين في

العقد، وانما العوض فيه تبع بخلاف البيع، فإن المقصود فيه العوض، ولهذا لا يجب ذكر لبائع والمشترى في العقد إذا وقع من وكيليهما.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 326)

________________________________________

(مسألة) وليس لاقل الصداق حد عندنا، بل كل ما يتمول وجاز أن يكون ثمنا لشئ أو أجرة جاز أن يكون صداقا، وبه قال عمر رضى الله عنه وابن عباس وابن المسيب والحسن وربيعة والاوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق رضى الله عنهم قال القاضى أبو القاسم الصيمري: ولا يصح أن يكون الصداق نواة أو قشرة بصلة أو قمع باذنجان أو ليطة أو حصاة.

هذا مذهبنا.

وقال مالك وأبو حنيفة: أقل الصداق ما تقطع به يد السارق، إلا أن ما تقطع به يد السارق عند مالك ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وعند أبى حنيفة دينار أو عدة دراهم، فإن أصدقها دون العشرة دراهم.

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: كملت العشرة.

وقال زفر يسقط المسمى ويجب مهر المثل، وقال ابن شبرمة أقله خمسة دراهم، وقال النخعي أقله أربعون درهما.

وقال سعيد بن جبير أقله خمسون درهما.

دليلنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الاية، وقوله صلى الله عليه وسلم: أدوا العلائق، ثم قال صلى الله عليه وسلم: والعلائق ما تراضوا عليه الاهلون.

وقوله صلى الله عليه وسلم التمس شيئا، التمس ولو خاتما من حديد، وهذه عمومات تقع على القليل والكثير، وروى أن عبد الرحمن بن عوف أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه علامات التزويج وقال: تزوجت إمرأة من الانصار قال صلى الله عليه وسلم: ما سقت إليها، قال: نواة من ذهب فقال صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة.

والنواة خمسة دراهم.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من استحل بدرهمين فقد استحل.

ولان كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون مهرا كالمجمع عليه، وأما أكثر الصداق فليس له حد، وهو إجماع لقوله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا) الاية فأخبر تعالى أن القنطار يجوز أن يكون صداقا.

قال ابن عباس: القنطار سبعون ألف مثقال، وقال أبو صالح: مائة رطل وقال معاذ ألف ومائتا أوقية.

وقال أبو سعيد الخدرى القنطار ملء مسك ثور ذهبا، ومسك الثور جلده.

وروى عن عمر رضى الله عنه أنه خطب الناس وقال يا معاشر الناس لا تغالوا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 327)

________________________________________

في صدقات النساء، فوالله لا يبلغني أحد زاد على مهر أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا جعلت الفضل في بيت المال، فعرضت له إمرأة من قريش، فقالت كتاب الله أولى أن يتبع، إن الله يعطينا ويمنعنا ابن الخطاب، فقال: أبن، قالت: قال الله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) الاية.

فقال: فليضع الرجل ماله حيث شاء.

وفى رواية كل الناس أفقه من عمر، فرجع عن ذلك، وروى أنه رضى الله عنه تزوج أم كلثوم بنت على كرم الله وجهه وأصدقها أربعين ألف درهم.

وروى أن عبد الله بن عمر زوج بنات أخيه عبيد الله على صداق عشرة آلاف درهم، وتزوج أنس رضى الله عنه إمرأة وأصدقها عشرة آلاف درهم، وتزوج الحسن عليه السلام إمرأة وبعث إليها مائة جارية ومع كل جارية ألف درهم، ثم طلقها وتزوجها رجل من بنى تميم فأصدقها مائة ألف درهم، وتزوج مصعب ابن الزبير بعائشة بنت طلحة واصدقها مائة ألف درهم.

قال الشافعي رضى الله عنه: والاقتصاد في المهر أحب إلى من المغالاة فيه لما روت عائشة ام المؤمنين عليها السَّلَامُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اعظم

النكاح بركة اخفه مؤنة.

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خيرهن ايسرهن مهرا.

وروى سهل بن سنان إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ايما رجل اصدق صداقا ونوى انه لا يؤديه لقى الله وهو زان، وإيما رجل ادان دينارا ونوى ان لا يؤديه لقى الله وهو سارق.

والمستحب ان لا يزيد على خمسمائة درهم، وهو صداق ازواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته عليهن سلام الله ورحمته لما روي عن عائشة قالت: كان صداق أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثنا عشر اوقيه ونشأ قالت والنش نصف اوقيه، والاوقيه اربعون درهما.

(فرع)

ولو تواعدوا في السر على ان الصداق مائه، وعلى انهم يظهرون للناس انه ألف كما يشيع ذلك في زماننا هذا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي موضع: المهر مهر السر.

وقال في موضع: المهر مهر العلانية.

قال اصحابنا البغداديون ليست على قولين وإنما هي على حالين، فالموضع الذى قال المهر مهر السر، اراد إذا عقدوا النكاح اولا في العلانيه بألف ثم عقدوا ثانيا في السر بمائه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 328)

________________________________________

ومن أصحابنا الخراسانيين من قال: في المهر قولان والاول هو المشهور، فان قال الولى: زوجتك ابنتى بألف فقال الزوج: قبلت نكاحها بخمسمائة وجب لها مهر مثلها لان الايجاب والقبول لم يتفقا على مهر واحد.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ويجوز أن يكون الصداق دينا وعينا وحالا ومؤجلا لانه عقد على المنفعة فجاز بما ذكرناه كالاجارة.

 

(فصل)

ويجوز أن يكون منفعه كالخدمه وتعليم القرآن وغيرهما من المنافع المباحة لقوله عز وجل (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) فجعل الرعى صداقا وزوج النبي صلى الله عليه وسلم الواهبة من الذى

خطبها بما معه من القرآن، ولا يجوز أن يكون محرما كالخمر وتعليم التوراة وتعليم القرآن للذميه، لا تتعلمه للرغبه في الاسلام، ولا ما فيه غرر كالمعدوم والمجهول ولا ما لم يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض، ولا ما لا يقدر على تسليمه كالعبد الابق والطير الطائر، لانه عوض في عقد فلا يجوز بما ذكرناه كالعوض في البيع والاجارة، فإن تزوج على شئ من ذلك لم يبطل النكاح، لان فساده ليس بأكثر من عدمه، فإذا صح النكاح مع عدمه صح مع فساده، ويجب مهر المثل لانها لم ترض من غير بدل، ولم يسلم لها البدل، وتعذر رد المعوض فوجب رد بدله كما لو باع سلعه بمحرم وتلفت في يد المشترى.

(الشرح) يصح أن يكون الصداق دينا وعينا، فإذا كان دينا صح أن يكون حالا ومؤجلا، فإن أطلق كان حالا كما قلنا في الثمن، ويصح أن يكون الصداق منفعه يصح عقد الاجارة عليها كمنفعة العبيد والبهائم والارض والدور لانه عقد على المنفعة فجاز بما ذكرناه كالاجارة.

(فرع)

ويصح أن تكون منفعة الحر صداقا كالخياطه والبناء وتعليم القرآن وما أشبه ذلك مما يصح استئجاره عليه، وبه قال مالك رحمه الله إلا أنه قال: يكره ذلك.

وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 329)

________________________________________

دليلنا قوله تعالى (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) فذكر أن الرعى صداق في شرع من قبلنا ولم يعقبه بنكير، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة التى وهبت نفسها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى خطبها بما معه من القرآن، تقديره على تعليم ما معه من القرآن، لان القرآن لا يجوز أن يكون صداقا، ولان كل منفعة جاز أن يستحق بعقد الاجارة جاز أن يستحق بعقد النكاح كمنفعة العبيد والارض.

(فرع)

وما لا يصح بيعه كالكلب والخنزير والسرجين والمجهول والمعدوم وما لم يتم ملكه عليه والمنافع التى لا يصح الاستئجار عليها لا يصح أن يكون شئ من ذلك صداقا لانه عوض في عقد فلم يصح فيها ذكره، كالبيع والاجارة إذا ثبت هذا فان عقد النكاح لمهر باطل أو مجهول لم يبطل النكاح، وبه قال أبو حنيفة وأكثر أهل العلم.

وقال مالك رحمه الله لا يصح النكاح.

وحكى المسعودي أنه قول الشافعي رحمه الله في القديم، وليس بمشهور.

دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نِكَاحَ إلَّا بولي مرشد وشاهدي عدل.

ولم يفصل بين أن يكون المهر صحيحا أو فاسدا ولانه عقد نكاح فلم يبطل بفساد المهر كما لو تزوجها على دراهم مغصوبة، فإن مالكا وافقنا على هذا، ولان النكاح إذا انعقد مع عدم ذكر المهر فلان ينعقد مع فساده أولى، فإذا عقد النكاح بمهر باطل وجب لها مهر المثل أو المسمى.

دليلنا أنها دخلت في العقد على أن يكون لها المسمى، فإذا لم يسلم وتعذر رجوعها إلى بعضها رجعت إلى قيمته، كما لو اشترى عبدا شراء فاسدا وقبضه وتلف في يده.

وإن تزوجها على شئ موصوف في ذمته لزمه تسليم ذلك على ما وصف.

وقال أبو حنيفة وأحمد: إن شاء سلم الموصوف بصفته وان شاء دفع قيمته وعن أبى حنيفة في الثوب صداقا روايتان، إحداهما كقولنا أنه يسلم الثوب الموصوف الذى في ذمته، والثانية دفع قيمته، دليلنا أن هذه تسمية صحيحه فلم يخير بين دفع المسمى وبين دفع قيمته كالمكيل والموزون

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 330)

________________________________________

(فرع)

إذا قالت المرأة لوليها: زوجنى بلا مهر أو بأقل من مهر مثله فنقل أصحابنا البغداديون أن النكاح صحيح في جميع هذه المسائل ولها مهر مثلها.

وقال

المسعودي: هل ينعقد النكاح في جميع هذه المسائل؟ فيه قولان.

قال ومن أصحابنا من قال لا ينعقد النكاح من الوكيل قولا واحدا، لانه يزوج بالنيابة عن الولى والاصح الطريق الاول، لان النكاح لا يفسد عندنا بفساد المهر، هذا مذهبنا.

وقال أبو حنيفة: إذا زوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها وكان ذلك المهر لا ينقص عن أقل المهر، وهى عشرة دراهم صح المهر.

دليلنا أن البنت إذا أذنت لعمها في العقد فزوجها بأقل من مهر مثلها بغير إذنها استحقت مهر مثلها، فكذلك الاب والجد، ولان الاب والجد لا يجوز أن يبيعا مال الصغيرة بأقل من ثمن مثله، فكذلك لا يجوز لهما تزويجها بأقل من مهر مثلها.

وإن زوج الرجل وليته بأرض أو عرض أو بغير نقد البلد فهل يصح المهر؟ لا أعلم فيه نصا، بمعنى أنها في مصر وأصدقها بالدولار أو بالاسترليني أو بالدينار العراقى أو بالليرة السورية أو بريال تريزة أو بالجنيه السعودي، فالذي يقتضى القياس إن كان الولى أبا أو جدا، أو كانت المنكوحة صغيرة أو مجنونة صح المهر إذا كان قيمة ذلك مثل مهر مثلها، كما يجوز أن ببتاع لها ذلك بمالها.

وان كان الولى غيرهما من العصبات، أو كان الولى أبا أو جدا والمنكوحة بالغة عاقلة لم يصح ذلك المهر إلا ان كان بإذنها ونطقها لانه لا ولاية له على مالها، وانما ولايته على عقد نكاحها بنقد البلد.

وإن كانت المنكوحة مجنونه وكان وليها الحاكم، ورأى أن يزوجها بشئ من العروض وقيمته قدر مهر مثلها صح ذلك لانه يجوز له التصرف بمالها.

(مسأله) إذا تزوجها وأصدقها تعليم القرآن مدة معلومة صح ذلك إذا كانت المدة متصلة بالعقد، وتطالبه بالتعليم في تلك المدة على حسب عادة التعليم، ولها أن تطالبه بتعليم ما شاءت من القرآن وإن كان الصداق تعليم شئ القرآن

فيشترط أن يذكر السورة التى يعلمها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 331)

________________________________________

فان أصدقها تعليم عشرين من سورة كذا ولم تبين الاعشار ففيه وجهان

(أحدهما)

يصح لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للرجل الذى خطب الواهبة (ما معك من القرآن؟ قال سورة البقرة والتى تليها، فقال صلى الله عليه وسلم: زوجتك بما معك على أن تعلمها عشرين آية) ولم يفصل.

 

(والثانى)

لا يصح، لان الاعشار تختلف.

وأما الخبر فانما نقل الراوى جواز تعليم القرآن في الصداق ولم ينقل غير الصداق، ولا يجوز في صفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعقد الصداق على مجهول.

وهل من شرطه أن يبين الحرف الذى يعلمها كحرف نافع وابن كثير وغيرهما.

فيه وجهان مضى بيانهما في الاجارة.

فان أصدقها تعليم سورة وهو لا يحفظها فان كان على أن يحصل لها تعليمها صح ذلك ويستأجر محرما لها أو امرأة تعلمها أو يتعلمها هو بنفسه ثم يعلمها وان كان على أن يعلمها هو بنفسه ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يصح كما لو أصدقها ألف درهم في ذمته ولا يملك شيئا.

 

(والثانى)

لا يصح، كما لو أصدقها خدمة عبد لا يملكه، وإن أصدقها تعليم سورة فأتت بامرأة غيرها لتعلمها مكانها فهل يلزمه تعليمها.

فيه وجهان

(أحدهما)

يلزمه كما لو أكترت منه دابة لتركبها إلى بلد فأرادت أن تركبها مثلها

(والثانى)

لا يلزمه، لان له غرضا في تعليمها لانه أطيب له لانه يلتذ بكلام غيرها، ولانه أصدقها ايفاع منفعه في عين فلا يلزمه ايقاعها في غيرها، كما لو أصدقها خياطة ثوب بعينه فأتت بثوب غيره ليخيطه فلا يلزمه ذلك، وان لقنها

فحفظت ثم نسيت، قال الشيخ أبو حامد فينظر فيها، فان علمها دون آيه فنسينها لم يعتد له بذلك، وكم القدر الذى إذا علمها اياه خرج من عهدة التعليم، فيه وجهان

(أحدهما)

أقله آيه، لانه يطلق عليه اسم التعليم، فعلى هذا إذا علمها آيه فنسيتها لم يلزمه تعليمها اياها ثانيا

(والثانى)

أقله سورة، لان ما دونها ليس بتعليم في العادة.

وذكر ابن الصباغ أنه إذا علمها ثلاث آيات سقط عنه عهدة التعليم وجهان واحدا، وهل يسقط عنه تعليم آيه أو آيتين.

فيه وجهان

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 332)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

فان تزوج كافر بكافرة على محرم كالخمر والخنزير ثم أسلما أو تحاكما الينا قبل الاسلام نظرت فان كان قبل القبض سقط المسمى ووجب مهر المثل لانه لا يمكن اجباره على تسليم المحرم، وإن كان بعد القبض برئت ذمته منه كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا، وإن قبض البعض برئت ذمته من المقبوض ووجب بقدر ما بقى من مهر المثل، فإن كان الصداق عشرة أزقاق خمر فقبضت منها خمسة ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

بعتبر بالعدد فيبرأ من النصف ويجب لها نصف مهر المثل، لانه لا قيمة لها فكان الجميع واحدا فيها فسقط نصف الصداق، ويجب نصف مهر المثل

(والثانى)

يعتبر بالكيل لانه أحصر، وان أصدقها عشرة من الخنازير وقبضت منها خمسة ففيه وجهان.

أحدهما: يعتبر بالعدد فتبرأ من النصف ويجب لها نصف مهر المثل، لانه لا قيمة لها فكان الجميع واحدا.

والثانى: يعتبر بما له قيمة وهو الغنم فيقال: لو كانت غنما كم كانت قيمة ما قبض منها فيبرأ منه بقدره، ويجب بحصة ما بقى من مهر المثل، لانه لما لم تكن له قيمة

اعتبر بماله قيمة، كما يعتبر الحر بالعبد فيما ليس له أرش مقدر من الجنايات.

 

(فصل)

وإن أعتق رجل أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها وقبلت لم يلزمها ان تتزوج به لانه سلف في عقد فلم يلزم كما لو قال لامرأة خذى هذا الالف على أن تتزوجى بى وتعتق الامة لانه اعتقها على شرط باطل فسقط الشرط وثبت العتق كما لو قال لعبده ان ضمنت لى خمرا فأنت حر فضمن ويرجع عليها بقيمتها لانه لم يرض في عتقها إلا بعوض ولم يسلم له وتعذر الرجوع إليها فوجبت قيمتها كما لو باع عبدا بعوض محرم وتلف العبد في يد المشترى، وان تزوجها بعد العتق على قيمتها وهما لا يعلمان قدرها فالمهر فاسد.

وقال أبو على بن خيران: يصح كما لو تزوجها على عبد لا يعلمان قيمته وهذا خطأ لان المهر هناك هو العبد وهو معلوم والمهر ههنا هو القيمة وهى مجهولة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 333)

________________________________________

فلم يجز وان أراد حيلة يقع بها العتق وتتزوج به ففيه وجهان

(أحدهما)

وهو قول أبى على بن خيران أنه يمكنه ذلك بأن يقول ان كان في معلوم الله تعالى إنى إذا أعتقتك تزوجت بى فانت حرة فإذا تزوجت به علمنا أنه قد وجد شرط العتق وإن لم تتزوج به علمنا أنه لم يوجد شرط العتق

(والثانى)

وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يصح ذلك ولا يقع العتق ولا يصح النكاح لانه حال ما تتزوج به نشك أنها حرة أو أمة والنكاح مع الشك لا يصح فإذا لم يصح النكاح لم تعتق لانه لم يوجد شرط العتق، وان أعتقت إمرأة عبدا على أن يتزوج بها وقبل العبد عتق ولا يلزمه أن يتزوج بها لما ذكرناه في الامة ولا يلزمه قيمته لان النكاح حق للعبد فيصير كما لو أعتقته بشرط أن تعطيه مع العتق شيئا آخر ويخالف الامة فان نكاحها حق للمولى فإذا لم يسلم له رجع عليها بقيمتها.

وإن قال رجل لآخر أعتق عبدك عن نفسك على أن أزوجك ابنتى فأعتقه لم يلزمه التزويج لما ذكرناه، وهل تلزمه

قيمة العبد فيه وجهان بناء على القولين فيمن قال لغيره أعتق عبدك عن نفسك وعلى ألف فأعتقه، أحدهما يلزمه كما لو قال أعتق عبدك عنى على ألف، والثانى لا يلزمه لانه بذل العوض على ما لا منفعة له فيه.

(الشرح) إذا ترافع ذميان إلى حاكم المسلمين ليحكم بينهما في ابتداء العقد لم يحكم به بين المسلمين، فإن كانت المنكوحة بكرا أجبرها الاب والجد، وإن كانت ثيبا لم يصح تزويجها إلا بإذنها، وإن عضلها الولى زوجها حاكم المسلمين لانه يلى عليها بالحكم، وإن تحاكما في استدامته فإنه لا اعتبار بانعقاده على أي وجه كان، ولكن ينظر فيها، فان كانت ممن لا يجوز له ابتداء نكاحها في هذه الحال فرق بينهما، فان كانت ممن يجوز له ابتداء نكاحها أقرهما على نكاحها وان كان قد عقد لها بولي غير مرشد أو بغير شهود لانه عقد مضى في الشرك، فلا يجوز تتبعه ومراعاته، لان في ذلك إلحاق مشقة، وتنفيرا لهم عن الدخول في الطاعة، وفى هذا المعنى نزل قوله تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذروا ما بقى من الربا) فأمر بترك ما بقى في أيديهم من الربا وعفى عما قبض في الشرك،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 334)

________________________________________

وإن تحاكما في الصداق أو أسلما وتحاكما، فإن كان قد أصدقها صداقا صحيحا حكم بصحته، وإن أصدقها صداقا فاسدا كالخمر والخنزير، فإن كانت قد قبضت جميعه في الشرك فقد سقط عنه جميعه وبرئت ذمته من الصداق، لان ما قبض في الشرك لا يجوز نقضه لما ذكرناه من الآية، ولقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) الآية.

وإن كانت لم تقبض شيئا حكم الحاكم بفساد المسمى، وأوجب لها مهر مثلها من نقد البلد.

وقال أبو حنيفة: لا يحكم لها إلا بما سمى لها.

دليلنا أنه لا يمكن أن يحكم عليها بتسليم المسمى لفساده فحكم لها بمهر صحيح.

وإن قبضت

بعضه في حال الشرك وبقى البعض سقط من المهر بقسط ما قبضته من المسمى، ووجب لها مهر المثل بقسط ما تقبضه من المسمى، لانها لو قبضت الجميع لم يحكم لها بشئ، ولو لم تقبض شيئا لحكم لها بمهر مثلها، فإذا قبضت البعض وبقى البعض فيقسط مهر المثل على المقبوض وعلى ما لم تقبض.

إذا ثبت هذا فإن كان أصدقها عشرة أزقاق خمر فقبضت منها بعضها فان كانت متساوية لا يفضل بعضها على بعض قسم المهر على أعدادها، فان قبضت خمسة سقط عنه نصف المهر ووجب لها نصف مهر مثلها، وإن كانت مختلفة فَفِيهِ وَجْهَانِ

(أَحَدُهُمَا)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أن المهر يقسط على أعدادها، لانه لا قيمة للخمر، فاستوى الصغير والكبير.

 

(والثانى)

يقسط على كيلها.

قال ابن الصباغ: وهو الاقيس، لانه لا يمكن اعتبار كيلها، وإن أصدقها عشرة خنازير أو عشرة كلاب وقبضت خمسة ففيه ثلاثة أوجه.

قال أبو إسحاق يعتبر بالعدد، سواء في ذلك الصغير والكبير فيسقط نصف المهر ويجب لها نصف مهر مثلها، لان الجميع لا قيمة له، فكان الجميع واحدا

(والثانى)

يعتبر التفاوت فيها، فيضم صغيران ويجعلان بإزاء كبير أو صغير ويجعلان بإزاء وسطين، ويقسط المهر على ذلك (والثالث) وهو قول أبى العباس بن صريح أنه يقال: لو كانت هذه الخنازير أو الكلاب مما يجوز بيعها كم كانت قيمتها فيقسط المهر على ذلك، لانه لا يمكن اعتبارها بأنفسها، فاعتبرت بغيرها كما قلنا في الجناية على الحر التى لا أرش لهما

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 335)

________________________________________

فقدر أنها تعتبر بالجناية على العبد، قال القاضى أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق: فعلى هذا تقدر لو كانت غنما، لانها أقرب إليها.

قالل ابن الصباغ: وهذا ليس بصحيح لان الغنم ليست من جنس الخنازير

والكلاب، فتعتبر بها بخلاف الحر والعبد، وينبغى على هذا أن تقوم بما يتبايعونها بينهم ليقدر ذلك، لان لها قيمة في الشرح كما يقدر أن لو جاز بيعها.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ويثبت في الصداق خيار الرد بالعيب، لان إطلاق العقد يقتضى السلامة من العيب، فثبت فيه خيار الرد كالعوض في البيع، ولا يثبت فيه خيار الشرط ولا خيار المجلس، لانه أحد عوضي النكاح فلم يثبت فيه خيار الشرط وخيار المجلس كالبضع، ولان خيار الشرط وخيار المجلس جعلا لدفع الغين، والصداق لم يبن على المغابنة، فإن شرط فيه خيار الشرط فقد قال الشافعي رحمه الله: يبطل النكاح، فمن أصحابنا من جعله قولا لانه أحد عوضي النكاح فبطل النكاح بشرط الخيار فيه كالبضع.

ومنهم من قال لا يبطل وهو الصحيح.

كما لا يبطل إذا جعل المهر خمرا أو خنزيرا، وما قال الشافعي رحمه الله محمول على ما إذا شرط في المهر والنكاح، ويجب مهر المثل لان شرط الخيار لا يكون الا بزيادة.

جزء أو نقصان جزء، فإذا سقط الشرط وجب اسقاط ما في مقابلته، فيصير الباقي مجهولا فوجب مهر المثل.

وان تزوجها بألف على أن لا يتسرى عليها أو لا يتزوج عليها بطل الصداق لانه شرط باطل أضيف إلى الصداق فأبطله، ويجب مهر المثل لما ذكرناه في شرط الخيار.

(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه (إذا كان النكاح بألف على أن لابيها ألفا فالمهر فاسد) وجملة ذلك أنه إذا تزوج امرأة بألف على أن لابيها أو لعمها ألفا أخرى فالنكاح صحيح والمهر فاسد ولها مهر مثلها.

وانما صح النكاح لانه لا تفتقر صحته إلى صحة المهر، وانما فسد المهر لان قوله على ان لابيها ألفا ان أراد أن ذلك جميع الالفين صداقا فالصداق لا تستحقه غير الزوجة،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 336)

________________________________________

فإذا فسد الشرط سقط المهر وقد نقصت المرأة من صداقها جبرا لاجل الشرط وإذا سقط الشرط وجب أن يرد إلى المهر الجزء الذى نقصته لاجل الشَّرْطِ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْمَجْهُولُ إذَا أُضِيفَ إلَى معلوم صار الجميع مجهولا، ولو أصدقها صداقا مجهولا لم يصح ووجب لها مهر مثلها بالغا ما بلغ.

وقال الشافعي في القديم: إذا تزوجها على ألف على أن لابيها ألفا ولامها ألفا صح النكاح واستحقت الثلاثة الاف، وبه قال مالك.

قال أبو على بن أبى هريرة فيجئ على هذا أن الالفين في الاولة للزوجة وهذا مخالف لما نقله المزني، وذكره الشافعي في الام في التى قبلها، والاول أصح لانه إنما أصدقها ألفا لا غير، وما شرطه وأمها لا يستحقانه ولا تستحقه الزوجة لما قدمناه في التى قبلها.

إذا ثبت هذا فذكر المزني بعد الاولة، ولو نكح امرأة على ألف وعلى أن يعطى أباها ألفا كان جائزا ولها منعه وأخذها منه لانها هبة لم تقبض أو وكالة.

قال أصحابنا: أخطأ المزني في النقل، لا فرق بين هذه والاولة، ويكون المهر فاسدا، وانما نقل المزني جواب مسألة ثالثه، ذكرها الشافعي رضى الله عنه في الام، وهو إذا تزوجها بألفين على أن تعطى أباها منها ألفا فيكون المهر جائزا لانها قد ملكت الالفين بالعقد وما شرطه عليها من دفعها لابيها ألفا لا يلزمها لانه ان كان هبة منها فلا يلزم عليها قبل القبض أو على سبيل الوكالة منها لابيها بالقبض، وذلك لا يلزم عليها، وإذا لم يلزمها سقط ولا يؤثر ذلك في المهر.

لان المرأة لم ينقص من مهرها شئ لاجل هذا الشرط ولا الزوج زاد في مهرها لكى تعطى أباها، لانه لا منفعة له في ذلك.

قال الشيخ أبو حامد: وكذلك إذا أصدقها ألفين على أن يعطى الزوج منها ألفا لابيها لم يؤثر ذلك: لان ذلك هبة منها أو توكيل في قبضها والتصرف لها

لا حق للزوج في ذلك.

قال الشيخ أبو حامد: ومعنى هذا عندي أنه لم يرد به الشرط، وانما أراد به أنه تزوجها على ألفين على أن لها أن تعطى أباها ألفا ويعطى هو أباها ألفا فالحكم ما ذكرنا، فأما إذا أخرج ذلك مخرج الشرط فينبغي ان يفسد المهر، لانه لم يملكها المهر ملكا تاما فيبطل.

وقد حكى الصيمري هذا عن بعض أصحابنا،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 337)

________________________________________

ثم قال الصيمري هو قياس التحقيق لو كان من عقود المعاوضات وما الغرض فيه العتق.

فأما ما هو خلاف ذلك فلا.

(فرع)

إذا تزوج امرأة بألف على أن يطأها ليلا ونهارا، أو على أن ينفق عليها ويكسوها ويسافر بها على أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه صح ذلك ولم يؤثر في الصداق، لان ذلك من مقتضى العقد، وإن شرط على أن له أن يتزوج عليها أو يتسرى صح ولم يؤثر لانه لا ينافى مقتضاه وإن تزوجها بمائة على أن لا يتزوج أو لا يتسرى عليها، أو على أن لا يسافر بها أو على أن لا يكلم أباها وأمها أو على أن لا يكسوها ولا ينفق عليها أو على أن لها أن تخرج من بيتها متى شاءت فالنكاح صحيح والشرط والمهر فاسدان، وبه قال مالك وأبو حنيفة.

وقال أحمد: الشرط صحيح ومتى لم يف لها به ثبت لها الخيار في فسخ النكاح وروى ذلك عن عمر رضى الله عنه ومعاوية وعمر بن عبد العزيز وشريح وأبى الشعثاء رضى الله عنهم.

دليلنا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل، وهذا الشرط ليس في كتاب الله، ويجب لها مهر مثلها، لانها تركت لاجل الشرط جزءا من المهر، فإذا سقط الشرط وجب رد الجزء وهو مجهول، وإذا صار الصداق مجهولا وجب لها مهر مثلها.

وقال أبو على بن خيران: يجب لها أقل الامرين من المسمى أو مهر المثل والمذهب الاول، لان المسمى قد سقط اعتباره، وإنما الاعتبار بمهر المثل، وإن تزوجها على ألف ان لم يخرجها من بلدها وعلى ألفين إن أخرجها فالمهر فاسد ويجب لها مهر مثلها.

وقال أبو حنيفة: إن وفى لها بالشرط الاول كان لها الالف وان لم يف لها كان لها مهر مثلها.

وقال أبو يوسف ومحمد: الشرطان جائزان.

دليلنا انه دخل في العقد على التخيير بين عوضين فكان العوض فاسدا كما لو قال: بعتك بألف نقدا وبألفين نسيئة.

(فرع)

إذا اشترطت المرأة على الزوج حال العقد أن لا يطأها أو على أن يطأها في الليل دون النهار، أو على أن لا يدخل عليها سنة بطل النكاح لان ذلك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 338)

________________________________________

شرط ينافى مقتضى العقد وان شرط الزوج ذلك عليها في العقد لم يبطل النكاح لان ذلك حق له يجوز له تركه فلم يؤثر شرطه ولا يلزمه الوفاء بالشرط لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل.

وليس هذا في كتاب الله فكان باطلا.

(فرع)

إذا تزوج امرأة بمهر وشرط خيار المجلس أو خيار الثلاث في عقد النكاح فسد النكاح، لان النكاح لا يقع إلا لازما، فإذا شرط فيه الخيار نافى ذلك مقتضاه فأبطله.

وإن شرط الخيار في الصداق فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: كان المهر فاسدا.

وظاهر هذا أن النكاح صحيح.

وقال في الاملاء ان المهر والنكاح باطلان.

واختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال هي على حالين، فحيث قال يبطلان أراد إذا شرط الخيار في النكاح والمهر أو في النكاح وحده، وحيث قال لا يبطل النكاح أراد إذا شرط الخيار في المهر وحده، فهل يصح

النكاح.

فيه قولان.

 

(أحدهما)

لا يصح لانه أحد عوض النكاح فبطل النكاح بشرط الخيار فيه كما لو شرطه في البضع

(والثانى)

يصح النكاح وهو الصحيح لانه لو جعل الصداق خمرا أو خنزيرا لم يبطل النكاح، فلان لا يفسد إذا شرط الخيار في المهر أولى، فإذا قلنا بهذا ففى المهر والخيار ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد (أحدها) أن المهر والخيار صحيحان، لان المهر كالثمن في البيع، فلما ثبت جواز الخيار في الثمن ثبت جوازه في المهر

(والثانى)

أن المهر صحيح والخيار باطل، لان المقصود هو الصداق والخيار تابع، فثبت المقصود وبطل التابع (والثالث) أن المهر والخيار باطلان وهو المنصوص في الام لان الخيار لما لم يثبت في العوض وهو البضع لم يثبت في المعوض، وإذا سقط الخيار فقد ترك لاجله جزء من المهر فيجب رده وذلك مجهول.

وإذا كان المهر مجهولا وجب مهر المثل.

قال الشيخ أبو حامد: الوجهان الاولان لا يساويان استماعهما.

(فرع)

ويثبت في الصداق خيار الرد بالعيب الفاحش واليسير وما يعد عيبا في مثله.

وقال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف: يرد بالفاحش دون اليسير.

دليلنا أن إطلاق العقد يقتضى سلامة المهر من العيب، فإذا رد بالفاحش رد باليسير كالمبيع

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 339)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وتملك المرأة المسمى بالعقد ان كان صحيحا، ومهر المثل إن كان فاسدا، لانه عقد يملك المعوض فيه بالعقد فملك العوض فيه بالعقد كالبيع، وان كانت المنكوحة صغيرة أو غير رشيدة سلم المهر إلى من ينظر في مالها، وان كانت بالغة رشيدة وجب تسليمه إليها، ومن أصحابنا من خرج في البكر البالغة قولا آخر أنه يجوز أن يدفع إليها أو إلى أبيها وجدها، لانه يجوز إجبارها على النكاح

فجاز للولى قبض صداقها بغير إذنها كالصغيرة، فان قال الزوج لا أسلم الصداق حتى تسلم نفسها، فقالت المرأة: لا أسلم نفسي حتى أقبض الصداق ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا يجبر واحد منهما بل يقال: من سلم منكما أجبرنا الاخر.

 

(والثانى)

يؤمر الزوج بتسليم الصداق إلى عدل وتؤمر المرأة بتسليم نفسها فإذا سلمت نفسها أمر العدل بدفع الصداق إليها كالقولين فيمن باع سلعه بثمن معين، وقد بينا وجه القولين في البيوع، فان قلنا: بالقول الاول لم تجب لها النفقة في حال امتناعها، لانها ممتنعه بغير حق، وان قلنا بالقول الثاني وجبت لها النفقة لانها ممتنعة بحق وان تبرعت وسلمت نفسها ووطئها الزوج أجبر على دفع الصداق وسقط حقها من الامتناع، لان بالوطئ استقر لها جميع البدل فسقط حق المنع كالبائع إذا سلم المبيع قبل قبض الثمن.

(الشرح) الاحكام: تملك المرأة جميع المهر المسمى لها بنفس العقد إن كان ما سماه صحيحا، وان كان باطلا ملكت مهر المثل، وبه قال أبو حنيفة وأحمد رضى الله عنه وقال مالك رضى الله عنه: تملك نصف المسمى بالعقد والنصف الباقي أمانة في يدها للزوج فإن دخل بها استقر ملكها على الجميع.

دليلنا قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فلولا أنهن ملكنه لما أمر بتسليمه اليهن، ولانه عوض عن مقابلة معوض فملك في الوقت التى تملك به المعوض كالاثمان في البيع، وان كانت المنكوحة صغيرة أو كبيرة.

مجنونة أو سفيهة فللاب والجد أن يقبض صداقها لان له ولاية على مالها، وإن كانت بالغة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 340)

________________________________________

عاقلة رشيدة سلم المهر إليها أو إلى وكيلها، وليس لوليها قبضه بغير إذنها.

ومن أصحابنا من قال: إذا قلنا ان الذى بيده عقدة النكاح هو الاب والجد جاز له أن يقبض المهر بغير إذنها لانه إذا جاز له العفو عنه فلان يجوز له قبضه أولى،

والاول أصح، لانه إنما يجوز له العفو على هذا القول عن مهر الصغيرة أو المجنونة فأما الكبيرة العاقلة فليس له العفو عن مهرها بلا خلاف، هذا مذهبنا.

وقال أبو حنيفة ان كانت المنكوحة ثيبا لم يكن له قبض صداقها بغير اذنها، وان كانت بكرا فله قبض صداقها بغير اذنها الا أن تنهاه عن قبضه.

دليلنا أنها بالغة رشيدة فلم يكن له قبض صداقها بغير اذنها كالبنت.

(فرع)

إذا كان الصداق حالا فطالبته الزوجة بتسليمه فقال الزوج: لا، وطلب امهاله إلى أن يجمعه، وطالب بتسليم الزوجة إليه لم يجبر الزوجة على تسليم نفسها إليه إلى أن يجمع صداقها ويسلمه إليها لان المهر في مقابلة البضع وعوض عنه، فإذا امتنع الزوج من تسليم العوض لم تجبر المرأة على تسليم المعوض كما لا يجبر البائع على تسليم المبيع إذا امتنع المشترى من تسليم الثمن، وان قال الزوج لا أسلم الصداق حتى تسلم نفسها.

وقالت الزوجة لا أسلم نفسي حتى يسلم إلى الصداق فقد ذكر المصنف فيمن اشترى سلعة بثمن في ذمته، فقال البائع لا أسلم السلعة حتى أقبض الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى أقبض السلعة ثلاثة اقوال مشهورة أتى عليها الامام تقى الدين السبكى في شرح المهذب في شروعه في تكملة المجموع.

