المجموع شرح المهذب
________________________________________
القسم: الفقه الشافعي
الكتاب: المجموع شرح المهذب ((مع تكملة السبكي والمطيعي))
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت ٦٧٦هـ)
الناشر: دار الفكر
(طبعة كاملة معها تكملة السبكي والمطيعي)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تاريخ النشر بالشاملة: ٨ ذو الحجة ١٤٣١
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 1)
________________________________________
المجموع شرح المهذب
للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة ٦٧٦ هـ
الجزء التاسع
دار الفكر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 2)
________________________________________
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
كتاب الأطعمة
(ما يؤكل شيئان حيوان وغير حيوان فاما الحيوان فضربان حيوان البر وحيوان البحر فاما حيوان البر فضربان طَاهِرٌ وَنَجِسٌ فَأَمَّا النَّجِسُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وهو الكلب والخنزير والدليل عليه قوله تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) وقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والكلب من الخبائث وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الكلب خبيث خبيث ثمنه) وأما الطاهر فضربان طائر ودواب فأما الدواب فضربان دَوَابُّ الْإِنْسِ وَدَوَابُّ الْوَحْشِ فَأَمَّا دَوَابُّ الْإِنْسِ فانه يحل منها الانعام وهي الابل والبقر والغنم لقوله تعالى (أحلت لكم بهيمة الانعام) وقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والانعام من الطيبات ولم يزل الناس يأكلونها ويبتغون لحومها في الجاهلية والاسلام
* وتحل الخيل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (ذبحنا يوم خيبر من الخيل والبغال والحمير فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل) ولا تحل البغال والحمير لحديث جابر رضي الله عنه ولا يحل السنور لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الهرة سبع) ولانه يصطاد بالناب ويأكل الجيف فهو كالاسد)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (الْكَلْبُ خَبِيثٌ خَبِيثٌ ثَمَنُهُ) رَوَاهُ (١) وفى صحيح مسلم عن رافع
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 3)
________________________________________
ابن خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) وَيُنْكَرُ عَلَى الْحُمَيْدِيِّ كَوْنُهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فِي مُسْنَدِ رَافِعٍ مَعَ أَنَّ مُسْلِمًا كَرَّرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ صَحِيحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ بِلَفْظِهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَفْظُهُمَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) وَأَمَّا حَدِيثُ الْهِرَّةُ سَبُعٌ: فَرَوَاهُ (١) وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْهِرَّةِ وَأَكْلِ ثَمَنِهَا) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا يُؤْكَلُ شَيْئَانِ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى سِيَاقِهِ أَنَّ الْمَأْكُولَ يَنْقَسِمُ إلَى مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَأْكُولِ مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ لَا مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَانَ الْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ الْأَعْيَانُ شَيْئَانِ حَيَوَانٌ وَغَيْرُهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَقَوْلُهُ طَائِرٌ وَدَوَابُّ هَكَذَا فِي النُّسَخِ طَائِرٌ وَكَانَ الْأَحْسَنُ طَيْرٌ وَدَوَابُّ لِأَنَّ الطَّيْرَ جَمْعٌ كَالدَّوَابِّ وَالطَّائِرُ مُفْرَدٌ كَالدَّابَّةِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَالْأَعْيَانُ شَيْئَانِ حَيَوَانٌ وَغَيْرُهُ وَالْحَيَوَانُ قِسْمَانِ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ وَالْبَرِّيُّ ضَرْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ (فَأَمَّا) النَّجِسُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَهُوَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه ولو ارتضع جدى من كلبة وربى عَلَى لَبَنِهَا فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ
(وَالثَّانِي) لَا (وَأَمَّا) الطَّاهِرُ فَصِنْفَانِ طَيْرٌ وَدَوَابُّ وَالدَّوَابُّ نَوْعَانِ دَوَابُّ الْإِنْسِ وَدَوَابُّ الْوَحْشِ (فَأَمَّا) دَوَابُّ الْإِنْسِ فَيَحِلُّ مِنْهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَيُقَالُ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَنْعَامُ وَيَحِلُّ مِنْهَا الْخَيْلُ سَوَاءٌ مِنْهَا العتيق وهو الذى أبواه
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 4)
________________________________________
عَرَبِيَّانِ وَالْبِرْذَوْنُ وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ عَجَمِيَّانِ وَالْهَجِينُ وَهُوَ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمُفْرَقُ وَهُوَ عَكْسُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَيَحْرُمُ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَيَحْرُمُ السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ حَلَالٌ وحكاه الرافعى عن أبى عبد الله البوسنجي مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَدِلَّةُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ.
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ حَلَالٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ
وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وأحمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَكَرِهَهَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْثَمُ بِأَكْلِهِ وَلَا يُسَمَّى حَرَامًا وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ والحمير لتركبوها وزينة) وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ مِنْهَا وَذَكَرَ الْأَكْلَ مِنْ الْأَنْعَامِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَبِحَدِيثِ صَالِحِ بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ تقية بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ المقدام بن معد يكرب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْسُوخٌ رَوَى الدارقطني والبيهقي باسنادهما عن موسى بن هرون الْحَمَّالِ الْحَافِظِ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ لَا يُعْرَفُ صَالِحُ بْنُ يَحْيَى وَلَا أَبُوهُ إلَّا بِجَدِّهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 5)
________________________________________
مضطرب ومع اضطرابه هو مخالف لاحاديث الثقاة يَعْنِي فِي إبَاحَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ قَالَ وَصَالِحُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحُّ قَالَ وَيُشْبِهُ إنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ دَلِيلٌ على ذلك قال النسائي ولا أعلم رواة غير نفيه وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْمُصَنِّفُ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنا نأكل لحوم الْخَيْلِ وَنَشْرَبُ أَلْبَانَهَا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها (قَالَتْ أَكَلْنَا لَحْمَ فَرَسٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ (نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ) (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْآخَرُونَ فَهُوَ مَا أَجَابَ
الْخَطَّابِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا مَقْصُورَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَانِ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخنزير) فَذَكَرَ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ قَالُوا وَلِهَذَا سَكَتَ عَنْ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَنْ الْخَيْلِ مَعَ قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ (وَتَحْمِلُ أثقالكم) وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَيَنْضَمُّ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي إبَاحَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَسَبَقَ جَوَابُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 6)
________________________________________
(فَرْعٌ)
لَحْمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَإِنَّمَا رَوَيْتُ الرُّخْصَةَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ قُلْتُ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي لَحْمِهَا أَشْهَرُهَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةٍ وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَالثَّالِثَةُ مُبَاحٌ وَاحْتَجَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أن يكون ميتة) الآية وبحديث غالب بن الحر قَالَ (أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شئ أُطْعِمُ إلَّا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت يارسول اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي ما أطعم أهلى الا سمان حمر وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ فَقَالَ (أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ حوال العربة) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا هُوَ حَدِيثٌ يُخْتَلَفُ فِي إسْنَادِهِ يَعْنُونَ مُضْطَرِبًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعَارِضُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا وَلَوْ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي تَحْرِيمِهَا لَمْ يَصِرْ إلَى غَيْرِهَا
* وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ (كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَبْنَا حمرا فطبخناها فأمر مناديا فنادى أن اكفؤا الْقُدُورَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى
* وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ (لَمَّا قَدِمْنَا خيبر رأى رسول الله
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 7)
________________________________________
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِيرَانًا تُوقَدُ فقال على ما تُوقَدُ هَذِهِ النِّيرَانُ فَقَالُوا عَلَى لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَالَ كَسِّرُوا الْقُدُورَ وَأَهْرِيقُوا مَا فِيهَا فقال رجل من القوم يارسول الله انهريقوا مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا فَقَالَ أَوْ ذَاكَ) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن عمر بْنِ دِينَارٍ قَالَ " قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ قَدْ كان يقول ذاك الحكم بن عمر والغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبا ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَرَأَ (قُلْ لا أَجِدُ فيما أوحي إلى محرما) " رواه البخاري وقوله أبا ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لَا أَدْرِي أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أَوْ حَرَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ (أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفؤا الْقُدُورَ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا فَقَالَ نَاسٌ إنَّمَا حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابن ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ الْحُمُرِ وَلَحْمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه جائى فقال أكلت الحمر ثم جاءه جائى فقال أكلت الحمر ثم جاءه جائى فَقَالَ أُفْنِيَتْ الْحُمُرُ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 8)
________________________________________
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (رِجْسٌ أو نجس) وعن المقدام بن معد يكرب قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْيَاءَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْهَا الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ) رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي سُنَنِ أبى داود عن غالب بن الحر قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت يارسول اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي ما أطعم أهلى إلا سمان حمر وَإِنَّكَ حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أجل حوال العربة) يعنى بالحوال التى يَأْكُلُ الْجِلَّةَ وَهِيَ الْعَذِرَةُ فَهَذَا الْحَدِيثُ مُضْطَرِبٌ مُخْتَلِفُ الْإِسْنَادِ كَثِيرُ الِاخْتِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وممن أوضح اضطرابه الحافظ أبو القاسم ابن عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهَا حَالَ الِاضْطِرَارِ وَلِأَنَّهَا قِصَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَحْمُ الْبَغْلِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ أَبَاحَهُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
لَحْمُ الْكَلْبِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ بِأَسْرِهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ في الجرد
* (فَرْعٌ)
السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَبَاحَهُ اللَّيْثُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَبَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 9)
________________________________________
(فَرْعٌ)
ذَبْحُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لِيُدْبَغَ جِلْدُهُ أَوْ لِيُصْطَادَ عَلَى لَحْمِهِ السِّنَّوْرُ وَالْعِقْبَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَشُعَبُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحَةٌ فِي بَابِ الآنية
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما الوحش فانه يحل منه الظباء والبقر لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والظباء والبقر من الطيبات يصطاد ويؤكل ويحل الحمار الوحشى للآية ولما روى (أن أبا قتادة كان مع قوم محرمين وهو حلال فسنح لهم حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فأكلوا منها قالوا نأكل من لحم صيد ونحن محرمون فحملوا ما بقي من لحمها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلوا ما بقى من لحمها) ويحل أكل الضبع لقوله عز وجل (ويحل لهم الطيبات) قال الشافعي رحمه الله ما زال الناس يأكلون الضبغ ويبيعونه بين الصفا والمروة
* وروى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الضبغ صيد يؤكل) وفيه كبش إذا أصابه المحرم)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ سَنَحَ هُوَ - بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مُخَفَّفَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ عَرَضَ (قَوْلُهُ) يَأْكُلُونَ الضَّبُعَ وَيَبِيعُونَهُ الضَّمِيرُ فِي يَبِيعُونَهُ يَعُودُ إلَى لَحْمِ الضَّبُعِ وَإِلَّا فَالضَّبُعُ مُؤَنَّثَةٌ وَهُوَ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِ الْبَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَالتَّثْنِيَةُ ضَبُعَانِ وَالْجَمْعُ ضِبَاعٌ وَالْمُذَكَّرُ ضِبْعَانٌ - بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَتَنْوِينِ النُّونِ - وَالْجَمْعُ ضَبَاعِينُ كَسِرْحَانَ وَسَرَاحِينَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَدَوَابُّ الْوَحْشِ يَحِلُّ مِنْهَا الظِّبَاءُ وَالْبَقَرُ وَالْحُمُرُ وَالضَّبُعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَحِلُّ الْوَعْلُ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
الضبغ وَالثَّعْلَبُ مُبَاحَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَحَرَّمَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهَانِ وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ الضَّبُعِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَخَلَائِقُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِمَّنْ أَبَاحَ الثَّعْلَبَ طَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثور
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 10)
________________________________________
قال المصنف رحمه الله
* (ويحل أكل الارنب لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والارنب من الطيبات ولما روى جابر ((أن غلاما من قومه أصاب أرنبا فذبحها بمروة فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أكلها فأمره أن يأكلها) ويحل اليربوع لقوله تعالي (ويحل لهم الطيبات) واليربوع من الطيبات تصطاده العرب وتأكله وأوجب فيه عمر رضى الله عنه على المحرم إذا أصابه جفرة فدل على أنه صيد مأكول ويحل اكل الثعلب لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والثعلب من الطيبات مستطاب يصطاد ولانه لا يتقوى بنابه فأشبه الارنب ويحل أكل ابن عرس والوز لما ذكرناه في الثعلب ويحل القنفذ لما روى أن ابن عمر رضى رضي الله عنهما سئل عن القنفذ فتلا قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه) الآية ولانه مستطاب لا يتقوى بنابه فحل أكله كالارنب
* ويحل الضب لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أنه أخبره خالد بن الوليد أنه دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيت ميمونة رضى الله عنها فوجد عندها ضبا محنوذا فقدمت الضب إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فقال خالد أحرام الضب يارسول الله
قَالَ لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فلم ينهه)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 11)
________________________________________
(الشرح) حديث جابر في الارنب رواه البيهفى بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِمَعْنَاهُ (منها) حديث أنس قال (أفصحنا أرنبا عن الظهران فأدركتها فأخدتها فَذَهَبْتُ بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بكتفها فخذها إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَبِلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ
* (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُنْفُذِ فَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طويل عن عيسى بن ثميلة عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ أَكْلِ الْقُنْفُذِ فَتَلَا (قُلْ لا أجد فيما أوحي إلي محرما) الآية قال شيخ عنده سمعت أبى هُرَيْرَةَ يَقُولُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا فَهُوَ كَمَا قَالَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يُرْوَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ وَهُوَ إسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) فَذَبَحَهَا بِمَرْوَةِ - هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَهِيَ الْحَجَرَةُ (قَوْلُهُ) الْقُنْفُذُ هُوَ - بِضَمِّ الْقَافِ وَالْفَاءِ - وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَجَمْعُهَا قَنَافِذُ وَالْوَبْرُ - بِإِسْكَانِ الْبَاءِ - جَمْعُهُ وِبَارٌ - بِكَسْرِ الواو - والضب المخنوذ أي المسوى قوله فاحترر به هَكَذَا هُوَ بِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ بِالزَّايِ بَعْدَ الرَّاءِ أَيْ وَطَعَنَهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَيَحِلُّ الْأَرْنَبُ وَالْيَرْبُوعُ وَالثَّعْلَبُ وَالْقُنْفُذُ وَالضَّبُّ وَالْوَبْرُ وابن عرس ولا خلاف في شئ مِنْ هَذِهِ إلَّا الْوَبْرِ وَالْقُنْفُذِ فَفِيهِمَا وَجْهٌ أنهما حرام
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 12)
________________________________________
والصحيح المنصوس تحليلهما وبه قطع الجمهور ويحل الدلدك عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَأَمَّا) السَّمُّورُ وَالسِّنْجَابُ وَالْفَنَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ وَالْقَاقِمُ بِالْقَافَيْنِ وَضَمِّ الثَّانِيَةِ وَالْحَوَاصِلُ فَفِيهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا حَلَالٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا حَرَامٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّبِّ
* مذهبنا أنه حلال غير مكروه وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَأَمَّا الْيَرْبُوعُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ خَالِدٍ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ في الصيحين وَأَمَّا الْقُنْفُذُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ
يُكْرَهُ وَأَمَّا الْيَرْبُوعُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَحْرِيمَ الضَّبِّ والوبر وابن عرس والقنفذ واليربوع
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يحل ما يتقوى بنابه ويعدو على الناس وعلى البهائم كالاسد والفهد والذئب والنمر والدب لقوله عز وجل (ويحرم عليهم الخبائث) وهذه السباع من الخبائث لانها تأكل الجيف ولا يستطيبها العرب ولما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مخلب من الطير) وفى ابن آوى وجهان
(أحدهما)
يحل لانه لا يتقوى بنابه فهو كالارنب
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 13)
________________________________________
(والثانى)
لا يحل لانه مستخبث كريه الرائحة ولانه من جنس الكلاب فلم يحل أكله وفى سنور الوحش وجهان
(أحدهما)
لا يحل لانه يصطاد بنابه فلم يحل كالاسد والفهد
(والثانى)
يحل لانه حيوان يتنوع إلى حيوان وحشى وأهلي يحرم الاهلى منه ويحل الوحشى منه كالحمار الوحشى ولا يحل أكل حشرات الارض كالحيات والعقارب والفار والخنافس والعظاء والصراصير والعناكب والوزغ وسام أبرص والجعلان والديدان وبنات وردان وحمار قبان لقوله تعالى (يحرم عليهم الخبائث)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثعلبة الحشى (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن أكل ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِخْلَبُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - وَهُوَ لِلظِّئْرِ وَالسِّبَاعِ كَالظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ (وَأَمَّا) الْحَشَرَاتُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَالشِّينِ وَهِيَ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَصِغَارُ دَوَابِّهَا وَالْحَيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (١) وَالْبَطَّة (وَأَمَّا) الْعَقْرَبُ وَالْعَقْرَبَةُ وَالْعَقْرَبَا فَاسْمٌ لِلْأُنْثَى وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ عُقْرُبَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَأَمَّا الْخَنَافِسُ فَجَمْعُ خنفساء بضم الخاء وبالمد والفاء مفتوحه
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 14)
________________________________________
وَمَضْمُومَةٌ - وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ خُنْفُسٌ وَخُنْفُسَةٌ (وَأَمَّا) الْعَنَاكِبُ فَجَمْعُ عَنْكَبُوتٍ وَهِيَ
هذه الناسجة المعرفة قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّأْنِيثُ (وَأَمَّا) سَامُّ أَبْرَصَ - فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ كِبَارُ الْوَزَغِ قَالَ النَّحْوِيُّونَ وَاللُّغَوِيُّونَ سَامُّ أَبْرَصَ اسْمَانِ جُعِلَا وَاحِدًا وَيَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْبِنَاءُ عَلَى الْفَتْحِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ
(وَالثَّانِي)
إعْرَابُ الاول وإضافته إلى الثاني ويكون الثاني مفتوحا لِأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ (وَأَمَّا) الْجِعْلَانُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - جَمْعُ جُعَلٍ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ العين - وهى دويبة معروفة بدحرج القدر وأما الديدان - فبكسر الدال الاولى وهى جَمْعُ دُودٍ كَعُودٍ وَعِيدَانٍ وَوَاحِدَةٌ دُودَةٌ (وَأَمَّا) حمارقان فَدُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ كَثِيرَةُ الْأَرْجُلِ وَهِيَ فَعْلَانُ لَا ينصرف مَعْرِفَةً وَلَا نَكِرَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ لِلْحَدِيثِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِذِي النَّابِ مَا تيقوى بِنَابِهِ وَيَعْدُو عَلَى الْحَيَوَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَمِنْ ذَلِكَ الْأَسَدُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ وَالذِّئْبُ وَالدُّبُّ والقرد والفيل والببر - ببائين مُوَحَّدَتَيْنِ - الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وَهُوَ حَيَوَانٌ معروف يعادى الاسد ويقال له أيضا الفرائق - بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ - فَكُلُّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 15)
________________________________________
شَاذًّا فِي الْفِيلِ خَاصَّةً أَنَّهُ حَلَالٌ حَكَاهُ الرافعى عن الامام أبى عبد الله البوسنجى مِنْ أَصْحَابِنَا وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْدُو مِنْ الْفِيَلَةِ إلَّا الْعِجْلُ الْمُغْتَلِمُ كَالْإِبِلِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تحريمه (وأما) ابن آوى وابن مفترص ففيهما وجهان (أصحهما) تحريمهما وبه قطع المراوزة
* وفى سنور البروجهان (الْأَصَحُّ) تَحْرِيمُهُ وَقَالَ الْخُضَرِيُّ حَلَالٌ (وَأَمَّا) الْحَشَرَاتُ فَكُلُّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ وَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ سِوَى مَا يَدْرُجُ (مِنْهَا) وَمَا يَطِيرُ فَمِنْهَا ذَوَاتُ السُّمُومِ وَالْإِبَرِ كالحية والعقرب والذنبور (ومنها) الوزغ وأنواعه كحرباء الظهيرة والعطا وَهِيَ مَلْسَاءُ تُشْبِهُ سَامَّ أَبْرَصَ وَهِيَ أَخَسُّ منه واحدتها عطاء وعطانه فكل هذا حرام ويحرم النمل والذر والفار والذباب والخنفساء والقراد والجعلان وبنات وردان وحمارقان والديدان إلا دودا لجبن وَالْخَلِّ وَالْبَاقِلَّا وَالْفَوَاكِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَأْكُولِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الدُّودُ فَفِي حِلِّ أَكْلِ هَذَا الدُّودِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْمِيَاهِ (أَحَدُهَا) يَحِلُّ
(وَالثَّانِي)
لَا (وَأَصَحُّهَا) يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا مُنْفَرِدًا وَيَحْرُمُ
* اللحكا وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمَدِّ - وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ تَغُوصُ فِي الرَّمْلِ إذَا رَأَتْ إنْسَانًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحَشَرَاتِ الْيَرْبُوعُ وَالضَّبُّ فَإِنَّهُمَا حَلَالَانِ كَمَا سَبَقَ مَعَ دُخُولِهِمَا في اسم الحشرات وكذا أم حنين
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 16)
________________________________________
فَإِنَّهَا حَلَالٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالُوا وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَوَاتِ الْإِبَرِ الْجَرَادُ فَإِنَّهُ حَلَالٌ قَطْعًا وَكَذَا الْقُنْفُذُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الصَّرَّارَةُ فَحَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَالْخُنْفُسَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْجِعْلَانِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ والفار وَنَحْوِهَا
* مَذْهَبُنَا أَنَّهَا حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ تعالى (قل لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أن يكون ميتة) الْآيَةَ وَبِحَدِيثِ التَّلِبِ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَسْمَعْ لِحَشَرَةِ الْأَرْضِ تَحْرِيمًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وَهَذَا مِمَّا يَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ
* وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا قَوْله تعالى (قل لا أجد
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 17)
________________________________________
فيما أحى محرما) الْآيَةَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهَا مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ وَتَسْتَطِيبُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِي الْآيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ التَّلِبِ فَإِنْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَسْمَعْ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي أَكْلِ السِّبَاعِ الَّتِي تَتَقَوَّى بِالنَّابِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَأَشْبَاهِهَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ (وَقَالَ) مَالِكٌ تُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ (وَاحْتَجَّ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لغير الله به) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا (كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مُحَرَّمًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا هَذَا ثُمَّ وَرَدَ وَحْيٌ آخَرُ بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ فَأَخْبَرَ بِهِ وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَالْأَحَادِيثُ مَدَنِيَّةٌ وَلِأَنَّ
الْحَدِيثَ مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي أَنْوَاعٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فيها (منها) القرد وهو حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ ومكحول والحسن وابن خبيب الْمَالِكِيُّ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ (وَمِنْهَا) الْفِيلُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْحَسَنِ
* وَأَبَاحَهُ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ حُجَّةُ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُ ذُو نَابٍ (وَمِنْهَا) الْأَرْنَبُ وَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ العلماء كافة إلى مَا حُكِيَ عَنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 18)
________________________________________
ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا كَرِهَاهَا
* دَلَّتْ لَنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي إباحتها ولم يثبت في النهى عنها شئ * قال المصنف رحمه الله
* (وأما الطائر فانه يحل منه النعامة لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) وقضت الصحابة رضى الله عنهم فيها ببدنة فدل على أنه صيد مأكول ويحل الديك والدجاج والحمام والدراج والقبج والقطا والبط والكراكي والعصفور والقنابر لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) وهذه كلها مستطابة وروى أبو موسى الاشعري رضى الله تعالى عَنْهُ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل لحم الدجاج) وروى سفينه رضى الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ أكلت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم حبارى) ويحل أكل الجراد لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وضى الله عنهما قال (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات يأكل الجراد ونأكله) ويحرم أكل الهدهد والخطاف (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قتلهما) وما يؤكل لا ينهى عن قتله ويحرم ما يصطاد ويتقوى بالمخلب كالصقر والبازي لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كل ذى ناب من السباع وأكل كل ذي مخلب من الطير) ويحرم أكل الحدأة والغراب الابقع لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الحل والحرم الحية والفأرة والغراب الابقع والحدأة والكلب العقور) وما أمر بقتله لا يحل أكله قالت عائشة رضى الله عنها (أنى لاعجب ممن يأكل الغراب وقد أَذِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قتله) ويحرم الغراب الاسود الكبير لانه مستخبث يأكل الجيف فهو كالابقع وفى الغداف وغراب الزرع وجهان
(أحدهما)
لا يحل للخبر
(والثانى)
يحل لانه مستطاب يلقط الحب فهو كالحمام والدجاج وتحرم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 19)
________________________________________
حشرات الطير كالنحل والزنبور والذباب لقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وهذه من الخبائث)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ سَفِينَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضعيف قال التِّرْمِذِيُّ هُوَ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عن قتل الهدهد فرواه عبيد الله بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ ورواه ابن ماجه في كتاب الصيد بأسناد عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (وَأَمَّا) النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْخُطَّافِ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُرْسَلٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ أَوْ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْخَطَاطِيفِ وَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الْعُوذَ إنَّهَا تَعُوذُ بِكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ قَالَ وَرَوَى حَمْزَةُ النَّصِيبِيُّ فِيهِ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُرْمَى بِالْوَضْعِ وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ (لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ وَلَا تَقْتُلُوا الْخُفَّاشَ فَإِنَّهُ لَمَّا خَرِبَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ قَالَ يا رب سلطني على البحر حتى أغرقم) قال البيهقى أسناده صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُ طُرُقِهِ وَشَرْحُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ إلَى آخِرِهِ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ قَرِيبًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ (إنِّي لَأَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ إلَى آخِرِهِ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 20)
________________________________________
ابن أَبِي أُوَيْسٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ (وَأَمَّا) الطَّائِرُ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا الطَّيْرُ لِأَنَّ الطَّيْرَ جَمْعٌ وَالطَّائِرُ مُفْرَدٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالنَّعَامَةُ بِفَتْحِ النُّونِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالنَّعَامُ اسْمُ جِنْسٍ كَحَمَامَةٍ وَحَمَامٍ (وَأَمَّا) الدِّيكُ فَهُوَ ذَكَرُ الدَّجَاجِ جَمْعُهُ دُيُوكٌ وديكة وَالدَّجَاجُ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ بِاتِّفَاقِهِمْ الْوَاحِدُ دَجَاجَةٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الدِّيكِ وَالدَّجَاجِ هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) وقوله تعالى (إن صلاتي ونسكى) (وَأَمَّا) الْقَبَجُ - فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وبالجيم - والحجل الْمَعْرُوفُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ لِأَنَّ الْقَافَ وَالْجِيمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ وَالْقَبْجَةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَتَّى تَقُولَ يَعْقُوبُ فَيَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ لِأَنَّ الْهَاءَ إنَّمَا دَخَلَتْهُ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ مِنْ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ النَّعَامَةُ حَتَّى تَقُولَ ظَلِيمٌ وَالنَّحْلَةُ حَتَّى تَقُولَ يَعْسُوبٌ وَالدَّرَّاجَةُ حَتَّى تَقُولَ حيقطان وَالْبُومَةُ حَتَّى تَقُولَ صَدًى أَوْ فَيَّادٌ وَالْحُبَارَى حَتَّى تَقُولَ خرب وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ (وَأَمَّا) الْقَنَابِرُ - فَبِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ - ثُمَّ - نُونٍ ثُمَّ - أَلِفٍ ثُمَّ - بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ - رَاءٍ - جَمْعُ قُبَّرَةٍ - بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ قُنْبَرَةٌ كَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الطَّيْرِ (وَأَمَّا) الْهُدْهُدُ - فَبِضَمِّ الْهَاءَيْنِ - وَجَمْعُهُ هَدَاهِدُ وَيُقَالُ لِلْمُفْرَدِ هَدَاهِدُ أَيْضًا (وَأَمَّا) الْبَازِي ففيه ثلاث لغات المشهورة الْفَصِيحَةُ الْبَازِي - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَالثَّانِيَةُ بَازٍ وَالثَّالِثَةُ بَازِيٌّ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ - حَكَاهَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 21)
________________________________________
ابْنُ مَكِّيٍّ وَهِيَ غَرِيبَةٌ أَنْكَرَهَا الْأَكْثَرُونَ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ يُقَالُ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَصِيدُ صُقُورٌ وَاحِدُهَا صَقْرٌ وَالْأُنْثَى صَقْرَةٌ وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ جَعَلَ الصَّقْرَ قَسِيمًا لِلْبَازِي مَعَ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال) (واذ أخدنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) الْآيَةَ (وَأَمَّا) الْحِدَأَةُ - فَبِحَاءٍ مَكْسُورَةٍ - ثُمَّ - دَالٍ مَفْتُوحَةٍ - ثُمَّ هَمْزَةٍ - عَلَى وَزْنِ عِنَبَةٍ وَالْجَمَاعَةُ حدأ كعنب (وأما) الفأرة - فبالهمزة - وَيَجُوزُ تَرْكُهُ (وَأَمَّا) الْغُدَافُ - فَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ - دَالٍ مُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ - وَآخِرُهُ فَاءٌ جَمْعُ غِدْفَانٍ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هُوَ الْغُرَابُ الضَّخْمُ قال الجوهري هُوَ غُرَابُ الْقَيْظِ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ غُرَابٌ صَغِيرٌ أَسْوَدُ لَوْنُهُ لَوْنُ الرَّمَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ النَّعَامَةِ وَالدَّجَاجِ وَالْكُرْكِيِّ وَالْحُبَارَى وَالْحَجَلِ وَالْبَطِّ وَالْقَطَا وَالْعَصَافِيرِ وَالْقَنَابِرِ وَالدَّرَّاجِ وَالْحَمَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ ذَاتِ طَوْقٍ مِنْ الطَّيْرِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْحَمَامِ وَهِيَ حَلَالٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقُمْرِيُّ وَالدِّبْسُ واليمام والفواخت ويحل الورسان وَكُلُّ مَا عَلَى شَكْلِ الْعُصْفُورِ وَفِي حَدِّهِ فَهُوَ حَلَالٌ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصَّعْوَةُ وَالزُّرْزُورُ والنغز - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - وَالْبُلْبُلُ وَيَحِلُّ الْعَنْدَلِيبُ وَالْحُمَّرَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَفِيهِمَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمَا حَرَامٌ وَفِي الْبَبَّغَاءِ وَالطَّاوُوسِ (وَجْهَانِ) قال البغوي وغيره (اصحهما) التحريم (وأما) السقراف فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِحِلِّهِ وَالصَّيْمَرِيُّ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ يَحْرُمُ مُلَاعِبُ ظِلِّهِ وَهُوَ طَائِرٌ يَسْبَحُ فِي الْجَوِّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَنْصَبُّ عَلَى طَائِرٍ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَالْبُومُ حَرَامٌ كَالرَّخَمِ قَالَ وَالضُّوَعُ - بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وبالعين الْمُهْمَلَةِ - حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الضُّوَعَ غَيْرُ الْبُومِ قَالَ لكن في صحاح الجوهرى أنه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 22)
________________________________________
الضُّوَعَ طَائِرٌ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ وَقَالَ الْمُفَضَّلُ هُوَ ذَكَرُ الْبُومِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ فِي الضُّوَعِ قَوْلٌ لَزِمَ إجْرَاؤُهُ فِي الْبُومِ لِأَنَّ الذَّكَرَ والانثى من جنس الواحد لَا يَفْتَرِقَانِ (قُلْتُ) الْأَشْهَرُ أَنَّ الضُّوَعَ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ فَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْحُكْمِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّهَّاشُ حَرَامٌ كَالسِّبَاعِ الَّتِي تَنْهَشُ قَالَ وَاللَّقَاطُ حَلَالٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ يَعْنِي ذَا الْمِخْلَبِ وَقَالَ الْبُوشَنْجِيُّ اللَّقَّاطُ حَلَالٌ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَمَا تَقَوَّتَ بِالطَّاهِرَاتِ فَحَلَالٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ وَمَا تَقَوَّتَ بِالنَّجِسِ فَحَرَامٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَصْطَادُ كَالصَّقْرِ وَالنِّسْرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَغَيْرِهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ حَرُمَ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ أَكْلُهُ لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِ الْمَأْكُولِ فَمِنْ ذَلِكَ النَّمْلُ وَالنَّحْلُ فَهُمَا حَرَامٌ وَكَذَلِكَ الْخُطَّافُ وَالصُّرَدُ وَالْهُدْهُدُ وَالثَّلَاثَةُ حَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَحَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الصُّرَدِ وَالْهُدْهُدِ
* وَالْخُفَّاشُ حَرَامٌ قطعا قال الرافعى وقد يجئ فِيهِ الْخِلَافُ وَاللَّفَّافُ حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ) فَلَوْ حَلَّ أَكْلُهُ لَمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْتُلُوا الصيد وأنتم حرم) فمن ذلك الحية والفأرة والحدأة وكل سبضار وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا سبق قال أصحابنا وقد يكون للشئ سببا أَوْ أَسْبَابٌ تَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ
* وَتَحْرُمُ الْبُغَاثَةُ - بِفَتْحِ الباء الموحدة -
وبتخفيف الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهَا - وَالرَّخَمَةُ كَمَا تَحْرُمُ الْحِدَأَةُ (وَأَمَّا) الْغُرَابُ فَهُوَ أَنْوَاعٌ (فَمِنْهَا) الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَمِنْهَا) الْأَسْوَدُ الْكَبِيرُ وَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ
(وَالثَّانِي)
فيه وجهان (أصحهما) التحريم (الثالث) الحل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 23)
________________________________________
(وَأَمَّا) غُرَابُ الزَّرْعِ وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَلَالٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْغُدَافَ حَرَامٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ الْغِرْبَانِ غُرَابٌ صَغِيرٌ أَسْوَدُ أَوْ رمادي اللون وقد يقال له الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ الْعَقْعَقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) يَحْرُمُ حَشَرَاتُ الطَّيْرِ كَالنَّحْلِ وَالزَّنَابِيرِ وَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَشَبَهِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الْخَامِسَةُ) يَحِلُّ أَكْلُ الْجَرَادِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَسَوَاءٌ مَاتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ مَجُوسِيٍّ وَسَوَاءٌ قَطَعَ رَأْسَهُ أَمْ لَا وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ جَرَادَةٍ وَبَاقِيهَا حَيٌّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ الْمَقْطُوعُ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ كَالْمَيِّتِ وَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ
(وَالثَّانِي)
حَرَامٌ وَإِنَّمَا يُبَاحُ مِنْهُ الْجُمْلَةُ لِحُرْمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَرَادَ حَلَالٌ سَوَاءٌ مَاتَ بِاصْطِيَادِ مُسْلِمٍ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالْأَبْهَرِيُّ الْمَالِكِيَّانِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (قَالَ) الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يقطع منه شئ أَوْ يُصْلَقَ أَوْ يُقْلَى حَيًّا أَوْ يُشْوَى وإن لم يقطف رأسه قال فإن مات حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي وِعَاءٍ لَمْ يُؤْكَلْ وعن أحمد رواية ضفيفة كَمَذْهَبِ مَالِكٍ
* وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عليكم الميتة) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى السَّابِقِ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحَدِيثَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (قُلْتُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقَائِلَ (أُحِلَّتْ لَنَا) مَيْتَتَانِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ضَعِيفَةٌ جِدًّا لاتفاق
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 24)
________________________________________
الْحُفَّاظِ عَلَى تَضْعِيفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَوَى حَدِيثًا مُنْكَرًا (أُحِلَّتْ لَنَا
مَيْتَتَانِ) الْحَدِيثَ يَعْنِي أَحْمَدُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى (وَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَصَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ هِيَ أَيْضًا مَرْفُوعَةٌ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا أَوْ أُحِلَّ لَنَا كَذَا أَوْ حُرِّمَ عَلَيْنَا كَذَا كُلُّهُ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَهَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَالِكٌ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَرَادِ فَقَالَ (أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ هَكَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قُلْتُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا لِأَنَّ الَّذِي وَصَلَهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى إبَاحَةِ الْجَرَادِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَرِّمْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْكُلْهُ تَقَذُّرًا كَمَا قَالَ فِي الضَّبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ مِمَّا يَعْدُو عَلَى الْحَيَوَانِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ والفهد والدب وكذا ماله مِخْلَبٌ مِنْ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالشَّاهِينَ وَالْعُقَابِ وَنَحْوِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أَجِدُ فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه) الْآيَةَ فَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهَا فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ السِّبَاعِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِي غُرَابِ الزَّرْعِ وَالْغُدَافِ
* وَقَالَ بِإِبَاحَتِهِمَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأحمد رحمهم الله تعالى
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 25)
________________________________________
* قال المصنف رحمه الله
* (وما سوى ذلك من الدواب والطيور ينظر فيه فان كان مما يستطيبه العرب حل أكه وان كان مما لا يستطيبه العرب لم يحل أكله لقوله عز وجل (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ويرجع في ذاك إلى العرب من أهل الريف والقرى وذوى اليسار والغني دون الاجلاف من أهل البادية
والفقراء وأهل الضرورة فان استطاب قوم شيئا واستخبثه قوم رجع إلى ما عليه الاكثر فان اتفق في بلاد العجم ما لا يعرفه العرب نظر إلى ما يشبهه فان كان حلالا حل وإن كان حراما حرم وإن لم يكن له شبيه فيما يحل ولا فيما يحرم ففيه وجهان (قال) أبو إسحق وأبو علي الطبري يحل لقوله عز وجل (قل لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لحم خنزير) وهذا ليس بواحد منها (وقال) ابن عباس رضى الله عنه ما سكت عنه فهو عفو (ومن) أصحابنا من قال لا يحل أكله لان الاصل في الحيوان التحريم فإذا أشكل بقى على أصله)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ هَكَذَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ
* وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ عَفْوِهِ) قَالَ أَصْحَابُنَا مِنْ الْأُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي هَذَا الْبَابِ الِاسْتِطَابَةُ والاستخباث ورواه الشافعي رحمه الله الاصل الاعم (١) ولهذا أفسخ الْبَابُ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وقوله تعالى (ويسألونك ماذا أحل لهم
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 26)
________________________________________
قل أحل لكم الطيبات) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ هُنَا الْحَلَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَلَالَ لَكَانَ تَقْدِيرُهُ أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالطَّيِّبَاتِ مَا يَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ وَبِالْخَبَائِثِ مَا تَسْتَخْبِثُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى طَبَقَاتِ النَّاسِ وَيَنْزِلُ كُلُّ قَوْمٍ على ما يستطيبونه أو يسخبثونه لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَاضْطِرَابِهَا وَذَلِكَ يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ قَالُوا فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْعَرَبِ فَهُمْ أَوْلَى الْأُمَمِ بِأَنْ يُؤْخَذَ بِاسْتِطْيَابِهِمْ وَاسْتِخْبَاثِهِمْ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا وَهُمْ جِيلٌ مُعْتَدِلٌ لَا يَغْلِبُ فِيهِمْ الِانْهِمَاكُ عَلَى الْمُسْتَقْذَرَاتِ وَلَا الْعَفَافَةُ الْمُتَوَلَّدَةُ مِنْ التَّنَعُّمِ فَيُضَيِّقُوا الْمَطَاعِمَ عَلَى النَّاسِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْقُرَى وَالرِّيفِ دُونَ أَجْلَافِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ وَتَغْيِيرِ عَادَةِ أَهْلِ الْيَسَارِ وَالثَّرْوَةِ دُونَ الْمُحْتَاجِينَ وَتَغْيِيرِ حَالَةِ الْخِصْبِ وَالرَّفَاهِيَةِ دُونَ الْجَدْبِ وَالشِّدَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الِاعْتِبَارَ
بِعَادَةِ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَهُمْ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يُرْجَعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ أَوْ سَمَّتْهُ بِاسْمِ حَيَوَانٍ حَلَالٍ فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ اسْتَخْبَثَتْهُ أَوْ سَمَّتْهُ بِاسْمِ مُحَرَّمٍ فَمُحَرَّمٍ فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ طَائِفَةٌ وَاسْتَخْبَثَتْهُ أُخْرَى اتَّبَعْنَا الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ اسْتَوَيَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ يُتَّبَعُ قُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ قُطْبُ الْعَرَبِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ ولا ترجيح أوشكوا ولم يحكموا بشئ أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ اعْتَبَرْنَاهُ بِأَقْرَبِ الْحَيَوَانِ بِهِ شَبَهًا وَالشَّبَهُ تَارَةً يَكُونُ فِي الصُّورَةِ وَتَارَةً فِي طَبْعِ الْحَيَوَانِ مِنْ الصِّيَالَةِ وَالْعِدْوَانِ وَتَارَةً فِي طَعْمِ اللَّحْمِ فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ نَجْدِ مَا يُشْبِهُهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الحل قال
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 27)
________________________________________
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُرَاجَعُ الْعَرَبُ فِي حَيَوَانٍ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ وَلَا أَمْرٍ بِقَتْلِهِ وَلَا نَهْيٍ عَنْ قَتْلِهِ فان وجد شئ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ اعْتَمَدْنَاهُ وَلَمْ نُرَاجِعْهُمْ قَطْعًا فَمِنْ ذَلِكَ الْحَشَرَاتُ وَغَيْرُهَا مِمَّا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَجَدْنَا حَيَوَانًا لَا مَعْرِفَةَ لِحُكْمِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا اسْتِطَابَةٍ وَلَا اسْتِخْبَاثٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَثَبَتَ تَحْرِيمُهُ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَهَلْ يُسْتَصْحَبُ تَحْرِيمُهُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُسْتَصْحَبُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنْ اسْتَصْحَبْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَثْبُتَ تَحْرِيمُهُ فِي شَرْعِهِمْ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ عَدْلَانِ أَسْلَمَا مِنْهُمْ بِعِرْفَانِ الْمُبْدَلِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا اُعْتُبِرَ حُكْمُهُ فِي أَقْرَبِ الشَّرَائِعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ النَّصْرَانِيَّةُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا عاد الوجهان عن تَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يحل ما يولد بين مأكول وغير مأكول كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الاهل لانه مخلوق مما يؤكل ومما لا يؤكل فغلب فيه الحظر كالبغل)
* (الشَّرْحُ) السِّمْعُ - بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ - قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ السِّمْعُ وَالْبَغْلُ
وَسَائِرُ مَا يُولَدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْكُولُ الذَّكَرَ أَوْ الْأُنْثَى لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالزَّرَافَةُ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا - حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 28)
________________________________________
مَأْكُولٍ.
وَلَوْ تَوَلَّدَ مِنْ فَرَسٍ وَأَتَانٍ وَحْشِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْجِنْسَيْنِ الْمَأْكُولَيْنِ كَانَ حَلَالًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (ويكره أكل الجلالة وهى التى أكثر أكلها العذرة من ناقة أو بقرة أو شاة أو ديك أو دجاجة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن ألبان الجلالة) ولا يحرم أكلها لانه ليس فيه أكثر من تغير لحمها وهذا لا يوجب التحريم فان أطعم الجلالة طعاما طاهرا وطاب لحمها لم يكره لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ تعلف الجلالة علفا طاهرا ان كانت ناقة أربعين يوما وان كانت شاة سبعة أيام وان كانت دجاجة فثلاثة أيام)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا الْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَالنَّجَاسَاتِ وَتَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرُ أَكْلِهَا النَّجَاسَةَ فَهِيَ جَلَّالَةٌ وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَكْثَرَ فَلَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتْنِ فَإِنْ وُجِدَ فِي عُرْفِهَا وَغَيْرِهِ رِيحُ النَّجَاسَةِ فَجَلَّالَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا تَغَيَّرَ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَمَدِينَ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ
(وَالثَّانِي)
كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَفَّالُ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُجِدَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ بِتَمَامِهَا أَوْ قَرُبَتْ الرَّائِحَةُ مِنْ الرَّائِحَةِ فان قلت الرائحة الموجودة لم تضرقطعا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 29)
________________________________________
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ ظُهُورِ النَّتْنِ وَعُلِفَتْ شَيْئًا طَاهِرًا
فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلْقَدْرِ الَّذِي تَعْلِفُهُ مِنْ حَدٍّ وَلَا لِزَمَانِهِ مِنْ ضَبْطٍ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يُعْلَمُ فِي الْعَادَةِ أَوْ يُظَنُّ أَنَّ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ تَزُولُ بِهِ وَلَوْ لَمْ تُعْلَفْ لَمْ يَزُلْ الْمَنْعُ بِغَسْلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَلَا بِالطَّبْخِ وَإِنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ بِهِ وَلَوْ زَالَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ وَقَالَ غَيْرُهُ يَزُولُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَمَا مُنِعَ لَحْمُهَا يُمْنَعُ لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي لَبَنِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّاكِبِ حَائِلٌ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا حَرَّمْنَا لَحْمَهَا فَهُوَ نَجِسٌ وَيُطَهَّرُ جِلْدُهَا بِالدِّبَاغِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْجِلْدِ أَيْضًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ نَجِسٌ إنْ ظَهَرَتْ الرَّائِحَةُ فِيهِ وكذا ان لم تظهر على عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَاللَّحْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَظُهُورُ النَّتْنِ وَإِنْ حَرَّمْنَا اللَّحْمَ وَنَجَّسْنَاهُ فَلَا نَجْعَلُهُ مُوجِبًا لِنَجَاسَةِ الْحَيَوَانِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّا لَوْ نَجَّسْنَاهُ صَارَ كَالْكَلْبِ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ بَلْ إذَا حَكَمْنَا بِتَحْرِيمِ اللَّحْمِ كَانَ الْحَيَوَانُ كَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ وَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
السَّخْلَةُ الْمُرَبَّاةُ بِلَبَنِ الْكَلْبَةِ لَهَا حُكْمُ الْجَلَّالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَفِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ أَكْلُهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَحِلُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَحْرُمُ الزَّرْعُ الْمُزَبَّلُ وَإِنْ كَثُرَ الزبل في أصله ولا مَا يُسْقَى مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مَاءً نَجِسًا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بَيَانُ هَذَا مَعَ نَظَائِرِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ عُجِنَ دَقِيقٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَخَبَزَهُ فَهُوَ نَجِسٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ لِشَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَنَحْوِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 30)
________________________________________
السُّنَنِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الدَّائِمِ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إطْعَامُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ نَجَاسَةً وَهَذَا لَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ وَمُرَادُ صَاحِبِ الشَّامِلِ نجس العين ولا يجوز اطعام الْمَعْجُونِ بِمَاءٍ نَجِسٍ لِصُعْلُوكٍ وَسَائِلٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِ المتنجس بخلاف الشاة والبعير ونحوهما قال ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْفَتَاوَى وَلَا يُكْرَهُ أَكْلُ البيض المصلوك بِمَاءٍ نَجِسٍ كَمَا لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ سُخِّنَ بِالنَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَلَّالَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ لَحْمُهَا كُرِهَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا تَحْرُمُ سَوَاءٌ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا وَبَيْضُهَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَدَاوُد وَكَذَا لَا يَحْرُمُ مَا سُقِيَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مَاءً نَجِسًا
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ وَلَبَنُهَا حَتَّى تُحْبَسَ وَتُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ وَيَحْرُمُ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَالْبُقُولُ الْمَسْقِيَّةُ مَاءً نَجِسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ أَنَّ مَا تَأْكُلُهُ الدَّابَّةُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ يَتَنَجَّسُ إذَا حَصَلَ فِي كَرِشِهَا وَلَا يَكُونُ غِذَاؤُهَا إلَّا بِالنَّجَاسَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي إبَاحَةِ لحمها ولبنها وبيضها ولان النحاسة الَّتِي تَأْكُلُهَا تَنْزِلُ فِي مَجَارِي الطَّعَامِ وَلَا تُخَالِطُ اللَّحْمَ وَإِنَّمَا يَنْتَشِي اللَّحْمُ بِهَا وَذَلِكَ لا يوجب التحريم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وأما حيوان البحر فانه يحل منه السمك لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ (أحلت لنا ميتتان ودمان فاما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال) ولا يحل أكل الضفدع.
لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل الضفدع ولو حل أكله.
لم ينه عن قتله وفيما سوى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 31)
________________________________________
ذلك وجهان
(أحدهما)
يحل لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (في البحر اغتسلوا منه وتوضؤا به فانه الطهور ماؤه الحل ميتته) ولانه حيوان لا يعيش إلا في الماء فحل أكله كالسمك
(والثانى)
ما أكل مثله في البر حل أكله وما لا يؤكل مثله في البر لم يحل أكله اعتبارا بمثله)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْلِ الْجَرَادِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عثمان بن عبيد الله التميمي الصحابي وهو ابن أخى طلحة بن عبيد الله
* قَالَ سَأَلَ طَبِيبٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ عَنْ قَتْلِهَا (وَأَمَّا) حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ فَصَحِيحٌ وَلَفْظُهُ (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالطِّحَالُ - بِكَسْرِ الطَّاءِ - وَالضِّفْدَعُ - بِكَسْرِ الضَّادِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَنْكَرَ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْفَتْحَ (قَوْلُهُ) حَيَوَانٌ لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ احْتِرَازً مِنْ السِّبَاعِ وَنَحْوِهَا
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا يُهْلِكُهُ الْمَاءُ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ كَانَ عَيْشُهُ عَيْشَ الْمَذْبُوحِ كَالسَّمَكِ بِأَنْوَاعِهِ فَهُوَ حَلَالٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَبْحِهِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَحِلُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مَاتَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَضَغْطَةٍ أَوْ صَدْمَةِ حَجَرٍ أَوْ انْحِسَارِ مَاءٍ أَوْ ضَرْبٍ مِنْ الصَّيَّادِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ سَوَاءٌ طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ لَا وَكُلُّهُ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَأَمَّا مَا لَيْسَ عَلَى صُورَةِ السُّمُوكِ الْمَشْهُورَةِ فَفِيهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 32)
________________________________________
ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أقول (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَحِلُّ الْجَمِيعُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لَلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاخْتِلَافُ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وطعامه) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ صَيْدُهُ مَا صِيدَ وَطَعَامُهُ مَا قُذِفَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَحْرُمُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (الثَّالِثُ) مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ كَالْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا فَحَلَالٌ وَمَا لَا يُؤْكَلُ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ فَحَرَامٌ فَعَلَى هَذَا مَا لَا نَظِيرَ لَهُ حَلَالٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي دَلِيلِ الْأَصَحِّ وَعَلَى هَذَا الثَّالِثِ لَا يَحِلُّ مَا أَشْبَهَ الْحِمَارَ وَإِنْ كَانَ فِي البر حمار الوحش المأكول صرح بن ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا
* وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أبحنا الجميع فهل تشترط الزكاة أَمْ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ مَيْتَتُهُ (الضَّرْبُ) الثَّانِي مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْبَرِّ أَيْضًا فَمِنْهُ طَيْرُ الْمَاءِ كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ حَلَالٌ كَمَا سَبَقَ وَلَا يَحِلُّ مَيْتَتُهُ بلا خلاف بل تشترط زكاته وَعَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الضِّفْدَعَ وَالسَّرَطَانَ وَهُمَا مُحَرَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِمَا قول ضعيف انهما حَلَالٌ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي السَّرَطَانِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ.