(أحدها) لا يجبر واحد منهما على التسليم، بل أيهما تطوع بالتسليم.

أجبر الآخر.

 

(والثانى)

أنهما يجبران معا، فيجبر البائع على تسليم السلعه إلى عدل، بجبر المشترى على تسليم الثمن إلى عدل، ثم يسلم السلعه إلى المشترى والثمن إلى البائع، وبأيهما بدأ جاز.

(والثالث) أن البائع يجبر على تسليم السلعة إلى المشترى ثم يجبر المشترى على تسليم الثمن إلى البائع.

وأما الصداق فلا يجئ فيه الا القولان الاولان.

 

(أحدهما)

لا يجبر واحد منهما على التسليم بل يقال لهما: أيكما تطوع بالتسليم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 341)

________________________________________

أجبر الآخر على التسليم

(والثانى)

يجبر الزوج على تسليم الصداق إلى عدل، فإذا حصل الصداق في يد عدل أجبرت الزوجة على تسليم نفسها إلى الزوج، ولا يجئ في هذا القول أن تسلم المرأة نفسها إلى عدل كما قلنا في البائع، لان معنى قولنا: تسلم نفسها نعنى به يطؤها الزوج، وهذا لا يحصل بتسليمها نفسها إلى العدل، ويسقط ههنا القول الثالث في البيع وهو قولنا: يجبر البائع على تسليم السلعه أولا إلى المشترى لانا إذا أجبرنا البائع على هذا التسليم تسلم السلعه وأخذ الثمن من المشترى ان كان حاضرا، وان كان غائبا حجرنا على المشترى في السلعه في جميع أمواله إلى أن يسلم الثمن، والزوجه ههنا بمعنى البائع، فلو أجبرناها على تسليم نفسها وهو تمكينها الزوج من وطئها ربما أتلف ماله بعد وطئها أو أفلس، وقد أتلف بضعها لانه لا يتأتى فيه ما ذكرناه في السلعه، هذا نقل أصحابنا البغداديين.

وقال المسعودي: بل في الصداق ثلاثة أقوال أيضا (أحدها) لا يجبران

(والثانى)

يجبران بأن يوضع الصداق على يد عدل، وتجبر المرأة على التمكين.

(والثالث) يجبر الزوج، والاول هو المشهور.

فإذا قلنا لا يجبران لم يجب لها نفقه في حال امتناعها، لان الزوج لا يختص بالامتناع.

وان قلنا يجبر الزوج أولا فلها النفقه في حال امتناعها قبل تسليم الزوج بالمهر، لان المنع من جهته وان تبرعت المرأة وسلمت نفسها إليه ووطئها الزوج لم يكن لها أن تمتنع بعد ذلك حتى تقبض صداقها.

دليلنا أن التسليم الاول تسليم استقر به المسمى برضاها فلم يكن لها الامتناع بعد ذلك، كما لو سلم البائع سلعه قبل قبض الثمن ثم أراد أخذها، وان أكرهها الزوج فوطئها فهل لها أن تمتنع بعد ذلك إلى ان تقبض المهر؟ فيه وجهان

حكاهما في الابانه.

 

(أحدهما)

لها ان تمتنع كما لو قبض المشترى العين المبيعة واكره البائع على ذلك قبل قبض الثمن.

 

(والثانى)

ليس لها ان تمتنع لان المهر قد تقرر بذلك والبائع إذا استرد

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 342)

________________________________________

المبيع ارتفع التقرير، وإن كان الصداق مؤجلا فطلب الزوج تسليمه إليه قبل حلول الاجل لم يكن لها أن تمتنع، فإن امتنعت أجبرت لانها رضيت بتأخير حقها إلى الاجل فلم يكن لها الامتناع من التسليم كما لو باع سلعة بثمن مؤجل فليس له الامتناع من تسليمها قبل حلول الاجل، فإن تأخر تسليمها لنفسها حتى حل الاجل فهل لها الامتناع من تسليمها إلى أن تقبض الصداق؟ فيه وجهان، قال الشيخ أبو حامد: ليس لها أن تمتنع لان التسليم مستحق عليها قبل المحل فلم يسقط ما وجب عليها بحلول دينها.

وقال القاضى أبو الطيب: لها أن تمتنع، وقد ذكر المزني في المنثور أنه إذا باع سلعه بثمن مؤجل فلم يقبض السلعة حتى حل الاجل فإن للبائع الامتناع من تسليم السلعة حتى يقبض الثمن، ووجهه أن لها المطالبة بالمهر فكان لها الامتناع كما لو كانت حالا، وإن كان بعض الصداق مؤجلا وبعضه حالا فلها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض المؤجل كما لو كان جميعه مؤجلا.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

فان كان الصداق عينا لم تملك التصرف فيه قبل القبض كالمبيع، وإن كان دينا فعلى القولين في الثمن، وإن كان عينا فهلكت قبل القبض هلك من ضمان الزوج كما يهلك المبيع قبل القبض من ضمان البائع، وهل ترجع إلى مهر المثل، أو إلى بدل العين، فيه قولان.

قال في القديم: ترجع إلى بدل العين لانه عين يجب تسليمها لا يسقط الحق بتلفها، فوجب الرجوع إلى بدلها كالمغصوب، فعلى هذا ان كان مما له مثل وجب مثله وان لم يكن له مثل وجبت قيمته أكثر ما كانت من حين العقد إلى أن تلف كالمغصوب، ومن أصحابنا من قال: تجب قيمته يوم التلف، لانه وقت الفوات والصحيح هو الاول، لان هذا يبطل بالمغصوب.

وقال في الجديد: ترجع إلى مهر المثل لانه عوض معين تلف قبل القبض وتعذر الرجوع إلى المعوض، فوجب الرجوع إلى بدل المعوض كما لو اشترى ثوبا بعبد فقبض الثوب ولم يسلم العبد وتلف عنده، فانه يجب قيمة الثوب،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 343)

________________________________________

وان قبضت الصداق ووجدت به عيبا فردته أو خرج مستحقا رجعت في قوله القديم إلى بدله، وفى قوله الجديد إلى مهر المثل، وان كان الصداق تعليم سورة من القرآن فتعلمت من غيره أو لم تتعلم لسوء حفظها فهو كالعين إذا تلفت فترجع في قوله القديم إلى أجرة المثل: وفى قوله الجديد إلى مهر المثل.

(الشرح) الاحكام: إذا كان الصداق عينا فأرادت الزوجة أن تتصرف فيها بالبيع والهبة وما اشبههما قبل القبض لم يصح، وقال بعض الناس: يصح هكذا أفاده العمرانى.

دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع ما لم يقبض، وهذا لم يقبض وان كان الصداق دينا في الذمة فهل يصح لها بيعه قبل قبضه، فيه قولان كالثمن في الذمة.

هذا نقل أصحابنا البغداديين.

وقال المسعودي: إذا أرادت بيع الصداق قبل أن تقبضه فهل يصح بيعها له فيه قولان ان قلنا: انه مضمون في يد الزوج ضمان العقد لم يصح، وان قلنا ضمان اليد صح وأراد بذلك إذا كان الصداق عينا.

(مسألة) إذا أصدق الرجل امرأته عينا معينة اما حيوانا أو ثوبا أو سيارة فانها تكون مضمونة على الزوج ما لم تقبضها الزوجة، لانها مضمونة عليه بعقد معاوضة فكانت مضمونة كالمبيع، فان قبضتها الزوجة سقط الضمان عنه وصار ضمانها على الزوجة، فان هلكت العين في يد الزوج قبل أن تقبضها الزوجة سقط حقها من العين لانها قد تلفت ولا يبطل النكاح، لان النكاح ينعقد بغير مهر فلا يبطل بتلف الصداق، ويجب على الزوج ضمان الصداق للزوجة لانا قد تبينا أنه مضمون عليه إلى أن تقبضه الزوجة، وفيما يضمنه قولان.

قال في الجديد: ترجع عليه بمهر مثلها وهو اختيار المزني وأبى اسحاق المروزى والقاضى أبى الطيب، لانه عوض معين تلف قبل القبض وتعذر الرجوع إلى المعوض فوجب الرجوع إلى بدل المعوض لا إلى بدل العوض كما لو اشترى فرسا بثوب وقبض الفرس وتلف الفرس والثوب عنده، فانه يجب عليه قيمة الفرس لا قيمة الثوب، فقولنا: عوض معين احتراز من العوض في الذمة، وقولنا:

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 344)

________________________________________

تعذر الرجوع إلى المعوض لان الشرع قد منع الزوجة من الرجوع إلى بضعها بتلف الصداق فرجعت إلى بذله.

وفيه احتراز من المبيع إذا تلف قبل القبض والثمن باق.

وقال في القديم: ترجع عليه ببدل العين التالفة، وهو قول أبى حنيفة وأحمد رضى الله عنهما واختيار الشيخ أبى حامد وابن الصباغ لان كل عين يجب تسليمها فلا يسقط ضمانها بتلفها، فإذا تلف ضمنت ببدلها كالعين المغصوبة.

فقولنا عين يجب تسليمها احتراز مما لا يجب تسليمه كالعين المبيعة والثمن قبل البيع.

وقولنا لا يسقط ضمانها بتلفها احتراز من العين المبيعة والثمن إذا تلفا قبل القبض، فإذا قلنا بقوله الجديد إن تلفت العين بآفة سماوية أو بفعل الزوج وجب لها مهر مثلها

سواء سلمت نفسها إلى الزوج وطالبته بها قمنعها أو لم تطالبه بها ولم يمنعها.

وان أتلفتها الزوجة كان قبضا لها، وان أتلفها أجنبي فظاهر قول الشافعي رضى الله عنه أنها بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر المثل ويرجع الزوج على الأجنبي ببدل الصداق الذى اتلف.

وإن نقص الصداق في يد الزوج بآفة سماويه أو بفعل الزوج وجب لها مهر مثلها سواء سلمت نفسها إلى الزوج وطالبته بها فمنعها أو لم تطالبه بها ولم يمنعها، وان أتلفتها الزوجة كان قبضا لها، وان أتلفها أجنبي فظاهر قول الشافعي رضى الله عنه أنها بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر المثل ويرجع الزوج على الأجنبي ببدل الصداق الذى أتلف وبين أن ترجع الزوجة على الأجنبي ببدل ما أتلف.

وإن نقص الصداق في يد الزوج بآفة سماوية أو بفعل الزوج فهى بالخيار بين أن تأخذ الصداق ناقصا ولا شئ لها وبين أن ترجع على الزوج بمهر مثلها.

وان نقص بفعل أجنبي فهى بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر مثلها ويأخذ الزوج من الأجنبي الارش، وبين أن تأخذ الصداق والارش من الأجنبي وان نقص الصداق بفعل الزوجة أخذته ناقصا ولا شئ لها.

وان قلنا بقوله القديم فحكمه في يد الزوج حكم المغصوب إلا أنه لا يأثم إذا لم يمنعها من أخذه فإذا تلف في يد الزوج بآفة سماويه أو بفعل الزوج رجعت عليه بمثله إن كان له مثل، وبقيمته ان لم يكن له مثل، ومتى تعتبر قيمته؟ من أصحابنا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 345)

________________________________________

ومنهم من قال: هما وجهان، المنصوص أنه تعتبر قيمته أكثر ما كانت من حين العقد إلى حين التلف لانه مضمون على الزوج في جميع هذه الاحوال فهو كالمغصوب.

والثانى يرجع عليه بقيمته يوم التلف، والاول أصح وإن نقص في يد الزوج نظرت فان كان بآفة سماوية كانت بالخيار بين أن

ترد الصداق لاجل النقص وترجع ببدله عليه، وبين أن تأخذه ناقصا وتأخذ منه أرش النقص لانه كالغاصب.

وإن نقص بفعل الزوج فان اختارت رده وأخذ بدله كان لها، وان اختارت أخذه فان لم يكن للجناية أرش مقدر أخذت الصداق وما نقص من قيمته، وان كان لها أرش مقدر بأن كانت إبلا جبت أسنمتها أو عبدا قطعت يده رجعت عليه بأكثر الامرين من نصف قيمة العين أو ما نقص من قيمتها بذلك، لانه اجتمع فيه ضمان اليد والاسنمة والجناية، فان نقص بفعل أجنبي فاختارت رده على الزوج وأخذ بدله منه كان لها ذلك لاجل النقص ورجع الزوج على الأجنبي بالارش، فان اختارت أخذه أخذته، فان كان الارش غير مقدر فان كان مثل أرش النقص أو أكثر من أرش النقص رجعت به على من شاءت منهما.

وان كان الارش المقدر أقل من أرش النقص كانت بالخيار بين ان ترجع بأرش النقص على الزوج وبين ان ترجع على الأجنبي بالارش المقدر وترجع على الزوج بتمام أرش النقص.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ويستقر الصداق بالوطئ في الفرج لقوله عزوجل: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) وفسر الانقضاء بالجماع، وهل يستقر بالوطئ في الدبر؟ فيه وجهان

(أحدهما)

يستقر لانه موضع يجب بالايلاج فيه الحد، فأشبه الفرج

(والثانى)

لا يستقر لان المهر في مقابلة ما يملك بالعقد، والوطئ في الدبر غير مملوك فلم يستقر به المهر ويستقر بالموت قبل الدخول، وقال أبو سعيد الاصطخر: إن كانت أمة لم يستقر بموتها لانها كالسلعة تباع وتبتاع، والسلعة المبيعة إذا تلفت قبل التسليم سقط الثمن.

فكذلك إذا ماتت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 346)

________________________________________

الامة وجب ان يسقط المهر، والمذهب انه يستقر، لان النكاح إلى الموت، فإذا ماتت انتهى النكاح فاستقر البدل كالاجارة إذا انقضت مدتها.

واختلف قوله في الخلوة فقال في القديم: تقرر المهر، لانه عقد على المنفعة فكان التمكين فيه كالاستيفاء في تقرر البدل كالاجارة.

وقال في الجديد: لا تقرر لانه خلوة فلا تقرر للمهر كالخلوة في غير النكاح.

(الشرح) الاحكام: يستقر المهر المسمى للزوجة بالوطئ في الفرج لقوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) الآيه.

فلما اثبت له الرجوع بنصف الصداق بالطلاق قبل المسيس دل على انه لا يرجع عليها بشئ منه بعد المسيس.

وقال في آية اخرى (وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم إلى بعض) ففسر الافضاء بالجماع.

وان وطئها في دبرها فهل يستقر به المسمى، فيه وجهان.

ومن أصحابنا من قال لا يستقر لها لان المهر في مقابلة ما يملك بالعقد والوطئ في الدبر غير مملوك في العقد فلم يستقر به المهر.

والثانى وهو المذهب انه يستقر به المسمى، وبه قطع صاحب المهذب، ووجهه ان الوطئ في الدبر لا يختلف عن المجامعة فيما يتضمن تكميلا كالاحصان والتحليل، أو يوجب تخفيفا مثل الخروج عن موجب العنة والايلاء.

ووجه انه ذلك يتضمن تغليظا في إلحاقه بالوطئ كما نقول في وجوب الغسل دون الانزال وافساد العبادات، والحكم بتقرير المهر اثبات تغلبظ على الرجل حتى لو انه جامع امرأة في دبرها بالشبهة وجب المهر لانه موضع يجب بالايلاج فيه الحد فاستقر به المهر كالفرج.

قال اصحابنا: وجميع الاحكام التى تتعلق بالوطئ في الدبر اربعة احكام: الاحلال للزوج الاول، والاحصان، وايفاء المولى، والخروج من العنة.

وان

وطئ اجنبية في دبرها وجب لها مهر المثل، وان حلف ان لا يطأ امرأة فوطئها في دبرها حنث في يمينه، قال الصيمري: فان إلى امرأته اكثر من اربعة اشهر فوطئها في دبرها لم يسقط بذلك حقها، وينبغى ان يحنث في يمينه،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 347)

________________________________________

وإن أتت امرأته بولد يلحقه بالامكان ولم يقر بوطئها فهل يستقر عليه المهر المسمى.

فيه قولان

(أحدهما)

يستقر، لان إلحاق النسب به يقتضى وجود الوطئ

(والثانى)

لا يستقر عليه لان الولد يلحق بالامكان، والمهر لا يستقر إلا بالوطئ والاصل عدم الوطئ.

(فرع)

وإن مات أحد الزوجين قبل الدخول استقر لها المهر، وهو المذهب لان النكاح إلى الموت فاستقر به المهر كالاجارة إذا انقضت مدتها.

(فرع)

وان خلا الزوج بها ولم يجامعها فهل حكم الخلوة حكم الوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة، اختلف العلماء فيها، فذهب الشافعي في الجديد إلى أنه لا تأثير للخلوة في تقرير المهر ولا في وجوب العدة.

وبه قال ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم.

ومن التابعين الشعبى وابن سيرين وطاوس، ومن الفقهاء أبو ثور.

وذهبت طائفة إلى أن الخلوة كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة، وذهب إليه ابن عمر وعلى بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قال الزهري والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه.

وقال مالك: ان خلا بها خلوة تامة بأن يخلو بها في بيته دون بيت أبيها أو أمها رجح بها قول من يدعى الاصابة منهما عند اختلافهما بها، ولا تكون الخلوة كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة.

وقال الشافعي في القديم: للخلوة تأثير.

وقال الخرقى من الحنابلة: إذا خلا بها بعد العقد فقال: لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما الا في الرجوع إلى زوج

طلقها ثلاثا أو في الزنا فانهما يجلدان ولا يرجمان.

اه وقال ابن قدامه: إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وان لم يطأ، روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر، وبه قال على ابن الحسين وعروة وعطاء والزهرى والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأى، وهو قديم قولى الشافعي، وقال شريح والشعبى وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد: لا يستقر الا بالوطئ، وحكى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وروى نحو ذلك عن أحمد، وروى عنه يعقوب بن بختان أنه قال: إذا صدقت المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة، وذلك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 348)

________________________________________

لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها، وقال تعالى (وكيف تأخذونه وند أفضى بعضكم إلى بعض) ثم قال: ولنا إجماع الصحابة رضى الله عنهم.

روى الامام أحمد والاثرم بإسنادهما عن زرارة بن أبى أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة.

ورواه أيضا عن الاحنف عن عمر وعلى وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كاملا، وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعا.

وما رووه عن ابن عباس لا يصح.

قال أحمد: يرويه ليث وليس بالقوى، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث، وحنظلة أقوى من ليث، وحديث ابن مسعود منقطع.

قاله ابن المنذر اه قلت: لما كان الشافعي رضى الله عنه قولاه القديم والجديد، فإن من أصحابنا من قال: مذهب الشافعي في القديم في الخلوة كقول مالك في أنه يرجح بها قول من ادعى الاصابة لا غير، إلا أنه لا فرق عندنا على هذا بين أن يخلو بها

في بيته أو في بيت أبيها أو أمها.

ومنهم من قال: مذهب الشافعي في الجديد كقول أبى حنيفة وهو المنصوص في القديم فإذا قلنا بهذا فوجهه مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من كشف عن قناع امرأة فقد وجب عليه المهر) وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب المهر.

ما ذنبهن ان جاء العجز من قبلكم، ولانه عقد على المنفعة فكان التمكين منها كالاستيفاء في تقرير البدل كالاجارة وإذا قلنا بقوله الجديد قال العمرانى وأكثر الاصحاب، وهو الاصح، فوجهه قوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولم يفرق بين أن يخلو بها أو لا يخلو بها، ولان الخلوة لو كانت كالاصابة في تقرير المهر ووجوب العدة لكانت كالاصابة في وجوب مهر المثل في الشبهة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 349)

________________________________________

وأما الخبر فمحمول على أنه كنى عن الجماع بكشف النقاب، وما روى عن أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه فقد روينا عن ابن عباس وابن مسعود خلاف ذلك، فإذا قلنا بقوله الجديد فوطئها فيما دون الفرج فسق الماء إلى فرجها وجبت عليها العدة وجها واحدا، لان رحمها قد صار مشغولا بمائه، وإن أتت من ذلك بولد لحقه نسبه، وهل يستقر بذلك صداقها، فيه وجهان.

 

(أحدهما)

يستقر، لان رحمها قد صار مشغولا بمائه فهو كما لو وطئها.

 

(والثانى)

لا يستقر به المهر لانه لم يوجد الجماع التام فهو كما لو لم يسبق إلى فرجها ماؤه، ولو استدخلت المرأة ماء غير ماء زوجها وظنته ماء زوجها لم يثبت له حكم من الاحكام لان الشبهة تعتبر في الرجل.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وإن وقعت فرقة بعد الدخول لم يسقط من الصداق شئ لانه استقر فلم يسقط، فإن أصدقها سورة من القرآن وطلقها بعد الدخول وقبل أن يعلمها ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يعلمها من وراء حجاب كما يستمع منها حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

(وَالثَّانِي)

لا يجوز أن يعلمها لانه لا يؤمن الافتتان بها ويخالف الحديث، فإنه ليس له بدل، فلو منعناه من سماعه منها أدى إلى إضاعته، وفى الصداق لا يؤدى إلى ابطاله، لان في قوله الجديد ترجع إلى مهر المثل، وفى قوله القديم ترجع إلى أجرة التعليم، وإن وقعت الفرقة قبل الدخول نظرت فإن كانت بسبب من جهة المرأة، بأن أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من ينفسخ النكاح برضاعه سقط مهرها لانها أتلفت المعوض قبل التسليم، فسقط البدل كالبائع إذا أتلف المبيع قبل التسليم، وإن كانت بسبب من جهته نظرت فإن كان بطلاق سقط نصف المسمى لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وان كان باسلامه أو بردته سقط نصفه، لانه فرقة انفرد الزوج بسببها قبل الدخول، فتنصف بها المهر

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 350)

________________________________________

كالطلاق، وان كان بسبب منهما نطرت فان كان بخلع سقط نصفه، لان المغلب في الخلع جهة الزوج، بدليل أنه يصح الخلع به دونها وهو إذا خالع مع أجنبي فصار كما لو انفرد به، وان كان بردة منهما ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يسقط نصفه، لان حال الزوج في النكاح أقوى فسقط نصفه كما لو ارتد وحده.

 

(والثانى)

يسقط الجميع لان المغلب في المهر جهة المرأة، لان المهر لها فسقط جميعه كما لو انفردت بالردة فان اشترت المرأة زوجها قبل الدخول ففيه وجهان: أحدهما: يسقط النصف، لان البيع تم بالزوجة والسيد وهو قائم مقام الزوج، فصار كالفرقة الواقعة بالخلع.

والثانى: يسقط جميع المهر لان البيع تم بها دون الزوج فسقط جميع المهر كما لو أرضعت من ينفسخ النكاح برضاعه

(فصل)

وان قتلت المرأة نفسها فالمنصوص أنه لا يسقط مهرها، وقال في الامة: إذا قتلت نفسها أو قتلها مولاها أنه يسقط مهرها، فنقل أبو العباس جوابه في كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلهما على قولين.

 

(أحدهما)

يسقط المهر لانها فرقة حصلت من جهتها قبل الدخول فسقط بها المهر، كما لو أرتدت.

 

(والثانى)

لا يسقط وهو اختيار المزني وهو الصحيح، لانها فرقة حصلت بانقضاء الاجل وانتهاء النكاح فلا يسقط بها المهر كما لو ماتت.

وقال أبو إسحاق لا يسقط في الحرة ويسقط في الامة على ما نص عليه، لان الحرة كالمسلمة نفسها بالعقد، ولهذا يملك منعها من السفر، والامة لا تصير كالمسلمة نفسها بالعقد ولهذا لا يملك منعها من السفر مع المولى: وان قتلها الزوج استقر مهرها لان اتلاف الزوج كالقبض كما أن اتلاف المشترى للمبيع في يد البائع كالقبض في تقرير الثمن.

(الشرح) الاحكام: إذا تزوج رجل امرأة ودخل بها ثم افترقا لم ترجع إلى الزوج بشئ من المهر سواء كانت الفرقة من جهة الزوج أو من جهة الزوجة أو من جهتهما أو من جهة أجنبي، لان المهر قد استقر بالدخول فلم تؤثر الفرقه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 351)

________________________________________

وهذا لا خلاف فيه، وان أصدقها تعليم سورة من القرآن ودخل بها ثم طلقها

قبل أن يعلمها فإن كان الصداق تحصيل التعليم لم يتعذر ذلك بسبب الطلاق بل يستأجر لها إمرأة أو محرما لها ليعلمها، وإن كان الصداق على أن يعلمها بنفسه ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أن التعليم لا يتعذر بذلك، بل يعلمها من وراء حجاب كما يجوز أن يسمع أخبار رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وراء حجاب، وقد ثبت أن كثيرا من راويات الحديث وحافظاته يسمعهن الاجانب عنهن من وراء حجاب وقد كان أبو الشعثاء جابر بن زيد يسأل عائشة من وراء حجاب وكان يسألها عن أخص أحوال النبي صلى الله عليه وسلم حتى في جماعه وكانت رضى الله عنها تخجل حتى ليحمر وجهها كما يقول عروة ابن أختها، وهى تقول: سل يا إبناه ومن هؤلاء الراويات أمة الواحد بنت يامين والدة يحيى بن بشير وأمية بنت عبد الله وبهسة الفزارية وحميدة راوية أم سلمة وخيرة أم الحسن البصري وزينب بنت معاوية زوج ابن مسعود وراويته والعالية بنت سويد وثقها العجلى وعمرة بنت قيس عن عائشة روى عنها جعفر بن كيسان في صحيح ابن خزيمه، وأم القلوص عن عائشة وعنها المتوكل بن الفضل في الدارقطني وهن لا يحصين.

 

(والثانى)

أن تعليمه لها قد تعذر لانه يخاف عليهما الافتتان، ويخالف سماع الاخبار لانا لو لم نجز ذلك لضاع ما عندها من الاخبار، فإذا قلنا بهذا كان كما لو تلف الصداق قبل القبض فيرجع في قوله الجديد إلى مهر مثلها، وفى قوله القديم إلى أجرة التعليم، وان وقعت الفرقه بينهما قبل الدخول نظرت، فان كانت بسبب من جهتها بأن أسلمت أو ارتدت أو أرضعته أو أرضعت زوجة له صغيرة أو وجد أحدهما بالآخر عيبا ففسخ النكاح سقط جميع المهر لان والبضع تلف قبل الدخول بسبب من جهتها، فسقط ما نقابله كالمبيع إذا تلف قبل القبض، وان كان بسبب من جهة الزوج بأن طلقها سقط عنه نصف

المسمى أن كانت لم تقبضه، ووجب عليها رد نصفه ان كانت قبضته لقوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضه فنصف ما فرضتم)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 352)

________________________________________

وهكذا إن أسلم أو ارتد فحكمه حكم الطلاق، لان الفرقة من جهته فهو كالطلاق وإن كانت الفرقة بسبب منهما نظرت فإن كانت بخلع فحكمه حكم الطلاق لان المغلب فيه جهة الزوج بدليل أنه يصح خلعه مع الأجنبي، وإن كان بردة منهما بأن ارتدا معا في حالة واحدة ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

حكمه حكم الطلاق لان حال الزوج في النكاح إذا خالع زوجته بعد الدخول بها ثم تزوجها ثانيا في العدة ثم طلقها قبل أن يدخل بها يتنصف المسمى.

وقال أبو حنيفة: لا يتنصف بل يبقى حقها في الجميع كما كان.

دليلنا ظاهر الآية (فنصف ما فرضتم) ولان الوطئ الموجود في النكاح الاول يقابله المهر الاول، فلو قلنا: لا يتنصف المهر في النكاح الثاني لصار ذلك الوطئ مؤثرا أقوى في تقربر المهرين، والتسليم الواحد لا يقابل بدلين وعلى هذا الخلاف لو وطئ إمرأة بالشبهة أو أعتق أم ولده ونكحها ثم طلقها ينصف المهر عندنا، وعند أبى حنيفة لا ينصف ويجعل دوام شغل الرحم كالوطئ في تقرير المهر كله وتخالف هذه المسألة المخالعة حيث غلبنا جانب الزوج لان الزوج يتصور منه أن ينفرد بالمخالعة عنها بأن تخالع مع أجنبي والمرأة لا يتصور منها الانفراد بالمخالعة عن الزوج فيترجح جانب الزوج، وههنا في المبايعة سواء رجحنا أحد الجانبين بالاستدعاء كما في الحرة إذا قتلت نفسها أو قتلت وليها قبل الدخول أنه لا يسقط شئ من المهر.

واختلف أصحابنا فيهما فذهب أبو العباس بن سريج وبعض أصحابنا إلى أن فيهما قولين

(أحدهما)

يسقط مهرها، لان النكاح انفسخ بسبب من جهتها،

فهو كما لو ارتدت

(والثانى)

لا يسقط وهو الاصح لانها فرقة حصلت بانقضاء أجلها فهو كما لو ماتت، وذهب أبو إسحاق المروزى وبعض أصحابنا إلى أنها على قولين على ظاهرهما، ففى الامة يسقط، وفى الحرة لا يسقط، لان الحرة مسلمة لنفسها في العقد، ولهذا لا يجوز لها السفر بغير إذن الزوج، والامة غير مسلمة لنفسها ولهذا يجوز السفر بها بغير إذن زوجها، لان الزوج للحرة يغنم ميراثها فجاز أن يغرم مهرها، وزوج الامة لا يغنم ميراثها فلم يغرم مهرها، فإذا قلنا: يسقط

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 353)

________________________________________

المهر بذلك فان الحرة لا يسقط مهرها إلا إذا قتلت نفسها قبل الدخول، وإن قتلها وليها أو زوجها أو أجنبي لم يسقط مهرها.

وأما الامة فان قتلت نفسها قبل الدخول سقط مهرها، وإن قتلها سيدها سقط مهرها لان المهر له، وإن قتلها زوجها أو أجنبي قبل الدخول لم يسقط المهر، خلافا لابي سعيد الاصطخرى الذى قال: إذا قتلها أجنبي قبل الدخول يسقط مهرها لانها كالسلعة المبيعة إذا أتلفها أجنبي قبل القبض انفسخ البيع وسقط الثمن، والمذهب الاول، لانها انما تكون كالسلعة إذا بيعت أما في النكاح فهى كالحرة كما قررنا في غير موضع.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ومتى ثبت الرجوع في النصف لم يخل اما أن يكون الصداق تالفا أو باقيا، فان كان تالفا فان كان مما له مثل رجع بنصف مثله، وان لم يكن له مثل رجع بقيمة نصفه أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض، لانه ان كانت قيمته يوم العقد أقل ثم زادت، كانت الزيادة في ملكها فلم يرجع بنصفها وان كانت قيمته يوم العقد أكثر ثم نقص، كان النقصان مضمونا عليه، فلم يرجع بما هو مضمون عليه، وان كان باقيا لم يخل اما أن يكون باقيا على حالته

أَوْ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا مِنْ وجه ناقصا من وجه فان كان على حالته رجع في نصفه، ومتى يملك؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

 

(أَحَدُهُمَا)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: أنه لا يملك الا باختيار التملك، لان الانسان لا يملك شيئا بغير اختياره الا الميراث، فعلى هذا ان حدثت منه زيادة قبل الاختيار كانت لها.

 

(والثانى)

وهو المنصوص أنه يملك بنفس الفرقة لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فعلق استحقاق النصف بالطلاق، فعلى هذا أن حدثت منه زيادة كانت بينهما، وان طلقها والصداق زائد نظرت فان كانت زيادة متميزة كالثمرة والنتاج واللبن رجع بنصف الاصل، وكانت الزيادة لها لانها زيادة متميزة حدثت في ملكها،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 354)

________________________________________

فلم تتبع الاصل في الرد، كما قلنا في الرد بالعيب في البيع، وان كانت الزيادة غير متميزة كالسمن وتعليم الصنعة فالمرأة بالخيار بين أن تدفع النصف بزيادته وبين أن تدفع قيمة النصف، فإن دفعت النصف أجبر الزوج على أخذه لانه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز، وان دفعت قيمة النصف أجبر على أخدها لان حقه في نصف المفروض والزائد غير المفروض فوجب أخذ البدل، وان كانت المرأة مفلسه فَفِيهِ وَجْهَانِ.

 

(أَحَدُهُمَا)

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: أنه يجوز للزوج أن يرجع بنصف العين مع الزيادة، لانه لا يصل إلى حقه من البدل، فرجع بالعين مع الزيادة كما يرجع البائع في المبيع مع الزيادة عند افلاس المشترى.

 

(والثانى)

وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يرجع لانه ليس من جهة المرأة تفريط فلا يؤخذ منها ما زاد في ملكها بغير رضاها، ويخالف إذا أفلس المشترى

فإن المشترى فرط في حبس الثمن إلى أن أفلس فرجع البائع في العين مع الزيادة.

فإن كان الصداق نخلا وعليها طلع غير مؤبر فبذلت المرأة نصفها مع الطلع، ففيه وجهان:

(أحدهما)

لا يجبر الزوج على أخذها لانها هبة فلا يجبر على قبولها.

 

(والثانى)

يجبر وهو المنصوص لانه نماء غير متميز فأجبر على أخذها كالسمن وإن بذلت نصف النخل دون الثمرة لم يجبر الزوج على أخذها.

وقال المزني: يلزمه ان يرجع فيه وعليه ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ كما يلزم المشترى ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ، وهذا خطأ، لانه قد صار حقه في القيمة فلا يجبر على أخذ العين، ولان عليه ضررا في ترك الثمرة على نخله فلم يجبر، ويخالف المشترى فإنه دخل في العقد عن تراض فأقرا على ما تراضيا عليه، فان طلب الزوج الرجوع بنصف النخل وترك الثمرة إلى أوان الجذاذ ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

لا تجبر المرأة لانه صار حقه في القيمه.

 

(والثانى)

تجبر عليه لان الضرر زال عنها ورضى الزوج بما يدخل عليه من الضرر.

وان طلقها والصداق ناقص بأن كان عبدا فعمى أو مرض، فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصفه ناقصا وبين أن يأخذ قيمة النصف، فان رجع في

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 355)

________________________________________

النصف أجبرت المرأة على دفعه لانه رضى بأخذ حقه ناقصا، وإن طلب القيمة أجبرت على الدفع، لان الناقص دون حقه.

وإن طلقها والصداق زائد من وجه ناقص من وجه بأن كان عبدا فتعلم صنعة ومرض، فان تراضيا على أخذ نصفه جاز لان الحق لهما، وإن امتنع الزوج من أخذه لم يجبر عليه لنقصانه، وإن امتنعت المرأة من دفعه لم تجبر عليه لزيادته، وان كان الصداق جارية فحبلت فهى كالعبد إذا تعلم صنعة ومرض، لان الحمل زيادة من وجه ونقصان من وجه آخر

لانه يخاف منه عليها فكان حكمه حكم العبد.

وان كان بهيمة فحملت ففيه وجهان

(أحدهما)

أن المرأة بالخيار بين أن تسلم النصف مع الحمل، وبين أن تدفع القيمة لانه زيادة من غير نقص، لان الحمل لا يخاف منه على البهيمة

(والثانى)

وهو ظاهر النص أنه كالجارية لانه زيادة من وجه ونقصان من وجه، فانه ينقص به اللحم فيما يؤكل، ويمنع من الحمل عليه فيما يحمل فكان كالجاريه.

وان باعته ثم رجع إليها ثم طلقها الزوج رجع بنصفه لانه يمكن الرجوع إلى عين ماله فلم يرجع إلى القيمة، وان وصت به أو وهبته ولم يقبض ثم طلقها رجع بنصفه، لانه باق على ملكها وتصرفها.