وَذَوَاتُ السَّمُومِ كَالْحَيَّةِ وَغَيْرِهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) التِّمْسَاحُ فَحَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَأَمَّا) السُّلَحْفَاةُ فَحَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ الضِّفْدَعَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ حِلُّ الْجَمِيعِ وَكَذَا اسْتَثْنَوْا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ قَالَ وَمُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يكون
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 33)
________________________________________
نَوْعٌ مِنْهَا كَذَا وَنَوْعٌ كَذَا قَالَ وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ النَّسْنَاسَ أَيْضًا فَجَعَلَهُ حَرَامًا وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَخَالَفَهُمَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَأَبَاحُوهُ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنَّسْنَاسِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي مَاءٍ غَيْرِ الْبَحْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرافعى اطلق مطلوقون الْقَوْلَ بِحِلِّ طَيْرِ الْمَاءِ وَكُلُّهَا حَلَالٌ إلَّا اللَّقْلَقَ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ قَالَ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَا يُؤْكَلُ طَيْرُ الْمَاءِ الْأَبْيَضُ لِخُبْثِ لَحْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا حِلُّ جَمِيعِ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ إلَّا الضِّفْدَعَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ يَحِلُّ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ الضِّفْدَعُ وَغَيْرُهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ غَيْرُ السَّمَكِ
* (فَرْعٌ)
السَّمَكُ الطَّافِي حَلَالٌ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَحِلُّ عِنْدَنَا كُلُّ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ غَيْرَ الضِّفْدَعِ سَوَاءٌ مَا مَاتَ بِسَبَبٍ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَبِي أيوب الانصاري وعطاء بن أبى رياح ومكحول والنخغى وأبى ثور رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ مَاتَ بِسَبَبٍ كَضَرْبٍ وَانْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْهُ حَلَّ وَإِنْ مَاتَ بِلَا سَبَبٍ حَرُمَ
* وَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ حَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافُ بِمَسْأَلَةِ السَّمَكِ الطَّافِي وَمِمَّنْ قَالَ بِمَنْعِ السَّمَكِ الطَّافِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بن عبد الله وجابر بن زيد وطاووس
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فيه فطفا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 34)
________________________________________
فَلَا تَأْكُلُوهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ صَيْدُهُ مَا صِدْتُمُوهُ وطعامه ما قدف وَبِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كما سبق بيانه وبحديث جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا أَبُو عبيدة ابن الْجَرَّاحِ يَطْلُبُ خَبَرَ قُرَيْشٍ فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا فَأَكَلْنَا الْخَبَطَ ثُمَّ إنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى إلَيْنَا دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ
شَهْرٍ حَتَّى صَلُحَتْ أَجْسَامُنَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (غَزَوْنَا فَجُعْنَا حَتَّى إنَّ الْجَيْشَ لَيَقْسِمُ التَّمْرَةَ والتمرتين فبينا نحن على شط البحر إذ رَمَى الْبَحْرُ بِحُوتٍ مَيِّتٍ فَاقْتَطَعَ النَّاسُ مِنْهُ مَا شَاءُوا مِنْ لَحْمٍ وَشَحْمٍ وَهُوَ مِثْلُ الطَّرَبِ فَبَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ فقال لهم أمعكم منه شئ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ فِيهِ حَلَالٌ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وروى البيهقى باسناده عن عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبى طالب قالا الحراد وَالنُّونُ زَكِيٌّ كُلُّهُ) وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي صرمنه الْأَنْصَارِيَّيْنِ أَنَّهُمَا أَكَلَا السَّمَكَ الطَّافِيَ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لَا بَأْسَ بِالسَّمَكِ الطَّافِي) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِأَكْلِ مَا لَفَظَ الْبَحْرُ بَأْسًا) وَعَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِثْلُهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا كُلُّهُ بِأَسَانِيدِهِ الْمُتَّصِلَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ لَا يَجُوزُ الاحتجاج به لو لم يعارضه شئ فَكَيْفَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 35)
________________________________________
الْمُنْتَشِرَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمِّيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَحْيَى ابن سليم الطائفي كثير الوهم سئ الْحِفْظِ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابن أُمِّيَّةَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ قَالَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ قَالَ وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُهُ قَالَ وَلَا أَعْرِفُ لِأَثَرِ ابْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ شَيْئًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عبيد الله عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ ورواه تقيه بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَلَا يُحْتَجُّ بِمَا يَنْفَرِدُ به تقية فَكَيْفَ بِمَا يُخَالِفُ قَالَ وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ جَابِرٍ مَعَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ ميتته) والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وأما غير الحيوان فضربان طاهر ونجس (فأما) النجس فلا يؤكل لقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والنجس خبيث وَرُوِيَ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مائعا فأريقوه) فلو حل أكله لم يأمر باراقته (وأما) الطاهر فضربان (ضرب) يضر (وضرب) لا يضر فما يضر لا يحل أكله كالسم والزجاج والتراب والحجر والدليل عليه قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) وقَوْله تَعَالَى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وأكل هذه الاشياء تهلكة فوجب أن لا يحل وما لا يضر يحل أكله كالفواكه والحبوب والدليل عليه قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعبادة والطيبات من الرزق)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 36)
________________________________________
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ فَأْرَةِ السَّمْنِ فَبَعْضُهُ فِي الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُ فِي غَيْرِهِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ " رَوَاهُ) الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وكلوه) وعن أبى هريرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِ أَبِي دَاوُد ثم قال وهذا حديث غير محفوط قَالَ سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ هُوَ خَطَأٌ قَالَ وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ وَأَبُو دَاوُد مُتَّفِقَانِ عَلَى السُّكُوتِ عَلَيْهِ مَعَ صِحَّةِ إسْنَادِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ (وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ) (وَأَمَّا) السَّمُّ وَالزُّجَاجُ فَفِيهِمَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ - فَتْحُ السِّينِ وَالزَّايِ وَضَمُّهُمَا وَكَسْرُهُمَا وَالْفَصِيحُ فَتْحِ السِّينِ وَضَمُّ الزَّايِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ أَكْلُ نَجِسِ الْعَيْنِ كَالْمَيْتَةِ وَلَبَنِ الْأَتَانِ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يَحْرُمُ أَكْلُ الْمُتَنَجِّسِ كَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ وَالطَّبِيخِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِهَا إذَا تَنَجَّسَتْ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا غُسِلَ طَهُرَ وَحَلَّ أَكْلُهُ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قولهم لا يحل أكل شئ نَجِسٍ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْجُبْنِ وَالْخَلِّ وَالْبَاقِلَا وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ فِيمَا تَوَلَّدَ
مِنْهُ نَجِسَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي حِلِّ أَكْلِ هَذَا الدُّودِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أصحهما) يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا مُنْفَرِدًا
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ مُطْلَقًا فَعَلَى الصَّحِيحِ يَكُونُ نَجِسًا لَا ضَرَرَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 37)
________________________________________
فِي أَكْلِهِ وَيَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ قَبْلَ غَسْلِهِ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَيْهِ يَنْجَسُ فَيَكُونُ أَكْلَ نَجَاسَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَالِغَ فِي غَسْلِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الثَّانِيَةُ) لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالسَّمِّ الْقَاتِلِ وَالزُّجَاجِ وَالتُّرَابِ الَّذِي يؤذى البدن وهو هذا الَّذِي يَأْكُلُهُ بَعْضُ النِّسَاءِ وَبَعْضُ السُّفَهَاءِ وَكَذَلِكَ الْحَجَرُ الَّذِي يَضُرُّ أَكْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الطِّينِ وَلَمْ يثبت شئ منها قال وينبغى أن نحكم بِالتَّحْرِيمِ إنْ ظَهَرَتْ الْمَضَرَّةُ فِيهِ وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ بِتَحْرِيمِ أَكْلِ التُّرَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ الرِّبَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ فِيهِ قَلِيلُ سَمٍّ إذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ تُصُوِّرَ شَخْصٌ لَا يَضُرُّهُ أكل السموم الطاهرة لم يحرم عليه إذا لا ضرر قال الريانى وَالنَّبَاتُ الَّذِي يُسْكِرُ وَلَيْسَ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى آكِلِهِ قَالَ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الدَّوَاءِ وَإِنْ أَفْضَى إلَى السُّكْرِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ قَالَ وَمَا يُسْكِرُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يُسْكِرُ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي دَوَاءٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي التَّدَاوِي حَلَّ التَّدَاوِي بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) كُلُّ طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ وَذَلِكَ كَالْخُبْزِ وَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْحُبُوبِ وَاللُّحُومِ الطَّاهِرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْإِجْمَاعُ (وَأَمَّا) الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ (فَأَحَدُهَا) الْمُسْتَقْذَرَاتُ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ وَنَحْوِهِمَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا حَلَالٌ وَمِمَّنْ قَالَ به في المنى أبو زيد المروزى وَحُكْمُ الْعَرَقِ حُكْمُ الْمَنِيِّ وَالْمُخَاطِ وَقَدْ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 38)
________________________________________
عَقِبَ كِتَابِ السَّلَمِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ شُرْبُ الْعَرَقِ (الثَّانِي) الْحَيَوَانُ الصَّغِيرُ كَصِغَارِ الْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا يَحْرُمُ ابْتِلَاعُهُ حَيًّا بلا خلاف لانه لا يحل الا بزكاة هَذَا فِي غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ
(أَمَّا) السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَيَحِلُّ ابْتِلَاعُهُمَا فِي الْحَيَاةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّالِثُ) جِلْدُ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغُ فِي أَكْلِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَوْ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْآنِيَةِ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ حَرَامٌ
(وَالثَّانِي)
حَلَالٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ جِلْدَ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ فَحَلَالٌ وَإِلَّا فَلَا.
وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الزَّيْتِ إذَا وَقَعَتْ فيه نجاسة فقال جماعة من أصحابنا الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِقَوْلِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَقْرَبُوهُ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَبَيْعُهُ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ
* وَقَالَ دَاوُد إنْ كان سَمْنًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَإِنْ كَانَ زَيْتًا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَزَعَمَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُخْتَصٌّ بِالسَّمْنِ وَهُوَ لَا يُقَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسِ سَوَاءٌ وَدَكُ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَتْ هُنَاكَ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَاسَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَقَعَتْ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ دِبْسٍ أَوْ عَجِينٍ أَوْ طَبِيخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَائِعًا نَجَّسَتْهُ وَإِنْ كَانَ جَامِدًا أُلْقِيَتْ النَّجَاسَةُ وَمَا حَوْلَهَا وَبَقِيَ الْبَاقِي طَاهِرًا قَالُوا وَضَابِطُ الْجَامِدِ أَنَّهُ إذا أخذت
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 39)
________________________________________
مِنْهُ قِطْعَةٌ لَمْ يُرَادَّ إلَى مَوْضِعِهَا مِنْهُ عَلَى الْقُرْبِ مَا يَمْلَؤُهَا فَإِنْ تَرَادَّ فَمَائِعٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي مَسْأَلَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَوْ نَصَبَ قِدْرًا عَلَى النَّارِ وَفِيهَا لَحْمٌ فَوَقَعَ فِيهَا طَائِرٌ فَمَاتَ فَأُخْرِجَ الطَّائِرُ صَارَ مَا فِي الْقِدْرِ نَجِسًا فَيُرَاقُ الْمَرَقُ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ اللَّحْمِ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عباس.
وعن مالك روايتان
(أحدهما)
كَمَذْهَبِنَا (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْهُ أَنَّهُ يُرَاقُ الْمَرَقُ وَيُرْمَى اللَّحْمُ فَلَا يُؤْكَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَوْ وَقَعَتْ ذُبَابَةٌ
أَوْ نَحْلَةٌ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ وَتَهَرَّأَتْ أَجْزَاؤُهَا فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُ ذَلِكَ الطَّبِيخِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ أَكْلِ الذُّبَابِ وَالنَّمْلِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا كَانَ لِلِاسْتِقْذَارِ وَلَا يُعَدُّ هَذَا مُسْتَقْذَرًا قَالَ وَلَوْ وَقَعَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ لَمْ يحل أكل شئ مِنْ ذَلِكَ الطَّبِيخِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْمُ الآدمى وزن دانق حرم الطبيخ لا لنجاسة فَإِنَّ الْآدَمِيَّ الْمَيِّتَ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَكِنْ لِأَنَّ أَكْلَ الْآدَمِيِّ حَرَامٌ لِحُرْمَتِهِ لَا لِاسْتِقْذَارِهِ بِخِلَافِ الذُّبَابِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الطَّبِيخُ فِي مَسْأَلَةِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَهُوَ كَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ إذَا وَقَعَ فِي قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِأَنَّ البول صار باستهلاكه كالمعدوم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن اضطر إلى أكل الميتة أو لحم الخنزير فله أن يأكل منه ما يسد به الرمق لقوله تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فلا إثم عليه) وهل يجب أكله فيه وجهان
(أحدهما)
يجب لقوله
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 40)
________________________________________
تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم)
(والثانى)
لا يجب وهو قول أبى اسحق لان له غرضا في تركه وهو أن يجتنب ما حرم عليه وهل يجوز أن يشبع منه فيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز وهو اختيار المزني لانه بعد سد الرمق غير مضطر فلا يجوز له أكل الميتة كما لو اراد أن يبتدئ بالاكل وهو غير مضطر
(والثانى)
يحل لان كل طعام جاز أن يأكل منه قدر سد الرمق جاز له أن يشبع منه كالطعام الحلال وان اضطر إلى طعام غيره وصاحبه غير مضطر إليه وجب عليه بذله لان الامتناع من بذله إعانة على قتله وَقَدْ قَالَ (النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله) وان طلب منه ثمن المثل لزمه أن يشتريه منه ولا يجوز أن يأكل الميتة لانه غير مضطر فان طلب أكثر من ثمن المثل أو امتنع من بذله فله أن يقاتله عليه فان لم يقدر على مقاتلته فاشترى منه بأكثر من ثمن المثل ففيه وجهان
(أحدهما)
يلزمه لانه ثمن في بيع صحيح
(والثانى)
لا يلزمه الا ثمن المثل كالمكره على شرائه فلم يلزمه أكثر من ثمن المثل وان وجد الميته وطعام الغير وصاحبه غائب ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه ياكل الطعام لانه طاهر فكان اولى
(والثانى)
يأكل الميتة لان أكل الميتة ثبت بالنص وطعام الغير ثبت بالاجتهاد فقدم أكل الميتة عليه ولان المنع من أكل الميتة لحق الله سبحانه وتعالى والمنع من طعام الغير لحق الآدمى وحقوق الله تعالى
مبنية على التسهيل وحقوق الآدمى مبنية على التشديد وان وجد ميتة وصيدا وهو محرم ففيه طريقان (من) أصحابنا من قال إذا قلنا أنه إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة أكل الميتة وترك الصيد لانه إذا ذكاه صار ميتة ولزمه الجزاء (وان قلنا) أنه لا يصير ميتة أكل الصيد لانه طاهر ولان تحريمه أخف لانه يحرم عليه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 41)
________________________________________
وحده والميتة محرمة عليه وعلى غيره (ومن) أصحابنا من قال ان قلنا أنه يصير ميتة أكل الميتة وان قلنا أنه لا يكون ميتة ففيه قولان
(أحدهما)
يذبح الصيد ويأكله لانه طاهر ولان تحريمه أخف على ما ذكرناه
(والثانى)
أنه يأكل الميتة لانه منصوص عليها والصيد مجتهد فيه وان اضطر ووجد آدميا ميتا جاز له أكله لان حرمة الحى آكد من حرمة الميت وان وجد مرتدا أو من وجب قتله في الزنا جاز له أن يأكله لان قتله مستحق وان اضطر ولم يجد شيئا فهل يجوز له أن يقطع شيئا من بدنه ويأكله فيه وجهان (قال) أبو إسحق يجوز لانه احياء نفس بعضو فجاز كما يجوز أن يقطع عضوا إذا وقعت فيه الآكلة لاحياء نفسه ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانه إذا قطع عضوا منه كان المخافة عليه أكثر وان اضطر إلى شرب الخمر أو البول شرب البول لان تحريم الخمر أغلظ ولهذا يتعلق به الحد فكان البول أولى وان اضطر إلى شرب الخمر وحدها ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يجوز أن يشرب لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)
(والثانى)
يجوز لانه يدفع به الضرر عن نفسه فصار كما لو أكره على شربها (والثالث) أنه ان اضطر إلى شربها للعطش لم يجز لانها تزيد في الالهاب والعطش وان اضطر إليها للتداوي جاز)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ) رَوَاهُ (١) وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ مَسْتُورٌ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْمَسْتُورِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ على أن المضطر
________________________________________
(١) بياض بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 42)
________________________________________
إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ النَّجَاسَاتِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَفِي وُجُوبِ هَذَا الْأَكْلِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْأَكْلَ فَإِنَّمَا يَجِبُ سَدُّ الرَّمَقِ دُونَ الشِّبَعِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا وَجَدَ طَاهِرًا يَمْلِكُهُ لَزِمَهُ أَكْلُهُ (الثَّانِيَةُ) فِي حَدِّ الضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا خِلَافَ أَنَّ الْجُوعَ الْقَوِيَّ لَا يَكْفِي لِتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا قَالُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِامْتِنَاعُ إلَى الْإِشْرَافِ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِنَّ الْأَكْلَ حِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ انْتَهَى إلَى تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَوْ لم يأكل من جوع أو ضعف عن الْمَشْيِ أَوْ عَنْ الرُّكُوبِ وَيَنْقَطِعُ عَنْ رُفْقَتِهِ ويضيع ونحو ذلك فلو خالف حدوث مرض مخوف في جنسه فَهُوَ كَخَوْفِ الْمَوْتِ وَإِنْ خَافَ طُولَ الْمَرَضِ فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُمَا قَوْلَانِ وَلَوْ عِيلَ صَبْرُهُ وَأَجْهَدَهُ الْجُوعُ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ وَنَحْوُهَا أَمْ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَصِلَ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَخَافُهُ تَيَقُّنُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ قَالُوا كَمَا أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا إذَا ظَنَّ وُقُوعَ مَا خُوِّفَ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَى الْغَيْبِ وَجُمْلَةُ جِهَاتِ الظَّنِّ مُسْتَنَدُهَا الظَّنُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُبَاحُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حِلِّ الشِّبَعِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) لَا يُبَاحُ الشِّبَعُ وَإِنَّمَا يُبَاحُ سَدُّ الرَّمَقِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي الِابْتِدَاءِ لَمَا جَازَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَزُولُ بِهَذَا وَالتَّمَادِي فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُمْتَنِعٌ
(وَالثَّانِي)
يُبَاحُ الشِّبَعُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَيْسَ مَعْنَى الشِّبَعِ أَنْ يَمْتَلِئَ حَتَّى لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا وَلَكِنْ إذا انكسرت سورة الجوع بحيث لا ينطق عَلَيْهِ اسْمُ جَائِعٍ أَمْسَكَ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ بعيدا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 43)
________________________________________
مِنْ الْعُمْرَانِ حَلَّ الشِّبَعُ وَإِلَّا فَلَا.
هَكَذَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَكَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ التَّفْصِيلُ وَذَكَرَ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ تَفْصِيلًا
جَاءَ نَقْلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي بَادِيَةٍ وَخَافَ إنْ تَرَكَ الشِّبَعَ أَنْ لَا يَقْطَعَهَا وَيَهْلَكَ وَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَشْبَعُ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَتَوَقَّعَ طعاما طاهرا قبل عود الضَّرُورَةِ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ حُصُولُ طَعَامٍ طَاهِرٍ وَأَمْكَنَ الْحَاجَةُ إلَى الْعَوْدِ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إنْ لَمْ يَجِدْ الطَّاهِرَ فَهَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الامام والغزالي تفصيل حسن وهو الراجع وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ فَرَجَّحَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا حِلَّ الشِّبَعِ وَرَجَّحَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ وُجُوبَ الِاقْتِصَارِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَتَحْرِيمَ الشِّبَعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمَيْتَةِ إنْ لَمْ يرج الوصول إلى طاهر قان رَجَاهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَزَادَ الْقَفَّالُ فَقَالَ يَجُوزُ حَمْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَا لَمْ يَتَلَوَّثْ بِهَا (الخامسة) إذا جوزنا الشبع فأكل ماسد رَمَقَهُ ثُمَّ وَجَدَ لُقْمَةً حَلَالًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ حَتَّى يَأْكُلَ تِلْكَ اللُّقْمَةَ فَإِذَا أَكَلَهَا هَلْ لَهُ إتْمَامُ الْأَكْلِ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَى الشِّبَعِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ بِوُجُودِ اللُّقْمَةِ عَادَ إلَى الْمَنْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى عَوْدِ الضَّرُورَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَمْ يَجِد الْمُضْطَرُّ إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْبَذْلِ فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ أَمْ يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) طَرْدُ الْخِلَافِ كَالْمَيْتَةِ
(وَالثَّانِي)
يُبَاحُ الشِّبَعُ قَطْعًا (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ قَطْعًا بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ (السَّادِسَةُ) فِي بَيَانِ جِنْسِ الْمُبَاحِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُحَرَّمُ الَّذِي يَحْتَاجُ الْمُضْطَرُّ إلَى تَنَاوُلِهِ ضَرْبَانِ مُسْكِرٌ وَغَيْرُهُ (أَمَّا) الْمُسْكِرُ فَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا (وَأَمَّا) غَيْرُ الْمُسْكِرِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 44)
________________________________________
فَيُبَاحُ جَمِيعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إتْلَافُ معصوم فيجوز للمضطر أكل المتية وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبُ الْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَيَجُوزُ لَهُ قَتْلُ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَأَكْلُهُمَا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ فَفِيهِمْ وَجْهَانِ
(أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَجُوزُ قَالَ الْإِمَامُ لِأَنَّا إنَّمَا مُنِعْنَا مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ تَفْوِيضًا إلَى السُّلْطَانِ لِئَلَّا يُفْتَاتَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْعُذْرُ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ عِنْدَ تَحَقُّقِ ضَرُورَةِ الْمُضْطَرِّ (وَأَمَّا) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَلَهُ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَأَكْلُهُ سَوَاءٌ حَضَرَهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) نِسَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانُهُمْ فَفِيهِمْ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِلْأَكْلِ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ حَرَامٌ فَأَشْبَهَ الذِّمِّيَّ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ وَلَيْسَ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِحُرْمَةِ نُفُوسِهِمْ بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَاتِلِهِمْ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ فمصومون فَيَحْرُمُ قَتْلُهُمْ لِلْأَكْلِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَالِدٍ قَتْلُ وَلَدِهِ لِيَأْكُلَهُ وَلَا لِلسَّيِّدِ قَتْلُ عَبْدِهِ لِيَأْكُلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ إلَّا آدَمِيًّا مَيِّتًا مَعْصُومًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (الصَّحِيحُ) الْجَوَازُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكد
(والثانى)
لا لوجوب صيانته وليس بشئ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ كَافِرًا حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَوَجْهَانِ
* ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ الا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِكَمَالِ حُرْمَتِهِ وَمَزِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأَكْلَ مِنْ الْآدَمِيِّ الْمَيِّتِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ بِلَا خِلَافٍ حِفْظًا لِلْحُرْمَتَيْنِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ طَبْخُهُ وَشَيُّهُ بَلْ يَأْكُلُهُ نِيئًا لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِذَلِكَ وَفِي طَبْخِهِ هَتْكٌ لِحُرْمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَيْتَاتِ فَإِنَّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلَهَا نية وَمَطْبُوخَةً وَلَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ ذِمِّيًّا وَوَجَدَ مُسْلِمًا ميتا فَفِي حِلِّ أَكْلِهِ لَهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَالْقِيَاسُ تَحْرِيمُهُ لِكَمَالِ شرف
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 45)
________________________________________
الْإِسْلَامِ وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَلَحْمَ آدَمِيٍّ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَمْ يَجُزْ أَكْلُ الْآدَمِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَيْتَةُ خِنْزِيرًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَلَحْمَ آدَمِيٍّ أَكَلَ الصَّيْدَ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ
* (فرع)
لو أراد المضطر أن يقطع قطعه مِنْ نَفْسِهِ مِنْ فَخِذِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِيَأْكُلَهَا فَإِنْ كَانَ
الْخَوْفُ مِنْهُ كَالْخَوْفِ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ أَوْ أَشَدَّ حَرُمَ الْقَطْعُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَإِلَّا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وهو قول ابن سريج وابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَالنُّسَخِ وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجِدَ شَيْئًا غَيْرَهُ فَإِنْ وَجَدَ حَرُمَ الْقَطْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَعْصُومٍ غَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمُضْطَرِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ (السَّابِعَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ طَعَامًا حَلَالًا طَاهِرًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَإِنْ حَضَرَ نُظِرَ إنْ كَانَ الْمَالِكُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ أَيْضًا فَهُوَ أَوْلَى به وليس للآخران يَأْخُذَهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ بَذْلُهُ لَهُ هَكَذَا قَالُوهُ وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَتُتَصَوَّرُ فِي زَمَنِ نُزُولِ عِيسَى بن مريم عليكم وَقَدْ تَكُونُ مَسْأَلَةً عِلْمِيَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ آثَرَ الْمَالِكُ غَيْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) قَالُوا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ مُسْلِمًا فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُؤْثِرُهُ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَكَذَا لَا يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ بَهِيمَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ مُضْطَرًّا فَيَلْزَمُهُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا وَكَذَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْخُذَهُ قَهْرًا وَلَهُ مُقَاتَلَةُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِ الْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ فِي الدَّفْعِ عَنْ طَعَامٍ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ مَنَعَهُ الطَّعَامَ فَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قِيلَ يَضْمَنُ لَكَانَ مَذْهَبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَالِكَ بَذْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ عَلَيْهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ
(وَالثَّانِي)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 46)
________________________________________
قَدْرُ الشِّبَعِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ الْأَخْذُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ (وَالْأَصَحُّ) هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْأَخْذُ قَهْرًا وَلَا يَجِبُ الْقِتَالُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ دَفْعُ الصَّائِلِ فَهُنَا أَوْلَى وَخَصَّ الْبَغَوِيّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَوْفٌ فِي الْأَخْذِ قَهْرًا قَالَ فَإِنْ خَافَ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَالِكِ بَذْلَهُ لِلْمُضْطَرِّ فَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بذله مجانا ولا يلزم المضطر شئ كما يأكل الميتة بلا شئ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
الْبَذْلُ إلَّا بِعِوَضٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَلَصَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ بِالْوُقُوعِ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ بِأَنَّ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ التَّخْلِيصُ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ
* وَسَوَّى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا وَقَالُوا إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ هُنَاكَ مُوَافَقَةً عَلَى أُجْرَةٍ يَبْذُلُهَا أَوْ يَلْتَزِمُهَا لَمْ يَلْزَمْ تَخْلِيصُهُ حَتَّى يَلْتَزِمَهَا كَمَا فِي الْمُضْطَرِّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْحَالُ التَّأْخِيرَ فِي صُورَةِ الْمُضْطَرِّ فَأَطْعَمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنْ بَذَلَ الْمَالِكُ طَعَامَهُ مَجَّانًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ وَإِنْ بَذَلَهُ بِالْعِوَضِ نُظِرَ إنْ لَمْ يُقَدَّرْ الْعِوَضُ لَزِمَ الْمُضْطَرَّ بَذْلُهُ وَهُوَ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَكَلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ وَإِنْ قُدِّرَ لَهُ الْعِوَضُ فَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ مَا يَأْكُلُهُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وان أفرده فان كَانَ الْمُقَدَّرُ ثَمَنَ الْمِثْلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلِلْمُضْطَرِّ مَا فَضَلَ عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَالْتَزَمَهُ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ لَازِمٍ (وَأَصَحُّهَا) عِنْدَ الرُّويَانِيِّ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تَشُقُّ عَلَى المضطر ليساره لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَحْتَالَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ الْقِيمَةَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنًا لَكِنَّ الْوَجْهَ جَعْلُ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لِمَعْنًى وَأَنَّ الْمُضْطَرَّ هَلْ هُوَ مُكْرَهٌ أَمْ لَا وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ الشِّرَاءُ بالثمن الغالى لضرورة هل نجعله كَرْهًا حَتَّى لَا يَصِحَّ الشِّرَاءُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَقْيَسُهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ قَالَ وَكَذَا الْمُصَادَرُ مِنْ جهة
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 47)
________________________________________
السلطان الظالم إذا باع ماله لِلضَّرُورَةِ فِي الْمُصَادَرَةِ وَدَفْعِ الْأَذَى الَّذِي يَخَافُهُ فيه وجهان (أصحهما) صحة البيع لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ وَمَقْصُودُ الظَّالِمِ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ وَاحْتَجَّ بِهِ لِوَجْهِ لُزُومِ الْمُسَمَّى فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ
* (فَرْعٌ)
متى باع المضطر بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَمَعَ الْمُضْطَرِّ مَالٌ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ وَصَرْفُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَال
إلَى الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ سَاتِرُ عَوْرَتِهِ لَزِمَهُ صَرْفُهُ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ الْهَلَاكَ بِالْبَرْدِ وَيُصَلِّي عَارِيًّا لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَخْذُ الطَّعَامِ قَهْرًا ولا يجوز أخذ ساتر الْعَوْرَةِ قَهْرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ لَزِمَهُ الْتِزَامُهُ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَمْ لَا وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ فِي هَذَا الْحَالِ الْبَيْعُ نَسِيئَةً قَالَ أَصْحَابُنَا والشراء هنا واجب بلا خلاف ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ بَلْ يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ يَقُولُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ فِيهِ مُبَاشَرَةَ النَّجَاسَةِ وَهَذَا مَقْصُودٌ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الطَّاهِرِ
* (فَرْعٌ)
لَيْسَ لِلْمُضْطَرِّ الْأَخْذُ قَهْرًا إذَا بَذَلَ الْمَالِكُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَيَأْخُذَهُ قَهْرًا وَيُقَاتِلَهُ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِالزِّيَادَةِ مَعَ إمْكَانِ أَخْذِهِ قَهْرًا فَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الزِّيَادَةِ فَيَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى بِلَا خِلَافٍ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ قَهْرًا
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَطْعَمَهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِبَاحَةِ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا عِوَضَ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ بِالطَّعَامِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِيمَنْ عُرِفَ بِالْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ إذَا اسْتَعْمَلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ شَرْطِ أُجْرَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَالِكُ أَطْعَمْتُكَ بِعِوَضٍ فَقَالَ الْمُضْطَرُّ بَلْ مَجَّانًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُصَدَّقُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِدَفْعِهِ
(وَالثَّانِي)
الْمُضْطَرُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلَوْ أَوْجَرَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ قَهْرًا أَوْ أَوْجَرَهُ وَهُوَ مُغْمَى عَلَيْهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الْهَلَاكِ كَمَنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 48)
________________________________________
(فَرْعٌ)
كَمَا يَجِبُ بَذْلُ الْمَالِ لِإِبْقَاءِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِإِبْقَاءِ الْبَهِيمَةِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْغَيْرِ وَلَا يَجِبُ الْبَذْلُ لِلْحَرْبِيِّ وَلَا لِلْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ كَلْبٌ مُبَاحُ الْمَنْفَعَةِ جَائِعٌ وَشَاةٌ لَزِمَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ لِإِطْعَامِ الْكَلْبِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ مُضْطَرٌّ وَمَعَ غَيْرِهِ شَاةٌ لَيْسَ مُضْطَرًّا إلَيْهَا لَزِمَهُ بَذْلُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِصَاحِبِ الْكَلْبِ قَهْرُهُ وَمُقَاتَلَتُهُ لِمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ غَائِبًا فَيَجُوزُ
لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ طَعَامِهِ وَيَغْرَمُ لَهُ بَدَلَهُ وَفِي وُجُوبِ الْأَكْلِ وَالْقَدْرِ الْمَأْكُولِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَالْوَلِيُّ غَائِبٌ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ فِي مَالِهِمَا كَكَامِلِ الْحَالِ فِي مَالِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ إحْدَى الصُّوَرِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ مَالِ الصَّبِيِّ نَسِيئَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَطَعَامَ الْغَيْرِ وَهُوَ غَائِبٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ أَكْلِ الطَّعَامِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ حَاضِرًا فَإِنْ بَذَلَهُ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا وَمَعَهُ ثَمَنُهُ أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَلَمْ يَجُزْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فَالْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالطَّبَرِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَبْذُلْهُ أَصْلًا وَإِذَا لَمْ يَبْذُلْهُ لَمْ يُقَاتِلْهُ عَلَيْهِ الْمُضْطَرُّ إنْ خَافَ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ خَافَ إهْلَاكَ الْمَالِكِ فِي الْمُقَاتَلَةِ بَلْ يَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ لِضَعْفِ الْمَالِكِ وَسُهُولَةِ دَفْعِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا كَانَ غَائِبًا هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَشْتَرِيهِ بِالثَّمَنِ الْغَالِي وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ثُمَّ يجئ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى أَمْ ثَمَنُ الْمِثْلِ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَبْذُلْ أَصْلًا وَقُلْنَا طَعَامُ الْغَيْرِ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَيَأْخُذَهُ قَهْرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّاسِعَةُ) لَوْ اُضْطُرَّ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا صَيْدًا فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَمَيْتَةً فَلَهُ طَرِيقَانِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 49)
________________________________________
ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا ذَبَحَ صَيْدًا هَلْ يَصِيرُ مَيْتَةً فَيَحْرُمَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَمْ لَا يَكُونُ مَيْتَةً فَلَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَصِيرُ مَيْتَةً (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ قُلْنَا يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَإِلَّا فَأَيَّهُمَا يَأْكُلُ فِيهِ قَوْلَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَوْ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمَهُ أَكْلُ الصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عن أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ
* وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ
صَيْدٍ مَذْبُوحٍ وميتة فان كان ذابحه حلال ذَبَحَهُ لِنَفْسِهِ فَهَذَا مُضْطَرٌّ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامَ الغير وقد سبق حكمه وان ذبح هَذَا الْمُحْرِمُ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَهُوَ وَاجِدُ طَعَامِ حَلَالٍ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ مُضْطَرًّا فَإِنْ ذَبَحَهُ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ وَقُلْنَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا
(وَالثَّانِي)
يَتَعَيَّنُ لَحْمُ الصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) الْمَيْتَةُ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَيْتَةٌ أَكَلَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَغَيْرُ الصَّيْدِ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَأْكُلُهُ
(وَالثَّانِي)
يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ مَيْتَةً أَمْ لَا (أَحَدُهَا) يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ
(وَالثَّانِي)
الطَّعَامُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ هَذَا إذَا كَانَ مَالِكُ الطَّعَامِ غَائِبًا فَإِنْ حَضَرَ وَمَنَعَهُ تَعَيَّنَ الصَّيْدُ وَإِنْ بَذَلَهُ تَعَيَّنَ الطَّعَامُ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَسَبْعَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) يَتَعَيَّنُ الْمَيْتَةُ
(وَالثَّانِي)
الصَّيْدُ (وَالثَّالِثُ) الطَّعَامُ (وَالرَّابِعُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ (وَالْخَامِسُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْمَيْتَةِ (وَالسَّادِسُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الصَّيْدِ وَالْمَيْتَةِ (وَالسَّابِعُ) بَيْنَ الصَّيْدِ وَالطَّعَامِ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ نَجْعَلْ مَا يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ مَيْتَةً فَهَلْ عَلَى الْمُضْطَرِّ قِيمَةُ مَا أَكَلَهُ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْرِمِ هَلْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَى الصَّيْدِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا وجد ميتتان احدهما مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَاهُمَا طَاهِرَةٌ فِي الْحَيَاةِ دُونَ الْأُخْرَى كَشَاةٍ وَحِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَمْ تَتَعَيَّنُ الشَّاةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَرْكُ الْكَلْبِ وَالتَّخْيِيرُ في الباقي والله
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 50)
________________________________________
أعلم (الحادية عشر) لَا يَجُوزُ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ حَتَّى يَتُوبَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فلا اثم عليه) وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحَةً فِي بَابِ مَسْحِ الخف وباب صلاة المسافر (الثانية عشر) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَجَدَ مَعَ غَيْرِهِ طَعَامًا يَضُرُّهُ وَيَزِيدُ فِي مرضه جاز له تَرْكُهُ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ لَهُ وَعَدُّوا هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِذَا اُضْطُرَّ وَوَجَدَ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ إلَّا فِي
حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إذَا خَافَ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَسْقِيَهُ مَسْمُومًا فَلَوْ تَرَكَهُ وَأَكَلَ الْمَيْتَةَ فَلَهُ تركه وأكل الميتة والله أعلم
* (الثالثة عشر) إذَا اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَائِعَةِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ جَازَ لَهُ شُرْبُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اُضْطُرَّ وَهُنَاكَ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَلَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْخَمْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ غَيْرِ الْخَمْرِ فَهُوَ جَائِزٌ سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ النَّجَاسَاتِ غَيْرُ الْمُسْكِرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ (وَوَجْهٌ ثَالِثٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَهُمَا شَاذَّانِ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ - أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الاسلام فلستوخموا الْمَدِينَةَ فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا قَالُوا بَلَى فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ (وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا أَبْوَالَهَا وَأَلْبَانَهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهَا فَإِنْ وَجَدَهُ حَرُمَتْ النَّجَاسَاتُ بِلَا خِلَافٍ وعليه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 51)
________________________________________
يُحْمَلُ حَدِيثُ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ حَرَامًا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُتَدَاوِي عَارِفًا بِالطِّبِّ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ هَذَا مَقَامَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ عَدْلٌ وَيَكْفِي طَبِيبٌ وَاحِدٌ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ قَالَ الطَّبِيبُ يَتَعَجَّلُ لَكَ بِهِ الشِّفَاءُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ تَأَخَّرَ فَفِي إبَاحَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ جَوَازَهُ (أَمَّا) الْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُسْكِرِ فَهَلْ يَجُوزُ شُرْبُهَا لِلتَّدَاوِي أَوْ الْعَطَشِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي دُونَ الْعَطَشِ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ
سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ إنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ جَوَازَهَا لِلْعَطَشِ دُونَ التَّدَاوِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَحْرِيمُهَا لَهُمَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَسَأُورِدُ دَلِيلَهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فان جوزنا شربها للعطش وكان مَعَهُ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَحَرُمَ الخمر لان تحريم الخمر أَخَفُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذَا كَمَنْ وَجَدَ بَوْلًا وَمَاءً نَجِسًا فَإِنَّهُ يَشْرَبُ الْمَاءَ النَّجَسَ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ وَفِي جَوَازِ التَّبَخُّرِ بِالنَّدِّ الْمَعْجُونِ بِالْخَمْرِ وَجْهَانِ بِسَبَبِ دُخَانِهِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ دُخَانَ نَفْسِ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قدذكرنا أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي وَالْعَطَشِ وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيَّ اخْتَارَا جَوَازَهَا لِلْعَطَشِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخَمْرُ يُسْكِنُ الْعَطَشَ فَلَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا فِي حُكْمِ الْعِلَاجِ قَالَ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْخَمْرَ لَا يُسْكِنُ الْعَطَشَ فَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَلَا يُعَدُّ قَوْلُهُ مَذْهَبًا بَلْ هو غلط ووهم بل معاقر الخمر يجتزى بِهَا عَنْ الْمَاءِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ الْأَصْحَابِ وَالْأَطِبَّاءِ أَنَّهَا لَا تُسْكِنُ الْعَطَشَ بَلْ تَزِيدُهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ عَادَةِ شَرَبَةِ الْخَمْرِ أَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ شُرْبَ الْمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 52)
________________________________________
عَلَى الْمَنْعِ مِنْ شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا تُجِيعُ وَتُعَطِّشُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ سَأَلْتُ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا تَرْوِي فِي الْحَالِ ثُمَّ تُثِيرُ عَطَشًا عَظِيمًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَتْ الْأَطِبَّاءُ الْخَمْرُ تَزِيدُ فِي الْعَطَشِ وَأَهْلُ الشُّرْبِ يَحْرِصُونَ عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ فَحَصَلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ فِي دَفْعِ الْعَطَشِ وَحَصَلَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ فِي الدَّوَاءِ فَثَبَتَ تَحْرِيمُهَا مُطْلَقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَسِيغُهَا بِهِ إلَّا الْخَمْرَ فَلَهُ إسَاغَتُهَا بِهِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ بَلْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الْإِسَاغَةِ قَطْعِيَّةٌ بِخِلَافِ التَّدَاوِي وَشُرْبِهَا لِلْعَطَشِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ غَصَّ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ - لَا بِضَمِّهَا - يَغَصُّ - بِفَتْحِهَا - أَيْضًا غَصَصًا - بِالْفَتْحِ - أَيْضًا فَهُوَ غَاصٌّ وَغَصَّانُ وَأَغْصَصْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَكْلُ التِّرْيَاقِ الْمَعْمُولِ بِلَحْمِ الْحَيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ حَيْثُ تَجُوزُ الْمَيْتَةُ هَذَا لَفْظُهُ وَاحْتَجَّ
* الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ إنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهَا مَذْمُومَةً
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضْطَرِّ (إحْدَاهَا) أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهَا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي قَدْرِ الْمَأْكُولِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) سَدُّ الرَّمَقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وداود
(والثانى)
قَدْرُ الشِّبَعِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُضْطَرِّ مَالٌ وكان مع غيره طعام يستغن عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لَهُ بِلَا عِوَضٍ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْبَذْلِ حَتَّى يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَبَقَ هَذَا مَذْهَبُنَا
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَقَوْلُ دَاوُد قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِ دَاوُد مَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 53)
________________________________________
مَا تَزُولُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ يَغْرَقُ أَوْ يَحْتَرِقُ وَأَمْكَنَهُ تَخْلِيصُهُ لَزِمَ تَخْلِيصُهُ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ عِوَضٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الذِّمَّةَ كَالْمَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الطَّعَامِ بَذْلُهُ مَجَّانًا وَكَذَا إذَا أَمْكَنَ الشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَلْ كُلُّ حَالَةٍ أَمْكَنَ فِيهَا الْمُوَافَقَةُ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا بِالْعِوَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) إذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا لِغَائِبٍ فَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة وأحملانه منصوص عليها وطعام غيره مجتهد فيه (والثاني) يَأْكُلُ طَعَامَ غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعَ طَهَارَتِهِ وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ (الرَّابِعَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ آدَمِيًّا مَيِّتًا حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ التَّدَاوِي بِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْمُسْكِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ
إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى شُرْبِهِمْ الْأَبْوَالَ لِلتَّدَاوِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
وَحَدِيثِ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّاهِرَةِ.
وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ إنْ صَحَّا حُمِلَا عَلَى النَّهْيِ عَنْ التَّدَاوِي بِالْمُسْكِرِ وَعَلَى التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (وان مر ببستان لغيره وهو غير مضطر لم يجز أن يأخذ منه شيئا بغير إذن صاحبه لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسه)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 54)
________________________________________
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مسلم الا بطيب نفس منه) اسناده ضعيف على ابن زَيْدٍ ضَعِيفٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ (لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ مِنْ طِيبِ نَفْسٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَرَّ الْإِنْسَانُ بِثَمَرِ غَيْرِهِ أَوْ زَرْعِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا فَيَأْكُلَ حِينَئِذٍ وَيَضْمَنَ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ مِنْ الْأَشْجَارِ حُكْمُ الثِّمَارِ الَّتِي عَلَى الشَّجَرِ إنْ كَانَتْ السَّاقِطَةُ دَاخِلَ الْجِدَارِ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِإِبَاحَتِهَا فَإِنْ جَرَتْ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا) لَا يَحِلُّ كَالدَّاخِلَةِ وَكَمَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْمَالِكَ لَا يُبِيحُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ بِذَلِكَ وَحُصُولِ الظَّنِّ بِإِبَاحَتِهِ كَمَا يَحْصُلُ تَحَمُّلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْهَدِيَّةَ وَيَحِلُّ أَكْلُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ حُكْمُ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ
* أَمَّا الْقَرِيبُ وَالصَّدِيقُ فَإِنْ تَشَكَّكَ فِي رِضَاهُ بِالْأَكْلِ من ثمره وزرعه وبيته لم يحل الا كل مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رضاه به وأنه يَكْرَهُ أَكْلَهُ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَظُنُّ رِضَاهُ بِهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمْوَالِ وَلِهَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم إلى قوله تعالى أو صديقكم) وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من مَرَّ بِبُسْتَانِ غَيْرِهِ وَفِيهِ ثِمَارٌ أَوْ مَرَّ بزرع غيره فمذهبنا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ الَّتِي يُبَاحُ فِيهَا الْمَيْتَةُ
* وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة ودواد والجمهور
* وقال
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 55)
________________________________________
أَحْمَدُ إذَا اجْتَازَ بِهِ وَفِيهِ فَاكِهَةٌ رَطْبَةٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَائِطٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَمَانَ
* وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى مُجَاهِدُ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (مَنْ مَرَّ مِنْكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ فِي بَطْنِهِ ولا يتخذ خبنة) وعن زيدب ن وَهْبٍ قَالَ (قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَأَمِّرُوا عَلَيْكُمْ وَاحِدًا مِنْكُمْ فَإِذَا مَرَرْتُمْ بِرَاعِي الْإِبِلِ فَنَادُوا يَا رَاعِيَ الْإِبِلِ فَإِنْ أَجَابَكُمْ فَاسْتَسْقُوهُ وَإِنْ لَمْ يُجِبْكُمْ فَأْتُوهَا فَحُلُّوهَا وَاشْرَبُوا ثُمَّ صُرُّوهَا) رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادَيْهِ جَمِيعًا قَالَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يؤتى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ مَرَّ لِرَجُلٍ بِزَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شئ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ قَالَ وَقَدْ قيل من مر بحائط فاليأكل ولا يتخذ خبنة ورى فِيهِ حَدِيثٌ لَوْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَنَا لَمْ نُخَالِفْهُ وَالْكِتَابُ
وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ هُوَ حَدِيثُ يحيى بن سليم الطائفي عن عبيد الله بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ فَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ حديث يحيى بن سليم هذا عن عبيد الله فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْحَائِطِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ هَذَا غَلَطٌ وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يحيى بن سليم يروى أحاديث عن عبيد الله يَهِمُ فِيهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ جَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ وَلَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ (مِنْهَا) عَنْ عَمْرِو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ الضَّالَّةِ فَذَكَرَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 56)
________________________________________
الْحَدِيثَ قَالَ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ الثِّمَارِ يُصِيبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ (مَا أَخَذَ فِي أَكْمَامِهِ يَعْنِي رؤس النَّخْلِ فَاحْتَمَلَهُ فَثَمَنُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَضَرْبُ نَكَالٍ وَمَا كَانَ فِي أَجْرَانِهِ فَأَخَذَهُ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ وَإِنْ أَكَلَ بفيه ولم يأخذ فيتخذ خبنة فليس عليه شئ) قال البيهقي وهذا إن صح فمحمول على أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَطْعٌ حِينَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحِرْزِ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فليحلب وليشرب وان لم يكن فيها فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِلَّا فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثُ الْحَسَنِ عن سمرة لَا يُثْبِتُهَا بَعْضُ الْحُفَّاظِ وَيُزْعَمُ أَنَّهَا مِنْ كِتَابٍ غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ السَّمَاعُ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الضرورة (ومنها) حديث يزيد بن هرون عَنْ سَعِيدِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى راع فليناد يا راع الْإِبِلِ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ ولا يَحْمِلَنَّ وَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى حَائِطٍ فَلْيُنَادِ ثَلَاثًا يَا صَاحِبَ الْحَائِطِ فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَحْمِلَنَّ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخر عمره وسماع يزيد بن هرون مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ فَلَا يَصِحُّ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحُلَّ صِرَارَ نَاقَةٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا فَإِنَّ خَاتَمَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا فَقِيلَ لِشَرِيكٍ أَرْفَعُهُ
قَالَ نَعَمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا يُوَافِقُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الصَّحِيحَ السَّابِقَ ثُمَّ روى البيهقى باسناده عن أبى عبيد القسيم بْنِ سَلَّامٍ قَالَ إنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ عُمَرَ وَحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي الرُّخْصَةِ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِيهِ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ الَّذِي لا شئ معه يشترى به وهو معسر في حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ إذَا مَرَّ بِالْحَائِطِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ولا يتخذ خبنة) وعن الحجاج ابن أَرْطَاةَ عَنْ سَلِيطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ عن ذهيل بن عوف بن سماح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ نَاسٌ يارسول اللَّهِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ مَالِ أَخِيهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 57)
________________________________________
قَالَ (أَنْ يَأْكُلَ وَلَا يَحْمِلَ وَيَشْرَبَ وَلَا يحمل) قال البيهقى هذا اسناد مجهول لا يقوم به حجة والحجاج ابن أَرْطَاةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْحَجَّاجِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُضْطَرِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الضِّيَافَةُ سُنَّةٌ فَإِذَا اسْتَضَافَ مُسْلِمٌ لَا اضْطِرَارَ بِهِ مُسْلِمًا اُسْتُحِبَّ لَهُ ضِيَافَتُهُ وَلَا تَجِبُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ
* وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً
* قَالَ أَحْمَدُ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْمُدُنِ واحتجوا بحديث أبى سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائزته قال وما جائزته يارسول اللَّهِ قَالَ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ يُقِيمُ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يؤثمه قال يقيم عنده ولا شئ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ (سُئِلَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَقَالَ يُكْرِمُهُ وَيُتْحِفُهُ وَيَحْفَظُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ لَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَا اتَّسَعَ لَهُ مِنْ بِرٍّ وَإِلْطَافٍ وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَيُقَدِّمُ لَهُ مَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى عَادَتِهِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَمَعْرُوفٌ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ قَالَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ مِنْهُ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي الْإِثْمِ) وَعَنْ أَبِي كريمة المقدام بن معد يكرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ
تَرَكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ أَضَافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَإِنَّ نَصْرَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَةٍ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى فَقَالَ لَنَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 58)
________________________________________
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ أبو دواء بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي مَسْأَلَةِ ثِمَارِ الْإِنْسَانِ وَزَرْعِهِ (وَأَجَابُوا) عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الضِّيَافَةِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَأَكُّدِ حَقِّ الضَّيْفِ كَحَدِيثِ (غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أَيْ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَتَأَوَّلَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الخطابى وغيره على المضطر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يحرم كسب الحجام لما روى أبو العالية أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن كسب الحجام فقال (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم واعطاه أجره ولو كان حراما ما أعطاه) ويكره للحر أن يكتسب بالحجامة وغيرها من الصنائع الدنيئة كالكنس والذبح والدبغ لانها مكاسب دنيئة فينزه الحر منها ولا يكره للعبد لان العبد أدنى فلم يكره له وبالله التوفيق)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْمُ أَبِي الْعَالِيَةِ رُفَيْعٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ - قَالَ أَصْحَابُنَا كَسْبُ الْحَجَّامِ حَلَالٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَعْرُوفُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْأَحْرَارِ وَيَجُوزُ إطْعَامُهُ لِلْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَكْلُ كَسْبِ الْحَجَّامِ سَوَاءٌ كَسَبَهُ حُرٌّ أَمْ عبد ويكره أكله للحر سواء كسبه حرأم عَبْدٌ وَلِكَرَاهَتِهِ مَعْنَيَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مُخَالَطَةُ النَّجَاسَةِ
(وَالثَّانِي)
دَنَاءَتُهُ فَعَلَى الثَّانِي يُكْرَهُ كَسْبُ الْحَلَّاقِ وَنَحْوِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ كَسْبُ الْكَنَّاسِ وَالزَّبَّالِ وَالدَّبَّاغِ وَالْقَصَّابِ وَالْخَاتِنِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي كَسْبِ
الْفَاصِدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ
(وَالثَّانِي)
يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تنزيه وفى الحمامى والحاثل وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ الْحَائِلُ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَسْبَ الصَّوَّاغِينَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 59)
________________________________________
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَفِي كَرَاهَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ للعبيد وجهان (أصحهما) لا يكره لانه دنئ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أُصُولُ المكاسب الزارعة وَالتِّجَارَةُ وَالصَّنْعَةُ وَأَيُّهَا أَطْيَبُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ لِلنَّاسِ (أَشْبَهُهَا) بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التِّجَارَةَ أَطْيَبُ قَالَ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ الزِّرَاعَةَ أَطْيَبُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَخَذُوهُ عَنْهُ قُلْتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) فَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَمَلُ الْيَدِ فَإِنْ كَانَ زَرَّاعًا فَهُوَ أَطْيَبُ الْمَكَاسِبِ وَأَفْضَلُهَا لِأَنَّهُ عَمَلُ يَدِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَوَكُّلًا كما ذكره الماوردى وقال فيه نفعا عاما للمسلمين والدواب ولانه لابد فِي الْعَادَةِ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَحْصُلَ لَهُ أَجْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْمَلُ بِيَدِهِ بَلْ يَعْمَلُ لَهُ غِلْمَانُهُ وَأُجَرَاؤُهُ فَاكْتِسَابُهُ بِالزِّرَاعَةِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَمَعْنَى يَرْزَؤُهُ يُنْقِصُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (فَلَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيْرٌ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا شئ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ وَالْحِجَامَةِ
* عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ (اشْتَرَى أَبِي عَبْدًا حَجَّامًا فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ وَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 60)
________________________________________
عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَثَمَنِ الدَّمِ وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة وَآكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَلَعَنَ
الْمُصَوِّرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ) وَعَنْ مُحَيِّصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إجازة الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى قَالَ أَعْلِفْهُ نَوَاضِحَك) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ وَقَالَ خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَاسْتَعَطَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَا حَدِيثَهُ السَّابِقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ لَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْحُرِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْحُرِّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ وَعَنْ أَكْلِهِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْهُ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ
* وَاحْتَجُّوا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ
* وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَمَلُوا الْأَحَادِيثَ الْبَاقِيَةَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالِارْتِفَاعِ عن دنئ الِاكْتِسَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
* (فَرْعٌ)
فِي فَضْلِ الْحِجَامَةِ مَعَ مَا سَبَقَ
* عَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قال لمريض
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 61)
________________________________________
عَادَهُ (لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَحْتَجِمَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إنَّ فِيهِ شِفَاءً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَأْفُوخِهِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ وَقَالَ إن كان في شئ شِفَاءٌ مِمَّا تَدَاوُونَ بِهِ فَالْحِجَامَةُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ الْيَأْفُوخُ بِهَمْزَةٍ - سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْيَاءِ - وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَهْمُوزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْيَاءِ مِنْهُ هَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ أَمْ زَائِدَةٌ فَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هِيَ زَائِدَةٌ وَوَزْنُهُ يَفْعُولٌ وقال ابن فَارِسٍ هِيَ أَصْلِيَّةٌ وَهُوَ رُبَاعِيٌّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُهُ يَآفِيخٌ قَالَ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَحَرَّكُ مِنْ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَهُوَ الرَّأْسُ وَعَنْ سَلْمَى خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (مَا كَانَ أَحَدٌ يَشْتَكِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا مِنْ رَأْسِهِ إلَّا قَالَ احْتَجِمْ ولا وجع فِي رِجْلَيْهِ إلَّا قَالَ اخْضِبْهُمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ
* عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (احتجم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ صُدَاعٍ كَانَ بِهِ أَوْ وَبًى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا من رواية عبد الله بن بحينة بمعناه وروي البيقهي بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا قَالَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ بُحَيْنَةَ فِي رَأْسِهِ قَالَ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَبًى كَانَ بِهِ) كَذَا قَالَ عَلَى وَرِكِهِ وَفِي رِوَايَةٍ (احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَبًى كَانَ بِوَرِكِهِ أَوْ قَالَ بِظَهْرِهِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَبًى كَانَ بِهِ أو صدع) وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ ثَلَاثًا اثنتين في الاجد عين وواحد فِي الْكَاهِلِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حديث حسن قال أهل اللغة الاجدعان عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَحْتَجِمُ عَلَى هَامَتِهِ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ وَيَقُولُ مَنْ أَهَرَاقَ دَمًا مِنْ هَذِهِ الدِّمَاءِ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يتداوى بشئ لشئ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادَيْنِ حَسَنَيْنِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 62)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي وَقْتِ الْحِجَامَةِ
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَيْرُ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضعيف وعن مغفل بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الشَّهْرِ كَانَ دَوَاءً لِدَاءِ السَّنَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَعَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ الشَّهْرِ أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهُ دَاءَ سَنَتِهِ) ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ كَيِّسَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ أَبَاهَا كَانَ نَهَى أَهْلَهُ عَنْ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ وَالنَّهْيُ الَّذِي فِيهِ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ بمرفوع وعن سليم بْنِ أَرْقَمَ
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ السَّبْتِ فَرَأَى وَضَحًا فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ) هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ مَوْصُولًا وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْقَطِعًا وَعَنْ عَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَحْتَجِمُ فِيهَا مُحْتَجِمٌ إلَّا عَرَضَ لَهُ دَاءٌ لَا يُشْفَى مِنْهُ) هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ ضَعِيفٌ قَالَ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنِ العلاء الدارى وهو متروك باسناد له عن الحسين ابن على عنه حديثا مرفوعا وليس بشئ والحاصل انه لم يثبت شئ فِي النَّهْيِ عَنْ الْحِجَامَةِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 63)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الِاكْتِوَاءِ لِلتَّدَاوِي وَلَيْسَ بِحَرَامٍ
* عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ كَانَ فِي أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ مَا تَدَاوَيْتُمْ به خير فشرطة حجام أو شربة عسل أو لدعة بِنَارٍ تُوَافِقُ دَاءً وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عسل أوكية بنار وانى أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ فَقُلْتُ مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرِقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَغْتَابُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَاتٍ لِلْبُخَارِيِّ (وَلَا يَكْتَوُونَ) وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا ومن هم يارسول اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّلِ) رَوَاهُ الترمذي باسناد صحيح وعن عمران ابن الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَلَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا) وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ
* وَعَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ قَالَ لِي عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ
وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلِيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ
* (فَرْعٌ)
فِي جَوَازِ الْكَيِّ وَقَطْعِ الْعُرُوقِ لِلْحَاجَةِ
* عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طبيبا فقطع منه عرفا ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ أُبَيًّا مَرِضَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ طَبِيبًا فَكَوَاهُ عَلَى أَكْحَلِهِ) وَعَنْهُ قَالَ رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (جَاءَ نَفَرٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ صَاحِبًا لَنَا اشْتَكَى أَفَنَكْوِيهِ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إنْ شِئْتُمْ فَاكْوُوهُ وَإِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 64)
________________________________________
شِئْتُمْ فَارْمِضُوهُ يَعْنِي بِالْحِجَارَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ (أَنَّ أَنَسًا اكْتَوَى وَابْنَ عُمَرَ وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي الدَّوَاءِ وَالِاحْتِمَاءِ (أَمَّا) الدَّوَاءُ فَسَبَقَتْ فِيهِ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَبَائِرِ (وَأَمَّا) الِاحْتِمَاءُ فَفِيهِ حَدِيثُ أُمِّ مُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ وعلى ناقه ولنادو إلى مُعَلَّقَةٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ مِنْهَا وَقَامَ عَلِيٌّ لِيَأْكُلَ فَطَفِقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ مَهْ إنَّك نَاقِهٌ حَتَّى كَفَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَتْ وَصَنَعْتُ شَعِيرًا وَسِلْقًا فَجِئْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ أَصِبْ مِنْ هَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ النَّاقِهُ - بِالنُّونِ وَالْقَافِ - هُوَ الَّذِي بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ وَهُوَ قَرِيبُ عَهْدٍ بِهِ لَمْ تَتَكَامَلْ صِحَّتُهُ يُقَالُ نَقِهَ يَنْقَهُ فَهُوَ نَاقِهٌ كَعَلِمَ يَعْلَمُ فَهُوَ عَالَمٌ وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا وَبَيْنَ يَدَيْهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَعَالَ فَكُلْ فَجَعَلْتُ آكُلُ فَقَالَ تَأْكُلُ التَّمْرَ وَبِكَ رَمَدٌ قُلْتُ إنِّي أَمْضُغُهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
* (فَرْعٌ)
فِي جَوَازِ الرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَا يُعْرَفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ
* عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الرُّقْيَةِ مِنْ الْحُمَةِ فَقَالَتْ (رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَةٍ) رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ - الْحُمَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ - وَهِيَ السُّمُّ وَقَدْ تُشَدَّدُ الْمِيمُ وَأَنْكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَكَثِيرُونَ وأصلها حموأ وحمى كَصُرَدٍ فَأَلِفُهَا فِيهَا عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ وَالْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَسْتَتِرَ مِنْ الْعَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وجهها سفعة فقالوا اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا نَظْرَةً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ السَّفْعَةُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ - صُفْرَةٌ وَتَغْيِيرٌ وَالنَّظْرَةُ - بِفَتْحِ النُّونِ - هِيَ الْعَيْنُ.