وان كاتبته أو وهبته وأقبضته ثم طلقها رجع بقيمة النصف، لانه تعلق به حق لازم لغيرها، فان كان عبدا فدبرته ثم طلقها فقد روى المزني أنه يرجع، فمن أصحابنا من قال يرجع لانه باق على ملكها ومنهم من قال لا يرجع لانه لا يملك نقض تصرفها، ومنهم من قال فيه قولان، ان قلنا ان التدبير وصية فله الرجوع، وان قلنا انه عتق بصفة رجع بنصف قيمته (الشرح) الاحكام: إذا طلق الرجل امرأة قبل الدخول وقد قبضت الصداق فقد ذكرنا أن الزوج يرجع عليها بنصفه، فان كان قد تلف بيدها فان كان له مثل رجع عليها بنصف مثله لانه أقرب، وان كان لا مثل له رجع عليها بنصف قيمته، لان ما لا مثل له يضمن بالقيمة، فان اختلفت قيمته من حين العقد إلى حين قبضه رجع بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، لان قيمته ان كانت حين العقد أقل ثم ازدادت، فان الزيادة حدثت في ملكها

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 356)

________________________________________

فلا يلزمها ضمانها، وإن كانت قيمته وقت العقد أكثر ثم نقصت فالنقص مضمون على الزوج لها فلا تضمنه الزوجة له، وإن كان الصداق باقيا في يدها فلا يخلو من

أربعة أحوال: إما أن يكون باقيا على حاله من حين القبض إلى حين الطلاق، أو يكون ناقصا من جميع الوجوه عن حالته التى قبضته عليها أو يكون زائدا على حالته التى قبضته عليها من جميع الوجوه، أو يكون زائدا من وجه ناقصا من وجه فإن كان باقيا على حالته رجع بنصفه لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) وإن كان ناقصا من جميع الوجوه بأن كانت جارية سمينة فهزلت أو مرضت أو ما أشبه ذلك فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصف الصداق ناقصا ولا شئ له غير ذلك، وبين أن يرجع عليها بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض لان الله تعالى قال (فنصف ما فرضتم) وإن كان ناقصا من جميع الوجوه بأن كانت بهيمة سمينة فهزلت أو مرضت فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصف الصداق ناقصا ولا شئ له غير ذلك، وبين أن يرجع عليها بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، لان الله تعالى قال (فنصف ما فرضتم) وإذا كان ناقصا فليس هو المفروض.

وان كان الصداق زائدا من جميع الوجوه فلا تخلو الزيادة إما أن تكون متميزة أو غير متميزة، فإن كانت متميزة بأن أصدقها بهيمة حائلا فحملت وولدت ثم طلقها.

أو شجره لا ثمرة عليها فأثمرت وجدت، ثم طلقها رجع عليها بنصف الصداق دون النماء لانه نماء حدث في ملكها وتميز فلم يكن له فيه حق كما قلنا في المشترى إذا حدث في ملكه نماء مميز ثم وجد بالمبيع عيبا فرده.

وإن كانت الزيادة غير متميزة كالسمن وتعليم القرآن والعلم والصنعة، فان اختارت الزوجة تسليم نصفه أجبر الزوج على أخذه لانه يرجع أكمل ما دفع إليها وان لم يختر تسليم نصفه لم يجبر عليه، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله.

وقال محمد بن الحسن: يجبر على تسليم نصفه مع زيادته المتصلة.

دليلنا أن هذه زيادة حدثت في ملكها فلم يلزمها تسليمها كما لو كانت الزيادة

متميزة، ويلزمها نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، فان كان على الزوجة ديون فأفلست وحجر عليها فهل للزوج أن يرجع في نصف

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 357)

________________________________________

الصداق مع زيادته المتصلة به؟ فيه وجهان.

قال أبو إسحاق يرجع بنصف الصداق مع زيادته المتصلة به لانا إنما لا نوجب الرجوع إلى نصف الصداق مع زيادته إذا كانت غير مفلسة لان ذمتها عامرة فيتوصل الزوج إلى استيفاء حقه من القيمة، وإذا كانت مفلسة فذمتها خربة فلا يمكنه الوصول إلى استيفاء حقه بالقيمة فليس له الرجوع إلى نصفه.

وقال أكثر أصحابنا: لا يرجع الزوج إلى نصف الصداق مع زيادته المتصلة، لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) والزائد غير مفروض.

ولم يفرق بين المفلسة وغير المفلسة.

وإن كان الصداق زائدا من وجه ناقصا من وجه، بأن كان عبدا فتعلم صنعة ومرض فإن اتفقا على أن يأخذ الزوج نصفه جاز لان الحق لهما وإن طلب الزوج نصفه فامتنعت الزوجة من ذلك لم يجبر على ذلك لزيادته، وان بذلت المرأة نصفه وامتنع الزوج من أخذه لم يجبر على ذلك لنقصانه ويرجع إلى نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، وان طلقها قبل الدخول والصداق في يدها فان كان الصداق بحاله لم يزد ولم ينقص كان لها النصف، وان كان ناقصا من جميع الوجوه بأن مرض في يده أو عمى، فالزوجة بالخيار بين أن تأخذ نصفه ناقصا ولا شئ لها كالمبيع إذا نقص في يد البائع.

وبين أن يفسخ الصداق لاجل نقصه، فإذا فسخت الصداق لم ينفسخ النكاح وإلام يرجع، فيه قولان كما لو تلف قبل القبض.

قوله الجديد يرجع إلى نصف مهر المثل.

وقوله القديم يرجع إلى بدل نصف الصداق.

وإن كان الصداق زائدا نظرت فان كانت زيادة متميزة كالولد واللبن

والثمرة كان لها نصف أصل الصداق وجميع الزيادة.

وحكى المسعودي أن أبا حنيفة رحمه الله قال للزوج نصف الزيادة المنفصلة الحادثة في يده.

دليلنا أنها زيادة حدثت في ملكها فلم يكن للزوج فيها حق كما لو حدثت في يدها، وان كانت الزيادة غير متميزة كالسمن والصبغة فالمرأة بالخيار بين أن تأخذ نصف الصداق وتدفع إلى الزوج نصفه مع زيادته فيجبر على قبوله، وبين أن تأخذ جميع الصداق وتدفع للزوج نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 358)

________________________________________

وإن كان الصداق زائدا من وجه ناقصا من وجه بأن كانت جارية تعلمت صنعة ونسيت أخرى فهى بالخيار بين أن تأخذ نصفه وتسلم إلى الزوج نصفه، فيجبر الزوج على ذلك، لان النقص في يده مضمون عليه، وبين أن تفسخ الصداق لاجل النقص، فإذا فسخت رجعت عليه في قوله الجديد بنصف مهر المثل وفى قوله القديم بنصف بدل الصداق.

(فرع)

كل موضع قلنا يرجع إلى الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول، فمتى يملك الزوج ذلك النصف، فيه وجهان: قال أبو إسحاق لا يملكه إلا بالطلاق واختيار التملك، وهو قول أبى حنيفة رحمه الله لان الملك من غير اختيار لا يقع إلا بالارث، وهذا ليس بإرث.

 

(والثانى)

وبه قال زفر، وهو المنصوص أنه يملك بنفس الطلاق، وإن لم يختر التملك لقوله (وإن طلقتموهن) ولم يفرق بين أن يختار التملك أو لا يختار وما ذكره الاول أن الانسان لا يملك شيئا غير الميراث إلا باختيار التملك غير مسلم، فان الانسان لو أخذ صيدا لينظر إليه لا ليتملكه لملكه بالاخذ من غير اختيار التملك، وان زاد الصداق بعد الطلاق وقبل اختيار التملك، فان قلنا بقول أبى إسحاق كانت الزيادة للزوجة وحدها، وان قلنا بالمنصوص كانت الزيادة

بينهما، وان نقص في يدها بعد الطلاق وقبل الاختيار، فان قلنا بقول أبى إسحق لم يلزمها ضمان النقص.

وان قلنا بالمنصوص لزمها ضمان النقص.

إذا ثبت هذا فان الشافعي رضى الله عنه قال وهذا كله ما لم يقض القاضى بنصفه فتكون هي حينئذ ضامنة لما أصابه في يدها، فقال الصيمري هل يشترط قضاء القاضى في تملك الزوج نصف الصداق.

فيه وجهان ظاهر كلام الشافعي أن ذلك شرط.

والثانى وهو الاصح أن ذلك ليس بشرط، وسائر أصحابنا قالوا لا خلاف في أن قضاء القاضى ليس بشرط لان الرجوع بنصف الصداق ثبت له بنص الكتاب والاجماع، فلم يشترط قضاء القاضى فيه، فعلى هذا اختلف أصحابنا في تأويل كلام الشافعي، فمنهم من قال أراد إذا اختلفا في وقت ملك الزوج بأن قال الزوج ملكته من شهرين ثم نقص بعد ما ملكته فعليك ضمان النقص.

وقالت بل ملكته من شهر ونقص قبل أن أملكه فلا يلزمنى ضمان النقص فانهما

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 359)

________________________________________

يرافعان إلى القاضى، فإذا قضى له القاضى بملكه من وقت.

كانت ضامنة لما حدث بعد من النقص،.

وقال أبو إسحق وأكثر أصحابنا عطف الشافعي رحمه الله بهذا الكلام عليه إذا طلقها قبل الدخول وقبل النقص في يدها في جميع الوجوه فان الزوج بالخيار بين أن يرجع في نصفه ناقصا ولا أرش له وبين أن يرجع بقيمة نصفه، ومتى يملك نصفه، على قول أبى اسحق يملكه بالطلاق واختيار التملك، وعلى المنصوص يملكه بالطلاق ولا يفتقر إلى قضاء القاضى.

وانما عبر الشافعي رحمه الله عن وقت الملك بقضاء القاضى لانه أوضح ما يعلم به عود نصف الصداق فمتى علم وقت عوده إليه ثم نقص بعد ذلك وجب عليها ضمان النقص لانها قبضت الصداق بعقد المعاوضة، وقد انفسخت المعاوضة فكان عليها ضمان ما نقص في يدها، كما لو اشترى سلعة فوجد بها عيبا ففسخ البيع ثم نقصت في يده فانه يجب

عليه ضمان النقص.

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا طلقها قبل الدخول والصداق في يدها فمنعته إياه كان عليها ضمان ما يحدث فيه من النقص، فمن أصحابنا من قال بظاهر هذا وأنها إذا لم تمنعه لا يلزمها ضمان ما نقص، بل هو أمانة في يدها، لانه حصل في يدها من غير تفريط ومنهم من قال يجب عليها ضمان ما نقص في يدها، سواء منعته أو لم تمنعه وهو الاصح كما قلنا فيمن اشترى عينا فوجد بها عيبا ففسخ البيع ثم نقصت في يده فان عليه ضمان النقص بكل حال وتأولوا كلام الشافعي رضى الله عنه في الام على أنه أراد ضمان الغصب، لان ضمان الغصب يطرأ على ما هو مضمون بالقيمة كالعارية إذا منعها صاحبها.

وقال أبو العباس بل عطف الشافعي رحمه الله بهذا إذا زاد الصداق في يد الزوجة من جميع الوجوه، فقد قلنا ان الزيادة كلها لها، فقال الشافعي رحمه الله ما لم يقض القاضى بنصفه، يعنى ما لم يقض له قاضى مالكى بنصفه مع زيادته، لان مالكا رحمه الله يقول نصف الصداق باق على ملك الزوج إلى أن يدخل بها، فإذا قضى له مالكى بنصفه مع زيادته كان بينها، ولا ينقص حكمه لانه موضع اجتهاد.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 360)

________________________________________

قال الشيخ أبو حامد: وهذا تأويل حسن الا أن الشافعي رحمه الله قال بعده فتكون حينئذ ضامنة لما أصابه في يدها، ولا يمكن حمله على مذهب مالك رحمه الله لانه يقول: هو أمانة في يدها لا يلزمها ضمان النصف ولا زيادته.

(مسألة) إذا أصدقها نخلا لا ثمرة فيه فأثمرت في يدها ثم طلقها قبل الدخول ففيها ست مسائل: ١ إذا أراد الزوج أن يرجع في نصف النخل بنصف ثمرتها فامتنعت

الزوجة من ذلك فإنها لا تجبر على ذلك لان الثمرة ان كانت غير مؤبرة فهى زيادة متصلة بالنخل، وان كانت مؤبرة فهى كالزيادة المنفصلة، وقد تبينا أن الجميع لها.

٢ إذا بذلت نصف النخل مع نصف الثمرة فهل يجبر على قبوله؟ فيه وجهان أحدهما، لا يجبر على قبوله، لان هذه الزيادة ملك لها فلا يجبر على قبولها كما لو وهبت له شيئا فإنه لا يجبر على قبوله.

والثانى وهو المذهب أنه يجبر لانها زيادة متصلة بالصداق فأجبر الزوج على قبولها.

قال الشيخ أبو حامد: الوجهان انما هما في الثمرة المؤبرة، فأما غير المؤبرة فيجبر الزوج على قبولها وجها واحدا، وذكر المصنف أن الوجهين في غير المؤبرة، ولم يذكر المؤبرة، فإذا قلنا: يجبر على القبول فانه يجبر الا أن يطول النخل وتكون قحاما وهو الذى قل سعفه ودق أصله فلا يجبر الزوج على قبولها لما فيها من النقص بذلك.

٣ إذا قال لها الزوج: اقطعي الثمرة لارجع في نصف النخل بلا ثمرة فلا تجبر المرأة على ذلك، لان في قطع الثمرة قبل أوان قطعها اضرارا بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم.

ليس لعرق ظالم حق.

وهذه ليست بظالمة.

٤ أن تقول المرأة للزوج اصبر عن الرجوع حتى تدرك الثمرة فتجد ثم ترجع في نصف النخل فلا يجبر الزوج على ذلك، لان حقه متعجل، وقد تعجل بالقيمة فلا يجبر على التأخير، ولانه لا يأمن أن يتلف النخل فلا يمكنه الرجوع فيها، فان صبر باختياره إلى أن جدت الثمرة أو قطعت المرأة الثمرة قبل أوان جدادها لم يكن للزوج الا نصف النخل الا أن يحدث بها نقص فلا يجبر على نصفها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 361)

________________________________________

٥ أن يقول الزوج: أنا أصبر إلى أن تدرك الثمرة فتجد ثم أرجع في نصف

النخل، فإن المرأة لا تجبر على ذلك بعد أن رجع إليه نصفها فيكون في ضمانها فيلزمها الضرر بدخوله في ضمانها، ولان النخل تزيد فإذا رجع في نصفها بعد ذلك رجع في نصفها ونصف زيادتها المتصلة، ولان النخل تزيد فإذا رجع في نصفها بعد ذلك رجع في نصفها وفى نصف زيادتها المتصلة الحادثة في يدها، ولان حقه قد تعلق بالقيمة فلا ينتقل إلى النخل إلا برضا المرأة.

٦ إذا قال الزوج: أنا أرجع في نصف النخل في الحال مشاعا وأترك الثمرة لها إلى أن تجد ففيه وجهان.

قال أبو إسحاق: له ذلك وتجبر المرأة على ذلك لانه لا ضرر على المرأة بذلك، ومن أصحابنا من قال: لا تجبر المرأة على ذلك لان حقه قد صار بالقيمة فلا يجبر على تسليم نصف النخل.

(فرع)

إذا أصدقها أرضا فحرثتها ثم طلقها قبل الدخول، فإن بذلت له نصفها أجبر على قبولها، لان الحرث زيادة من نقصان، وان امتنعت من بذلها نصفها لم تجبر على ذلك وكان له نصف قيمتها لانها قد زادت في يدها وإن زرعت أو غرستها وطلقها قبل الدخول والزرع والغرس فيها، فإن بذلت له نصف الارض ونصف الزرع ونصف الغرس، وكانت قيمة الارض قبل الزرع والغرس كقيمتها بعد الزرع والغرس.

قال الشيخ أبو حامد: أجبر على قبول ذلك على المذهب كما قلنا في النخل والثمرة وفى الارض المحروثة.

وقال ابن الصباغ: لا يجبر لان الثمرة لا ينقص بها النخل، والزرع تنقص به الارض وتضعف، ولان الثمرة متولدة من النخل فهى تابعة لها والزرع والغرس ملك لها أودعته في الارض فلا يجبر على قبوله، وإن نقصت قيمة الارض بالزرع والغرس لم يجبر على قبول نصفها، فان طلقها وقد استحصد الزرع ولم يحصده بعد فقالت: أنا أحصده وأسلم نصف الارض فارغة أجبر على قبول ذلك

إلا أن يحدث بالارض نقص، وإن حصدت الزرع ثم طلقها أو طلقها ثم حصدت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 362)

________________________________________

الزرع كان له الرجوع في نصف الارض إلا أن تكون قد نقصت بالزرع فلا يجبر على قبولها لان المانع من الرجوع الزرع وقد زال.

(مسألة) إذا أصدقها خشبة فصنعتها أبوابا فزادت قيمتها بذلك ثم طلقها قبل الدخول لم تجبر المرأة على تسليم نصفها لزيادة قيمتها بذلك، وإن بذلت له نصفها بزيادته لم يجبر الزوج على قبوله لانها كانت تصلح وهى خشب لما لا تصلح له الآن، وإن أصدقها فضة أو ذهبا فصاغتها آنية فزادت قيمتها بذلك ثم طلقها قبل الدخول لم تجبر المرأة على تسليم نصفها لزيادته، فان بذلت النصف بزيادته أجبر على القبول لانه يصلح وهو مصوغ لجميع ما كان يصلح له قبل ذلك، هكذا ذكر الطبري في العدة، وعندي إذا قلنا: لا يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة أن المرأة تجبر على تسليم نصفها، وإن كانت قيمتها زائدة لان صنعتها لا قيمة لها.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وإن كان الصداق عينا فوهبته من الزوج ثم طلقها قبل الدخول ففيه قولان

(أحدهما)

لا يرجع عليها، وهو اختيار المزني، لان النصف تعجل له بالهبة

(والثانى)

يرجع وهو الصحيح، لانه عاد إليه بغير الطلاق فلم يسقط حقه من النصف بالطلاق، كما لو وهبته لاجنبي ثم وهبه الأجنبي منه، وان كان دينا فأبرأته منه ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: انه لا يرجع في الهبة لم يرجع في الابراء، وان قلنا يرجع في الهبة ففى الابراء وجهان.

 

(أحدهما)

يرجع كما يرجع في الهبة.

 

(والثانى)

لا يرجع لان الابراء اسقاط لا يفتقر إلى القبول، والهبة تمليك تفتقر إلى القبول، فان أصدقها عينا فوهبتها منه ثم ارتدت قبل الدخول فهل

يرجع بالجميع؟ فيه قولان، لان الرجوع بالجميع في الردة كالرجوع بالنصف في الطلاق، وان اشترى سلعة بثمن وسلم الثمن ووهب البائع الثمن منه ثم وجد بالسلعة عيبا ففى ردها والرجوع بالثمن وجهان، بناء على القولين، فان وجد به عيبا وحدث به عنده عيب آخر فهل يرجع بالارش؟ فيه وجهان بناء على القولين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 363)

________________________________________

وان اشترى سلعة ووهبها من البائع ثم أفلس المشترى، فللبائع أن يضرب مع الغرماء بالثمن قولا واحدا لان حقه في الثمن، ولم يرجع إليه الثمن.

(الشرح) الاحكام: قال الشافعي رضى الله عنه: ولو وهبت له صداقها قبل أو بعده ثم طلقها قبل أن يمسها ففيه قولان.

وجملة ذلك أنه إذا اصدقها عينا ثم وهبتها من الزوج وأقبضته إياها ثم طلقها قبل الدخول ففيه قولان.

أحدهما: لا يرجع عليها بشئ لانه قد تعجل له ما كان يستحقه بالطلاق قبل محله فلا يستحقه عند محله كما لو تعجل دينه المؤجل قبل محله ثم جاء وقت محله والثانى: يرجع عليها بنصف مثله إن كان له مثل أو بنصف قيمته إن لم يكن له مثل وهو الاصح، لانه عاد إليه بعقد، فلا يمنع ذلك رجوعه ببدل نصفه كما لو اشتراه منها أو وهبته لاجنبي ثم وهبه الأجنبي منه.

قال المحامل وابن الصباغ: وسواء قبضت الصداق أو لم تقبضه،، وان كان الصداق دينا فإن عينه الزوج في شئ وأقبضه اياها ثم وهبته منه فهى كالاولة، وان أبرأته منه ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: لا يرجع عليها إذا كان عينا فوهبتها منه فههنا أولى أن لا يرجع عليها، وان قلنا: يرجع عليها في العين فهل يرجع عليها في الدين؟ فيه قولان، ومنهم من يقول: هما وجهان.

 

(أحدهما)

يرجع عليها بنصفه لانها قد ملكت الصداق بالعقد فهو كالعين.

 

(والثانى)

لا يرجع عليها بشئء، وهو الصحيح، والفرق بينهما أن الصداق

إذا كان عينا فقد ضمنته بالقبض، وفى الدين لم تضمنه بالقبض فلم يرجع عليها بشئ، ألا ترى أن الصداق لو نقص في يده ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: يرجع عليها إذا وهبت جميع الصداق رجع عليها ههنا بالنصف أيضا، وان قلنا لا يرجع عليها في العين ففى الدين قولان، والفرق بينهما أن هناك عاد إليه بعقد جديد بخلاف هذا، وان قبضت نصف الصداق ثم وهبته النصف الباقي ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: يرجع عليها إذا وهبت جميع الصداق رجع عليها ههنا بالنصف أيضا، وان قلنا هناك: لا يرجع عليها بشئء فههنا قولان.

قال في الام: لا يرجع عليها بشئ لانه انما يرجع عليها، وقد تعجل له ذلك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 364)

________________________________________

النصف فلم يرجع عليها بشئ.

وقال في الاملاء: يرجع عليها لانها لو وهبته جميعه لم يرجع عليها بشئ فإذا وهبته نصفه كان ذلك في حقها وحقه، لان حقهما شائع في الجميع، فإذا قلنا بهذا ففى كيفية رجوعه ثلاثة أقوال.

(أحدها) يرجع عليها بالنصف الباقي لانه يستحق عليها النصف وقد وجده

(والثانى)

يرجع عليها بنصف النصف الباقي وقيمته نصف الموهوب، لان حقهما شائع في الجميع فصار الموهوب كالتالف.

(والثالث) أنه بالخيار بين أن يرجع بالنصف الباقي وبين أن يرجع بنصف النصف الباقي ونصف قيمة الموهوب لانه تبعض عليه حقه.

(فرع)

وإن وهبته إمرأته الصداق أو أبرأته منه ثم ارتدت قبل الدخول فحكم الرجوع عليها بجميع الصداق كالحكم في رجوعه عليها بالنصف عند الطلاق لانه يستحق عليها الرجوع بالجميع عند ردتها كما يستحق عليها الرجوع بالنصف عند الطلاق.

قال المصنف رحمه الله:

 

(فصل)

إذا طلقت المرأة قبل الدخول ووجب لها نصف المهر جاز للذى بيده عقدة النكاح أن يعفو عن النصف، لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وفيمن بيده عقدة النكاح قولان.

قال في القديم: هو الولى فيعفو عن النصف الذى لها، لان الله تعالى خاطب الازواج فقال سبحانه وتعالى (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) ولو كان هو الزوج لقال الا أن يعفون أو تعفوا لانه تقدم ذكر الازواج وخاطبهم بخطاب الحاضر، فلما عدل عن خطابهم دل على أن الذى بيده عقدة النكاح غير الزوج، فوجب أن يكون هو الولى، وقال في الجديد: هو الزوج فيعفو عن النصف الذى وجب له بالطلاق، فأما الولى فلا يملك العفو لانه حق لها فلا يملك الولى العفو عنه كسائر ديونها،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 365)

________________________________________

وأما الآية فتحتمل أن يكون المراد به الازواج، فخاطبهم بخطاب الحاضر، ثم خاطبهم بخطاب الغائب، كما قال الله عز وجل (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) فإذا قلنا ان الذى بيده عقدة النكاح هو الولى لم يصح العفو منه إلا بخمسة شروط (أحدها) أن يكون أبا أو جدا لانهما لا يتهمان فيما يريان من حظ الولد ومن سواهما منهم

(والثانى)

أن تكون المنكوحة بكرا، فأما الثيب فلا يجوز العفو عن مالها لانه لا يملك الولى تزويجها (والثالث) أن يكون العفو بعد الطلاق وأما قبله فلا يجوز لانه لا حظ لها في العفو قبل الطلاق، لان البضع معرض للتلف، فإذا عفا ربما دخل بها فتلفت منفعة بضعها من غير بدل (والرابع) أن يكون قبل الدخول، فأما بعد الدخول فقد أتلف بضعها فلم يجز إسقاط بدله (والخامس) أن تكون صغيرة أو مجنونة، فأما البالغة الرشيدة فلا يملك العفو

عن مهرها لانه لا ولاية عليها في المال.

(الشرح) اللغات.

قوله (وقد فرضتم لهن فريضة) جملة حالية من فاعل طلقتموهن أو من مفعوله، ونفس الفرض من المبنى للفاعل أو للمفعول وان لم يفارق حالة التطليق لكن اتصاف المطلق بالفارضية فيما سبق مما لا ريب في مقارنته لها، وكذا الحال في اتصاف المطلقة بكونها مفروضا فيما سبق.

قوله (إلا أن يعفون) استثناء مفرغ من أعم الاحوال، أي فلهن نصف المفروض معينا في كل حال إلا حال عفوهن، أي المطلقات المذكورات فإنه يسقط ذلك حينئذ بعد وجوبه، والصيغة تحتمل التذكير والتأنيث والفرق بالاعتبار، فإن الواو في التذكير ضمير والنون علامة الرفع، وفى التأنيث الواو لام الفعل والنون ضمير النسوة والفعل مبنى، ولذلك لم تؤثر فيه (أن) هنا مع أنها ناصبة لا مخففة بدليل عطف المنصوب عليه من قوله تعالى (أو يعفو الذى.

إلخ) أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولو خالعته على شئ مما عليه من المهر فما بقى فعليه نصفه.

وجملة ذلك أنه إذا خالعها على شئ مما عليه من المهر فما بقى فعليه نصفه.

وجملة ذلك أنه إذا خالعها على نصف مهر قبل الدخول نظرت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 366)

________________________________________

فان كان الصداق عينا فخالعها على نصفها فان قلنا ان الزوج يملك نصف الصداق بالطلاق لم يصح الخلع على نصف ما سماه في الخلع، لان الخلع بمنزلة الطلاق الذى يوقعه ابتداء فلم يصح خلعها على النصف الذى يملك الزوج، وهل يصح في نصف ما سماه في الخلع.

فيه قولان بقاء على القولين في تفريق الصفقة، وما فسد من المسمى في الخلع فهل يرجع الزوج عليها ببدله أو بمهر المثل، فيه قولان كما قلنا فيه إذا تلف الصداق قبل القبض.

وإن قلنا إن الزوج لا يملك النصف الا بالطلاق واختيار التملك صح الخلع على النصف المسمى في الخلع ورجع عليها بالنصف.

وهل يرجع عليها بجميع النصف الباقي في يدها أو بنصفه أو بنصف قيمته.

على الاقوال الثلاثة التى مضت قبلها، وإن كان الصداق ألفا في الذمة فخالعها على خمسمائة منه قبل الدخول.

قال ابن الصباغ فان قلنا انه يملك نصف الصداق بالطلاق فسدت التسميه في الخلع في نصف الخمسمائة، ولا ينصرف ذلك إلى نصيبها من الالف بعد الطلاق لان وقت التسميه هي مالكة لجميعه، فكان ما سميته من الجملة، وهل تفسد التسميه في نصف الباقي؟ على القولين.

وهل يرجع عليها ببدلها أو بمهر مثلها.

على القولين.

وان قلنا انه لا يملك النصف الا بالطلاق واختيار التملك صح الخلع على ما سمى فيه، ويسقط الباقي من ذمته باختيار التملك.

إذا ثبت هذا فقد قال الشافعي رضى الله عنه وما بقى فعليه نصفه، وظاهر هذا أن الخلع يصح بخمسمائة ويسقط عن ذمته من الخمسمائة الباقيه ما ئتان وخمسون واختلف أصحابنا في تأويل هذا، فقال أبو على بن خيران أراد الشافعي رحمه الله إذا تخالعا على خمسمائه من الالف وهما يعلمان أن الخلع لا يصح الا على مائتين وخمسين منها لان نصفها يسقط عنه بالطلاق قبل الدخول، فإذا علما بذلك فقد رضيا أن يكون عوض الخلع مائتين وخمسين لا غير، فإذا بقى على الزوج خمسمائه سقط عنه نصفها بالطلاق قبل الدخول.

ومن أصحابنا من قال من قال أراد الشافعي رحمه الله إذا قالت اخلعني بما يخصنى من خمسمائه فصرحا بذلك.

وقال أبو إسحاق تأويلها أن العقد وقع على جميع الخمسمائه لانها كانت ملكا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 367)

________________________________________

للزوجة، وأما ما يعود نصفها إلى الزوج بعد الطلاق فإذا تم الخلع رجع

إلى الزوج نصفها فيكون هذا النصف كالتالف قبل القبض فيرجع الزوج إلى بدل هذا النصف في القول القديم وبدل الدراهم دراهم فيستحق عليها في ذمتها بدل المائتين والخمسين التى كانت تستحقها بالطلاق، وبقى عليه خمسمائة فيسقط عنه نصفها بالطلاق، ويبقى لها عليه مائتان وخمسون فيتقاصان، فيكون معنى قوله فما بقى عليه نصفه، يعنى الخمسمائة التى لم يقع بها الخلع فذكر ما بقى لها عليه، ولم يذكر ماله عليها، ولا ذكر المقاصة أيضا.

قال الشيخ أبو حامد: وهذه طريقة صالحة.

وقال القاضى أبو الطيب: إن الذى قاله الشافعي رحمه الله إنما قاله على أن الزوج لا يملك بالطلاق، وإنما يملك بالطلاق والاختيار فقد صح الخلع بالخمسمائة، ويرجع عليها بنصف الباقي وبقيمة ما خالعها به.

وإنما لم يذكر قيمة ما خالعها به.

وقال الشيخ أبو حامد: لا يمكن حمل كلام الشافعي رحمه الله على هذا، لانه قال: فما بقى فعليه نصفه، ولو أراد أنه لا يملك الا بالاختيار لقال: فعليه كل ما بقى إلا أن يختار تملك نصفه قال أصحابنا: وإن أرادت الخلاص خالعته على خمسمائة في ذمتها ويسقط عنه خمسمائة من الالف ويبقى عليه لها خمسمائة فيتقاصان وتقول: اخلعني على ما يسلم لى من الالف أو على أن لا يبقى بيننا علقة ولا تبعة.

(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: قال الله تعالى (إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة) الآية.

وجملة ذلك أنه إذا طلق امرأته قبل الدخول جاز لها أن تعفو عن نصف المهر الذى وجب لها لقوله تعالى (إلا أن يعفون) ولا خلاف أن المراد به النساء وجاز للزوج أن يعفو عن النصف الذى له الرجوع فيه لقوله تعالى (وان تعفو أقرب للتقوى) ولا خلاف أن المراد به الازواج وفى الذى بيده عقدة النكاح قولان.

قال في القديم: المراد به ولى المرأة وبه قال ابن عباس والحسن البصري والزهرى وطاوس وربيعة ومالك وأحمد، فيكون تقدير الايه

على هذا (إلا أن يعفون) يعنى الزوجات عن النصف الذى وجب لهن فيكون جميع الصداق للزوج أو يعفو الولى عن نصيب الزوجه، فيكون الجميع للزوج.

وان تعفوا أقرب للتقوى، يعنى الازواج، فيكون الجميع للزوجه، لان الله تعالى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 368)

________________________________________

قال (أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وهذا ورد فيما بعد الطلاق، والذى بيده عقدة النكاح عليها هو الولى دون الزوج، ولان الكناية ترجع إلى أقرب مذكور قبله، وأقرب مذكور قبل هذا هو نصف المرأة، ولان الله تعالى ذكر العفو في الآية في ثلاثة مواضع، فإذا حمل هذا على الولى حصل لكل عفو فائدة، وإذا حمل على غير جعل أحدهما مكررا.

وقال في الجديد الذى بيده عقدة النكاح هو الزَّوْجِ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجُبَيْرُ بن مطعم وابن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وشريح وأهل الكوفة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، فيكون تقدير الايه (الا أن يعفون) يعنى الزوجات أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح، يعنى الزوج وأن يعفوا أقرب للتقوى، يعنى أن عفو الازواج أفضل من عفو الزوجات، لقوله تعالى (أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وقال العلامه صديق خان في كتابه نيل المرام (ومعنى: أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) قيل هو الزوج.

ثم ذكر جماعة من القائلين به إلى أن قال (وفى هذا القول قوة وضعف.

اما قوته فلكون الذى بيده عقدة النكاح حقيقة هو الزوج لانه الذى إليه رفعه بالطلاق.

وأما ضعفه فلكون العفو منه غير معقول، وما قالوا به من أن المراد بعفوه أن يعطيها المهر كاملا غير ظاهر، لان العفو لا يطلق على الزيادة.

وقيل المراد بقوله (أو يعفو الخ) هو الولى، إلى أن قال وفيه أيضا قوة وضعف، أما قوته فلكون معنى العفو فيه معقولا.

وأما ضعفه فلكون عقدة النكاح بيد

الزوج لا بيده.

ومما يزيد هذا القول ضعفا أنه ليس للولى أن يعفو عن الزوج مما لا يملكه وقد حكى القرطبى الاجماع على أن الولى لا يملك شيئا من مالها، والمهر مالها، فالراجح ما قاله الاولون لوجهين.

الاول أن الزوج هو الذى بيده عقدة النكاح حقيقة، الثاني أن عفوه بإكمال المهر هو صادر عن مالك مطلق التصرف بخلاف الولى، وتسميته الزيادة عفوا وإن كان خلاف الظاهر، لكن لما كان الغالب أنهم يسوقون المهر كاملا عند العقد، كان العفو معقولا، لانه تركه لها ولم يسترجع النصف منه، ولا يحتاج لهذا أن يقال انه من باب المشاكلة كما في الكشاف

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 369)

________________________________________

لانه عفو حقيقي، أي ترك ما تستحق المطالبة به، إلا أن يقال إنه مشاكلة أو تغليب في توفيته المهر قبل أن يسوقه الزوج، فإذا قلنا إن الذى بيده عقدة النكاح هو الولى لم يصح إلا بالشروط الخمسة التى ساقها المصنف.

(فرع)

فإذا كان الصداق دينا في ذمة الزوج وطلقها قبل الدخول، وأرادت المرأة العفو عن النصف الذى لها صح عفوها بأحد ستة ألفاظ بأن تقول أبرأتك عن كذا أو وهبته لك أو ملكتك أو تركت لك أو أسقطت عنك أو عفوت عن مالى في ذمتك، وهل يفتقر إلى قبول الزوج؟ فيه وجهان مضى ذكرهما.

المنصوص أنه لا يفتقر، فإن أراد الزوج أن يعفو عن النصف الذى رجع إليه بالطلاق، فإن قلنا انه لا يملك ذلك إلا بالطلاق واختيار التملك ولم يختر بعد، فله أن يسقط حقه، وان قلنا انه يملك النصف بالطلاق لم يصح عفوها عنه لانه قد هلك على ملكها، وفى يدها.

وإن أراد الزوج أن يعفو عنها، فان قلنا انه لا يملك النصف الا بالطلاق والاختيار صح عفوه قبل الاختيار بكل لفظ يتضمن إسقاط حقه كالعفو والاسقاط والترك كما قلنا فيمن له شفعة فأسقطها.

ولا يفتقر إلى قبولها وجها واحدا.

وان قلنا بالمنصوص وأنه يملك نصفه بالطلاق صح عفوه عنها بأحد الالفاظ الستة: الهبة والعفو والابراء والتمليك والاسقاط والترك، وهل يفتقر إلى قبولها على الوجهين.

وان كان الصداق عينا في يد الزوج وأرادت أن تعفو عن النصف الذى لها صح بلفظ الهبة أو التمليك ولا بد من قبول الزوج، ولا بد من مضى مدة القبض وهل يفتقر إلى اذنها بالقبض، فيه طريقان مضيا في الرهن، ولا يصح عفوها بلفظ الابراء والاسقاط لان ذلك انما صح عما في الذمم، وهل يصح بلفظ العفو فيه وجهان حكاهما في التعليق، الصحيح لا يصح، وان أراد الزوج ان يعفو عن النصف الذى له، فان قلنا بقول أبى اسحاق انه لا يملك الا بالطلاق والاختيار.

ولم يختر بعد صح عفوه بكل لفظ يتضمن اسقاط الخيار، وان قلنا بالمذهب أنه يملك بنفس الطلاق احتاج إلى ثلاث شرائط: الهبة من الايجاب والقبول، والاذن بالقبض، والقبض

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 370)

________________________________________

وإن كان الصداق عينا في يد الزوجة فأرادت أن تعفو عن نصفها افنقر إلى شروط الهبة، وإن أراد الزوج أن يعفو عنها، فإن قلنا: إنه يملك بنفس الطلاق فهو يهبها شيئا في يدها فلا بد فيه من الايجاب والقبول، ومضى مدة القبض.

(فرع)

إذا تزوج إمرأة بمهر حرام أو مجهول وجب لها مهر مثلها، فإن أبرأته عنه وكانت تعلم قدره صحت البراءة.

وإن كانت لا تعلم قدره وأبرأته عنه لم تصح البراءة.

وقال أبو حنيفة تصح، دليلنا أنه إزالة ملك بلفظ لا يسرى فلم يصح مع الجهل به كالبيع، وفيه احتراز من العتق، وإذا ثبت أن الابراء في الكل لا يصح فهل يصح في قدر ما يتحققه؟

قال الشيخ أبو حامد: المعروف أنه لا يصح، وقال أبو إسحاق: يصح، لانا إنما منعنا صحة البراءة في كله لاجل الغرر، وهذا لا يوجد فيما يتحقق أنه لها، وان كانت تعلم أن المهر يزيد على مائة ولا يبلغ ألفا فقالت: أبرأتك من مائة إلى ألف صح، لان الغرر قد زال والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وان فوضت بضعها بأن تزوجت وسكت عن المهر أو تزوجت على أن لا مهر لها ففيه قولان

(أحدهما)

لا يجب لها المهر بالعقد وهو الصحيح لانه لو وجب لها المهر بالعقد لتنصف بالطلاق

(والثانى)

يجب لانه لو لم يجب لما استقر بالدخول ولها أن تطالب بالفرض لان اخلاء العقد عن المهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان قلنا يجب بالعقد فرض لها مهر المثل لان البضع كالمستهلك فضمن بقيمته كالسلعة المستهلكة في يد المشترى ببيع فاسد، وان قلنا لا يجب لها المهر بالعقد فرض لها ما يتفقان عليه لانه ابتداء ايجاب فكان اليهما كالفرض في العقد ومتى فرض لها مهر المثل أو ما يتفقان عليه صار ذلك كالمسمى في الاستقرار بالدخول والموت والتنصف بالطلاق لانه مهر مفروض فصار كالمفروض في العقد، وان لم يفرض لها حتى طلقها لم يجب لها شئ من المهر لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فدل على أنه إذا لم يفرض لم يجب النصف وان لم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 371)

________________________________________

يفرض لها حتى وطئها استقر لها مهر المثل، لان الوطئ في النكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان ماتا أو أحدهما قبل الفرض ففيه قولان.

أحدهما: لا يجب لها المهر لانها مفوضة فارقت زوجها قبل الفرض والمسيس فلم يجب لها المهر كما لو طلقت.

 

(والثانى)

يجب لها المهر لما روى علقمة قال أتى عبد الله في رجل تزوج إمرأة فمات عنها ولم يكن فرض لها شيئا ولم يدخل بها فقال أقول فيها برأيى لها صداق نسائها وعليها العدة ولها الميراث فقال معقل بن سنان الاشجعى قَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تزويج بنت واشق بمثل ما قضيت ففرح بذلك ولان الموت معنى يستقر به المسمى فاستقر به مهر المفوضة كالوطئ، وان تزوجت على أن لا مهر لها في الحال ولا في الثاني ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أن النكاح باطل لان النكاح من غير مهر لم يكن إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصير كما لو نكح نكاحا ليس له.

 

(والثانى)

يصح لانه يلغى قولها لا مهر لى في الثاني لانه شرط باطل في الصداق فسقط وبقى العقد فعلى هذا يكون حكمه حكم القسم قبله.

(الشرح) اللغات: قال في البيان: التفويض في اللغة أن يكل الرجل أمره إلى غيره.

وقال ابن بطال: المفوضة المرأة تنكح بغير صداق من قولهم فوضت الامر إلى فلان أي رددته، إلى أن قال: والتفويض أن تفوض المرأة أمرها إلى الزوج فلا تقدر معه مهرا، وقيل: التفويض الاهمال.

كأنها أهملت أمر المهر فلم قسمه ويقال المرأة مفوضة بالكسر لتفويضها لانها أذنت وبالفتح لان وليها فوضها بعقده.

وأما التفويض في الشرع فهو تفويض البضع في النكاح، يقال: امرأة مفوضة بكسر الواو إذا أضفت التفويض إليها، ومفوضه بفتح الواو إذا أسند التفويض إلى غيرها، والتفويض على ضربين، تفويض مهر وتفويض بضع، فأما تفويض المهر فمثل أن يقول تزوجتك على أي مهر شئت أو شئت أو شئنا فالنكاح صحيح، ويجب لها مهر مثلها في العقد، وأما تفويض البضع فبأن يقول

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 372)

________________________________________

زوجتكها وتسكت عن المهر أو زوجتكها بلا مهر في الحال وكان ذلك بإذن المرأة لوليها وهى من أهل الاذن، فإن النكاح ينعقد، وأما المهر فقد قال الشيخ أبو حامد لا يجب لها مهر في العقد قولا واحدا، ولكنها قد ملكت بالعقد أن تملك مهرا لان لها المطالبة بفرضه، فهى كالشفيع ملك أن يملك الشقص أو أي مهر ملكت تملكه فيه قولان.

 

(أحدهما)

مهر المثل والمفروض بدل عنه.

 

(والثانى)

ما يتفقان عليه.

وقال أبو حنيفة يجب لها مهر المثل بالعقد، وحكى الشيخ أبو إسحاق أنه أحد قولينا لانه لو لم يجب بالعقد لما استحقت المطالبة به، ولما استقر بالدخول، ودليلنا على أنه لا يجب بالعقد أنه لو وجب لها المهر بالعقد ليتصف بالطلاق كالمسمى في العقد، فإذا قلنا: إنها ملكت أن تملك مهر المثل ويكون المفروض بدلا منه فلانه إذا عقد عليها النكاح فقد استهلك بضعها فوجب أن يكون لها بدله، وبدله هو مهر المثل، وإذا قلنا ملكت أن تملك مهرا ما، وانما يتقدر ذلك بالفرض.

قال أبو إسحاق وهو أقواهما ولان المهر الذى تملكه المرأة بعقد النكاح مهران مهر تملكه بالتسمية، ومهر تملكه بالفرض، ثم ثبت أن المهر الذى تملكه بالتسمية لا يقدر الا بالتسمية، فكذلك المهر الذى تملكه بالفرض لا يتقدر الا بالفرض، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى أنهما إذا فرضا لها أكثر من مهر المثل لزم لها الجميع، ولو كانت الزيادة على مهر المثل هبة لم يلزم بالفرض، وانما يلزم بالقبض.

(فرع)

وللمفوضة أن تطالب بفرض المهر لان اخلاء العقد عن المهر خاص للنبى صلى الله عليه وسلم، فإن ترافعا إلى الحاكم فرض لها مهر مثلها لان زيادته على ذلك ميل على الزوج، ونقصانه عنه ميلا عليها ولا يصح فرضه الا بعد

معرفته بقدر مهر مثلها لانه لا يملك الفرض الا بذلك، وان تراضى الزوجان ففرضاه بينهما فإن كانا عالمين بقدر مهر مثلها صح فرضهما، فإن فرضا مهر مثلها صح، وان فرضا أكثر منه صح ولزم، وقد سمح الزوج، وان فرضا أقل منه صح ولم يلزم الزوج أكثر منه لانها سمحت، وان كانا جاهلين بقدر مهر مثلها

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 373)

________________________________________

أو أحدهما فإن قلنا: إنها ملكت بالعقد أن تملك مهر المثل لم تصح فرضهما، لان المفروض بدل عن مهر المثل، فلا بد أن يكون المبدل معلوما عندهما، وإن قلنا: ملكت بالعقد أن تملك مهرا ما صح فرضهما، وإذا فرض لها الحاكم لم يفرض لها إلا من نقد البلد، لانه بدل بضعها التالف فهو كما لو أتلف عليها عينا من مالها، وان فرضه الزوجان بينهما جاز أن يفرضا نقدا أو عرضا مما يجوز تسميته في العقد، ولا يلزم إلا ما اتفقا عليه من ذلك، وإذا فرض لها مهر صحيح كان ذلك كالمسمى في العقد يستقر بالدخول أو بالموت وينتصف بالطلاق قبل الدخول.

وقال أبو حنيفة: إذا طلقها قبل الدخول سقط المفروض ووجب لها المتعة، دليلنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم) الآية.

ولانه مهر واجب قبل الطلاق فينصف بالطلاق كالمسمى لها في العقد.

(فرع)

ويستحب أن لا يدخل بها حتى يفرض لها لئلا يشتبه بالموهوبة، فإن لم يفرض لها حتى وطئها استقر عليه مهر المثل، لان الوطئ في النكاح من غير مهر خالص للنبى صلى الله عليه وسلم، فإن طلقها قبل القبض والمسيس لم يجب لها المهر لقوله تعالى (نصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الآية، وهذا لم يفرض شيئا، وإن مات أحدهما قبل القبض والمسيس توارثا ووجب عليها عدة الوفاة إن مات الزوج قبلها بلا خلاف، لان الزوجية ثابتة بينهما إلى الموت، وهل لها مهر المثل؟ فيه قولان.

أحدهما: يجب لها مهر مثلها، وبه قال ابن مسعود رضى الله عنه وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق إلا أن أبا حنيفة يقول: يجب لها مهر مثلها بالعقد، ووجه هذا القول ما روى عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج إمرأة ولم يسم لها مهرا فمات عنها قبل الدخول فقال عبد الله: أقول فيها برأيى، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، لها الميراث وعليها العدة ولها مهر مثلها، لا وكس ولا شطط، فقام إليه معقل بن سنان الاشجعى وقال: أشهد لقضيت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 374)

________________________________________

مثل ما قَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بروع بنت واشق، ففرح عبد الله بذلك، ولان الموت سبب يستقر به المسمى فاستقر به مهر المفوضة كالدخول.

والثانى: لا يجب لها مهر، وبه قال على وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضى الله عنهم وأهل المدينة والزهرى وربيعة ومالك والاوزاعي من أهل الشام ولانها فرقة وردت على المفوضة قبل الفرض والمسيس فلم يجب لها مهر كالطلاق فأما خبر ابن مسعود رضى الله عنه فهو مضطرب، وروى أنه قام إليه ناس من أشجع، وروى أنه قام إليه رجل من أشجع، وروى أنه قام إليه معقل بن سنان وروى أنه قام إليه معقل بن يسار، وروى أنه قام إليه أبو سنان، ويجوز أن تكون بروع مفوضة المهر لا مفوضة البضع.

(فرع)

وإن زوج الولى وليته بإذنها وهى من أهل الاذن على أن لا مهر لها في الحال ولا فيما بعد، فهل يصح النكاح؟ فيه وجهان.

أحدهما: لا يصح النكاح لانها في معنى الموهوبة، وذلك لا يصح إلا للنبى صلى الله عليه وسلم والثانى: يصح النكاح ويبطل الشرط، لان النكاح لا يخلو من مهر، فإذا

شرط أن لا مهر لها بحال ألغى الشرط لبطلانه، ولا يبطل النكاح لانه لا يبطل لبطلان المهر، فعلى هذا تكون مفوضة البضع، وقد مضى حكمها، فإن زوج الاب أو الجد الصغيرة أو الكبيرة المجنونة أو البكر البالغة العاقلة وفوض بضعها أو أذنت المرأة لوليها في تزويجها ففوض بضعها بغير إذنها لم تكن مفوضة، بل يجب لها مهر مثلها، لان التفويض إنما يتصور باذنها إذا كانت من أهل الاذن، هذا هو المشهور من المذهب.

وقال أبو على بن أبى هريرة: إذا قلنا: ان الذى بيده عقدة النكاح هو الاب والحد صح تفويضه لبضع الصغيرة والمجنونة، كما يصح عفوه، والاول أصح، لانه انما يصح على أحد القولين بعد الطلاق فأما مع بقاء النكاح فلا يصح.

(فرع)

قال ابن الصباغ: إذا وطئ الزوج المفوضة بعد سنين وقد تغيرت صفتها فانه يجب لها مهر المثل معتبرا بحال العقد، لان سبب وجوب ذلك انما هو بالعقد واعتبر به.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 375)

________________________________________

وقال القاضى أبو الطيب: يعتبر مهرها أكثر ماكان من حين العقد إلى حين الوطئ، لان لها أن تطالبه بفرض المهر في كل وقت من ذلك، وان نكح امرأة نكاحا فاسدا ووطئها اعتبر مهرها حال وطئها، وان أبرأته من مهرها قبل الفرض لم تصح البراءة، لان المهر لم يجب والبراءة من الدين قبل وجوبه لا تصح، وان أسقطت حقها من المطالبة بالمهر قال ابن الصباغ: لم يصح اسقاطه عندي لان اثبات المهر ابتداء حق لها يتعلق به حق الله تعالى، لان الشرع منعها من هبة بضعها، وانما خص به النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لا يصح أن يطأها بغير عوض، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

 

(فصل)

ويعتبر مهر المثل بمهر نساء العصبات لحديث علقمة عن عبد الله وتعتبر بالاقرب فالاقرب منهن وأقربهن الاخوات وبنات الاخوة والعمات وبنات الاعمام) فان لم يكن لها نساء عصبات اعتبر بأقرب النساء إليها من الامهات والخالات لانهن أقرب إليها، فان لم يكن لها أقارب اعتبر بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبها بها ويعتبر بمهر من هي على صفتها في الحسن والعقل والعفة واليسار، لانه قيمة متلف فاعتبر فيها الصفات التى يختلف بها العوض والمهر يختلف بهذه الصفات ويجب من نقد البلد كقيم المتلفات.

(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ومتى قلت لها مهر نسائها فانما أعنى نساء عصبتها وليس أمها من نسائها.

وجملة ذلك أن أصحابنا قالوا يجب لها مهر مثلها في سبعة مواضع (١) مفوضة المهر (٢) مفوضة البضع إذا دخل بها الزوج قبل الفرض أو مات عنها في أحد القولين.

(٣) إذا فوض الولى بضعها بغير اذنها (٤) إذا نكحت المرأة بمهر فاسد أو مجهول (٥) إذا نكحها نكاحا فاسدا ووطئها (٦) إذا وطئ امرأة بشبهة (٧) إذا أكره المرأة على الزنا، وكل موضع وجب للمرأة مهر

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 376)

________________________________________

مثلها تعتبر بنساء عصبتها كالاخوات وبنات الاخوات والعمات وبنات الاعمام، ولا يعتبر بنساء ذوى أرحامها كأمهاتها وخالاتها، ولا بنساء بلدها.

وقال ابن أبى ليلى وأبو حنيفة: يعتبر بنساء عصباتها وبنساء ذوى أرحامها.

دليلنا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في بروع بنت واشق أن لها مهر نساء قومها وهذا يقتضى قومها الذين تنسب إليهم، ولانه إذا لم يكن بد من اعتبارها بغيرها من النساء فاعتبارها بنساء عصباتها أولى لانها تساويهن في النسب، ويعتبر

بمن هي في مثل حالها في الجمال والعقل والادب والسن والبكارة والثيوبة والدين وصراحة النسب.

وإنما اعتبر الجمال لان له تأثيرا في الاستمتاع وهو المقصود بالنكاح، والعقل والادب يعتبران، لان مهر العاقلة الاديبة أكثر من مهر من لا عقل لها ولا أدب.

وكذلك مهر الشابة والبكر أكثر من مهر العجوز والثيب ومهر العفيفة أكثر من مهر الفاسقة.

قال الشافعي وصراحتها، فمن أصحابنا من قال: أراد الفصاحة في اللسان.

وقال أكثرهم أراد صراحة النسب، لان العرب أكمل من العجم فإن كانت بين عربيين لم يعتبر بمن هي بين عربي وعجمية، لان الولد بين عربي وعجمية هجين، والولد بين عربية وعجمي مقرف ومدرع، قال الشاعر في المقرف: وما هند إلا مهرة عربية

* سليلة أفراس تجللها بغل فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى

* وإن يك أقرافا فما أنجب الفحل وقال في المدرع: إن المدرع لا تغنى خؤولته

* كالبغل يعجز عن شوط المحاضير ويعتبر بالاقرب فالاقرب، فإن لم يكن في أخواتها مثلها صعد إلى بنات أخيها ثم إلى عماتها ثم إلى بنات عمها، فإن لم يكن نساء عصباتها في بلدها متفرقة، ومهور ذلك البلد تختلف اعتبرت بنساء عصباتها من أهل بلدها لانها أقرب اليهن فإن لم يكن لها عصبات أو كان لها نساء عصبة ولم يوجد فيهن مثلها اعتبرت بأقرب النساء إليها من ذوى أرحامها كأمهاتها، وخالاتها، فان لم يكن لها من يشبهها منهن اعتبرت بنساء بلدها، ثم بنساء أقرب بلد إلى بلدها.

(فرع)

فان كان من عادتهم إذا زوجوا من عشيرتهم خففوا المهر، وإذا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 377)

________________________________________

زوجوا من الاجانب نقلوا المهر حمل الامر على ذلك فإن كان زوجها من

عشيرتها خفف المهر.

وإن كان الاجانب نقل، لان المهر يختلف بذلك.

قال ابن الصباغ: وينبغى على هذا إذا كان الزوج شريفا والعادة أن يخفف مهر الشريف لشرف الزوج أن يعتبر ذلك.

(فرع)

ويجب مهر المثل حالا من نقد البلد.

وقال الصيمري: إن جرت عادتهم في ناحية بالثياب وغير ذلك قضى لها بذلك، والمنصوص هو الاول لانه بذل متلف فأشبه سائر المتلفات.

قال أبو على الطبري: وإن كان عادة نساء عصباتها التأجيل في المهر فإنه لا يجب لها المهر المؤجل بل يجب حالا: وينقص منه لاجل التأجيل، لان القيم لا تكون مؤجلة.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإذا أعسر الرجل بالمهر ففيه طريقان، من أصحابنا من قال: إن كان قبل الدخول ثبت لها الخيار في فسخ النكاح، لانه معاوضة يلحقه الفسخ، فجاز فسخه بالافلاس بالعوض كالبيع، وان كان بعد الدخول لم يجز الفسخ لان البضع صار كالمستهلك بالوطئ، فلم تفسخ بالافلاس كالبيع بعد هلاك السلعة.

ومن أصحابنا من قال: إن كان قبل الدخول ثبت الفسخ، وإن كان بعد الدخول ففيه قولان

(أحدهما)

لا يثبت لها الفسخ لما ذكرناه

(والثانى)

يثبت لها الفسخ وهو الصحيح، لان البضع لا يتلف بوطئ واحد فجاز الفسخ والرجوع إليه، ولا يجوز الفسخ الا بالحاكم، لانه مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم، كفسخ النكاح بالعيب.

 

(فصل)

إذا زوج الرجل إبنه الصغير وهو معسر ففيه قولان، قال في القديم يجب المهر على الاب لانه لما زوجه مع العلم بوجوب المهر والاعسار كان ذلك رضا بالتزامه.

وقال في الجديد يجب على الابن وهو الصحيح، لان

البضع له فكان المهر عليه.

 

(فصل)

وان تزوج العبد بإذن المولى فإن كان مكتسبا وجب المهر والنفقة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 378)

________________________________________

في كسبه لانه لا يمكن إيجاب ذلك على المولى لانه لم يضمن، ولا في رقبة العبد لانه وجب برضا من له الحق، ولا يمكن إيجابه في ذمته لانه في مقابلة الاستمتاع فلا يجوز تأخيره عنه، فلم يبق إلا الكسب فتعلق به ولا يتعلق إلا بالكسب الحادث بعد العقد، فان كان المهر مؤجلا تعلق بالكسب الحادث بعد حلوله، لان ما كسبه قبله للمولى، ويلزم المولى تمكينه من الكسب بالنهار ومن الاستمتاع بالليل، لان إذنه في النكاح يقتضى ذلك، فإن لم يكن مكتسبا وكان مأذونا له في التجارة فقد قال في الام: يتعق بما في يده، فمن أصحابنا من حمله على ظاهره، لانه دين لزمه بعقد أذن فيه المولى فقضى مما في يده كدين التجارة.

ومن أصحابنا من قال: يتعلق بما يحصل من فضل المال، لان ما في يده للمولى فلا يتعلق به كما لا يتعلق بما في يده من الكسب، وإنما يتعلق بما يحدث وحمل كلام الشافعي رحمه الله على ذلك، وإن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا له في التجارة ففيه قولان.

 

(أحدهما)

يتعلق المهر والنفقة بذمته يتبع به إذا أعتق، لانه دين لزمه برضا من له الحق فتعلق بذمته كدين القرض، فعلى هذا للمرأة أن تفسخ إذا أرادت

(والثانى)

يجب في ذمة السيد لانه لما أذن له في النكاح مع العلم بالحال صار ضامنا للمهر والنفقة، وإن تزوج بغير إذن المولى ووطئ فقد قال في الجديد يجب في ذمته يتبع به إذا أعتق، لانه حق وجب برضا من له الحق فتعلق بذمته كدين القرض.

وقال في القديم: يتعلق برقبته لان الوطئ كالجناية، وان أذن له في النكاح فنكح نكاحا فاسدا ووطئ ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أن الاذن يتضمن الصحيح والفاسد، لان الفاسد كالصحيح في المهر والعدة والنسب، فعلى هذا حكمه حكم الصحيح وقد بيناه

(والثانى)

وهو الصحيح أنه لا يتضمن الفاسد لان الاذن يقتضى عقدا يملك به، فعلى هذا حكمه حكم ما لو تزوج بغير إذنه وقد بيناه (الشرح) إذا أعسر الرجل بالصداق فهل يثبت لها الخيار في فسخ النكاح؟ فيه ثلاثة طرق حكاها ابن الصباغ، من أصحابنا من قال: إن كان بعد الدخول لم يثبت لها الخيار قولا واحدا، وان كان قبل الدخول ففيه قولان، أحدهما يثبت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 379)

________________________________________

لها الخيار لانه تعذر عليها تسليم العوض والمعوض باق بحاله فكان لها الرجوع إلى المعوض كما لو أفلس المشترى بالثمن والمبيع باق بحاله.

والثانى: لا يثبت لها الخيار، لان تأخير المهر ليس فيه ضرر متحقق فهو بمنزلة نفقة الخادم إذا أعسر بها الزوج.

ومنهم من قال: ان كان قبل الدخول ثبت لها الخيار قولا واحدا.

وان كان بعد الدخول ففيه قولان

(أحدهما)

لا يثبت لها الخيار قولا واحدا.

وإن كان بعد الدخول ففيه قولان

(أحدهما)

لا يثبت لها الخيار لان المعقود عليه قد تلف فهو كما لو أتلف المبيع في يد المشترى ثم أفلس

(والثانى)

لا يثبت لها الخيار وهو اختيار الشيخ أبى إسحاق، لان المرأة يجب عليها التمكين من الوطئ وجميعه في مقابلة الصداق، وإنما سلمت بعضه فكان لها الفسخ في الباقي فهو كما لو وجد البائع بعض المبيع في يد المفلس.

ومنهم من قال: ان كان قبل الدخول ثبت لها الخيار قولا واحدا، وان كان بعده لم يثبت لها الخيار قولا واحدا.

لان قبل الدخول لم يتلف البضع، وبعد الدخول قد تلف البضع، لان المسمى يستقر بالوطئ الاول كما يستقر الثمن بتسليم جميع المبيع، وباقى الوطئات تبع للاولة، فإذا تزوجت امرأة رجلا مع العلم بإعساره بالمهر، وقلنا لها الخيار إذا لم تعلم به

فهل يثبت لها الخيار ههنا؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ.

 

(أحدهما)

لا يثبت لها الخيار لانها رضيت بتأخيره بخلاف النفقة فان النفقة لا تجب العقد ولانه قد يتمكن المعسر من النفقة بالكسب والاجتهاد بخلاف الصداق

(والثانى)

يثبت لها الخيار لانه يجوز أن يقدر عليه بعد العقد، فلا يكون باعساره رضا بتأخير الصداق كالنفقة، وإذا أعسر بالصداق فرضيت بالمقام معه لم يكن لها الخيار بعد ذلك، لان حق الصداق لم ينجدد بخلاف النفقة.

هذا ترتيب البغداديين.

وقال المسعودي إذا رضيت باعساره بالمهر ثم رجعت، فان كان قبل الدخول، كان لها الامتناع، وان كان بعد الدخول لم يكن لها الامتناع، وان رضيت بالمقام معه بعدما أعسر بالصداق سقط حقها من الفسخ ولا يلزمها أن تسلم نفسها بل لها أن تمتنع حتى يسلم صداقها، لان رضاها انما يؤثر في إسقاط الفسخ دون الامتناع، ولا يصح الفسخ للاعسار بالصداق إلا باذن الحاكم لانه مجتهد فيه كفسخ النكاح بالعيب.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 380)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

‌باب اختلاف الزوجين في الصداق

 

إذا اختلف الزوجان في قدر المهر أو في أجله تحالفا، لانه عقد معاوضة فجاز أن يثبت التخالف في قدر عوضه وأجله كالبيع، وإذا تحالفا لم ينفسخ النكاح، لان التحالف يوجب الجهل بالعوض، والنكاح لا يبطل بجهالة العوض، ويجب مهر المثل، لان المسمى سقط وتعذر الرجوع إلى المعوض فوجب بدله، كما لو تحالفا في الثمن بعد هلاك المبيع في يد المشترى.

وقال أبو على بن خيران: إن زاد مهر المثل على ما تدعيه المرأة لم تجب الزيادة لانها لا تدعيها، وقد بينا فساد قوله في البيع، وإن ماتا أو أحدهما قام

الوارث مقام الميت لما ذكرناه في البيع، فإن اختلف الزوج وولى الصغيرة في قدر المهر ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يحلف الزوج ويوقف يمين المنكوحة إلى أن تبلغ ولا يحلف الولى، لان الانسان لا يحلف لاثبات الحق لغيره.

 

(والثانى)

أنه يحلف وهو الصحيح لانه باشر بالعقد فحلف كالوكيل في البيع، فإن بلغت المنكوحة قبل التحالف لم يحلف الولى، لانه لا يقبل إقراره عليها فلم يحلف، وهذا فيه نظر، لان الوكيل يحلف وإن لم يقبل إقراره وإن ادعت المرأة أنها تزوجت به يوم السبت بعشرين ويوم الاحد بثلاثين، وأنكر الزوج أحد العقدين، وأقامت المرأة البينة على العقدين وادعت المهرين قضى لها، لانه يجوز أن يكون تزوجها يوم السبت ثم خالعها، ثم تزوجها يوم الاحد، فلزمه المهران.

(الشرح) إذا اختلف الزوجان في قدر المهر بأن قال تزوجتك بمائة فقالت بل بمائتين أو في جنسه بأن قال تزوجتك على دراهم فقالت بل على دنانير، أو في عينه بأن قال: تزوجتك بهذه السيارة فقالت بل بهذه العمارة، أو في أجله بأن قال تزوجتك بمهر مؤجل فقالت بل بمهر حال ولا بينة لاحدهما تحالفا، وسواء كان اختلافهما قبل الدخول أو بعده، وبه قال الثوري

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 381)

________________________________________

وقال مالك: إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح، وان كان بعد الدخول فالقول قول الزوج.

وقال النخعي وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو يوسف: القول قول الزوج بكل حال، إلا أن أبا يوسف قال الا أن يدعى الزوح مهرا مستنكرا لا يزوح بمثله في العادة، فلا يقبل.

وقال أبو حنيفة ومحمد ان اختلفا بعد الطلاق فالقول قول الزوج، وان كان اختلافهما قبل الطلاق

فالقول قول الزوجه الا أن تدعى أكثر من مهر مثلها.

فيكون القول قولها في قدر مهر مثلها، وفى الزيادة القول قول الزوج مع يمينه.

دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وكل واحد من الزوجين مدعى عليه فكان عليه اليمين كالذى أجمع عليه كل مخالف فيها إذا ثبت هذا فالكلام في البادئ منهما وفى صورة التحالف بالبيع، وإذا تحالفا لم ينفسخ النكاح.

وقال مالك: ينفسخ.

دليلنا: أن أكثر ما فيه أن المهر يصير مجهولا، والجهل بالمهر لا يفسد النكاح عندنا، وقد مضى الدليل عليه، ويسقط المسمى لان كل واحد منهما قد حقق بيمينه ما حلف عليه، وليس أحدهما بأولى من الآخر فسقطا وهل يسقط ظاهرا وباطنا؟ أو يسقط في الظاهر دون الباطن، على الاوجه الثلاثة في البيع وهل ينفسخ بنفس التحالف أو بالفسخ، على ما مضى في البيع، وترجع المرأة إلى مهر مثلها سواء كان ذلك أكثر مما تدعيه أو أقل.

وقال أبو على بن خيران: ان كان مهر المثل أكثر مما تدعيه لم تستحق الزيادة وقال ابن الصباغ: ينبغى أن يقال: إذا قلنا.

ينفسخ في الظاهر دون الباطن لا تستحق الا أقل الامرين من مهر المثل أو ما تدعيه، والمشهور هو الاول، ولان بالتحالف سقط اعتبار المسمى فصار الاعتبار بمهر المثل، ويبطل ما قالاه بما لو كان مهر المثل أقل مما اعترف الزوح أنه تزوجها به، فانها لا تستحق أكثر من مهر مثلها، ولا يلزم الزوج ما اعترف به من الزيادة.

(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: وهكذا الزوجة وأبو الصبية، وجملة ذلك أن الاب والجد إذا زوج الصغيرة أو المجنونة، واختلف الاب والجد في قدر

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 382)

________________________________________

المهر والزوج، فهل يتحالفان؟ اختلف أصحابنا فمنهم من قال: يحلف الزوج

وتوقف يمين الزوجه إلى أن تبلغ أو تفيق، ولا يحلف الولى لان النيات لا تدخل في اليمين، وحمل النص على أنه أراد به العطف على قوله، وبدأت بيمين الزوج مع الكبيرة ثم مع أبى الصغيرة، وذهب أبو العباس وأبو إسحاق وأكثر أصحابنا إلى أن الاب والجد يحلفان مع الزوج على ظاهر قول الشافعي رحمه الله وهو الصحيح، لانه عاقد فحلف كما لو وكل رجل ببيع سلعة فاختلف هو والمشترى فانه يحلف، إذا ثبت هذا فإن التحالف بينهما إنما يتصور بشرطين.

 

(أحدهما)

إذا ادعى الاب والجد أنه زوجها بأكثر من مهر المثل، وادعى الزوج أنه انما تزوجها بمهر المثل، فأما إذا اختلفا في مهر المثل أو أقل منه فلا تحالف بينهما لانها إذا زوجها بأقل من مهر المثل ثبت لها مهر المثل.

 

(والثانى)

إذا كانت المنكوحة عند الاختلاف صغيرة أو مجنونة، فأما إذا بلغت أو أفاقت قبل التحالف فان عامة أصحابنا قالوا: لا يحلف الولى لانه لو أقر عنها بما يدعى الزوج لم يقبل في هذه الحاله بخلاف ما قبل البلوغ والافاقة، فانه لو أقر بما يدعى الزوج من مهر المثل قبل اقراره، وقال القاضى أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق: يقبل حلف الولى، لان الوكيل يحلف وان لم يقبل اقراره فكذلك الولى ههنا.

(فرع)

إذا ادعت المرأة أنه عقد عليها النكاح يوم الخميس بعشرين ثم عقد عليها يوم الجمعه بثلاثين وأقامت على ذلك بينة وطلبت المهرين.

قال الشافعي رضى الله عنه: فهما لها، لانه يجوز أن يكون تزوجها يوم الخميس بعشرين ثم خالعها بعد الدخول ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول ثم تزوجها فيلزمه المهران، فان قال الزوج: انما عقدت يوم الجمعة تكرارا وتأكيدا فالقول قولها مع يمينها لان الظاهر لزومها.

قال المزني: للزوج أن يقول: كان الفراق قبل النكاح الثاني قبل الدخول،

فلا يلزمه الا نصف الاول وجميع الثاني، لان القول قوله أنه لم يدخل في الاول قال أصحابنا: انما قصد الشافعي رحمه الله أن المهرين واجبان، فان ادعى سقوط نصف الاول بالطلاق قبل الدخول كان القول قوله، لان الاصل عدم الدخول

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 383)

________________________________________

قال أصحابنا: وهكذا لو أقام بينة أنه باع من رجل هذا الثوب يوم الخميس بعشرة وأنه باعه يوم الجمعة بعشرين لزمه الثمنان لجواز أن يرحع إليه بعد البيع الاول أو هبته.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وان اختلفا في قبض المهر فادعاه الزوج وأنكرت المرأة فالقول قولها، لان الاصل عدم القبض وبقاء المهر، وان كان الصداق تعليم سورة فادعى الزوج أنه علمها، وأنكرت المرأة فان كانت لا تحفظ السورة فالقول قولها لان الاصل عدم التعليم، وان كانت تحفظها ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

أن القول قولها، لان الاصل أنه لم يعلمها.

 

(والثانى)

أن القول قوله، لان الظاهر أنه يعلمها لم غيره وان دفع إليها شيئا وادعى أنه دفعه عن الصداق وادعت المرأة أنه هدية، فان اتفقا على أنه لم يتلفظ بشئ، فالقول قوله من غير يمين لان الهدية لا تصح بغير قول، وان اختلفا في اللفظ فادعى الزوج أنه قال هذا عن صداقك، وادعت المرأة أنه قال: هو هدية فالقول قول الزوج، لان الملك له، فإذا اختلفا في انتقاله كان القول في الانتقال قوله كما لو دفع إلى رجل ثوبا فادعى أنه باعه، وادعى القابض أنه وهبه له.

 

(فصل)

وان اختلفا في الوطئ فادعته المرأة وأنكر الزوج فالقول قوله، لان الاصل عدم الوطئ فان أتت بولد يلحقه نسبه ففى المهر قولان

(أحدهما)

يجب لان الحاق النسب يقتضى وجود الوطئ

(والثانى)

لا يجب لان الولد يلحق

بالامكان والمهر لا يجب إلا بالوطئ والاصل عدم الوطئ.

 

(فصل)

وإن أسلم الزوجان قبل الدخول فادعت المرأة أنه سبقها بالاسلام فعليه نصف المهر وادعى الزوج أنها سبقته فلا مهر لها فالقول قول المرأة لان الاصل بقاء المهر، وإن اتفقا على أنه أحدهما سبق ولا يعلم عين السابق منهما، فإن كان المهر في يد الزوج لم يجز للمرأة أن تأخذ منه شيئا لانها تشك في الاستحقاق وإن كان في يد الزوجة رجع الزوج بنصفه لانه يتيقن استحقاقه ولا يأخذ من النصف الآخر شيئا، لانه شك في استحقاقه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 384)

________________________________________

(الشرح) إذا ادعى الزوج أنه دفع الصداق إلى زوجته وأنكرت ولا بينة له فالقول قول الزوجة مع يمينها، وبه قال الشعبى وسعيد بن جبير وأهل الكوفة وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو حنيفة وأصحابه، وقال مالك والاوزاعي: ان كان الاختلاف قبل الدخول فالقول قول الزوجة، وان كان بعد الدخول فالقول قول الزوج، وقال الفقهاء السبعة من أهل المدينة ان كان الاختلاف قبل الزفاف فالقول قولها، وان كان بعد الزفاف فالقول قوله، دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم البينه على المدعى واليمين على المدعى عليه، والمرأة مدعى عليها في جميع الحالات فكان القول قولها.

(فرع)

وان أصدقها تعليم سورة وادعى أنه قد علمها اياها وأنكرت، فإن كانت لا تحفظها فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل عدم التعليم، وان كانت تحفظها ففيه وجهان، أحدهما: القول قولها لما ذكرناه، والثانى: القول قوله، لان الظاهر أنه قد علمها.

(فرع)

وان أصدقها ألف درهم فدفع إليها ألف درهم فقال دفعتها عن الصداق وقالت.

بل دفعتها هدية أو هبة، فإن اتفقا أنه لم يتلفظ بشئ فالقول قوله من

غير يمين، لان الهدية والهبة لا تصح بغير قول، وان اختلفا في قوله فقال قلت هذا عن الصداق، وقالت بل قلت، هذا هدية فالقول قوله لانه أعلم بقوله قال الشافعي ولو تصادقا أن الصداق ألف فدفع إليها ألفين فقال، ألف صداق، وألف وديعة، وقالت ألف صداق وألف هدية فالقول قوله مع يمينه، وله عندها ألف وديعة، وإذا أقرت أن قبضت منه شيئا فقد أقرت بمال له وادعت ملكه فالقول قوله في ماله.

(مسألة) وان ادعت المرأة أنه خلا بها وأصابها أو أصابها من غير خلوة فأنكر الزوج فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الخلوة والاصابة وان صادقها على الخلوة والتمكن فيها من الاصابة وأنكر الاصابة فان قلنا انها ليست كالاصابة، فهل القول قوله أو قولها؟ فيه قولان، قال في القديم القول قولها لان الظاهر معها، وقال في الجديد القول قوله وهو الاصح، لان الاصل عدم الاصابة وما بقى من الفصول فهى ماضية على وجهها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 385)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وان أصدقها عينا ثم طلقها قبل الدخول، وقد حدث بالصداق عيب فقال الزوج: حدث بعد ما عاد إلى فعليك أرشه، وقالت المرأة: بل حدث قبل عوده اليك فلا يلزمنى أرشه فالقول قول المرأة، لان الزوج يدعى وقوع الطلاق قبل النقص والاصل عدم الطلاق والمرأة تدعى حدوث النقص قبل الطلاق والاصل عدم النقص فتقابل الامران فسقطا والاصل براءة ذمتها.