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالنَّمْلَةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 65)
________________________________________
وَالْحُمَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ النَّمْلَةُ هِيَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رجل يارسول اللَّهِ أَرْقِي قَالَ مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاسماء بنت عميس مالى أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةَ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إلَيْهِمْ قَالَ ارْقِيهِمْ قَالَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْقِيهِمْ) وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الرقا فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ يُرْقَى بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَأَنَّكَ نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى قَالَ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَرَى بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ (كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يارسول الله ما تقول في ذلك فقال اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن الشفاء بنت عبيد الله قَالَتْ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ أَلَا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الْكِتَابَةَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أنه قال يارسول الله أرأيت دواء نتداوى به ورقا نسترقى بها وتقى نتقيها هل يزد ذلك من قدر الله من شئ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ ماجه والبيهقي (وأما) حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رُقْيَةَ إلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ معناه هما أولى بالرقا مِنْ غَيْرِهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ زِيَادَةِ الضَّرَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا يَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ ارْقِيهَا بكتاب الله عزوجل) وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ (سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الرُّقْيَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْقِيَ الْإِنْسَانُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يَعْرِفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ قُلْتُ أَيَرْقِي أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ نَعَمْ إذَا رَقَوْا بِمَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 66)
________________________________________
أو ذكر الله فقلت وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِيهِ غَيْرُ حُجَّةٍ فَإِنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَخْبَارُ فِيمَا رَقَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُقِيَ بِهِ وَفِيمَا تَدَاوَى بِهِ وَأَمَرَ بِالتَّدَاوِي بِهِ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
فِي تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ
* عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (ان الرقا والتمائم والبولة شِرْكٌ قَالَتْ قُلْتُ لِمَ تَقُولُ هَذَا وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي فَإِذَا رَقَانِي سَكَنْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إنَّمَا كَانَ عَمَلَ الشَّيْطَانِ يَنْخُسُهَا بيده فإذا رقاها كف عنها انما كان يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ البولة - بكسر الباء - هُوَ الَّذِي يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا وَهُوَ من السحر قال وذلك لا يجوز (وأما) الرِّقَاءُ وَالتَّمَائِمُ قَالَ فَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مَا كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَا لَا يُدْرَى مَا هُوَ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُقَالُ إنَّ التَّمِيمَةَ خَرَزَةٌ كَانُوا يُعَلِّقُونَهَا يَرَوْنَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ الْآفَاتِ وَيُقَالُ قِلَادَةٌ يُعَلَّقُ فِيهَا الْعُودُ وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وما اشبه مِنْ النَّهْيِ وَالْكَرَاهَةِ فِيمَنْ يُعَلِّقُهَا وَهُوَ يَرَى تَمَامَ الْعَافِيَةِ وَزَوَالَ الْعِلَّةِ بِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَأَمَّا مَنْ يُعَلِّقُهَا مُتَبَرِّكًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا كَاشِفَ لَهُ إلَّا اللَّهُ وَلَا دَافِعَ عَنْهُ سِوَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا إنْ شَاءَ الله تعالى
* ثم روى البيهقى باستاده عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (لَيْسَتْ التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ قَبْلَ الْبَلَاءِ إنَّمَا التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ
بَعْدَ الْبَلَاءِ لِتَدْفَعَ بِهِ الْمَقَادِيرَ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا قَالَتْ (التَّمَائِمَ مَا عُلِّقَ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ وَمَا عُلِّقَ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَلَيْسَ بِتَمِيمَةٍ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهَا قَالَتْ (ليس بتميمة
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 67)
________________________________________
عُلِّقَ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ الْبَلَاءُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا
* وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِهِ حَلْقَةٌ مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ مَا هَذِهِ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ تُوَكَّلَ إلَيْهَا انْبِذْهَا عَنْكَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ
* وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِتَعْلِيقِ الْقُرْآنِ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا قُلْنَا إنَّهُ إنْ رَقَى بِمَا لَا يَعْرِفُ أَوْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ إضَافَةِ الْعَافِيَةِ إلَى الرُّقَى لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَقَى بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِمَا يَعْرِفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَبَرِّكًا بِهِ وَهُوَ يَرَى نُزُولَ الشِّفَاءِ مِنْ اللَّهِ تعالى فلا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي النُّشْرَةِ - بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّشْرَةُ ضَرْبٌ مِنْ الرُّقْيَةِ وَالْعِلَاجِ يُعَالَجُ مَنْ كَانَ يُظَنُّ بِهِ مَسٌّ مِنْ الْجِنِّ قِيلَ سُمِّيَتْ نُشْرَةً لِأَنَّهُ يَنْشُرُهَا عَنْهُ أَيْ يَحُلُّ عَنْهُ مَا جَاءَ مَرَّةً مِنْ الدَّاءِ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ وَهُوَ مَعَ إرْسَالِهِ أصح قال والقول فيما يكره من النشرة وفيما لا يُكْرَهُ كَالْقَوْلِ فِي الرُّقْيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
فِي الْعَيْنِ وَالِاغْتِسَالِ لَهَا
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعَيْنُ حَقٌّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ (اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَرْعِ الرُّقَى وَالنَّظْرَةُ الْعَيْنُ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شئ سابق القدر سبقته العين وإذا اسْتَغْسَلْتُمْ فَاغْسِلُوا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الِاسْتِغْسَالُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَائِنِ وَهُوَ النَّاظِرُ بِعَيْنِهِ بِالِاسْتِحْسَانِ اغْسِلْ دَاخِلَةَ إزَارِكَ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَى الْمَعِينِ وَهُوَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 68)
________________________________________
الْمَنْظُورُ إلَيْهِ
* وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
* وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ لَمْ أَرَ كاليوم ولا جلد محياه (١) فما لبث أن لبط به فأتى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا فَقَالَ مَنْ يَتَّهِمُونَ بِهِ قالوا عامر بن ربيعة فقال على ما يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ وَيُصَبَّ الْمَاءُ عليه قال الزهري ويكفأ الاناء من حلقه) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ الْغُسْلُ الَّذِي أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا يَصِفُونَهُ أَنْ يُؤْتَى الرَّجُلُ الْعَائِنُ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَيُمْسَكَ لَهُ مَرْفُوعًا مِنْ الْأَرْضِ فَيُدْخِلَ الْعَائِنُ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْمَاءِ فَيُصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْمَاءِ صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثم يدخل يده فَيَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَمُجَّهُ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَغْتَرِفَ مِنْ الْمَاءِ فَيَصُبَّهُ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبَّ عَلَى مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُمْنَى صبه واحدة في القدح وهو ثانى يَدَهُ إلَى عُنُقِهِ ثُمَّ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ الاصابع واليسرى كذلك ثم يدخل يَدِهِ الْيُسْرَى فَيَصُبَّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلَ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَغْمِسَ دَاخِلَةَ إزَارِهِ الْيُمْنَى فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَقُومَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَدَحُ بِالْقَدَحِ فَيَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ يُكْفَأَ الْقَدَحُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ وَرَائِهِ
* وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ طُرُقِهِ زَادَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ يعطى ذلك الرجل الذى أصابه الْقَدَحَ فَيَحْسُوَ مِنْهُ وَيَتَمَضْمَضَ وَيُهَرِيق عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُكْفَأَ الْقَدَحُ عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إنَّمَا أَرَادَ بِدَاخِلَةِ الْإِزَارِ طَرَفَ إزَارِهِ الدَّاخِلِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَصْلٌ فِي الْجُبْنِ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْجُبْنِ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ بِأَنْ يُوضَعَ فِيهِ إنْفَحَةٌ ذَبَحَهَا مَنْ لَا يَحِلُّ ذَكَاتُهُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ في اباحته وقد جمع
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 69)
________________________________________
البيهقى في أحاديث كثيرة (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجُبْنٍ فِي تَبُوكَ فَدَعَا بِسِكِّينٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ رَأَى جُبْنَةً فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا هَذَا طَعَامٌ يُصْنَعُ بِأَرْضِ الْعَجَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَعُوا فِيهِ السِّكِّينَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ
* وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (الْجُبْنُ مِنْ اللَّبَنِ وَاللِّبَأِ فَكُلُوا وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ) وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ الْجُبْنَ فَضَعْ الشَّفْرَةَ فِيهِ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَكُلْ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ مَا يَحِلُّ مِنْ الْجُبْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُلُوا الْجُبْنَ مَا صَنَعَهُ أَهْلُ الكتاب) وفى رواية لا تَأْكُلُوا مِنْ الْجُبْنِ إلَّا مَا صَنَعَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ) وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (كُلُوا مِنْ الْجُبْنِ مَا صَنَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْجُبْنَ يُعْمَلُ بِإِنْفَحَةِ السَّخْلَةِ الْمَذْبُوحَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِنْ ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ لَمْ تَحِلَّ
* وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ فَقَالَ (سَمِّ وَكُلْ فَقِيلَ لَهُ إنَّ فِيهِ مَيْتَةً فَقَالَ إنْ عَلِمْتَ أَنَّ فِيهِ مَيْتَةً فَلَا تَأْكُلْهُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لا يَسْأَلُ عَنْهُ تَغْلِيبًا لِلطَّهَارَةِ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ بَعْضُهُمْ يسأل عَنْهُ احْتِيَاطًا وَرَوَيْنَاهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ لَأَنْ أَخُرَّ مِنْ هَذَا الْقَصْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ آكُلَ جُبْنًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ
* وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ الْجُبْنِ وَلَا يَسْأَلُونَ عَنْ السَّمْنِ
* وَعَنْ أَبَانَ بن أبى عباس عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ (كُنَّا نَأْكُلُ الْجُبْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا نَسْأَلُ عَنْهُ) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَبَانُ بن أبى عباس ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ
*
(فَصْلٌ)
يَحِلُّ أَكْلُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ من لفظ عُمَرَ هَكَذَا وَأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَقْتَضِي رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى البيهقى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 70)
________________________________________
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ (إنِّي لَآكُلُ الطِّحَالَ وَمَا بِي إلَيْهِ حَاجَةٌ إلَّا لِيَعْلَمَ أَهْلِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ آكُلُ الطِّحَالَ قَالَ نَعَمْ قَالَ إنَّ عَامَّتَهَا دَمٌ قَالَ إنَّمَا حَرُمَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ مِنْ الشَّاةِ سَبْعًا الدَّمَ وَالْمِرَارَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْحَيَا وَالْغُدَّةَ وَالْمَثَانَةَ وَكَانَ أَعْجَبُ الشَّاةِ إلَيْهِ مُقَدَّمَهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ مَوْصُولًا بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ (١) قَالَ وَلَا يَصِحُّ وَصْلُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الدَّمُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَامَّةُ الْمَذْكُورَاتِ معه مكروهة غير محرمة
*
(فصل)
فما حُرِّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمَّ وَرَدَ شَرْعُنَا بنسخة
* اعلم ان الشافعي رضى الله عنه اعْتَنَى بِهَذَا الْفَصْلِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نفسه) الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم) وَقَالَ تَعَالَى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أو ما اختلط بعظم) قَالَ الشَّافِعِيُّ الْحَوَايَا مَا حَوْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْبَطْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلُّ ذِي ظُفُرٍ الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ وَمَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا يَعْنِي مَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ مِنْ الشَّحْمِ وَالْحَوَايَا الْمَبْعَرُ
* وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا) جَمَلُوهَا بِالْجِيمِ أَيْ أَذَابُوهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مُحَرَّمًا مِنْ حِينِ حَرَّمَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ قَبْلَهُ فَقَالَ تَعَالَى (إِنَّ الدين عند الله الاسلام) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وَقَالَ تَعَالَى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله) الْآيَةَ وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَنْزَلَ فِيهِمْ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الامي الذى يجدونه مكتوبا
________________________________________
(١) بياض بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 71)
________________________________________
عندهم في التوارة وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ اصرهم والاغلال التى كانت عليهم) قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَوْزَارُهُمْ وَمَا مُنِعُوا مِمَّا أَحْدَثُوا قَبْلَ مَا شُرِعَ مِنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِنٍّ وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِحْلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا لَا شَحْمًا وَلَا غَيْرَهُ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ جَمِيعِ الشُّحُومِ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَذَبَائِحِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ هَذَا لِي لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ)
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الشُّحُومَ الَّتِي كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْيَهُودِ حَلَالٌ لَنَا لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ مِنْهُمْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ مكروهة ليست محرمة وقال ابن القاسم وابن اشهب وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَقِيلَ إنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا قَوْلُ كُبَرَاءِ أَصْحَابِ مَالِكٍ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ مَا حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الذَّبَائِحِ وَبَيَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي كَانُوا يُنْزِلُونَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَالْعِتْقِ فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا وَمِلْكَهَا وَسَاقَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تعالى أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 72)
________________________________________
(باب الصيد والذبائح)
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يحل شئ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ سِوَى السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بذكاة لقوله تَعَالَى (حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب) ويحل السمك والجراد من غير ذكاة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ السمك والجراد) ولان ذكاتهما لا تمكن في العادة فسقط اعتبارها) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ الْقَائِلُ (أُحِلَّتْ لَنَا) وَأَنَّهُ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا وَالْمَيْتَةُ مَا فَارَقَتْ الْحَيَاةَ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وقوله تعالى (وما أهل به لغير الله) أَيْ مَا ذُبِحَ لِصَنَمٍ وَنَحْوِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْمَوْقُوذَةُ الْمَضْرُوبَةُ بِعَصًا وَنَحْوِهَا وَالْمُتَرَدِّيَةُ الَّتِي تَسْقُطُ مِنْ عُلُوٍّ فَتَمُوتُ وَالنَّطِيحَةُ الْمَنْطُوحَةُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يحل شئ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ سِوَى السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بِذَكَاةٍ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَا يَرِدُ الصَّيْدُ الَّذِي قَتَلَتْهُ جَارِحَةٌ أَوْ سَهْمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ ذَكَاتُهُ وَكَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَكَذَا الْحَيَوَانُ الَّذِي تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ بَنْدٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَذَلِكَ ذَكَاةٌ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَأَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَةِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بِذَكَاةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَى الذَّكَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ ابْتَلَعَ عُصْفُورًا حَيًّا فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْأَطْعِمَةِ
* وَلَوْ ذَكَّى الْحَيَوَانَ وَلَهُ يَدٌ شَلَّاءُ فَهَلْ تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْحِلُّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا مَيْتَةٌ فَلَا تَحِلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَحَلَالٌ وَمَيْتَتُهُمَا حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَبْحِهِ وَلَا قَطْعِ رَأْسِ الْجَرَادِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ ذَبْحُ السَّمَكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا يَطُولُ بَقَاؤُهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ رَاحَةً لَهُ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ لِيَمُوتَ بِنَفْسِهِ
* وَلَوْ صَادَ مَجُوسِيٌّ سَمَكَةً حَلَّتْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 73)
________________________________________
مَيْتَتَهَا حَلَالٌ وَلَوْ ابْتَلَعَ سَمَكَةً حَيَّةً أَوْ قَطَعَ فِلْقَةً مِنْهَا وَأَكَلَهَا أَوْ ابْتَلَعَ جَرَادَةً حَيَّةً أَوْ فِلْقَةً مِنْهَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ وُجِدَتْ سَمَكَةٌ فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ فَهُمَا حَلَالٌ كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أنفها بخلاف ما لوا ابْتَلَعَتْ عُصْفُورًا أَوْ غَيْرَهُ فَوُجِدَ فِي جَوْفِهَا مَيِّتًا فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ تَقَطَّعَتْ سَمَكَةٌ فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهَا لَمْ تحل على أصح الوجهين لانها كالروث والقئ وَلَوْ قَلَى السَّمَكَ قَبْلَ مَوْتِهَا وَطَرَحَهَا فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَهِيَ تَضْطَرِبُ قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو حَامِدٍ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ فِي ابْتِلَاعِ السَّمَكَةِ حَيَّةً أَنَّهُ حَرَامٌ فَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ فَكَذَا هَذَا (وَأَمَّا) السَّمَكُ الصِّغَارُ الَّذِي يُقْلَى وَيُشْوَى وَلَا يُشَقُّ جَوْفُهُ وَلَا يُخْرَجُ مَا فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّ رَوْثَهُ نَجِسٌ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَصَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَبِهِ أُفْتِي قَالَ وَرَجِيعُهُ طَاهِرٌ عِنْدِي وَاحْتَجَّ لَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يُعْتَدُّ بِبَيْعِهِ وَقَدْ جَرَى الْأَوَّلُونَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا إبَاحَةُ مَا صَادَهُ الْمَجُوسِيُّ مِنْ السَّمَكِ وَمَاتَ فِي يَدِهِ وَهَكَذَا الْجَرَادُ (فَأَمَّا) السَّمَكُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) الْجَرَادُ فَوَافَقَنَا عَلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ اللَّيْثُ وَمَالِكٌ لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ مِنْ الْجَرَادِ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَفَرْقُهُمَا ضَعِيفٌ دَلِيلُنَا حَدِيثُ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ)
* (فَرْعٌ)
قد ذكرنا أن مذهبنا اباحة ميتتات السَّمَكِ سَوَاءٌ الَّذِي مَاتَ بِسَبَبٍ وَاَلَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَيُسَمَّى الطَّافِي وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ وَقَدْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 74)
________________________________________
سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِأَدِلَّتِهَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ
* (وَأَمَّا) الْجَرَادُ فَتَحِلُّ مَيْتَتُهُ سَوَاءٌ مَاتَ بِسَبَبٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ رَأْسِهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَالْأَبْهَرِيِّ الْمَالِكِيَّيْنِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يُقْطَعَ بَعْضُهُ أَوْ يُسْلَقَ أَوْ يُشْوَى أَوْ يُقْلَى حَيًّا وَإِنْ لَمْ يُقْطَفْ رَأْسُهُ قَالَ فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي وِعَاءٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا مَا قَدَّمْنَاهُ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والافضل أن يكون المذكى مسلما فان ذبح مشرك نظرت فان كان مرتدا أو وثنيا أو مجوسيا لم يحل لقوله تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وطعامكم حل لهم) وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وان كان يهوديا أو نصرانيا من العجم حل للآية الكريمة وان كان من نصارى العرب وهم بهراء وتنوخ وتغلب لم يحل لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (ما نصارى العرب بأهل الكتاب لا تحل لنا ذبائحهم) وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال لا تحل ذبائح نصارى بني تغلب ولانهم دخلوا في النصرانية بعد التبديل ولا يعلم هل دخلوا في دين من بدل منهم أو في دين من لم يبدل
منهم فصاروا كالمجوس لما اشكل امرهم في الكتاب لم تحل ذبائحهم والمستحب أيكون المذكي رجلا لانه أقوى علي الذبح من المرأة فان كانت امرأة جاز لما روى كعب بن مالك (ان جارية لهم كسرت حجرا فذبحت به شاة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بأكلها) ويستحب أن يكون بالغا لانه أقدر على الذبح فان ذبح صبى حل لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه انه قال (من ذبح من ذكر أو انثى أو صغير أو كبير وذكر اسم الله عليه حل)
* وتكره ذكاة الاعمي لانه ربما أخطأ المذبح فان ذبح حل لانه لم يفقد فيه الا النظر وذلك لا يوجب التحريم ويكره ذكاة السكران والمجنون لانه لا يؤمن أن يخطئ المذبح ويقتل الحيوان فان ذبح حل لانه لم يفقد في ذبحهما الا القصد والعلم وذلك لا يوجب التحريم كما لو ذبح شاة وهو يظن انه يقطع حشيشا)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 75)
________________________________________
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَهُ بِلَفْظِهِ (قَوْلُهُ) وَهُمْ بَهْرَاءُ هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَبِالْمَدِّ - وَتَنُوخُ - بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ ثُمَّ النُّونِ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ - وَبَنُو تَغْلِبَ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ اللَّامِ - وَهِيَ قَبَائِلُ مَعْرُوفَاتٌ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُذَكِّي مُسْلِمًا وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا فَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ بالاجماع للآية الكريمة سواء فِيهِ مَا يَسْتَحِلُّهُ الْكِتَابِيُّ وَمَا لَا يَسْتَحِلُّهُ وَحَقِيقَةُ الْكِتَابِيِّ نَبْسُطُهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ وَمُخْتَصَرُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا مِنْ الْعَجَمِ أَوْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُمْ تَنُوخُ وَبَهْرَاءُ وَبَنُو تَغْلِبَ أَوْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ شُكَّ فِي وَقْتِ دُخُولِهِمْ فِي دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ تَحِلَّ ذَبَائِحُهُمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَلَا الْوَثَنِيِّ وَلَا الْمَجُوسِيِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا حُكْمُ الزِّنْدِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ (وَأَمَّا) الْمُتَوَلَّدُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ غَيْرَ كِتَابِيٍّ وَالْأُمُّ كِتَابِيَّةً فَذَبِيحَتُهُ حَرَامٌ كَمُنَاكَحَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ كِتَابِيًّا وَالْأُمُّ مَجُوسِيَّةً فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) حَرَامٌ
(وَالثَّانِي)
حَلَالٌ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي مُنَاكَحَتِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُنَاكَحَةُ وَالذَّكَاةُ مُتَلَازِمَتَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ فَمَنْ حَلَّتْ مُنَاكَحَتُهُ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ وَمَنْ لَا فَلَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ الْأَمَةُ
الْكِتَابِيَّةُ فَإِنَّهُ تَحِلُّ ذبيحتها ولا تحل مناكحتها
* قال أَصْحَابُنَا وَكَمَا تَحْرُمُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ يَحْرُمُ صَيْدُهُ بِكَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ وَيَحْرُمُ مَا شَارَكَ فِيهِ مسلما فلو أمرا سِكِّينًا عَلَى حَلْقٍ أَوْ قَطَعَ هَذَا بَعْضَ الْحُلْقُومِ وَهَذَا بَعْضَهُ أَوْ قَتَلَا صَيْدًا بِسَهْمٍ أو كلب لم يحل ولو رَمَيَا سَهْمَيْنِ أَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ فَإِنْ سَبَقَ سَهْمُ الْمُسْلِمِ أَوْ كَلْبُهُ فَقَتَلَ الصَّيْدَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً ثُمَّ قَدَّهَا الْمَجُوسِيُّ وَإِنْ سَبَقَ مَا أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَذْفُفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهَلَّلَ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَيَوَانِ التَّحْرِيمُ حَتَّى تَتَحَقَّقَ ذَكَاةٌ مُبِيحَةٌ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَتَى اشْتَرَكَا فِي إمْسَاكِهِ وَعَقْرِهِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 76)
________________________________________
أَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ كَلْبَانِ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُهُ أَوْ مُعَلَّمَانِ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا بِلَا إرْسَالٍ فَقَتَلَا صَيْدًا فَهُوَ كَاشْتِرَاكِ كَلْبَيْ الْمُسْلِمِ وَالْمَجُوسِيِّ وَلَوْ هَرَبَ الصَّيْدُ مِنْ كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَعَارَضَهُ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ شَاةً أَمْسَكَهَا مَجُوسِيٌّ وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلًا ثُمَّ قَتَلَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا غَيْرَ مُذَفِّفٍ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ أَثْخَنَهُ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَيَلْزَمُ الْمَجُوسِيَّ لَهُ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِجَعْلِهِ مَيْتَةً وَيَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ كَمَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ بِسِكِّينَتِهِ وَلَوْ أَكْرَه مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ فَذَبَحَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَذَكَاةُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ ذَكَاتِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً فَذَبِيحَتُهَا فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ حَلَالٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ بَالِغًا عَاقِلًا فَإِنْ ذَبَحَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) الْحِلُّ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ
* وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ فَفِيهِمْ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِحِلِّ ذَبَائِحِهِمْ وبها قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنَّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ وَاخْتَارَهُ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ فَأَشْبَهَ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ سِكِّينٌ وَهُوَ نَائِمٌ فَمَرَّتْ عَلَى حُلْقُومِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ كَمَنْ قَطَعَ حَلْقَ شَاةٍ وَهُوَ يَظُنُّهُ خَشَبَةً فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي السَّكْرَانِ طَرِيقًا آخَرَ قَاطِعًا بِحِلِّ ذَكَاتِهِ مَعَ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الْمَجْنُونِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصَّاحِي قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ كَانَ لِلْمَجْنُونِ أَدْنَى تَمْيِيزٍ وَلِلسَّكْرَانِ قَصْدٌ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ قَطْعًا وَحَيْثُ حَلَّلْنَا ذَبْحَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) تَحِلُّ ذَكَاةُ الْأَعْمَى بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 77)
________________________________________
وَفِي حِلِّ صَيْدِهِ بِالْكَلْبِ وَالرَّمْيِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الصَّيْدَ فَلَا يَصِحُّ إرْسَالُهُ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ كَذَكَاتِهِ وَقَطَعَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ طَائِفَةٌ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِمَا إذَا أَدْرَكَ حِسَّ الصَّيْدِ وَبَنَى إرْسَالَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ الخلاف مخصوص بما إذا أَخْبَرَهُ بَصِيرٌ بِالصَّيْدِ فَأَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ السَّهْمَ وَكَذَا صَوَّرَهُمَا الْبَغَوِيّ وَأَطْلَقَ كَثِيرُونَ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الرافعى ويجريان في اصطياد الصبى والمجنون بالكلب وَالسَّهْمِ وَقِيلَ يَخْتَصَّانِ بِالْكَلْبِ وَيُقْطَعُ بِالْحِلِّ فِي السَّهْمِ كَالذَّبْحِ (قُلْتُ) الْمَذْهَبُ حِلُّ صَيْدِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لعدم القصد وليس بشئ وَالْمُرَادُ صَبِيٌّ لَا يُمَيِّزُ (أَمَّا) الْمُمَيِّزُ فَيَحِلُّ اصْطِيَادُهُ بِالْكَلْبِ وَالسَّهْمِ قَطْعًا كَالذَّبْحِ وَيُحْتَمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ السَّابِقِ فِي الذَّبْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْأَخْرَسُ إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ حلت ذبيحته بالاتفاق ولا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ الْحِلُّ أَيْضًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلْتَكُنْ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَنْ ذَبَحَ مِمَّنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ أَوْ صبي من المسلمين أحب إلى من ذبح اليهودي والنصراني
* قال أَصْحَابُنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ وَأَفْضَلُهُمْ لَهَا الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ ثُمَّ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ أَوْلَى مِنْ الْمَجْنُونِ
وَالسَّكْرَانِ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُمَا قَتْلُ الْحَيَوَانِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا حِلُّ ذَبِيحَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد لَا تَحِلُّ ذَكَاةُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّ ذَكَاةِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ
* (فَرْعٌ)
نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى إبَاحَةِ مُذَكَّاةِ الْأَخْرَسِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ فَهْمِهِ الْإِشَارَةَ وَعَدَمِهِ
* (فَرْعٌ)
نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ على ذَبِيحَةِ الْجُنُبِ قَالَ وَإِذَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى حِلِّ إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَاَلَّذِي نَفَتْ السُّنَّةُ عَنْهُ النَّجَاسَةَ أَوْلَى قَالَ والحائض كالجنب
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 78)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي ذَبِيحَةِ الْأَقْلَفِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يُخْتَنْ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
* وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْأَصْحَابُ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْهُمْ الْأَقْلَفُ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا إبَاحَةُ أَكْلِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ وَسَائِرِ مِنْ تَعَدَّى بِذَبْحِ مَالِ غَيْرِهِ لِصَاحِبِهَا وَمَنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهَا وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ طاوس وعكرمة واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ يُكْرَهُ
* (فَرْعٌ)
ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ سَوَاءٌ ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا أَمْ لَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ والنخعي وحماد بن سليمان وأبى حنيفة وأحمد واسحق وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ ذَبَحُوا عَلَى صَنَمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ إذَا ذَبَحَ النَّصْرَانِيُّ عَلَى اسْمِ عِيسَى فَكُلْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَقُولُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إذَا سَمَّوْا اللَّهَ تَعَالَى فَكُلْ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوهُ فَلَا تَأْكُلْ
* وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَبَائِحِهِمْ لِكَنَائِسِهِمْ فَرَخَّصَ فِيهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ
وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ وعمر بن الاسود ومكحول وجبر بن نفيل وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَكَرِهَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمَذْهَبُنَا تَحْرِيمُهُ وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا نَأْكُلُهُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُ ذَكَاةِ نَصَارَى الْعَرَبِ بَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخَ وَبَهْرَاءَ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جبير وأباحه ابْنُ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالزُّهْرِيُّ والحكم وحماد وأبو حنيفة واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 79)
________________________________________
(فَرْعٌ)
ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَلَالٌ كَذَبَائِحِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
ذَبَائِحُ الْمَجُوسِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ المسيب وعطاء بن أبى رياح وسعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن ابن أبى ليلى والنخعي وعبيد الله بن يزيد ومرة الهمذانى والزهرى ومالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ مَرِيضًا وَأَمَرَ مَجُوسِيًّا أَنْ يَذْبَحَ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَجُوسِيِّ يُسَمِّي شَيْئًا لِنَارِهِ فَيَذْبَحُهُ مُسْلِمٌ فَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يَأْكُلُهَا الْمُسْلِمُ إذَا ذَبَحَهَا مُسْلِمٌ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا
* (فَرْعٌ)
فِي ذَبِيحَةِ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَبُ مَجُوسِيًّا فَذَبِيحَةُ الْوَلَدِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْأُمُّ عَلَى الْأَصَحِّ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحِلُّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ لَهُ حُكْمُ الْأَبِ
* (فَرْعٌ)
ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَكَرِهَهَا الثَّوْرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ تولى قوما فهو منهم وقال اسحق إنْ ارْتَدَّ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حِلِّ ذَبِيحَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْكِتَابِيَّيْنِ الْعَاقِلَيْنِ
* (فَرْعٌ)
فِي ذَبَائِحِ الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إنْ وَافَقَتْ الصَّابِئُونَ النَّصَارَى وَالسَّامِرَةُ الْيَهُودَ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ حَلَّتْ ذَبَائِحُهُمْ وَمُنَاكَحَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبَاحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضى الله عنه ذبائح السامرة وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِ أَهْلِ الصَّابِئِينَ لانهم أهل الكتاب وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَحِلُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ (أَمَّا)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 80)
________________________________________
السَّامِرَةُ فَحُكْمُهُمْ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ (وَأَمَّا) الصَّابِئُونَ فَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَهُمْ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْوَاوِ
* (فَرْعٌ)
ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَلَالٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَحِلُّ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لَوْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَكَّى هَذِهِ الشَّاةَ قبلناه وحل أكلها لانه من أهل الزكاة
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَجَدْنَا شَاةً مَذْبُوحَةً وَلَمْ نَدْرِ مَنْ ذَبَحَهَا فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَالْمَجُوسِ لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ تَمَحَّضُوا أَوْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ بِالْمُسْلِمِينَ لِلشَّكِّ فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ وَالْأَصْلُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَلَّتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب أن يذبح بسكين حاد لما روى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) فان ذبح بحجر محدد أو ليطة حل لما ذكرناه من حديث كعب بن مالك في المرأة التى كسرت حجرا فذبحت بها شاة ولما روى أن رافع بن خديج قال يارسول الله انا نرجو أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما انهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأخبركم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة فان ذبح بسن أو ظفر لم يحل لحديث رافع بن خديج)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ شِدَادِ بْنِ أَوْسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ رَافِعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَوَى بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَالذِّبْحَةَ هُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَالذَّالِ - أَيْ هيأة الْقَتْلِ وَالذَّبْحِ وَلْيُحِدَّ - بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ - يُقَالُ أَحَدَّ السِّكِّينَ وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا كُلُّهُ بِمَعْنًى وَالْمُدَى - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ - وَهُوَ جَمْعُ مدية - بضم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 81)
________________________________________
الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا سَاكِنَةَ الدَّالِ - وَهِيَ السِّكِّينُ سُمِّيَتْ مُدْيَةً لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مَدَى حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَسُمِّيَتْ السِّكِّينُ سِكِّينًا لِأَنَّهَا تُسْكِنُ حَرَكَةَ الْحَيَوَانِ وَفِيهَا لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ (قَوْلُهُ) لِيطَةٌ - بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَبِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ - وَهِيَ الْقِشْرَةُ الرَّقِيقَةُ لِلْقَصَبَةِ وَقِيلَ مُطْلَقُ قِشْرَةِ الْقَصَبَةِ وَالْجَمَاعَةُ لِيطٌ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أَيْ أَسَالَهُ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) هُمَا مَنْصُوبَانِ بِلَيْسَ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنْجِيسِ العظام فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهِمَا زَادَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ (وَأَمَّا) الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الاحكام ففيها مسائل (إحدهما) السُّنَّةُ تَحْدِيدُ السِّكِّينِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ امرارها بقوة وتحامل ذهابا وعودا ليكون أو حي وَأَسْهَلَ فَلَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالَّةٍ كُرِهَ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُحَدِّدَ السِّكِّينَ وَالشَّاةُ تَنْظُرُ السِّكِّينَ وَأَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ وَالْأُخْرَى تَنْظُرُ وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُسَاقَ إلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ وَتُضْجَعَ بِرِفْقٍ وَيُعْرَضَ عَلَيْهَا الْمَاءُ قَبْلَ الذَّبْحِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَلَا بِسَائِرِ الْعِظَامِ وَتَحْصُلُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمُحَدَّدَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ أَوْ مِنْ الرَّصَاصِ أَوْ النُّحَاسِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْخَشَبِ الْمُحَدَّدِ أَوْ الْقَصَبِ أَوْ الزجاج أو الحجز أَوْ غَيْرِهَا وَلَا خِلَافَ فِي كُلِّ هَذَا عِنْدَنَا وَيَحِلُّ الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ سِوَى الظُّفُرِ وَالسِّنِّ وَسَائِرِ الْعِظَامِ (وَأَمَّا) الظُّفُرُ وَالسِّنُّ وَسَائِرُ الْعِظَامِ فَلَا تَحِلُّ بِهَا الذَّكَاةُ وَلَا الصَّيْدُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الظُّفُرُ وَالسِّنُّ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ الْمُتَّصِلُ وَالْمُنْفَصِلُ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ أَوْ غيره هذ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ بِالْعَظْمِ الذَّكَاةَ وَلَا
يَبِينُ لِي أَنْ أُحَرِّمَ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سِنٍّ وَلَا ظُفُرٍ قَالَ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ فِي التَّحْرِيمِ الِاسْمَ فَأَجَازَهُ بِالْعَظْمِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الِاسْمِ وَكَرَّرَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ السِّنِّ بِأَنَّهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 82)
________________________________________
عَظْمٌ هَذَا نَقَلَهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَاطِلًا أَنَّ عَظْمَ الْمَأْكُولِ تَحْصُلُ بِهِ الذَّكَاةُ وَهَذَا غَلَطٌ وَلَوْ رُكِّبَ عظم على سهم وجعل نصلاله فَقُتِلَ بِهِ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرافعى قولان قَوْلًا أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الثَّالِثَةُ) لَوْ أَرَادَ الذَّكَاةَ بِمُثْقَلٍ فَأَثَّرَ بِثِقَلِهِ دَقًّا أَوْ خَنْقًا لَمْ يَحِلَّ وَكَذَا لَوْ كَانَ مثقلا فقتله بثقله لم يحل بل لابد مِنْ الْجُرْحِ وَلَوْ ذَبَحَهُ بِحَدِيدَةٍ لَا تَقْطَعُ وَتَحَامَلَ عَلَيْهَا حَتَّى أَزْهَقَهُ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّ القطع هنا بقوة الذابح واعتماده الشديدلا بِالْآلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اعْلَمْ أَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَجُوزُ الذَّبْحُ بكل ماله حد يقطع إلا السن والظفر وهذ اللَّفْظُ يَقْتَضِي جَوَازَ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ الْمُحَدَّدَةِ سِوَى السِّنِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إلَّا الْعَظْمَ وَالظُّفُرَ أَوْ إلَّا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُهَذَّبِ أَجْوَدُ وَمَعَ هَذَا فَأَهْمَلَ فِيهِ بَيَانَ مَنْعِ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ (فَإِنْ قِيلَ) لَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ (قُلْنَا) (أَمَّا) فِي الْمُهَذَّبِ فَلَهُ فِي هَذَا بَعْضُ الْعُذْرِ (وَأَمَّا) فِي التَّنْبِيهِ فَلَا عُذْرَ لَهُ وَلَا جَوَابَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْحَدِيثَ حَتَّى يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ إيهَامٌ بِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ فِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ فِي السِّنِّ وَهُوَ كَوْنُهُ عَظْمًا فَفَهِمْنَا مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَظْمِ لَا تَحِلُّ الذَّكَاةُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ أو مسروق أو كال وقطع الحلقوم والمرئ كُرِهَ ذَلِكَ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا دَاوُد فَقَالَ لَا تَحِلُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ذَبْحٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا مَا ذكيتم) وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ المذكور قريبا (ما أنهرم الدَّمَ) وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا) أَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ فِعْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إبْطَالُ الذَّكَاةِ وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ حَلَالٍ في أرض مغصوب أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ
فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَإِنَّهُ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ وَالْوُضُوءُ بِالْإِجْمَاعِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 83)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ الذَّكَاةُ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا حُصُولُهُ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ إلَّا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاللَّيْثُ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وأحمد واسحق وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالْجَمَاهِيرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفُرِ وَالْعَظْمِ الْمُتَّصِلَيْنِ وَيَجُوزُ بِالْمُنْفَصَلِينَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بكل شئ حَتَّى بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ وَنَحْوِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ الْمَالِكِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ إبَاحَةُ الذَّكَاةِ بِالْعَظْمِ ومنعهت بِالسِّنِّ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعِنْدِي تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِهِمَا وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ تُذَكِّي بِعَظْمِ الْحِمَارِ وَلَا تُذَكِّي بِعَظْمِ الْقِرْدِ لِأَنَّ الْحِمَارَ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَتَسْقِيهِ فِي خُفِّك وَهَذَا مَذْهَبٌ فاسد واستدلال باطل
* دليلنا حديث رافع والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب أن تنحر الابل معقولة من قيام لِمَا رُوِيَ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما رأى رجلا أضجع بدنة فقال قياما سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وتذبح البقرة والغنم مضجعة لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقَرَنَيْنِ أملحين ذبحهما بيده ووضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر) والبقر كالغنم في الذبح فكان مثله في الاضطجاع والمستحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة لانه لابد لها من جهة فكانت جهة القبلة أولى والمستحب أن يسمى الله تعالى علي الذبح لما روى عدى بن حاتم قال (سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصيد فقال أذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه وكل) فان ترك التسمية لم يحرم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ قوما قالوا يارسول الله ان قوما من الاعراب يأتون باللحم لا ندرى اذكروا اسم الله تعالى عليه أم لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذكر اسم الله تعالى عليه وكل) والمستحب أن يقطع الحلقوم والمرئ والودجين لانه أوحى وأروح للذبيحة فان اقتصر على قطع الحلقوم والمرئ أجزأه لان الحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والروح
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 84)
________________________________________
لا تبقي مع قطعهما والمستحب أن ينحر الابل ويذبح البقر والشاة فان خالف ونحر البقر والشاة وذبح الابل أجزأه لان الجميع موت من غير تعذيب ويكره أن يبين الرأس وأن يبالغ في الذبح إلى أن يبلغ النخاع وهو عرق يمتد من الدماغ ويستبطن الفقار إلى عجب الذنب لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نهى عن النخع ولان فيه زيادة تعذيب فان فعل ذلك لم يحرم لان ذلك يوجد بعد حصول الذكاة وان ذبحه من قفاه فان بلغ السكين الحلقوم والمرئ وقد بقيت فيه حياة مستقرة حل لان الذكاة صادفته وهو حي وان لم يبق فيه حياة مستقرة الا حركة مذبوح لم يحل لانه صار ميتا قبل الذكاة فان جرح السبع شاة فذبحها صاحبها وفيها حياة مستقرة حلت وان لم يبق فيها حياة مستقره لم تحل لِمَا رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لابي ثعلبة الخشنى وان رد عليك كلبك غنمك وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فلا تأكله) والمستحب إذا ذبح أن لا يكسر عنقها ولا يسلخ جلدها قبل أن تبرد لما روى أن الفرافصه قالوا لعمر رضى الله عنه إنكم تأكلون طعاما لا نأكله فقال وما ذاك يا أبا حسان فقال تعجلون الانفس قبل أن تزهق فأمر عمر رضى الله عنه مناديا ينادي إن الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر ولا تعجلوا الانفس حتى تزهق)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ وحديث عدى فرواهم الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ رِوَايَتَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْعَثْهَا مُقَيَّدَةً سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَفَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ مُقَيَّدَةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ وَسَبَقَ إيضَاحُهُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بَعْضَهُ وَلَفْظُهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ (وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ) (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ فَصَحِيحٌ صَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قِيَامًا مُقَيَّدَةً أَيْ مَعْقُولَةً إحْدَى الرِّجْلَيْنِ (وَقَوْلُهُ) سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِنَصَبِ سُنَّةٍ أَيْ الْزَمْ سُنَّةَ أَوْ افْعَلْهَا وَيَجُوزُ رَفْعُهُ أَيْ هَذِهِ سُنَّةُ وَالْأَعْرَابُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - سَاكِنُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 85)
________________________________________
البادية والمرئ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ - وَالرُّوحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ لُغَتَانِ وَالنُّخَاعُ - بِكَسْرِ النُّونِ
وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا - ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَآخَرُونَ وَالنَّخْعُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ - وَقَدْ فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ النَّخْعُ لِلذَّبِيحَةِ أَنْ يُعَجَّلَ الذَّابِحَ فَيَبْلُغَ الْقَطْعُ إلَى النُّخَاعِ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالنُّخَاعُ خَيْطٌ أَبْيَضُ يَكُونُ دَاخِلَ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَيَكُونُ مُمْتَدًّا إلَى الصُّلْبِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَيْضًا هُوَ خَيْطُ الْفَقَارِ الْمُتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ هَذَا نَقْلُ الْأَزْهَرِيِّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ النَّخْعُ قَطْعُ النُّخَاعِ وَهُوَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي مَادَّتُهُ مِنْ الدِّمَاغِ فِي جَوْفِ الْفَقَارِ كُلِّهَا إلَى عَجْبِ الذَّنَبِ وَإِنَّمَا تُنْخَعُ الذَّبِيحَةُ إذَا أُبِينَ رَأْسُهَا وَالْفَقَارُ - بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ - وَأَمَّا عَجْبُ الذَّنَبِ - فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - وَهُوَ أَصْلُ الذَّنَبِ (وَأَمَّا) أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ - فَبِضَمِّ الْخَاءِ - وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (وَأَمَّا) الْفُرَافِصَةُ فَبِضَمِّ الْفَاءِ الْأُولَى - وَكَسْرِ - الثَّانِيَةِ (وَقَوْلُهُ) لَا تَعْجَلُونَ الْأَنْفُسَ هُوَ - بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - (قَوْلُهُ) الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ هِيَ - بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ الثُّغْرَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَهُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ أَسْفَلَ الْعُنُقِ وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ وَهُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ أَعْلَى الْعُنُقِ وَالْمُعْتَبَرُ في الموضعين قطع الحلقوم والمرئ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَقَرِ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالْخَيْلُ كَالْبَقَرِ وَكَذَا حِمَارُ الْوَحْشِ وَبَقَرُهُ وَنَحْوُهَا فَلَوْ خَالَفَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ حَلَّتْ الْمُذَكَّاةُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ نهى
(والثانى)
يكره (الثانية) السنة أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْمَعْقُولَةُ الْيُسْرَى فَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ قَائِمًا فَبَارِكًا وَالسُّنَّةُ أَنْ تُضْجَعَ الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ وَتُتْرَكَ رِجْلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدَّ قَوَائِمُهَا الثَّلَاثُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 86)
________________________________________
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالْخَيْلُ وَالصَّيُودُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ الذَّابِحُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُوَجِّهَ الذَّبِيحَةَ إلَيْهَا وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ ذَبِيحَةٍ وَهُوَ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا
لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْقُرُبَاتِ وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ (أَصَحُّهَا) يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا إلَى الْقِبْلَةِ ولا يوجه وجهها ليمكنه هو أيضا الاستقبال
(وَالثَّانِي)
يُوَجِّهُهَا بِجَمِيعِ بَدَنِهَا (وَالثَّالِثُ) يُوَجِّهُ قَوَائِمَهَا (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الذَّبْحِ وَعِنْدَ إرْسَالِ الْكَلْبِ أَوْ السَّهْمِ إلَى الصَّيْدِ فَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَالصَّيْدُ لَكِنْ فِي تَرْكِهَا عَمْدًا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ (وَالثَّالِثُ) يَأْثَمُ بِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِفُرُوعِهَا الْكَثِيرَةِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعَ بَيَانِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ بِأَدِلَّتِهَا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ وَلَا تُكْرَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الْخَامِسَةُ) فِي حَقِيقَةِ الذَّبْحِ وَقَدْ لَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمَعَ فِيهِ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَهَذَّبَهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ الذَّبْحُ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ الْحَيَوَانُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا أُضْحِيَّةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا هُوَ التَّدْقِيقُ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ والمرئ مِنْ حَيَوَانٍ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِآلَةٍ لَيْسَتْ عَظْمًا وَلَا ظُفُرًا فَهَذِهِ قُيُودٌ (أَمَّا) الْقَطْعُ فَاحْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِ بِيَدٍ أَوْ بِبُنْدُقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ (وَأَمَّا) الحلقوم فهو مجرى النفس خروجا ودخولا والمرئ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ تَحْتَ الْحُلْقُومِ وَوَرَاءَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ وَقِيلَ يحيطان بالمرئ يقال لهما الودجان ويقال للحلقوم والمرئ مَعَهُمَا الْأَوْدَاجُ وَيُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الذَّكَاةِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ والمرئ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي قَطْعُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَبْقَى بَعْدَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ مَقْصُودِ الذَّكَاةِ وَهُوَ الْإِزْهَاقُ بِمَا يُوحِي وَلَا يُعَذِّبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْطَعَ الْوَدَجَيْنِ مع الحلقوم والمرئ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَالْغَالِبُ أَنَّهُمَا يُقْطَعَانِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ والمرئ فلو تركهما جاز لحصول المقصود بالحلقوم والمرئ قال أصحابنا ولو ترك من الحلقوم والمرئ شَيْئًا وَمَاتَ الْحَيَوَانُ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَكَذَا لَوْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَقَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَتْرُوكَ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 87)
________________________________________
وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ الحلقوم أو المرئ شئ يَسِيرٌ لَا يَضُرُّ بَلْ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ وَاخْتَارَهُ
الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا ولو قطع من القفاحتى وصل الحلقوم من المرئ عصي لزيادة الايلام ثم ينظران وصل إلى الحلقوم والمرئ وَقَدْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَحِلَّ بقطع الحلقوم والمرئ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ وَصَلَهُمَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَهُمَا حَلَّ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ ذَكَّاهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ حياة مستقرة عند ابتداء قطع المرئ وَلَكِنْ لَمَّا قَطَعَ بَعْضَ الْحُلْقُومِ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمَا نَالَهُ مِنْ قَبْلُ بِسَبَبِ قَطْعِ الْقَفَا فَهُوَ حَلَالٌ لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَطْعُ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ كَالْقَطْعِ مِنْ الْقَفَا قَالُوا وَلَوْ أَدْخَلَ السِّكِّينَ فِي أُذُنِ الثَّعْلَبِ ليقطع الحلقوم والمرئ مِنْ دَاخِلِ الْجِلْدِ فَفِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَوْ أمر السكين ملتصفا باللحيين فوق الحلقوم والمرئ وَأَبَانَ الرَّأْسَ فَلَيْسَ هُوَ بِذَبْحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يقطع الحلقوم والمرئ وأما كون التدقيق حاصلا بقطع الحلقوم والمرئ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَوْ أَخَذَ الذَّابِحُ فِي قطع الحلقوم والمرئ وَأَخَذَ آخَرُونَ فِي نَزْعِ خَيْشُومِهِ أَوْ نَخَسَ خاصرته لم يحل لان التدقيق لم يتمحض للحلقوم والمرئ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا تَحَرَّى بِهِ قَطْعَ الْحُلْقُومِ مِمَّا يُدَقِّقُ وَلَوْ انْفَرَدَ أَوْ كَانَ يُعِينُ عَلَى التَّدْقِيقِ وَلَوْ اُقْتُرِنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ كَانَ يُجْرِي سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى النقتا فَهِيَ مَيْتَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ قَطْعُ الْقَفَا وَبَقِيَتْ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ إلَى وُصُولِ السِّكِّينِ الْمَذْبَحَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَجِبُ أَنْ يَشْرَعَ الذَّابِحُ فِي الْقَطْعِ وَلَا يَتَأَنَّى بِحَيْثُ يَظْهَرُ انْتِهَاءُ الشَّاةِ قَبْلَ اسْتِتْمَامِ قَطْعِ الْمَذْبَحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْمُتَعَبَّدَ بِهِ كَوْنُ الْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَ الِابْتِدَاءِ قَالَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ هُنَا إذَا تَبَيَّنَ مَصِيرَهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُنَاكَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْحَالُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خِلَافُ مَا سَبَقَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 88)
________________________________________
تَصْرِيحَ الْإِمَامِ بِهِ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ فِي التَّأَنِّي لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فِي حَقِّهِ وَلَوْ لَمْ يُحْلِلْهُ أَدَّى إلَى حَرَجٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَوَانِ عِنْدَ الْقَطْعِ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَفِيهِ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) لَوْ جَرَحَ السَّبُعُ شَاةً أَوْ صَيْدًا أَوْ انْهَدَمَ سَقْفٌ عَلَى بَهِيمَةٍ أَوْ جَرَحَتْ هِرَّةٌ حَمَامَةً ثُمَّ أُدْرِكَتْ حَيَّةً فَذُبِحَتْ فَإِنْ كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّتْ وَإِنْ تَيَقَّنَ هَلَاكَهَا بَعْدَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ لِمَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَحِلَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى قَوْلَ أَنَّهَا تَحِلُّ فِي الْحَالَيْنِ وَقَوْلَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ فِي الْحَالَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّاةِ إذَا مَرِضَتْ وَصَارَتْ إلَى أَدْنَى رَمَقٍ فَذُبِحَتْ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْمَسْأَلَةَ وَأَوْهَمَ فِيهَا خِلَافَ الصَّوَابِ قَالَ إذَا أَشْرَفَتْ الْمَرِيضَةُ عَلَى الْمَوْتِ لَمْ تَحِلَّ بِالذَّكَاةِ قَالَ وَحَكَى صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا مَا دَامَتْ تَضْرِبُ بِذَنَبِهَا وَتَفْتَحُ عَيْنَهَا حَلَّتْ بالذكاة قال وهذا ليس بشئ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِيهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ وَإِنَّمَا حَرَكَتُهَا حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ
* هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَلَوْ أَكَلَتْ الشَّاةُ نَبَاتًا مُخْضَرًّا فَصَارَتْ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فَذُبِحَتْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَرَّةً فِي حِلِّهَا وَجْهَانِ وَجَزَمَ مَرَّةً بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَجُرْحِ السبع
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 89)
________________________________________
(فَرْعٌ)
كَوْنُ الْحَيَوَانِ مُنْتَهِيًا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ تَارَةً يُسْتَيْقَنُ وَتَارَةً يظن بعلامات وقرائن لا تضبطها العبارة وشبه الْأَصْحَابُ بِعَلَامَاتِ الْخَجَلِ وَالْغَضَبِ وَنَحْوِهِمَا قَالُوا وَمِنْ أَمَارَاتِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ قَطْعِ الحلقوم والمرئ وَانْفِجَارِ الدَّمِ وَتَدَفُّقِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكْفِي دَلِيلًا عَلَى بَقَاءِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ قَالَ وَالْأَصَحُّ ان كلا منهما لا يكفى لانهما قد يحصلا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَكِنْ قَدْ يَنْضَمُّ إلَى أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا قَرَائِنُ وَأَمَارَاتٌ أُخَرُ تُفِيدُ الظَّنَّ أَوْ الْيَقِينَ فَيَجِبُ النَّظَرُ وَالِاجْتِهَادُ.
هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ وَطَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءَ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَحَكَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ وَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ فِي الْفَتَاوَى فَكَانَ الْجَوَابُ فِيهَا أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ تُعْرَفُ بِقَرَائِنَ يُدْرِكُهَا النَّاظِرُ وَمِنْ عَلَامَاتِهَا الْحَرَكَةُ الشديدة بعد قطع الحلقوم والمرئ وَجَرَيَانِ الدَّمِ فَإِذَا حَصَلَتْ قَرِينَةٌ مَعَ أَحَدِهِمَا حَلَّ الْحَيَوَانُ وَالْمُخْتَارُ الْحِلُّ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَحْدَهَا فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَعْتَمِدُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ الْحَيَوَانُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ بِأَنْ يُشَقَّ جَوْفُهَا وَظَهَرَتْ الْأَمْعَاءُ وَلَمْ تَنْفَصِلْ فَإِذَا ذُكِّيَتْ حَلَّتْ
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُنْزَلٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَإِذَا شَكَّ فِي الْمَذْبُوحِ هَلْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَالَ ذَبْحِهِ أَمْ لَا فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْحِلُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ (وَأَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِلشَّكِّ فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُنَا فِي الْآلَةِ لَيْسَتْ ظُفُرًا وَلَا عَظْمًا فَمَعْنَاهُ جواز الذبح بكل ماله حَدٌّ يَقْطَعُ إلَّا الْعَظْمَ أَوْ الظُّفُرَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَاضِحَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا قَطَعَ الحلقوم أو المرئ وَالْوَدَجَيْنِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِينَ رَأْسَهُ فِي الْحَالِ وَأَنْ يَزِيدَ فِي الْقَطْعِ وَأَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهَا وَأَنْ يَكْسِرَ الْفَقَارَ وَأَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا مِنْهَا وَأَنْ يُحَرِّكَهَا وَأَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَكَان آخَرَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بَلْ يَتْرُكُهُ كُلَّهُ حَتَّى تُفَارِقَهَا الرُّوحُ وَتَبْرُدَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْسِكَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مَانِعًا لَهَا مِنْ الِاضْطِرَابِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَدِلَّةَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 90)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَبْحِ مَا يُنْحَرُ وَنَحْرِ مَا يُذْبَحُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السُّنَّةَ ذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَحْرِ الْإِبِلِ فَلَوْ خَالَفَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ جَازَ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ بِهَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ والثوري والليث ابن سعد وابو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ ذَبَحَ الْبَعِيرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ نَحَرَ الشَّاةَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كُرِهَ أَكْلُهَا وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَحَرَ الْإِبِلَ وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ فَهُوَ مُصِيبٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَ أَكْلَ بَعِيرٍ مَذْبُوحٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَشَاةٍ مَنْحُورَيْنِ قَالَ وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ كَرَاهَةَ تنزيه وقد يكره الانسان الشئ وَلَا يُحَرِّمُهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً بِالْكَرَاهَةِ وَرِوَايَةً بِالتَّحْرِيمِ وَرِوَايَةً بِإِبَاحَةِ ذَبْحِ الْمَنْحُورِ دُونَ نَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ إذَا ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ لَمْ يُؤْكَلْ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قبله وبما ذكره المنصف
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ لِحُصُولِ الذَّكَاةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ قَطْعِ الحلقوم والمرئ بِكَمَالِهِمَا وَأَنَّ الْوَدَجَيْنِ سُنَّةٌ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ
عَلَى أَنَّهُ إذَا قَطَعَ بِمَا يَجُوزُ الذبج به وسمى وقطع الحلقوم والمرئ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَسَالَ الدَّمَ حَصَلَتْ الذَّكَاةُ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ الْبَعْضِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يقول يشترط قطع الحلقوم والمرئ وَيُسْتَحَبُّ الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَدَاوُد يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْجَمِيعِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْ الْأَرْبَعَةِ حَلَّ وَالْأَرْبَعَةُ هي الحلقوم والمرئ والودجين وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا لِرِوَايَاتٍ (إحْدَاهَا) كَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) إنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّالِثَةُ) يَجِبُ قطع الحلقوم والمرئ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنْ قَطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ قَطْعُ الحلقوم والودجين ولا يشترط المرئ ونقله العبدرى عنه وعن الليث ابن سَعْدٍ فَيَصِيرُ عَنْ اللَّيْث رِوَايَتَانِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَاشْتِرَاطِ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِالْوَدَجَيْنِ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 91)
________________________________________
(فَرْعٌ)
إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ وَنَحْوَهَا مِنْ قَفَاهَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ وَصَلَ السكين إلى الحلقوم والمرئ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد لَا تَحِلُّ بِحَالٍ
* وقال احمد فيه روايتان
(أحدهما)
تحل
(والثانى)
لَا تَحِلُّ إنْ تَعَمَّدَ وَقَالَ الرَّازِيّ الْحَنَفِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ مَاتَ بَعْدَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ الْأَرْبَعَةِ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ حِلَّ الْمَذْبُوحِ مِنْ قَفَاهُ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ مَنْعَهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ إذَا قَطَعَ رَأْسَ الذَّبِيحَةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهَا إذَا ذُكِّيَتْ الذَّكَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَطَعَ رَأْسَهَا فِي تَمَامِ الذَّبْحِ حَلَّتْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ وَكَرِهَهَا ابْنُ سِيرِينَ وَنَافِعٌ
* وَقَالَ مَالِكٌ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يَأْكُلْهَا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الشَّاةِ الْمَنْخُوعَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّخْعَ أَنْ يُعَجِّلَ الذَّابِحُ فَيَبْلُغَ بِالذَّبْحِ إلَى النُّخَاعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ وَالذَّبِيحَةُ حَلَالٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا تُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ
نافع وكرهه اسحق
* وقال مالك لا أحب أن تعمد ذلك قال وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ الْفِعْلَ وَأَبَاحَتْ الْأَكْلَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ أَقُولُ قَالَ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ مَنَعَ أَكْلَهُ بَعْدَ الذَّكَاةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا يُقْطَعُ مِنْ الشَّاةِ بَعْدَ الذَّكَاةِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ
* مَذْهَبُنَا أَنَّ الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ وَالْعُضْوُ الْمَقْطُوعُ حَلَالٌ وَبِهِ قال مالك وأبو حنيفة واحمد واسحق
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ قَالَ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَيْتَةٌ
* وَقَالَ عَطَاءٌ أَلْقِ ذَلِكَ الْعُضْوَ
* (فَرْعٌ)
فِي مذاهبهم في المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطحية وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ
* إذَا ذُكِّيَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يُدْرِكَهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا الا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 92)
________________________________________
حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَهَذِهِ لَا تَحِلُّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ حَلَّتْ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُدْرِكَهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَلَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَمُوتُ قَطْعًا فَتَحِلُّ بِالذَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا والصحيح عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يُدْرِكَهَا وَهِيَ بِحَيْثُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَعِيشَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَعِيشَ وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فَتَحِلُّ عِنْدَنَا
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُؤْكَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد إذَا ذَكَّاهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ حَلَّتْ وَلَمْ يُفَصِّلَا
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا تَعِيشُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ إنْ كَانَتْ تَعِيشُ مَعَهُ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ حَلَّتْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَبْقَى إلَّا كَبَقَاءِ الْمَذْبُوحِ لَمْ تَحِلَّ هَذَا نَقْلُ الْعَبْدَرِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ أَدْرَكَهَا وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَذَكَّاهَا حَلَّتْ قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا خَرَقَ السَّبُعُ بَطْنَهَا وَفِيهَا الرُّوحُ فَذَبَحَهَا فَهِيَ ذَكِيَّةٌ وَبِهِ قال احمد واسحق قَالَ اللَّيْثُ إنْ رَكَضَتْ عِنْدَ الذَّبْحِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ قَائِمَةً
* أَجْمَعُوا أَنَّ الْأَفْضَلَ ذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مُضْجَعَةً (وَأَمَّا) الْإِبِلُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ نَحْرُهَا قَائِمَةً مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الثَّوْرِيَّ
وَأَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَا سَوَاءٌ نَحَرَهَا قَائِمَةً وَبَارِكَةً وَلَا فَضِيلَةَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ نَحْرَهَا بَارِكَةً مَعْقُولَةً أَفْضَلُ مِنْ قَائِمَةٍ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مَرْدُودَانِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الصيد بالجوارح المعلمة كالكلب والفهد والبازى والصقر لقوله تعالى (أحل لكم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 93)
________________________________________
الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) قال ابن عباس رضى الله عنه هي الكلاب المعلمة والبازى وكل طائر يعلم الصيد والمعلم هو الذى إذا أرسله على الصيد طلبه وإذا اشلاه استشلى فإذا أخذ الصيد أمسكه وخلى بينه وبينه فإذا تكرر منه ذلك كان معلما وحل له ما قتله)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ على ابن أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا رَوَى التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَيْضًا الْأَكْثَرُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ الْمُعَلَّمَةِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَغَيْرِهَا وَبِجَوَارِحِ الطَّيْرِ كَالنَّسْرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالْبَاشِقِ وَالشَّاهِينَ وَسَائِرِ الصُّقُورِ وَسَوَاءٌ فِي الْكِلَابِ الْأَسْوَدُ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا لِأَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ صَيْدَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ حَرَامٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَرِيسَةُ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ حَرَامٌ فَغَلَطٌ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ بَلْ لَهَا حُكْمُ الْكَلْبِ فِي الِاصْطِيَادِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَكُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَأَنَّهَا كَالْكَلْبِ وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ: كُلُّ مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ.
وهكذا عبارة جميعهم (أما) اسْتِبْعَادُ الْغَزَالِيِّ تَعَلُّمَهَا فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ بِالْفُهُودِ الْمُعَلَّمَةِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ مُشَاهَدٌ وَالنَّمِرُ إذَا أخذ صغيرا تيسر تعليمه فحصل انه لا خِلَافٌ فِي جَوَازِهِ وَأَنَّ الْكَلْبَ وَالنَّمِرَ فِي هَذَا سَوَاءٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْفَهْدَ يَبْعُدُ عَنْهُ التَّعْلِيمُ لِأَنَفَتِهِ وَعَدَمِ انْقِيَادِهِ فَإِنْ تُصُوِّرَ تَعَلُّمُهُ عَلَى نُدُورٍ فَهُوَ كالكلب
* قال الرافعى وهذا الذى قال الامام
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 94)
________________________________________
بخالف مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ وَفِي كَلَامِ الغزالي ما يوهم هذا خلاف قَالَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ الِاصْطِيَادِ بِهَذِهِ الْجَوَارِحِ أَنَّ مَا أَخَذَتْهُ وَجَرَحَتْهُ وَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهَا مَيْتًا أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَلَّ أَكْلُهُ وَيَقُومُ إرْسَالُ الصَّائِدِ وَجُرْحُ الْجَارِحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مَقَامَ الذَّبْحِ فِي غَيْرِ الصَّيْدِ قَالُوا وَأَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِأَيِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ سَوَاءٌ كَانَ بِكَلْبٍ مُعَلَّمٍ أَوْ غَيْرِ كَلْبٍ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ إذَا ذَكَّى وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ لِحِلِّ مَا قَتَلَهُ الْجَارِحُ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا وَشَرْطُ تَعْلِيمِهِ أربعة أمور (احدها) ان ينزجر بزجز صَاحِبِهِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ (وَأَمَّا) إذَا انْطَلَقَ وَاشْتَدَّ عَدْوُهُ فَفِي اشْتِرَاطِهِ (١) (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أُغْرِيَ بِالصَّيْدِ هَاجَ (الثَّالِثُ) أَنْ يُمْسِكَ الصَّيْدَ فيحبسه على صاحبه ولا يخيه (الرَّابِعُ) أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ قَوْلٌ شَاذٌّ إنَّهُ لا يضر الاكل حكاه الرافعى وليس بشئ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْطَلِقَ أَيْضًا بِانْطِلَاقِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ لَوْ انْطَلَقَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا وَرَآهُ الْإِمَامُ مُشْكِلًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلْبَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ إذَا رَأَى صَيْدًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى كَلَبِ الْجُوعِ يَبْعُدُ انْكِفَافُهُ
* هَذَا حُكْمُ الْكَلْبِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ (وَأَمَّا) جَوَارِحُ الطَّيْرِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَهِيجَ عِنْدَ الْإِغْرَاءِ أَيْضًا وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ أَكْلِهَا مِنْ الصَّيْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قولين (قال) الامام ولا نطمع في انزجازها بَعْدَ الطَّيَرَانِ (قَالَ) وَيَبْعُدُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ انْكِفَافِهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ المصنف والاصحاب هذه الامور المشترطة في التعليم يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهَا لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَأَدُّبُ الْجَارِحَةِ وَمَصِيرُهَا مُعَلَّمَةً وَالرُّجُوعُ فِي عَدَدِ ذَلِكَ إلَى أهل الخبرة بالجوارح
________________________________________
(١) بياض بالاصل ولعله قولان أو وجهان
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 95)
________________________________________
هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَكْفِي مَرَّتَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جواز الاصطياد بجميع الجوراح الْمُعَلَّمَةِ مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصُّقُورِ كُلِّهَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ (قَالَ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا صَيْدَ الْبَازِي وَغَيْرِهِ مِنْ الطُّيُورِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وقتادة واحمد واسحق يَجُوزُ بِذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ أَحْمَدُ مَا أَعْلَمُ أحد يُرَخِّصُ فِيهِ إذَا كَانَ بَهِيمًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ بِإِبَاحَةِ صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ كغيره وممن روي عنهم البيهقي جواز أكل صَيْدِ الطُّيُورِ كَالصُّقُورِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ حَكَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يَنْتَهِي إلَى قَوْلِهِمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ
* وَاحْتُجَّ لِابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا علمتم من الجوارح مكلبين) فَخَصَّهُ بِالْكِلَابِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْحَسَنِ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح ملكبين) قَالُوا وَالْجَوَارِحُ تُطْلَقُ عَلَى السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَالْجَارِحَةُ الْكَاسِبُ فَكُلُّ كَاسِبٍ مِنْهَا جَارِحَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْجَوَارِحُ مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ ذَوَاتُ الصيد وبهذه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 96)
________________________________________
الحروف قاله ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ الْجَوَارِحُ هِيَ الْكَوَاسِبُ مِنْ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ ذَوَاتِ الصَّيْدِ وَاحِدُهَا جَارِحَةٌ وَالْكَلْبُ الضَّارِي جَارِحَةٌ سُمِّيَتْ جَوَارِحَ لِأَنَّهَا كَوَاسِبُ أَنْفُسِهَا مِنْ جَرَحَ وَاجْتَرَحَ إذَا اكْتَسَبَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرِيدُ الطَّيْرَ الصَّائِدَةَ وَالْكِلَابَ وَالْفُهُودَ وَسِبَاعَ الطَّيْرِ كَالشَّوَاهِينِ وَالْبَوَاشِقِ وَالْعُقْبَانِ فَمَا اصْطَادَتْ هَذِهِ فَهُوَ حَلَالٌ قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ اللَّيْثُ سُئِلَ مُجَاهِدٌ عَنْ الصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْفَهْدِ وَمَا يَصْطَادُ مِنْ السِّبَاعِ فَقَالَ هَذِهِ كُلُّهَا جَوَارِحُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالضَّحَّاكِ أَنَّهُمَا قَالَا الْجَوَارِحُ الْكِلَابُ
دُونَ غَيْرِهَا قَالَا وَمَا صَادَ غَيْرُ الْكِلَابِ وَلَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ لَمْ يَحِلَّ وَمِثْلُهُ عَنْ السُّدِّيِّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَهَذَا قَوْلٌ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ قَالَ وقَوْله تَعَالَى (مُكَلِّبِينَ) لِلْكَلْبِ الَّذِي يُعَلِّمُ الْكِلَابَ الصَّيْدَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ صَيْدُ الْكِلَابِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ مُؤَدِّبِينَ
* هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْوَاحِدِيِّ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الِاسْتِدْلَالِ مَعَ الْقِيَاسِ عَلَى الْكَلْبِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ جماعة من أصحابنا وهو حديث مخالد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازٍ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ قُلْتُ وَإِنْ قَتَلَ قَالَ إذَا قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مخالد ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذِكْرُ الْبَازِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْحُفَّاظُ عَنْ الشعبى وانما أتى به مخالد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا وَفِي ضِمْنِهِ الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَتْلِهِ تَحْرِيمُ صَيْدِهِ مَعَ أَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا عَلَّمْتُمْ من الجوارح مكلبين) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيٍّ (إذا أرسلت كلبك فأخذ وَقَتَلَهُ فَكُلْ) قَالَ فَالْقَوْلُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ واحب وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُمَا إلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 97)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي ضَبْطِ تَعْلِيمِ الْجَارِحَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَصِيرِهِ مُعَلَّمًا أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ بِحَيْثُ يَقُولُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ صَارَ مُعَلَّمًا وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَصْحَابُنَا عَدَدَ الْمَرَّاتِ فِي ذَلِكَ بَلْ اعْتَبَرُوا الْعُرْفَ كَمَا ذَكَرْنَا
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ الْمُعَلَّمُ الَّذِي يَفْقَهُ عَنْ مُرْسِلِهِ فَيَأْتَمِرُ إذَا أَمَرَهُ وَيَنْزَجِرُ إذَا زَجَرَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِيهِ سَوَاءٌ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا تَقْدِيرَ فِي التَّعْلِيمِ بَلْ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ صَاحِبِهِ مَصِيرُهُ مُعَلَّمًا حَلَّ صَيْدُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ حَدُّهُ أَنْ يَصْطَادَ وَلَا يَأْكُلَ قَالَ وَلَيْسَ له كَتَعَلُّمِ الصِّنَاعَاتِ وَبِهَذَا قَالَ دَاوُد وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد هو أن يصطاد ثلاث مرات ولا يَأْكُلُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ
قَالَ إذَا دَعَا الْكَلْبَ فَأَجَابَ وَزَجَرَهُ فَأَطَاعَ فَمُعَلَّمٌ (وَأَمَّا) الطُّيُورُ فَمَا أَجَابَ مِنْهَا إذَا دُعِيَ فَمُعَلَّمٌ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يَأْكُلْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حُصُولَ التَّعَلُّمِ بِمَرَّةٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي اصْطِيَادِ الْمُسْلِمِ بِكَلْبٍ أَوْ طَائِرٍ عَلَّمَهُ مَجُوسِيٌّ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَيَحِلُّ مَا قَتَلَهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عطاء قال وممن كرهه جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَكَرِهَ الْحَسَنُ الِاصْطِيَادَ بِكَلْبِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ كَلْبُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَهْوَنُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا قَتَلَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَأَكَلَ مِنْهُ فَاضْرِبْهُ حتى يمسك عليه
* (فَرْعٌ)
الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَشْلَى الْكَلْبَ أَيْ اسْتَدْعَاهُ وَأَمَّا إرْسَالُهُ فَيُقَالُ فِيهِ أَغْرَاهُ وَاسْتِعْمَالُ الْمُصَنِّفِ لَهُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْمَشْهُورِ فِي اللُّغَةِ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ كُلُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 98)
________________________________________
مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ أَوْ فَهْدٍ أَوْ نَمِرٍ فَكَانَ إذَا أُشْلِيَ اسْتَشْلَى وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ مُعَلَّمٌ
* هَذَا لَفْظُهُ قَالَ أصحابنا اعترض أبو بكر ابن داود والظاهري عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إذَا أَشْلَاهُ اسْتَشْلَى فَقَالَ يُقَالُ أَشَلَاهُ إذَا دَعَاهُ وَأَغْرَاهُ إذَا أَرْسَلَهُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِرُ
* أَشْلَيْتُ عِيرِي وَمَسَحْتُ قَعْبِي
* وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمَنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِلُغَتِهِمْ كَالْفَرَزْدَقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَرَبِيُّ النَّسَبِ وَالدَّارِ وَالْعَصْرِ
* قَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَرَأْت ديوان الهدلس عَلَى فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالُوا فَيَكُونُ أَشْلَى مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِدْعَاءِ وَعَلَى الْإِغْرَاءِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْجَوَابَ وَيُوَضِّحُهُ أَكْمَلَ إيضَاحٍ أَنَّ أبا الحسين احمد ابن فَارِسٍ الْمُجْمَعَ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَأَمَانَتِهِ فِي اللُّغَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الْمُجْمَلِ يُقَالُ
أَشْلَيْتُ الْكَلْبَ إذَا دَعْوَتُهُ وَأَشْلَيْته أَغْرَيْتُهُ قَالَ قَالَ الْأَعْجَمُ
* أَتَيْنَا أَبَا عَمْرٍو فَأَشْلَى كِلَابَهُ
* عَلَيْنَا فَكِدْنَا بَيْنَ بَيْتَيْهِ نُؤْكَلُ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِشْلَاءَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الِاسْتِدْعَاءَ فَاسْتِعْمَالُهُ هُنَا صَحِيحٌ وَكَأَنَّهُ يَسْتَدْعِيهِ لِيُرْسِلَهُ فَعَبَّرَ بِالْإِشْلَاءِ عَنْ الْإِرْسَالِ لانه يؤل إليه وهو من باب تسميته الشئ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَمِنْهُ (إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خمرا) (وَالثَّالِثُ) جَوَابُ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّ مَعْنَى أَشْلَى دَعَا أَيْ أَجَابَ كَأَنَّهُ يَدْعُوهُ لِلصَّيْدِ فَيُجِيبُهُ وَيَقْصِدُ الصيد والله سبحانه أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان أَرْسَلَ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً عَلَى الصيد فقتله بظفره أو نابه أو بمنقاره حل اكله لما روي ابو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (إذا كنت في ارض صيد فأرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله تعالى وكل) (وأما) إذا أرسله من لا تحل ذكاته فقتله لم يحل لان الكلب آلة كالسكين والمذكى هو المرسل فإذا لم يكن من أهل الذكاة لم يحل صيده فان أرسل جَارِحَةً غَيْرَ مُعَلَّمَةٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ لما روى ابو ثعلبة إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا أرسلت كلبك الذى ليس بمعلم فما أدركت ذكاته فكل) وان استرسل المعلم بنفسه فقتل الصيد لم يحل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 99)
________________________________________
لما روى عدي ابن حاتم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إذا أرسلت كلابك المعلمة فامسكن عليك فكل قلت وان قتلن قال وان قتلن) فشرط أن يرسل وان أرسله فقتل الصيد بثقله ففيه قولان
(أحدهما)
لا يحل لانه آلة للصيد فإذا قتل بثقله لم يحل كالسلاح
(والثانى)
يحل لحديث عدى ولانه لا يمكن تعليم الكلب الجرح وانهار الدم فسقط اعتباره كالعقر في محل الذكاة وان شارك كلبه في قتل الصيد كلب مجوسي أو كلب استرسل بنفسه لم يحل لانه اجتمع في ذبحه ما يقتضى الحظر والاباحة فغلب الحظر كالمتولد بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل وان وجد مع كلبه كلبا آخر لا يعرف حاله ولا يعلم القاتل منهما لم يحل لما روى عدى بن حاتم قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقلت أرسلت كلبى ووجدت مع كلبى كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه فقال لا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ على غيره) ولان الاصل فيه الحظر فإذا
أشكل بقى على أصله)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُمَا وَحَدِيثُ عَدِيٍّ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُ اسْمِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَنَسَبِهِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَلُغَاتِ الظُّفُرِ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَقَوْلُهُ مِنْقَارِهِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - وَقَوْلُهُ بِثِقَلِهِ هُوَ - بِكَسْرِ الثَّاءِ - وَقَوْلُهُ كَالْعَقْرِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ يَعْنِي كَمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَقْرِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا أَرْسَلَ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً عَلَى صَيْدٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 100)
________________________________________
فَقَتَلَتْهُ بِظُفُرِهِ أَوْ مِنْقَارِهِ أَوْ نَابِهِ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا أَرْسَلَ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَمُرْتَدٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً فَقَتَلَ الصَّيْدَ بِظُفُرِهِ أَوْ نَابِهِ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَّمَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا مَا شَذَّ بِهِ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فَحَكَيَا وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ جَارِحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَكَى وَجْهًا فِي حِلِّ مُنَاكَحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَذَبِيحَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَحِلُّ صَيْدُهُ كَذَكَاتِهِ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ أَرَادَ هَذَا الْوَجْهَ وَكَيْفَ كَانَ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ اشْتَرَكَ الْمُسْلِمُ وَالْمَجُوسِيُّ فِي إرْسَالِ كَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ عَلَى الصَّيْدِ وَاشْتَرَكَ كَلْبَاهُمَا فِي قَتْلِهِ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ رَمَيَا سَهْمَيْنِ أَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ فَسَبَقَ كَلْبُ الْمُسْلِمِ أَوْ سَهْمُهُ فَقَتَلَ الصَّيْدَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ وَلَا أَثَرَ لِوُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً ثُمَّ قَدَّهَا مَجُوسِيٌّ وَإِنْ سَبَقَ مَا أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ أَوْ جَرَحَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَذْفِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهَلَكَ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا قَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ مَتَى اشْتَرَكَا فِي إمْسَاكِهِ وَعَقْرِهِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ أَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ كَلْبَانِ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُهُ أَوْ مُعَلَّمَانِ أَرْسَلَ أَحَدَهُمَا وَذَهَبَ الْآخَرُ بِلَا إرْسَالٍ فَقَتَلَا صَيْدًا أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا الْقَاتِلُ فَهُوَ كَاسْتِرْسَالِ كَلْبَيْ الْمُسْلِمِ وَالْمَجُوسِيِّ وَلَوْ تَقَرَّبَ الصَّيْدُ مِنْ كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَعَارَضَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ كما لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً أَمْسَكَهَا مَجُوسِيٌّ وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلًا ثُمَّ قَتَلَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا غَيْرَ مُذَفِّفٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 101)
________________________________________
وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ أَثْخَنَهُ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَيَلْزَمُ الْمَجُوسِيَّ قِيمَتُهُ لَهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ
فَجَعَلَهُ مَيْتَةً وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينَتِهِ أَوْ رَمَى بِسَهْمِهِ أَوْ قَوْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ جَارِحَةً غَيْرَ مُعَلَّمَةٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ وَأَدْرَكَ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَذَكَّاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (الرَّابِعَةُ) لَوْ اسْتَرْسَلَ الْمُعَلَّمُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ أَكَلَ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ مُعَلَّمًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَقْدَحُ فِي الْأَكْلِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إذَا أرسله صاحبه (أما) إذا استرسل فزجزه صَاحِبُهُ فَانْزَجَرَ وَوَقَفَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ فَيَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ وَمَضَى لِوَجْهِهِ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ زَادَ عَدْوُهُ وحدته أم لا ولو لم يزجر بَلْ أَغْرَاهُ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَدْوُهُ فَحَرَامٌ قطعا وكذا ان زَادَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ كَانَ الْإِغْرَاءُ وَزِيَادَةُ العدو بعد ما زجره فلم ينزجز فطريقان (قطع) العراقيون بالتحريم (وقال) الخرسانيون فِيهِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ وَأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا وَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ فَازْدَادَ عَدْوُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الِاسْتِرْسَالِ وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِغْرَاءُ حَلَّ هُنَا وَلَا أَثَرَ لِإِغْرَاءِ الْمَجُوسِيِّ وَإِنْ قَطَعْنَاهُ وَأَحَلْنَا عَلَى الْإِغْرَاءِ لَمْ يَحِلَّ هَذَا.
هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالتَّحْرِيمِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُشَارَكَةٌ وَكِلَاهُمَا يُحَرِّمُهُ وَلَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبًا فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ فَازْدَادَ عَدْوُهُ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى عَكْسِ مَا سَبَقَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَطَعَ هُنَا بِالتَّحْرِيمِ.
وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا فَزَجَرَهُ فُضُولِيٌّ فَانْزَجَرَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَأَخَذَ صَيْدًا فَلِمَنْ يَكُونُ الصَّيْدُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْفُضُولِيِّ
(وَالثَّانِي)
لِلْمَالِكِ كَالْوَجْهَيْنِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 102)
________________________________________
فِيمَنْ غَصَبَ كَلْبًا فَاصْطَادَ بِهِ وَلَوْ زَجَرَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ فَأَغْرَاهُ أَوْ لَمْ يَزْجُرْهُ بَلْ أَغْرَاهُ وَزَادَ عَدْوُهُ وَقُلْنَا الصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ خَرَجَ على الخلاف في أن الْإِغْرَاءِ هَلْ يُقْطَعُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ وَإِلَّا فَلِلْغَاصِبِ الْفُضُولِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ولا يمتنع تَخْرِيجُ وَجْهٍ بِاشْتِرَاكِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا لَمْ يَجْرَحْ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بَلْ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وصدمته ققولان مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحِلُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَحِلُّ (وَأَمَّا)
إذَا كَدَّ الْجَارِحَةُ الصَّيْدَ حَتَّى أَتْعَبَهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا من التعب فلا يحل قولا واحد لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ فَأَشْبَهَ الْمُتَرَدِّيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحَةِ أَوْ إرْسَالِ السَّهْمِ عَلَى الصَّيْدِ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الذَّكَاةِ فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّ الصَّيْدُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَأَدِلَّتِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَيْدِ الْكِتَابِيِّ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحِلُّ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ كَمَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ فَإِذَا أَرْسَلَ جَارِحَةً مُعَلَّمًا أَوْ سَهْمًا فَقَتَلَ صَيْدًا حَلَّ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
فِي صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ بِكَلْبِهِ الْمُعَلَّمِ وَسَهْمِهِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وأبو حنيفة واحمد واسحق وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِيهِمْ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ (وَالثَّانِي) تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَهُمْ كِتَابٌ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 103)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ يَسْتَرْسِلُ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ فَيَقْتُلُ الصَّيْدَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ خَرَجَ بِهِ لِلِاصْطِيَادِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً قَالَ وَقَالَ الْأَصَمُّ يَحِلُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُؤْكَلُ إنْ كَانَ إخْرَاجُهُ لِلصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ رَدَّهُ عَلَيْهِ كَلْبٌ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ
* فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَرَامٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا
* دَلِيلُنَا أَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَا شَرِكَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُضَافٌ إلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَأَشْبَهَ ما أمسك المجوسى حيوانا فذبحه مسلم أو رمى الْمُسْلِمُ سَهْمًا وَرَمَى الْمَجُوسِيُّ سَهْمًا فَرَدَّهُ سَهْمُ الْمَجُوسِيِّ وَلَمْ يُصِبْهُ
وَأَصَابَهُ سَهْمُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ فِي عَدْوِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ
* قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَحِلُّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَتَلَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بِثِقَلِهِ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيُّ حَرَامٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَجَدَ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ وَالصَّيْدُ قَتِيلٌ وَلَا يَعْلَمُ الْقَاتِلَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ
* فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَرَامٌ وَمِمَّنْ قَالَ به عطاء والقاسم به محمرة وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 104)
________________________________________
إذَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ مُعَلَّمًا حل
* دليلنا الحديث المذكور في الكتاب * قال المصنف رحمه الله
* (وان قتل الكلب الصيد أو أكل منه ففيه قولان
(أحدهما)
يحل لما روى أبو ثَعْلَبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله تعالى فكل ما أمسك عليك وان أكل منه)
(والثانى)
لا يحل لِمَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك وان قتلن الا ان يأكل الكلب منه فلا تأكل فانى أخاف أن يكون انما أمسك على نفسه) وان شرب من دمه لم يحرم قولا واحدا لان الدم لا منفعة له فيه ولا يمنع الكلب من شربه فلم يحرم وان كان الجارحة من الطير فأكل من الصيد فهو كالكلب وفيه قولان وقال المزني أكل الطير لا يحرم وأكل الكلب يحرم لان الطير لا يضرب على الاكل والكلب يضرب وهذا لا يصح لانه يمكن أن تعلم الطير ترك الاكل كما يعلم الكلب وان اختلفا في الضرب)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا يقال له أبو ثعلبة قال يارسول اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا قَالَ (فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ) قال البيهقي حديث ابن ثَعْلَبَةَ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَكْلِ وَحَدِيثُ عَدِيٍّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ إذَا أَكَلَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي الْأَكْلِ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا ثَبَتَ كَوْنُ الْكَلْبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَفِي حِلِّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 105)
________________________________________
ذلك الصيد قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليهما (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُهُ (وَالثَّانِي) إبَاحَتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَدِدْتُ لَوْ فَرَّقَ فَارِقٌ بَيْنَ أَنْ يَنْكُفَ زَمَانًا ثُمَّ يَأْكُلَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِ الْأَخْذِ قَالَ لَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ
* هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَهَذَا الَّذِي تَمَنَّاهُ الْإِمَامُ قَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَشْهُورٌ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ نَظَرْتَ فَإِنْ قَتَلَهُ ثُمَّ مَضَى عَنْ الصَّيْدِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ قَتْلِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ هَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ الْقَتْلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْعَقْرِ حَلَّ وَإِنْ أَكَلَهُ مُتَّصِلًا بِالْعَقْرِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ أَكَلَ مِنْهُ فَقَوْلَانِ سَوَاءٌ أَكَلَ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ وَقِيلَ بَعْدَ الْقَتْلِ يَحِلُّ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَالَ فَإِنْ تَرَكَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ وَقْتٍ حَلَّ وَقِيلَ إنْ أَكَلَ مِنْهُ فِي الْحَيَاةِ لَمْ يَحِلَّ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ قَتْلِهِ فَقَوْلَانِ
* هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مُتَّفِقٌ فِي الْمَعْنَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِمَا أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ الْعَقْرِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ مُفَارَقَةِ مَوْضِعِهِ أَمْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ وَرُجُوعِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَتَرَدَّدَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَفِي الْجَدِيدِ عَلَى التَّحْرِيمِ جَزْمًا وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَيُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ كَلَامِ الْجَمِيعِ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَرَدَّدَ قَوْلَهُ فِي الْجَدِيدِ ثُمَّ مَال فِيهِ إلَى التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ فَأَفْتَى بِهِ فَحَصَلَ قَوْلَانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَكْلِهِ قَبْلَ الْقَتْلِ
أَوْ عَقِبَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَذَكَرْنَا عَنْ الدَّارِمِيِّ طَرِيقِينَ آخَرَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَحَصَلَ ثلاثة طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) طَرْدُ قَوْلَيْنِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) إنْ أَكَلَ قَبْلَ الْقَتْلِ حَرُمَ وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَكَلَ بَعْدَ الْقَتْلِ حَلَّ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَهُ فَقَوْلَانِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ هَكَذَا صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِمَا الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَجْمَعِينَ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ وَقَطَعَ بِهِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 106)
________________________________________
وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ حَلَالٌ وَالصَّوَابُ تَصْحِيحُ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ
* واحتج من قال بالتحريم بقوله تعالى (فلكوا مما أمسكن عليكم) فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَيْنَا وَلَمْ يَحِلَّ لَنَا إلَّا مَا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَيْنَا بِحَدِيثِ عَدِيٍّ قَالُوا وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ مُتَكَاثِرَاتٍ وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ لَا يُقَارِنُهُ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ وَفَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَضُرُّ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَأَوَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيُودِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ هَذَا.
يَعْنِي إذَا كَانَ قَدْ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مُعَلَّمًا وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ فِي جَوَارِحِ السِّبَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَغَيْرِهَا (فَأَمَّا) جَوَارِحُ الطَّيْرِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا كَالسِّبَاعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُهُمْ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالسِّبَاعِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الطَّرِيقِينَ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الصَّيْدِ الَّذِي أَكَلَ وَاشْتُرِطَ اسْتِئْنَافُ التَّعْلِيمِ لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ قَبْلَ الْأَكْلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَلَوْ تَكَرَّرَ أَكْلُهُ مِنْ
الصَّيُودِ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَارَ الْأَكْلُ عادة له حرم الصيد الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ آخِرًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي تحريم باقى الصيود الذى أكل مِنْهُ قَبْلَ الْأَخِيرِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَهُمْ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ قَالَ الْبَغَوِيّ إذَا قُلْنَا لَا يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الثَّانِي حَرُمَ الثَّانِي قَطْعًا وَفِي الْأَوَّلِ الْوَجْهَانِ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الثَّانِي فَأَكَلَ مِنْ الثَّالِثِ حَرُمَ الثَّالِثُ وَفِيمَا قَبْلَهُ الْوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا ذَهَابٌ مِنْ الْبَغَوِيِّ إلَى أَنَّ الْأَكْلَ مَرَّتَيْنِ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا وَقَدْ ذَكَرْنَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 107)
________________________________________
خِلَافًا فِي تَكَرُّرِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُعَلَّمًا قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَثَرَ التَّعْلِيمِ فِي الْحِلِّ وَأَثَرَ الْأَكْلِ فِي التَّحْرِيمِ فَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا فَلِهَذَا لَوْ عَرَفْنَا كَوْنَهُ مُعَلَّمًا لَمْ يَنْعَطِفْ الْحِلُّ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صَيُودِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِطَافِ التَّحْرِيمِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لعلق الْكَلْبُ دَمَ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا حَلَّ لَحْمُهُ
* هَذَا هُوَ الصَّوَابُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَشَذَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فَحَكَيَا وَجْهًا فِي تَحْرِيمِهِ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَوْ أَكَلَ كَلْبٌ حَشْوَةَ الصَّيْدِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ كَاللَّحْمِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالْحِلِّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَأَشْبَهَتْ الدَّمَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ لَمْ يَسْتَرْسِلْ الْكَلْبُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ لَمْ يَنْزَجِرْ عِنْدَ الزَّجْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا أَكَلَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَفَّالُ لَوْ أَرَادَ الصَّائِدُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ فَامْتَنَعَ وَصَارَ يُقَاتِلُ دُونَهُ فَهُوَ كَالْأَكْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّيْدِ الَّذِي تَقْتُلُهُ الْجَارِحَةُ مِنْ السِّبَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَالشَّافِعِيِّ وأبى حنيفة واصحابه واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَدَاوُد وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِإِبَاحَتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ (وَأَمَّا) إذَا أَكَلَتْ مِنْهُ جَارِحَةُ الطَّيْرِ كَالصُّقُورِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُهُ كَمَا سَبَقَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَنَا عليه بل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 108)
________________________________________
جماهير (١) عَلَى إبَاحَتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيِّ وأبى حنيفة واصحابه وهو مذهب الشعبى وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الصَّيُودُ الْمَاضِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ فَلَا تَحْرُمُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ جَمِيعُ مَا صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ تَعْلِيمِهِ (وَأَمَّا) إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ فَلَا يَحْرُمُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ انهما كرها أكله وليس بشئ * قال المصنف رحمه الله
* (إذَا أَدْخَلَ الْكَلْبُ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ فِي الصيد نجس وهل يجب غسله فيه وجهان
(أحدهما)
يجب غسله سبعا احداهن بالتراب قياسا على غير الصيد
(والثانى)
لا يجب لانا لو أوجبنا ذلك ألزمناه أن يغسل جميعه لان الناب إذا لاقى جزءا من الدم نجس ذلك الجزء ونجس كل ما لاقاه إلى أن ينجس جميع بدنه وغسل جميعه يشق فسقط كدم البراغيث)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ إذَا أَدْخَلَ الْكَلْبُ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ فِي الصَّيْدِ نَجِسَ يَعْنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي أَدْخَلَ فِيهِ لِأَكْلِ الصَّيْدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إذَا أَدْخَلَ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ نَجِسَ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَ (فَمِنْ) الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ نَجِسَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ لِلْمَشَقَّةِ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ نَجِسَ يَجِبُ غَسْلُهُ فَذَكَرَ النَّجَاسَةَ وَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ الْغَسْلِ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَتْ النَّجَاسَةُ وَجَبَ الْغَسْلُ فَحَذَفَ ذِكْرَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ مَوْضِعَ الظُّفُرِ وَالنَّابِ نَجِسٌ قَطْعًا وَفِي وُجُوبِ غَسْلِهِ وَتَعْفِيرِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الاصحاب من العراقيين والخراسانيين وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَآخَرُونَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا) نَجِسَ وَفِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَالتَّعْفِيرِ الْخِلَافُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ طَاهِرٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) وَلَمْ يَأْمُرْ بِغَسْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا أَوْ دَائِمًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ النبي صلى الله عليه مَعَ ذِكْرِهِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ مَعَ تَكْرَارِ سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ (والطريق الثالث)
________________________________________
(١) بياض بالاصل ولعله العلماء أو الاصحاب
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 109)
________________________________________
إنْ أَصَابَ الْكَلْبُ غَيْرَ الْعُرُوقِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَصَابَ عِرْقًا نَضَّاحًا بِالدَّمِ سَرَى حُكْمُ النَّجَاسَةِ إلَى جَمِيعِ الصَّيْدِ وَحَرُمَ أَكْلُهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا اتَّصَلَتْ بِالدَّمِ فَالْعِرْقُ وِعَاءٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ ثُمَّ الدَّمُ إذَا كَانَ يَفُورُ امْتَنَعَ غَوْصُ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ الْمُتَصَعِّدِ مِنْ فَوَّارَةٍ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي أَعْلَاهُ لَمْ يَنْجَسْ مَا تَحْتَهُ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَيَطْهُرُ حِينَئِذٍ وَيُؤْكَلُ وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الظُّفُرِ وَالنَّابِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَسَّهُ الْكَلْبُ دُونَ مَا لَمْ يَمَسَّهُ مَعَ الرِّفْقِ بِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا مشهور ان (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ حَكَاهُ صَاحِبَا الْفُرُوعِ وَالْبَيَانِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ بَلْ يَجِبُ تَقْوِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَطَرْحُهُ لِأَنَّهُ تَشَرَّبَ لُعَابَهُ فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْعِرَاقِيُّونَ بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هَذَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَكَيْفَ كَانَ فَهُوَ وَجْهٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَطَّرِدُ مَا ذَكَرَهُ فِي كُلِّ لَحْمٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا عَضَّهُ الْكَلْبُ بِخِلَافِ مَا يَنَالُهُ لُعَابُهُ بِغَيْرِ عَضٍّ هَذَا مُخْتَصَرُ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَرَدْت ضَبْطَهُ مُخْتَصَرًا (قُلْت) فِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ غَسْلُهُ مَرَّةً (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ طَاهِرٌ (وَالْخَامِسُ) يَجِبُ قَطْعُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ (وَالسَّادِسُ) إنْ أَصَابَ عِرْقًا نَضَّاحًا بِالدَّمِ حَرُمَ جَمِيعُهُ وَلَا طَرِيقَ إلَى أَكْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ ظُفُرِ الْكَلْبِ وَنَابِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 110)
________________________________________
(فَرْعٌ)
لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَاصْطَادَ فَالصَّيْدُ لِمَالِكِهِ وَلَوْ غَصَبَ شَبَكَةً أَوْ قَوْسًا وَاصْطَادَ بِهِ فَالصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا وَلَوْ غَصَبَ كَلْبًا أَوْ صَقْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْجَوَارِحِ فَفِي صَيْدِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْغَاصِبِ
(وَالثَّانِي)
لِصَاحِبِ الْجَارِحَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لِلْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إنْ كَانَ مِمَّا تَجُوزُ إجَارَتُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِصَاحِبِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ مَا نَقَصَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَهَكَذَا حكم العبد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الصيد بالرمي لما روى أبو ثعلبة الخشني قال (قلت يارسول الله انا نكون في ارض صيد فيصيب أحدنا بقوسه الصيد ويبعث كلبه المعلم فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما لا ندرك ذكاته فقال صلى الله عليه وسلم ما ردت عليك قوسك فكل وما أمسك كلبك المعلم فكل) وان رماه بمحدد كالسيف والنشاب والمروة المحددة وأصابه بحده فقتله حل وان رمى بما لا حد له كالبندق والدبوس أو بماله حد فأصابه بغير حده فقتله لم يحل لما روى عدي بن حاتم قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الصيد المعراض قال (إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فانه) وقيذ وان رماه بسهم لا يبلغ الصيد وأعانه الريح حتى بلغه فقتله حل أكله لانه لا يمكن حفظ الرمى من الريح فعفي عنه وان رمى بسهم فأصاب الارض ثم ازدلف فأصاب الصيد فقتله ففيه وجهان بناء على القولين فيمن رمى إلى الغرض في المسابقة فوقع السهم دون الغرض ثم ازدلف وبلغ الغرض وان رمى طائرا فوقع على الارض فمات حل أكله لانه لا يمكن حفظه من الوقوع على الارض وان وقع في ماء فمات أو على حائط أو جبل فتردى منه ومات لم يحل لما روى عدى بن حاتم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فان وجدته ميتا فكل الا أن تجده قد وقع في الماء فمات فانك لا تدرى الماء قتله أو سهمك ")
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ " قُلْتُ يَا رسول الله
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 111)
________________________________________
إنَّا بِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي أَوْ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ فَمَا يَصْلُحُ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا صِدْت بِقَوْسِك فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ " (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ الْمَرْوَةُ الْمُحَدَّدَةُ هِيَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَهِيَ الْحَجَرُ - وَالْمِعْرَاضُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ وَلَا نَصْلَ وَقِيلَ هُوَ حَدِيدَةٌ وَقِيلَ هُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرْفِ وَالْوَقِيذُ - بِالْقَافِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - الْمَوْقُوذُ وَهُوَ الْمَضْرُوبُ بِالْعَصَا حَتَّى يَمُوتَ (وَقَوْلُهُ) كَالْبُنْدُقِ وَالدَّبُّوسِ هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ - جَمْعُهُ دَبَابِيسُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَأَنْشَدَ فِيهِ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ أَظُنُّهُ مُعَرَّبًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنْ أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ " هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ - أَيْ الْعَرْضُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الطُّولِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ الصَّيْدُ بِالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ الْمُحَدَّدَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِذَا رَمَى الصَّيْدَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ بِحَدِّ مَا رماه به كَالسَّهْمِ الَّذِي لَهُ نَصْلٌ مُحَدَّدٌ وَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالسِّنَانِ وَالْحَجَرِ الْمُحَدَّدَةِ وَالْخَشَبَةِ الْمُحَدَّدَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَدَّدَاتِ سِوَى الْعَظْمِ وَالظُّفُرِ حَلَّ أَكْلُهُ فَإِنْ أَصَابَهُ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ فَقَتَلَهُ كالبندقة والدبوس وحجر لاحد له وخشبة لاحد لَهَا أَوْ رَمَاهُ بِمَحْدُودٍ فَقَتَلَهُ بِعَرْضِهِ لَا بحده لم يحل لما ذكره الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ بِحَدِّ عَظْمٍ أَوْ ظُفُرٍ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ آلَةِ الذَّكَاةِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُحَدَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قَتَلَهُ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ جَرَحَهُ بِهِ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ رَمَى طَائِرًا بِبُنْدُقَةٍ فَقَطَعَتْ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ لَمْ يحل لقوله تعالى (والموقوذة) وَهَذِهِ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَمَاهُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ أَوْ بِمُحَدَّدٍ فَأَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَكَّاهُ حَلَّ وَإِنْ أَدْرَكَهُ ميتا أو فيه حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ لَمْ يَحِلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ مُحَدَّدَةٌ فَجَرَحَ الصَّيْدَ بِهَا حَلَّ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا
* هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِالسَّهْمِ الصَّيْدَ وَلَمْ يَقْصِدْهُ بِالْقِلَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْتُ) الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الذبح
(فرع)
لو رشق في الحيوان العصا وَنَحْوِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ إنْ كَانَ مُحَدَّدًا يَمُورُ مَوْرَ السَّهْمِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 112)
________________________________________
حَلَّ وَإِنْ كَانَ لَا يَمُورُ إلَّا مُسْتَكْرَهًا نُظِرَ إنْ كَانَ الْعُودُ خَفِيفًا قَرِيبًا مِنْ السَّهْمِ حَلَّ وَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَمْ يَحِلَّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ رَمَى الصَّيْدَ بِسَهْمٍ لَا يَبْلُغُهُ فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَبَلَغَهُ بِإِعَانَتِهَا وَلَوْلَاهَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ وَأَبْدَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ تَرَدُّدًا وَالْمَذْهَبُ الْحِلُّ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ ثُمَّ ازْدَلَفَ وَأَصَابَ الصَّيْدَ أَوْ أَصَابَ حَجَرًا فَنَبَا عَنْهُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ أَوْ نَفَذَ فِيهِ إلَى الصَّيْدِ أَوْ كَانَ الرَّامِي فِي نَزْعِ الْقَوْسِ فَانْقَطَعَ الْوَتَرُ وَصَدَمَ إلَى فَوْقٍ وَارْتَمَى السَّهْمُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ فَفِي حِلِّهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ في المسابقة (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَاتَ الصَّيْدُ بِسَبَبَيْنِ مُحَرَّمٌ وَمُبِيحٌ بِأَنْ مَاتَ مِنْ سهم وبندقة أَصَابَاهُ مِنْ رَامٍ أَوْ رَامِيَيْنِ أَوْ أَصَابَهُ طَرْفُ النَّصْلِ فَجَرَحَهُ ثُمَّ أَثَّرَ فِيهِ عَرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ مِنْهُمَا أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ سَهْمًا فَوَقَعَ عَلَى طَرْفِ سَطْحٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ أَوْ عَلَى جَبَلٍ فَتَدَهْوَرَ مِنْهُ أَوْ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ فَتَصَدَّمَ بِأَغْصَانِهَا أَوْ وَقَعَ عَلَى مُحَدَّدٍ مِنْ سِكِّينٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ جرحه فوقع عَلَى جَبَلٍ فَتَدَحْرَجَ مِنْهُ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ وَمَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ التَّدَحْرُجُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ بِخِلَافِ التَّدَهْوُرِ وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الطَّائِرَ فِي الهوا فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَعْدَهُ لانه لابد مِنْ الْوُقُوعِ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ قَائِمًا وَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَوْ زَحَفَ قَلِيلًا بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ وَمَاتَ فَهُوَ كَالْوُقُوعِ عَلَى الْأَرْضِ فَيَحِلُّ قَطْعًا وَلَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ بَلْ كَسَرَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ وَمَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ بِجُرْحٍ يحال الهلاك عليه ولو جرح جُرْحًا لَا يُؤَثِّرُ مِثْلُهُ لَكِنْ عَطَّلَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ وَمَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ جَرَحَهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ جُرْحًا ثَقِيلًا فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ وَمَاتَ نُظِرَ إنْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا سَبَقَ وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ وَقَعْرُ الْبِئْرِ كَالْأَرْضِ وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَصْدِمْهُ جِدَارُ الْبِئْرِ وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ عَلَى شَجَرَةٍ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ فَهُوَ
حَلَالٌ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غُصْنٍ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ حَلَالٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الِانْصِدَامُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 113)
________________________________________
بِالْأَغْصَانِ أَوْ بِأَحْرُفِ الْجَبَلِ عِنْدَ التَّدَهْوُرِ مِنْ أَعْلَاهُ كَالِانْصِدَامِ بِالْأَرْضِ لِأَنَّ الِانْصِدَامَ بِالْأَغْصَانِ وَالْأَحْرُفِ والتدهور ليس بلازم ولا غالب فلا تدعوا الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَلَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَالِانْصِدَامُ بِالْأَرْضِ لازم لابد مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الطَّيْرِ عَلَى الْبَحْرِ وَالِانْصِدَامِ بِطَرَفِ الْجَبَلِ إذَا كَانَ الصَّيْدُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا رَمَى طَيْرًا فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ وَيَكُونُ الْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الحلوى وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالتَّحْرِيمِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ بِالْحِلِّ فَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي هَوَاءِ الْبَحْرِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَانَ الرَّامِي فِي الْبَرِّ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ حَلَّ
* (فَرْعٌ)
جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هو فيما إذا لم ينته الصيد بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَإِنْ انْتَهَى إليها بقطع الحلقوم والمرئ أَوْ أَصَابَ كَبِدَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَلَالٌ وَقَدْ تَجِبُ ذَكَاتُهُ وَلَا أَثَرَ لِمَا يَعْرِضُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ وَتَدَهْوُرِهِ مِنْ الْجَبَلِ وَعَلَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ وَجُدَرَانِ الْبِئْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَرْسَلَ سَهْمَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَاهُ فَإِنْ أَصَابَاهُ مَعًا فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ أَصَابَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ بطرف فان أرمته الْأَوَّلُ وَلَمْ تُصِبْ الثَّانِي الْمَذْبَحَ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَرْمِهِ الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي حَلَّ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كلبين فارمته الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي لَمْ يَحِلَّ وَسَوَاءٌ قَطَعَ الْمَذْبَحَ أَمْ لَا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَهْمًا فان أرمته السَّهْمُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْكَلْبُ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ أرمته الْكَلْبُ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ الْمَذْبَحَ حَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا رَمَى طَائِرًا بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فِي الْحَالِ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَحِلُّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ رِوَايَةً كَمَذْهَبِنَا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَاتَّفَقُوا هُمْ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَقَطَ الصَّيْدُ المجروح جِرَاحَةً غَيْرُ مُذَفِّفَةٍ فِي الْمَاءِ وَمَاتَ لَا يحل للحديث الصحيح السابق
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 114)
________________________________________
قال المصنف رحمه الله
* (وان رمى صيدا أو أرسل عليه كلبا فعقره ولم يقتله نظرت فان أدركه ولم يبق فيه حياة مستقرة بأن شق جوفه وخرجت الحشوة أو أصاب العقر مقتلا فالمستحب أن يمر السكين على الحلق ليريحه فان لم يفعل حتى مات حل لان العقر قد ذبحه وإنما بقيت فيه حركة المذبوح وان كانت فيه حياة مستقرة ولكن لم يبق من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه حل وان بقي من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه فلم يذبحه أو لم يكن معه ما يذبحه به فمات لم يحل لما روى أبو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما رد عليك كلبك المكلب وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فدكه وان لم تدرك ذكاته فلا تأكل وما ردت عليك يدك وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فكله) وان عقره الكلب أو السهم وغاب عنه ثم وجده ميتا والعقر مما يجوز أن يموت منه ويجوز أن لا يموت منه فقد فقال الشافعي رحمه الله لا يحل إلا أن يكون خبر فلا رأى (فَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يحل لما روى عدى ابن حاتم قال (قلت يارسول الله إنى أرم الصيد فأطلبه فلا أجده إلا بعد ليلة قال) إذا رأيت سهمك فيه ولم يأكل منه سبع فكل) ولان الظاهر أنه مات منه لانه لم يعرف سبب سواه
(والثانى)
أنه لا يحل لما روى زياد بن أبى مريم قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي رميت صيدا ثم تغيب فوجدته ميتا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوام الارض كثير ولم يأمره بأكله) (ومنهم) من قال يؤكل قولا واحدا لانه قال لا يؤكل إذا لم يكن خبر وقد ثبت الخبر أنه أمر بأكله)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا وَسَبَقَ بَيَانُ لَفْظِهِ قَرِيبًا وَحَدِيثُ عَدِيٍّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (فَإِنْ وَجَدْته بَعْدَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِك فَشِئْت أَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ فَكُلْ) هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَغَابَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهِ إذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ لا للتحريم وأما حديث زياد ابن أَبِي مَرْيَمَ فَغَرِيبٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 115)
________________________________________
وَزِيَادٌ هَذَا تَابِعِيٌّ وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَهُوَ زِيَادُ ابن ابى مريم القرشى الاموى مولى عثمان ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الصَّيْدِ الَّذِي جَرَحَهُ ثُمَّ غَابَ
عَنْهُ وَلَمْ يَجِدْ أَثَرَ سَبَبٍ آخر شئ وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ نَظَرٌ (فَمِنْ) الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَامِرِ - يَعْنِي الشعبى أن اعرابيا أهدى لرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَبْيًا فَقَالَ (مِنْ أين أصبت هذا فقال رميته أَمْسِ فَطَلَبْته فَأَعْجَزَنِي حَتَّى أَدْرَكَنِي الْمَسَاءُ فَرَجَعْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اتَّبَعْتُ أَثَرَهُ فَوَجَدْتُهُ فِي غَارٍ أَوْ فِي أَحْجَارٍ وَهَذَا مِشْقَصِي فِيهِ أَعْرِفُهُ قَالَ بَاتَ عَنْكَ لَيْلَةً وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ هَامَّةٌ أَعَانَتْك عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِي فيه) رواه ابو داود في المراسل فَهُوَ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَيْدٍ فَقَالَ إنِّي رَمَيْتُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَعْيَانِي وَوَجَدْتُ سَهْمِي فِيهِ مِنْ الْغَدِ وَقَدْ عَرَفْتُ سَهْمِي فَقَالَ اللَّيْلُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عظيم لعله أعانك عليه شئ انبذها عنك) رواه أبو داود في المراسل قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو رَزِينٍ هَذَا اسْمُهُ مَسْعُودُ مَوْلَى شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ رَجُلٌ مَسْتُورٌ أَوْ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ (أَتَى أَعْرَابِيٌّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ فَأُصْمِيَ وَأُنْمِي فَكَيْفَ تَرَى فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصَمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْته) قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَصَمَيْتَ مَا قَتَلَتْهُ الْكِلَابُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وَمَا أَنْمَيْتَ مَا غَابَ عَنْكَ مَقْتَلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً مِنْ كَلْبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمُرْسِلُ حَيًّا نُظِرَ إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ كَانَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ أَوْ أَخَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ اُسْتُحِبَّ إمْرَارُ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ لِيُرِيحَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً فاضطربت أو غدت أَمَّا إذَا بَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ صَائِدِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَيَحِلَّ أَيْضًا لِلْعُذْرِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 116)