 

(فصل)

وإذا وطئ امرأة بشبهة أو في نكاح فاسد لزمه المهر لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) فان مسها فلها المهر

بما استحل من فرجها، فان أكرهما على الزنا وجب عليه المهر لانه وطئ سقط فيه الحد عن الموطوءة بشبهة، والواطئ من أهل الضمان في حقها، فوجب عليه المهر كما لو وطئها في نكاح فاسد فان طاوعته على الزنا نظرت فان كانت حرة لم يجب لها المهر، لِمَا رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ البغى وحلوان الكاهن) وان كانت أمة لم يجب لها المهر على المنصوص للخبر، ومن أصحابنا من قال: يجب لان المهر حق للسيد فلم يسقط باذنها كأرش الجناية.

 

(فصل)

وان وطئ امرأة وادعت المرأة أنه استكرهها وادعى الواطئ أنها طاوعته ففيه قولان.

أحدهما: القول قول الواطئ لان الاصل براءة ذمته.

والثانى: القول قول الموطوءة، لان الواطئ متلف ويشبه أن يكون القولان مثبتين على القولين في اختلاف رب الدابة وراكبها ورب الارض وزارعها.

 

(فصل)

وان وطئ المرتهن الجارية المرهونة باذن الراهن وهو جاهل بالتحريم ففيه قولان.

 

(أحدهما)

لا يجب المهر لان البضع للسيد وقد أذن له في اتلافه فسقط بدله

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 386)

________________________________________

كما لو أذن له في قطع عضو منها

(والثانى)

يجب لانه وطئ سقط عنه الحد للشبهة فوجب عليه المهر كما لو وطئ في نكاح فاسد، فإن أتت منه بولد ففيه طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالمهر لانه متولد من مأذون فيه، فإذا كان في بدل المأذون فيه قولان كذلك وجب أن يكون في بدل ما تولد منه قولان.

وقال أبو إسحاق تجب قيمة الولد يوم سقط قولا واحدا لانها تجب بالاحبال ولم يوجد الاذن في الاحبال، والطريق الاول أظهر لانه وإن لم يأذن في الاحبال

الا أنه اذن في سببه.

(الشرح) حديث عائشة رواه أبو داود والسجستاني وأبو داود الطيالسي وابن ماجه والدارقطني والترمذي، وكذلك رواه الشافعي ومن طريق سليمان ابن موسى عن الزهري عن عروة عنها، وقد مضى الكلام على طرقه في ولاية النكاح.

أما حديث أبى مسعود البدرى وهو عقبة بن عمرو رضى الله عنه فقد أخرجه أصحاب الكتب الستة وأحمد والدارقطني، وقد ذكره في البيوع وغيرها من المجموع.

وأولى بالكلام من هذه الفصول أنه إذا أصدقها عينا وقبضتها ثم طلقها قبل الدخول ووجد في العين نقص فقد ذكرنا أن هذا النقص لا يلزمها أرشه، وان حدث بعد الطلاق فعليها أرشه، فاختلف الزوجان في وقت حدوثه، فقال الزوج حدث في يدك بعد عود النصف إلى إما بالطلاق على المنصوص أو بالطلاق واختيار التملك على قول ابى اسحاق، وقالت الزوجة بل حدث قبل ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها، لان الزوج يدعى وقوع الطلاق قبل حدوث القبض وهى تنكر ذلك، والاصل عدم الطلاق، والزوجة تدعى حدوث النقص قبل الطلاق والاصل عدم حدوث النقص، فتعارض هذان الاصلان وسقطا، وبقى أصل براءة ذمتها من الضمان، فكذلك كان القول قولها وبالله التوفيق.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 387)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

‌باب المتعة

 

إذا طلقت المرأة لم يخل إما أن يكون قبل الدخول أو بعده فإن كان قبل الدخول نظرت، فإن لم يفرض لها مهر وجب لها المتعة لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن) ولانه

لحقها بالنكاح ابتذال، وقلت الرغبة فيها بالطلاق، فوجب لها المتعة، وإن فرض لها المهر لم تجب لها المتعة، لانه لما أوجب بالايه لمن لم يفرض لها دل على أنه لا يجب لمن فرض لها، ولانه حصل لها في مقابلة الابتذال نصف المسمى، فقام ذلك مقام المتعة.

وإن كان بعد الدخول ففيه قولان، قال في القديم: لا تجب لها المتعة، لانها مطلقة من نكاح لم يخل من عوض، فلم تجب لها المتعة كالمسمى لها قبل الدخول.

وقال في الجديد: تجب لقوله تعالى (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) وكان ذلك في نساء دخل بهن، ولان ما حصل من المهر لها بدل عن الوطئ، وبقى الابتذال بغير بدل، فوجب لها المتعة كالمفوضة قبل الدخول، وإن وقعت الفرقة بغير الطلاق نظرت فإن كانت بالموت لم تجب لها المتعة لان النكاح قد تم بالموت وبلغ منتهاه فلم تجب لها متعة.

وإن كانت بسبب من جهة أجنبي كالرضاع فحكمه حكم الطلاق في الاقسام الثلاثة، لانها بمنزلة الطلاق في تنصيف المهر فكانت كالطلاق في المتعة.

وإن كانت بسبب من جهة الزوج كالاسلام والردة واللعان فحكمه حكمم الطلاق في الاقسام الثلاثه، لانها فرقة حصلت من جهته فأشبهت الطلاق، وإن كانت بسبب من جهة الزوجة كالاسلام والردة والرضاع والفسخ بالاعسار والعيب بالزوجين جميعا لم تجب لها المتعة، لان المتعة وجبت لها لما يلحقها من الابتذال بالعقد وقلة الرغبة فيها بالطلاق، وقد حصل ذلك بسبب من جهتها فلم تجب.

وإن كانت بسبب منهما نظرت فإن كانت بخلع أو جعل الطلاق إليها فطلقت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 388)

________________________________________

كان حكمها حكم المطلقة في الاقسام الثلاثة، لان المغلب فيها جهة الزوج، لانه يمكنه أن يخالعها مع غيرها ويجعل الطلاق إلى غيرها فجعل كالمنفرد به.

وان

كانت الزوجة أمة فاشتراها الزوج فقد قال في موضع لا متعة لها، وقال في موضع لها المتعة، فمن أصحابنا من قال هي على قولين.

 

(أحدهما)

لا متعة لها لان المغلب جهة السيد، لانه يمكنه أن يبيعها من غيره فكان حكمه في سقوط المتعة حكم الزوج في الخلع في وجوب المتعة، ولانه يملك بيعها من غير الزوج فصار اختياره للزوج اختيارا للفرقه.

 

(والثانى)

أن لها المتعة لانه لا مزية لاحدهما على الآخر في العقد، فسقط حكمها كما لو وقعت الفرقه من جهة أجنبي.

وقال أبو إسحاق: ان كان مولاها طلب البيع لم تجب لانه هو الذى اختار الفرقه.

وإن كان الزوج طلب وجبت، لانه هو الذى اختار الفرقه، وحمل القولين على هذين الحالين.

(الشرح) المناع في اللغة كل ما ينتفع به كالطعام والثياب وأثاث البيت، وأصل المتاع ما يتبلغ به من الزاد، وهو اسم من متعته بالتثقبل ادا أعطيته، والجمع أمتعة، ومتعة الطلاق من ذلك، ومتعت المطلقة بكذا إذا أعطيتها إياه لانها تنتفع به وتتمتع به.

قال الشافعي رضى الله عنه: لا متعة للمطلقات الا لواحدة، وهى التى تزوجها وسمى لها مهرا.

أو تزوجها مفوضة وفرض لها المهر ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها.

وجملة ذلك أن المطلقات ثلاث.

مطلقه لها المتعة قولا واحدا.

ومطلقه لا متعة لها قولا واحدا.

ومطلقه هل لها متعه.

على قولين.

فأما التى لها المتعة قولا واحدا فهى التى تزوجها مفوضه ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها قبل الفرض والمسيس لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) ولانه قد لحقها بالعقد والطلاق قبل الدخول ابتذال فكان لها المتعة بدلا عن الابتذال.

وأما التى لا متعة لها قولا واحدا فهى التى تزوجها وسمى لها مهرا في العقد

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 389)

________________________________________

أو تزوجها مفوضه وفرض لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول، لان الله تعالى علق وجوب المتعة بشرطين.

وهو أن يكون الطلاق قبل الفرض والمسيس، وههنا أحد الشرطين غير موجود، وقد جعلنا لها المتعة لكيلا يعرى العقد من بدل.

وههنا قد جعل لها نصف المهر.

وأما المطلقة التى في المتعة لها قولان، فهى التى تزوجها وسمى لها مهرا في العقد ودخل بها أو تزوجها مفوضة وفرض لها مهرا ودخل بها أو لم يفرض لها مهرا أو دخل بها، ففى هذه الثلاث قولان.

قال في القديم: لا متعة لها.

وبه قال أبو حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) فعلق المتعة بشرطين، وهو أن يكون الطلاق قبل الفرض وقبل المسيس، ولم يوجد الشرطان ههنا.

وقوله تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن) فجعل لهن المتعة قبل المسيس وقد وجد المسيس ههنا، ولانها مطلقة لم يخل نكاحها عن بدل فلم يكن لها المتعة، كما لو سمى لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول.

وقال في الجديد: لها المتعة، وبه قال عمر وعلى والحسن بن على وابن عمر ولا مخالف لهم في الصحابة.

قال المحاملى وهو الاصح لقوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف) فجعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة، إلا ما خصه الدليل، ولقوله تعالى (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) وهذا في نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتى دخل بهن وقد كان سمى لهن المهر بدليل حديث

عائشة رضى الله عنها: كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم اثنى عشر أوقيه ونشا ولان المتعة إنما جعلت لما لحقها من الابتذال بالعقد والطلاق، والمهر في مقابلة الوطئ، والابتذال موجود فكان لها المتعة.

إذا ثبت هذا فإن المتعة واجبة عندنا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 390)

________________________________________

وقال مالك رضى عنه: هي مستحبه غير واجبه.

دليلنا قوله تعالى (ومتعوهن) وهذا أمر، والامر يقتضى الوجوب.

وقوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) و (حقا) يدل على الوجوب.

(مسألة أخرى) كل موضع قلنا تجب المتعة لا فرق بين أن يكون الزوجان حرين أو مملوكين، أو أحدهما حرا والآخر مملوكا.

وخالف الاوزاعي فجعلهما لحرين دليلنا قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف) الآية.

وهذا عام لا تفرقة فيه.

(فرع)

إذا وقعت الفرقه بغير طلاق في الموضع الذى تجب فيه المتعة نظرت فإن كان بالموت لم تجب المتعة، لان النكاح قد بلغ منتهاه ولم يلحقها بذلك ابتذال وان وقعت بغير الموت نظرت، فإن كان بسبب من جهة أجنبي فهى كالطلاق لانها كالطلاق في تنصيف المهر قبل الدخول فكذلك في المتعة، وان كان من جهة الزوج كالاسلام قبل الدخول والردة واللعان فحكمه حكم الطلاق.

قال القاضى أبو الطيب وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه واختار أربعا منهن وجب للباقى المتعة.

وإن كانت الفرقه من جهتها كالاسلام والردة وإرضاعه أو الفسخ للاعسار بالمهر والنفقه أو فسخ أحدهما النكاح لعيب فلا متعة لها، لان الفرقة جاءت من جهتها ولهذا إذا وقع ذلك قبل الدخول سقط جميع المهر.

وان كان بسبب منهما، فان كان بالخلع، فهو

كالطلاق، هذا نقل البغداديين.

وقال المسعودي (لا متعة لها) وإن كان رده منهما في حالة واحدة ففيه وجهان مضى بيانهما في الصداق.

(فرع)

روى المزني أن الشافعي رحمه الله قال (وأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ولها المتعة عندي) قال المزني هذا غلط عندي، وقياس قوله لا متعه لان الفرقة من قبلها.

قال أصحابنا (اعتراض المزني صحيح، إلا أنه أخطأ في النقل) وقد ذكرها الشافعي في الام، وقال ليس لها المتعة، لانها لو شاءت أقامت معه، وإنما أسقط المزني (ليس)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 391)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

والمستحب أن تكون المتعة خادما أو مقنعة أو ثلاثين درهما، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال (يستحب أن يمتعها بخادم) ، فإن لم يفعل فبثياب.

وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه قال (يمتعها بثلاثين درهما) وروى عنه قال (يمتعها بجارية) وفى الوجوب وجهان

(أحدهما)

ما يقع عليه اسم المال

(والثانى)

وهو المذهب أنه يقدرها الحاكم لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المفتر قدره) وهل يعتبر بالزوج أو بالزوجة، فيه وجهان

(أحدهما)

يعتبر بحال الزوج للآيه

(والثانى)

يعتبر بحالها لانه بدل عن المهر فاعتبر بها.

(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه (ولا وقت فيها وأستحسن تقدير ثلاثين درهما.

وجملة ذلك أن الكلام في القدر المستحب في المتعة وفى القدر الواجب.

فأما المستحب فقد قال في القديم (يمتعها بقدر ثلاثين درهما) وقال في المختصر

استحسن قدر ثلاثين درهما، وقال في بعض كتبه أستحسن أن يمتعها خادما، فإن لم يكن فمقنعة فان لم يكن فثلاثين درهما.

قال بعض أصحابنا أراد المقنعه التى قيمتها أكثر من ثلاثين درهما وأقل المستحب في المتعة ثلاثون درهما لما روى عن ابن عمر أنه قال يمتعها بثلاثين درهما، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال متعة الطلاق اعلاها الخادم ودون ذلك الورق ودون ذلك الكسوة) وأما القدر الذى هو واجب ففيه وجهان: من أصحابنا من قال ما يقع عليه الاسم كما يجرى ذلك في الصداق، والثانى وهو المذهب أنه لا يجرى ما يقع عليه الاسم بل ذلك إلى الحاكم وتقديره باجتهاده لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فلو كان الواجب ما يقع عليه الاسم لما خالف بينهما ويخالف الصداق فان ذلك يثبت بتراضيهما، وهل الاعتبار بحال الزوج أو حال الزوجة؟ فيه وجهان

(أحدهما)

الاعتبار بحال الزوجه، لان المتعة بدل عن المهر بدليل أنه لو كان هناك مهر لم تجب لها متعة والمهر معتبر بحالها فكذلك المتعة

(والثانى)

الاعتبار بحال الزوج لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فاعتبر فيه حاله دون حالها.

هذا مذهبنا والله أعلم بالصواب.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 392)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

‌باب الوليمة والنثر

 

الطعام الذى يدعى إليه الناس ستة: الوليمة للعرس، والخرس للولادة، والاعذار للختان، والوكيرة للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر، والمأدبة لغير سبب ويستحب ما سوى الوليمة لما فيها من إظهار نعم الله والشكر عليها، واكتساب الاجر والمحبة، ولا تجب، لان الايجاب بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابه.

وأما وليمة العرس فقد اختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال: هي واجبة وهو المنصوص

لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (تزوج عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أولم ولو بشاة) ومنهم من قال: هي مستحبة لانه طعام لحادث سرور، فلم تجب كسائر الولائم، ويكره النثر لان التقاطه دناءة وسخف، ولانه يأخذه قوم دون قوم ويأخده من غيره أحب.

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الاربعة والدارقطني ونصه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال ما هذا؟ قال: تزوجت إمرأة على وزن نواة من ذهب قال: بارك الله لك أولم ولو بشاة) ولم يقل أبو داود (بارك الله لك) وقد روى أحمد والشيخان من حديث أنس قال (ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب.

أولم بشاة) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولم على صفية بتمر وسويق) اخرجه اصحاب السنن إلا النسائي، واخرجه ابن حبان، واخرج البخاري مرسلا عن صفية بنت شيبة (أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير) وعن أنس في قصة صفية أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَعَلَ وليمتها التمر والاقط والسمن) أخرجه الشيخان، وفى رواية عندهما ومسند أحمد (أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى بصفيه فيدعون المسلمين إلى وليمته ما كان فيها خبز

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 393)

________________________________________

ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالانطاع فبسطت فألقى عليها التمر والاقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهى إحدى أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهى مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب.

أما اللغات: فإن الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع، لان الزوجين يجتمعان

هكذا قال الازهرى، وقال ابن الاعرابي: اصلها تمام الشئ واجتماعه وتقع على كل طعام يتخذ لسرور وتستعمل في وليمة الاعراس بلا تقييد وفى غيرها مع التقييد فيقال مثلا وليمة مأدبة هكذا قال بعض الفقهاء وحكاه في الفتح عن الشافعي وأصحابه وحكى المصنف وابن عبد البر عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل وثعلب، وبه جزم الجوهرى وابن الاثير أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة، قال ابن رسلان: وقول أهل اللغة أقوى، لانهم أهل اللسان، وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعرف بلسان العرب والخرس وزان قفل طعام يصنع للولادة، والعذر والاعذار لغة فيه يقال عذرت الغلام والجارية من باب ضرب أي ختنته وقد يكون الاعذار خاص بالطعام في الختان وعذرة الجارية بكارتها، والوكيرة مأخوذة من وكر الطائر وهو عشه ووكر الطائر يكر من باب وعد اتخذ وكرا، ووكر صنع الوكيرة والنقيعة طعام يتخذ للقادم من السفر، وقد أطلقت النقيعة على ما يصنع عند الاملاك وهو التزويج.

وقال ابن بطال: النقيعة مأخوذة من النقع وهو النحر يقال نقع الجزور إذا نحرها، ونقع حبيبه شقه قال المرار: نقعن جيوبهن على حيا

* وأعددن المراثى والعويلا وفى خبر تزويج خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم قال أبو خديجة وقد ذبحوا بقرة عند ذلك، ما هذه النقيعه، وقد جمع الشاعر هذه الاطعمه المذكورة حيث قال.

كل الطعام تشتهى ربيعه

* الخرس والاعذار والنقيعه وقال آخر: إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم

* ضرب القدار نقيعة القدام والقدار الجزار والطعام الذى يتخذ يوم سابع الولادة يسمى العقيقة،

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 394)

________________________________________

ويسمى الطعام الذى يتخذ لسبب ومن غير سبب مأدبة بضم الدال، وبفتحها

التأديب، وفى الاثر الجوع مأدبة الله في أرضة، إذا ثبت هذا فقد أخذ بالوجوب المالكيه نقله القرطبى عن مذهبه ثم قال، ومشهور المذهب أنها مندوبه، وروى ابن التين الوجوب عن مذهب أحمد لكن الذى في المغنى أنها سنه، وكذلك حكى الوجوب الرويانى في البحر عن أحد قولى الشافعي وحكاه ابن حزم عن أهل الظاهر، وقال سليم الرازي إنه نص الام.

وحكى المصنف الوجوب عن نص الام، وحكاه في فتح الباري عن بعض الشافعية، وبهذا يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب، وقد قال ابن بطال لا أعلم أحدا أو جبها وليس هذا صحيحا، وكذا قال ابن قدامه، ومن جملة أدلة من أوجبها ما أخرجه الطبراني من حديث وحشى بن حرب مرفوعا (الوليمة حق وسنه فمن دعى إليها فلم يجب فقد عصى) وأخرج أحمد من حديث بريدة قال (لما خطب على فاطمة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه لا بد للعروس من وليمه) قال الحافظ وسنده لا بأس به، وفى صحيح مسلم (شر الطعام طعام الوليمة ثم قال وهو حق) قال في الفتح، وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبه، أو عند الدخول أو عقبه، وسيأتى بيان ذلك.

وحكى الشيخ أبو حامد في التعليق في الوليمة قولين وأكثر أصحابنا حكاهما وجهين، أحدهما واجبه لحديث (أولم ولو بشاة) وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولم على صفيه بسويق وتمر.

ولانه لما كانت الاجابة إليه واجبه كان فعلها واجبا.

والثانى أنها تستحب ولا تجب لقوله صلى الله عليه وسلم (ليس في المال حق سوى الزكاة) ولانه طعام عند حادث سرور فلم يكن واجبا كسائر الاطعمه وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وأما ما ذكره من الاجابة فيبطل بالسلام فانه لا يجب، وإجابته واجبه، وقد حكى الصيمري وجها ثالثا أن الوليمة فرض على الكفايه، فإذا فعلها واحد أو اثنان في الناحية والقبيلة

وشاع في الناس وظهر سقط الفرض عن الباقين، وظاهر النص هو الاول، واقل المستحب في الوليمة للمتمكن شاة لحديث (أولم ولو بشاة) فان نقص عن ذلك جاز لوليمة صفيه والسويق والتمر أقل من شاه في العادة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 395)

________________________________________

وأما كراهة النثر فقد عقد في منتقى الاخبار له بابا دعاه (باب حجة من كره النثار والانتهاب منه) وساق حديث زيد بن خالد أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن النهبة والخلسة، رواه أحمد وأحاديث في معناه عن عبد الله بن يزيد الانصاري وأنس بن مالك وعمران بن الحصين وحاصل ذلك أن النهى عن النهبى يقتضى النهى عن انتهاب النثار، وقد أورد الجوينى والغزالي والقاضى حسين حديثا عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر في إملاك فأتى بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت فقبضنا أيدينا فقال: ما لكم لا تأخذون، فقالوا: إنك نهيت عن النهبى فقال: إنما نهيتكم عن نهبى العساكر خذوا على اسم الله فتجاذبناه) ولو صح هذا الحديث لكان مخصصا لعموم النهى ولكنه لم يصح عند المحدثين حتى قال الحافظ ابن حجر: إنه لا يوجد ضعيفا فضلا عن صحيح والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث وكذلك الغزالي والقاضى حسين، وإنما هم من الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء.

قلت: قد روى هذا الحديث البيهقى من معاذ بإسناد ضعيف منقطع، ورواه الطبراني من حديث عائشة عن معاذ وفيه بشر بن إبراهيم المفلوح، قال ابن عدى هو عندي ممن يضع الحديث وساقه العقيلى من طريقه ثم قال: لا يثبت في الباب شئ وأورده ابن الجوزى في الموضوعات، ورواه أيضا من حديث أنس وفى إسناده خالد بن إسماعيل.

قال ابن عدى: يضع الحديث، وقال غيره: كذاب، وقد روى ابن أبى شيبه في مصنفه عن الحسن والشعبى أنهما لا يريان به بأسا، وأخرج كراهيته عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمه، قال في البحر: والنثار بضم النون وكسرها ما ينثر في النكاح أو غيره وهو مباح، إذ مانثره إلا إباحة له، وانما يكره لمنافاته المروءة والوقار.

وقد قال الشافعي في نثر السكر واللوز والجوز لو ترك كان أحب إلى لانه يؤخذ بحبسه ونهبه، ولا يتبين لى أنه حرام.

وجملة ذلك أن نثر السكر واللوز

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 396)

________________________________________

والجوز والزبيب والدراهم والدنانير وغير ذلك يكره، وروى أن أبا مسعود الانصاري رضى الله عنه كان إذا نثر للصبيان يمنع صبيانه عن التقاطه، وبه قال عطاء وعكرمة وابن سيرين وابن أبى ليلى.

وقال أبو حنيفة والحسن البصري وأبو عبيد وابن المنذر، لا يكره، وقال القاضى أبو القاسم الصيمري: يكره التقاطه، وأما النثر نفسه فمستحب، وقد جرت العادة للسلف به، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زوج عليا رضى الله عنه فاطمة عليها السلام نثر عليهما، والاول هو المشهور، والدليل عليه أن النثار يؤخذ نهبة ويزاحم عليه، وربما أخذه من يكرهه صاحبه، وفى ذلك دناءة وسقوط مروءة، وما ذكره الصيمري غير صحيح لانه لا فائدة في نثاره إذا كان يكره التقاطه، فإن خالف ونثر فالتقط رجل فهل للذى نثره أن يسترجعه، فيه وجهان حكاهما الداركى.

 

(أحدهما)

أن يسترجعه لانه لم يوجد منه لفظ يملك به.

 

(والثانى)

ليس له أن يسترجعه وهو اختيار المسعودي لانه نثر للتملك بحكم العادة.

قال المسعودي لو وقع في حجر رجل كان أحق به، فلو التقطه آخر

من حجره أو قام فسقط من حجره فهل يملكه الملتقط، الصحيح أنه لا يملكه، قال الشيخ أبو حامد، وحكى أن أعرابيا تزوج فنثر على رأسه زبيبا فأنشا يقول: ولما رأيت السكر العام قد غلا

* وأيقنت أنى لا محالة ناكح نثرت على رأسي الزبيب لصحبتي

* وقلت: كلوا كل الحلاوة صالح قال أبو العباس بن سريج: ولا يكره للمسافرين أن يخلطوا زادهم فيأكلوا، وإن أكل بعضهم أكثر من بعض بخلاف النثار يؤخذ بقتال وازدحام بخلاف الزاد، قال القاضى أبو الطيب الكتب التى يكتبها الناس بعضهم إلى بعض، قال أصحابنا لا يملكها المحمولة إليهم ولكن لهم الانتفاع بها بحكم العادة، لان العادة جرت بإباحة ذلك والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ومن دعى إلى وليمة وجب عليه الاجابة لما روى ابن عمر (رض)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 397)

________________________________________

إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها) ومن أصحابنا من قال هي فرض على الكفاية، لان القصد إظهارها، وذلك يحصل بحضور البعض، وإن دعى مسلم إلى وليمة ذمى ففيه وجهان

(أحدهما)

تجب الاجابة للخبر

(والثانى)

لا تجب، لان الاجابة للتواصل، واختلاف الدين يمنع التواصل وإن كانت الوليمة ثلاثة أيام أجاب في اليوم الاول والثانى وتكره الاجابة في اليوم الثالث، لما روى أن سعيد بن المسيب رحمه الله دعى مرتين فأجاب ثم دعى الثالثة فحصب الرسول.

وعن الحسن رحمه الله أنه قال (الدعوة أول يوم حسن، والثانى حسن، والثالث رياء وسمعة) وإن دعاه إثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لحق السبق، فإن استويا في السبق أجاب أقربهما رحما، فإن استويا في الرحم أجاب

أقربهما دارا لانه من أبواب البر فكان التقديم فيه على ما ذكرناه كصدقة التطوع فان استويا في ذلك أقرع بينهما لانه لا مزية لاحدهما على الآخر فقدم بالقرعة.

(الشرح) حديث ابن عمر أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وَلَفْظُهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها، وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس ويأتيها وهو صائم) وفى رواية (إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها) ورواه أبو داود وزاد (فان كان مفطرا فليطعم، وان كان صائما فليدع) وفى رواية (من دعى فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا) رواه أبو داود.

وفى رواية عند أحمد ومسلم وأبى داود (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب) وفى لفظ (من دعى إلى عرس أو نحوه فليجب) وفى لفظ (إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب) رواهما مسلم وأبو داود.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا دعى أحدكم فليجب، فان كان صائما فليصل وان كان مفطرا فليطعم) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وفى لفظ (إذا دعى أحدكم إلى الطعام وهو صائم فليقل إنى صائم) رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الا النسائي.

وقد أخرج مسلم من حديث

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 398)

________________________________________

أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ.

قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) أما الاحكام فهل تجب الاجابة على من دعى إلى وليمة عرس؟ فيه وجهان

(أحدهما)

لا يجب عليه الاجابة وبه قال مالك وأحمد، لان الشافعي قال (ولو أن رجلا أتى رجلا وقال: إن فلانا اتخذ دعوة وأمرني أن أدعو من شئت،

وقد شئت أن أدعوك لا يلزمه أن يجيب

(والثانى)

وهو المذهب أنه يلزمه أن يجيب لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من دعى إلى وليمة ولم يجب فقد عصى أبا القاسم) قال العمرانى وما احتج القائل به من كلام الشافعي رحمه الله فلا حجة فيه، لان صاحب الطعام لم يدعه.

إذا ثبت أن الاجابة واجبة فهل تجب على كل من دعى أو هي فرض على الكفاية؟ فيه وجهان

(أحدهما)

أنها فرض على الكفاية، فإذا أجابه بعض الناس سقط الفرض عن الباقين، لان القصد أن يعلم ذلك ويظهر وذلك يحصل بإجابة البعض

(والثانى)

يجب على كل من دعى لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من دعى فلم يجب فقد عصى أبا القاسم.

وكذلك عموم سائر الاخبار وأما إذا ادعى إلى وليمة غير العرص فذكر ابن الصباغ أن الاجابة لا تجب عليه قولا واحدا، لان وليمة العرس أكد.

ولهذا اختلف في وجوبها فوجبت الاجابة إليها وغيرها لا تجب بالاجماع فلم تجب الاجابة إليها.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمَحَامِلِيُّ أنها كوليمة العرس في الاجابة إليها وهو الاظهر لحديث (من دعى فلم يجب فقد عصى أبا القاسم) وهذا نقل أصحابنا البغداديين.

وقال المسعودي إذا دعى لقوى لم تجب الاجابة، وان دعى إلى حفل بأن فتح الباب لكل من يدخل فلا يلزمه، وان خصه بالدعوة مع أهل حرفته فيلزمه، ولو لم يجب فهل يعصى؟ فيه وجهان.

(فرع)

إذا دعى إلى وليمة كتابي وقلنا تجب عليه الاجابة إلى وليمة المسلم فهل تجب عليه الاجابة إلى وليمة الكتابى فيه وجهان

(أحدهما)

تجب عليه الاجابة لعموم الاخبار

(والثانى)

لا تجب عليه الاجابة لان النفس تعاف

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 399)

________________________________________

من أكل طعامهم، ولانهم يستحلون الربا، ولان الاجابة إنما جعلت لتنأكد الاخوة والموالاة، وهذا لا يوجد في أهل الذمة

(فرع)

إذا جاءه الداعي فقال: أمرنى فلان أن أدعوك فأجب لزمه الاجابة وإن قال أمرنى فلان أن أدعو من شئت أو من لقيت فاحضر لم تلزمه الاجابة.

قال الشافعي رحمه الله: بل أستحب له أن يحضر إلا من عذر، والاعذار التى يسقط معها فرض الاجابة أن يكون مريضا أو قيما بمريض أو بميت، وبإطفاء حريق أو يخاف ضياع ماله أو له في طريقه من يؤذيه، لان هذه الاسباب أعذار في حضور الجماعة وفى صلاة الجمعة، ففى هذا أولى.

(فرع)

وان كانت الوليمة ثلاثة أيام فدعى في اليوم الاول وجب عليه الاجابة، وإن كان دعا في اليوم الثاني لم تجب عليه الاجابة ولكن يستحب له أن يجيب، وان دعى في اليوم الثالث لم يستحب له أن يجيب بل يكره له لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الوليمة في اليوم الاول حق، وفى الثاني معروف، وفى اليوم الثالث رياء وسمعه، رواه أحمد وأبو داود عن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفى عن رجل من ثقيف يقال: ان له معروفا وأثنى عليه، ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود وابن ماجه من حديث أبى هريرة.

وروى أن سعيد بن المسيب دعى مرتين فأجاب ودعى في اليوم الثالث فحصب الرسو ل.

(فرع)

إذا دعاه اثنان إلى وليمتين فان سبق أحدهما قدم إجابته، وان لم يسبق أحدهما أجاب أقربهما إليه دارا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما اليك بابا، فان أقربهما بابا أقربهما جوارا، فان سبق أحدهما فأجب الذى سبق) هكذا ذكر المحاملى وابن الصباغ.

وذكر الشيخ أبو إسحاق أنهما إذا تساويا في السبق أجاب أقربهما رحما، فان استويا في الرحم أجاب أقربهما دارا، وإذا ثبت الخبر فأقربهما دارا أولى، لانه لم يفرق بين أن يكون أقربهما رحما أو أبعد، فإن استويا في ذلك أقرع بينهما لانه لا مزية لاحدهما على الآخر قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وان دعى إلى موضع فيه دف أجاب، لان الدف يجوز في الوليمة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 400)

________________________________________

لما روى محمد حاطب قَالَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (فصل ما بين الحلال والحرام الدف) فان دعى إلى موضع فيه منكر من زمر أو خمر فان قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الاجابة ولازالة المنكر، وان لم يقدر على إزالته لم يحضر لما رُوِيَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يجلس على مائدة تدار فيها الخمر) وروى نافع قال (كنت أسير مع عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق، فلم يزل يقول يا نافع أتسمع؟ حتى قلت لا فأخرج أصبعيه عن أذنيه ثم رجع إلى الطريق ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع) وان حضر في موضع فيه تماثيل فان كانت كالشجر جلس، وان كانت على صورة حيوان فان كانت على بساط يداس أو مخدة يتكأ عليها جلس.

وان كانت على حائط أو ستر معلق لم يجلس، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أتانى جبريل صلى الله عليه وسلم فقال أتيتك البارحة فلم يمنعنى أن أكون دخلت الا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمره برأس التماثيل، التى كانت في باب البيت يقطع فتصير كهيئة الشجرة، ومرة بالستر فليقطع منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك) ولان ما كان كالشجر فهو كالكتابة والنقوش، وما كان على صورة الحيوان على حائط أو ستر فهو كالصنم، وما يوطأ فليس كالصنم لانه غير معظم.

(الشرح) حديث محمد بن حاطب رواه أصحاب السنن الا أبا داود وقد حسنه الترمذي.

قال ومحمد قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صغير، وأخرجه الحاكم.

وأما حديث النهى عن الجلوس على مائدة الخمر فقد أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بلفظ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح) وأخرجه النسائي والحاكم وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه، ومن ثم فقد أعله أبو داود والنسائي وأبو حاتم بذلك.

ولكن أحمد والترمذي والحاكم رووا عن جابر مرفوعا (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 401)

________________________________________

بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر) وأخرجه أيضا الترمذي من طريق ليث بن أبى سليم عن طاوس عن جابر.

وقال الحافظ بن حجر إسناده جيد.

وأخرج نحوه البزار من حديث أبى سعيد والطبراني من حديث ابن عباس وعمران بن حصين.

وأخرج أحمد في مسنده عن عُمَرَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار.

ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام) ورواه الترمذي بمعناه عن جابر وقال: حسن غريب.

أما حديث أبى هريرة فقد أخرجه أحمدو وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي بلفظ (أتانى جبريل فقال: إنى كنت أتيتك الليلة فلم يمنعنى أن أدخل البيت الذى أنت فيه إلا أنه كان فيه تمثال رجل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذى في باب البيت يقطع يصير كهيئة الشجرة، وأمر بالستر يقطع فيجعل وسادتين منتبذتين توطآن، وأمر بالكلب يخرج ففعل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا الكلب جرو، وكان للحسن والحسين تحت نضد لهم) ويوافق هذا الحديث ما أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبى طلحة الانصاري قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تدخل

الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل) وزاد أبو داود والنسائي عن على مرفوعا ((ولا جنب) .

أما اللغات: فالدف لعله من دف الطائر يدف، وبابه ضرب حرك جناحيه الطيرانه، أي ضرب دفيه وهما جنباه، فالدف بضم الدال وفتحها الذى يلعب به والجمع دفوف والدف عند العرب على شكل غربال خلا أنه بغير ثقوب وقطره إلى أربعة أشبار.

والزمارة هي آلة الزمر، وزمر زمرا من باب ضرب وزميرا أيضا، ويزمر بالضم لغة حكاها أبو زيد، ورجل زمار، قالوا ولا يقال زامر.

وامرأة زامرة ولا يقال زمارة، والزمارة بالكسر هو صوت النعام، وقد زمر النعام يزمر، والقرام ككتاب، الستر الرقيق، وبعضهم يزيد: وفيه رقم ونقوش والتمثال تفعال من المماثلة وهى المشابهة كالصور المشبهة بالحيوان وغيرها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 402)

________________________________________

أما الاحكام فإنه يجوز ضرب الدف في العرس لحديث: فصل ما بين الحلال والحرام الدف.

وأقل ما يفيده هذا الحديث هو الندب، ويؤيد ذلك ما في حديث المازنى عمرو بن يحيى عن جده أبى الحسن (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يكره نكاح السر حتى يضرب بدف ويقال: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم) رواه ابن ماجه.

قال في الفتح: في رواية شريك: فقال: فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغنى.

قلت ماذا، قال تقول: أتيناكم أتيناكم

* فحيانا وحياكم ولولا الذهب الاحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم فإذا دعى إلى وليمة فيها دف أجاب، وان دعى إلى وليمة فيها منكر من خمر

أو مزامير فضلا عن الراقصات والمغنيات وما أشبه ذلك، فان علم بذلك قبل الحضور، فان كان قادرا على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الاجابة وإزالة المنكر، وان كان غير قادر على إزالته لم يلزمه الاجابة ولم يستحب له الحضور.

بل ترك الحضور أولى، فان حضر ولم يشارك في المنكر لم يأثم، وان لم يعلم به حتى حضر فوجده، فان قدر على إزالته وجب عليه الازالة، لانه أمر بمعروف ونهى عن منكر.

وإن لم يقدر على إزالته فالاولى له أن ينصرف لحديث النهى عن أن يجلس على مائدة تدار عليها الخمر.

فان لم ينصرف فان قصد إلى سماع المنكر أثم بذلك وان لم يقصد إلى استماعه بل سمعه من غير قصد لم يأثم بذلك لخبر نافع وابن عمر حتى قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع: فموضع الدليل أن ابن عمر لم ينكر على نافع سماعه.

ولان رجلا لو كان له جار في داره منكر ولا يقدر على ازالته فإنه لا يلزمه التحول من داره لاجل المنكر.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 403)

________________________________________

فإن دعى إلى موضع فيه تصاوير فإن كان صور ما لا روح فيها كالشمس والقمر والاشجار جلس سواء كانت معلقة أو مبسوطة، لان ذلك يجرى مجرى النقوش، وإن كان صور حيوان فإن كان على بساط أو مخاد توطأ أو يتكأ عليها فلا بأس أن يحضر، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى سترا معلقا في بيت عائشة أم المؤمنين عليه صور حيوان فقال صلى الله عليه وسلم: اقطعيه مخادا، ولانه يبتذل ويهان، وإن كان على ستور معلقة فقد قال عامة أصحابنا: لا يجوز له الدخول إليها لما روى على قال: أحدثت طعاما فدعوت النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتى الباب رجع ولم يدخل، وقال: لا أدخل بيتا فيه صور، فإن الملائكه

لا تدخل بيتا فيه صور، وقيل إن أصل عبادة الاوثان كانت الصور.

قال في البيان: وذلك أن آدم صلوات الله عليه لما مات جعل في تابوت فكان بنوه يعظمونه: ثم افترقوا فحصل قوم منهم في ذروة جبل وقوم منهم في أسفله وحصل التابوت مع أهل الذروة فلم يقدر من في أسفله على الصعود إليهم فاشتد عليهم ذلك فصوروا مثاله من حجارة وعظموه، فلما طال الزمان ونشا من بعدهم رأوا آباءهم يعظمون تلك الصور فظنوا أنهم كانوا يعبدونها من دون الله فعبدوها وإذا كان هذا هو السبب وجب أن يكون محرما.

وقال ابن الصباغ هذا عندي لا يكون أكثر من المنكر مثل الخمر والملاهي وقد جوزوا له الدخول إلى الموضع التى هي فيه، سواء قدر على إزالتها أو لم يقدر وما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يدل على التحريم، بل يدل على الكراهة، وما روى عن الملائكه يحتمل أن يكون في ذلك الزمان، لان الاصنام كانت تعظم فيه والتماثيل، وأما الزمان الذى لا يعتقد فيه شئ من ذلك فلا يجرى مجراه.

اه وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: فإن كانت المنازل مسترة فلا بأس أن يدخلها، ليس فيه شئ أكرهه سوى السرف، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال لا نستر الجدر، ولان في ذلك سرفا فكره لمن فعله دون من يدخل إليه.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 404)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ومن حضر الطعام فإن كان مفطرا ففيه وجهان

(أحدهما)

يلزمه أن يأكل، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما

فليصل)

(والثانى)

لا يجب لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك) وان دعى وهو صائم لم تسقط عنه الاجابة للخبر، ولان القصد التكثير والتبرك بحضوره، وذلك يحصل مع الصوم، فإن كان الصوم فرضا لم يفطر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وان كان صائما فليصل) وان كان تطوعا فالمستحب أن يفطر، لانه يدخل السرور على من دعاه، وان لم يفطر جاز لانه قربة فلم يلزمه تركها، والمستحب لمن فرغ من الطعام أن يدعو لصاحب الطعام.

لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (أفطر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سعد ابن معاذ رضى الله عنه، فقال: أفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكه وأكل طعامكم الابرار) .

(الشرح) حديث أبى هريرة رواه أحمد ومسلم وأبو داود بلفظ (إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وان كان مفطرا فليطعم) وقد مضى وحديث جابر أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وقال فيه (وهو صائم) أما حديث افطار الرسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقد رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، وروينا في سنن أبى داود وغيره عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضى الله عنه بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الابرار، وصلت عليكم الملائكه.

قال النووي في الاذكار: قلت: فهما قضيتان جرتا لسعد بن عباده وسعد ابن معاذ، وروينا في سنن أبى داود عن رجل عن جابر قال صنع أبو الهيثم بن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 405)

________________________________________

التيهان للنبى صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه،

فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم، قالوا: يا رسول الله وما إثابته قال: إن الرجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته.

أما اللغات فقوله: فليصل.

قال ابن بطال: أي فليدع، والصلاة هنا الدعاء لارباب الطعام بالمغفرة والبركة، وقوله: وصلت عليه الملائكة أي استغفرت لكم والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكه الاستغفار ومن الناس الدعاء.

أما الاحكام: فإذا حضر المدعو إلى طعام فلا يخلو إما أن يكون صائما أو مفطرا فإن كان صائما نظرت، فإن كان الصوم فرضنا فإنه يجب عليه الاجابة ولا يجب عليه الاكل، لقوله صلى الله عليه وسلم (فليجب فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليدع) أو (فليصل) والصلاة الدعاء وليقل: إنى صائم لما روى أن ابن عمر دعى إلى طعام وهو صائم فلما حضر مد يده فلما مد الناس أيديهم قال: بسم الله كلوا إنى صائم، وإن كان صوم تطوع استحب أن يفطر لانه مخير فهى بين الاكل والاتمام، وفى الافطار إدخال المسرة على صاحب الوليمة فإن لم يفطر جاز لقوله صلى الله عليه وسلم (وان كان صائما فليدع) ولم يفرق، وان كان المدعو مفطرا فهل يلزمه الاكل؟ فيه وجهان.

 

(أحدهما)

يلزمه أن يأكل لما روى أبو هريرة مرفوعا (فإذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وان كان صائما فليصل)) ولان الاجابة المقصود منها الاكل فكان واجبا.

 

(والثانى)

لا يجب عليه الاكل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فان شاء فليأكل، وان شاء ترك) ولانه لو كان واجبا لوجب عليه ترك التطوع لانه ليس بواجب، ولان التكثر والتبرك يحصل بحضوره وقد حضر.

(فرع في أداب الطعام) روى عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

قال (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) يريد بذلك غسل اليد وروت عائشة أم المؤمنين عليها السَّلَامُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا حضر الاكل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 406)

________________________________________

إلى أحدكم فليذكر اسم الله، فان نسى أن يذكر اسم الله في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره، وروى أبو جحيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم فلا يأكل من أعلا القصعة، وإنما يأكل من أسفلها، فان البركة تنزل في أعلاها، وروى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فان الشيطان يفعل ذلك وروى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وان كرهه تركه.

وَرَوَى أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ ليرضى على العبد أن يأكل الاكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها.

ويستحب أن يدعو لصاحب الطعام لما روى ابن الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر عند سعد بن معاذ فقال: أفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة وأكل طعامكم الابرار.

والله تعالى الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قال المصنف رحمه الله:

 

‌باب عشرة النساء والقسم

 

إذا تزوج إمرأة فان كانت ممن يجامع مثلها وجب تسليمها بالعقد إذا طلب، ويجب عليه تسلمها إذا عرضت عليه، فان طالب بها الزوج فسألت الانظار أنظرت ثلاثة أيام، لانه قريب ولا تنظر أكثر منه لانه كثير، وان كانت لا يجامع مثلها لصغر أو مرض يرجى زواله لم يجب التسليم إذا طلب الزوج ولا التسلم إذا عرضت عليه، لانها لا تصلح للاستمتاع، وان كانت لا يجامع مثلها لمعنى لا يرجى زواله بأن كانت نضوة الخلق أو بها مرض لا يرجى زواله،

وجب التسليم إذا طلب، والتسلم إذا عرضت عليه، لان المقصود من مثلها الاستمتاع بها في غير الجماع.

 

(فصل)

وان كانت الزوجة حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا لانه لا حق لغيرها عليها، وللزوج أن يسافر بها لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يسافر بنسائه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 407)

________________________________________

ولا يجوز لها أن تسافر بغير اذن الزوج لان الاستمتاع مستحق له، فلا يجوز تفويته عليه، وإن كانت أمة وجب تسليمها بالليل دون النهار، لانها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يجب التسليم في غير وقتها، كما لو أجرها لخدمة النهار، وقال أبو إسحاق إن كان بيدها صنعة كالغزل والنسج وجب تسليمها بالليل والنهار لانه يمكنها العمل في بيت الزوج، والمذهب الاول لانه قد يحتاج إليها في خدمة غير الصنعة، ويجوز للمولى بيعها لان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة رضى الله عنها في شراء بريرة، وكان لها زوج، ويجوز له أن يسافر بها لانه يملك بيعها فملك السفر بها كغير المزوجة.

 

(فصل)

ويجوز للزوج أن يجبر إمرأته على الغسل من الحيض والنفاس لان الوطئ يقف عليه، وفى غسل الجنابة قولان.

 

(أحدهما)

له أن يجبرها عليه، لان كمال الاستمتاع يقف عليه لان النفس تعاف من وطئ الجنب.

 

(والثانى)

ليس له أن يجبرها لان الوطئ لا يقف عليه، وفى التنظيف والاستحداد، وجهان

(أحدهما)

يملك إجبارها عليه لان كمال الاستمتاع يقف عليه

(والثانى)

لا يملك إجبارها عليه لان الوطئ لا يقف عليه، وهل له أن يمنعها من أكل ما يتأذى برائحة؟ فيه وجهان.

أحدهما: له منعها لانه يمنع كمال الاستمتاع.

والثانى: ليس له منعها لانه لا يمنع الوطئ، فإن كانت ذمية فله منعها من السكر، لانه يمنع الاستمتاع لانها تصير كالزق المنفوخ، ولانه لا يأمن أن تجنى عليه، وهل له أن يمنعها من أكل لحم الخنزير؟ وشرب القليل من الخمر؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يجوز له منعها، لانه يمنع كمال الاستمتاع

(والثانى)

ليس له منعها لانه لا يمنع الوطئ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه ليس له منعها من لحم الخنزير، لانه لا يمنع الوطئ وله منعها من قليل الخمر، لان السكر يمنع الاستمتاع، ولا يمكن التمييز بين ما يسكر وبين ما لا يسكر مع اختلاف الطباع، فمنع من الجميع.

(الشرح) اللغات: القسم بفتح القاف مصدر قسمته وبابه ضرب فذرته

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 408)

________________________________________

أجزاء فانقسم والموضع مقسم كمسجد والفاعل قاسم والمبالغة قسام والاسم القسم بكسر القاف والجمع أقسام مثل حمل وأحمال.

قوله (الانظار) أي التأخير.

قال: أنظرني إلى يوم يبعثون) قوله (نضوة الخلق) بكسر النون وسكون الضاد وسكون اللام.

أي هزيلة البدن، والنضو الثوب الخلق.

قوله (الاستحداد) هو حلق العانة استفعال من الحديد.

أما الاحكام، فإذا تزوج الرجل امرأة كبيرة أو صغيرة يمكن جماع مثلها بأن تكون ابنة ثمان سنين أو تسع، وسلم مهرها وطلب تسليمها، وجب تسليمها إليه لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تزوجني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بنت سبع سنين وبنى بى وأنا ابنة تسع سنين.

وإن طلبت المرأة أو ولى الصغيرة من الزوج الامهال لاصلاح حال المرأة فقد قال الشافعي رحمه الله: يؤخر يوما ونحوه ولا يجاوز بها الثلاث.

وحكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي رحمه الله في الاملاء قال: إذا دفع مهرها

أو مثلها يجامع فله أن يدخل بها ساعة دفع إليها المهر أحبوا أو كرهوا، واختلف أصحابنا فيها، فقال الشيخ أبو حامد: يجب على الزوج الامهال يوما واحدا، وما قال في الاملاء أراد به بعد الثلاث.

وقال القاضى أبو حامد: هل يجب عليه الامهال؟ فيه قولان

(أحدهما)

لا يجب عليه الامهال لانه قد تسلم العوض فوجب تسليم المعوض كالبيع

(والثانى)

يجب عليه الامهال لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تطرقوا النساء ليلا) رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث جابر.

وعنه أيضا عندهم (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوة فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال: امهلوا حتى ندخل ليلا أي عشاء لكى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة) وعن جابر أيضا (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم) رواه مسلم.

وعن أنس قَالَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أو عشية)) وقال في المغنى للحنابلة إذا تزوج امرأة مثلها يوطأ فطلب تسليمها إليه وجب ذلك، وإن عرضت نفسها عليه لزمه تسلمها ووجبت نفقتها.

وإن طلبها فسألت الانظار أنظرت مدة جرت

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 409)

________________________________________

العادة أن تصلح أمرها فيها كاليومين والثلاثة، لان ذلك يسير جرت العادة بمثله ثم ساق حديث النهى عن الطروق ليلا ثم قال: فمنع من الطروق وأمر بإمهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبته لها فههنا أولى.

اه قلت: ولا يجب عليه الامهال أكثر من ثلاثة أيام، وإن كانت المنكوحة صغيرة لا يجامع مثلها أو مريضة مرضا يرجى زواله وطالب الزوج بها لم يجب تسليمها إليه، لان المعقود عليه هو المنفعة، وذلك لا يوجد في حقها، ولانه لا يؤمن أن يحمله فرط الشهوة على جماعها، فيوقع ذلك جناية بها، وان عرضت

على الزوج لم يجب عليه تسليمها إذا طالب بها لما ذكرناه، ولانها تحتاج إلى حضانة والزوج لا يجب عليه حضانة زوجته.

وان كانت المرأة نضوة من أصل الخلق بأن خلقت دقيقة العظام قليلة اللحم وطلب الزوج تسليمها وجب تسليمها إليه، فان كان يمكن جماعها من غير ضرر بها كان له ذلك، وان كان لا يمكن جماعها الا بالاضرار بها لم يجز له جماعها، بل يستمتع بما دون فرجها، ولا يثبت له الخيار في فسخ النكاح، والفرق بينها وبين القرناء والرتقاء أن تعذر الجماع في القرناء والرتقاء من جهتها، ولهذا لا يتمكن أحد من جماعها، وههنا العذر من جهته وهو كبر خلقته.

ولهذا لو كان مثلها أمكنه جماعها، وهكذا ان كانت مريضة مرضا لا يرجى زواله فحكمه حكم نضوة الخلقة فان أقضها منع من وطئها حتى يلتئم الجرح، فان اختلفا فادعى الزوج انه قد التأم الجرح التئاما لا يخاف عليها منه، وادعت الزوجة انه لم يلتئم فالقول قولها مع يمينها لانها أعلم بذلك.

(مسألة) للزوج أن يجبر زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية، لانه يمنع الاستمتاع الذى هو حق له فملك اجبارها على ازالة ما يمنع حقه، وان احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه لانه لحقه، وله اجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لان الصلاة واجبة عليها، ولا تتمكن منها الا بالغسل.

فأما الذمية ففيها قولان في الجنابة (أحداهما) له اجبارها عليه لان قال الاستمتاع يتوقف عليه، فان النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة، وهو

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 410)

________________________________________

إحدى الروايتين عن أحمد

(والثانى)

ليس له إجبارها، وهو قول مالك والثوري وأبى حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، لان الوطئ لا يتوقف عليه فإنه يباح بدونه، وفى الغسل من الحيض والنفاس قال أبو حنيفة: ليس له إجبار الذمية.

(فرع)

وهل له أن يجبرها على قص الاظفار وحلق العانة؟ ينظر فيه.

فان كان ذلك قد طال وصار قبيحا في النظر فله أن يجبرها قولا واحدا، لان ذلك يمنع من الاستمتاع بها.

وأما إذا صار بحيث يوجد في العادة فهل له إجبارها على إزالته وعلى إزالة الدرن والوسخ من البدن.

قال الشيخ ابو إسحاق الشيرازي هنا: وفى التنظيف الاستحداد وجهان.

قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى وغيره فيه قولان.

 

(أحدهما)

ليس له إجبارها عليه، لانه لا يمنع الاستمتاع

(والثانى)

له اجبارها لانه يمنع كمال الاستمتاع، وهل له أن يمنعها من أكل ما يتأذى برائحته كالبصل والثوم.

قال الشيخ ابو حامد: فيه قولان، وحكاهما المصنف وجهين أيضا وتعليلهما ما مضى.

وذهب أصحاب أحمد كمذهب الشيخ ابى اسحاق في اعتبارهما وجهين في التنظيف والاستحداد وأكل البصل والثوم.

وقال القاضى أبو الطيب: له أن يمنعها قولا واحدا، لانه يتأذى برائحته، الا أن يميته طبخا لان رائحته تذهب.

(فرع)

فإن كانت ذمية وأرادت أن تشرب الخمر فله ان يمنعها من السكر لانه يمنعه من الاستمتاع، ولا يؤمن أن تجنى عليه، وهل له ان يمنعها من القدر الذى لا تسكر منه؟ حكى المصنف فيه وجهين وسائر اصحابنا حكاهما قولين (احدهما) ليس له ان يمنعها منه لانها مقرة عليه، ولا يمنعه من الاستمتاع.

 

(والثانى)

له ان يمنعها منه لانه لا يتميز القدر الذى تسكر منه من القدر الذى لا تسكر منه مع اختلاف الطباع فمنعت الجميع، ولانه يتأذى برائحته ويمنعه كمال الاستمتاع.

وان كانت الزوجة مسلمة فله منعها من شرب الخمر لانه محرم عليها، وان

أرادت ان تشرب ما يسكن من النبيذ فله منعها منه لانه محرم بالاجماع.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 411)

________________________________________

وإن أرادت أن تشرب منه ما لا يسكر، فإن كانا شافعيين فله منعها منه لانهما يعتقدان تحريمه، وإن كانا حنفيين أو هي حنفية فهل له منعها منه.

فيه قولان.

وهل له أن يمنع الذمية من أكل لحم الخنزير؟ قال الشيخ ابو حامد فيه قولان كشرب القليل من الخمر، وحكاهما المصنف وجهين وتعليلهما ما مضى.

قال ابن الصباغ وظاهر كلام الشافعي رحمه الله إن كان يتقذره وتعافه نفسه فله منعها منه، وإن لم تعافه نفسه لم يكن له منعها منه إذا ثبت هذا فإن شربت الخمر أو أكلت لحم الخنزير أو شربت الحنفية النبيذ فله أن يجبرها على غسل فيها لانه نجس، وإذا قبلها نجس فوه.

ومذهب أحمد على نحو ما ذهبنا في هذه المسألة وما تفرع منها وما فيها من أوجه كقول الشيخ أبو إسحاق الشيرازي.

(فرع)

وليس له أن يمنع زوجته من لبس الحرير والديباج والحلى، لان ذلك مباح لها، وله أن يمنعها من لبس جلد الميتة الذى لم يدبغ، فإنه نجس وربما نجس إذا التصق به، وله أن يمنعها من لبس المنجس لانه يمنع القرب إليها والاستمتاع بها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

(فصل)

وللزوج منع الزوجة من الخروج إلى المساجد وغيرها.

لما روى ابن عمر رضى الله عنه قال (رأيت امرأة أتت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته.

قال حقه عليها أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنها الله، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب، حتى تتوب أو ترجع، قالت يا رسول وان كان لها ظالما، قال وان كان لها ظالما) ولان حق

الزوج واجب، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب، ويكره منعها من عيادة أبيها إذا أثقل، وحضور مواراته إذا مات، لان منعها من ذلك يؤدى إلى النفور ويغريها بالعقوق.

 

(فصل)

ويجب على الزوج معاشرتها بالمعروف من كف الاذى لقوله

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 412)

________________________________________

تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ويجب عليه بذل ما يجب من حقها من غير مطل لقوله عز وجل (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف بذل الحق من غير مطل، ولقوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغنى ظلم) ولا يجب عليه الاستمتاع لانه حق له فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة، ولان الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة فلا يمكن ايجابه.

والمستحب أن لا يعطلها لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أتصوم النهار، قلت نعم، قال وتقوم الليل، قلت نعم، قال لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى) ولانه إذا عطلها لم يأمن الفساد ووقوع الشقاق، ولا يجمع بين امرأتين في مسكن الا برضاهما، لان ذلك ليس من العشرة بالمعروف، ولانه يؤدى إلى الخصومة ولا يطأ احداهما بحضرة الاخرى، لانه دناءة وسوء عشرة، ولا يستمتع بها الا بالمعروف، فإن كانت نضو الخلق ولم تحتمل الوطئ لم يجز وطؤها لما فيه من الاضرار.

(الشرح) حديث عبد الله بن عمر رواه أبو داود الطيالسي باللفظ الذى ساقه المصنف، ورواه البزار عن ابن عباس، وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش وهو ضعيف.

وقد وثقه حصين بن نمير وبقية رجاله ثقات (ان امرأة من خثعم أتت

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أخبرني ما حق الزوج على الزوجة، فانى امرأة أيم، فان استطعت والا جلست أيما.

قال فان حق الزوج على زوجته ان سألها نفسها وهى على ظهر قتب ان لا تمنعه، وان لا تصوم تطوعا الا بإذنه، فان فعلت جاعت وعطشت ولا تقبل منها، ولا تخرج من بيتها الا باذنه، فان فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب قالت لا جرم، لا أتزوج أبدا)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 413)

________________________________________

وقد أورده العلامة صديق خان في كتابه حسن الاسوة معزوا للطبراني وصوابه ما ذكرنا.

والذى في الطبراني فأحاديث أخرى ليست عن ابن عباس وليس فيها قصة المرأة الخثعمية.

أما حديث (مطل الغنى ظلم) فقد أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي ورواه البيهقى كلهم عن عمرو بن الشريد عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ (لى الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) وقد مضى الكلام عليه في القرض والحجر والتفليس وغيرها من المجموع وتكملتيه.

أما حديث عبد الله بن عمرو فقد أخرجه أحمد في مسنده بلفظ (زوجنى أبى إمرأة من قريش فلما دخلت على جعلت لا أنحاش لها مما بى من القوة على العبادة من الصوم والصلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كمته حتى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك، قالت: كخير الرجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتش لنا كنفا ولم يعرف لنا فراشا، فأقبل على فعز منى وعضنى بلسانه فقال: أن تخطب إمرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت ثم انطلق إلى النبي فشكاني فأرسل إلى النبي فأتيته قال لى: أتصوم النهار، قلت نعم.

قال وتقوم الليل قلت: نعم، قال لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب

عن سنتى فليس منى) .

أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: وله منعها من شهادة جنازة أبيها وأمها وولدها.

وجملة ذلك أن للزوج أن يمنع زوجته من ذلك وقد أخذ أصحابنا من نصه هذا أن له ان يمنعها من عيادة ابيها وامها إذا مرضا ومن حضور مواراتهما إذا ماتا، وقد استدلوا على ذلك بحديث انس (ان إمرأة سافر زوجها ونهى امرأته عن الخروج وكان ابوها مقيم في اسفل البيت وهى في اعلاه فمرض ابوها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في عيادته فقال لها اتقى الله ولا تخالفي زوجك فمات ابوها فأوحى الله إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ قد غفر لابيها بطاعتها لزوجها) ولما كان هذا الحديث لم يصح عندنا حيث رواه الطبراني في الاوسط وآفته محمد عقيل الخزاعى هذا من جهة الاسناد ومتنه يعارض امورا مجمعا عليها فإن اباها له حقوق عليها لا تحصى، اقربها واظهرها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 414)

________________________________________

١ - حق الابوة لقوله تعالى (وبالوالدين إحسانا) قارنا ذلك بعبادته.

٢ - حق الاسلام لقوله صلى الله عليه وسلم (حق المسلم على المسلم خمس) ومنها (وإذا مرض فعده) .

٣ - حق الرحم، يقول الله تعالى (اشتققت لك اسما من اسمى فمن وصلك وصلته ومن قطعك قطعته) .

٤ - حق الآدمية أو حق الانسانية (من لا يرحم الناس لا يرحم) .

٥ - حق المشاركة في اسباب الحياة (دخلت إمرأة النار في هرة، ودخلت إمرأة الجنة في هرة) .

٦ - حق الجوار (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه) إذا ثبت هذا فإنه يكره للزوج أن ينهى زوجته عن عيادة ابيها أو بره أو إبداء

حنوها ومودتها لابويها.

(مسألة) يجب على كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف لقوله تعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم) ولقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء) يعنى بالانفاق عليهن وكسوتهن، ولقوله تعالى (ولهن مثل الذى عليهن) والمقابلة ههنا بالتأدية لا في نفس الحق لان حق الزوجه النفقة والكسوة وما اشبه ذلك، وحق الزوج التمكين من الاستمتاع، وقال تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال الشافعي وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه لا بإظهار الكراهية في تأديته، فأيهما مطل بتأخيره فمطل الواجد القادر على الاداء ظلم بتأخيره.

قال اصحابنا: فكف المكروه هو ان لا يؤذى احدهما الاخر بقول أو فعل، ولا يأكل احدهما ولا يشرب ولا يلبس ما يؤذى الاخر.

وقوله اعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، إذا وجب لها على الزوج نفقة أو كسوة بذله لها ولا يحوجها إلى ان ترفعه إلى الحاكم فيلزمها في ذلك مؤنة لقوله صلى الله عليه وسلم (لى الواجد ظلم) وكذلك إذا دعاها إلى الاستمتاع لم تمتنع ولم تحوجه إلى ان يرفع ذلك إلى الحاكم فيلزمه في ذلك مؤنة، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا دعا احدكم امرأته إلى فراشه فأبت عليه فبات وهو عليها ساخط

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 415)

________________________________________

لعنتها الملائكه حتى تصبح، ورواه أحمد والبخاري ومسلم.

وقوله: لا باظهاره الكراهية في تأديته، إذا طلبت الزوجه حقها منه أو طلب الزوج حقه منها بذل كل واحد منهما ما وجب لصاحبه وهو باش الوجه ضاحك السن لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم، رواه أحمد والترمذي وصححه.

وقال صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها.

رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وهو بعض حديث عند أحمد عن أنس، وبعض حديث طويل من قدوم معاوية من الشام وسجوده النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن أبى أوفى.

(فرع)

ولا يجب على الزوج الاستمتاع بها.

وحكى الصيمري أن مالكا رضى الله عنه قال: إذا ترك جماع زوجته المدة الطويلة أمر بالوطئ، فإن أبى فلها فسخ النكاح، وقال آخرون: يجبر على أن يطأ في كل أربع ليال ليلة قال العمرانى في البيان: وهذا غير صحيح لانه حق له فجاز له تركه، ولان الداعي إليه الشهوة وذلك ليس إليه، والمستحب له أن لا يخليها من الجماع لقوله صلى الله عليه وسلم: لكنى أصوم وأفطر، أصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى، ولانه إذا لم يجامعها لم يأمن منها الفساد، وربما كان سببا للعداوة والشقاق بينهما، وإن كان له زوجات لم يجمع بينهن في مسكن إلا برضاها أو برضى كل واحدة منهن على حدة، لان ذلك يؤدى إلى خصومتهن، ولا يطأ واحدة بحضرة الاخرى لان ذلك قلة أدب وسوء عشرة.

(فَرْعٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ: وإذا تزوج رجل إمرأة فأحب له أول ما يراها أن يأخذ بناصيتها ويدعو باليمين والبركة فيقول: بارك الله لكل واحد منا في صاحبه، لان هذا بدء الوصله بينهما، فأستحب له أن يدعو بالبركة، والامر كما قال الشافعي رضى الله عنه إذ روى أبو داود وابن ماجه وابن السنى وغيرهم عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا تزوج أحدكم إمرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهم إنى أسألك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 416)

________________________________________

خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا

اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك) وفى رواية (ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركه في المرأة والخادم) ويستحب إذا أراد أن يجامعها ان يقول بسم اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رزقتنا لما روى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طرق كثيرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ.

بسم اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رزقننا، فقضى بينهما ولد لم يضره) وفى روايه للبخاري (لم يضرة الشيطان ابدا) .

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ولا يجوز وطؤها في الدبر.

لما روى خزيمه بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ملعون من اتى أمرأة في دبرها) ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الاليتين لقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم، فإنهم غير ملومين) ويجوز وطؤها في الفرج مدبرة، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قالت اليهود: إذا جامع الرجل امرأته من ورائها جاء ولدها احول) فأنزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكلم فأتوا حرثكم انى شئتم) قال: يقول يأتيها من حيث شاء مقبلة أو مدبرة إذا كان ذلك في الفرج) .

(الشرح) حديث خزيمة بن ثابت اخرجه احمد وابن ماجه واخرجه الشافعي بنحوه وفى اسناده عمر بن احيحة وهو مجهول واختلف في اسناده اختلافا كثيرا ورواه النسائي من طريق اخرى وفيها هرمى بن عبد الله ولا يعرف حاله، واخرجه من طريق هرمى أيضا احمد وابن حبان، وقد روى النهى عن اتيان المرأة في دبرها عن ابى هريرة عند احمد وابى داود وبقية اصحاب السنن والبزار وفى اسناده الحارث بن مخلد، قال البزار ليس بمشهور.

وقال ابن القطان: لا يعرف حاله، وقد اختلف فيه على سهيل بن ابى صالح

فرواه عنه اسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما اخرجه الدارقطني

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 417)

________________________________________

ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن ابيه عن جابر كما اخرجه ابن عدى بإسناد ضعيف.

قال الحافظ في بلوغ المرام: ان رجال حديث أبى هريرة هذا ثقات لكن أعل بالارسال.

وفى لفظ رواه أحمد وابن ماجه (لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها) .

وروى أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) ورواه أبو داود وقال (فقد برئ مما أنزل) وهو من رواية أبى تميمة عن أبى هريرة، قال الترمذي: لا نعرفه الا من حديث أبى تميمة عن أبى هريرة.

وقال البخاري: لا يعرف لابي تميمة سماع عن أبى هريرة.

وقال البزار: هذا حديث منكر، وفى الاسناد أيضا حكيم الاثرم، قال البزار لا يحتج به، وما تفرد به فليس بشئ، ولابي هريرة حديث ثالث عند النسائي من رواية الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وفى اسناده عبد الملك بن محمد الصنعانى وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما، ولابي هريرة أيضا حديث رابع اخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن ابى هريرة بلفظ (من أتى شيئا من الرجال والنساء في الادبار فقد كفر) وفى اسناده بكر وليث بن أبى سليم، ولابي هريرة حديث خامس وفى اسناده مسلم بن خالد الزنجي.

واخرج احمد عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تأتوا النساء في اعجازهن أو قال في ادبارهن) .

قال الحافظ الهيثمى في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات، واخرج احمد عن عمرو

ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في الذى يأتي امرأته في دبرها، هي اللوطية الصغرى) .

وعن على بن طلق قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول لا تأتوا النساء في استاهن فان الله لا يستحى من الحق) رواه احمد والترمذي وحسنه، ثم قال: سمعت محمدا يقول: لا اعرف لعلى بن طلق عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 418)

________________________________________

غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن على السحيمى، وكأنه رأى أن هذا الآخر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اه وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر) رواه الترمذي وقال: حديث غريب، والنسائي وابن حبان والبزار، وقال لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدى ورواه النسائي عن هناد عن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح من المرفوع، ولابن عباس رواية موقوفة عند عبد الرزاق أن رجلا سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها فقال سألتنى عن الكفر.

وعن ابن مسعود عند ابن عدى.

وعن عقبة بن عامر عند احمد وفيه ابن لهيعة.

وعن ابن عمر عند النسائي والبزار وفيه زمعة بن صالح.

أما حديث جابر رضى الله عنه فقد رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا النسائي.

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) يعنى صماما واحدا، رواه احمد والترمذي وحسنه.

وعنها أيضا قالت (لما قدم المهاجرون على الانصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الانصار لا تجبى، فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال فأته، فاستحيت أن

تسأله، فسألته أم سلمة فنزلت (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) وقال لا (إلا في صمام واحد) رواه أحمد.

ومن رواية ابن عباس عند ابى داود وفيه (إنما كان هذا الحى من الانصار وهم أهل وثن مع هذا الحى من يهود، وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، فكان هذا الحى من الانصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحى من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الانصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، فسرى أمرهما حتى بلغ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 419)

________________________________________

فأنزل الله عز وجل (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) يعنى مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعنى بذلك موضع الولد.

وروى أحمد والترمذي وقال حسن غريب عن ابن عباس قال (جاء عمر إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رسول الله هلكت، قال وما الذى أهلكك؟ قال حولت رحلى البارحة، فلم يرد عليه بشئ، قال فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) أقبل وأدبر، واتقوا الدبر والحيضة أما الاحكام فقد استدل الجمهور بهذه الاحاديث التى تقرب من درجه التواتر على تحريم إتيان المرأة في دبرها.

وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قال لم يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تحريمه ولا تحليله شئ والقياس أنه حلال.

وقد أخرجه عنه ابن أبى حاتم في مناقب الشافعي، وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الاصم

عنه، وكذلك الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي، وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم، وان تكلمت بالمناصفة كلمتك على المناصفة، قال على المناصفة، قلت فبأى شئ حرمته قال بقول الله تعالى (فاءتوهن من حيث أمركم الله) وقال (فاءتوا حرثكم أنى شئتم) والحرث لا يكون إلا في الفرج.

قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه، قال نعم.

قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث، قال لا.

قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بما لا حجة فيه، قال فإن الله قال (والذين هم لفروجهم حافظون) الايه.

قال فقلت له هذا مما يحتجون به للجواز ان الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته أو ما ملكت يمينه، فقلت له انت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك.

اه وقال الحاكم بعد ان حكى الشافعي ما سلف، لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، فأما الجديد فالمشهور انه حرمه.

وقد حمل الماوردى في الحاوى وأبو نصر بن الصباغ في الشامل على ابن عبد الحكم الذى روى هذا عن الشافعي، ورويا هما وغيرهما من اصحابنا عن الربيع.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 420)

________________________________________

ابن سليمان أنه قال: كذب والله يعنى ابن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب.

وتعقب الحافظ بن حجر في التلخيص هذا فقال: لا معنى لهذا التكذيب، فإن ابن عبد الحكم لم يتفرد بذلك، بل قد تابعه عليه عبد الرحمن ابن عبد الله أخوه عن الشافعي، ثم قال إنه لا خلاف في ثفة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روى الجواز أيضا عن مالك.

قال القاضى أبو الطيب في تعليقه أنه روى عنه ذلك أهل مصر وأهل المغرب

ورواه عنه ابن رشد في كتاب البيان والتحصيل، وأصحاب مالك العرافيون لم يثبتوا هذه الرواية، وقد رجع متأخر وأصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه.

وقد نقل ابن قدامة رواية عن مالك.

قوله ما أدركت أحدا أقتدى به في دينى يشك في أنه حلال، ثم أنكر ذلك أصحابه العراقيون.

قلت: إذا كان الله تبارك وتعالى قد حرم الوطئ في الفرج عند المحيض لاجل الاذى فكيف بالحش الذى هو موضع أذى دائم ونجس لازم، مع زيادة المفسدة بانقطاع النسل الذى هو المقصد الاسمى من مشروعية الزواج فضلا عن خساسة هذا العمل ودناءته مما يفضى إلى التلذذ بما كان يتلذذ به قوم لوط، وما يعد شذوذا في الشهوة يتنزه عنها المؤمنون الاطهار وأبناء الملة الاخيار وكفى بهذا العمل انحطاط أن أحدا لا يرضى أن ينسب هذا القول إلى إمامه، كما يقول ابن القيم، وقد ذكر لذلك مفاسد دينية ودنيوية كثيرة في هديه.

وقد روى التحريم عن على وابن مسعود وابن عباس وأبى الدرداء وعبد الله بن عمرو وأبى هريرة وابن المسيب وأبى بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وقتادة وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأى وابن المنذر وأحمد بن حنبل وأصحابه كافة، وأبى ثور والحسن البصري.

وقال العمرانى عن الربيع (كذب ابن عبد الحكم والذى لا إله إلا هو) قال المزني، قال الشافعي ذهب بعض أصحابنا إلى احلاله وآخرون إلى تحريمه ولا أرخص فيه بل أنهى عنه.

وحكى أن مالكا سئل عن ذلك فقال (الآن اغتسلت منه) (فرع)

يجوز التلذذ بما بين الالتين من غير إيلاج في الدبر لما فيه من الاذى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 421)

________________________________________

ويجوز الوطئ في الفرج مقبلة ومدبرة لما روى جابر أن اليهود قالت: إذا جامع

الرجل امرأته من روائها جاء ولدها أحول، فأنزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) أفاده العمرانى في البيان وسائر الاصحاب.