________________________________________
قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ كَلْبُكَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ)
(وَالثَّانِي)
أَنْ لَا يَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ فَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتَعَذَّرَ بِتَقْصِيرِهِ فَيَمُوتَ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا لَوْ تَرَدَّى بِئْرًا فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ حَرَامٌ (فَمِنْ) صُوَرِ الْحَالِ الاول ان يشتغل بأخذ الآلة ونيل السِّكِّينِ فَيَمُوتَ قَبْلَ إمْكَانِ
ذَبْحِهِ (وَمِنْهَا) أَنْ يَمْتَنِعَ بِمَا فِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ قُوَّةٍ وَيَمُوتَ قَبْلَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَجِدَ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ الذَّبْحُ فِيهِ (وَمِنْ) صُوَرِ الْحَالِ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ آلَةُ الذَّبْحِ أَوْ تَضِيعَ آلَتُهُ فَلَا يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ نَشِبَتْ السِّكِّينُ فِي الْغِمْدِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَرَامٌ لِتَقْصِيرِهِ فِي عَدَمِ تَأَمُّلِ السِّكِّينِ قَبْلَ هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ حَلَالٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي على ان أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرِيِّ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَوْ غَصَبَ الْآلَةَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَرَامٌ لِآنِهِ عُذْرٌ نَادِرٌ (وَالثَّانِي) حَلَالٌ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ سَبُعٌ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ اشْتَغَلَ بِتَحْدِيدِ السِّكِّينِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَلَالٌ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ تَحْدِيدِ السِّكِّينِ وَلَوْ كَانَ يَمُرُّ ظَهْرُ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ غَلَطًا فَمَاتَ فَحَرَامٌ بِتَقْصِيرِهِ وَلَوْ رَجَعَ الصَّيْدُ مُنَكَّسًا وَاحْتَاجَ إلى قبله لِيَقْدِرَ عَلَى الْمَذْبَحِ فَمَاتَ أَوْ اشْتَغَلَ بِتَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فَمَاتَ فَحَلَالٌ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِ الصَّيْدِ هَلْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَكَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَمْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَيَحِلُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِتَعَارُضِ الْأَصْلِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَلَالٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِمْكَانِ وَعَدَمُ التَّقْصِيرِ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدْوُ إلَى الصَّيْدِ إذا أصابه السَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ لَا يُكَلَّفُ الْمُبَالَغَةَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكْفِي الْمَشْيُ وعلى هذا الصحيح الذي قطع به الصيد لانى وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ مَشَى عَلَى هَيِّنَتِهِ وَأَدْرَكَهُ مَيِّتًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَسْرَعَ لَأَدْرَكَهُ حيا قال أمام الحرمين عندي أنه لابد مِنْ الْإِسْرَاعِ قُلْنَا لَا لِأَنَّ الْمَاشِيَ عَلَى هَيِّنَتِهِ خَارِجٌ عَنْ عَادَةِ الطَّالِبِينَ وَإِذَا شَرَطْنَا الْعَدْوَ فَتَرَكَهُ فَصَارَ الصَّيْدُ مَيِّتًا وَلَمْ يَدْرِ أَمَاتَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَسَعُ الْعَدْوَ بِحَيْثُ لو عدا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 117)
________________________________________
لَمْ يُدْرِكْهُ أَمْ بَعْدَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ قَرِيبًا فِي الشَّكِّ فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّكَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ متساويتين أو متفاوتين فَهُمَا حَلَالٌ وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ
بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ عُضْوًا كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ نُظِرَ إنْ أَبَانَهُ بِجِرَاحَةٍ مُذَفِّفَةٍ وَمَاتَ فِي الْحَالِ حَلَّ الْعُضْوُ وَبَاقِي الْبَدَنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُذَفِّفَةً وَأَدْرَكَهُ وَذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا مُذَفِّفًا فَالْعُضْوُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَبَاقِي الْبَدَنِ حَلَالٌ وَإِنْ أَثْبَتَهُ بِالْجِرَاحَةِ الْأُولَى فَقَدْ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ وَلَا تُجْزِئُ سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ وَلَوْ مَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَلَّ بَاقِي الْبَدَنِ وَفِي الْعُضْوِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَنْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ
(وَالثَّانِي)
تَحِلُّ لِأَنَّ الْجُرْحَ كَالذَّبْحِ لِلْجُمْلَةِ فَتَبِعَهَا الْعُضْوُ وَإِنْ جَرَحَهُ جِرَاحَةً أُخْرَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَإِنْ كَانَتْ مُذَفِّفَةً فَالصَّيْدُ حَلَالٌ وَالْعُضْوُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ حَلَالٌ أَيْضًا وَفِي الْعُضْوِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لَمْ تَتَجَرَّدْ ذَكَاةً لِلصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لَا يَحِلُّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَلَا أَثَرَ لِتَضَمُّخِهِ بِدَمِهِ فَرُبَّمَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ وَأَصَابَتْهُ جراحة أخري (أما) إذَا جَرَحَهُ سَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ ثُمَّ غَابَ الصَّيْدُ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنْ انْتَهَى بِذَلِكَ الْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ وَلَا أَثَرَ لِغَيْبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ نُظِرَ إنْ وَجَدَهُ فِي مَاءٍ أَوْ وَجَدَ عَلَيْهِ أَثَرَ صَدْمَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أُخْرَى وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ وَجَدَ الْكَلْبَ عَلَيْهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرٌ آخَرُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) يَحِلُّ قَطْعًا
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ قَطْعًا (وَأَشْهَرُهَا) على القولين (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ التَّحْرِيمُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ الْحِلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِيهِ وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِنَا إيضَاحُ دَلِيلِ الْجَمِيعِ (وَمَنْ) قَالَ بِالْإِبَاحَةِ يَتَأَوَّلُ كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَحَادِيثَ لَوْ صَحَّتْ فِي النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ (وَمَنْ) قَالَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَأَوَّلُ أَحَادِيثَ الْإِبَاحَةِ عَلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 118)
________________________________________
ما إذا ما انْتَهَى بِالْجِرَاحَةِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضعيف قال أصحابنا وتسمى هذه المسألة مَسْأَلَةَ الْإِيمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ جَرَحَ الصَّيْدَ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ فَغَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا
* فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ دَاوُد
* وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَوَارَى عَنْهُ الصَّيْدُ
وَالْكَلْبُ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَاشْتَغَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِهِ كَرِهْنَا أَكْلَهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَدْرَكَهُ مِنْ يَوْمِهِ أَكَلَهُ فِي الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ إذَا كَانَ فِيهِ أَثَرُ جَارِحَةٍ وَإِنْ غَابَتْ عَنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (إحْدَاهَا) يُؤْكَلُ
(وَالثَّانِي)
يُؤْكَلُ مَا لَمْ يبت عنه (والثالث) ان كانت الاصابة موجبة حَلَّ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
إذَا رَمَى الصَّيْدَ فَقَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ فَمَاتَ فَجَمِيعُهُ حَلَالٌ سَوَاءٌ كَانَتْ القطعتان سواء أو متفاوتتين وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتَا سَوَاءً أَوْ كَانَتْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ أَقَلَّ حَلَّ جَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ أَكْبَرَ حَلَّتْ وَحَرُمَتْ الْأُخْرَى وَقَالَ مَالِكٌ إذَا قَطَعَ وَسَطَهُ أَوْ ضَرَبَ عُنُقَهُ حَلَّ جَمِيعُهُ وَإِنْ قَطَعَ فَخِذَهُ حَرُمَتْ الْفَخِذُ وَحَلَّ الْبَاقِي
* دَلِيلُنَا أَنْ مَا كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كَانَ ذَكَاةً لِكُلِّهِ كموضع الاتفاق * قال المصنف رحمه الله
* (وان نصب أحبولة وفيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته الحديدة لم يحل لانه مات بغير فعل من جهة أحد فلم يحل)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَتْهُ الْأُحْبُولَةُ كَانَ فِيهَا سِلَاحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأُحْبُولَةُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - هُوَ مَا يُنْصَبُ لِلصَّيْدِ فَيَعْلَقُ بِهِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ شَبَكَةٍ أَوْ شَرَكٍ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا حِبَالَةٌ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - جَمْعُهَا حَبَائِلُ فَإِذَا وَقَعَ فِي الْأُحْبُولَةِ صَيْدٌ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكِّهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الصَّائِدِ إلَّا سَبَبٌ فَهُوَ كَمَنْ نَصَبَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 119)
________________________________________
سكينا فربضت عليها شاة ققطعت حَلْقَهَا فَإِنَّهَا حَرَامٌ قَطْعًا وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْحَبْلِ الَّذِي فِي الْأُحْبُولَةِ فِي يَدِهِ فَجَرَّهُ وَمَاتَ بِهِ الصَّيْدُ فَحَرَامٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْخَنِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ صَيْدِ الْأُحْبُولَةِ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يُدْرَكْ ذَكَاتُهُ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ إنْ كَانَ سَمَّى وقت نصبها * قال المصنف رحمه الله
* (وان ارسل سهما على صيد فأصاب غيره فقتله حل اكله لقوله صلى الله عليه وسلم لابي ثعلبة
(ما ردت عليك قوسك فكل) ولانه مات بفعله ولم يفقد الا القصد وذلك لا يعتبر في الذكاة والدليل عليه انه تصح ذكاة المجنون وان لم يكن له قصد فان ارسل كلبا على صيد فأصاب غيره فقتله نظرت فان أصابه في الجهة التى أرسله فيها حل لقوله صلى الله عليه وسلم (ما رد عليك كلبك ولم تدرك ذكاته فكل) وان عدل إلى جهة أخرى فأصاب صيدا غيره ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يحل وهو قول أبى اسحاق لان للكلب اختيارا فإذا عدل كان صيده باختياره فلم يحل كما لو استرسل بنفسه فأخذ الصيد ومن أصحابنا من قال يحل لان الكلب لا يمكن منعه من العدول في طلب الصيد)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا رَمَى صَيْدًا يَرَاهُ أولا يَرَاهُ لَكِنْ يَحُسُّ بِهِ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ أَشْجَارٍ مُلْتَفَّةٍ وَقَصَدَهُ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ بأن رمي وهو لا يرجوا صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ صَيْدًا فَبَنَى الرَّمْيَ بِأَنْ رَمَى فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَقَالَ رُبَّمَا أَصَبْتُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِحِلِّهِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ (وَالثَّالِثُ) إنْ تَوَقَّعَهُ بِظَنٍّ غَالِبٍ حَلَّ وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ تَجْوِيزٍ حَرُمَ وَلَوْ رَمَى إلَى سِرْبٍ مِنْ الظِّبَاءِ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهَا كَلْبًا فَأَصَابَ وَاحِدَةً مِنْهَا فَقَتَلَهَا فَهِيَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَصَدَ وَاحِدَةً مِنْهَا مُعَيَّنَةً بِالرَّمْيِ فَأَصَابَ غَيْرَهَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 120)
________________________________________
فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِحِلِّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الْحِلُّ) مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ حَالَةَ الرَّمْيِ يَرَى الْمُصَادَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْمُصَابُ مِنْ السِّرْبِ الَّذِي رَآهُ وَرَمَاهُ حَلَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ وَسَوَاءٌ عَدَلَ السَّهْمُ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي قَصَدَهَا إلَى غَيْرِهَا أَمْ لَمْ يَعْدِلْ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا يَعْتَقِدُهُ حَجَرًا وَكَانَ حَجَرًا فَأَصَابَ ظَبْيَةً فَفِي حِلِّهَا وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا تَحِلُّ وَبِهِ قَطَعَ الصيد لانى وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الشَّاخِصُ صَيْدًا وَمَالَ السَّهْمُ عنه وأصاب صيدا آخر ففيه الوجهان وأولى بِالتَّحْلِيلِ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا ظَنَّهُ خِنْزِيرًا وَكَانَ خنزيزا أَوْ كَانَ صَيْدًا فَلَمْ يُصِبْهُ وَأَصَابَ ظَبْيَةً لَمْ تَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ خِنْزِيرًا أَضْعَفُ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَبَانَ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا وَأَصَابَ السَّهْمُ صَيْدًا
قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اعْتَبَرْنَا ظَنَّهُ فِيمَا إذَا رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا فَكَانَ صَيْدًا وَأَصَابَ السَّهْمُ صَيْدًا آخَرَ وَقُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَهُنَا يَحِلُّ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَهُ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْحَقِيقَةَ وَقُلْنَا بِالْحِلِّ هُنَاكَ حَرُمَ هُنَا
* هَذَا كُلُّهُ فِي رَمْيِ السَّهْمِ أَمَّا إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ جِهَةِ الْإِرْسَالِ بَلْ كَانَ فِيهَا صَيُودٌ فَأَخَذَ غَيْرَ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يَحِلُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ كَمَا لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ عَدَلَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْحِلُّ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ تَكْلِيفِهِ تَرَكَ الْعُدُولَ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَوْ عَدَلَ فَتَبِعَهُ الْكَلْبُ وَقَتَلَهُ حَلَّ قَطْعًا
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ خَرَجَ عَادِلًا عَنْ الْجِهَةِ حَرُمَ وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهَا فَفَاتَهُ الصَّيْدُ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهَا وَصَادَ حَلَّ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حِذْقِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْجِعْ خَائِبًا وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ إذَا عَدَلَ وَظَهَرَ مِنْ عُدُولِهِ اخْتِيَارُهُ بِأَنْ امْتَدَّ فِي جِهَةِ الْإِرْسَالِ زَمَانًا ثُمَّ ظَهَرَ صَيْدٌ آخَرُ فَاسْتَدْبَرَ المرسل إليه وقصد الآخر والله أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 121)
________________________________________
قال المصنف رحمه الله
* (وان أرسل كلبا وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يحل لانه أرسله على غير صيد فلم يحل ما اصطاده كما لو حل رباطه فاسترسل بنفسه واصطاد وان أَرْسَلَ سَهْمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى صيدا فأصاب صيدا ففيه وجهان (قال) ابو اسحق يحل لانه قتله بفعله ولم يفقد الا القصد إلى الذبح وذلك لا يعتبر كما لو قطع شيئا وهو يظن أنه خشبة فكان حلق شاة (ومن) أصحابنا من قال لا يحل وهو الصحيح لانه لم يقصد صيدا بعينه فأشبه إذا نصب أحبولة فيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته وان كان في يده سكين فوقعت على حلق شاة فقتلها حل في قول أبى اسحق لانه حصل الذبح بفعله وعلى قول الآخر لا تحل لانه لم يقصد
* وان رأى صيدا فظنه حجرا أو حيوانا غير الصيد فرماه فقتله حل أكله لانه قتله بفعل قصده وانما جهل حقيقته والجهل بذلك لا يؤثر كما لو قطع شيئا فظنه غير الحيوان فكان حلق شاة وان أرسل علي ذلك كلبا فقتله ففيه وجهان
(أحدهما)
يحل كما يحل إذا رماه بسهم
(والثانى)
لا يحل لانه أرسله على غير صيد فأشبه إذا أرسله على غير شئ) (الشرح) قال اصحابنا إذا أَرْسَلَ كَلْبًا وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا فَاعْتَرَضَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَهُ فِي فَضَاءِ الْأَرْضِ لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ رَمَى إلَى هَدَفٍ فَاعْتَرَضَ صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ وَكَانَ لَا يَخْطِرُ لَهُ الصَّيْدُ أَوْ كَانَ يَرَاهُ وَلَكِنْ رَمَى إلَى هَدَفٍ أَوْ ذِئْبٍ وَلَمْ يَقْصِدْ الصَّيْدَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ لا يحل لعدم قصده
(والثانى)
يحل قاله أبو إسحق وَلَوْ كَانَ يَحُلُّ سَيْفَهُ فَأَصَابَ عُنُقَ شَاةٍ وقطع الحلقوم والمرئ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْحَالِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ مَيْتَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ وَلَوْ رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ جُرْثُومَةً أَوْ آدَمِيًّا مَعْصُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 122)
________________________________________
حَيَوَانًا آخَرَ مُحَرَّمًا فَكَانَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ أَوْ ظَنَّهُ صَيْدًا غَيْرَ مَأْكُولٍ فَكَانَ مَأْكُولًا أَوْ قَطَعَ فِي ظُلْمَةٍ مَا ظَنَّهُ ثَوْبًا فَكَانَ حلق شاة فانقطع الحلقوم والمرئ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا إلَى شَاخِصٍ يَظُنُّهُ حَجَرًا فَكَانَ صَيْدًا أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شئ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ذَبَحَ فِي ظُلْمَةٍ حَيَوَانًا فَظَنَّهُ مُحَرَّمًا وَكَانَ شَاةً فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَفِي الْجَمِيعِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ حَرَامٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَلَوْ رَمَى إلَى شَاتِه الرَّبِيطَةِ سَهْمًا جَارِحًا فَأَصَابَ الْحُلْقُومَ والمرئ وِفَاقًا وَقَطَعَهُمَا فَفِي حِلِّ الشَّاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَبْحِهَا.
احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الذَّبْحَ بِسَهْمِهِ وبين ان يقصد الشاة فيصيب المذبح وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ رَمَى شَيْئًا يَظُنُّهُ حَجَرًا وَكَانَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا حِلُّهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَ مالك لا يحل
* وقال محمد ابن الْحَسَنِ إنْ ظَنَّهُ حَجَرًا لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ ظَنَّهُ حَيَوَانًا مُحَرَّمًا كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ حَلَّ إلَّا أَنْ يَظُنَّهُ آدَمِيًّا فَلَا يَحِلَّ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ إذَا ظَنَّهُ إنْسَانًا لَمْ يَحِلَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا رَأَى خِنْزِيرًا بَرِّيًّا أَوْ أَسَدًا أَوْ ذِئْبًا وَكَانَ
ظَبْيًا حَلَّ
* وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحِلُّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَأَخَذَ غَيْرَهُ فِي طَرِيقِهِ وَسَمْتِهِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وداود لا يحل * قال المصنف رحمه الله
* (وان توحش أهلى أو ند بعير أو تردى في بئر فلم يقدر على ذكاته في حلقه فذكاته حيث يصاب من بدنه لما روي رافع بن خديج قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة وقد اصاب القوم غنما وابلا فند منها بعير فرمى بسهم فحبسه الله بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان هذه البهائم لها اوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) وقال ابن عباس رضى الله عنه " ما اعجزك من البهائم فهو بمنزلة الصيد ولانه يتعذر ذكاته في الحلق فصار كالصيد وان تأنس
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 123)
________________________________________
الصيد فذكاته ذكاة الاهلى كما ان الاهلى إذا توحش فذكاته ذكاة الوحشى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ رَافِعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الجزم فهو صحيح عنده (وقوله) ندهو - بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ - أَيْ هَرَبَ وَالْأَوَابِدُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ النُّفُورُ وَالتَّوَحُّشُ جَمْعُ آبِدَةٍ - بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْبَاءِ - وَيُقَالُ أَبَدَتْ - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالتَّخْفِيفِ - يَأْبُدُ وَيَأْبِدُ - بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا - وَتَأَبَّدَتْ أَيْ تَوَحَّشَتْ وَنَفَرَتْ مِنْ الْإِنْسِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الْمَأْكُولُ الَّذِي لا تحل ميتة ضَرْبَانِ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَمُتَوَحِّشٌ فَالْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْإِنْسِيُّ وَالْوَحْشِيُّ إذَا قَدَرَ عَلَى ذَبْحِهِ بِأَنْ أَمْسَكَ الصَّيْدَ أَوْ كَانَ مُتَوَحِّشًا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ لِمَا ذكره المصنف
* وأما المتوحش كالصيد فجيع أجزائه مذبح مادام مُتَوَحِّشًا فَإِذَا رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ بِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ تَوَحَّشَ إنْسِيٌّ بِأَنْ نَدَّ بَعِيرٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ شَرَدَتْ شَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَهُوَ كَالصَّيْدِ يَحِلُّ بِالرَّمْيِ إلَى غَيْرِ مَذْبَحِهِ وَبِإِرْسَالِ الْكَلْبِ مِنْ الْجَوَارِحِ عَلَيْهِ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ النَّادِّ فِي حِلِّهِ بِالرَّمْيِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حِلِّهِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا
الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) عندهم حتى البحر وَالْمُسْتَظْهَرَيْ التَّحْرِيمُ (وَاخْتَارَ) الْبَصْرِيُّونَ الْحِلَّ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاتِ بَلْ مَتَى تَيَسَّرَ اللُّحُوقُ بِعَدْوٍ أَوْ اسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يُمْسِكُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ تَوَحُّشًا وَلَا يَحِلُّ حِينَئِذٍ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْبَعِيرَ وَنَحْوَهُ كَالصَّيْدِ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الذَّبْحَ فِي الْحَالِ فَتَكْلِيفُهُ الصَّبْرَ إلَى الْقُدْرَةِ يَشُقُّ عَلَيْهِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالصَّيْدِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا حَالَةٌ عَارِضَةٌ قَرَّبَتْهَا لَهُ قَالَ لَكِنْ لَوْ كَانَ الصَّبْرُ وَالطَّلَبُ يُؤَدِّي إلَى مَهْلَكَةٍ أَوْ مَسْبَعَةٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى مَوْضِعِ لُصُوصٍ وَعَصَبَاتٍ مترصدين فوجهان
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 124)
________________________________________
الفرق أَنَّ تَصَرُّفَهُمْ وَإِتْلَافَهُمْ مُتَدَارَكٌ بِالضَّمَانِ
* هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي كَيْفِيَّةِ الْجَرْحِ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ فِي النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَكْفِي جُرْحٌ يفضي إلى الزهوق كيف كان
(والثانى)
لابد مِنْ جُرْحٍ مُذَفِّفٍ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ
* (فَرْعٌ)
حَيْثُ جَرَحَ النَّادَّ وَالْمُتَرَدِّيَ فَقَتَلَهُ حَلَّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي فَخِذِهِ أَوْ خَاصِرَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ بَدَنِهِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ طَعَنْتَ خَاصِرَتَهُ لَحَلَّتْ لَكَ) قَالَ فَقَالَ الْمَرَاوِزَةُ خَصَّصَ الْخَاصِرَةَ لِيَكُونَ الْجُرْحُ مُذَفِّفًا فَلَا يَجُوزُ جُرْحٌ آخَرُ وَإِنْ كَانَ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَكْفِي كُلُّ جِرَاحَةٍ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ هَذَا لَفْظُهُ فِي الْوَسِيطِ وَفِيهَا مُنْكَرَاتٌ (مِنْهَا) تَغْيِيرُ الْحَدِيثِ (وَمِنْهَا) تَغْيِيرُ الْحُكْمِ (أَمَّا) الْحَدِيثُ فَقَدْ سَبَقَ بِإِنْكَارِهِ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو ابن الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ هَذَا اخْتِصَارٌ مِنْ الْغَزَالِيِّ لِحَدِيثٍ اسْتَدَلَّ بِهِ فِي ذَلِكَ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا يُعْرَفُ بابى العسراء تَرَدَّى لَهُ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ فَهَلَكَ فَرُفِعَتْ الْقِصَّةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (لابي العسراء وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي خَاصِرَتِهَا لَحَلَّتْ لَكَ) قال أَبُو عَمْرٍو وَفِيمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثَلَاثَةُ أَغْلَاطٍ
وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ حماد ابن أبى سلمة عن أبى العسراء الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ (وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتهَا فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ في كتبهم المعتمدة وأبى العسراء - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ الشُّعَرَاءِ - اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِيمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْغَلَطُ مِنْ أَوْجُهٍ (أحدها) جعله أبا العسراء هُوَ الَّذِي خَاطَبَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ أبوه وأبو العسراء تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ
(وَالثَّانِي)
فِي ذِكْرِهِ تَرَدَّى الْبَعِيرُ فِي بِئْرٍ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ وانما هو
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 125)
________________________________________
تفسير من أهل العلم للحديث قالوا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي التَّرَدِّي فِي الْبِئْرِ وَأَشْبَاهِهِ وان كان الشيخ أبو حامد الاسفرايني قَدْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ دُونَ ذِكْرِ التَّرَدِّي وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَمَا تَصْلُحُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ (وَالثَّالِثُ) فِي قَوْلِهِ (لَوْ طَعَنْتَ فِي خَاصِرَتِهَا) وَإِنَّمَا قَالَ (فِي فَخِذِهَا) وَذِكْرُ الْخَاصِرَةِ وَرَدَ فِي أَثَرٍ رَوَيْنَاهُ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ (تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَطُعِنَ فِي شَاكِلَتِهِ فَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهِ) وَالشَّاكِلَةُ الْخَاصِرَةُ وَلَا يَثْبُتُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَا رَامَهُ الْمَرَاوِزَةُ مِنْ تَخْصِيصِ الْخَاصِرَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَالصَّحِيحُ إذَنْ قَوْلُ غَيْرِهِمْ إنَّهُ يَكْفِي فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا) هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مداره على أبى العسراء قَالُوا وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِعِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَجَاعَةٍ وَنَحْوِ ذلك ولم يوجد شئ من هذا الاستثناء في أبى العسراء فَهُوَ مَجْهُولٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لِأَبِي العسراء عَنْ أَبِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ في تاريخه في حديث أبى العسراء وَسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَالصَّوَابُ أَنَّهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ جَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْهُ حَلَّ سَوَاءٌ الْخَاصِرَةُ وَالْفَخِذُ وَغَيْرُهُمَا لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ
وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُخَصِّصٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ فِي كُلِّ مَعْجُوزٍ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَيَتَعَيَّنُ رَدُّ مَا حُكِيَ عَنْ الْمَرَاوِزَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَقَعَ بَعِيرَانِ فِي بِئْرٍ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ فَطُعِنَ الْأَعْلَى فَمَاتَ الْأَسْفَلُ بِثِقَلِهِ حَرُمَ الْأَسْفَلُ فَلَوْ تَعَدَّتْ الطَّعْنَةُ فَأَصَابَتْهُ أَيْضًا حَلَّا جَمِيعًا فَإِنْ شَكَّ هَلْ مَاتَ بِالطَّعْنَةِ النَّافِذَةِ أَمْ بِالثِّقَلِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 126)
________________________________________
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الطَّعْنَةَ أَصَابَتْهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ حَلَّ وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَصَابَتْهُ قَبْلَ مُفَارِقَةِ الرُّوحِ أَمْ بَعْدَهَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَبْدِ الْغَائِبِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ هَلْ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَمَى حَيَوَانًا غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَصَارَ مَقْدُورًا فَأَصَابَ غَيْرَ الْمَذْبَحِ لَمْ يَحِلَّ وَلَوْ رَمَى مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَصَارَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَأَصَابَ غَيْرَ مَذْبَحِهِ حَلَّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا تَوَحَّشَ الْحَيَوَانُ الْإِنْسِيُّ الْمَأْكُولُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ كَالْبَعِيرِ النَّادِّ أَوْ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَعَجَزَ عَنْ عَقْرِهِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ
* فَمَذْهَبُنَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ مَحِلٌّ لِذَكَاتِهِ فَحَيْثُ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَبِهِ قال جمهور العلماء منهم على ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عباس وطاووس وعطاء والشعبى والحسن البصري والاسود ابن يَزِيدَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَالِكٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاتِهِ فِي مَوْضِعِ الذَّبْحِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ وَلَا يَتَغَيَّرُ مَوْضِعُ الذَّكَاةِ بِتَوَحُّشِهِ وَتَرَدِّيه
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خديج السابق * قال المصنف رحمه الله
* (وان ذكى ما يؤكل لحمه ووجد في جوفه جنينا ميتا حل اكله لما روى أبو سعيد قال قلنا يارسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفى بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله فقال (كلوه ان شئتم فان ذكاته ذكاة امه) ولان الجنين لا يمكن ذبحه فجعل ذكاة الام ذكاة له وان خرج الجنين حيا وتمكن من ذبحه لم يحل من غير ذبح وان مات قبل ان يتمكن
من ذكاته حل)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا والترمذي وابن ماجه من رواية مجاهد عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 127)
________________________________________
قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
* هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَعَ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد مَدَارُهَا علي مخالد وهو ضعيف لا يحتج به وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَلَعَلَّهُ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ تُقَوِّي بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَيَصِيرُ حَسَنًا كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا جَرَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ
* وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَرْفُوعًا فَقَدْ تَعَاضَدَتْ طُرُقُهُ كَمَا تَرَى فَلِهَذَا صَارَ حَدِيثًا حَسَنًا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* وَقَوْلُهُ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) هُوَ بِالرَّفْعِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ تَقْدِيرُهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ
* (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا ذَبَحَ الْمَأْكُولَةَ فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا جَنِينًا مَيِّتًا فَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَشَعَرَ أَمْ لَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا سَكَنَ فِي الْبَطْنِ عَقِبَ ذَبْحِ الْأُمِّ أَمَّا إذَا بَقِيَ زَمَنًا طَوِيلًا يَضْطَرِبُ وَيَتَحَرَّكُ ثُمَّ سَكَنَ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ جُرِحَ الْجَنِينُ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ ثُمَّ مَاتَ حَلَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الَّذِي مَاتَ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَإِنْ جُرِحَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَأَمْكَنَ ذَبْحُهُ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَلَالٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قِيَاسًا عَلَى الصَّيْدِ وَلَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ثُمَّ ذُبِحَتْ الْأُمُّ فَمَاتَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ يَحِلُّ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْوَلَدِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ فِي الْعِدَّةِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ لَا يَحِلُّ
إلَّا بِذَبْحِهِ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَخْرَجَ رِجْلَهُ فقياس ما قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ يَجْرَحُهُ بِسِكِّينٍ وَنَحْوِهِ لِيَحِلَّ كَمَا لَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَلَوْ وجد في جوف المذكاة مضغة لم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 128)
________________________________________
تبين فيها الصورة ولا تشكلت الاعضاء ففحلها وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَثُبُوتِ حكم الاستيلاد والله أعلم
* (فر) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّ الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ إذَا ذُكِّيَ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ جَنِينٌ مَيِّتٌ حَلَّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الامصار إلا أبا حنيفة وزفر فقال لَا يَحِلُّ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى
* وَقَالَ مالك من خَرَجَ مَيِّتًا تَامَّ الْخَلْقِ وَتَمَّ شَعْرُهُ فَحَلَالٌ بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَحَرَامٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ النَّاسُ عَلَى إبَاحَتِهِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ مَا قَالُوهُ إلَى أَنْ جَاءَ أَبُو حَنِيفَةَ فَحَرَّمَهُ وَقَالَ ذَكَاةُ نَفْسٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ قَالَ فِي كِتَابٍ آخَرَ لَهُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ أبا حَنِيفَةَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَصْحَابَهُ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى إبَاحَتِهِ لَكِنْ اشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِشْعَارَ
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ ذَكَاةَ حَيَوَانٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ حَيَوَانٍ آخَرَ قَالَ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) أَيْ ذَكَاتُهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ أَيْ ذَكُّوهُ كَمَا تُذَكُّونَ أُمَّهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّيْدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِنَا وَمُبْطِلٌ لِتَأْوِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْجَنِينِ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ وَذَبْحُهُ فِي الْبَطْنِ لَا يُمْكِنُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُذَكَّى كَذَكَاةِ أُمِّهِ بَلْ ذَكَاةُ أُمِّهِ كَافِيَةٌ فِي حِلِّهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا (ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَنِينِ مَزِيَّةٌ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ فيتبعها في الذكاة كالاعضاء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (إذا أثبت صيدا بالرمي أو بالكلب فازال امتناعه ملكه لانه حبسه بفعله فملكه كما لو أمسكه
بيده فان رماه اثنان واحد بعد واحد فهو لمن اثبته منهما فان ادعى كل واحد منهما انه هو الذي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 129)
________________________________________
سبق وأزال امتناعه وان الآخر رماه فقتله فعليه الضمان لم يحل أكله لانهما اتفقا على أنه قتل بعد امكان ذبحه فلم يحل ويتحالفان فإذا حلف برئ كل واحد منهما مما يدعي الآخر وان اتفقا على ان أحدهما هو السابق غيران السابق ادعى انه هو الذى أثبته بسهمه وادعى الآخر أنه بقى على الامتناع إلى ان رماه هو فالقول قول الثاني لان الاصل بقاؤه على الامتناع وان كان الصيد مما يمتنع بالرجل والجناح كالقبح والقطا فرماه احدهما فاصاب الرجل ثم رماه الآخر فاصاب الجناح ففيه وجهان (احدهما) أنه يكون بينهما لانه زال الامتناع بفعلهما فتساويا
(والثانى)
انه للثاني وهو الصحيح لان الامتناع لم يزل الا بفعل الثاني فوجب أنه يكون له)
* (الشرح) في الفصل مسألتان (إحداهما) فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ (وَالثَّانِيَةُ) فِي الِازْدِحَامِ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَنُؤَخِّرُ شَرْحَهَا وَنَذْكُرُهُ مَعَ الْفَصْلَيْنِ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا الْأُولَى) فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِطُرُقٍ (مِنْهَا) أَنْ يَضْبُطَهُ بِيَدِهِ فَيَمْلِكَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قصد التملك في أخده بِيَدِهِ حَتَّى لَوْ أَخَذَ صَيْدًا لِيَنْظُرَ إلَيْهِ مَلَكَهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ سَعَى وَرَاءَ صَيْدٍ لِيَأْخُذَهُ فَوَقَفَ الصَّيْدُ لِلْإِعْيَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ (وَمِنْهَا) أَنْ يَجْرَحَهُ جِرَاحَةً مُذَفِّفَةً أَوْ رَمْيَةً مُثْخِنَةً أَوْ يَرْمِيَهُ فَيَمْلِكَهُ وَكَذَا إنْ كَانَ طَائِرًا فَكَسَرَ جَنَاحَهُ فَعَجَزَ عَنْ الْعَدْوِ وَالطَّيَرَانِ جَمِيعًا قَالُوا وَيَكْفِي الْمُتَمَلِّكَ إبْطَالُ شِدَّةِ الْعَدْوِ وَصَيْرُورَتُهُ بِحَيْثُ يَسْهُلُ لِحَاقُهُ وَلَوْ جَرَحَهُ فَعَطِشَ وَثَبَتَ لَمْ يَمْلِكْهُ إنْ كَانَ عَطَشُهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ مَلَكَهُ لِأَنَّ عَجْزَهُ بِالْجِرَاحَةِ (وَمِنْهَا) لو نصب شبكة ونحوها لصيد فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ فَلَوْ طَرَدَهُ طَارِدٌ فَوَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ لَا للطارد وقال الماوردى وغيره ولو وقع طائر فِي الشَّبَكَةِ ثُمَّ تَقَطَّعَتْ الشَّبَكَةُ فَأَفْلَتَ وَذَهَبَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَطْعِ الصَّيْدِ الْوَاقِعِ فِيهَا عَادَ مُبَاحًا فَيَمْلِكُهُ مَنْ صَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ تُثَبِّتْهُ شَبَكَتْهُ وَإِلَّا فَيَمْلِكُهُ صَاحِبُ الشَّبَكَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي بَابِ الْبِئْرِ لَوْ وَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ فَأَفْلَتَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 130)
________________________________________
الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ تَغَفَّلَ الصَّيْدَ بِالشَّبَكَةِ ثُمَّ قَلَعَ الشَّبَكَةَ وَذَهَبَ بِهَا فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ نُظِرَ إنْ كَانَ يَعْدُو وَيَمْتَنِعُ مَعَ الشَّبَكَةِ فَلَهُ الْأَخْذُ فَإِنْ أَبْطَلَ ثِقَلُ الشَّبَكَةِ امْتِنَاعَهُ بِحَيْثُ تَيَسَّرَ أَخْذُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ وَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ (وَمِنْهَا) إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَثْبَتَ صَيْدًا " مَلَكَهُ الْمُرْسِلُ فَلَوْ أَرْسَلَ سَبُعًا " آخَرَ فَعَقَرَهُ وَأَثْبَتَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ لَهُ عَلَى السَّبُعِ يَدٌ مَلَكَ الصَّيْدَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَفْلَتَ الصيد بعد ما أَخَذَهُ الْكَلْبُ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا زَالَ امْتِنَاعُهُ فَعَلَى هَذَا يَمْلِكُهُ مَنْ صَاحَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) إذَا أَلْجَأَهُ إلَى مَضِيقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِفْلَاتِ مِنْهُ مَلَكَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُدْخِلَهُ بَيْتًا وَنَحْوَهُ وَلَوْ اضْطَرَّ سَمَكَةً إلَى بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَوْضٍ صَغِيرٍ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ اضْطَرَّ الصَّيْدَ إلَى بَيْتٍ
* وَالصَّغِيرُ هُوَ مَا يَسْهُلُ أَخْذُهَا مِنْهُ وَلَوْ اضْطَرَّهَا إلَى بِرْكَةٍ وَاسِعَةٍ يُعْسَرُ أَخْذُهَا مِنْهَا أَوْ دَخَلَتْهَا السَّمَكَةُ فَسَدَّ مَنَافِذَهَا فَفِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِيمَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ مِلْكَهُ (فَإِنْ قلنا) بالاصح أنه لا يَمْلِكُهُ بِالدُّخُولِ فَسَدَّ مَنَازِلَ الْبِرْكَةِ مَلَكَ السَّمَكَةَ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى ضَبْطِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تُرْجَعُ جَمِيعُ هَذِهِ الطُّرُقِ إلَى شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ سَبَبُ مِلْكِ الصَّيْدِ إبْطَالُ زَوَالِ امْتِنَاعِهِ وَحُصُولُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَوَحَّلَ صَيْدٌ بِأَرْضِ إنْسَانٍ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَمْلِكُهُ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِسَقْيِ الْأَرْضِ الِاصْطِيَادَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَقْيُ الْأَرْضِ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ وَتَوَحُّلُ الصَّيُودِ فَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ فَهُوَ كَنَصْبِ الشَّبَكَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرُّويَانِيُّ لِأَرْضِ الشَّخْصِ بَلْ قَالَ لَوْ تَوَحَّلَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ لِأَنَّ الطِّينَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَوْ كَانَ هُوَ أَرْسَلَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ مَلَكَهُ لِأَنَّ الْوَحْلَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَالشَّبَكَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَائِدًا إلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ قَصْدِ الِاصْطِيَادِ بِالسَّقْيِ وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ في أرض
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 131)
________________________________________
وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَوْ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ طَائِرٌ وَبَاضَ وَفَرَّخَ وَحَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْبَيْضِ وَالْفَرْخِ لَمْ
يَمْلِكْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
يَمْلِكُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ حَفَرَ حُفْرَةً لَا لِلصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ مَلَكَ مَا وَقَعَ فِيهَا وَلَوْ أَغْلَقَ بَابَ الدَّارِ لِئَلَّا يَخْرُجَ صَارَ مِلْكًا لَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالدَّارِ فَهُوَ أَوْلَى بِمِلْكِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلَ مِلْكَهُ وَيَأْخُذَهُ فَإِنْ فَعَلَ فهل يملكه فيه وجهان كمن يحجز مَوَاتًا وَأَحْيَاهُ غَيْرُهُ هَلْ يَمْلِكُهُ وَهَذِهِ الصُّوَرُ أولى بثبوت الملك لان الحجز لِلْإِحْيَاءِ وَلَا يُقْصَدُ بِبِنَاءِ الدَّارِ وُقُوعُ الصَّيْدِ فِيهَا (وَالْأَصَحُّ) فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْمُحْيِيَ وَآخِذَ الصَّيْدِ يَمْلِكَانِ وَإِنْ كَانَا غَاصِبَيْنِ بِتَفْوِيتِ حَقِّ المتحجز وَصَاحِبِ الْأَرْضِ
* وَلَوْ قَصَدَ بِبِنَاءِ الدَّارِ تَعْشِيشَ الطَّيْرِ فَعَشَّشَ فِيهَا طَيْرٌ أَوْ وَقَعَتْ الشَّبَكَةُ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَتَغَفَّلَ فِيهَا صَيْدٌ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْأُولَى قَصْدٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَفِي الثَّانِيَةِ حَصَلَ الِاسْتِيلَاءُ بِمِلْكِهِ لَكِنَّهُ بِلَا قَصْدٍ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَمْلِكُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ بُسْتَانَ غَيْرِهِ أَوْ دَارِهِ وَصَادَ فِيهِ طَائِرًا أَوْ غَيْرَهُ مَلَكَهُ الصَّائِدُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارَ إنْسَانٍ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَأَغْلَقَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَلَا الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَمْ يَحْصُلْ الصَّيْدُ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَنْ غَصَبَ شَبَكَةً وَاصْطَادَ بِهَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَخَذَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ صَيْدًا بِغَيْرِ إرْسَالٍ ثُمَّ أَخَذَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ فَمِهِ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ
* وَاحْتَجُّوا لِلْأَوَّلِ بِمَا لَوْ أَخَذَ فَرْخَ طَائِرٍ مِنْ شَجَرِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْآخِذَ يَمْلِكُهُ وَأَمَّا الْكَلْبُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ فَأَخَذَ صَيْدًا فَأَخَذَهُ مِنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَهُوَ حَيٌّ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْسِلِ وَيَكُونَ إرْسَالُهُ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ تَغَفَّلَ بِهَا الصَّيْدُ قَالَ فَاحْتُمِلَ خِلَافُهُ لِأَنَّ لِلْكَلْبِ اختيارا * قال المصنف رحمه الله
* (وان رمى الصيد اثنان أحدهما بعد الآخر ولم يعلم باصابة من منهما صار غير ممتنع فقد قال في
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 132)
________________________________________
المختصر انه يؤكل ويكون بينهما فحمل أبو إسحق هذا على ظاهره فقال يحل أكله لان الاصل انه بقي بعد عقر الاول على الامتناع إلى أن قتله الآخر فيحل ويكون بينهما لان الظاهر أنهما مشتركان
فيه بحكم اليد ومن أصحابنا من قال ان بقى على الامتناع حتى رماه الآخر فقتله حل وكان للثاني وان زال امتناعه بالاول فهو للاول ولا يحل بقتل الثاني لانه صار مقدورا عليه فيجب أن يتأول عليه إذا لم يمتنع الصيد حتى أدركه وذكاه فيحل واختلفا في السابق منهما فيكون بينهما فان رمي رجل صيدا فأزال امتناعه ثم رماه الآخر نظرت فان أصاب الحلقوم والمرئ فقتله حل أكله لانه قد صار ذكاته في الحلق واللبة وقد ذكاة في الحلق واللبة ويلزمه للاول ما بين قيمته مجروحا ومذبوحا كما لو ذبح له شاة مجروحة وان أصاب غير الحلق واللبة نظرت فان وحاه لم يحل أكله لانه قد صار ذكاته في الحلق واللبة فقتله بغير ذكاة فلم يحل ويجب عليه قيمته لصاحبه مجروحا كما لو قتل له شاة مجروحة فان لم يوحه وبقى مجروحا ثم مات نظرت فان مات قبل أن يدركه صاحبه أو بعد ما أدركه وقبل أن يتمكن من ذبحه وجب عليه قيمته مجروحا لانه مات من جنايته وان أدركه وتمكن من ذبحه فلم يذبحه حتى مات لم يحل أكله لانه ترك ذكاته في الحلق مع القدرة واختلف أصحابنا في ضمانه فقال أبو سعيد الاضطخرى تجب عليه قيمته مجروحا لانه لم يوجد من الاول أكثر من الرمى الذى ملك به وهو فعل مباح وترك ذبحه إلى أن مات وهذا لا يسقط الضمان كما لو جرح رجل شاة لرجل فترك صاحبها ذبحها حتى ماتت (والمذهب) أنه لا يجب عليه كمال القيمة لانه مات بسببين محظورين جناية الثاني وسراية جرح الاول فالسراية كالجناية في ايجاب الضمان فيصير كأنه مات من جناية اثنين وما هلك بجناية اثنين لا يجب على أحدهما كمال القيمة وإذا قلنا بهذا قسم الضمان على الجانبين فما يخص الاول يسقط عن الثاني ويجب عليه الباقي ونبين ذلك في جنايتين مضمونتين ليعرف ما يجب على كل واحد منهما فما وجب على الاول منهما من قيمته أسقطناه عن الثاني فنقول إذا كان لرجل صيد قيمته عشرة فجرحه رجل جراحة نقص من
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 133)
________________________________________
قيمته درهم ثم جرحه آخر فنقص درهم ثم مات ففيه لاصحابنا ستة طرق (أحدها) وهو قول المزني أنه يجب على كل واحد منهما أرش جنايته ثم تجب قيمته بعد الجنايتين بينهما نصفان فيجب على الاول درهم وعلى الثاني درهم ثم تجب قيمته بعد الجنايتين وهى ثمانية بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة فيحصل على كل واحد منهما
خمسه لان كل واحد منهما انفرد بجنايته فوجب عليه أرشها ثم هلك الصيد بجنايتهما فوجب عليهما قيمته
(والثانى)
وهو قول أبى اسحق أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته يوم الجناية ونصف أرش جنايته فيجب على الاول خمسة دراهم ونصف وسقط عنه النصف لان أرش الجناية يدخل في النفس وقد ضمن نصف النفس والجناية كانت على النصف الذى ضمنه وعلى النصف الذي ضمنه الآخر فما حصل على النصف الذى ضمنه يدخل في الضمان فيسقط وما حصل على النصف الذى ضمنه الآخر يلزم فيحصل عليه خمسة دراهم ونصف والآخر جنى وقيمته تسعة فيلزمه نصف قيمته أربعة ونصف وأرش جنايته درهم فيدخل نصفه في النصف الذى ضمنه ويبقى النصف لاجل النصف الذى ضمنه الاول فيجب عليه خمسة دراهم ثم يرجع الاول على الثاني بنصف الارش الذى ضمنه وهو نصف درهم لان هذا الارش وجب بالجناية على النصف الذى ضمنه الاول وقد ضمن الاول كمال قيمة النصف فرجع بأرش الجناية عليه كرجل غصب من رجل ثوبا فخرقه رجل ثم هلك الثوب وجاء صاحبه وضمن الغاصب كمال قيمة الثوب فانه يرجع على الجاني بارش الخرق فيحصل على الاول خمسة دراهم وعلى الثاني خمسة دراهم فهذا يوافق قول المزني في الحكم وان خالفه في الطريق (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال الجناية ونصف أرش جنايته ويدخل النصف فيما ضمنه صاحبه كما قال أبو إسحق إلا أنه قال لا يعود من الثاني إلى الاول شئ ثم ينظر لما حصل على كل واحد منهما ويضم بعضه إلى بعض وتقسم عليه العشرة فيجب على الاول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني خمسة دراهم فذلك عشرة ونصف فتقسم العشرة على عشرة ونصف فما يخص خمسة ونصفا يجب على الاول وما يخص خمسا يجب على الثاني (والرابع)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 134)
________________________________________
ما قال بعض أصحابنا أنه يجب علي الاول ارش جنايته ثم تجب قيمته بعد ذلك بينهما نصفين ولا يجب على الثاني أرش جنايته فيجب على الاول درهم ثم تجب التسعة بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة دراهم ونصف فيحصل على الاول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني أربعة دراهم ونصف لان الاول انفرد بالجناية فلزمه أرشها ثم اجتمع جناية الثاني وسراية الاول فحصل الموت منهما فكانت القمية بينهما
(والخامس) ما قال بعض أصحابنا أن الارش يدخل في قيمة الصيد فيجب على الاول نصف قيمته حال الجناية وهو خمسة وعلى الثاني نصف قيمته حال الجناية وهو أربعة ونصف ويسقط نصف درهم قال لانى لم أجد محلا أوجبه فيه (والسادس) وهو قول أبى على بن خيران وهو أن أرش جناية كل واحد منهما يدخل في القيمة فتضم قيمة الصيد عند جناية الاول إلى قيمة الصيد عند جناية الثاني فتكون تسعة عشر ثم تقسم العشرة على ذلك فما يخص عشرة فهو على الاول وما يخص تسعة فهو على الثاني وهذا أصح الطرق لان أصحاب الطرق الاربعة لا يدخلون الارش في بدل النفس وهذا لا يجوز لان الارش يدخل في بدل النفس وصاحب الطريق الخامس يوجب في صيد قيمته عشرة تسعة ونصفا ويسقط من قيمته نصف درهم وهذا لا يجوز
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ مَعَ الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ مُرْتَبِطَةٌ وَمَسَائِلُهَا مُتَدَاخِلَةٌ وَهِيَ مُتَشَعِّبَةٌ وَقَدْ لَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْقُلُ مَا ذَكَرَهُ وَأَضُمُّ إلَيْهِ مَا تَرَكَهُ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ الِاشْتِرَاكُ فِي الصَّيْدِ وَالِازْدِحَامِ عَلَيْهِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (الْحَالُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَتَعَاقَبَ جُرْحَانِ مِنْ اثْنَيْنِ فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُذَفِّفًا وَلَا مُزْمِنًا بَلْ بَقِيَ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَكَانَ الثَّانِي مذففا أو مزمنا فالصيد للثاني ولا شئ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِجِرَاحَتِهِ وَإِنْ كَانَ جُرْحُ الْأَوَّلِ مُذَفِّفًا فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ بِرَمْيِهِ وَإِنْ كَانَ جُرْحُ الْأَوَّلِ مُزْمِنًا مَلَكَ الصَّيْدَ بِهِ وَنُفَصِّلُ فِي الثَّانِي فَإِنْ ذَفَّفَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ والمرئ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِي لِلْأَوَّلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا وَمُزْمِنًا قَالَ الْإِمَامُ إنَّمَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 135)
________________________________________
مُسْتَقِرَّةٌ وَإِنْ كَانَ مُتَأَلِّمًا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُذْبَحْ لَهَلَكَ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ بالذبح شئ فان ذفف الثاني لا بقطع الحلقوم والمرئ أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَهُوَ صَيْدٌ وكذا الحكم رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَزْمَنَهُ ثُمَّ رَمَى إلَيْهِ ثَانِيًا وَذَفَّفَ لَا بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي كَمَالُ قِيمَةِ الصَّيْدِ مَجْرُوحًا إنْ كَانَ ذَفَّفَ فَإِنْ كَانَ جُرْحٌ لَا يُذَفَّفُ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَفِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
كَلَامٌ لَهُ مُقَدِّمَةٌ نَذْكُرُهَا أَوَّلًا وَهِيَ: إذَا جَنَى رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ إنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَتِهِ أَوْ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ جِرَاحَةً أَرْشُهَا دِينَارٌ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً
أَرْشُهَا دِينَارٌ أَيْضًا فَمَاتَ بالجرحين ففميا يَلْزَمُ الْجَارِحَيْنِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ (أَحَدُهَا) يَجِبُ على الاول خسمة دَنَانِيرَ وَعَلَى الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ الْجُرْحَيْنِ سريا وصار قَتْلًا فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَضَعَّفَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ فِيهِ ضَيَاعَ نِصْفِ دِينَارٍ عَلَى الْمَالِكِ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ المزني وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَفَّالُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ دِينَارًا فَلَزِمَهُ ثُمَّ مَاتَ بِجُرْحَيْهِمَا فَلَزِمَهُمَا بَاقِي قِيمَتِهِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَصَارَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَقَصَتْ جِنَايَةُ الاول دينار أو جناية الثَّانِي دِينَارَيْنِ لَزِمَ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَلَزِمَ الثَّانِي خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَلَوْ نَقَصَتْ جِنَايَةُ الْأَوَّلِ ديناران وَجِنَايَةُ الثَّانِي دِينَارًا انْعَكَسَ فَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَيَلْزَمُ الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَضَعَّفَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا مَعَ اخْتِلَافِ قِيمَتِهِ حَالَ أَخْذِهِمَا (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَفَّالِ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَالثَّانِي خَمْسَةٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ نَقَصَتْ دِينَارًا ثُمَّ سَرَيَا وَالْأَرْشُ يَسْقُطُ إذَا صَارَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَيَسْقُطُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْأَرْشِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ نِصْفُ الْقَتْلِ (وَاعْتَرَضُوا) عَلَى هَذَا بِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُتْلِفِ وَأَجَابَ الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَنْجَرُّ إلَى إيجَابِ زِيَادَةٍ كَمَنْ قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ (وَأُجِيبُ) عَنْهُ بِأَنَّ قَاطِعَ الْيَدَيْنِ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي الْقَتْلِ بَلْ الْقَتْلُ يَقْطَعُ أَثَرَ الْقَطْعِ وَيَقَعُ مَوْقِعَ الِانْدِمَالِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَنِصْفُ الْأَرْشِ لَكِنْ لَا يَزِيدُ الْوَاجِبُ عَلَى الْقِيمَةِ فَيُجْمَعُ مَا لَزِمَهُمَا تَقْدِيرًا وَهُوَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 136)
________________________________________
عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ وَتُقْسَمُ الْقِيمَةُ وَهِيَ عَشَرَةٌ عَلَى الْعَشَرَةِ وَالنِّصْفِ لِيُرَاعَى التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فَيُبَسَّطُ أَنْصَافًا فيكون إحدى وعشرين فيلزم الاول احدى عشر جُزْءًا مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ عَشَرَةٌ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ عَشَرَةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِإِفْرَادِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَنْ بَدَلِ النَّفْسِ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَالثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ انْفَرَدَ بِالْجُرْحِ وَالسِّرَايَةِ لَزِمَهُ الْعَشَرَةُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا مَا لَزِمَ الثَّانِيَ وَالثَّانِي إنَّمَا جَنَى عَلَى نِصْفِ
مَا يُسَاوِي تِسْعَةً وَفِيهِ ضَعْفٌ أَيْضًا (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ وَأَطْبَقَ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى تَرْجِيحِهِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَيَكُونُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَيُقَسَّمُ عَلَيْهِ مَا فَوَّتَا وَهِيَ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جزء امن عَشَرَةٍ وَعَلَى الثَّانِي تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا كَانَتْ الْجُنَاةُ ثَلَاثَةً وَأَرْشُ كُلِّ جِنَايَةٍ دِينَارٌ وَالْقِيمَةُ عَشَرَةٌ فَعَلَى طَرِيقَةِ الْمُزَنِيِّ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ هِيَ ثُلُثُ سَهْمِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَانِ هُمَا ثُلُثَا الْأَرْشِ (١) وَيَلْزَمُ الثَّالِثَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا دِينَارَانِ وَثُلُثٌ هِيَ ثُلُثُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَثُلُثَانِ هُمَا ثُلُثَا الْأَرْشِ فَالْجُمْلَةُ عَشَرَةٌ وَثُلُثَانِ وَعَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ تُوَزَّعُ الْعَشَرَةُ عَلَى عَشَرَةٍ وَثُلُثَيْنِ وَعَلَى الْخَامِسِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ وَثُلُثٌ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثَ دِينَارَانِ وَثُلُثَانِ وَعَلَى السَّادِسِ تُجْمَعُ الْقِيَمُ فَتَكُونُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَتُقَسَّمُ الْعَشَرَةُ عَلَيْهَا (أَمَّا) إذَا جَرَحَ مَالِكُ الْعَبْدِ أَوْ الصَّيْدِ جِرَاحَةً وَأَجْنَبِيٌّ أُخْرَى فَيُنْظَرُ فِي جِنَايَةِ الْمَالِكِ أَهِيَ الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةُ وَيُخْرَجُ عَلَى الْأَوْجَهِ فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الْأَجْنَبِيِّ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجِنَايَتَيْنِ عَلَى الْعَبْدِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ فَلَيْسَ الْعَبْدُ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ وَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ حَتَّى لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَنَقَصَتْ الْجِنَايَةُ عَشَرَةً ثُمَّ جَنَى آخَرُ جِنَايَةً لَا أَرْشَ لَهَا فَنَقَصَتْ عَشَرَةً أَيْضًا وَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْهُمَا فَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُونَ يَدْفَعُ مِنْهَا خَمْسَةً إلَى الْأَوَّلِ
* قَالَ فَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ الْأُخْرَى لَزِمَ الْأَوَّلَ نِصْفُ أَرْشِ اليد
________________________________________
(١) كذا في الاصل وترك ما لزم الثاني وظاهر أنه كالثالث
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 137)
________________________________________
وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَهُوَ خَمْسُونَ وَلَزِمَ الثَّانِيَ نِصْفُ أَرْشِ الْيَدِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَهُوَ أربعون فالجملة مائة وأربعون جميعها للسيدلان الْجِنَايَةَ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ وَاجِبُهَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَقَتَلَهُ آخَرُ هَذَا بَيَانُ الْمُقَدِّمَةِ وَنَعُودُ إلَى الصَّيْدِ فَنَقُولُ: إذَا جَرَحَ الثَّانِي جِرَاحَةً غَيْرَ مُذَفِّفَةٍ وَمَاتَ الصَّيْدُ بِالْجُرْحَيْنِ نُظِرَ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْأَوَّلُ مِنْ ذَبْحِهِ لَزِمَ الثَّانِيَ تَمَامُ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَحَ
شَاةَ نَفْسِهِ وَجَرَحَهَا آخَرُ وَمَاتَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي إلَّا نِصْفُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجُرْحَيْنِ هُنَاكَ حَرَامٌ وَالْهَلَاكُ حَصَلَ بِهِمَا وَهُنَا فِعْلُ الْأَوَّلِ اكْتِسَابٌ وَذَكَاةٌ ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الصَّيْدُ يُسَاوِي عَشَرَةً غَيْرَ مُزْمِنٍ وَتِسْعَةً مُزْمِنًا لَزِمَ الثَّانِيَ تِسْعَةٌ وَاسْتَدْرَكَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فَقَالَ فِعْلُ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إفْسَادًا فَيُؤَثِّرُ فِي الذَّبْحِ وَحُصُولِ الزُّهُوقِ قَطْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فَيُقَالُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُزْمِنٍ يُسَاوِي عَشَرَةً وَمُزْمِنًا تِسْعَةً وَمَذْبُوحًا ثَمَانِيَةً تَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ أَثَّرَ فِي فَوَاتِهِ الْفِعْلَانِ فَوُزِّعَ عَلَيْهِمَا قَالَ الْإِمَامُ وَلِلنَّظَرِ فِي هَذَا مَجَالٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُفْسِدُ يَقْطَعُ أَثَرَ فِعْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ فَذَبَحَهُ لَزِمَ الثَّانِيَ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ إنْ نَقَصَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى مات فوجهان
(أحدهما)
لا شئ عَلَى الثَّانِي سِوَى أَرْشُ النَّقْصِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الذَّبْحِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَضْمَنُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ وَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ الذَّبْحَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلٌ شَاتَه فَلَمْ يَذْبَحْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَضْمَنُ (وَجْهَانِ) قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَضْمَنُ كَمَالَ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا كَمَا لَوْ ذَهَبَ بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ عَبْدَهُ أَوْ شَاتَه وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلِ هُنَاكَ إفْسَادٌ وَالتَّحْرِيمُ حَصَلَ بِهِمَا وَهُنَا الْأَوَّلُ إصْلَاحٌ (والاصلاح) قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ بَلْ هُوَ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِهِمَا وَكِلَاهُمَا إفْسَادٌ أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَرْكَ الذَّبْحِ مَعَ التَّمَكُّنِ يَجْعَلُ الْجُرْحَ وَسِرَايَتَهُ إفْسَادًا وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْجُرْحُ الثَّانِي فَتَرَكَ الذَّبْحَ كان الصيد ميتة فعلى هذا تجئ الْأَوْجُهُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّوْزِيعِ عَلَى الْجُرْحَيْنِ فَمَا هُوَ فِي حِصَّةِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقَعَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 138)
________________________________________
الجرحان معا فينظران تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الْمِلْكِ فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُذَفِّفًا أَوْ مُزْمِنًا أَوْ انْفَرَدَا وَأَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا وَالْآخَرُ مُزْمِنًا وَسَوَاءٌ تَفَاوَتَ الْجُرْحَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا أَوْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَا فِي الْمَذْبَحِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُزْمِنًا أَوْ مُذَفِّفًا لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فَالصَّيْدُ لِمَنْ ذَفَّفَ أَوْ أَزْمَنَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرَحْ مِلْكَ الْغَيْرِ وَلَوْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْإِزْمَانُ بِهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا دُونَ ذَاكَ وَذَاكَ دُونَ هَذَا فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا فِي ظاهر الحكم ويستحب أن يستحيل كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا الْآخَرَ تَوَرُّعًا وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُذَفِّفٌ وَشَكَكْنَا هَلْ الْآخَرُ أَثَّرَ فِي الْإِزْمَانِ وَالتَّذْفِيفِ أَمْ لَا قَالَ الْقَفَّالُ هُوَ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ لَهُ لَوْ جَرَحَ رَجُلٌ جِرَاحَةً مُذَفِّفَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً لَا يَدْرِي أَمُذَفِّفَةٌ هِيَ أَمْ لَا فَمَاتَ فَقَالَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا قَالَ الْإِمَامُ هَذَا بَعِيدٌ وَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ الْقِصَاصِ بِصَاحِبِ الْمُذَفِّفَةِ وَفِي الصَّيْدِ يُسَلَّمُ نِصْفُهُ لِمَنْ جُرْحُهُ مُذَفِّفًا وَيُوقَفُ نِصْفُهُ بَيْنَهُمَا إلَى الْمُصَالَحَةِ أَوْ تَبَيُّنِ الْحَالِ فَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ بَيَانٌ جُعِلَ النِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّالِثُ) إذَا تَرَتَّبَ الْجُرْحَانِ وَأَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ وَارِدٌ عَلَى الْمَذْبَحِ وَلَمْ يُعْرَفْ السَّابِقُ فَالصَّيْدُ حلال وان اختلفنا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ أَوَّلًا وَأَزْمَنَهُ أَوْ أَنَّهُ لَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فان حلفا فالصيد بينهما ولا شئ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالصَّيْدُ لَهُ وَعَلَى الْآخَرِ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ وَلَوْ تَرَتَّبَا وَأَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَلَمْ يُعْرَفْ السَّابِقُ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْإِزْمَانِ فَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ إلَّا بقطع الحلقوم والمرئ وَقِيلَ قَوْلَانِ كَمَسْأَلَةِ الْإِيمَاءِ السَّابِقَةِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ اجْتِمَاعُ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرِّمِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سَبَقَ هُنَاكَ جُرْحٌ يُحَالُ عَلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ أَزْمَنَهُ أَوَّلًا وَأَنَّ الْآخَرَ أَفْسَدَهُ فَالصَّيْدُ حَرَامٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فان حلفا فلا شئ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الثَّانِيَ كُلُّ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا وَلَوْ قَالَ الْجَارِحُ أَوَّلًا أَزْمَنْته أَنَا ثُمَّ أَفْسَدْته أَنْتَ بِقَتْلِك فَعَلَيْكَ الْقِيمَةُ وَقَالَ الثَّانِي لَمْ تُزْمِنْهُ أَنْتَ بل كان على امْتِنَاعُهُ إلَى أَنْ رَمَيْتَهُ فَأَزْمَنْته أَوْ ذَفَفْته فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى غَيْرِ جِرَاحَةِ الْأَوَّلِ وَعَلِمْنَا أنه لا يبقي امتناع معها ككسر (١)
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 139)
________________________________________
وَكَسْرِ رِجْلِ الْمُمْتَنِعِ بِالْعَدْوِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الِامْتِنَاعِ فَإِنْ حَلَفَ فَالصَّيْدُ لَهُ ولا شئ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْأَوَّلُ وَاسْتَحَقَّ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا الْجِرَاحَةَ الْأُولَى وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ لانه ميتة برغمه وَهَلْ لِلثَّانِي أَكْلُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا لِأَنَّ إلْزَامَهُ الْقِيمَةَ حُكْمٌ بِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّ النُّكُولَ فِي خُصُومَةِ الْآدَمِيِّ لَا تُغَيِّرُ الْحُكْمَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
* وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ الْجِرَاحَةَ الْمُذَفِّفَةَ سَابِقَةٌ عَلَى الَّتِي لَوْ انْفَرَدَتْ لَكَانَتْ مُزْمِنَةً فَالصَّيْدُ حَلَالٌ
فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَا ذَفَفْته فَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فَإِنْ حَلَفَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا كَانَ لَهُ وَعَلَى الْآخَرِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا وَلَمْ يُدْرَ أَجْعَلهُ الْأَوَّلُ مُمْتَنِعًا أَمْ لاجعلناه بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ حَلَّ أَكْلُهُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ هَذَا الصَّيْدُ لِاجْتِمَاعِ مَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْأَصْلُ التَّحْرِيمُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْحِلِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا بَلْ يَكُونُ لِمَنْ أَثْبَتَهُ مِنْهُمَا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَيْنِ الِاعْتِرَاضَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) تَرْكُ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَتَسْلِيمُ مَا قَالَهُ الْمُعْتَرِضِ وَتَأْوِيلُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَأَرَادَ بِهِ إذَا عَقَرَهُ أَحَدُهُمَا فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ أَصَابَ الثَّانِي مَحِلَّ الذَّكَاةِ فَقَطَعَ الحلقوم والمرئ أَوْ أَثْبَتَاهُ وَلَمْ يَصِرْ فِي حُكْمِ الْمُمْتَنِعِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فَذَكَّاهُ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ بَيْنَهُمَا فَأَرَادَ إذَا كَانَتْ يَدُهُمَا عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ مُسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا (فأما) إذ وَجَدَاهُ مَيِّتًا مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْقَاتِلُ كَانَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا.
وَلَا يُمْتَنَعُ التَّصْوِيرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدْ يجعل الشئ لِاثْنَيْنِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُهُ فِي الْبَاطِنِ لِأَحَدِهِمَا كَمَنْ مَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ (وَالْوَجْهُ) الثَّانِي تَرْكُ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَتَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ صَيْدٌ مُمْتَنِعٌ بِرِجْلِهِ وَجَنَاحِهِ كَالْحَجَلِ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا رِجْلَهُ فَكَسَرَهَا وَأَصَابَ الآخر جناحه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 140)
________________________________________
فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ حَصَلَ بِفِعْلِهَا (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ إصَابَةِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا زَالَ امْتِنَاعُهُ بِإِصَابَةِ الثَّانِي فَكَانَ لَهُ
* فَإِنْ قُلْنَا بَيْنَهُمَا فَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) هُوَ لِلثَّانِي لَمْ يُعْلَمْ الثَّانِي مِنْهُمَا وَيَدُهُمَا عَلَيْهِ فَكَانَ بينهما
* (والوجه الثالث) وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ أَزْمَنَاهُ وَمَاتَ الصَّيْدُ وَلَمْ يُدْرَ هَلْ أَثْبَتَهُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ إلَى أَنْ عَقَرَهُ الثَّانِي فَيَكُونُ عَقْرُهُ ذَكَاةً وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ الْإِثْبَاتِ مِنْ كِلَيْهِمَا وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتُمْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ إلَى أَنْ رَمَاهُ الثَّانِي فَكَيْفَ
لَمْ تَزُلْ يَدُ الْأَوَّلِ (قُلْنَا) هَذَا لَا يُزَالُ بِهِ حُكْمُ الْيَدِ ولهذا لو كان في يده شئ يَدَّعِيهِ حُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْمِلْكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَدَ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي حِلِّ هَذَا الصَّيْدِ قَوْلَانِ كَمَسْأَلَةِ الْإِيمَاءِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الرَّابِعُ) إذَا تربت الْجُرْحَانِ وَحَصَلَ الْإِزْمَانُ بِهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يُزْمِنْ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصَّيْدَ لِلثَّانِي
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ بَيْنَهُمَا وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لِلثَّانِي أَوْ كَانَ الْجُرْحُ الثَّانِي مُزْمِنًا لَوْ انْفَرَدَ فلا شئ عَلَى الْأَوَّلِ بِسَبَبِ جُرْحِهِ فَلَوْ عَادَ الْأَوَّلُ بَعْدَ إزْمَانِ الثَّانِي وَجَرَحَهُ جِرَاحَةً أُخْرَى نُظِرَ إنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ فَهُوَ حَلَالٌ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالذَّبْحِ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ حَرَامٌ وَعَلَيْهِ إنْ ذَفَّفَ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتِهِ الْأُولَى وَجِرَاحَةِ الثَّانِي وَكَذَا إنْ لَمْ يُذَفِّفْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الثَّانِي مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنْ تَمَكَّنَ وَتَرَكَ الذَّبْحَ عَادَ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ الثَّانِيَةِ لِتَقْصِيرِ الْمَالِكِ وَعَلَى أَصَحِّهِمَا لَا يُقْصَدُ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَخَرَّجَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ جَرَحَ عَبْدًا مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ عَادَ الْأَوَّلُ وَجَرَحَهُ ثَانِيًا وَمَاتَ مِنْهُمَا وَفِيمَا يَلْزَمُهُ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ثُلُثُ الْقِيمَةِ
(وَالثَّانِي)
رُبْعُهَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فَعَلَى هَذَا هُنَا رُبْعُ الْقِيمَةِ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَعُودُ فِي التوزيع الاوجه الستة السابقة واختار العزالى وُجُوبَ تَمَامِ الْقِيمَةِ وَالْمَذْهَبُ التَّوْزِيعُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 141)
________________________________________
(فَرْعٌ)
الِاعْتِبَارُ فِي التَّرْتِيبِ وَالْمُفْسِدِ بِالْإِصَابَةِ لَا ببدأ الرَّمْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ كل واحد منهما بينة أنه اصطاد هذ الصَّيْدَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) سُقُوطُهَا وَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ فَقَالَ آخَرُ أَنَا اصْطَدْتُهُ فَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كَجٍّ لَا نَقْنَعُ مِنْهُ بِهَذَا الْجَوَابِ بَلْ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيُسَلِّمَهُ إلَى مُدَّعِيهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَوْ أَرْسَلَ جَمَاعَةٌ كِلَابَهُمْ عَلَى صَيْدٍ فَأَدْرَكَهُ الْمُرْسِلُونَ قَتِيلًا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ كَلْبَهُ الْقَاتِلُ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ مَاتَ الصَّيْدُ بَيْنَهُمْ فَهُوَ حَلَالٌ فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَانَتْ الْكِلَابُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَهُوَ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ الْكِلَابِ فَهُوَ لِصَاحِبِ هَذَا الْكَلْبِ وَإِنْ كَانَ قَتِيلًا وَالْكِلَابُ
نَاحِبَةٌ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَأُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ بِالْقُرْعَةِ وقال غير أبى ثور لا تجئ الْقُرْعَةُ بَلْ يُوقَفُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ بِيعَ وَوَقَفَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يصطلحوا هذا كلام ابن المنذر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ومن ملك صيدا ثم خلاه ففيه وجهان
(أحدهما)
يزول ملكه كما لو ملك عبدا ثم أعتقه
(والثانى)
لا يزول ملكه كما لو ملك بهيمة ثم سيبها وبالله التوفيق)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَلَكَ صَيْدًا ثُمَّ أَفْلَتَ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَمَنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ يَدُورُ فِي الْبَلَدِ وَحَوْلُهُ أَوْ الْتَحَقَ بالوحوش ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَالِكُهُ وَخَلَّاهُ لِيَرْجِعَ صَيْدًا كَمَا كَانَ فَهَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَزُولُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا لو أرسل بهيمة إلا (١) وَنَوَى إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِلَا خِلَافٍ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ سَوَائِبَ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ وَحَكَاهُ الْأَصْحَابُ عَنْهُ أنه ان قَصَدَ بِإِرْسَالِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَالَ ملكه والا فلا
* هامش)
* (١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 142)
________________________________________
وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مُطْلَقًا
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَزُولُ عَادَ مُبَاحًا فَمَنْ صَادَهُ مَلَكَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ لَمْ يغيره أَنْ يَصِيدَهُ إذَا عَرَفَهُ فَإِنْ قَالَ عِنْدَ إرْسَالِهِ أَبَحْتُهُ لِمَنْ أَخَذَهُ حَصَلَتْ الْإِبَاحَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَكَلَهُ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ تصرف الآخذ فيه ببيع ونحوه وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ فَأَرْسَلَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَلْ يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَالْعَبْدِ الْمُعْتَقِ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ رَجَعَ لِلْإِبَاحَةِ وَلِئَلَّا يَصِيرَ فِي مَعْنَى سَوَائِبِ الْجَاهِلِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَلْقَى كِسْرَةَ خُبْزٍ مُعْرِضًا عَنْهَا فَهَلْ يَمْلِكُهَا مَنْ أَخَذَهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَهُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى إرْسَالِ الصَّيْدِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا تُمْلَكَ بَلْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُلْقِي لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِي الصَّيْدِ الْيَدُ وَقَدْ أَزَالَهَا وَرَدَّهُ إلَى الْإِبَاحَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافُ فِي زَوَالِ
الْمِلْكِ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَحَاصِلُهَا لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الظَّاهِرَةَ كَافِيَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ هَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُوَضِّحُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّالِحِيِّ مِنْ الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا تَرَكَهُ الْوَارِثُ إعْرَاضًا كَالْكِسْرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّعَامِ وَالسَّنَابِلِ وَأَمَّا الَّذِي يُصِيبُهُ فِي شئ ونحو ذلك ويصح تمرق الْأَخْذِ فِيهِ بِالتَّتَبُّعِ وَغَيْرِهِ هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ السلف ولم ينقل أنهم منعوا لتصرف في شئ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ أُخْرَيَاتِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّ الثِّمَارَ السَّاقِطَةَ مِنْ الْأَشْجَارِ إنْ كَانَتْ دَاخِلَ الْجِدَارِ لَمْ تَحِلَّ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَجْرِ عَادَاتُهُمْ بِإِبَاحَتِهَا فَإِنْ جَرَتْ بِذَلِكَ فَهَلْ تَجْرِي الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ مَجْرَى الْإِبَاحَةِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَجْرِي وَسَبَقَ هُنَاكَ حُكْمُ الْأَكْلِ مِنْ مَالِ صَدِيقِهِ وَمِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَثِمَارِهِ وَزَرْعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَدَبَغَهُ مَلَكَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ اخْتِصَاصٌ فَضَعُفَ بِالْإِعْرَاضِ وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ خَمْرٍ فَأَخَذَهَا غَيْرُهُ فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ حَيْثُ ذَكَرَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 143)
________________________________________
الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَوْ صاد صيدا عليه أثر مالك بِأَنْ كَانَ مَرْسُومًا.
أَوْ مُقَرَّظًا أَوْ مَخْضُوبًا أَوْ مَقْصُوصَ الْجَنَاحِ لَمْ يَمْلِكْهُ الصَّائِدُ بَلْ هُوَ لُقَطَةٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَفْلَتَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ صَادَهُ مُحْرِمٌ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ بَعِيدٌ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ صَادَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا دُرَّةً مَثْقُوبَةً لَمْ تُمْلَكْ الدُّرَّةُ بَلْ تَكُونُ لُقَطَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ لَهُ مَعَ السَّمَكَةِ وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهَا كَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْبَغَوِيّ قَالَ الرَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ الدُّرَّةُ لِلصَّائِدِ كَالْكَنْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ لِمُحْيِيهَا
*
(فَصْلٌ)
إذَا تَحَوَّلَ بَعْضُ حَمَامٍ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الْمُتَحَوِّلُ مِلْكًا لِلْأَوَّلِ
لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ رَدُّهُ فَإِنْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا بِيضٌ أَوْ فَرْخٌ فَهُوَ تَبَعٌ لِلْأُنْثَى دُونَ الذَّكَرِ وَإِنْ ادَّعَى تَحَوُّلَ حَمَامِهِ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ كَذِبَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُتَحَوِّلُ مُبَاحًا دَخَلَ بُرْجَ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلى الثاني فعلى الخلاف السابق في دخو الصَّيْدِ مِلْكَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يملكه
(والثانى)
أن يملكه ومن دخل برج حَمَامٌ وَشَكَّ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَمْلُوكٌ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ بِمِلْكِهِ مِلْكُ غَيْرِهِ وَعَسِرَ التَّمْيِيزُ فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ وَاحِدَةٌ بِحَمَامَاتِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالِاجْتِهَادِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً حَتَّى تَبْقَى وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ الْغَيْرِ بِثَمَرِهِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً مِنْهَا حَتَّى يُصَالِحَ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي لِلْوَرِعِ أَنْ يَتَجَنَّبَ طَيْرَ الْبُرُوجِ وَأَنْ يَجْتَنِبَ بِنَاءَهَا وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لواحد منهما التصرف في شئ مِنْهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِثَالِثٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَهَبَ للآخر صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَتُحْتَمَلُ الْجَهَالَةُ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ بَاعَ الْحَمَامَ الْمُخْتَلِطَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِثَالِثٍ وَلَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَيْنَ مَالِهِ فان
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 144)
________________________________________
كانت الاعداد معلومة كمأتين وَمِائَةٍ وَالْقِيمَةُ مُتَسَاوِيَةٌ وَوَزَّعَا الثَّمَنَ عَلَى أَعْدَادِهَا صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ جَهِلَا الْعَدَدَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ بِعْتُكَ الْحَمَامَ الَّذِي فِي هَذَا الْبُرْجِ بِكَذَا فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَيُحْتَمَلُ الْجَهْلُ فِي الْمَبِيعِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ لو تصالحا على شئ صَحَّ الْبَيْعُ وَاحْتُمِلَ الْجَهْلُ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ
* وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ مُقَاسَمَتِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ الْمُسَامَحَةُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ كَالْكَافِرِ إذَا أسلم على أكثر من أربعة نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اصْطِلَاحُهُنَّ عَلَى الْقِسْمَةِ بِالتَّسَاوِي وَبِالتَّفَاوُتِ مَعَ الْجَهْلِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَجُوزُ أَنْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ أَيْضًا بِحَسَبِ تَرَاضِيهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ بعت مالى مِنْ حَمَامِ هَذَا الْبُرْجِ بِكَذَا وَالْأَعْدَادُ مَجْهُولَةٌ يَصِحُّ أَيْضًا مَعَ الْجَهْلِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَنْفَصِلَ الْأَمْرُ بِحَسَبِ مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حَمَامِ الْبُرْجِ بِإِذْنِ الْآخَرِ فَيَكُونُ أَصْلًا فِي الْبَعْضِ وَوَكِيلًا فِي الْبَعْضِ جَازَ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ مَمْلُوكَةٌ أَوْ حَمَامَاتٌ بِحَمَامَاتٍ مُبَاحَةٍ مَحْصُورَةٍ لَمْ يَجُزْ الِاصْطِيَادُ مِنْهَا وَلَوْ اخْتَلَطَتْ بِحَمَامِ
نَاحِيَةٍ جَازَ الِاصْطِيَادُ فِي النَّاحِيَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ مَا لَا يُحْصَرُ فِي الْعَادَةِ بِاخْتِلَاطِ مَا يَنْحَصِرُ بِهِ ولو اختلطت حَمَامُ أَبْرَاجٍ مَمْلُوكَةٍ لَا تَكَادُ تُحْصَرُ بِحَمَامِ بَلْدَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ فَفِي جَوَازِ الِاصْطِيَادِ مِنْهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَإِلَيْهِ مَال مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وَمِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ مَعْرِفَةُ ضَبْطِهِ الْعَدَدُ الْمَحْصُورُ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَقَلَّ مَنْ يُنَبِّهُ عَلَيْهِ
* قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تَحْدِيدُ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّمَا يُضْبَطُ بِالتَّقْرِيبِ قَالَ فَكُلُّ عَدَدٍ لَوْ اجْتَمَعَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَعْسَرُ عَلَى النَّاظِرِ عَدُّهُمْ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَالْأَلْفِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَمَا سَهُلَ كَالْعَشَرَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهُوَ مَحْصُورٌ وَبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْسَاطٌ مُتَشَابِهَةٌ تَلْحَقُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالظَّنِّ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ اُسْتُفْتِيَ فِيهِ الْقَلْبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا انْصَبَّتْ حِنْطَتُهُ عَلَى حِنْطَةِ غَيْرِهِ أَوْ انْصَبَّ مَائِعُهُ فِي مَائِعِهِ وَجَهِلَا قَدْرَهُمَا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَمَامِ الْمُخْتَلِطِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 145)
________________________________________
(فَرْعٌ)
وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَرَامٌ أَوْ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَوْ دُهْنٌ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا طَرِيقُهُ أَنْ يَفْصِلَ قَدْرَ الْحَرَامِ فَيَصْرِفَهُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَجِبُ صَرْفُهُ فِيهَا وَيَبْقَى الْبَاقِي لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا أَرَادَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إذَا اخْتَلَطَتْ دَرَاهِمُ أَوْ حِنْطَةٌ وَنَحْوُهَا لِجَمَاعَةٍ أَوْ غُصِبَ مِنْهُمْ وَخُلِطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُقَسَّمَ الْجَمِيعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ (وَأَمَّا) مَا يَقُولُهُ الْعَوَامُّ اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ يُحَرِّمُهُ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْمَسْأَلَةِ بِأَدِلَّتِهَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم.
* (كتاب البيوع)
* قال المصنف رحمه الله
* (البيع جائز والاصل فيه قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنو لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)
* (الشَّرْحُ) قَوْله تَعَالَى (إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ لَكُمْ أَكْلُهَا بِتِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَكْلَ بِالنَّهْيِ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ
مِنْ الْمَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) وقوله تعالى (الذين يأكلون الربا) وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ أَكْلًا أَوْ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى (بِالْبَاطِلِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ (إلَّا بِحَقِّهَا) قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي الْبَاطِلُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ كَالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَكُلِّ مُحَرَّمٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ وقَوْله تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) فيها قراء تان الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَمَنْ رَفْعَ جَعَلَ كَانَ تَامَّةً إلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ وَمَنْ نَصَبَ قَالَ تَقْدِيرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ تِجَارَةً أَوْ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ أَمْوَالَ تِجَارَةٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْأَجْوَدُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ وَأَمَّا صَاحِبُ الْحَاوِي فَبَسَطَ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي الْحَاوِي فَقَالَ قَوْله تَعَالَى (أَمْوَالَكُمْ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُرَادُ مَالُ كُلِّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 146)
________________________________________
إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ أَيْ لَا يَصْرِفُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مَالَ بعض كما قال تعالى (لا تقتلوا أنفسكم) (وَقَوْلُهُ) بِالْبَاطِلِ قِيلَ مَعْنَاهُ الصَّرْفُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَقِيلَ النَّهْبُ وَالْغَارَاتُ (وَالثَّالِثُ) التِّجَارَاتُ الْفَاسِدَةُ وَنَحْوُهَا وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَهْلِ الْمَعَانِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ تَفْسِيرَهَا مُسْتَوْفًى مَعَ اخْتِصَارٍ وَشَرَحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَعْنَى الْآيَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا عَامَّةٌ فَإِنَّ لَفْظَهَا لَفْظُ عُمُومٍ يَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ وَيَقْتَضِي إبَاحَةَ جَمِيعِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْأُمِّ هَذَا أَظْهَرُ مَعَانِي الْآيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّلِيلُ لِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بُيُوعٍ كَانُوا يَعْتَادُونَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجَائِزَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تَنَاوَلَتْ إبَاحَةَ جَمِيعِ الْبُيُوعِ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهَا وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَخْصُوصَ قَالَ فَعَلَى هَذَا فِي الْعُمُومِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
إنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَإِنْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ
(وَالثَّانِي)
إنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْعُمُومَ الْمُطْلَقَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ وَإِنْ دَخَلَهُ تَخْصِيصٌ كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ بِالتَّخْصِيصِ أَقَلَّ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَيَانَ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مُقَدَّمٌ عَلَى اللَّفْظِ وَفِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ اللَّفْظِ أَوْ مُقْتَرِنٌ بِهِ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا
يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ تَخْصِيصٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْعُمُومِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَا يُعْقَلُ مِنْهَا صِحَّةُ بَيْعٍ مِنْ فَسَادِهِ إلَّا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلِيلُهُ أَنَّ فِي الْبِيَاعَاتَ الْجَائِزَ وَغَيْرَهُ وَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ مَا يُمَيِّزُ هَذَا مِنْ ذَاكَ فَاقْتَضَتْ كَوْنَهَا مُجْمَلَةً فَعَلَى هَذَا هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا أَمْ بِعَارِضٍ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ قوله تعالى (وأحل الله البيع) يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ مُتَفَاضِلًا وقَوْله تَعَالَى (وَحَرَّمَ الربا) يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ مُتَفَاضِلًا فَصَارَ آخِرُهَا مُعَارِضًا لِأَوَّلِهَا فَحَصَلَ الْإِجْمَالُ فِيهَا بِنَفْسِهَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهَا جَوَازُ كُلِّ بَيْعٍ مِنْ غَرَرٍ وَمَعْدُومٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بالنهي عن بيع الغرر وبيغ الْمُلَامَسَةِ وَغَيْرِهِمَا فَوَقَعَ الْإِجْمَالُ فِيهَا بِغَيْرِهَا قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِجْمَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ
(أحدهما)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 147)
________________________________________
أَنَّ الْإِجْمَالَ وَقَعَ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ دُونَ صِيغَةِ لَفْظِهَا لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ اسْمٌ لغوى لم يَرِدْ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ وَمَعْنَاهُ مَعْقُولٌ لَكِنْ لَمَّا قَامَ بِإِزَائِهِ مِنْ الشَّبَهِ مَا يُعَارِضُهُ بدافع الْعُمُومَانِ وَحْدَهُمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُرَادُ مِنْهُمَا إلَّا بِبَيَانِ الشَّبَهِ فَصَارَا مُجْمَلَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُشْكِلُ الْمَعْنَى
*
(وَالثَّانِي)
أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ وَالْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَا وَقَعَ عليه الاسم وتبينا أَنَّ لَهُ شَرَائِطَ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فِي اللغة خرج اللفظ بالشرائط عن موضوعه فاللغة إلَى مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ شَرَائِطُ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مَعْقُولَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ شَرَائِطَ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فِي اللُّغَةِ كَالْخُضُوعِ فكذلك البيع قال الماوردى وعلى الوجهين جميعا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْمُجْمَلِ حَيْثُ جَازَ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ الْمُجْمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا فَيَكُونُ عُمُومًا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَمُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَجْهِ دُخُولِ ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْعُمُومَ فِي اللَّفْظِ وَالْإِجْمَالَ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا مَخْصُوصًا وَالْمَعْنَى مُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْله تعالى (وأحل الله البيع) والاجمال في قوله (وحرم الربا) (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ كَانَ مُجْمَلًا فَلَمَّا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ عَامًّا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْمُجْمَلِ قَبْلَ
الْبَيَانِ وَفِي الْعُمُومِ بَعْدَ الْبَيَانِ قَالَ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِهَا فِي الْبُيُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالْقَوْلِ الثَّانِي (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) إنَّهَا تَنَاوَلَتْ بَيْعًا مَعْهُودًا وَنَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ أَحَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُيُوعًا وَحَرَّمَ بُيُوعًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أَيْ الْبَيْعَ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلُ وَعَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ فَتَنَاوَلَتْ الْآيَةُ بَيْعًا مَعْهُودًا وَلِهَذَا دَخَلَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِأَنَّهُمَا لِلْعَهْدِ أَوْ للجنس ولا يكون الجنس هنا مراد الخروج بَعْضِهِ عَنْ التَّحْلِيلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَهْدُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ بَلْ يُرْجَعُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا تَقَدَّمَهَا مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي عُرِفَ بِهَا الْبُيُوعُ الصَّحِيحَةُ فَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُمُومِ مِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 148)
________________________________________
وَجْهَيْنِ (فَأَمَّا) الْوَجْهُ الْوَاحِدُ فَهُوَ أَنَّ بَيَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبُيُوعِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ يَكُونُ مُقْتَرِنًا لِلَّفْظِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ
* وَأَمَّا الْوَجْهَانِ (فَأَحَدُهُمَا) مَا سَبَقَ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيَانِ فِي الْمَعْهُودِ وَإِقْرَارِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ بِالْعُمُومِ
(وَالثَّانِي)
جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ دون الظاهر الْمَعْهُودِ
* هَذَا آخَرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا نَحْوَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَصَحَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ إلَّا مَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ جَوَازُ الْبَيْعِ فَهُوَ مِمَّا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا يَصِيرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي أَوَّلِ بُيُوعِ الْوَسِيطِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ وَهِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وخيار الحلف بِأَنْ كَانَ شَرَطَهُ كَاتِبًا فَخَرَجَ غَيْرَ كَاتِبٍ والاقالة والتحالف وَتَلَفُ الْمَبِيعِ وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ إذَا جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ مُلْتَحِقٌ فِي الْمَعْنَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ ابن قتيبة وغيره يقال بعت الشئ بمعنى بعته وبمعنى شريته ويقال شريت الشئ بِمَعْنَى شَرَيْته وَبِعْتُهُ وَأَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ بِعْتَهُ إذَا أَزَلْتَ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْمُعَاوَضَةِ وَاشْتَرَيْتَهُ إذَا تَمَلَّكْته بِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْعَرَبُ تَقُولُ بِعْتُ بِمَعْنَى بِعْتُ مَا كُنْتُ مَلَكْتُهُ وَبِعْتُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُ قَالَ وَكَذَلِكَ شَرَيْتُ بِالْمَعْنَيَيْنِ قَالَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَبِيعٌ وَبَائِعٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعٌ وَيُقَالُ بِعْتُهُ أَبِيعُهُ فَهُوَ مَبِيعٌ وَمَبْيُوعٌ مخيط ومخيوط قال الخليل المحذوف مِنْ مَبِيعٍ وَاوُ مَفْعُولٍ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ فَهِيَ أَوْلَى بِالْحَذْفِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ الْمَحْذُوفُ عَيْنُ الْكَلِمَةِ قَالَ الْمَازِنِيُّ كِلَاهُمَا حَسَنٌ وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَقْيَسُ وَالِابْتِيَاعُ الِاشْتِرَاءُ وَبَايَعْتُهُ وَتَبَايَعْنَا وَاسْتَبَعْتُهُ سَأَلْتُهُ أَنْ يبيعني وأبعت الشئ عرضته للبيع وبيع الشئ - بكسر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 149)
________________________________________
الْبَاءِ وَضَمِّهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَبُوعَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالْوَاوِ - لُغَةٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كِيلَ وَقِيلَ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا) الْمَدُّ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَصْرُ فَمَنْ مَدَّ كَتَبَهُ بِالْأَلِفِ وَإِلَّا فَبِالْيَاءِ وَجَمْعُهُ أَشْرِيَةٌ وَهُوَ جَمْعٌ نَادِرٌ ويقال شريت الشئ أشريته شَرْيًا إذَا بِعْتُهُ وَإِذَا اشْتَرَيْتُهُ كَمَا سَبَقَ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ عَلَى اصْطِلَاحِ اللُّغَوِيِّينَ وَمِنْ المشترك على اصطلاح الاصوليين قال اللَّهِ تَعَالَى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) وقال تعالى (وشروه بثمن بخس) وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِي الشَّرْعِ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِمَالٍ أَوْ نَحْوِهِ تَمْلِيكًا
* (فَرْعٌ)
أَرْكَانُ الْبَيْعِ ثَلَاثَةٌ العاقدان والصيغة والمعقود عليه وشروط الْعَاقِدِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْمُشْتَرِي إنْ كان المبيع عبدا مسلما أو مصفحا وَعِصْمَتُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ سِلَاحًا وَشُرُوطُ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَعْلُومًا ومقدورا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمَرْهُونُ وَالْمَوْقُوفُ وَالْمُكَلَّفُ وَالْجَانِي إذَا مَنَعْنَا بَيْعَهُمَا وَالْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ وَهَذَا الْحَدُّ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجْهُولُ وَالْمَعْجُوزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ فَالصَّوَابُ الْحَدُّ الاول وهذه الشروط ستأنى مُفَصَّلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهَا
* (فَرْعٌ)
سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ أَطْيَبَ الْمَكَاسِبِ التِّجَارَةُ أَمْ الزِّرَاعَةُ أَمْ الصَّنْعَةُ
*
(فَصْلٌ)
فِي الْوَرَعِ فِي الْبَيْعِ وغيره واجتناب الشهبات
* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ الله عظيم) وقال تعالى (ان ربك لبالمرصاد) وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا شُبُهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 150)
________________________________________
طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي عَدَدِهَا وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ حَاكَ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ - أَيْ تَرَدَّدَ فِيهِ
* وَعَنْ وَابِصَةَ بن مصدر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ الْبِرُّ مَا أَطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْبُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصدور وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتُوكَ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا
* وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ تزوج امرأة لابي اهاب بن عرير فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَاَلَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا فَقَالَ لَهَا مَا أَعْلَمُ أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني فَرَكِبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إهَابٌ - بكسر الهمزة وعرير بفتح العين وبراء مُكَرَّرَةٍ - وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ اُتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ وَخُذْ مَا لَا تَشُكُّ فِيهِ
* وَعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ عُرْوَةَ السَّعْدِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ (مَا رَأَيْتُ
شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْ الْوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) وَحَسَّانُ هَذَا مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 151)
________________________________________
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ بِآخِرِ رِزْقٍ هُوَ لَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ مِنْ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ
*
(فَصْلٌ)
فِي النَّهْيِ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (الْحَلِفُ منفقة للسلعة ممحقة للربح: وفى رواية: للبروفى رِوَايَةٍ لِلْكَسْبِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله وَسَلَّمَ يَقُولُ (إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا من هم يارسول اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ إنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أبى غررة بغين - معجمة ثم راء ثم راء مَفْتُوحَاتٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَقَالَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 152)
________________________________________
يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ البيع فثوبوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
(فَصْلٌ)
فِي التَّبْكِيرِ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ
* عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا) وَكَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ إذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
(فَصْلٌ)
فِي اسْتِحْبَابِ السَّمَاحَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْيِ وَالتَّقَاضِي وَالِاقْتِضَاءِ وَإِرْجَاحِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ
* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) وقال تعالى (يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا الناس أشياءهم) وقال تعالى (ويل للمطففين) الْآيَةَ
* وَعَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 153)
________________________________________
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ (قَالَ اشْتَرَى مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا فَوَزَنَ لِي وَأَرْجَحَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ (جَلَبْت أَنَا وَمَخْرَمَةُ العبدى برا مِنْ هَجَرَ فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَامَنَا بِسَرَاوِيلَ وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان زِنْ وَأَرْجِحْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وبينا بورك لها في بيعها وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إقام الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أصاب من شئ فَلْيَلْزَمْهُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
* وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أُجَهِّزُ إلَى الشَّامِ وَإِلَى مِصْرَ فَجَهَّزْت إلَى الْعِرَاقِ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتُ أُجَهِّزُ إلَى الشَّامِ فَجَهَّزْت إلى العراق فقالت لا تفعل مالك مَنْزِلٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا سَبَّبَ اللَّهُ لِأَحَدٍ رِزْقًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدَعْهُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَهُ أَوْ يَتَنَكَّرَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ (لَا تَكُونَنَّ إنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 154)
________________________________________
رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مَوْقُوفًا عَلَى سَلْمَانَ وَرَوَاهُ الزقانى فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الذَّمُّ لِمَنْ أَكْثَرَ مُلَازَمَةَ السُّوقِ وَصَرَفَ أَكْثَرَ الْأَوْقَاتِ إلَيْهَا وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْ الْعِبَادَةِ وَهَذَا كَمَا قَالُوهُ لِثُبُوتِ الْأَحَادِيثِ فِي دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْوَاقَ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الاسواق) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَيْنُقَاعُ قَبِيلَةٌ مِنْ الْيَهُودِ - بِفَتْحِ الْقَافِ الْأُولَى وَضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السُّوقِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ السُّوقِ وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُصِيبَ فِيهَا يَمِينًا فَاجِرَةً أَوْ صَفْقَةً خَاسِرَةً) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ
*
(فَصْلٌ)
سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التِّجَارَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهَا فَيَتَعَلَّمَ
شُرُوطَهَا وَصَحِيحَ الْعُقُودِ مِنْ فَاسِدِهَا وَسَائِرَ أَحْكَامِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
(فَصْلٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ غَيْرِ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِحُرُوفِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِلِاسْتِحْبَابِ بقوله تعالى (وأشهد وإذا تبايعتم) هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ والحسن وأصحاب الرأى وأحمد واسحق وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ فَرْضٌ لَازِمٌ يُعْصَى بِتَرْكِهِ قَالَ رَوَيْنَا هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ ولم يكتب
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 155)
________________________________________
قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا يستجاب لهم دعوة رجل باع بنقد (١) قَالَ وَرَوَيْنَا نَحْوَ هَذَا عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْمَرْعَشِيِّ وَاحْتَجُّوا بقوله تعالى (واشهد وإذا تبايعتم) وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ وَاشْتَرَى وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِهِ وَبَعْدَهُ وَحَمَلُوا الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا ذكرناه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويصح البيع من كل بالغ عاقل مختار فاما الصبى والمجنون فلا يصح بيعهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه تصرف في المال فلم يفوض إلى الصبى والمجنون كحفظ المال)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وعائشة رضي الله عنهما سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَوَّلِ كِتَابَيْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَوْلُهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ احْتِرَازٌ مِنْ اخْتِيَارِ الصَّبِيِّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ وَهُوَ مميز ومن عباداته وحمله الهدية ومن وطئ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ امْرَأَتَيْهِمَا وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ فَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أموالهم) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ كُلِّ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُخْتَارٍ فَمِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَعْمَى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا هُوَ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ
وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا إسْلَامُ الْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَأَمَّا) السَّكْرَانُ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَسَائِرِ عُقُودِهِ الَّتِي تَضُرُّهُ وَاَلَّتِي تنفعه
(والثانى)
لا يصح شئ مِنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ مَا عَلَيْهِ دُونَ مَالِهِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ دُونَ إيهَابِهِ وَتَصِحُّ رِدَّتُهُ دُونَ إسْلَامِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأَوْجُهَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهَا بِفُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ سواء
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 156)
________________________________________
بَاعَ بِغَبْنٍ أَوْ بِغِبْطَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مُمَيِّزًا أو غيره وسواء بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَسَوَاءٌ بَيْعُ الاختبار وغيره وبيع الاختبار هو الذى يمتحن الْوَلِيُّ بِهِ لِيَسْتَبِينَ رُشْدَهُ عِنْدَ مُنَاهِزَةِ الِاحْتِلَامِ وَلَكِنَّ طَرِيقَ الْوَلِيِّ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الِاسْتِلَامَ وَتَدْبِيرَ الْعَقْدِ فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْعَقْدِ أتى به الولى ولا خلاف في شئ مِمَّا ذَكَرْتُهُ عِنْدَنَا إلَّا فِي بَيْعِ الِاخْتِبَارِ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْبَيْعُ لَزِمَ مِنْهُ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ عَلَى الصَّبِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَجِبُ عليه شئ وَقِيلَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ إسْقَاطُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْفُقَهَاءُ إذَا اشْتَرَى الصَّبِيُّ شَيْئًا وَسُلِّمَ إلَيْهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَا لَوْ اقْتَرَضَ مَالًا لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُضَيِّعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَلِلْمَالِكِ الِاسْتِرْدَادُ وَإِنْ قَبَضَهَا الْوَلِيُّ مِنْ الصَّبِيِّ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْوَلِيِّ وَلَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ إلَى الْبَائِعِ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّهُ إلَى الْوَلِيِّ وَيَلْزَمُ الْوَلِيِّ طَلَبُهُ وَاسْتِرْدَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ رَدَّهُ إلَى الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ دِرْهَمًا إلَى صَرَّافٍ لِيَنْقُدَهُ أَوْ سَلَّمَ مَتَاعًا إلَى مُقَوِّمٍ لَيُقَوِّمَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ مِنْ الصَّبِيِّ دخل في ضمان القابض ولم يجزله رَدُّهُ إلَى الصَّبِيِّ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَدَّهُ إلَى وَلِيِّهِ إنْ كَانَ الْمَالُ لِلصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ لِكَامِلٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ أَوْ وَكِيلِهِ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ
أَمَرَهُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بِدَفْعِهِ إلَى الصَّبِيِّ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ إنْ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ لَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَالِ الصَّبِيِّ فِي بَحْرٍ فَأَلْقَاهُ فَإِنَّهُ يلزمه ضمانه قطعا
* (فرع)
* لو تبايعا صَبِيَّانِ وَتَقَابَضَا وَأَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَبَضَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَرَى ذَلِكَ بِإِذْنِ الْوَلِيَّيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيَّيْنِ وَيَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيَّيْنِ الضَّمَانُ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُمَا لَا يُعَدُّ تَسْلِيطًا وَتَضْيِيعًا بِخِلَافِ تَسْلِيمِ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ وَلَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ لَكِنْ فِي تَدْبِيرِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 157)
________________________________________
وَوَصِيَّتِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُمَا أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ فَلَا أَثَرَ لاذن الولى كما لو اذن لمجنون أما إذَا فَتَحَ الصَّبِيُّ بَابًا وَأَخْبَرَ بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّارِ فِي الدُّخُولِ أَوْ أَوْصَلَ هَدِيَّةً وَأَخْبَرَ عَنْ إهْدَاءِ مُهْدِيهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ انْضَمَّتْ إلَى ذَلِكَ قَرَائِنُ تُحَصِّلُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ جَازَ الدُّخُولُ وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ نُظِرَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونِ الْقَوْلِ لَمْ يجر اعْتِمَادُ قَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ لِإِطْبَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلِحُصُولِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ فِي الْعَادَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا سَمِعَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ حَدِيثًا فَهَلْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهُ وَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أحدها) لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لَا قَبْلَ بُلُوغِهِ وَلَا بَعْدَهُ لِضَعْفِ ضَبْطِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
تَصِحُّ رِوَايَتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ كَمَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَسَائِرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَاحْتُمِلَ فِيهَا أَشْيَاءُ لَا تُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا كَاعْتِمَادِهِ عَلَى خَطِّهِ وَكَوْنِهَا لَا تُرَدُّ بِالتُّهْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَامَحَةِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تُقْبَلُ قَبْلَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ وَمِمَّا يَرُدُّ الْأَوَّلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى قَبُولِ رِوَايَاتِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرَوَوْهُ بَعْدَهُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ جَعْفَرٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ تَصَرُّفَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ فَلَوْ اتَّهَبَ لَهُ الْوَلِيُّ شَيْئًا وَقَبِلَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ بِهَذَا الْقَبْضِ وَلَوْ وُهِبَ لَأَجْنَبِيٍّ وَأَذِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَهُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ سَلِّمْ حَقِّي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَ قَدْرَ حَقِّهِ إلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 158)
________________________________________
الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَكُونُ مَا سَلَّمَهُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ ضَاعَ ضَاعَ عَلَى الدَّافِعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّ الدَّافِعَ ضَيَّعَهُ بِتَسْلِيمِهِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَا يَزُولُ الدَّيْنُ عَنْ الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ أَلْقِ حَقِّي فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَى قَدْرَ حَقِّهِ لَا يَبْرَأُ بِلَا خِلَافٍ وَمَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُلْقِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ مَالِكُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ سَلِّمْ وَدِيعَتِي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَ إلَيْهِ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمَرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُعَيَّنِ كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي إتْلَافِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ لِصَبِيٍّ فَسَلَّمَهَا إلَى الصَّبِيِّ ضَمِنَ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لانه ليس للمودع تضعييها وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِيهِ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الْفَرْعَ عَنْ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأحمد واسحق يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجَازَ أحمد واسحق بيعه وشراءه في الشئ الْيَسِيرِ يَعْنِي بِلَا إذْنٍ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فأما المكره فان كان بغير حق لم يصح بيعه لقوله تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فدل على أنه إذا لم يكن عن تراض لم يحل الاكل وروي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (انما البيع عن تراض) فدل على أنه لا بيع عن غير تراض ولانه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر إذا أكره عليها
المسلم وان كان بحق صح لانه قول حمل عليه بحق فصح ككلمة الاسلام إذا أكره عليها الحربى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لَأَلْقَيَنَّ اللَّهَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُعْطِيَ أَحَدًا مِنْ مَالِ أَحَدٍ شَيْئًا بِغَيْرِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 159)
________________________________________
طِيبِ نَفْسِهِ إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ) وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ احْتَرَزَ بِالْقَوْلِ عَنْ الْفِعْلِ بِأَنْ أُكْرِهَتْ عَلَى الْإِرْضَاعِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا وَكَذَا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَنْ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَإِكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِكْرَاهِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُتَمَكِّنٌ فِي الْبَيْعِ فِي أَدَائِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ كَانَ إكْرَاهُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ صَحَّ وَصُورَةُ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ مِنْ الْوَفَاءِ وَالْبَيْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَالْأَصْحَابُ الْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَزَّرَهُ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ الَّتِي يُكْرَهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ الرِّدَّةُ وَالْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ وَغَيْرُهَا (وَأَمَّا) مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ قَالُوا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْحَرْبِيَّ إذَا أُكْرِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُمَا لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَكَذَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِحَقٍّ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّا شَرَطْنَا فِي الذِّمَّةِ أَنْ نُقِرَّهُ عَلَى دِينِهِ فَإِذَا أُكْرِهَ فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ المصنف هنا وآخرون (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في كتاب الطلاق وفى كتاب الكفارات وحكاهما الْغَزَالِيُّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَكِنَّهُ حَكَاهُمَا فِي الْكَفَّارَاتِ قَوْلَيْنِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَصِيرُ إلَى صِحَّتِهِ مَعَ أَنَّ إكْرَاهَهُ غَيْرُ سَائِغٍ وَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ لِكَوْنِهِ إكْرَاهًا بِحَقٍّ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فِي الذِّمِّيِّ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ مَمْنُوعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أُكْرِهَ
الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ تَحْتَ السَّيْفِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْغُمُوضِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ نَازِلَتَانِ فِي الْإِعْرَابِ عَنْ الضَّمِيرِ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 160)
________________________________________
والظاهر ممن يقولها تَحْتَ السَّيْفِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إخْبَارِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْمَوْلَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِذَا طَلَّقَ بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي لَهُ نَفَذَ طَلَاقُهُ لانه إكراه بحق أو لانه لَيْسَ بِحَقِيقَةِ إكْرَاهٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ بَلْ يَلْزَمُهُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ هَذَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ فَإِذَا تَلَفَّظَ بِهَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِالْفِسْقِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَلَغَتْ الزيادة (وإن قلنا) ينعزل لم يقع شئ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التَّصَرُّفَاتِ عندنا الا في خمسة مواضع (احداها) الْإِسْلَامُ فَيَصِحُّ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ الْمُكْرَهِ وَلَا يَصِحُّ إكْرَاهُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْأَصَحِّ (الثَّانِي) الْإِرْضَاعُ فَإِذَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ لَا بِالْقَصْدِ (الثَّالِثُ) الْقَتْلُ فإذا أكره عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ (الرَّابِعُ) الزِّنَا فَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحَدُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ التَّرَدُّدُ فِي تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ (الْخَامِسُ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ وَقَعَ طَلَاقُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ لَا يَقَعُ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا قَالَ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي التَّحْقِيقِ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ فَحَسْبُ وَإِلَى الْقَتْلِ عَلَى قَوْلٍ (وَأَمَّا) مَا عَدَاهُ فَسَبَبُهُ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَثْنِي هَذِهِ الْخَمْسَةَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ فَفِي فِطْرِهِ قَوْلَانِ سبقا في موضعهما الْأَصَحُّ لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ الْمُصَلِّي عَلَى الْكَلَامِ فَتَكَلَّمَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَمِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ الْمُصَلِّي حَتَّى فَعَلَ أَفْعَالًا كَثِيرَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) لَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ فِي الفريضة مع القدرة فصلى قاعد الزمه الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ
* (فَرْعٌ)
الْمُصَادَرُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَظْلِمُهُ بِطَلَبِ مَالٍ وَقَهْرِهِ عَلَى إحْضَارِهِ إذَا بَاعَ
مَالَهُ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْأَذَى الَّذِي يَنَالُهُ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِي مَسَائِلِ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ
(أَحَدُهُمَا)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 161)
________________________________________
لَا يَصِحُّ كَالْمُكْرَهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ وَمَقْصُودُ الظَّالِمِ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فِي حَالِ اخْتِيَارِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بما ذكره المصنف وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَهَذَا مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ
* وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَشْيَاءَ لَا يُحْتَجُّ بِهَا (مِنْهَا) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ خَطَبَنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَبَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (وَلا تنسوا الفضل بينكم) وشهد الاسرار وَيُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ وَمَا يُمْنَعُ الْمُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُطْعِمَ) وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الشَّيْخَ مَجْهُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَكُلُّهَا غَيْرُ قَوِيَّةٍ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يركبن رجلا بَحْرًا إلَّا غَازِيًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا وَتَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَلَا يُشْتَرَى مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فِي ضَغْطَةٍ) .
قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْعَقْدِ مِنْ طَرِيقِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْبَيْعِ لِدَيْنٍ أَوْ مُؤْنَةٍ تُرْهِقُهُ فَيَبِيعُ مَا فِي يَدِهِ فَالْوَكْسُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ فَسَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمُرُوءَةُ
أَنْ لَا يُتْرَكَ حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ وَلَكِنْ يُعَانُ وَيُقْرَضُ وَيُسْتَمْهَلُ لَهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ بَلَاغٌ فَإِنْ عَقَدَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 162)
________________________________________
الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ وَلَمْ يُفْسَخْ ولكن كرهه عامة أهل العلم.