(فرع)

يحرم الاستمناء، وهو إخراج الماء الدافق بيده، وبه قال أكثر أهل العلم، وقال ابن عباس: نكاح الامة خير منه وهو خير من الزنا، وروى أن عمرو ابن دينار رخص فيه عند الاضطرار وخوف الهلكة، وبه قال أحمد رضى الله عنه.

دليلنا قوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وقد قرر علماء وظائف الاعضاء والطب البشرى أن الاستمناء مفض إلى قتل الرغبة الجنسية، ويجعل المرء لا ينتشر عند الوقاع إلا إذا أستمنى بيده مما يعطل وظيفته كزوج، ويقتل صلاحية عضوه أو يقلل كفاءته الزوجية، وكل هذا من المفاسد المنهى عنها

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ويكره العزل.

لما روت جذامة بنت وهب قالت (حضرت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عن العزل.

فقال: ذلك الوأد الخفى (وإذا الموءودة سئلت) فإن كان ذلك في وطئ أمته لم يحرم، لان الاستمتاع بها حق له لا حق لها فيه، وإن كان في وطئ زوجته فإن كانت مملوكة لم يحرم لانه يلحقه العار باسترقاق ولده منها.

وإن كانت حرة فإن كان بإذنها جاز لان الحق لهما، وإن لم تأذن ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

لا يحرم لان حقها في الاستمتاع دون الانزال

(والثانى)

يحرم لانه يقطع النسل من غير ضرر يلحقه.

 

(فصل)

وتجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الاذى كما يجب عليه في معاشرتها، ويجب عليها بذل ما يجب له من غير مطل لما روى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 422)

________________________________________

أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (إذا دعا أحدكم امرأته إلى فراشه فأبت فبات وهو عليها ساخط لعنتها الملائكه حتى تصبح) (الشرح) حديث جذامة بنت وهب الاسدية أخرجه أحمد ومسلم بلفظ.

(حضرت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أناس وهو يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا، ثم سألوه عن العزل فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الوأد الخفى وهى وإذا الموءودة سئلت) أما الاحكام فقد اختلف السلف في حكم العزل، فقال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لان الجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف الا ما لا يلحقه عزل.

قال الحافظ بن حجر ووافقه في نقل هذا الاجماع ابن هبيرة وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لا حق للمرأة في الجماع فيجوز على مقتضى أصلهم العزل بغير إذنها.

قلت ولكنه وقع في كتب أكثر أصحابنا أنه لا يجوز العزل عن الحرة إلا بإذنها، ويدل على اعتبار الاذن والرضى من الحرة حديث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يعزل عن الحرة الا بإذنها) رواه أحمد وابن ماجه، وقال الغزالي يجوز العزل، وهو المصحح عند المتأخرين.

وقد أخرج أحمد عن جابر رضى الله عنه (كنا نعزل عل عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن ينزل) .

قال سفيان حين روى هذا الحديث (ولو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) كأنه يشرح عبارة جابر.

وأوهم كلام الحافظ المقدسي في عمدته ومن تبعه أن الزيادة التى قالها سفيان

من نفس الحديث فأدرجها.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 423)

________________________________________

وإذا قال الصحابي: كنا نفعل الشئ الفلاني كان له حكم الرفع عند أكثر المحدثين لان الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره، وأما إذا لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه خلاف في رفعه، ويشبه ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عمر: كنا نتقى الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شئ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا.

وأخرج مسلم من طريق أبى الزبير عن جابر قال (كنا نعزل فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبلغ ذلك نبى الله فلم ينهنا) ومن وجه آخر عن أبى الزبير عن جابر أن رجلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (إن لى جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها، فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، قال: قد أخبرتك) ووقعت هذه القصة عنده من طريق سفيان بن عيينة بإسناد آخر إلى جابر وفى آخره فقال (أبا عبد الله ورسوله) وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبى شيبة بسند آخر على شرط الشيخين بمعناه.

وفي الصحيحين وغيرهما مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة بنى المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا: نفعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله، فَسَأَلْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا عليكم أن لا تفعلوا، ما كتب الله عز وجل خلق بسمة هي كائنة إلى يوم القيامة، إلا ستكون) ومن ثم تكون جملة ما تقدم أن العزل برضى الحرة جائز عند أبى حنيفة

ومالك وأحمد وعند ابن حزم يحرم العزل، وعند الشافعية وجهان، أحدهما المنع واليه ذهب الرويانى في بحر المذهب، وكرهه العمرانى في البيان.

قال في الفتح: نعم جزم ابن حزم بوجوب الوطئ وبتحريم العزل، واستند إلى حديث جذامة بنت وهب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ العزل فقال: ذلك الوأد الخفى.

أخرجه مسلم والترمذي وصححه من طريق معمر عَنْ يَحْيَى بْنِ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 424)

________________________________________

أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن ثوبان عن جابر قال: كانت لنا جواري وكنا نعزل فقالت اليهود: إن تلك الموءودة الصغرى فسئل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلك فقال: كذبت اليهود، لو أراد الله خلقه لم يستطع رده) وأخرجه النسائي من طريق هشام وعلى بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن أبى مطيع بن رفاعة عن أبى سعيد نحوه، ويجمع بين هذه الاحاديث وحديث جذامه بأن حديث جذامة يحمل على التنزيه وهذه طريقة البيهقى، ومنهم من ضعف حديث جذامة بأنه معارض بما هو أكثر طرقا منه، وكيف يصرح بتكذيب اليهود في ذلك ثم يثبته؟ قال الحافظ وهذا دفع للاحاديث الصحيحة بالتوهم، والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن، ومنهم من ادعى أنه منسوخ، ورد بعدم معرفة التاريخ.

وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الامر أولا من موافقة أهل الكتاب، لانه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه، وتعقبه ابن رشد ثم ابن العربي بأنه لا يجزم بشئ تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم، ومنهم من رجح حديث جذامة لثبوته في صحيح مسلم وضعف مقابله بأنه حديث واحد اختلف في إسناده فاضطرب، ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها

موافق أصل الاباحه وحديثها يدل على المنع، فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان، وتعقب بأن حديثها ليس صريحا في المنع، إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما، وخصه بعضهم بالعزل عن الحامل لزوال المعنى الذى كان يحذره الذى يعزل من حصول الحمل، وجمعوا بين تكذيب اليهود في قولهم الموءودة الصغرى، وبين إثبات كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بأن قولهم الموءودة الصغرى يقتضى أنه وأد ظاهر، لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا، فلا يعارض قوله، ان العزل وأد خفى، فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا، فلا يترتب عليه حكمه، وانما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة، وقال بعضهم: الوأد الخفى ورد على طريق التشبيه لانه قطع طريق الولادة قبل مجيئه فأشبه قتل الولد بعد مجيئة.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 425)

________________________________________

وقال ابن القيم من الحنابلة الذى كذبت فيه اليهود زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، إذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة، وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامه، لان الرجل إنما يعزل هربا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد صرفا فلذلك وصفه بكونه خفيا، فهذه أجوبه عدة أشار إليها ابن حجر في الفتح ورجعنا إليها في مظانها وعنها نقلنا.

 

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ولا يجب عليها خدمته في الخبز والطحن والطبخ والغسل وغيرها من الخدم لان المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع فلا يلزمها ما سواه.

 

(فصل)

وإن كان له امرأتان أو أكثر فله أن يقسم لهن (لان النبي صلى الله

عليه وسلم قسم لنسائه) ولا يجب عليه ذلك لان القسم لحقه فجاز له تركه، وإذا أراد أن يقسم لم يجز أن يبدأ بواحدة منهن من غير رضا البواقى الا بقرعة، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من: كانت له امرأتان يميل إلى احداهما على الاخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) ولان البداءة بإحداهما من غير قرعة تدعو إلى النفور، وإذا قسم لواحدة بالقرعة أو غير القرعة لزمه القضاء للبواقي، لانه إذا لم يقض مال، فدخل في الوعيد.

 

(فصل)

ويقسم المريض والمجبوب (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم في مرضه) ولان القسم يراد للانس وذلك يحصل مع المرض والجب، وان كان مجنونا لا يخاف منه طاف به الولى على نسائه، لانه يحصل لها به الانس، ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمحرمة والمظاهر منها والمولى منها، لان القصد من القسم الايواء والانس، وذلك يحصل مع هؤلاء، وان كان مجنونة لا يخاف منها قسم لها، لانه يحصل لها الانس، وان كان يخاف منها لم يقسم لها، لانها لا تصلح للانس.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 426)

________________________________________

(الشرح) قسم النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه رواه مسلم عن أنس ورواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه عن عائشة، ولفظ أبى داود في رواية (كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل إمرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها فيبيت عندها) .

أما حديث أبى هريرة فقد أخرجه أحمد وأصحاب السنن الاربعة والدارمى وابن حبان والحاكم وقال: إسناده على شرط الشيخين، واستغربه الترمذي مع

تصحيحه، وقال عبد الحق: هو حديث ثابت لكن علته أن هماما تفرد به، وأن هشاما رواه عن قتادة فقال: كان يقال.

وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه، وقد ورد عن عَائِشَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) رواه أصحاب السنن الاربعة والدارمى وصححه ابن حبان والحاكم ورجح الترمذي إرساله فقال: رواية حماد بن زيد عن أيوب عن أبى قلابه مرسلا أصح، وكذا أعله النسائي والدارقطني.

وقال أبو زرعة: لا أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله، وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يسأل في مرضه الذى مات فيه: أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها) رواه أحمد والبخاري ومسلم.

أما أحكام هذه الفصول فإنه لا يجب على المرأة خدمة الرجل أو البيت لان المعقود عليه هو الاستمتاع إلا أن خدمتها أمر مشروع يدل عليه حديث رواه أحمد والبخاري ومسلم عن جابر (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ نكحت؟ قلت نعم، قال: أبكرا أم ثيبا؟ قلت ثيب، قال فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ قلت يا رسول الله قتل ابى يوم أحد، وترك تسع بنات، فكرهت أن أجمع اليهن خرقاء مثلهن، ولكن إمرأة تمشطهن وتقيم عليهن، قال أصبت) فمن كان بسبيل من ولد وأخ وعائلة فإنه لا حرج على الرجل في قصده خدمة إمرأته

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 427)

________________________________________

وان كان ذلك لا يجب عليها، لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك، فلذلك لَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقال أحمد: قال أصحابنا وغيرهم ليس على المرأة خدمة زوجها في عجن وخبز وطحن وطبخ ونحوه.

وقال السفارينى في شرح ثلاثيات المسند: لكن الاولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به، وأوجب ابن تيمية المعروف من مثلها لمثله، وأما خدمة نفسها في ذلك فعليها إلا أن يكون مثلها لا تخدم نفسها، وقال أبو ثور: على الزوجة أن تخدم الزوج في كل شئ، وقال ابن حيب في (الواضحة) إن النبي حكم على فاطمة عليها السلام بخدمة البيت كلها، قال السفارينى وفى الفروع ليس عليها عجن وخبز وطبخ ونحوه نص عليه خلافا للجوزجاني من أئمة علمائنا اه.

(مسألة) إذا كان له زوجتان أو أكثر لم يجب عليه القسم ابتداء، بل يجوز له أن ينفرد عنهن في بيت لان المقصود هو الاستمتاع وهو حق له فجاز له تركه وان أراد أن يقسم بيتهن جاز لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم بين نسائه.

ولا يجوز أن يبدأ بواحدة منهن من غير رضا الباقيات الا بالقرعة لقوله تعالى (فلا تميلوا كل الميل) وحديث أبى هريرة الذى ساقه المصنف ومضى تخريجه فيه وعيد شديد لمن يؤثر واحدة دون الاخرى، وفى البداءة بإحداهن من غير قرعة ميل، فإن كان له زوجتان أقرع بينهما مرة واحدة، وان كن ثلاثا أقرع مرتين وان كن أربعا أقرع ثلاث مرات لانهن إذا كن ثلاثا فخرجت القرعة لواحدة قسم لها ثم أقرع بين الباقيتين، وهكذا في الاربع، وان أقام عند واحدة منهن من غير قرعة لزمه القضاء للباقيتين، لانه إذا لم يقض كان مائلا.

(مسألة) ويقسم المريضة والرتقاء والقرناء والحائض والنفساء والمحرمة والتى آلى منها أو ظاهر، لان المقصود الايواء والسكن، وذلك موجود في حقهن فأما المجنونة فإن كان خاف منها سقط حقها من القسم لان المقصود الايواء والسكن، وذلك موجود في حقهن، وان لم يخف منها وجب لها القسم لان الايواء يحصل معها، وان دعاها إلى منزل له فامتنعت سقط حقها من القسم كالعاقله.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 428)

________________________________________

(فرع)

ويقسم المريض والمجنون والعنين والمحرم، لان الانس يحصل به، وإن كان يخاف منه لم يقسم له الولى لانه لا يحصل به الانس، وإن كان لا يخاف منه نظرت فإن كان قد قسم لواحدة في حال عقله ثم جن قبل أن يقضى لزم الولى أن يقضى للباقيات قسمهن منه، كما لو كان عليه دين، وإن جن قبل أن يقسم لواحدة منهن فان لم ير الولى أن له مصلحة في القسم لم يقسم لهن، وإن رأى المصلحة له في القسم قسم لهن لانه قائم مقامه، وهل يجب على الولى ذلك أم لا؟ على قولين، وحكاهما بعض الاصحاب وجهين

(أحدهما)

لا يجب عليه كما لا يجب على العاقل

(والثانى)

يجب عليه ذلك لان العاقل له اختيار في ترك حقه والمجنون لا اختيار له، فلزم الولى أن يستوفى له حقه بذلك، فإن حمله إلى واحدة حمله ليلة أخرى أو كان بالخيار بين أن يطوف على نسائه وبين أن يتركه في منزله ويستدعيهن واحدة واحدة إليه، وإن طاف به على البعض واستدعى البعض جاز، فان قسم الولى لبعضهن ولم يقسم للباقيات لم يلزم الولى.

هذا نقل أصحابنا البغداديين.

وقال المسعودي: هل يقسم الولى للمجنون.

فيه وجهان.

قال فإن كان يجن يوما ويفيق يوما فأقام ليلة جنونه عند واحدة وليلة عقله عند أخرى لم تحتسب ليلة جنونه عندها حتى يقضى لها، فلو أقر الولى أنه ظلم إحداهن لم يسمع إقراره حتى تقر المظلومة لها للمظلومة، هكذا أفاده العمرانى في البيان.

وحكى في البحر عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع إحداهما ليلة ومع الاخرى ثلاثا لان له أن ينكح أربعا، وله إيثار أيهما شاء بالليلتين، ولا شك أن هذا ومثله يعد من الميل الكلى، والله يقول (فلا تميلوا كل الميل) قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن سافرت المرأة بغير إذن الزوج سقط حقها من القسم والنفقة لان القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد منعت ذلك بالسفر.

وان سافرت باذنه ففيه قولان

(أحدهما)

لا يسقط لانها سافرت باذنه، فأشبه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 429)

________________________________________

إذا سافرت معه (الثاني) لا يسقط، لان القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد عدم الجميع فسقط ما تعلق به كالثمن لما وجب في مقابلة المبيع سقط بعدمه.

 

(فصل)

وإن اجتمع عنده حرة وأمة قسم للحرة ليلتين وللامة ليلة، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: من نكح حرة على أمة فللحرة ليلتان وللامة ليلة، والحق في قسم الامة لها دون المولى، لانه يراد لحظها فلم يكن للمولى فيه حق، فإن قسم للحرة ليلتين ثم أعتقت الامة، فإن كان بعدما اوفاها حقها استأنف القسم لها لانهما تساويا بعد انقضاء القسم.

وإن كان قبل أن يوفيها حقها أقام عندها ليلتين، لانه لم يوفها حقها حتى صارت مساوية للحرة فوجب التسوية بينهما، وإن قسم للامة ليلة ثم أعتقت، فإن كان بعدما أوفى الحرة حقها سوى بينهما، وإن كان قبل أن يوفى الحرة حقها لم يزد على ليلة لانهما تساويا فوجب التسوية بينهما

(فصل)

وعماد القسم الليل، لقوله عز وجل (وجعلنا الليل لباسا) قيل في التفسير الايواء إلى المساكن، ولان النهار للمعيشه والليل للسكون، ولهذا قال الله تعالى (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه) فإن كانت معيشته بالليل فعماد قسمه النهار، لان نهاره كليل غيره، والاولى أن يقسم ليلة ليلة اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولان ذلك أقرب إلى التسويه في إيفاء الحقوق فإن قسم ليلتين أو ثلاثا جاز، لانه في حد القليل، وإن زاد على الثلاث لم يجز

من غير رضاهن، لان فيه تغريرا بحقوقهن، فإن فعل ذلك لزمه الفضاء للبواقي لانه إذا قضى ما قسم بحق فلان يقضى ما قسم بغير حق أولى، وإذا قسم لها ليلة كان لها الليلة وما يليها من النهار، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لكل امرأة يومها وليلتها، غير أن سودة وهبت ليلتها لعائشة تبتغى بذلك رضى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَى عن عائشة رضى الله عنها قالت (تُوُفِّيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بيتى وفى يومى وبين سحري ونحرى، وجمع الله بين ريقي وريقه)

(فصل)

والاولى أن يطوف إلى نسائه في منازلهن اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 430)

________________________________________

ولان ذلك أحسن في العشرة وأصون لهن، وله أن يقيم في موضع ويستدعى واحدة واحدة، لان المرأة تابعة للزوج في المكان، ولهذا يجوز له أن ينقلها إلى حيث شاء، وإن كان محبوسا في موضع فان أمكن حضورها فيه لم يسقط حقها من القسم، لانه يصلح للقسم فصار كالمنزل، وإن لم يمكن حضورها فيه سقط القسم لانه تعذر الاجتماع لعذر، وان كانت له امرأتان في بلدين فأقام في بلد إحداهما فان لم يقم معها في منزل لم يلزمه القضاء بالمقام في بلد الاخرى لان المقام في البلد معها ليس بقسم، وان أقام معها في منزلها لزمه القضاء للاخرى، لان القسم لا يسقط باختلاف البلاد كما لا يسقط باختلاف المحال.

 

(فصل)

ويستحب لمن قسم أن يسوى بينهن في الاستمتاع لانه أكمل في العدل، فان لم يفعل جاز، لان الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة، ولا يمكن التسوية بينهن في ذلك.

ولهذا قال الله عز وجل (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) .

قال ابن عباس رضى الله عنهما: يعنى في الحب والجماع.

وقالت عائشة (رض)

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم بين نسائه ويعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملكه ولا أملكه) .

(الشرح) حديث عائشة الاول أخرجه أحمد والبخاري ومسلم، وبقية الاخبار مضى تخريجها.

أما اللغات فقوله (وجعلنا الليل لباسا) الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وقياس جمعها ليلات مثل بيضة وبيضات، وعاملته ملايلة أي ليلة وليلة مثل مشاهرة ومياومة، أي شهرا وشهرا ويوما ويوما، واللباس هو الذى يغطى ويستر كما يغطى اللباس ويستر.

وقوله (بين سحري ونحرى) السحر الرثة.

قال ابن بطال: أرادت أنه مات وهو متكئ عليها صلى الله عليه وسلم، والنحر موضع القلادة من الصدر وتطلق النحور على الصدور أما الاحكام فإنه إذا كان طلب معاش الرجل بالنهار فعماد قسمته الليل لقوله تعالى (وجعل الليل سكنا) وقوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 431)

________________________________________

وإن كان طلب معاشه بالليل فعماد قسمته النهار، والمستحب أن يقسم مناوبة وهو أن يقيم عند واحدة ليلة ثم عند الاخرى ليلة، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هكذا، ولانه اقرب إلى إيفاء الحق، وإن أراد أن يقسم لكل واحدة ليلتين أو ثلاثا جاز لان ذلك قريب إلى إيفاء الحق، وإن أراد أن يقيم عند كل واحدة أكثر من الثلاث فقد قال الشافعي في الاملاء: إن أراد أن يقسم لهن مياومة أو مشاهرة أومساناة كرهت له وأجزأه.

قال أصحابنا: يجوز له ما زاد على الثلاث برضاهن وأما بغير رضاهن فلا يجوز لانه كثير، ويدخل النهار في القسم لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لنسائه كل واحدة يوما وليلتها، غير أن سودة رضى الله عنها وهبت ليلتها لعائشة.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ إلى بيت حفصة فلم يصادفها، فقعد عند مارية فقالت: يا رسول الله في بيتى وفى يومى، فأضافت اليوم إليها، والاولى أن يجعل اليوم تابعا لليلة التى مضت قبله، لان الشهر هلالي، وإن جعل النهار تابعا لليلة التى بعده جاز.

(مسألة) إذا سافرت المرأة مع زوجها فلها النفقة والقسم لانها في مقابلة الاستمتاع وذلك موجود.

وهكذا إذا اشخصها من بلد إلى بلد لتعلة أو لحاجة فلها النفقة والقسم وان لم يكن معها.

وإن سافرت لحاجة لها وحدها بإذنه ففيه قولان

(أحدهما)

لا نفقة لها ولا قسم لانها في مقابلة الاستمتاع وذلك متعذر منها.

 

(والثانى)

لها النفقة والقسم لانها غير ناشزة، فهو كما لو أشخصها لحاجة له والاول أصح (مسألة) وان كان عنده مسلمة وذمية سوى بينهما في القسم لقوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ولم يفرق، ولعموم الوعيد في حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من كانت له امرأتان يميل لاحداهما على الاخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا) رواه أحمد وأصحاب السنن قال الشافعي في الام: وإذا كان له أربع زوجات فترك إحداهن من القسمة أربعين ليلة قضى لها عشر ليال.

واختلف أصحابنا في تأويله فقال أكثرهم: أراد أنه أقام عند كل واحدة من الثلاث عشرا.

ثم أقام عشرا وحده في بيت فيقضى للرابعة عشرا.

فأما لو أقام عند الثلاث أربعين قضى للرابعة ثلاث عشرة ليلة وثلثا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 432)

________________________________________

وقال ابن الصباغ: ظاهر كلامه أنه أقام عندهن أربعين ليلة.

وما قال له وجه جيد عندي لان الذى تستحقه بالقضاء عشر، وثلاث ليال وثلث تستحقها إذن لان زمان القضاء لها فيه قسم.

(فرع)

قال في الام: وان كان له أربع نسوة فسافرت واحده منهن بغير اذنه

وأقام عند اثنتين ثلاثين يوما عند كل واحدة خمسة عشر يوما فلما أراد أن يقيم عند الثالثة رجعت الناشزة وصارت في طاعته، فلا حق لها فيما مضى من القسم لانها كانت عاصية، ولا يمكن أن يقسم للثالثة خمس عشرة ليلة، لان القادمة تستحق الربع فيجعل الليالى أربعا ويقيم عند القادمة ليلة وهو حقها، ويجعل للثالثة ثلاث ليال، ليلة هي حقها وليلتين من حق الاولتين، فإذا دار بين القادمة والثالثة خمسة أدوار كذلك، استوفت الثالثة خمس عشرة ليلة والقادمة خمسا واستأنف القسم بين الاربع، ولو كان بدل المسافرة زوجة جديدة تزوجها قبل أن يوفى الثالثة خص الجديدة ان كانت بكرا بسبع، وان كانت ثيبا ثلاثا ثم يقسم ثلاثا للثالثة الاولة وليلة للجديدة حتى يدور خمسة أدوار واستأنف القسم للاربع دليلنا ما أخرجه الشيخان عن أبى قلابة عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مِنْ السُّنَّةِ إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم: قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: ان أنس ارفعه إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ ابن دقيق العيد: قول أبى قلابة يحتمل وجهين.

 

(أحدهما)

ان يكون ظن انه سمعه عن انس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا

(والثانى)

أن يكون رأى أن قول أنس (من السنة) في حكم المرفوع، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح، لانه في حكم المرفوع، قال والاول اقرب، لان قوله (من السنة) يقتضى ان يكون مرفوعا بطريق اجتهادى محتمل قلت: وقد روى هذا الحديث مرفوعا الدارقطني والبيهقي وابو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والدارمى بلفظ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاث ثم يعود إلى نسائه) وسيأتى في فصل بعده.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 433)

________________________________________

(مسألة) والمستحب أن يطوف على نسائه في منازلهن، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذلك، ولان ذلك أصون لهن، وان قعد في منزل واستدعى كل واحدة إليه في منزلها، واستدعى البعض إلى منزله كان له ذلك، فإن لم تأته واحدة إلى حيث مكان يصلن إليه ويصلح للمسكن وأراد أن يقسم بينهن، ويستدعيهن إليه كان له ذلك لانه كالمنزل، وإن كان له إمرأتان في بلدين فأقام في بلد إحداهما فان أقام معها قضى للاخرى، وإن لم يقم معها لم يقض للاخرى، لان اقامته في البلد التى هي بها من غير أن يقيم معها ليس بقسم.

(مسألة أخرى) ليس في شرط القسم الوطئ، غير أن المستحب أن يساوى بينهن في الوطئ لانه هو المقصود، فان وطئ بعضهن دون بعض لم يأثم بذلك لان الوطئ طريقه الشهوة، وقد تميل الشهوة إلى بعضهن دون بعض، ولهذا قال تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قيل في التفسير: في الحب والجماع، وقد روينا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم بين نسائه، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.

رواه أصحاب السنن عن عائشة رضى الله عنها وصححه الحاكم وابن حبان، ورجح الترمذي ارساله.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

ولا يجوز أن يخرج في ليلتها من عندها، فان مرض غيرها من النساء وخاف أن تموت أن أكرهه السلطان جاز أن يخرج لانه موضع ضرورة وعليه القضاء، كما يترك الصلاة إذا أكره على تركها وعليه القضاء، والاولى أن يقضيها في الوقت الذى خرج، لانه أعدل، وان خرج في آخر الليل وقضاه في أوله جاز، لان الجميع مقصود في القسم، فان دخل على غيرها بالليل فوطئها ثم عاد ففيه ثلاثة أوجه، أحدها: يلزمه القضاء بليلة لان الجماع معظم المقصود، والثانى: يدخل عليها في ليلة الموطوءة فيطؤها لانه أقرب إلى التسوية، والثالث

أنه لا يقضيها بشئ، لان الوطئ غير مستحق في القسم، وقدره من الزمان لا ينضبط فسقط.

ويجوز أن يخرج في نهارها للمعيشة ويدخل إلى غيرها ليأخذ شيئا أو يترك شيئا ولا يطيل، فان أطال لزمه القضاء لانه ترك الايواء المقصود

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 434)

________________________________________

وإن دخل إلى غيرها لحاجة فقبلها جَازَ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (ما كان يوم أو أقل يوم إلا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف علينا جميعا، ويقبل ويلمس، فإذا جاء إلى التى هو يومها أقام عندها) ولا يجوز أن يطأها لانه معظم المقصود فلا يجوز في قسم غيرها، فإن وطئها وانصرف ففيه وجهان

(أحدهما)

أنه يلزمه أن يخرج في نهار الموطوءة ويطأها، لانه هو العدل

(والثانى)

لا يلزمه شئ لان الوطئ غير مستحق، وقدره من الزمان لا ينضبط فسقط، وان كان عنده إمرأتان فقسم لاحداهما مدة ثم طلاق الاخرى قبل أن يقضيها ثم تزوجها لزمه قضاء حقها، لانه تأخر القضاء لعذر وقد زال فوجب كما لو كان عليه دين فأعسر ثم أيسر.

(الشرح) حديث عائشة رضى الله عنها أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي والحاكم وصححه بلفظ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا إمرأة إمرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضى إلى التى هو يومها فيبيت عندها) وروى أبو داود بنحوه ولفظه في رواية له (كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل إمرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها فيبيت عندها) وفى لفظ عند أحمد والبخاري ومسلم (كان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه، فيدنو من احداهن) .

أما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه (ولا يدخل في الليل على التى

لم يقسم لها) وجملة ذلك أنه إذا قسم بين نسائه فلا يجوز أن يخرج من المقسوم لها في ليلتها لغير ضرروة من غير اذنها لان عماد القسم الليل، فان دعت ضرورة إلى ذلك بأن مرض غيرها وأشرفت على الموت فاحتاج أن يخرج إليها لتوصى إليه أو تحتاج إلى قيم ولا قيم لها أو ماتت واحتاج إلى الخروج لتجهيزها جاز له الخروج لان هذا موضع عذر، فان برئت المريضة التى خرج إليها قضى للتى خرج من ليلتها من ليلة المريضة مثل الذى أقام عندها، وان ماتت لم يقض، بل يستأنف القسم للباقيات.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 435)

________________________________________

إذا ثبت هذا فقد نقل المزني: أنه يعودها في ليلة غيرها.

قال أصحابنا هذا سهو في النقل أيضا، هو في يوم غيرها، فان خالف وخرج عنها في ليلتها لغير عذر إلى غيرها وأقام عندها قليلا فقد أساء، ولا يقضى ذلك، لان ذلك يسير لا يضبط، وان أقام عندها مدة طويله من الليل قضى للاخرى من ليلته التى أقام عندها مثل ذلك في وقته من الليل، وان قضى مثله في غير وقته من الليل جاز، لان المقصود الايواء، وجميع الليل وقت الايواء، وان دخل إلى غيرها في ليلتها وجامعها وخرج سريعا فما الذى يجب عليه؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يجب القضاء عليه لان القصد الايواء، ولم يفوت عليها يجماع غيرها الايواء، لان قدر مدته يسيرة.

 

(والثانى)

يجب عليه القضاء، بليلة من حق الموطوءة، لان المقصود بالايواء هو الجماع، فإذا وقع ذلك لغيرها في ليلتها وجب عليه أن يقضيها في ليلة الموطوءة (والثالث) أنه يدخل عليها في ليلة الموطوءة فيطؤها لانه أعدل.

(فرع)

فان أخرجه عنها في ليلتها وحبسه نصف ليلتها أو خرج عنها إلى بيت وقعد فيه نصف الليل، وجب عليه أن يقضى مثل الذى فوت عليها، فان

فوت عليها النصف الاول من الليل فانه يأوى إليها النصف الاول من الليل: ثم يخرج منها إلى منزله أو لغيره، وينفرد عنها وعن سائر نسائه النصف الاخير وقال ابن الصباغ: قال بعض أصحابنا: الا أن يخاف العسس أو يخاف اللصوص فيقيم عندها في باقى الليل، ولا يخرج للعذر، ولا يقضى الباقيات، وان فوت عليها النصف الاخير من الليل فالمستحب أن يقضيها في النصف الاخير، وان أوى إليها النصف الاول وانفرد في النصف الاخير جاز.

(فرع)

ويجوز أن يخرج في نهار المقسم لها لطلب المعيشة إلى السوق ولقضاء الحاجات، وان دخل إلى غيرها في يومها، فان كان لحاجة مثل أن يحمل إليها نفقتها، أو كانت مريضة فدخل عليها يعودها، أو دخل لزيارتها لبعد عهده بها، أو يكلمها بشئ أو تكلمه، أو يدخل إلى بيتها شيئا، أو يأخذ منه شيئا ولم يطل الاقامة عندها، جاز ولا يلزمه القضاء لذلك، لان المقصود بالقسم

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 436)

________________________________________

الايواء، وذلك يحصل بالليل دون النهار ولا يجامعها لما روى عن عائشة (ما من يوم الا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضى إلى التى هو يومها فيبيت عندها) وهل له أن يستمتع بالتى يدخل إليها في غير يومها بالجماع؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ.

 

(أحدهما)

لا يجوز لان ذلك ما يحصل به السكن فأشبه الجماع.

 

(والثانى)

وهو المشهور: يجوز لحديث عائشة أم المؤمنين، فان دخل إليها في يوم غيرها وأطال المقام عندها لزمه القضاء، كما قلنا في الليل، وان أراد الدخول إليها في يوم غيرها لغير حاجة لم يجز لان الحق لغيرها، وان دخل إليها في يوم غيرها ووطئها، وانصرف سريعا ففيه وجهان حكاهما المصنف.

أحدهما لا يلزمه القضاء لانه غير مستحق ووقته لا ينضبط.

والثانى: يلزمه أن يدخل

إليها في يوم الموطوءة فيطؤها لانه أعدل.

قال المصنف رحمه الله:

(فصل)

وان تزوج امرأة وعنده امرأتان أو ثلاث قطع الدور للجديدة فان كانت بكرا أقام عندها سبعا، لما روى أبو قلابة عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (مِنْ السُّنَّةِ أن يقيم عند البكر مع الشيب سبعا، قال أنس: ولو شئت أن أرفعه إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرفعت) وان كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا أو سبعا لِمَا رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج أم سلمة رضى الله عنها وقال: ان شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، وان شئت ثلثت عندك ودرت) فان أقام عند البكر سبعا لم يقض للباقيات شيئا، وان أقام عند الثيب ثلاثا لم يقض، فان أقام سبعا ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

يقضى السبع لقوله صلى الله عليه وسلم (ان شئت سبعت عندك وسبعت عندهن)

(والثانى)

يقضى ما زاد على الثلاث، لان الثلاث مستحقه لها فلا يلزمه قضاؤها، وان تزوج العبد أمة وعنده امرأة قضى للجديدة حق العقد وفى قدره وَجْهَانِ، قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هي على النصف كما قلنا في القسم الدائم، وقال أبو إسحاق: هي كالحرة، لان قسم العقد حق الزوج فلم يختلف

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 437)

________________________________________

برقها وحريتها بخلاف القسم الدائم فإنه حق لها، فاختلف برقها وحريتها، وإن تزوج رجل امرأتين وزفتا إليه في وقت واحد أقرع بينهما لتقديم حق العقد كما يقرع للتقديم في القسم الدائم.

(الشرح) حديث أبى قلابة عن أنس في الصحيحين، إلا أنه ليس فيه، قال أنس وإنما الذى فيه: قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت.

إن أنسا رَفْعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ ابن دقيق العيد: قول أبى قلابة يحتمل

وجهين

(أحدهما)

أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا

(والثانى)

أن يكون رأى أن قول أنس: من السنة، في حكم المرفوع، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح، لانه في حكم المرفوع.

قال والاول أقرب، لان قوله من السنة يقتضى أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادى محتمل، وقوله: انه رفعه نص في رفعه، وليس للراوى أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص في رفعه، وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله من السنة كذا، وبين رَفْعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقد روى هذا الحديث جماعه عن أنس وقالوا فيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في البيهقى ومستخرج الاسماعيلي، وصحيح أبى عوانة، وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان وسنن الدارمي والدارقطني.

أما حديث أم سلمة فقد أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه بلفظ: عَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال: إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) ورواه الدارقطني وَلَفْظُهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لها حين دخل بها: ليس بك عن أهلك هو ان إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك، وان شئت سبعت لك وسبعت لنسائي، قالت تقيم معى ثلاثا خالصة) وفى إسناد الدارقطني الواقدي: وعن أنس رضى الله عنه قال (لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم صفيه أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا) رواه أحمد وابو داود والنسائي.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 438)

________________________________________

أما الاحكام فإن الاحاديث تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب بثلاث.

قيل وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة.

وقال ابن عبد البر قول جمهور العلماء أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف، سواء كان عنده زوجة أم لا.

وحكى

النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب.

قال الحافظ بن حجر في الفتح: وهذا يوافق كلام أكثر الاصحاب، واختار النووي أن لا فرق، واطلاق الشافعي يعضده.

ويمكن التمسك لقول من اشترط أن يكون عنده زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس أيضا: البكر سبع وللثيب ثلاث.

قال الحافظ لكن القاعدة ان المطلق محمول على المقيد.

قال وفيه يعنى حديث أنس حجة على الكوفيين في قولهم ان البكر والثيب سواء في الثلاث، وعلى الاوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان، وفيه حديث مرفوع عن عائشة عند الدارقطني بسند ضعيف جدا.

اه وقال العمرانى في البيان (إذا كان تحته زوجة أو زوجات فتزوج بأخرى قطع الدور للجديدة، فإن كانت بكرا أقام عندها سبعا ولا يقضى، وان كانت ثيبا كان بالخيار بين أن يقيم عندها ثلاثا ولا يقضى، وبين أن يقيم عندها سبعا ويقضى ما زاد على الثلاث.

ومن اصحابنا من قال تقضى السبعة كلها، والاول هو المشهور قلت هذا هو مذهبنا وبه قال أنس بن مالك (رض) والشعبى والنخعي ومالك واحمد واسحاق رحمهم الله.