هذا الفظ الخطابى رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (ولا ينعقد البيع إلا بالايجاب والقبول فاما المعاطاة فلا ينعقد بها البيع لان اسم البيع لا يقع عليه والايجاب أن يقول بعتك أو ملكتك أو ما أشبههما والقبول أن يقول قبلت أو ابتعت أو ما أشبههما فان قال المشترى بعني فقال البائع بعتك انعقد البيع لان ذلك يتضمن الايجاب والقبول وان كتب رجل الي رجل ببيع سلعة ففيه وجهان
(أحدهما)
ينعقد البيع لانه موضع ضرورة
(والثانى)
لا ينعقد وهو الصحيح فانه قادر على النطق فلا ينعقد البيع بغيره وقول القائل الاول أنه موضع ضرورة لا يصح لانه يمكنه أن يوكل من يبيعه بالقول)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاطَاةُ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ خَرَّجَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْهَدْيِ إذَا قَلَّدَهُ صَاحِبُهُ فَهَلْ يَصِيرُ بِالتَّقْلِيدِ هَدْيًا مَنْذُورًا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ لَا يَصِيرُ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهُ يَصِيرُ وَيُقَامُ الْفِعْلُ مَقَامَ الْقَوْلِ فَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَجْهًا فِي صِحَّةِ البيع بالمعاطاة
* ثُمَّ إنَّ الْغَزَالِيَّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ نَقَلُوا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ تَجُوزُ الْمُعَاطَاةُ فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَوَّزَهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ دُونَ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ جَوَّزَهَا وَلَمْ يُقَيِّدْ الْإِمَامُ فِي نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا قَيَّدَ فِي نَقْلِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ وَاكْتَفَى بِالتَّقْيِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَلَى الْغَزَالِيِّ كَوْنَهُ حَكَى عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَجْوِيزَهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَقَالَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْمُحَقَّرَاتِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى الْغَزَالِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ التَّخْصِيصُ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاخْتَارَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَ الْبَيْعِ بالمعاطاة فيما يعد بيعا وقال مالك كلما عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمِمَّنْ اخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا يُعَدُّ بَيْعًا
صَحِيحَةٌ وَأَنَّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَانَ الرويانى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 163)
________________________________________
يُفْتِي بِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَكَذَا قَالَهُ آخَرُونَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ لَفْظٌ لَهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى العرف فكلما عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا كَانَ بَيْعًا كَمَا فِي الْقَبْضِ وَالْحِرْزِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَلَفْظَةُ الْبَيْعِ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْبَيْعِ من النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي زَمَنِهِ وَبَعْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ في شئ مِنْهَا مَعَ كَثْرَتِهَا اشْتِرَاطُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَاَللَّهُ أعلم
* وأحسن من هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَوْضَحَهَا الْمُتَوَلِّي فَقَالَ الْمُعَاطَاةُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ بِأَنْ يَزِنَ النَّقْدَ وَيَأْخُذَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ لَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كُلُّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِالْمُعَاطَاةِ وَعَدَّهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ الْعَادَةُ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْجَوَارِي وَالدَّوَابِّ وَالْعَقَارِ لَا يَكُونُ بَيْعًا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى
* وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ المعاطاة بيع في المحقرات فاما النفيس فلابد فِيهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ الْقِيَاسُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِاللَّفْظِ وَقِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ وَالنَّفَائِسِ وَوَجْهُ طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَعْهُودًا قَبْلَ وُرُودِ الشرع فورد ولم يغير حقيقته بَلْ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مَا كَانَ عَدُّوهُ بَيْعًا جَعَلْنَاهُ بَيْعًا كَمَا يُرْجَعُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ إلَى الْعُرْفِ قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ لَفْظُ التَّبَايُعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
صُورَةُ الْمُعَاطَاةِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فِي مقابلته وَلَا يُوجَدُ لَفْظٌ أَوْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِذَا ظَهَرَ وَالْقَرِينَةُ وُجُودُ الرِّضَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَصَلَتْ الْمُعَاطَاةُ وَجَرَى فِيهَا الْخِلَافُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّصْوِيرِ الْمُتَوَلِّي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ آخَرُونَ قَالَ الشيخ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا وُجِدَ مِنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا فِي تَصْوِيرِهَا مِنْ ذِكْرِ لَفْظٍ كقوله خذ واعطى فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَرِينَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْبَيْعَ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي قُرِنَ بِالْعَطِيَّةِ فَإِنْ نَوَاهُ بِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ وَفِي صِحَّتِهِ بِالْكِنَايَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ مَعَ قَوْلِنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو
* فَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِبَيْعٍ بَلْ نَوَيَا أَخْذَهُ بِثَمَنِهِ الْمُعْتَادِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الناس
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 164)
________________________________________
فَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ وَلَا يُعَدُّ بَيْعًا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلْنَعْلَمْ هَذَا وَلْنَحْتَرِزْ مِنْهُ وَلَا نَغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُ الْحَوَائِجَ مِنْ الْبَيَّاعِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ مُبَايَعَةٍ وَلَا مُعَاطَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبُهُ وَيُعْطِيهِ الْعِوَضَ وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الرُّجُوعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُحَقَّرِ وَالنَّفِيسِ إلَى الْعُرْفِ فَمَا عَدُّوهُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ وَعَدُّوهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَإِلَّا فَلَا
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْمُحَقَّرَ دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَلْ يَتَجَاوَزُهُ إلَى مَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ بَيْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ إنَّ الْمُعَاطَاةَ لَا يَصِحُّ بِهَا الْبَيْعُ فَفِي حُكْمِ الْمَأْخُوذِ بِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مَجْمُوعَةً وَحَكَاهَا مُتَفَرِّقَةً آخَرُونَ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَيُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ منهما صاحبه بما دفعه إليه ان كان باقيا أو بدله إن كان تالفا ويجب على كُلَّ وَاحِدٍ رَدَّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَرَدُّ بَدَلِهِ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ مِثْلَ الْقِيمَةِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ هَذَا مُسْتَحِقٌّ ظَفَرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ لَا مَحَالَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا مُطْلَقًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا إبَاحَةٌ لَازِمَةٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ وَأَوْرَدْتُ عَلَيْهِ وَأَجَابَ فَأَوْرَدْتُ عَلَى جَوَابِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَحَاصِلُهُ تَضْعِيفُ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا ضَعَّفَهُ بِهِ هُوَ وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمَا مَا أَخَذَهُ وَبَقِيَ مَعَ الْآخَرِ مَا أَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْبَاقِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ بَدَلَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا إبَاحَةً لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ أَبَاحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ طَعَامَهُ وَأَكَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ لِلْآكِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِبَاحَةِ وَيَسْتَرِدَّ طَعَامَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْعِوَضَيْنِ يُسْتَرَدَّانِ فَإِنْ تَلِفَا فَلَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدِهِمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُمَا الضَّمَانُ وَيُتَرَادُّ مِنْهُمَا بِالتَّرَاضِي السَّابِقِ وَهَذَا قَوْلُ الشيخ أبى حامد الاسفراينى وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ سَائِرَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهُ فِيهَا وَإِنْ وُجِدَ الرِّضَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلِأَنَّ إسْقَاطَ الْحُقُوقِ طَرِيقُهُ اللَّفْظُ كالعفو عن
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 165)
________________________________________
الْقِصَاصِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدُّيُونِ فَإِنْ أَقَمْنَا التَّرَاضِيَ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي الْإِسْقَاطِ وَجَبَ أَنْ نُقِيمَهُ مَقَامَهُ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بَيْنَ النَّاسِ فِيهَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لِوُجُودِ طِيبِ النَّفْسِ بِهَا وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا هَذَا لَفْظُهُ فِي كِتَابِهِ الِانْتِصَارِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالثَّانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ بِهَا فِي الدَّارِ الآخرة وان كانت المطالبة ثابة فِي الدُّنْيَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) الْهَدِيَّةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَفِيهَا خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ إنْ صَحَّحْنَاهُ بالمعاطاة ولم نشترط فيهما لفظا فهما أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِنْ شَرَطْنَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الصَّدَاقِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يَشْتَرِطُ فِيهِمَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ كالبيع و (أصحهما) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَارُ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْأَثْبَاتُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ
* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُحْمَلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأخدها وَلَا لَفْظَ هُنَاكَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَ بِهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قِيلَ) كَانَ هَذَا إبَاحَةً لَا هَدِيَّةً وَتَمْلِيكًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ إبَاحَةً مَا تَصَرَّفُوا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَبِلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهَدَايَا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيُمَلِّكُهُ غَيْرَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ مَنْ اعْتَبَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ عَلَى الْأَمْرِ الْمُشْعِرِ بِالرِّضَا دُونَ اللَّفْظِ وَيُقَالُ الْإِشْعَارُ بِالرِّضَا يَكُونُ لَفْظًا وَيَكُونُ فِعْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَطْنَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ بِاللَّفْظِ فَالْإِيجَابُ كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ هَذَا أَوْ مَلَّكْتُكَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 166)
________________________________________
وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَفِي مَلَّكْتُكَ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْهِبَةِ وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَالْقَبُولُ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ أَوْ ابْتَعْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ أَوْ تَمَلَّكْتُ قَالَ الرافعى ويجئ فِي تَمَلَّكْتُ ذَلِكَ الْوَجْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ فَقَالَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ بِعْتُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْحَالَيْنِ بِلَا خِلَافٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ بَلْ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ أَوْ اشْتَرَيْتُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي تَمَلَّكْتُ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ مَلَّكْتُكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَكَذَا فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَقَالَ قبلت نكاحها أو قال أنكحتكها فَقَالَ قَبِلْتُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَنْعَقِدُ بِالصَّرِيحِ وَأَمَّا مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ فَضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ كَالنِّكَاحِ وَبَيْعِ الْوَكِيلِ إذَا شَرَطَ الْمُوَكِّلُ الْإِشْهَادَ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ النِّيَّةَ
(وَالثَّانِي)
مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يَقْبَلُ مَقْصُودُهُ التَّعْلِيقَ بِالْغَرَرِ كَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ فَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ وَمَقْصُودَ الْخُلْعِ الطَّلَاقُ وَهُمَا يَصِحَّانِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ
(وَالثَّانِي)
مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وغيرها وفي انقعاد هَذِهِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) الِانْعِقَادُ كَالْخُلْعِ وَلِحُصُولِ التَّرَاضِي مَعَ جَرَيَانِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ بَيْعِهِ جَمَلَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِيهِ (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْنِي جَمَلَكَ فَقُلْتُ إنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِثَالُ الْكِنَايَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ خُذْهُ مِنِّي بِأَلْفٍ أَوْ تَسَلَّمْهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَدْخَلْتُهُ فِي مِلْكِي بِأَلْفٍ أَوْ جَعَلْتُهُ لَكَ أَوْ هُوَ لَكَ بِأَلْفٍ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَوْ قَالَ أَبَحْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ فَلَيْسَ بكناية بلا خلاف لانه صريح في الاباحة فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ سَلَّطْتُكَ عَلَيْهِ
بِأَلْفٍ فَفِي كَوْنِهِ كِنَايَةً وَجْهَانِ كَقَوْلِهِ أَبَحْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَكُونُ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 167)
________________________________________
الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ أَبَحْتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي هَذَا الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ هُوَ فِيمَا إذَا عُدِمَتْ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ فَإِنْ تَوَفَّرَتْ وَأَفَادَتْ التَّفَاهُمَ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ الْمُقَيَّدُ بِالْإِشْهَادِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ الظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ عِنْدَ تَوَفُّرِ الْقَرَائِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِعْنِي فَقَالَ قَدْ بَاعَكَ اللَّهُ أَوْ بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ أَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَكَ اللَّهُ ابْنَتِي أَوْ قَالَ فِي الْإِقَالَةِ قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ أو قد رده الله عليك فَهَذَا كُلُّهُ كِنَايَةٌ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْإِقَالَةُ فَإِنْ نَوَاهُمَا صَحَّا وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا نَوَاهُمَا كَانَ التَّقْدِيرُ قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ لِأَنِّي أَقَلْتُكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَتَبَ إلَى غَائِبٍ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ هَلْ يَقَعُ بِالْكَتْبِ مَعَ النِّيَّةِ وَفِيهِ خِلَافٌ الاصح صِحَّتُهُ وَوُقُوعُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ فَهَذِهِ الْعُقُودُ أَوْلَى أَنْ لَا تَنْعَقِدَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَفِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ الْوَجْهَانِ فِي انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَا يَصِحُّ
(وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ ونحوه بالمكاتبة لحصول التراضي لاسيما وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّاجِحَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِتَرْجِيحِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْمُكَاتَبَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَشَرْطُهُ أَنْ يَقْبَلَ المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب هذا هُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَلْ يَكْفِي التَّوَاصُلُ اللَّائِقُ بَيْنَ الكتابين أما إذا تبايعا حَاضِرَانِ بِالْكِتَابَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ مَنَعْنَاهُ فِي الغيبة فههنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَإِذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ بِالْمُكَاتَبَةِ جَازَ الْقَبُولُ بِالْكَتْبِ وَبِاللَّفْظِ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الْكَتْبِ عَلَى الْقِرْطَاسِ والرق اللوح وَالْأَرْضِ وَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَاحِدٌ وَلَا أَثَرَ لِرَسْمِ الْأَحْرُفِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُكَاتَبَةِ لَوْ قَالَ بِعْتُ دَارِي لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ قَالَ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّ النُّطْقَ أَقْوَى مِنْ الْكَتْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
أَمَّا النِّكَاحُ فَفِي انْعِقَادِهِ بِالْمُكَاتَبَةِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ إمَامُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 168)
________________________________________
الحرمين والبغوى وآخرون قَالُوا إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَا بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ نَوَيْنَا كَانَتْ شَهَادَةٌ عَلَى إقْرَارِهِمَا لَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ وَمَنْ جَوَّزَهُ اعْتَمَدَ الْحَاجَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِالْمُكَاتَبَةِ فَلْيَكْتُبْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَيَحْضُرُ الْكِتَابَ عَدْلَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْضِرَهُمَا وَلَا أَنْ يَقُولَ لَهُمَا اشْهَدَا بَلْ لَوْ حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا كَفَى فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ الزَّوْجَ فَلْيَقْبَلْ لَفْظًا وَيَكْتُبُ الْقَبُولَ وَيَحْضُرُ الْقَبُولَ شَاهِدَا الْإِيجَابِ فَإِنْ شَهِدَهُ آخَرَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ شَاهِدٌ لَهُ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ حَضَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ شَاهِدَانِ وَيُحْتَمَلُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا اُحْتُمِلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ثُمَّ إذَا قَبِلَ لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ كَذَا مِنْ مَالِي أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِي فَإِنْ قُلْنَا الْوَكَالَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَكَتْبِ الطَّلَاقِ وَإِلَّا فَكَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى إذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ بِالْمُكَاتَبَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ فَقَبِلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ثَبَتَ له خيار المجلس مادام فِي مَجْلِسِ الْقَبُولِ قَالَ وَيَتَمَادَى خِيَارُ الْكَاتِبِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَهُ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) لَوْ قَالَ الطَّالِبُ بِعْنِي فَقَالَ بِعْتُكَ إنْ قَالَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلًا بِعْنِي فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ وَنَصَّ مِثْلَهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَقِيلَ قَوْلَانِ فِيهِمَا بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فِيهِمَا (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ
بِالْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصَّيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعْنِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ بِحَذْفِ الهمزة
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 169)
________________________________________
بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بَعْدَ طَلَبٍ وَمُرَاوَدَةٍ فَلَا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ كَالصُّورَةِ السَّابِقَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْعَقِدُ قَطْعًا أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَتَبِيعُنِي عَبْدَكَ بِكَذَا أَوْ قَالَ بِعْتَنِي بِكَذَا فَقَالَ بِعْتُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَتَشْتَرِي دَارِي أَوْ أَشْتَرَيْتَ مِنِّي فَقَالَ اشْتَرَيْتُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَهُ بِعْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَأَنْ لَا يَتَخَلَّلَهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ فَإِنْ طَالَ أَوْ تَخَلَّلَ لَمْ يَنْعَقِدْ سَوَاءٌ تَفَرَّقَا مِنْ المجلس أم لَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ ويضر الطويل وهو ما أشعر بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ كَلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بَطَلَ الْعَقْدُ
* وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِيجَابِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ (فَوَجْهَانِ) الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَالْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا وُجِدَ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ مِنْ أَحَدِهِمَا اُشْتُرِطَ إصْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ الشِّقُّ الْآخَرُ وَاشْتُرِطَ أَيْضًا بَقَاؤُهُمَا عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَقْدِ فَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ وُجُودِ الشِّقِّ الْآخَرِ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَطَلَ الايجاب فلو قَبِلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا لَوْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا حَيْثُ يُشْتَرَطُ إذْنُهَا ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَقْدِ بَطَلَ إذْنُهَا وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتُكَ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْعَقْدُ فَلَوْ كَانَ وَارِثُهُ حَاضِرًا فَقَبِلَ أَوْ جُنَّ فَقَبِلَ وَلِيُّهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْوَارِثِ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَسَنُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ انْتِقَالِ خِيَارِ الشَّرْطِ وخيار المجلس إلى الوراث فِي مَسَائِلِ الْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الْقَبُولِ الْإِيجَابَ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ صِحَاحٍ فَقَالَ قَبِلْتُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 170)
________________________________________
بِأَلْفٍ قِرَاضَةٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ حَالٍّ فَقَبِلَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ بِمُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرَيْنِ أَوْ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ نِصْفَهُ بخمسائة لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قَبُولًا وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قبلت نصفه بخمسائة ونصفه بخمسائة قَالَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا غَرِيبٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالظَّاهِرُ هُنَا فَسَادُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ السِّمْسَارُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا لِلْبَائِعِ بِعْتَ بِكَذَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ بِعْتُ وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتَ بِكَذَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ اشْتَرَيْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرافعي (أصحهما) عند الرافعى وغيره الانقعاد لِوُجُودِ الصِّيغَةِ وَالتَّرَاضِي
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ تَخَاطُبِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ فَقَطْ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِلْإِبْضَاعِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ قَالَ قَبِلْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فَإِنَّ الْقَبُولَ إلَى مَشِيئَةِ الْقَابِلِ وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى صِيغَتَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَمْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) يَفْتَقِرُ فَيَقُولُ بِعْتُ مَالَ وَلَدِي بِكَذَا وَاشْتَرَيْتُهُ لَهُ أَوْ قَبِلْتُهُ لَهُ لِتَنْتَظِمَ صُورَةِ الْبَيْعِ
(وَالثَّانِي)
يكفى أحدهما لانه لَمَّا قَامَ الْوَالِدُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَقَامَ
اثْنَيْنِ قَامَ لَفْظُهُ مَقَامَ لَفْظَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 171)
________________________________________
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأَخْرَسِ وَشِرَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ وَبِالْكِتَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ بِهِمَا جَمِيعُ عُقُودِهِ وَفُسُوخِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالظِّهَارِ وَالرَّجْعَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَنَحْوِهَا بَلْ قَالُوا إشَارَتُهُ الْمَفْهُومَةُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ فِيهِمَا خِلَافٌ وَهُمَا شَهَادَتُهُ وَإِشَارَتُهُ بِالْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُحْتَاطُ لَهَا وَالصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِكَلَامٍ حَقِيقِيٍّ وَهَذَا مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنْسَانٌ بَاعَ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَهَذِهِ صُورَتُهُ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ بَاعَ فِيهَا بِالْكَلَامِ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يُطِلْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ تَقْدِيمُ الْمُسَاوَمَةِ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ بَلْ لَوْ لَقِيَ رَجُلًا فِي طَرِيقِهِ فَقَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي حُكْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ وَلَا سَابِقَةٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِنْ صِيغَتَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ فِيمَا لَيْسَ بِضِمْنِيٍّ مِنْ الْبُيُوعِ فَأَمَّا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّيَغُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا بَلْ يَكْفِي فِيهِ الِالْتِمَاسُ وَالْإِعْتَاقُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ بِالْعَجَمِيَّةِ وسائر اللغات سواء احسن العربية أم لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ بِأَنَّ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ فَأَشْبَهَ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَالِ الْعَقْدِ فَيَقُولُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فَقَالَ الْمُخَاطَبُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا
يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا وَالثَّانِي يَكُونُ هِبَةً
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 172)
________________________________________
وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فَقَبَضَهُ الْقَابِلُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ فِي المقبوض بها وجهين (احدهما) انه مضمون (واصحهما) لَا وَالصَّحِيحُ هُنَا الضَّمَانُ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ وَهَبْتُ لَكَ هَذَا بِأَلْفٍ أَوْ هَذَا لَكَ هِبَةٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ هَلْ يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِظَوَاهِرِهَا أَمْ بِمَعَانِيهَا وَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الِاعْتِبَارُ بِظَوَاهِرِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَةِ الْمَعَانِي وَتَفْهِيمِ الْمُرَادِ مِنْهَا عِنْدَ إطْلَاقِهَا فَلَا تُتْرَكُ ظَوَاهِرُهَا وَلِهَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ بِهِ الظِّهَارَ أَوْ عَكْسَهُ تَعَلَّقَ بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَنْوِيِّ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ اللَّفْظِ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ أَلْفَاظَ اللُّغَةِ لَا يُعْدَلَ بِهَا عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ فِي اللُّغَةِ فَيُطْلَقُ اللَّفْظُ لُغَةً عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ فَكَذَا أَلْفَاظُ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ تَفْسُدُ بِاقْتِرَانِ شَرْطٍ مُفْسِدٍ فَفَسَادُهَا بِتَغَيُّرِ مُقْتَضَاهَا أَوْلَى (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَعَانِيهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَصْلُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَكَذَا هُنَا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مُقْتَضَاهُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْعَقْدِ إذ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ أَحَدُهَا غَالِبٌ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْغَالِبِ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ إذَا قَالَ وَهَبْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ بَيْعًا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَسَدَ الْعَقْدُ فَإِذَا حَصَّلَ الْمَالَ فِي يَدِهِ كَانَ مَقْبُوضًا بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً وَإِلَّا فَبَيْعٌ فَاسِدٌ (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ أَسْلَمْتُ هَذَا الدِّينَارَ أَوْ دِينَارًا فِي هَذَا الثَّوْبِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ بَيْعُ عَيْنٍ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَمٌ فَاسِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَ بَائِعٍ وَوَكِيلِ الْمُشْتَرِي فَلْيَقُلْ الْبَائِعُ لَهُ بِعْتُكَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُ وَيَنْوِي مُوَكِّلَهُ فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُ مُوَكِّلَك فُلَانًا فَقَالَ
الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا تَعَاقُدٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 173)
________________________________________
الْوَلِيَّ يَقُولُ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْتُ بِنْتِي فُلَانًا يَعْنِي الزَّوْجَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لَهُ فَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِيمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ قَبِلْتُ وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي لَكَ فَقَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ قَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ وَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ جَرَى النِّكَاحُ بَيْنَ وَكِيلَيْنِ فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُ فُلَانَةَ فُلَانًا فَقَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ صَحَّ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الزَّوْجَيْنِ كَالثَّمَنِ كالثمن والمثمن ولابد مِنْ تَسْمِيَتِهِمَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ وَالنِّكَاحُ يَرِدُ عَلَى الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ النِّكَاحَ لِزَيْدٍ بِوَكَالَتِهِ فَأَنْكَرَهَا زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى لِزَيْدٍ بِوَكَالَةٍ فَأَنْكَرَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه زَيْدًا فَزَوَّجَهَا وَكِيلُ زَيْدٍ لِزَيْدٍ صَحَّ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ وَكِيلُ زَيْدٍ لِزَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يقبل نقل الْمِلْكَ وَالْبَيْعَ يَقْبَلُهُ وَلِهَذَا يَقُولُ وَكِيلُ النِّكَاحِ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْ مُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ زَوِّجْنِي لِمُوَكِّلِي وَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ بِعْنِي لِمُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ بع موكله والله أعلم
* قال أصحابنا وفى الْهِبَةِ يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ وَكِيلِ الْمُتَّهَبِ أَنْ يسمى موكلي فِي الْقَبُولِ فَيَقُولَ قَبِلْتُ لِفُلَانٍ أَوْ لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَقَعَ لِلْمُخَاطِبِ لِجَرَيَانِ الْعَقْدِ مَعَهُ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُوَكِّل بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَقْصِدُ بِتَبَرُّعِهِ الْمُخَاطَبَ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُسْمَحُ عَلَيْهِ بِالتَّبَرُّعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الْعِوَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَشِرَائِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ كَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ الطلاق يقبل الاعزار قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَسْأَلَةِ السر والعلانية في الصداق وهى إذا تواطئا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ ثُمَّ عَقَدَاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَقَوْلَانِ هَلْ الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالسِّرِّ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْهَازِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بيعا والا فينقعد عملا باللفط وَلَا مُبَالَاةَ بِالْقَصْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَكَذَا ذَكَرَ الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ هُمَا قَوْلَانِ
قَالَ وَقِيلَ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 174)
________________________________________
قال المصنف رحمه الله
* (وإذا انعقد البيع ثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بين الفسخ والامضاء إلى أن يتفرقا أو يتخايرا لما روى ابن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر) والتفرق أن يتفرقا بأبدانهما بحيث إذا كلمه على العادة لم يسمع كلامه لما روى نافع (ان ابن عمر رضى الله عنه كان إذا اشترى شيئا مشى أذرعا ليجب البيع ثم يرجع) ولان التفرق في الشرع مطلق فوجب أن يحمل على التفرق المعهود وذلك يحصل بما ذكرناه وان لم يتفرقا ولكن جعل بينهما حاجز من ستر أو غيره لم يسقط الخيار لان ذلك لا يسمى تفرقا
* وأما التخاير فهو أن يقول أحدهما للآخر اختر امضاء البيع أو فسخه فيقول الآخر اخترت امضاءه أو فسخه فينقطع الخيار لقوله عليه السلام (أو يقول أحدهما للآخر اختر) فان خير أحدهما صاحبه فسكت لم ينقطع خيار المسؤول وهل ينقطع خيار السائل فية وجهان
(أحدهما)
لا ينقطع خياره كما لو قال لزوجته اختاري فسكتت فان خيار الزوج في طلاقها لا يسقط
(والثانى)
أنه ينقطع لقوله عليه السلام أو يقول أحدهما للآخر اختر) فدل على أنه إذا قال يسقط خياره ويخالف تخيير المرأة فان المرأة لم تكن مالكة للخيار وإذا خيرها فقد ملكها ما لم تكن تملكه فإذا سكتت بقى على حقه وههنا المشترى يملك الفسخ فلا يفيد تخييره اسقاط حقه من الخيار فان أكرها على التفرق ففيه وجهان
(أحدهما)
يبطل الخيار لانه كان يمكنه أن يفسخ بالتخاير فإذا لم يفعل فقد رضى باسقاط الخيار
(والثانى)
أنه لا يبطل لانه لم يوجد منه أكثر من السكوت والسكوت لا يسقط الخيار
* فان باعه على أن لا خيار له ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يصح لان الخيار جعل رفقا بهما فجاز لهما تركه ولان الخيار غرر فجاز اسقاطه وقال أبو إسحق لا يصح وهو الصحيح لانه خيار يثبت بعد تمام البيع فلم يجز اسقاطه قبل تمامه كخيار الشفيع (فان قلنا) بهذا فهل بطل العقد بهذا الشرط فيه وجهان
(أحدهما)
لا يبطل لان هذا الشرط لا يؤدى إلى الجهل بالعوض والمعوض
(والثانى)
يبطل لانه يسقط موجب العقد فأبطله
كما لو شرط أن لا يسلم المبيع)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 175)
________________________________________
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي أَذْرُعًا فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ نَافِعٌ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ له
* وقوله صلى الله عليه وسلم (أَوْ يَقُولَ) هَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي المهذب أو يقول وهو منصوب اللام وأوهنا ناصبة بتقدير الا ان يقول أو إلى أن يقول ولو كان معطوفا على مالكان مَجْزُومًا وَلَقَالَ أَوْ لِيَقُلْ (وَقَوْلُهُ) لِيَجِبَ الْبَيْعُ معناه ليلزم (قوله) وههنا الْمُشْتَرِي يَمْلِكُ الْفَسْخَ كَانَ الْأَجْوَدَ لِلْقَابِلِ بَدَلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْقَابِلَ قَدْ يَكُونُ الْبَائِعِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ قَالَ الْقَلَعِيُّ قِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ خِيَارِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا احْتِرَازَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ مَعْنَى الْعِلَّةِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخِيَارُ ضَرْبَانِ خِيَارُ نَقْصٍ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِ شئ مَظْنُونِ الْحُصُولِ وَخِيَارُ شَهْوَةٍ وَهُوَ مَا لَا يتعلق بفوات شئ فَالْأَوَّلُ لَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بَابَ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ سَبَبَانِ الْمَجْلِسُ وَالشَّرْطُ فَيُقَالُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَإِذَا صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ أَثْبَتْنَا فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَتَصِيرُ الْأَسْبَابُ ثَلَاثَةً
* ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِيمَا ثَبَتَ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مِنْ الْعُقُودِ وَقَدْ جَمَعَهَا أَصْحَابُنَا هُنَا وَأَعَادُوهَا فِي أَبْوَابِهَا مُفَرَّقَةً وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِهَا فِي أَبْوَابِهَا مُفَرَّقَةً وَالْمُخْتَارُ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ فَنَسْلُكُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعُقُودُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إمَّا مِنْ الطرفين كالشركة والوكالة والوديعة والعارية والدين والقراض وَالْجَعَالَةِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا كَالضَّمَانِ وَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ فَلَا خِيَارَ فِيهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ مَتَى شَاءَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْكِتَابَةِ وَالضَّمَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِمَّنْ حَكَاهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَتَطَرَّقُ الْفَسْخُ بِسَبَبٍ آخَرَ إلَى الرَّهْنِ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِ وَأَقْبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيُمْكِنُ فَسْخُ الرَّهْنِ بِأَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فَيُفْسَخَ الرَّهْنُ تَبَعًا (الضرب الثَّانِي) الْعُقُودُ اللَّازِمَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ وَارِدَةٌ عَلَى الْعَيْنِ وَوَارِدَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَبَيْعِ
الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا كُلِّهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَيُسْتَثْنَى منها
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 176)
________________________________________
صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا بَاعَ مَالَهُ لِوَلَدِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وجهان (أصحهما) ثُبُوتُهُ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ خِيَارٌ لِلْوَلَدِ وَخِيَارٌ لِلْأَبِ وَيَكُونُ الْأَبُ نَائِبَ الْوَلَدِ فَإِنْ أَلْزَمَ الْبَيْعَ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ لَزِمَ وَإِنْ أَلْزَمَ لِنَفْسِهِ بَقِيَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ فَإِذَا فَارَقَ الْمَجْلِسَ لَزِمَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ نَفْسَهُ وَإِنْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْوَجْهَ الاول قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ وَالثَّانِي قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ فَعَلَى الثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَّا بِأَنْ يَخْتَارَ الْأَبُ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ثبت الخيار للولد إذا ابلع وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ صِرْفًا فَفَارَقَ الْمَجْلِسَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا يَبْطُلُ عَلَى الثَّانِي إلَّا بِالتَّخَايُرِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يُبْنَى خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) هُوَ لِلْبَائِعِ فَلَهُمَا الْخِيَارُ وَلَا يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ الْخِيَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَلَهُمَا الْخِيَارُ فَإِذَا أَمْضَيَا الْعَقْدَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ بِالشِّرَاءِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ وَفِي عِتْقِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ الْخِيَارِ ثُمَّ حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ
(وَالثَّانِي)
يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ حِينَ الشَّرْيِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْأَجْنَبِيَّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَأَنْ لَا يُعْتِقَ الْعَبْدَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا إلَّا بِأَصْلِ الْعَقْدِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَقَالَ الْأَوْدَنِيُّ يَثْبُتُ وَتَابَعَ الْغَزَالِيُّ إمَامَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتِيَارُهُمَا شَاذٌّ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَيْعِ الْأَعْطِيَةِ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ قَالَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) قَالَ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَأَعْتَقَهُ صَحَّ قَالَ وَلَوْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي صَحَّ الْعَقْدُ وَلَمْ يُتَصَوَّرْ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ صَارَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ حُرًّا (الثَّالِثَةُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 177)
________________________________________
أَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ جَائِزٌ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَوْ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فِيهَا طَرِيقَيْنِ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ صِحَّتُهُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الحسن العبادي والقاضى حسين ومالا إلَى تَرْجِيحِ ثُبُوتِهِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي بِتَرْجِيحِ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ فَأَشْبَهَ الْكِتَابَةَ (الرَّابِعَةُ) فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي شَرْيِ الْجَمْدِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ (وَالْأَصَحُّ) ثُبُوتُهُ (الْخَامِسَةُ) إنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهَذَا الْمَبِيعُ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ (السَّادِسَةُ) إنْ بَاعَ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَنَذْكُرُهَا مَبْسُوطَةً قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَحَدُهَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةً
* هَذَا حُكْمُ الْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ وَاَللَّهُ أعلم
* ولا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَلَا فِي الْإِبْرَاءِ وَلَا فِي الْإِقَالَةِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا فَسْخٌ (وَإِنْ قُلْنَا) هِيَ بَيْعٌ فَفِيهَا الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً (وَإِنْ قُلْنَا) مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي ثُبُوتِهِ لِلشَّفِيعِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْفَارِقِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ الراجح في الدليل أيضا فان أثبتناه فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مادام فِي الْمَجْلِسِ مَعَ تَفْرِيعِنَا عَلَى قَوْلِنَا الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَوْرِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ له الخيار في نقض الملك ورده مادام فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهِيَ حَقِيقَةُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَأَمَّا) مَنْ اخْتَارَ عَيْنَ مَالِهِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أنه يثبت له الخيار مادام فِي الْمَجْلِسِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَا خِيَارَ فِي الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَفَسْخِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا فِي الْهِبَةِ إنْ لَمْ يكن ثَوَابٌ فَإِنْ كَانَ ثَوَابٌ مَشْرُوطٌ أَوْ قُلْنَا نَقِيصَتُهُ الْإِطْلَاقُ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا وَالْحَدِيثُ وَرَدَّ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ (قَالَ) الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 178)
________________________________________
أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا خِيَارَ قَطْعًا (وَأَمَّا) إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ وَإِلَّا فَإِنْ جَرَتْ بِالْإِجْبَارِ فَلَا رَدَّ وَإِنْ جَرَتْ بِالتَّرَاضِي (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا إقْرَارٌ فَلَا خِيَارَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ (وَقَالَ) الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَتْ قِسْمَةَ إجْبَارٍ وَقُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَلَا خِيَارَ لِلْمُجْبَرِ وَفِي الطَّالِبِ وَجْهَانِ كَالشَّفِيعِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَمِنْهُ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِيَارَ فِي الصَّدَاقِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ فَفُسِخَتْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ ثُبُوتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ وَالْأَصَحُّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْفُرْقَةُ بِحَالٍ
* وَمِنْهُ الْإِجَارَةُ وَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَرْخِيِّ - بِالْخَاءِ - يَثْبُتُ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ الْقَاصِّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُمْهُورِ لَا يَثْبُتُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ الْخِلَافُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ (أَمَّا) الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا قَطْعًا كَالسَّلَمِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ فَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُؤَجِّرُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (قَالَ) الْإِمَامُ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فِي الْقِيَاسِ (وَأَصَحُّهُمَا) أنه يحسب من وقت العقد فعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخياران كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهِيَ محسوبة على المؤجر وان كَانَ بَعْدَهُ (فَوَجْهَانِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الخيار على ضمان من يكون وفيه وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْأُجْرَةِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَيَحُطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ تِلْكَ الْمُدَّةَ
* (وَأَمَّا) الْمُسَاقَاةُ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ المجلس فيها طريقان أصحهما في الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْإِجَارَةِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ لِعِظَمِ الْغَرَرِ فِيهَا فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرُ الخيار
* (وأما المسابقة) فَكَالْإِجَارَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا لَازِمَةٌ وَكَالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا جَائِزَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ تَبَايَعَا بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 179)
________________________________________
وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَقْوَالًا (أَصَحُّهَا) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْقَدِيمِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ (وَالثَّالِثُ) صَحِيحٌ وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ وَلَوْ شَرَطَا نَفْيَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى قَوْلِنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَطَرَدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ الْخِلَافَ وَهَذَا الْخِلَافُ يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَا إذَا قَالَ لعبده ان بعتك فانت حرثم بَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْبَيْعُ بَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ لَمْ يَعْتِقْ (وَإِنْ قُلْنَا) صَحِيحٌ وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ عَتَقَ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَافِذٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِيمَا يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ عَقْدٍ ثَبَتَ فِيهِ هَذَا الْخِيَارُ حَصَلَ انْقِطَاعُ الْخِيَارِ فِيهِ بِالتَّخَايُرِ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ (أَمَّا) التَّخَايُرُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَا تَخَايَرْنَا أَوْ اخترنا امضاء العقد أو أمضيناه أَوْ أَجَزْنَاهُ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اخْتَرْتُ إمْضَاءَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ كَمَا إذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَ الشَّرْطِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْآخَرِ خِيَارٌ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَبَعَّضُ ثُبُوتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ سُقُوطُهُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ القاضى حسين وإمام الحرمين أنه لا يبط خِيَارُ الْقَائِلِ وَلَا صَاحِبِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الْخِيَارِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِمَا أَوْ يَسْقُطَ فِي حَقِّهِمَا ولا يمكن حَقُّ السَّاكِتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّ القائل أيضا وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فَاسِدٌ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) سُقُوطُ خِيَارِ الْقَائِلِ فَقَطْ
(وَالثَّانِي)
يَسْقُطُ خِيَارُهُمَا (وَالثَّالِثُ) يَبْقَى خِيَارُهُمَا (أَمَّا) إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ أَوْ خَيَّرْتُك فَقَالَ الْآخَرُ اخْتَرْتُ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ سَكَتَ الْآخَرُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ السَّاكِتِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي خِيَارِ الْقَائِلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْقُطُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اخْتَارَ وَاحِدٌ وَفَسَخَ الْآخَرُ حُكِمَ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الخيار ولو قالا أبطلنا أَوْ قَالَا أَفْسَدْنَا (فَوَجْهَانِ) حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ يُشْعِرُ بِمُنَاقَضَةِ الصِّحَّةِ وَمُنَافَاةِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَصَرُّفٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 180)
________________________________________
فِي الْخِيَارِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَالَ) الْإِمَامُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَكِنْ رَمَزَ إلَيْهِ شَيْخِي وَذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ (أَمَّا) إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ وَتَبَايَعَا الْعِوَضَيْنِ بَيْعًا ثَانِيًا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ رِضَاءٌ بِلُزُومِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ هَلْ يُمْنَعُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُمْنَعُ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فُسِخَ وَالصَّوَابُ
* الْأَوَّلُ وَلَوْ تَقَابَضَا فِي الصَّرْفِ ثُمَّ أَجَازَا فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَ الْعَقْدُ فَإِنْ اخْتَارَاهُ قبل التقابض فوجهان
(أحدهما)
تلغو الاجارة فَيَبْقَى الْخِيَارُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَأْثَمَانِ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُفَارَقَةِ أَثِمَ هُوَ وَحْدَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالتَّخَايُرِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّخَايُرَ كَالتَّفَرُّقِ وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الرِّبَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا التَّفَرُّقُ فَهُوَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَلَوْ أَقَامَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مُدَّةً مُتَطَاوِلَةً كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أو قاما وتماشيا مَرَاحِلَ فَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَعَا فِي أَمْرٍ آخَرَ وَأَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ فَطَالَ الْفَصْلُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالرُّجُوعُ فِي التَّفَرُّقِ إلَى الْعَادَةِ فَمَا عَدَّهُ الناس تفرقا فهو تفرق ملتزم للعقد ومالا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَانَا فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا أَوْ يَصْعَدَ السَّطْحَ وَكَذَا لَوْ كَانَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ أَوْ سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً حَصَلَ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى بَيْتٍ أَوْ صُفَّةٍ وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ سَاحَةٍ أَوْ بِيعَةٍ فَإِذَا وَلَّى أَحَدُهُمَا ظَهْرَهُ وَمَشَى قَلِيلًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ صَاحِبِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَلَّمَهُ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الصَّوْتِ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَحَّحَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ سِوَى الْإِصْطَخْرِيِّ
* وَاحْتَجُّوا لَهُ بِمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عن
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 181)
________________________________________
ابن عمر وهو صحيح عن ابن عمر كَمَا سَبَقَ وَدَلَالَتُهُ لِلْجُمْهُورِ ظَاهِرَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يُوَلِّيَهُ ظَهْرَهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ لَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَكِنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِنْ سِتْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ شُقَّ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ لَمْ يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ كَمَا لَوْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْقَطْعُ بِهِ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ سِتْرٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ
(وَالثَّانِي)
يَسْقُطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَادَّعَى أَنَّهُ يُسَمَّى تَفَرُّقًا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ إنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ أَوْ غيره لم يحصل التفرق لانهما لم يفترقا وَلِأَنَّهُمَا لَوْ غَمَّضَا أَعْيُنَهُمَا لَمْ يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ وَقَالَ وَالِدِي إنْ جُعِلَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا بِأَمْرِهِمَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ قَالَ وَقِيلَ إنْ أُرْخِيَ سِتْرٌ لَمْ يَحْصُلْ وَإِنْ بُنِيَ حائط حصل وليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَحْنُ الدَّارِ وَالْبَيْتُ الْوَاحِدُ إذَا تَفَاحَشَ اتِّسَاعُهُمَا كَالصَّحْرَاءِ فَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَنَادَيَا وَهُمَا مُتَبَاعِدَانِ وَتَبَايَعَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْخِيَارُ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا خِيَارَ لَهُمَا لِأَنَّ التَّفَرُّقَ الطَّارِئَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ فَالْمُقَارِنُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يقال يثبت ماداما فِي مَوْضِعِهِمَا فَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْآخَرِ أَمْ يَدُومُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَكَانَهُ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ماداما فِي مَوْضِعِهِمَا فَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ عُدَّ تَفَرُّقًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ وَسَقَطَ الْخِيَارُ هَذَا كَلَامُهُ وَالْأَصَحُّ فِي الْجُمْلَةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَهُ وَيَنْقَطِعُ بِذَلِكَ خِيَارُهُمَا جَمِيعًا وَسَوَاءٌ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ كَانَا مُتَبَاعِدَيْنِ فِي صَحْرَاءَ أَوْ سَاحَةٍ أَوْ كَانَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ أَوْ فِي صَحْنٍ وَصُفَّةٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أُكْرِهَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ فَحُمِلَ مُكْرَهًا حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهُ أَوْ أُكْرِهَ حَتَّى خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْفَسْخِ بِأَنْ سُدَّ فَمُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 182)
________________________________________
أَبُو حَامِدٍ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الاصحاب وقيل في انقطاعه وجهان قاله الفقال وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالْمَوْتِ قَالُوا وَهُنَا أَوْلَى بِبَقَائِهِ لِأَنَّ إبْطَالَ حَقِّهِ قهرا بعيد ما إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْفَسْخِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ
(وَالثَّانِي)
هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فيه وجهان ذكر المصنف دليلهما
(أحدهما)
ينقطع قاله أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْقَطِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ قَرِيبًا أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ أَثَرَ ذَلِكَ الْمَشْيِ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ مُنِعَ مِنْ الْفَسْخِ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ انْقَطَعَ أَيْضًا خِيَارُ الْمَاكِثِ فِي الْمَجْلِسِ لِحُصُولِ التَّفَرُّقِ وإلا فله التصرف بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ إذَا تَمَكَّنَ وَهَلْ خِيَارُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ التَّمَكُّنِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا مَاتَ وَقُلْنَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَارِثِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُقَيَّدُ بالفور وكان مستقراحين زَايَلَهُ الْإِكْرَاهُ فِي مَجْلِسٍ امْتَدَّ الْخِيَارُ امْتِدَادَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ مَارًّا فَإِذَا فَارَقَ فِي مُرُورِهِ مَكَانَ التَّمَكُّنِ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِيَجْتَمِعَ هُوَ وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ إنْ طَالَ الزَّمَانُ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ انْقَطَعَ حِسًّا فَلَا مَعْنَى لِلْعَوْدِ إلَيْهِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ قَالَ فَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ فَفِي تَكْلِيفِهِ الرُّجُوعَ احْتِمَالٌ وَاَللَّهُ أعلم
* و (إذا قُلْنَا) لَا يُبْطِلُ خِيَارُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُفَارَقَةِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الْمَاكِثِ أَيْضًا إنْ مُنِعَ الْخُرُوجَ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يبطل هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُفَرَّقُوا بَيْنَ مَنْ حُمِلَ مُكْرَهًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفَرُّقِ و (قال) الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا حمل مكرها فان أكرها حَتَّى تَفَرَّقَا بِأَنْفُسِهِمَا فَفِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ قَوْلَانِ كحنث الناسي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ هَرَبَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا مِمَّنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (وَقَالَ) البغوي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 183)
________________________________________
والرافعي إن لم يتبعه الآخر مع التمكن بَطَلَ خِيَارُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَطَلَ خِيَارُ الْهَارِبِ دُونَ الْآخَرِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ وَلِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ إذَا مَشَى عَلَى الْعَادَةِ بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْ والله أَعْلَمُ
* فَلَوْ هَرَبَ وَتَبِعَهُ الْآخَرُ قَالَ الْمُتَوَلِّي يدوم الخيار ماداما مُتَقَارِبَيْنِ فَإِنْ تَبَاعَدَا بِحَيْثُ يُعَدُّ فُرْقَةً بَطَلَ اختيارهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ جَاءَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَعًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَنَلْزَمُهُ وَقَالَ الثَّانِي لَمْ نَتَفَرَّقْ وَأَرَادَ الْفَسْخَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفَرُّقِ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّفَرُّقِ وَقَالَ الآخر فَسَخْتُ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (فَوَجْهَانِ) الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَاقُونَ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِتَصَرُّفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ
* وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَدَعْوَاهُ الْفَسْخَ فَسْخٌ وَلَوْ أَرَادَ الفسخ فقال الآخر أنت اخترت قَبْلَ هَذَا فَأَنْكَرَ الْإِجَازَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا فَسَخْتُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَالَ الْآخَرُ بَعْدَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ رَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُصَدَّقُ الْبَائِعُ
(وَالثَّانِي)
الْمُشْتَرِي (وَالثَّالِثُ) السَّابِقُ بالدعوي (والرابع) يقبل قول من يدع الْفَسْخَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فَسَخَ فِيهِ وَقَوْلُ الْآخَرِ فِي وَقْتِ التَّفَرُّقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ مَنْ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ وَالنَّاظِرِ فِي أَمْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَسَنُوَضِّحُهُ بِفُرُوعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَإِنْ خَرِسَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِلَّا نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ يَعْمَلُ مَا فِيهِ حَظُّهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 184)
________________________________________
(أَمَّا) إذَا نَامَا فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُسَمَّى تَفَرُّقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَاقِدِ فَلَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنُوَضِّحُهُ فِي الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ خِيَارُهُ إلَى سَيِّدِهِ (الْأَصَحُّ) الِانْتِقَالُ قَالَ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ كَمَا أَنَّهُ حَصَلَ لِلسَّيِّدِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ خِلَافٌ آخَرُ سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ فَلَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ فَسْخُهُ وَأَجْبَرْنَاهُ عَلَى بَيْعِهِ ثَانِيًا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَالْفَسْخُ وَهَكَذَا أَبَدًا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ
* مَذْهَبُنَا ثُبُوتُهُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَسَعِيدِ ابن المسيب وطاووس وعطاء وسريج والحسن البصري والشعبى والزهرى والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ بن عيينة وابن المبارك وعلي ان المدايني وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الايجاب والقبول وحكي هذا عن سريج وَالنَّخَعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فَظَاهِرُ الْآيَةِ جَوَازُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ بيعه في المجلس قبل التفرق وعن عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وغيره
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 185)
________________________________________
بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لا يملك الفسخ الا من مِنْ جِهَةِ الِاسْتِقَالَةِ
* وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ بِمَجْهُولٍ فَإِنَّ مُدَّةَ الْمَجْلِسِ مَجْهُولَةٌ فَأَشْبَهَ لَوْ شَرَطَا خِيَارًا مَجْهُولًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تبايعا الْمُتَبَايِعَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا تَبَايَعَ الْبَيْعَ وَأَرَادَ أَنْ يَجِبَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خِيَارًا قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا اشترى الشئ يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ بيعين لابيع بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبَائِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا محقت بركت بيعهما) رواه البخاري ومسلم وعن أبى الوضئ - بكسر الضاد المعجمة وبالهمز - واسمه عباد ابن نُسَيْبٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ قَالَ (غَزَوْنَا غَزْوَةً فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا لِغُلَامٍ ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ فَقَامَ إلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ وَنَدِمَ وَأَتَى الرَّجُلَ وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إليه فقال بينى وبينك أبوبرزة صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَقَالُوا لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خير
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 186)
________________________________________
أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْبَيْعِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ رَجُلًا فَلَمَّا بَايَعَهُ قَالَ اخْتَرْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا الْبَيْعُ) رَوَاهُ أَبُو داود الطيالسي والبيهقي وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ رواية أبى هريرة وجابر وسمرة وعمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ عَنْ ابن عمر قال (بعث أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالًا بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ تخيير فَلَمَّا تَبَايَعَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ من بينه خشية أن يرد فِي الْبَيْعِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَلَمَّا وَجَبَ بيعي وبيعه رأيت انى قد غبنته فأتى سعيه إلَى أَرْضِ ثَمُودَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَسَاقَنِي إلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ الْحَدِيثُ (فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) أَثْبَتُ مِنْ هَذِهِ الْأَسَاطِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عن على بن المدائني عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ فَحَدَّثُوا بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ أَبُو حنيفة ليس هذا بشئ أَرَأَيْتَ إنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ قَالَ ابْنُ المدائني إنَّ اللَّهَ سَائِلُهُ عَمَّا قَالَ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ اعْتَرَضَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهَا بَلَغَتْهُمَا (فَأَمَّا) مَالِكٌ فَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ الْآنَ مِنْ قَوْلِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَفَرُّقُهُمَا (وَأَمَّا) مَالِكٌ فَقَالَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَة لَا يُثْبِتُونَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا خَالَفَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَرَكَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَالِاعْتِرَاضَانِ بَاطِلَانِ مَرْدُودَانِ لِمُنَابَذَتِهِمَا السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ فَنَحْنُ نقول به فان خيارهما يدوم ماداما مجتمعين في السفينة ولو بقياسنة وَأَكْثَرَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُبَيَّنَةً وَدَلِيلُهَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ فَهُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُ وَحْدَهُ مُنْفَرِدٌ بِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ السُّنَنِ لِتَرْكِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْعَمَلَ بِهَا وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْمَذْهَبُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ وَرُوَاةَ الْأَخْبَارِ لَمْ يَكُونُوا فِي عَصْرِهِ وَلَا فِي الْعَصْرِ الَّذِي قَبْلَهُ مُنْحَصِرِينَ فِي الْمَدِينَةِ وَلَا فِي الْحِجَازِ بَلْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ قِطْعَةٌ مِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 187)
________________________________________
الْأَخْبَارِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَنَقَلَهَا وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَبُولُهَا وَمَعَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ مُتَصَوَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْإِطَالَةِ فِيهَا هُنَا هَذَا كُلُّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَكِنْ لَيْسَ هُمْ مُتَّفِقِينَ فَهَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مالك قد أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَغْلَظَ فِي الْقَوْلِ بِعِبَارَاتٍ مَشْهُورَةٍ حَتَّى قَالَ يُسْتَتَابُ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى اتِّفَاقِهِمْ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخيار أراد ماداما فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ حقيقة وإنما يقال كانا مبتايعين (قَالَ أَصْحَابُنَا) فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ
* (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشافعي رحمه الله وهو أنهما ماداما فِي الْمُقَاوَلَةِ يُسَمَّيَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ وَلَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ مَا بَايَعَ وَكَانَ مُسَاوِمًا وَتَقَاوَلَا فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْقِدَا لَمْ يَحْنَثْ بِالِاتِّفَاقِ
(والثانى)
أن المتبايعان اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ مَعْنَى لَا يَصِحُّ اشْتِقَاقُهُ حَتَّى يُوجَدَ
* (الْمَعْنَى الثَّالِثُ) إنْ حُمِلَ الْخِيَارُ عَلَى مَا قُلْنَا يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةٌ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً قَبْلَ الْحَدِيثِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ يَخْرُجُهُ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَا عَقَدَا وَإِنْ شَاءَا تَرَكَا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَّ الْخِيَارَ إلَى التَّفَرُّقِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِثُبُوتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَقْدِ (الْخَامِسُ) أَنَّ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ إلْزَامَ الْبَيْعِ مَشَى قَلِيلًا لِيَنْقَطِعَ الْخِيَارُ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْحَدِيثِ
* (فَإِنْ قِيلَ) الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ ما جاءتهم البينة) فَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ (قُلْنَا) الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَيْسَ تَفَرُّقًا مِنْهُمَا فِي الْقَوْلِ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقَوْلَ فَغَرَضُهُ أَنْ يَقْبَلَهُ صَاحِبُهُ فَإِذَا قَبِلَهُ فَقَدْ وَافَقَهُ وَلَا يُسَمَّى مُفَارَقَةً وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَقِيَاسَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ منكم) فهو انه عام مخصوص بما ذكرنا وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يستوفيه) فانه عام مخصوص بما ذكرنا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) فَهُوَ أَنَّهُ دليل لنا كما جعله
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 188)
________________________________________
التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ دَلِيلًا لِإِثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَخَافَةَ أن يختار الفسخ فعبر بالاقالة عَنْ الْفَسْخِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَشْيَاءُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
الْخِيَارَ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ثُمَّ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الْمَجْلِسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقَالَةِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَالَةِ الْفَسْخُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْإِقَالَةِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُفَارَقَةِ مَخَافَةَ أَنْ يُقِيلَهُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا الْمَالَ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدَانِ بِفَسَادِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ خِيَارٌ مَجْهُولٌ أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ شَرْعًا لَا يَضُرُّ جَهَالَةُ زَمَنِهِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِهِمَا فَاشْتُرِطَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا إذَا قَامَا مِنْ مَجْلِسٍ وَتَمَاشَيَا جَمِيعًا دَامَ خِيَارُهُمَا ماداما مَعًا وَإِنْ بَقِيَا شَهْرًا أَوْ سَنَةً هَذَا مذهبنا وحكى الرويانى عن عبيد الله بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَنْقَطِعُ بِهِ مفارقة مجلسهما وإن كانا (١) وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِإِبْطَالِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ هَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ حَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُنْقَضُ لِلِاخْتِلَافِ
(وَالثَّانِي)
يُنْقَضُ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز شرط خيار ثلاثة أيام في البيوع التى لا ربا فيها لما روى مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ حِبَّانَ قَالَ كَانَ جدى قد بلغ ثلاثين ومائة سنة لا يترك البيع والشراء ولا يزال يخدع فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بايعته فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا.