وقال ابن المسيب والحسن البصري (يقيم عندها إذا كانت بكرا ليلتين وعند الثيب ليلة) وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة وأصحابه (يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا ويقضى مثل ذلك للباقيات.

دليلنا ما روى عن انس مرفوعا (للبكر سبع وللثيب ثلاث) وما روى عن أم سلمه (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ما بك على اهلك هوان، فإن شئت سبعت عندك وقضيت لهن، وان شئت ثلثت عندك ودرت، فقلت ثلث) فإذا قلنا يجب عليه قضاء السبع إذا اقامها عند الثيب فوجهه قوله صلى الله عليه وسلم (ثلثت عندك ودرت) فلو كان يجب قضاء الثلاث كما كان يجب قضاء ما زاد لما كان للتخيير معنى، ولان الثلاثه مستحقه لها بدليل

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 439)

________________________________________

انها لو اختارت ان يقيم عندها الثلاث لا غير لم يجب عليه قضاؤها، فكذلك لا يجب قضاؤها إذا اقامها مع الاربع.

(فرع)

قال في الام ولا احب ان يتخلف عن صلاة الجماعة، ولا يمنعه من عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا اجابة وليمه.

وجملة ذلك انه إذا اقام عند الجديدة بحق العقد فهو كالقسم الدائم فعماده الليل.

واما بالنهار فله ان ينصرف إلى طلب معاشه ويصلى مع الجماعه ويشهد الجنازة ويعود المريض ويجيب الولائم لان الايواء بالنهار عندها مباح.

وهذه الاشياء طاعات فلا يترك الطاعات للمباح قال ابن الصباغ فأما بالليل فقال أصحابنا لا يخرج فيه لشئ من ذلك لان حق الزوجه فيه واجب وما يخرج له فليس بواجب، بخلاف السكون عندها بالنهار فإنه ليس بواجب.

اه

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وان اراد السفر بامرأة أو امرأتين أو ثلاث اقرع بينهن، فمن خرجت عليها القرعة سافر بها، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج اقرع بين نسائه، فصارت القرعه على عائشة رضى الله عنها، وحفصه رضى الله عنها فخرجتا معه جميعا) ولا يجوز ان يسافر بواحدة من غير قرعه، لان ذلك ميل وترك للعدل.

وان سافر بامرأتين بالقرعه سوى بينهما في القسم كما يسوى بينهما في الحضر فإن كان في سفر طويل لم يلزمه القضاء للمقيمات، لان عائشة رضى الله عنها لم تذكر القضاء، ولان المسافرة اختصت بمشقه السفر فاختصت بالقسم، وان كان في سفر قصير ففيه وجهان

(أحدهما)

لا يلزمه القضاء كما لا يلزمه في السفر الطويل

(والثانى)

يلزمه لانه في حكم الحضر، وان سافر ببعضهن بغير قرعة

لزمه القضاء للمقيمات لانه قسم بغير قرعه فلزمه القضاء كما لو قسم لها في الحضر وان سافر بامرأة بقرعة إلى بلد ثم عن له سفر ابعد منه لم يلزمه القضاء، لانه سفر واحد وقد اقرع له.

وان سافر بامرأة بالقرعه وانقضى سفره ثم اقام معها مدة لزمه ان يقضى

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 440)

________________________________________

المدة التى أقام معها بعد انقضاء السفر، لان القرعة إنما تسقط القضاء في قسم السفر، وإن كان عنده امرأتان ثم تزوج بامرأتين وزفتا إليه في وقت واحد لزمه أن يقسم لهما حق العقد، ولا يقدم إحداهما من غير قرعة، فإن أراد السفر قبل أن يقسم لهما أقرع بين الجميع فإن خرجت القرعة لاحدى القديمتين سافر بها فإذا قدم قضى حق العقد للجديدتين وان خرجت القرعة لاحدى الجديدتين؟ ويدخل حق العقد في قسم السفر لان القصد من قسم العقد الالفة والاستمتاع.

وقد حصل ذلك وهل يلزمه أن يقضى للجديدة الاخرى حق العقد؟ فِيهِ وَجْهَانِ

(أَحَدُهُمَا)

لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَا يلزمه في القسم الدائم

(والثانى)

يلزمه، وهو قول أبى إسحاق، لانه سافر بها بعدما استحقت الاخرى حق العقد فلزمه القضاء، كما لو كان عنده أربع نسوة فقسم للثلاث ثم سافر بغير الرابعة بالقرعة قبل قضاء حق الرابعة.

(الشرح) حديث عائشة أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه بلفظ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه) وقد استدل بهذا الحديث على مشرعية القرعه في القسمه بين الشركاء وغير ذلك، والمشهور عن الحنفيه والمالكية عدم اعتبار القرعه.

قال القاضى عياض: هو مشهور عن مذهب مالك وأصحابه، لانها من باب الحظر والقمار.

وحكى عن الحنفيه إجازتها أما جملة الفصل فإنه إذا كان لرجل زوجتان أو أكثر وأراد السفر، كان

بالخيار بين أن يسافر وحده ويتركهن في البلد، لان عليه الفقه والكسوة والسكنى دون المقام معهن، كما لو كان بالحضر وانفرد عنهن، وإن أراد أن يسافر بهن جميعا لزمهن ذلك، كما يجوز أن ينتقل من بلد إلى بلد، وإن أراد أن يسافر ببعض نسائه أقرع بينهن لما روت عائشة عليها السلام من إقراع النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى، وهو بالخيار بين أن يكتب الاسماء ويخرج على السفر، والاقامه وبين أن يكتب السفر والاقامه ويخرج على الاسماء.

وإذا خرج السفر على واحدة لم يلزمه المسافرة بها، بل لو أراد أن يدعها ويسافر وحده كان له، وان أراد أن يسافر بغيرها لم يجز، لان ذلك يبطل فائدة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 441)

________________________________________

القرعه، وان اختار أن يسافر بإثنتين وعنده أكثر أقرع بينهن، فإن خرجت قرعة السفر على اثنتين سافر بهما ويسوى بينهما في القسم في السفر، كما لو كان في الحضر.

وإذا سافر بها بالقرعه فإن كان السفر طويلا لم يلزمه القضاء للمقيمات.

وان كان السفر قصيرا ففيه وجهان.

 

(أحدهما)

لا يلزمه القضاء للمقيمات كالسفر الطويل

(والثانى)

يلزمه لانه في حكم الحضر.

هذا مذهبنا وقال داود: يلزمه القضاء المقيمات في الطويل والقصير.

دليلنا حديث عائشة أنها ذكرت السفر ولم تذكر القضاء، ولان المسافرة اختصت بمشقة السفر فاختصت بالقسم.

(فرع)

وان سافر بواحدة منهن من غير قرعة لزمه القضاء للمقيمات، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لا يقضى.

دليلنا أنه خص بعض نسائه بمدة على وجه تلحقه فيه التهمة فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا.

وقال المسعودي: فلو قصد الرجوع اليهن فهل تحتسب عليه المدة من وقت القصد.

فيه وجهان (فرع)

وإن سافر بواحدة منهن بالقرعة ثم نوى الاقامة في بعض البلاد

وأقام بها معه أو لم ينو الاقامة إلا أنه أقام بها أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ الدُّخُولِ وَيَوْمِ الْخُرُوجِ قضى ذلك للباقيات، لانه إنما لم يجب عليه أن يقضى مدة السفر.

وهذا ليس بسفر، وإن سافر بها إلى بلد فلما بلغه عن له أن يسافر بها إلى بلد آخر فسافر بها لم يقض المقيمات لانه سفر واحد وقد أقرع له.

(فرع)

قال الشافعي رضى الله عنه (ولو أراد النقلة لم يكن له أن ينتقل بواحدة إلا أوفى البواقى مثل مقامه معها) واختلف أصحابنا في تأويلها فمنهم من قال: تأويلها إذا كان له نساء فأراد النقلة إلى بلد فينتقل بواحدة منهن ونقل الباقيات مع وكيله إلى ذلك البلد، فلما وصل إلى ذلك البلد أقام مع التى نقلها بعد السفر دون مدة السفر، لان مدة السفر لا تقضى.

وقال أبو إسحاق: تقضى مدة السفر ومدة الاقامه بعده، لانه أراد نقل جميعهن، فقد تساوت حقوقهن، فمتى خص واحدة بالكون معه لزمه أن يقضى للباقيات مدة الاقامه معها، كما لو أقام في الحضر معها بخلاف السفر بإحداهن، فعلى قول الاول يحتاج إلى القرعة وعلى قول أبى إسحاق لا تحتاج إلى قرعة

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 442)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ويجوز للمرأة أن تهب ليلتها لبعض ضرائرها، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ سودة وهبت يومها وليلتها لعائشة رضى الله عنها تبتغى بذلك مرضاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلَا يجوز ذلك إلا برضا الزوج، لان حقه ثابت في استمتاعها، فلا تملك نقله إلى غيرها من غير رضاه، ويجوز من غير رضا الموهوب لها لانه زيادة في حقها، ومتى تقسم لها الليلة الموهوبة؟ فيه وجهان

(أحدهما)

تضم إلى ليلتها، لانه اجتمع لها ليلتان فلم يفرق بينهما

(والثانى)

تقسم لها في الليله التى كانت للواهبة، لانها قائمة مقامها فقسم لها في ليلتها،

ويجوز أن تهب ليلتها للزوج لان الحق بينهما، فإذا تركت حقها صار للزوج ثم يجعلها الزوج لمن شاء من نسائه، ويجوز أن تهب ليلتها لجميع ضرائرها، فإن كن ثلاثا صار القسم أثلاثا بين الثلاث، وإن وهبت ليلتها ثم رجعت لم يصح الرجوع فيما مضى، لانه هبة اتصل بها القبض، ويصح في المستقبل لانها هبة لم يتصل بها القبض.

 

(فصل)

وإن كان له إماء لم يكن لهن حق في القسم، فإن بات عند بعضهن لم يلزمه أن يقضى للباقيات، لانه لا حق لهن في استمتاع السيد، ولهذا لا يجوز لهن مطالبته بالفيئة إذا حلف أن لا يطأهن، ولا خيار لهن بجبه وتعنينه، والمستحب أن لا يعطلهن لانه إذا عطلهن لم يأمن أن يفجرن، وإن كان عنده زوجات وإماء فأقام عند الاماء لم يلزمه القضاء للزوجات، لان القضاء يجب بقسم مستحق، وقسم الاماء غير مستحق فلم يجب قضاؤه كما لو بات عند صديق له (الشرح) حديث سودة هذا أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن سعد وسعيد بن منصور والترمذي وعبد الرزاق وسودة بنت زمعة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة بعد موت خديجة عليها السلام ودخل بها وهاجرت معه، ووقع في رواية لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث عائشة، قالت عائشة: وكانت إمرأة تزوجها بعدى ومعناه عقد عليها بعد أن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 443)

________________________________________

عقد على عائشة، وأما الدخول بعائشة فكان بعد سودة بالاتفاق، وقد نبه على ذلك ابن الجوزى قوله: وهبت يومها، في رواية البخاري في الهبة: يومها وليلتها وزاد في آخرها تبتغى بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظ أبى داود (ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رسول الله يومى لعائشة، فقبل ذلك منها،

ففيها، وأشباهها نزلت: وإن إمرأة خافت من بعلها نشوزا) الآية.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق، فوهبت.

قال: وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم ابن أبى برة مُرْسَلًا، (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلقها فقعدت له على طريقه فقالت: والذى بعثك بالحق ما لى في الرجال حاجة، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة، فأنشدك الذى أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها على، قال لا، قالت: فأنشدك لما راجعتني، فراجعها، قالت فإنى قد جعلت يومى وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) والرواية المتفق عليها (أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لعائشة يومها ويوم سودة) وقوله (يومها ويوم سودة) لا نزاع أنه يجوز إذا كان يوم الواهبة واليا ليوم الموهوب لها بلا فصل أن يوالى الزوج بين اليومين للموهوب لها، وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى أو زوجات، فقال العلماء انه لا يقدمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقى، وهل يجوز للموهوب لها أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبه فإن كان قد قبل الزوج لم يجز لها الامتتاع وإن لم يكن قد قبل لم تكره على ذلك.

حكى ذلك في الفتح عن العماء.

وقال في البيان ويجوز للمرأة أن تهب ليلتها لبعض ضرائرها لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج سودة بعد موت خديجة فلما كبرت وأسنت هم النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها فقالت: يا رسول الله لا تطلقني ودعني حتى احشر في جملة أزواجك وقد وهبت ليلتى لاختى عائشة فتركها، فكان يقسم لكل واحدة ليله ليله ولعائشة ليلتين.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 444)

________________________________________

إذا ثبت هذا فان القبول فيه إلى الزوج لان الحق له ولا يصح ذلك إلا برضاه لان الاستمتاع حق له عليها، ولا يعتبر فيه رضا الموهوبة لان ذلك زيادة في حقها فان كانت ليلة الواهبة توالى ليلة الموهوبة والاهما لها، وان كانتا غير متواليتين فهل للزوج أن يواليهما من غير رضا الباقيات، فيه وجهان.

 

(أحدهما)

له ذلك لان لها ليلتين، فلا فائدة في تفرقتهما.

 

(والثانى)

ليس له ذلك، وهو المذهب ولم يذكر البغوي غيره لانها قائمة مقام الواهبة، وإن وهبتها لزوجها جاز له أن يجعلها لمن شاء من نسائه، لان الحق له، وإن جعلها لواحدة تلى ليلتها ليلة الواهبة، إما قبلها أو بعدها والاهما لها، وان جعلها لمن لا تلى ليلتها فهل له أن يواليهما لها؟ على الوجهين، هكذا نقل البغداديون.

وقال المسعودي: هل للزوج أن يخص بها بعض نسائه، فيه وجهان.

وان وهبتها لجميع ضرائرها صح ذلك وسقط قسمها وصارت كأن لم تكن، فان رجعت الواهبة في ليلتها لم تصح رجعتها فيما مضى، لانها هبة اتصل بها القبض ويصح رجعتها في المستقبل لانها هبة لم يتصل بها القبض، فان لم يعلم الزوج برجعتها حتى قصم ليلتها لغيرها.

قال الشافعي رحمه الله: لم يكن لها بدلها، فان أخذت عن ليلتها عوضا من الزوج لم يصح لانه ليس بعين ولا منفعة، فترد العوض ويقبضها الزوج حقها لانها تركت حقها بعوض ولم يسلم لها العوض.

(مسألة) المتسحب أن يساوى بين الاماء والحرائر، فان لم يفعل فلا شئ عليه، وله أن يطوف على نسائه أو إمائه بغسل واحد إذا حللته عن ذلك في القسم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوف على نسائه بغسل واحد، والله تعالى أعلم بالصواب.

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 445)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

 

‌باب النشوز

 

إذا ظهرت من المرأة أمارات النشوز وعظها لقوله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) ولا يضربها لانه يجوز أن يكون ما ظهر منها لضيق صدر من غير جهة الزوج، وإن تكرر منها النشوز فله أن يضربها، لقوله عز وجل (واضربوهن) وان نشزت مرة ففيه قولان.

 

(أحدهما)

أنه يهجرها ولا يضربها، لان العقوبات تختلف باختلاف الجرائم ولهذا ما يستحق بالنشوز لا يستحق بخوف النشوز، فكذلك ما يستحق بتكرر النشوز لا يستحق بنشوز مرة.

 

(والثانى)

وهو الصحيح: أنه يهجرها ويضربها لانه يجوز أن يهجرها للنشوز فجاز أن يضربها كما لو تكرر منها.

فأما الوعظ فهو أن يخوفها بالله عز وجل وبما يلحقها من الضرر بسقوط نفقتها، وأما الهجران فهو أن يهجرها في الفراش لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال في قوله عز وجل (واهجروهن في المضاجع قال: لا تضاجعها في فراشك) وأما الهجران بالكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) وأما الضرب فهو أن يضربها ضربا غير مبرح ويتجنب المواضع المخوفه والمواضع المستحسنة، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتَّقُوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بكتاب الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وان لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح) ولان القصد التأديب دون الاتلاف والتشويه.

النشوز مصدر نشز وبابه فعد وضرب، ونشزت المرأة من زوجها عصته وامتنعت عليه، ونشز الرجل من امرأته تركها وجفاها، قال تعالى (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) الآية، وأصله الارتفاع، يقال: نشز من

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 446)

________________________________________

مكانه نشوزا بالوجهين إذا ارتفع عنه، وقال تعالى (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) يالضم والكسر، والنشز بفتحتين المرتفع من الارض، والسكون لغة، وقال ابن السكيت في بات فعمل وفعل: قعد على نشز من الارض ونشز وجمع الساكن نشوز مثل فلس وفلوس، ونشاز مثل سهم وسهام وجمع المفتوح أنشاز مثل سبب وأسباب، وأنشزت المكان بالالف رفعته، واستعير ذلك للزيادة والنمو، فقيل: أنشز الرضاع العظم وأنبت اللحم.

أما حديث أبى هريرة رضى الله عنه فقد قال النووي: رواه أبو داود على شرط البخاري ومسلم بلفظ (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار) وفى رواية عند أبى داود له أيضا بلفظ (لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلقه وليسلم عليه، فان رد عليه السلام فقد اشتركا في الاجر، وان لم يرد عليه فقد باء بالاثم وخرج المسلم من الهجرة) .

قال أبو داود: إذا كانت الهجرة لله تعالى فليس من هذا في شئ، وفى الصحيحين عن أنس بلفظ (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله اخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) وفيهما عن أبى أيوب بلفظ (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذى يبدأ بالسلام) .

أما حديث جابر رضى الله عنه فقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن، وهو من

حديث طويل فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وجزء من خطبة الوداع، ورواه ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث عمرو بن الاحوص (أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ ثم قال: استوصوا بالنساء خيرا فانما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك الا أن يأتين بفاحشة مبينة، فان فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ان لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا اليهن

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 447)

________________________________________

في كسوتهن وطعامهن) وقد أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة بلفظ (ولا يأذن في بيته إلا بإذنه) وقد أخرج أحمد وابن جرير والنسائي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيرى أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا حق المرأة على الزوج؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في البيت) .

أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: قال الله عز وجل (واللاتي تخافون نشوزهن) يحتمل إذا رأى الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز فكان للخوف موضع أن يعظها، فإن أبدت نشوزا هجرها.

فان أقامت عليه ضربها، وذلك أن العظة مباحة قبل الفعل المكروه إذا رؤيت أسبابه، وأن لا مؤنة فيها عليها كضربها، وأن العظة غير محرمة من المرء لاخيه فكيف لا مرأته والهجرة لا تكون إلا بما يحل به الهجرة، لان الهجرة محرمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث، والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل، فالاية في العظة والهجرة والضرب على بيان الفعل تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاقب فيه من

العظة والهجرة والضرب مختلفه، فإذا اختلفت فلا يشبه معناها الا ما وصفت.

وقال رحمه الله أيضا: وقد يحتمل قوله (تخافون نشوزهن) إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب (قال) وإذا رجعت الناشز عن النشوز لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها، لانه انما أبيحا بالنشوز، فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذى أبيحا له به.

قال الرييع: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عبد الله ابن عبد الله بن عمر عن اياس بن عبد الله بن أبى ذباب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تضربوا اماء الله، قال فأتاه عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن، فأذن في ضربهن، فأطاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أطاف الليله بآل محمد نساء كثير أو قال سبعون امرأة كلهن يشتكين فلا تجدون أولئك خياركم) .

قال الشافعي: فجعل لهم الضرب وجعل لهم العفو، وأخبر أن الخيار ترك

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 448)

________________________________________

الضرب إذا لم يكن لله عليها حد على الوالى أخذه، وأجاز العفو عنها في غير حد في الخير الذى تركت حظها وعصت ربها.

اه إذا ثبت هذا فإنه إذا ظهر من المرأة النشوز بقول أو فعل وعظها.

فأما النشوز بالقول فهو أن يكون من عادته إذا دعاها أجابته بالتلبية، وإذا خاطبها أجابت خطابه بكلام جميل حسن، ثم صارت بعد ذلك إذا دعاها لا تجيب بالتلبية وإذا خاطبها أو كلمها تخاشنه القول، فهذه أمارات النشوز بالقول وأما أمارات النشوز بالفعل فهو أن يكون من عادته إذا دعاها إلى الفراش أجابته ببشاشة وطلاقة وجه، ثم صارت بعد ذلك متجهمة متكرهة، أو كان

من عاداتها إذا دخل إليها قامت له وخدمته، ثم صارت لا تقوم له ولا تخدمه، فإذا ظهر له ذلك منها فانه يعظها ولا يهجرها ولا يضربها، هذا قول عامة أصحابنا وقال الصيمري: إذا ظهرت منها أمارات النشوز فله أن يجمع بين العظه والهجران، والاول هو المشهور، لان يحتمل أن يكون هذا النشوز تفعله فيما بعد، ويحتمل أن يكون لضيق صدر من أولادها أو من جاراتها أو أقربائها أو نحو ذلك من شغل قلب أو قلق خاطر نشزت منه، بأن دعاها فامتنعت منه، فان تكرر ذلك الامتناع منها فله أن يهجرها، وله ان يضربها، والاصل فيه قول الله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) الآيه.

وان نشزت منه مرة واحدة فله ان يهجرها.

وهل له أن يضربها؟ فيه قولان

(أحدهما)

ليس له أن يضربها.

وبه قال أحمد.

لانها لا تستحق الا العقوبة المساوية لفعلها.

بدليل انها لا تستحق الهجران لخوف النشوز فكذلك لا تستحق الضرب بالنشوز مرة واحدة.

فعلى هذا يكون ترتيب الايه: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع إذا نشزن.

واضربوهن إذا أصررن على النشوز.

 

(والثانى)

له ان يضربها.

قال العمرانى وغيره: وهو الاصح.

لقوله تعالى (واللاتي تخافون) الايه.

فظاهر الآيه ان له فعل الثلاثة الاشياء لخوف النشوز.

فدل الدليل على انه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 449)

________________________________________

يضربها ويهجرها عند خوف النشوز.

وهذه الآية على ظاهرها إذا نشزت لانها معصية يحل بها هجرانها وضربها كما لو تكرر منها النشوز.

إذا ثبت هذا فالموعظة أن يقول لها: ما الذى منعك عما كنت آلفه من برك

وما الذى غيرك، اتقى الله وارجعي إلى طاعتي، فإن حقى واجب عليك، ونحو ذلك من عبارات الوعظ، وتذكيرها بما يعده الله للآثمين والآثمات من حساب يوم تتساوى الاقدام في القيام لله، ويعلم كل امرئ ما قدمت يداه.

والهجران هو أن لا يضاجعها في فراش واحد لقوله تعالى (واهجروهن في المضاجع) ولا يهجر بالكلام، فإن فعل لم يزد على ثلاثة أيام، فإن زاد عليها أثم، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يهجر الرجل أخاه فوق ثلاثة أيام.

وأما الضرب فقال الشافعي: لا يضربها ضربا مبرحا لا مدميا ولا مدمنا ويتقى الوجه.

فالمبرح الفادح الذى يخشى تلف النفس منه أو تلف عضو أو تشويهه، والمدمى الذى يجرح فيخرج الدم، والمدمن أن يوالى الضرب على موضع واحد.

لان القصد منه التأديب.

ويتوقى الوجه لانه موضع المحاسن ويتوقى المواضع المخوفة.

قال الشافعي: ولا يبلغ به حدا.

ومن أصحابنا من قال: لا يبلغ به الاربعين لانه حد الخمر، ومنهم من قال لا يبلغ به العشرين لانه حد العبد، لانه تعزير، وليس للرجل أن يضرب زوجته على غير النشوز بقذفها له أو لغيره، لان ذلك إلى الحاكم، والفرق بينهما أن النشوز لا يمكن إقامة البينة عليه، بخلاف سائر جناياتها.

إذا ثبت هذا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تضربوا إماء الله) وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (كنا معشر قريش لا يغلب نساؤنا رجالنا، فقدمنا المدينة فوجدنا نساءهم يغلبن رجالهم، فحاط نساؤنا نساءهم فزئرن على أزواجهن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقلت ذئر النساء على أزواجهن، فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضربهن.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد أطاف آل محمد سبعون امرأة كلهن تشتكين أزواجهن وما تجدون أولئك بخياركم)

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 450)

________________________________________

فإذا قلنا يجوز نسخ السنة بالكتاب فيحتمل أَنْ يَكُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ضربهن ثم نسخ الكتاب السنة بقوله (واضربوهن) ثُمَّ أَذِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضربهن موافقة للكتاب، غير أنه يجعل تركه أولى بقوله وما يجدون أولئك بخياركم.

وإن قلنا إن نسخ السنة لا يجوز بالكتاب احتمل أن يكون النهى عن ضربهن متقدما ثم نسخه النبي صلى الله عليه وسلم وأذن في ضربهن ثم ورد الكتاب للسنة في ضربهن.

ومعنى قوله (ذئر النساء على أزواجهن) أي اجترأن عليهم.

قال الصيمري: وقيل في قوله تعالى: وللرجال عليهن درجة سبعة تأويلات.

(أحدها) أن حل عقدة النكاح إليه (الثاني) أن له ضربها عند نشوزها (الثالث) أن عليها الاجابة إذا دعاها إلى فراشه، وليس عليه ذلك (الرابع) أن له منعها من الخروج، وليس لها ذلك (الخامس) أن ميراثه على الضعف من ميراثها (السادس) أن لو قذفها كان له إسقاط حقها باللعان.

وليس لها ذلك (السابع) موضع الدرجة اشتراكهما في لذة الوطئ، واختص الزوج بتحمل مؤنة الصداق والنفقة والكسوة وغير ذلك اه وعن عبد الله بن زمعة قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أيضرب أحدكم إمرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم) اخرجه الشيخان وقال العلامة صديق حسن خان (في هذا دليل على أن الاولى ترك الضرب للنساء فإن احتاج فلا يوالى بالضرب على موضع واحد من بدنها، وليتق الوجه لانه مجمع المحاسن، ولا يبلغ بالضرب عشره أسواط.

وقيل ينبغى ان يكون الضرب بالمنديل واليد، ولا يضرب بالسوط والعصا وبالجملة فالتخفيف بأبلغ شئ أولى في هذا الباب.

وبعد هذا لا يسأل الرجل الملتزم بالشرع عن ضرب امرأته لما أخرجه أبو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال (لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته) .

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 451)

________________________________________

قال المصنف رحمه الله تعالى:

(فصل)

وإن ظهرت من الرجل أمارات النشوز لمرض بها أو كبر سن ورأت أن تصالحه بترك بعض حقوقها من قسم وغيره جاز، لقوله عز وجل (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) قالت عائشة رضى الله عنها: أنزل الله عز وجل هذه الآية في المرأة إذا دخلت في السن فتجعل يومها لامرأة أخرى، فإن ادعى كل واحد منهما النشوز على الآخر أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ليعرف الظالم منهما فيمنع من الظلم، فان بلغا إلى الشتم والضرب بعث الحاكم حكمين للاصلاح أو التفريق، لقوله عز وجل (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) واختلف قوله في الحكمين فقال في أحد القولين: هما وكيلان فلا يملكان التفريق الا باذنهما، لان الطلاق إلى الزوج، وبذل المال إلى الزوجة فلا يجوز الا باذنهما، وقال في القول الآخر: هما حاكمان فلهما أن يفعلا ما يريان من الجمع والتفريق، بعوض وغير عوض: لقوله عز وجل (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فسماهما حكمين، ولم يعتبر رضا الزوجين.

وروى عبيدة أن عليا رضى الله عنه بعث رجلين فقال لهما أتريان ما عليكما.

عليكما، ان رأيتما أن تجمعا جمعتما، وان رأيتما ان تفرقا فرقتما، فقال الرجل:

اما هذا فلا، فقال كذبت لا والله ولا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لى وعلى، ولانه وقع الشقاق واشتبه الظالم منهما فجاز التفريق بينهما من غير رضاهما، كما لو قذفها وتلاعنا، والمستحب ان يكون حكما من اهله وحكما من اهلها للآية، ولانه روى انه وقع بين عقيل بن ابى طالب وبين زوجته شقاق، وكانت من بنى امية، فبعث عثمان رضى الله عنه حكما من اهله وهو ابن عباس رضى الله عنه، وحكما من اهلها وهو معاوية رضى الله عنه، ولان الحكمين من اهلهما اعرف بالحال، وان كان من غير اهلهما جاز لانهما في احد القولين وكيلان وفى الآخر حاكمان، وفى الجميع يجوز ان يكونا

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 452)

________________________________________

من غير أهلهما، ويجب أن يكونا ذكرين عدلين لانهما في أحد القولين حاكمان وفى الآخر وكيلان، إلا أن يحتاج فيه إلى الرأى والنظر في الجمع والتفريق، ولا يكمل لذلك إلا ذكران عدلان، فإن قلنا: إنهما حاكمان لم يجز أن يكونا إلا فقيهين، وإن قلنا: انهما وكيلان جاز أن يكونا من العامة، وان غاب الزوجان فان قلنا: انهما وكيلان نفذ تصرفهما كما ينفذ تصرف الوكيل مع غيبة الموكل، وان قلنا: انهما حاكمان لم ينفذ حكمهما، لان الحكم للغائب لا يجوز، وان جنا لم ينفذ حكم الحكمين، لانهما في أحد القولين وكيلان.

والوكالة تبطل بجنون الموكل.

وفى القول الآخر: حاكمان الا أنهما يحكمان للشقاق وبالجنون زال الشقاق.

(الشرح) في قوله تعالى (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) الآية.

أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عائشة عليها السلام قالت: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها تقول له: أمسكنى ولا تطلقني ثم تزوج غيرى وأنت في حل من النفقة على والقسم لى.

فذلك قوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) وفى رواية قالت (هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها فتقول: أمسكنى واقسم لم ما شئت.

قالت فلا بأس إذا تراضيا) .

وأما قوله تعالى (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من اهلها) الآية.

فان أصل الشقاق ان كل واحد منهما يأخذ غير شق صاحبه، أي ناحية غير ناحيته، وأضيف الشقاق إلى الظرف لاجرائه مجرى المفعول به.

كقوله تعالى (بل مكر الليل والنهار) وقولهم (يا سارق الليلة أهل الدار) والخطاب للامراء والحاكم.

والضمير في قوله بينهما للزوجين لانه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما، وهو ذكر الرجال والنساء.

أما أحكام الفصل: فان ظهر من الزوج أمارات النشوز بأن يكلمها بخشونة بعد أن كان يلين لها في القول أو لا يستدعيها إلى الفراش كما كان يفعل إلى غير ذلك.

فلا بأس أن تترك له بعض حقها من النفقة والكسوة والقسم، لتطيب

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 453)

________________________________________

بذلك نفسه، فإذا ظهر من الزوج النشوز بأن منعها ما يجب لها من نفقة وكسوة وقسم وغير ذلك أسكنها الحاكم إلى جنب ثقة عدل ليستوفى لها حقها، إن ادعى كل واحد منهما على صاحبه النشوز بمنع ما يجب عليها أسكنها الحاكم إلى جنب ثقة ليشرف عليهما، فإذا عرف الظالم منهما منعه من الظلم هكذا أفاده العمرانى وغيره، فإذا تجاوز الامر حده إلى التشاتم أو الضرب أو تمزيق الثياب بعث الحاكم حكمين ليجمعا بينهما أو يفرقا لقوله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من أهلها) قال العلامة صديق حسن خان في نيل المرام: فابعثوا الزوجين حكما يحكم بينهما ممن يصلح لذلك عقلا ودينا وإنصافا، وإنما نص الله سبحانه على أن

الحكمين يكونا من أهل الزوجين لانهما أقرب لمعرفة أحوالهما، وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم، وهذا إذا أشكل أمرهما ولم يتبين من هو المسئ منهما، فأما إذا عرف المسئ فانه يؤخذ لصاحبه الحق منه، وعلى الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما، فان قدرا على ذلك عملا عليه، وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر الحاكم ولا توكيل بالفرقة من الزوجين، وبه قال مالك والاوزاعي وإسحاق، وهو مروى عن عثمان وعلى وابن عباس والشعبى والنخعي، وحكاه ابن كثر عن الجمهور، قالوا: لان الله تعالى قال: فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، وهذا نص من الله على أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان.

وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحسن وهو أحد قولى الشافعي إن التفريق هو إلى الامام أو الحاكم في البلد، لا اليهما، ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الامام والحاكم، لانهما رسولان شاهدان فليس اليهما التفريق، ويرشد إلى هذا قوله تعالى: إن يريدا أي الحكمان إصلاحا بين الزوجين يوفق الله بينهما، أي يوقع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الالفة وحسن العشرة والوئام، ومعنى الارادة خلوص نيتهما وصدق عزمهما لاصلاح ما بين

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 454)

________________________________________

الزوجين، وقيل: ان الضمير في قوله تعالى: يوفق الله بينهما، للحكمين، كما في قوله: ان يريدا اصلاحا: أي يوفق الله بين الحكمين في اتحاد مقصودهما، وقيل كلا الضميرين للزوجين، أي ان يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله تعالى بينهما الالفة والوفاق، وإذا اختلف الحكمان لم ينفذ حكمهما، ولا يلزم قولهما بلا خلاف.

قال في البيان: وهل هما وكيلان من قبل الزوجين أو حاكمان من قبل الحاكم

فيه قولان

(أحدهما)

أنهما وكيلان من قبل الزوجين، وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى عبيدة التلمانى قال: جاء إلى على بن أبى طالب رجل وامرأة ومع كل واحد منهما قيام من الناس بغير جماعة، فقال على كرم الله وجهه: ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ثم قال للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ ان رأيتما أن تجمعا، وان رأيتما: أن تفرقا، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لى وعلى، وقال الرجل: أما الجمع فنعم، وأما التفريق فلا، فقال على: كذبت لا والله لا تتزوج حتى ترضى بكتاب الله لك وعليك فاعتبر رضاه، ولان الطلاق بيد الزوج، وبذل العوض بيد المرأة، فافتقر إلى رضاهما، فعلى هذا لا بد أن يوكل كل واحد منهما الحاكم من قبله على الجمع أو التفريق

(والثانى)

أنهما حكمان من قبل الحاكم، وبه قال مالك والاوزاعي واسحاق، وهو الاشبه لقوله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) وهذا خطاب لغير الزوجين وسماهما الله تعالى حكمين، فعلى هذا لا يفتقر إلى رضى الزوجين اه.

إذا ثبت هذا: فان الحكمين يخلو كل واحد منهما بأحد الزوجين وينظر ما عنده، ثم يجتمعا ويشتوران، فان رأيا الجمع بينهما لم يتم الا بالحكمين، وان رأيا التفريق بينهما فان رأيا أن يفرقا فرقة بلا عوض أوقعها الحاكم من قبل الزوج، وان رأيا أن يفرقا بينهما بعوض بذل الحاكم من قبلها العوض عليها، وأوقع الحاكم من قبل الزوج الفرقة.

والمستحب أن يكونا من أهلهما للآية.

ولانهما أعلم بباطن أمرهما.

وان كان من غير أهلهما جاز، لان الحاكم والوكيل يصح أن يكون أجنبيا.

ولا بد أن يكونا حرين مسلمين ذكرين عدلين، لانا ان قلنا انهما حاكمان فلا بد من هذه الشرائط.

وان قلنا انهما وكيلان الا انه

المجموع شرح المهذب - جـ 16(ص: 455)

________________________________________

وكيل من قبل الحاكم فلا بد من أن يكون كاملا.

قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فإن قلنا: إنهما حاكمان فلا بد أن يكونا فقيهين، وإن قلنا: إنهما وكيلان، جاز أن يكونا من العامة، وإن غاب الزوجان أو أحدهما فإن قلنا: إنهما وكيلان صح فعلهما.

لان تصرف الوكيل يصح بغيبة الموكل، وإن قلنا إنهما حاكمان لم يصح فعلهما.

لان الحكم لا يصح للغائب، وان صح الحكم عليه، لان كل واحد منهما محكوم له وعليه، وإن جنا أو أحدهما لم يصح فعلهما، لانه ان قلنا انهما وكيلان بطلت وكالة من جن موكله، وان قلنا انهما حاكمان، فإنهما يحكمان للشقاق، وبالجنون زال الشقاق، وان لم يرضيا أو أحدهما فإن قلنا: انهما حاكمان لم يعتبر رضاهما.

وان قلنا: انهما وكيلان ولم يجبرا على الوكالة فينظر الحاكم فيما يدعيه كل منهما، فإذا ثبت عنده استوفاه من الآخر.

وان كان لهما أو لاحدهما حق على الاخر من مهر أو دين لم يصح للحكمين المطالبة به الا بالوكالة قولا واحدا كالحاكم، والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل.

تم الجزء السادس عشر ويليه الجزء السابع عشر


Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url