(فأما) في البيوع التى فيها الربا وهى الصرف وبيع الطعام بالطعام فلا يجوز فيها شرط الخيار لانه لا يجوز أن يتفرقا قبل تمام البيع ولهذا لا يجوز أن يتفرقا إلا عن قبض العوضين فلو جوزنا شرط الخيار لتفرقا ولم يتم البيع بينهما وجاز شرط الخيار في ثلاثة أيام وفيما دونها لانه إذا جاز شرط الثلاث فما دونها أولى
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 189)
________________________________________
بذلك ولا يجوز اكثر من ثلاثة ايام لانه غرر وإنما جوز في الثلاث لانه رخصة فلا يجوز فيما زاد ويجوز أن يشترط لهما ولاحدهما دون الآخر ويجوز أن يشترط لاحدهما ثلاثة أيام وللآخر
يوم أو يومان لان ذلك جعل إلى شرطهما فكان على حسب الشرط فان شرط ثلاثة أيام ثم تخايرا سقط قياسا على خيار المجلس
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ مُرْسَلًا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ فَثَبَتَ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا مُرْسَلًا وَحَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَصَحَّفَهُ الْمُتَفَقِّهُونَ وَنَحْوُهُمْ وَهُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْغَبْنُ وَالْخَدِيعَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحق قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَكَأَنِّي الْآنَ أَسْمَعُهُ إذَا ابْتَاعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ قال ابن اسحق فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ حبان قال كان جدى منقد بْنَ عَمْرٍو وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أُصِيبَ فِي رأس أمه وَكُسِرَتْ لِسَانُهُ وَنَقَصَتْ عَقْلُهُ وَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ لَا يَدْعُ التِّجَارَةَ فَشَكَا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا ابْتَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ بَيْعٍ تَبْتَاعُهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ) فَبَقِيَ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَنَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَكَبِرَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَرَجَعَ بِهِ فَقَالُوا لَهُ لِمَ تَشْتَرِي أَنْتَ فَيَقُولُ قَدْ جَعَلَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ابْتَعْتُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَقُولُونَ أَرْدُدْهُ فَإِنَّكَ قَدْ غُبِنْتَ أَوْ قَالَ غُشِشْتَ فَيَرْجِعُ إلَى بَيْعِهِ فَيَقُولُ خُذْ سِلْعَتَكَ وَأَرْدُدْ دَرَاهِمِي فَيَقُولُ لَا أَفْعَلُ قد رضيت فدهبت حَتَّى يَمُرَّ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ فِيمَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 190)
________________________________________
تَبْتَاعُ ثَلَاثًا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ دَرَاهِمَهُ وَيَأْخُذُ سِلْعَتَهُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي ترجمة منقد بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ اسحق ومحمد بن اسحق الْمَذْكُورُ فِي إسْنَادِهِ هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْأَكْثَرُونَ وَثَّقُوهُ وَإِنَّمَا عَابُوا عَلَيْهِ التَّدْلِيسَ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ سَمِعْتُ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُصَرِّحَةِ بِالسَّمَاعِ اُحْتُجَّ بِهِ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسَائِرِ الْمُحَدِّثِينَ وَجُمْهُورِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَإِنَّمَا يَتْرُكُونَ مِنْ حَدِيثِ المدلس ما قال فيه عنه وقد سبقت هذه المسألة مقررة مرات لكن القطعة التى ذكرها محمد بن اسحق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمُرْسَلَ إذَا اعْتَضَدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ بِمُسْنَدٍ أَوْ بِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ بِفُتْيَا عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ احْتَجَّ بِهِ وَهَذَا الْمُرْسَلُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى جَوَازِ شَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) مَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ وَبَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَهُ وَاشْتُرِطَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ فَمُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ أَقْوَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَهُوَ كَافٍ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ فِي دَلَالَتِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَتْ مُدَّتُهُ مَعْلُومَةً (الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنْعَ شَرْطِ الْخِيَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُذْرِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ للحاجة فيقتصر فيه على ما تدعوا إلَيْهِ الْحَاجَةُ غَالِبًا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَهُ فِي الْإِشْرَافِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ لَحْظَةً بَطَلَ الْبَيْعُ (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ دُونَهَا إذَا كَانَ مَعْلُومًا كَمَا ذكره المصنف ويجوز أن
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 191)
________________________________________
يشرط الخيار لاحدهما ويجوز لهما وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْآخَرِ يَوْمَانِ أَوْ يَوْمٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْلُومًا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) يبطل البيع
(والثانى)
يصح ويباع عند الاشرف عَلَى الْفَسَادِ وَيُقَامُ ثَمَنُهُ مَقَامَهُ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ فَلَوْ شَرَطَا خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ الغد أو متى شاءا أَوْ شَرَطَا خِيَارَ الْغَدِ دُونَ الْيَوْمِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ (قَالَ أَصْحَابُنَا) وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً فَإِنْ شَرَطَا الْخِيَارَ مُطْلَقًا وَلَمْ يقدراه بشئ أَوْ قَدَّرَاهُ بِمُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ كَقَوْلِهِ بَعْضُ يَوْمٍ أو إلى أن يجئ.
زَيْدٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَوْ شَرَطَاهُ إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ شَرَطَاهُ إلَى طُلُوعِهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ قَدْ لَا يَحْصُلُ لِحُصُولِ غَيْمٍ فِي السَّمَاءِ قَالَ فَلَوْ قَالَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ إلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ صَحَّ لِأَنَّ الْغُرُوبَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي سُقُوطِ قُرْصِ الشَّمْسِ هَذَا كَلَامُ الزُّبَيْرِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْهُ الْمُتَوَلِّي وَسَكَتَ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) شَرْطُهُمَا إلَى وَقْتِ الطُّلُوعِ وَإِلَى الْغُرُوبِ أَوْ وَقْتِ الْغُرُوبِ فَيَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الزُّبَيْرِيُّ وَأَمَّا إذَا شَرَطَاهُ إلَى الطُّلُوعِ فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْغَيْمَ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ إشْرَاقِ الشَّمْسِ وَاتِّصَالِ الشُّعَاعِ لَا مِنْ نَفْسِ الطُّلُوعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا تَبَايَعَا نَهَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ أَوْ لَيْلًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى النَّهَارِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَدْخُلُ الزَّمَنُ الْآخَرِ فِي الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَدْخُلُ لِأَنَّ لَفْظَةَ إلَى قَدْ تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (لا تأكلوا أموالهم الي أموالكم) دَلِيلُنَا أَنَّ أَصْلَ إلَى الْغَايَةُ فَهَذَا حَقِيقَتُهَا فَلَا تُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى مَعَ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ فَفِيهِ جَوَابَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ فَفِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقْدِيرُهُ.
مُضَافَةً إلَى أَمْوَالِكُمْ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ بِمَعْنَى مَعَ مَجَازًا فَلَا يَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ فِي غَيْرِهَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَلِأَنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ رَمَضَانُ فِي الْأَجَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرابعة)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 192)
________________________________________
ذا شَرَطَا الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ أَسْقَطَاهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ سَقَطَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَهُ سَقَطَ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ وَلَوْ أَسْقَطَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ سَقَطَ الْجَمِيعُ وَلَوْ أَسْقَطَا الثَّالِثَ لَمْ يَسْقُطْ
مَا قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فَلَوْ قَالَ أَسْقَطْتُ الْخِيَارَ فِي الْيَوْم الثَّانِي بِشَرْطِ أَنَّهُ يَبْقَى فِي الثَّالِثِ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ ان يشرط خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عَنْ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ الْيَوْمَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْقَاطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الشَّرْطَ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ حُكِمَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ مِنْ الْعُقُودِ قَالَ أَصْحَابُنَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ مَعَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا لَكِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَسْرَعُ وَأَوْلَى ثُبُوتًا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فَقَدْ يَنْفَكَّانِ لِهَذَا فَإِذَا أَرَدْتَ التَّفْصِيلَ فَرَاجِعْ مَا سَبَقَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي صُوَرِ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبُيُوعَ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ كَالصَّرْفِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَوْ الْقَبْضِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ فِيهَا وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ السَّلَمِ هُنَا وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ (الثَّانِي) أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ فِي الشُّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إذَا كَانَ رَجَعَ فِي سِلْعَةٍ بَاعَهَا ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ (الرَّابِعُ) فِي الْهِبَةِ بشرط الثواب وَفِي الْإِجَارَةِ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِهِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَأَمَّا) شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الصَّدَاقِ فَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَفَسَادُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدْ اشْتَهَرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا خِلَابَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهُمَا عَالِمَانِ بِمَعْنَاهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِالِاشْتِرَاطِ وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ قَطْعًا فَإِنْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 193)
________________________________________
وَابْنُ الْقَطَّانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ لِأَنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَارِفٍ بِهِ
(فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وغيره
(أحدهما)
يصح العقد ويكون تقدير الصُّورَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فقط وهذا قول أبى اسحق قَالَ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَازَ ذَلِكَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطِ خِيَارٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا مُطْلَقًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ الْقَوْمَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا يَوْمًا وَفِي الْآخَرِ يَوْمَيْنِ (وَالْأَصَحُّ) صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيمَا شُرِطَ عَلَى مَا شَرَطَ
* وَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ فِيهِمَا ثُمَّ أَرَادَا الْفَسْخَ فِي أَحَدِهِمَا فَعَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِشَرْطِ خِيَارِ يَوْمٍ اقْتَضَى إطْلَاقَهُ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ نِصْفَ النَّهَارِ مَثَلًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَدْخُلَ اللَّيْلُ فِي حُكْمِ الْخِيَارِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثَبَتَ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي اللَّيْلِ ثَبَتَ الْخِيَارُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ اللَّيْلِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 194)
________________________________________
(فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَا فِي الْبَيْعِ خِيَارًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فَلَوْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا
لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ قُدِّرَ الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُتَوَهَّمَ دُخُولُ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا خِلَافَ فِي الصُّورَتَيْنِ
* عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَقَعَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَبِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ وَالْجَهَالَةِ يَعُودُ صَحِيحًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ الزِّيَادَةُ فَسَدَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَوْقُوفٌ
* دَلِيلُنَا أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ دَائِمًا لَمْ يُعَدَّ صَحِيحًا كَمَا لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ (أَمَّا) إذَا أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هُنَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ جَارِيَانِ فِي كُلِّ شَرْطٍ فَاسِدٍ قَارَنَ الْعَقْدَ ثُمَّ حُذِفَ فِي الْمَجْلِسِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ حُكْمٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ الله قال لو لم يذكروا فِي السَّلَمِ أَجَلًا ثُمَّ ذَكَرَاهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ إنَّمَا ثَبَتَ لِعَقْدٍ صَحِيحٍ لَا لِفَاسِدٍ (وَأَمَّا) السَّلَمُ فَفَرَّعَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ صِحَّةُ السَّلَمِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ حَالًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَبَايَعَا بِغَيْرِ إثْبَاتِ خِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ شَرَطَا فِي الْمَجْلِسِ خِيَارًا أَوْ أَجَلًا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ (الْأَصَحُّ) ثُبُوتُهُ وَيَكُونُ كَالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ مِنْ الشُّرُوطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يشرط الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْبَيْعَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يَجُوزُ الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَهُ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 195)
________________________________________
مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ هُنَا وَالْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّل فِي هَذَا وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَهَذَا مِنْهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَجَوَّزْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ أَذِنَ
فِيهِ الْمُوَكِّلُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَحَّحْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يلزمه رعاية الحط لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُ استئمان قَالَ وَهَذَا الْمَعْنَى أَظْهَرُ إذَا جَعَلْنَاهُ نَائِبًا عَنْ الْعَاقِدِ ثُمَّ هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ مَعَ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقُلْنَا يَثْبُتُ لَهُ هَلْ يَثْبُتُ لِلشَّارِطِ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ فَكَانَ لِمَنْ شَرَطَهُ خَاصَّةً أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَأَطْلَقَ فَشَرَطَ الْوَكِيلُ الْخِيَارَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِمُوَكِّلِي فَقَدْ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ
(وَالثَّانِي)
لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ (وَالثَّالِثُ) لَهُمَا وَالْأَصَحُّ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَلَا إجَازَةٍ تَمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَلْزَمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ دَلِيلُنَا أَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ لَزِمَ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ * قال المصنف رحمه الله (وان شرط الخيار لاجنبي ففيه قولان
(أحدهما)
لا يصح لانه حكم من أحكام العقد فلا يثبت لغير المتعاقدين كسائر الاحكام
(والثانى)
يصح لانه جعل إلى شرطهما للحاجة وربما دعت الحاجة إلى شرطه للاجنبي بأن يكون أعرف بالمبتاع منهما
* فان شرطه للاجنبي (وقلنا) إنه يصح فهل يثبت له فيه وجهان
(أحدهما)
يثبت له لانه إذا ثبت للاجنبي من جهة فلان يثبت له أولى
(والثانى)
لا يثبت لان ثبوته بالشرط فلا يثبت الا لمن شرطه له
* قال الشافعي رحمه الله في الصرف
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 196)
________________________________________
إذا اشتري بشرط الخيار على أن لا يفسخ حتى يستأمر فلانا لم يكن لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بالفسخ فمن أصحابنا من قال له أن يفسخ من غير اذنه لان له أن يفسخ من غير شرط الاستئمار فلا يسقط حقه بذكر الاستئمار وتأول ما قاله على انه أراد أنه لا يقول استأمرته الا
بعد أن يستأمره لئلا يكون كاذبا (ومنهم) من حمله على ظاهره أنه لا يجوز أن يفسخ لانه ثبت بالشرط فكان على ما شرط)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْعَاقِدَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهًا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ قَالَ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا لَا خِيَارَ فِيهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَبِيِّ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْعَبْدِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْعَقْدِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ وَأَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي صُورَةِ الْعَبْدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَأَمَّا إذَا صَحَّحْنَاهُ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَصِحُّ لِلْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ على القولين بين أن يشرطا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ يَشْرِطُ أَحَدُهُمَا لِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ لَآخِرَ فَلَوْ شَرَطَهُ أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ مِنْ جِهَتِهِ وَشَرَطَهُ الْآخَرُ لِزَيْدٍ أَيْضًا مِنْ جِهَتِهِ صَحَّ عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّتِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ الْوَاحِدِ فِي طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَلَا يَنْفَرِدُ وَكِيلُهُمَا (وَأَمَّا) الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَانْفَرَدَ بِهِ وَكِيلُهُمَا
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيِّ وَصَحَّحْنَاهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ الْأَجْنَبِيِّ بِاللَّفْظِ بَلْ يَكُونُ امْتِثَالُهُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ مَالِي فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي قَبُولِ الْوَكَالَةِ إقْدَامُهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 197)
________________________________________
عَلَى الْبَيْعِ قَالُوا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِالرَّدِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ لَهُ فَهَلْ يَثْبُتُ لِلشَّارِطِ أَيْضًا فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَجَمَاعَةً حَكَوْهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ
الرُّويَانِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَثْبُتُ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَفِي الْإِمْلَاءِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً عَلَى رِضَاءِ غَيْرِهِ كَانَ لِلَّذِي شُرِطَ لَهُ الرِّضَا الرَّدُّ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهُ لِلشَّارِطِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بَلْ خَصَصْنَا بِهِ الْأَجْنَبِيَّ فَمَاتَ الْأَجْنَبِيُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَهَلْ يَثْبُتُ الْآنَ لِلشَّارِطِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا يَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَالشَّارِطِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَسْخِ فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَارَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يُؤَامِرَ فُلَانًا فَيَأْتِيَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِالْفَسْخِ
* وَتَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي النَّصِّ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ وَأَيُّ مَدْخَلٍ لَوْ أُمِرَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ هَذَا وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِالْأَصَحِّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ إنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ لِلْأَجْنَبِيِّ يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَبِيِّ هَذَا جَوَابٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي بيناه ومؤيد به وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ مَذْكُورٌ احْتِيَاطًا وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِئْمَارُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ استأمرته إلا بعد الاستئمار لئلا يكون كاذبا ونقل المارودى هذا عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْبَصْرِيِّينَ كَافَّةً وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ لِأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ (الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي) أَنَّهُ أَطْلَقَ فِي التَّصْوِيرِ شَرْطَ الْمُؤَامَرَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا باتفاقهم وبه قطع الجمهور أنه محمول عَلَى مَا إذَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِالثَّلَاثَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ
(وَالثَّانِي)
يُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الغائب
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 198)
________________________________________
إذَا جَوَّزْنَاهُ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (قَالَ) الْبَغَوِيّ وَإِذَا شَرَطَ الْمُؤَامَرَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يُؤَامِرْهُ وأمره ولم يشر بشئ لَزِمَ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَرِدُ هُوَ بِالْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ في مدة الثلاثة حتى يؤامر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقُلْنَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لَهُ وَثَبَتَ لَهُ وَلَهُمَا فَتَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَرَّحَا بِنَفْيِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَفِي صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَالنَّفْيِ وَجْهَانِ حكاهما امام الحرمين (أحدها) يَصِحُّ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أصح * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا شرط الخيار في البيع ففى ابتداء مدته وجهان
(أحدهما)
من حين العقد لانه مدة ملحقة بالعقد فاعتبر ابتداؤها من حين العقد كالاجل ولانه لو اعتبر من حين التفرق صار أول مدة الخيار مجهولا لانه لا يعلم متى يفترقان
(والثانى)
انه يعتبر من حين التفرق لان ما قبل التفرق الخيار ثابت فيه بالشرع فلا يثبت فيه بشرط الخيار (فان قلنا) ان ابتداءه من حين العقد فشرط ان يكون من حين التفرق بطل لان وقت الخيار مجهول ولانه يزيد الخيار على ثلاثة أيام (وإن قلنا) ان إبتداءه من حين التفرق فشرط أن يكون من حين العقد ففيه وجهان
(أحدهما)
يصح لان ابتداء الوقت معلوم
(والثانى)
لا يصح لانه شرط ينافى موجب العقد فأبطله)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا قُلْنَا لَا يُحْسَبُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا فَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ حِينِ انْقِطَاعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إمَّا بِالتَّخَايُرِ وَإِمَّا بِالتَّفَرُّقِ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَطَّانِ وَابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُصَنِّفِينَ حَتَّى قال الرويانى قول ابن القطان ليس بشئ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَشَرَطَاهُ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ بَطَلَ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ البيع
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 199)
________________________________________
وَالشَّرْطُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ فَشَرَطَاهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَوَجْهَانِ مشهوران ذكرهما الصمنف بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْبَيْعُ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَبْطُلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) ابْتِدَاءُ
الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَانْقَضَتْ وَهُمَا مُصْطَحِبَانِ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَفَرَّقَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ وَلَوْ أَسْقَطَا أَحَدَ الْخِيَارَيْنِ سَقَطَ وَلَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ وَلَوْ قَالَا أَلْزَمْنَا الْعَقْدَ أَوْ أَسْقَطْنَا الْخِيَارَ سَقَطَا جَمِيعًا وَلَزِمَ الْبَيْعُ هَذَا تَفْرِيعُ كَوْنِهِ مِنْ الْعَقْدِ (فَأَمَّا) إذَا قُلْنَا مِنْ التَّفَرُّقِ فَإِذَا تَفَرَّقَا انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَابْتُدِئَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنْ أَسْقَطَا الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَسْقُطُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ شَرَطَا الْخِيَار بَعْد الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ (فَإِنْ قُلْنَا) ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ التَّفَرُّقِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ الْعَقْدِ حُسِبَتْ الْمُدَّةُ هُنَا مِنْ حِينِ الشَّرْطِ لَا مِنْ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ التَّفَرُّقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَفِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الْأَجَلِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَجْهًا وَاحِدًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُرَتَّبٌ على ابتداء مدة الخيار ان جَعَلْنَاهَا مِنْ الْعَقْدِ فَالْأَجَلُ أَوْلَى بِذَلِكَ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ التَّفَرُّقِ فَفِي الْأَجَلِ وَجْهَانِ وَهَذَا الطريق مشهور في كتب الخراسانين وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو عَلِيِّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَمَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالُوا فِي ابْتِدَاءِ مُدَّةِ الخيار والاجل ثلاثة أوجه (أصحها) مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ (وَالثَّالِثُ) الْأَجَلُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْخِيَارُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا أَقْرَبَ بِخِلَافِ خيار الشَّرْطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يُحْسَبُ الْأَجَلُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَقُلْنَا الْخِيَارُ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ كَالْأَجَلِ فَكَانَ قَرِيبًا وَالْخِيَارُ فِي التَّحْقِيقِ تَأْجِيلٌ لِإِلْزَامِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 200)
________________________________________
الْمِلْكِ أَوْ نَقْلِهِ وَالْأَجَلُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَمَنْ قَالَ بِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ عَنْ الْعَقْدِ عن خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبِشَرْطِ الْأَجَلِ أَنْ يَفْسَخَ أَوَّلَ الْأَجَلِ بَعْدَ انْقِضَاءِ خِيَارِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ
* وَالْمَذْهَبُ أَنَّ
الْأَجَلَ مِنْ الْعَقْدِ سَوَاءٌ شُرِطَ خِيَارُ الثَّلَاثِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الوسيط (وأما) مُدَّةُ الْإِجَازَةِ إذَا قُلْنَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ فَفِي ابْتِدَائِهَا هَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَجَلِ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مِنْ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن ثبت له الخيار فله أن يفسخ في محضر من صاحبه وفى غيبته لانه رفع عقد جعل إلى اختياره فجاز في حضوره وغيبته كالطلاق)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ جُعِلَ إلَى اخْتِيَارِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُجْعَلَا إلَى اخْتِيَارِهِ وَحْدَهُ بَلْ إلَى اخْتِيَارِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَفِي غيبته لما ذكره المصنف وهذا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَلِهَذَا قَاسَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مَجْمَعٌ عَلَى نُفُوذِهِ بِغَيْرِ حُضُورِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ إذَا قَالَ أَقِلْنِي ثُمَّ غَابَ فِي الْحَالِ ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ أَقَلْتُكَ بِحَيْثُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامِهِ صَحَّتْ الاقالة وان لم يسمعه لبعد مِنْهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا فَسَخَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ مَالِكِهَا فَفِي صِحَّةِ الْفَسْخِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ هُنَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِالْقَوْلِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ فَسَخْتُ الْأَمَانَةَ كَانَ عَلَى الْأَمَانَةِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَيَرْتَفِعُ حُكْمُ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَيَبْقَى حُكْمُ الْأَمَانَةِ كَالثَّوْبِ إذَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي دَارِ إنْسَانٍ يَكُونُ أَمَانَةً وَإِلَّا يَكُونُ وَدِيعَةً فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 201)
________________________________________
أَخَّرَ الْإِعْلَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ ضَمِنَ هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ
* وَجَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِصِحَّةِ فَسْخِ الْوَدِيعَةِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَنْفَسِخُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَهَلَكَتْ ضَمِنَ (فَإِنْ قِيلَ)
لَوْ انْفَسَخَتْ الْوَدِيعَةُ لَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْفَسِخَ وَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً (قُلْنَا) لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَنْفَسِخَ وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَلِهَذَا لَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَقَالَ فَسَخْتُ وديعتي انفسخت وتكون امانة في يد إلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا فَإِنْ ذَهَبَ لِيُحْضِرَهَا فَتَلِفَتْ قبل التمكن لم يضمنها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* فان تصرف في المبيع تصرفا يفتقر إلى الملك كالعتق والوطئ والهبة والبيع وما أشبهها نظرت فان كان ذلك من البائع كان ذلك اختيارا للفسخ لانه تصرف يفتقر إلى الملك فجعل اختيارا للفسخ والرد إلى الملك وان كان ذلك من المشترى ففيه وجهان (قال) أبو إسحق ان كان ذلك عتقا كان اختيارا للامضاء وان كان غيره لم يكن ذلك اختيارا لان العتق لو وجد قبل العلم بالعيب منع الرد فاسقط خيار المجلس وخيار الشرط وما سواه لو وجد قبل العلم بالعيب لم يمنع الرد بالعيب فلم يسقط خيار المجلس وخيار الشرط (وقال) أبو سعيد الاصطخرى الجميع اختيار للامضاء وهو الصحيح لان الجميع يفتقر إلى الملك فكان الجميع اختيارا للملك ولان في حق البائع الجميع واحد فكذلك في حق المشترى فان وطئها المشترى بحضرة البائع وهو ساكت فهل ينقطع خيار البائع بذلك فيه وجهان
(أحدهما)
ينقطع لانه أمكنه أن يمنعه فإذا سكت كان ذلك رضاء بالبيع
(والثانى)
لا ينقطع لانه سكوت عن التصرف في ملكه فلا يسقط عليه حكم التصرف كما لو رأى رجلا يخرق ثوبه فسكت عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ احْتِرَازً مِنْ الِاسْتِخْدَامِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ سُكُوتٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُودِعِ إذَا رَأَى مَنْ يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ فَسَكَتَ عَنْهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 202)
________________________________________
بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ الْبَائِعِ فَسَخْتُ الْبَيْعَ أَوْ اسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ أَوْ رَدَدْتُهُ أَوْ رَدَدْتُ الثَّمَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا فَسْخٌ وَالْإِجَازَةُ أَجَزْتُ الْبَيْعَ وَأَمْضَيْتُهُ وَأَسْقَطْتُ الْخِيَارَ وَأَبْطَلْتُ الْخِيَارَ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَقَوْلُ البائع في زمن الخيار لا أبتع حَتَّى يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ مَعَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لَا أَفْعَلُ يَكُونُ فَسْخًا وَكَذَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي لَا أَشْتَرِي حَتَّى يُنْقِصَ عَنِّي مِنْ الثَّمَنِ مَعَ قَوْلِ الْبَائِعِ لَا أَفْعَلُ وَكَذَا طَلَبُ
الْبَائِعِ حُلُولَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَطَلَبُ الْمُشْتَرِي تَأْجِيلَ الثَّمَنِ الْحَالِّ كُلُّ هَذَا فَسْخٌ
* هَذَا كَلَامُ الصَّيْمَرِيِّ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَكَتُوا عَلَيْهِ مُوَافِقِينَ لَهُ (الثَّانِيَةُ) إعْتَاقُ الْبَائِعِ إذا كان الخيار لهما أوله وَحْدَهُ يَنْفُذُ وَيَكُونُ فَسْخًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي بَيْعِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَيْسَ بِفَسْخٍ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ فَسْخٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ كَالْعِتْقِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ بَلْ يَحْصُلُ الْفَسْخُ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الوجهان في التزويج والاجازة وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ إنْ اتَّصَلَ بِهِمَا الْقَبْضُ سَوَاءٌ وَهَبَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنْ تَجَرَّدَ الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ عَنْ الْقَبْضِ فَهُوَ كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مُتَّصِلًا بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِذْنُ فِي الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلُ فِيهِ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِمَا قَبْضٌ فِي جَمِيعِ هَذَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كُلَّهَا فَسْخٌ إنْ صَدَرَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَإِجَازَةٌ إنْ صَدَرَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا لَيْسَتْ فَسْخًا وَلَا إجَازَةً
* وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَائِعِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْهِبَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْقَبْضِ وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ مُسْتَدْرَكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) لَوْ وَطِئَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ فَسْخٌ لِإِشْعَارِهِ بِاخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَوْ وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ لَا تَكُونُ رَجْعَةً (وَالثَّالِثُ) إنْ نَوَى بِهِ الْفَسْخَ كَانَ فَسْخًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَحَكَى الثَّالِثَ مِنْهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ قَالُوا وَالْفَرْقُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 203)
________________________________________
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ الرَّجْعَةَ جُعِلَتْ لَتَدَارُكِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَابْتِدَاءُ مِلْكِ النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ وَأَمَّا فَسْخُ الْبَيْعِ فَلِتَدَارُكِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَابْتِدَاءُ مِلْكِ الْيَمِينِ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَسَبْيِ الْجَارِيَةِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ رَكِبَهَا هَلْ يَكُونُ فَسْخًا فِيهِ وَجْهَانِ
حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وغيره (احدهما) يكون وبه القطع البغوي كالوطئ وَالْعِتْقِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ فَسْخًا وَزَيَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ مَنْ قَالَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ فَسْخٌ وَقَالَ هُوَ هَفْوَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ الْغَزَالِيُّ على الشافعي في مسألة وطئ الْبَائِعِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ نَحْوَ مَا سَبَقَ فِي فَرْقِ الرَّجْعَةِ وَحَاصِلُهُ الِاحْتِيَاطُ لِلنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ (الرابعة) وطئ الْمُشْتَرِي هَلْ هُوَ إجَازَةٌ مِنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يكون اجازة لانه متضمن للرضا وكما جعلنا وطئ البائع فسخا لتضمنه الرضا كذا وطئ المشتري اجازة لتضمنه الرضا
(والثانى)
لا لان وطئ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَإِنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ عَالِمًا بِثُبُوتِ الخيار له حالة الوطئ بطل خياره وان كان جاهلا فلا وصور جَهْلُهُ بِأَنْ يَرِثَ الْجَارِيَةَ مِنْ مُوَرِّثِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَاسَهُ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ وَطِئَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَإِنْ وَطِئَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ فَحَصَلَ وَجْهٌ رَابِعٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ دُونَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إعْتَاقُهُ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ نَفَذَ وَحَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِي نُفُوذِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْرِيعِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِمَنْ هُوَ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ فَإِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 204)
________________________________________
كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ نَفَذَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفُذُ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْحُصُولُ أَيْضًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا وَاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَتَّجِهُ ان يقال ان أعتق وهو يعلم عدم نُفُوذَهُ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ (أَمَّا) إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَقَفَ أَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فلا ينفذ شئ مِنْ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَكُونُ إجَازَةً فِيهِ وَجْهَانِ
مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ إجَازَةً وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب
(والثانى)
لا يكون قاله ابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاشَرَ الْمُشْتَرِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ التَّصَرُّفِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِجَازَةُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِجَازَةِ (قَالَ) ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يَصِيرُ الْبَيْعُ لَازِمًا وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ أَنَّا إذَا لَمْ نُنَفِّذْهَا كَانَ سُقُوطُ الْخِيَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَمُوَافِقُوهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ فِي طَحْنِ الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ فَطَحَنَهَا فَإِنَّهُ إجَازَةٌ مِنْهُمَا (قَالَ) الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُجَرَّدُ الْإِذْنِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَكُونُ إجَازَةً مِنْ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفَ حَتَّى لَوْ رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ وَفِي هَذَا الَّذِي قَالُوهُ نظر لان الاعتبار بالدلالة على الرضا وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ خِلَافٌ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَةَ فَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ إجَازَةً مِنْهُ وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فان كان جاهلا بوطئ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ قَطْعًا وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِنْهُ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مهر ولا قيمة الوطئ قَطْعًا وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَطَأُ أَوْ رَآهُ يَطَأُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ البائع ويكون مخيرا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ مُجِيزًا قَطْعًا وَكَمَا لَوْ سَكَتَ على وطئ أَمَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ قَطْعًا أَوْ عَلَى تَخْرِيقِ ثَوْبِهِ لَا يُسْقِطُ الْقِيمَةَ قَطْعًا هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُفَرَّقُوا بَيْنَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا أبطلنا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 205)
________________________________________
خيار المشترى بالوطئ وكان البائع جاهلا بوطئ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ فِيمَا إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ هَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ الْبَائِعِ أَمْ لَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالشَّرْطِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ أَذِنَ له البائع في الوطئ وَلَمْ يَطَأْهَا هَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ (إنْ قُلْنَا) إذَا رآه يطاء فَسَكَتَ يَبْطُلُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ هُنَا صَرِيحُ الْإِذْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بِبَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ وَنَحْوِهَا وَصَحَّحْنَاهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ أُذِنَ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تُبْطِلُ مَالِيَّةَ الممتنع وهى قابلة للرفع والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان جن من له الخيار أو أغمى عليه انتقل الخيار إلى الناظر في ماله وإن مات فان كان في خيار الشرط انتقل الخيار الى من ينتقل إليه المال لانه حق ثابت لاصلاح المال فلم يسقط بالموت كالرهن وحبس المبيع على الثمن فان لم يعلم الوارث حتى مضت المدة ففيه وجهان
(أحدهما)
يثبت له الخيار في القدر الذى بقى من المدة لانه لما انتقل الخيار إلى غير من شرط له بالموت وجب أن ينتقل إلى غير الزمان الذى شرط فيه
(والثانى)
انه تسقط المدة ويثبت الخيار للوارث على الفور لان المدة فاتت وبقى الخيار فكان على الفور كخيار الرد بالعيب وان كان في خيار المجلس فقد روى المزني أن الخيار للوارث وقال في المكاتب إذا مات وجب البيع فمن أصحابنا من قال لا يسقط الخيار بالموت في المكاتب وغيره (وقوله) في المكاتب وجب البيع أراد به انه لا ينفسخ بالموت كما تنفسخ الكتابة ومنهم من قال يسقط الخيار في بيع المكاتب ولا يسقط في بيع غيره لان السيد يملك بحق الملك فإذا لم يملك في حياة المكاتب لم يملك بعد موته والوارث يملك بحق الارث فانتقل إليه بموته ومنهم من نقل جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وخرجهما على قولين
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 206)
________________________________________
(أحدهما)
انه يسقط الخيار لانه إذا سقط الخيار بالتفرق فلان يسقط بالموت - والتفرق فيه أعظم - أولى
(والثانى)
لا يسقط وهو الصحيح لانه خيار ثابت لفسخ البيع فلم يبطل بالموت كخيار الشرط فعلى هذا ان كان الذى انتقل إليه الخيار حاضرا ثبت له الخيار الا أن يتفارقا أو يتخايرا وان كان غائبا ثبت له الخيار إلى أن يفارق الموضع الذى بلغه فيه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِإِصْلَاحِ الْمَالِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَأَسْلَمْنَ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الْخِيَارَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ (وَقَوْلُهُ) خِيَارٌ ثَابِتٌ لِفَسْخِ البيع احترز بِالْفَسْخِ عَنْ خِيَارِ الْقَبُولِ فِي إيجَابِ الْبَيْعِ وَهُوَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ
يَقْبَل الْوَارِثُ عَنْهُ وَاحْتَرَزَ بِالْبَيْعِ عَنْ فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعَيْبِ وَبِعِتْقِ الْأَمَةِ تَحْتَ عَبْدِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَخِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَإِلَى السَّيِّدِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ فِي مُدَّتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى أَنَّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ مُخَرَّجًا مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَمَرْدُودٌ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَإِنْ كانت المدة باقية عند بلوع الْخَبَرِ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ الْخِيَارُ إلَى انْقِضَائِهَا وَإِنْ كانت قد انقضت فأربعة أوجه الوجهان الْأَوَّلَانِ مِنْهَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ بَقِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ (والثالث) يبقى الخيار مادام الْمَجْلِسُ الَّذِي بَلَغَهُ فِيهِ الْخَبَرُ حَكَاهُ الْقَفَّالُ والرويانى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 207)
________________________________________
وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ لِفَوَاتِ الْمُدَّةِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْخِيَارَ لِوَارِثِهِ وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا بَاعَ وَمَاتَ فِي الْمَجْلِسِ وَجَبَ الْبَيْعُ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بدلائلها واضحة (احدها) وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ وَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَثْبُتُ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمُفَارَقَةِ مِنْ مُفَارَقَتِهِ بِالْبَدَنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَثْبُتُ لَهُمَا قَطْعًا وَتَأْوِيلُ نَصِّ الْمُكَاتَبِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّالِثُ) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ دُونَ السَّيِّدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ
* وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَفِي انْتِقَالِ الْخِيَارِ إلَى وَارِثِهِمَا وَسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ أَوْ اشْتَرَى وَمَاتَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ لَلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ فِيهِ الْخِلَافُ كَالْمُكَاتَبِ هَذَا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَجْلِسِ الْوَكِيلِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ ضَعِيفٍ يُعْتَبَرُ مجلس الموكل
وهو شاذ ليس بشئ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَيِّتِ (وَأَمَّا) الْعَاقِدُ الْآخَرُ الْحَيُّ فَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّ خِيَارَهُ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُ خِلَافٍ لِمَا سَبَقَ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَبَعَّضُ سُقُوطُهُ كَمَوْتِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَهُ ثُمَّ يَنْقَطِعَ
(وَالثَّانِي)
يَبْقَى إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالْوَارِثُ الْآخَرُ (وَالثَّالِثُ) يَمْتَدُّ إلَى مُفَارَقَتِهِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 208)
________________________________________
وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ فَإِذَا بَلَغَ الْخَبَرُ إلَى وَارِثِهِ حَدَثَ لِهَذَا الْحَيِّ الْخِيَارُ مَعَهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قُلْنَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ امْتَدَّ الْخِيَارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا وَصَلَهُ الْخَبَرُ وَهَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا وَرِثَهُ الْوَارِثُ وَبَلَغَهُ الْخَبَرُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِي وَجْهٍ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي وَجْهٍ يَمْتَدُّ كَمَا كَانَ يَمْتَدُّ لِلْمَيِّتِ لَوْ بَقِيَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِهِ لِلْعَاقِدِ الْبَاقِي
(أحدهما)
له الخيار مادام فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ خِيَارُ الْوَارِثِ ثَابِتًا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يُشَاهِدُ فِيهِ الْمَبِيعَ
(وَالثَّانِي)
يَتَأَخَّرُ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالْوَارِثُ فِي مَجْلِسٍ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ وَجَمَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الخلاف فحكى في المسألة ثلاثة أوجه (أحدها) يَثْبُتُ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ
(وَالثَّانِي)
مَا لَمْ يُفَارِقْ مَجْلِسَ بُلُوغِ الْخَبَرِ (وَالثَّالِثُ) مَا لَمْ يَجْتَمِعْ هُوَ وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا أَبْصَرَ السِّلْعَةَ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّ خيار الوارث يثبت مادام فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَرِثَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَكَانُوا حُضُورًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَهُمْ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يُفَارِقُوا الْعَاقِدَ الْآخَرَ وَلَا يَنْقَطِعُ بِمُفَارَقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَكْثَرُونَ فَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ قُلْنَا فِي الْوَارِثِ الْوَاحِدِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ مُشَاهَدَةِ الْمَبِيعِ
فَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَالْعَاقِدُ وَكَذَا لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا هُمْ وَهُوَ وَمَتَى فَسَخَ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ (احدهما) لا ينفسخ في شئ (وَأَصَحُّهُمَا) يَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ كَالْمُوَرِّثِ لَوْ فَسَخَ فِي حَيَاتِهِ فِي بَعْضِهِ وَأَجَازَ فِي بَعْضٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُبَعَّضُ الفسخ لان فيه اضرار بِالْعَاقِدِ الْآخَرِ قَالَ وَلَوْ حَضَرَ بَعْضُهُمْ وَغَابَ الْبَعْضُ فَلِلْحَاضِرِ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ وَقُلْنَا يَغْلِبُ الْفَسْخُ نَفَذَ الْفَسْخُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 209)
________________________________________
فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ أَجَازَ تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ إلَى الْغَائِبِ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ فِي حِصَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَثْبُتُ الْفَسْخُ لِكُلٍّ مِنْ وَرَثَتِهِ كَعَكْسِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لِأَحَدِهِمْ الْفَسْخُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَيَزُولُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ المتولي
* (فرع)
لوجن الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ بَلْ يَقُومُ وَلِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ مُخَرَّجٌ مِنْ الْمَوْتِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ قَالَ وليس هو بشئ وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ فهو على خياره والانصب الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
* (فَرْعٌ)
إذَا جُنَّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَأَقَامَ الْقَاضِي فِيمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْخِيَارِ فَفَسَخَ الْقَيِّمُ أَوْ أَجَازَ فَأَفَاقَ الْعَاقِدُ وَادَّعَى أَنَّ الْغِبْطَةَ خِلَافُ مَا فَعَلَهُ الْقَيِّمُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدَ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ الْمُفِيقُ مَكَّنَهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَنَقَضَ فِعْلَ الْقَيِّمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الْمُفِيقُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فَعَلَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُفِيقُ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ حَيْثُ أَثْبَتْنَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ لِلْوَارِثِ وَكَانَ وَاحِدًا فَإِنْ
قَالَ أَجَزْتُ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَإِنْ قَالَ فَسَخْتُ انْفَسَخَ وَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ وَفَسَخْتُ أَوْ فَسَخْتُ وَأَجَزْتُ فَالْحُكْمُ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا وَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ في النصف وفسخت فِي النِّصْفِ غَلَبَ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَأَجَازَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْفَسْخُ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ مَجْلِسَ الْعَقْدِ فَحَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَمَنَعَهُ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الِامْتِثَالُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 210)
________________________________________
فَيَنْقَطِعُ خِيَارُ الْوَكِيلِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رُجُوعُ الْخِيَارِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُشْكِلٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يَمْتَثِلُ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَنْعُ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ بَيَانَ (١) الْوَكَالَةِ الَّتِي مُقْتَضَاهَا امْتِثَالُ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ مُوهِمَةً إثْبَاتَ خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَمَاتَ من لا خيار له بقى الخيار للآخر بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ وَإِنَّمَا يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْطِ وَتُتَصَوَّرُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخَيَّرُ فِي الْمَجْلِسِ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَحَّحْنَاهُ وَخَصَّصْنَاهُ بِهِ دُونَ الشَّارِطِ فَمَاتَ فَفِي انْتِقَالِهِ إلَى الشَّارِطِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُكَاتَبِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ يَصِحُّ وَخَصَّصْنَاهُ بِهِ فَمَاتَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْتِقَالِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ الْخِلَافُ كَالْمُكَاتَبِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِ الْوَكِيلِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَحَكَى أَيْضًا طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَطْعًا وَادَّعَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَطَرِيقًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ قَطْعًا وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا الطَّرِيقَ وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ وَالصَّحِيحُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى سَيِّدِهِ فِيهِ
الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِلَا خِلَافٍ إذَا مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ التَّقْصِيرِ الْمُسْقِطِ
* وَهَذَا حُكْمُ خِيَارِ الْخُلْفِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ كَاتِبٌ فَأَخْلَفَ وَنَحْوَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَكَذَا الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ ينتقل إلى الوارث
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 211)
________________________________________
فَأَمَّا خِيَارُ الْقَبُولِ فَلَا يُورَثُ بِلَا خِلَافٍ وَصُورَتُهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ فِي الْحَالِ لَا يَصِحُّ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ
* وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا قَبِلَ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ صَحَّ الْبَيْعُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي مَسَائِلِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِعُ لَوْ قَالَ رَجَعْتُ أَوْ أَبْطَلْتُ الْإِيجَابَ بَطَلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ أَبْطَلْتُ عَلَيْكَ خِيَارَكَ لَمْ يَبْطُلْ حقه يبطل فَمَا كَانَ جَائِزًا سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَمَا كَانَ لَازِمًا لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَالْعُقُودِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ الْجَائِزُ مِنْهَا دُونَ اللَّازِمِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا فَمَاتَ الْوَاهِبُ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ الْعَيْنَ فَلَا يَرِثُونَ الْخِيَارَ مِنْهَا وَكَمَا لَا يُورَثُ حَقُّ النِّكَاحِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَحَدُّ مَا يُورَثُ وَمَا لَا يُورَثُ مِنْ الْحُقُوقِ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَازِمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ يُورَثُ بِوِرَاثَةِ الْمَالِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ حَدًّا صَحِيحًا فَإِنَّهُ تَرَكَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّهِ: (مِنْهَا) حَدُّ الْقَذْفِ (وَمِنْهَا) الْقِصَاصُ (وَمِنْهَا) النَّجَاسَاتُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا كَالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَقُلْنَا يُنْتَقَلُ إلَى الْوَرَثَةِ فَكَانُوا أَطْفَالًا أَوْ مجانين قال الرويانى وغيره ينصب القاضى (١) فيما يَفْعَلُ مَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ جُنَّ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قال المصنف رحمه الله:
(وفى الوقت الذى ينتقل الملك في البيع الذي فيه خيار المجلس أو خيار الشرط ثلاثة أقوال (أحدها) ينتقل بنفس العقد لانه عقد معاوضة يوجب الملك فانتقل الملك فيه بنفس العقد كالنكاح
(والثانى)
أنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار لانه لا يملك التصرف إلا بالعقد وانقضاء الخيار فدل على أنه لا يملك إلا بهما (والثالث) أنه موقوف مراعى فان لم يفسخ العقد تبينا أنه ملك بالعقد وان فسخ تبينا
________________________________________
(١) كذا بالاصل ولعله من
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 212)
________________________________________
أنه لم يملك لانه لا يجوز أن يملك بالعقد لانه لو ملك بالعقد لملك التصرف ولا يجوز أن يملك بانقضاء الخيار لان انقضاء الخيار لا يوجب الملك فثبت أنه موقوف مراعى فان كان المبيع عبدا فأعتقه البائع نفذ عتقه لانه ان كان باقيا على ملكه فقد صادف العتق ملكه وإن كان قد زال ملكه عنه الا انه يملك الفسخ فجعل العتق فسخا وان أعتقه المشترى لم يخل إما أن يفسخ البائع البيع أو لا يفسخ فان لم يفسخ وقلنا إنه يملكه بنفس العقد أو قلنا انه موقوف نفذ عتقه لانه صادف ملكه (وإن قلنا) إنه لا يملك بالعقد يعتق لانه لم يصادف ملكه وان فسخ البائع وقلنا إنه لا يملك بالعقد أو موقوف لم يعتق لانه لم يصادف ملكه (وان قلنا) إنه يملك بالعقد ففيه وجهان (قال) أبو العباس ان كان موسرا عتق وان كان معسرا لم يعتق لان العتق صادف ملكه وقد تعلق به حق الغير فاشبه عتق المرهون (ومن) أصحابنا من قال لا يعتق وهو المنصوص لان البائع اختار الفسخ والمشترى اختار الاجازة بالعتق والفسخ والاجازة إذا اجتمعا قدم الفسخ ولهذا لو قال المشترى اجزت وقال البائع بعده فسخت قدم الفسخ وبطلت الاجازة وان كانت سابقة للفسخ (فان قلنا) لا يعتق عاد العبد إلى ملك البائع (وان قلنا) يعتق فهل يرجع البائع بالثمن أو القيمة قال أبو العباس يحتمل وجهين
(أحدهما)
يرجع بالثمن ويكون العتق مقررا للعقد ومبطلا للفسخ
(والثانى)
أنه يرجع بالقيمة لان البيع انفسخ وتعذر الرجوع إلى العين فرجع إلى قيمته كما لو اشترى عبدا بثوب وأعتق العبد ووجد البائع بالثوب عيبا فرده فانه يرجع بقيمة العبد فان باع البائع المبيع أو رهنه صح لانه اما أن يكون على ملكه فيملك العقد عليه وإما أن يكون للمشترى الا أنه يملك الفسخ فجعل البيع والهبة فسخا وان باع المشترى المبيع أو وهبه نظرت فان كان
بغير رضا البائع (فان قلنا) انه في ملك البائع لم يصح تصرفه (وان قلنا) انه في ملكه ففيه وجهان (قال) أبو سعيد الاصطخرى يصح وللبائع ان يختار الفسخ فإذا فسخ بطل تصرف المشترى ووجهه ان التصرف صادف ملكه الذى ثبت للغير فيه حق الانتزاع فاشبه إذا اشترى شقصا فيه شفعة فباعه (ومن) اصحابنا من قال لا يصح لانه باع عينا تعلق بها حق الغير من غير رضاه فلم يصح كما لو باع
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 213)
________________________________________
الراهن المرهون فأما إذا تصرف فيه برضا البائع نظرت فان كان عتقا نفذ لانهما رضيا بامضاء البيع وان كان بيعا أو هبة ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يصح لانه ابتدأ بالتصرف قبل أن يتم ملكه
(والثانى)
يصح لان المنع من التصرف لحق البائع وقد رضى البائع)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ احْتَرَزَ بِالْمُعَاوَضَةِ عَنْ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْقَبْضِ وَعَنْ الْوَصِيَّةِ (وَبِقَوْلِهِ) يُوجِبُ الْمِلْكَ عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَكِنْ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَبَدًا وَإِنَّمَا فَائِدَةُ عِتْقِهِ تَقَدُّمُ مِلْكٍ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) فَأَشْبَهَ عِتْقَ الْمَرْهُونِ يَعْنِي عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) ثَبَتَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ لَفْظَةُ غَيْرُ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا الْأَلِفُ وَكَذَا كُلٌّ وَبَعْضٌ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهَا (احدها) أنه ملك المشترى يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا نَصُّهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ (وَالثَّالِثُ) مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ وإلا بَانَ أَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ وَهَكَذَا يَكُونُ الثَّمَنُ مَوْقُوفًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَفِي موضع الاقوال ثلاث طُرُقٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا إمَّا بِالشَّرْطِ وَإِمَّا بِالْمَجْلِسِ (أَمَّا) إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَالْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَلْ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمِلْكُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ وَتَنْزِلُ الْأَقْوَالُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ (وَالثَّالِثُ) طَرْدُ الْأَقْوَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْحَلِيمِي هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ
* وَقَالَ إمَامُ الحرمنين طَرَدَ الْأَئِمَّةِ الْأَحْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ (فَالْأَصَحُّ)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 214)
________________________________________
أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ يُتَّجَهُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ قَوْلًا رَابِعًا
* وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يملك بنفس العقد منهم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ قَوْلَ الْوَقْفِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ التَّفْصِيلَ فَقَالُوا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا التَّفْصِيلَ القفال حكاه عَنْهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَأَشَارَ إلَى مُوَافَقَتِهِ وصححه أيضا صاحب (١) والرافعي في كتابيه الشرح وَالْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّفْرِيعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا يُذْكَرُ فِي أَبْوَابِهِ وَمِنْهَا مَا يُذْكَرُ هُنَا (فَمِنْهَا) كَسْبُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْمَبِيعَيْنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْكَسْبُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ عِنْدَ حُصُولِهِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ هُوَ لِلْمُشْتَرِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ سَبَبَ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ مَوْجُودٌ حال وجود الزِّيَادَةِ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهَا حُكْمٌ وَجُعِلَتْ تَابِعَةً للعين وكانت لِمَنْ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْعَيْنِ لَهُ وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُشْتَرِي
(وَالثَّانِي)
لِلْبَائِعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) مِنْ حِينِهِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ أَصْلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْكَسْبِ اللَّبَنُ وَالشَّعْرُ وَالثَّمَرَةُ وَمَهْرُ الْجَارِيَةِ إذَا
وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا وَكَوْنُ الْجَمِيعِ حُكْمُ كَسْبِ الْعَبْدِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ (وَمِنْهَا) النِّتَاجُ فَإِنْ وُجِدَ حُدُوثُ الْوَلَدِ وَانْفِصَالِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِامْتِدَادِ الْمَجْلِسِ فَهُوَ كَالْكَسْبِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أو البيهمة حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَوَلَدَتْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ وَهَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 215)
________________________________________
مِنْ الثَّمَنِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَالْأَعْضَاءِ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَالْكَسْبِ كَمَا سَبَقَ بِلَا فَرْقٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَهُ قِسْطٌ كَمَا لَوْ بِيعَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مَعَ الْأُمِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَمْلُ مَعَ الْأُمِّ كَعَيْنَيْنِ بِيعَتَا مَعًا فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهُمَا لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي (وَمِنْهَا) الْعِتْقُ فَإِذَا أَعْتَقَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَنْفُذْ إنْ فُسِخَ الْبَيْعُ قَطْعًا وَكَذَا إنْ تَمَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَالْعِتْقُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ فان تم البيع بان نفوذ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَفِي نفوذه الْعِتْقِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لَا يَنْفُذُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْبَائِعِ عَلَى الِاتِّصَالِ
(وَالثَّانِي)
يَنْفُذُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا كَالْمَوْهُوبِ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ
(وَالثَّانِي)
يَنْفُذُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفُذُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْإِجَازَةَ فَفِي الْحُكْمِ بِنُفُوذِهِ الْآنَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفُذُ (فَإِنْ قلنا) ينفذ فهل ينفذ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَفِي بُطْلَانِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ لَكِنْ لَا يُرَدُّ الْعِتْقُ بَلْ إذَا فَسَخَ أَخَذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهَا لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ (أَمَّا) إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَيَنْفُذُ إعْتَاقُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إمَّا مُصَادِفُ مِلْكِهِ وَإِمَّا إجَازَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفُذْ
سَوَاءٌ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ فُسِخَ وَفِيمَا إذَا فُسِخَ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ النَّاظِرُ إلَى الْمَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ لَمْ يَنْفُذْ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَيَنْفُذُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَطَلَ الْعِتْقُ وَإِلَّا فقد اعتق
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 216)
________________________________________
تَبَيَّنَّا ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْقَوْلَانِ وَعَلَى قَوْلِنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْهُ فِي الْحَالِ وَتَمَّ الْبَيْعُ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَهُ وَرَتَّبَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِيلَادِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِتْقِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فقيل الاستيلاد أولى بالثوت وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا تَبْعُدُ التَّسْوِيَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلُ فِي وُجُوبِ قِيمَةِ الولد على المشترى كالقول مِلْكِهِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَهُوَ كاعتاق المرهون والله أعلم
* (ومنها) الوطئ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ فَفِي حِلِّهِ لِلْبَائِعِ طُرُقٌ (أَحَدُهَا) إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ فَحَلَالٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَجْهُ الْحِلِّ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ وَفِي ذَلِكَ عَوْدُ الْمِلْكِ إلَيْهِ مَعَهُ أَوْ قُبَيْلَهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ قُلْنَا لَا مِلْكَ لَهُ فَحَرَامٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَجْهُ التَّحْرِيمِ ضَعْفُ الْمِلْكِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْحِلِّ مُطْلَقًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْحِلُّ إنْ جَعَلْنَا الْمِلْكَ لَهُ وَالتَّحْرِيمُ إنْ لَمْ نَجْعَلْهُ لَهُ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِلَا خلاف (وأما) وطئ الْمُشْتَرِي فَحَرَامٌ قَطْعًا وَالصُّورَةُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ مَلَكَ عَلَى قَوْلٍ فَمِلْكٌ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ لَوْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ (وَأَمَّا) الْمَهْرُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ لَمْ يَلْزَمْهُ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الْمَهْرِ لَهُ (وقال) أبو إسحق لا يجب نطرا إلَى الْمَالِ فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَجَبَ الْمَهْرُ لِلْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا مَهْرَ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَزَوَالِهِ
* فَإِنْ أَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي فَالْوَلَدُ نَسِيبٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْأَقْوَالِ كلها لانه وطئ فِي مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَثْبُتْ ثُمَّ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي ثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ غيره بشهبة ثُمَّ مَلَكَهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَعَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ النَّاظِرِ إلَى الْمَالِ يَثْبُتُ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْقَوْلَانِ وَعَلَى قَوْلِنَا
الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهُ فِي الْحَالِ وَتَمَّ الْبَيْعُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 217)
________________________________________
فِي الْمَهْرِ وَإِذَا وَجَبَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ اُعْتُبِرَتْ يوم الولادة فان وضعته ميتا لم تجب قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ هَذَا كله إذ اكَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ للمشترى وحده فحكمه حل الوطئ لَهُ كَمَا سَبَقَ فِي حِلِّهِ فِي طَرَفِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وأما البائع فيحرم عليه الوطئ هُنَا فَلَوْ وَطِئَ فَالْقَوْلُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَفِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي طَرَفِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إذَا قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَأَحْبَلَهَا ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَفِي بُطْلَانِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَاسْتَقَرَّ الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ نُبْطِلْهُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْإِجَازَةَ فَكَذَلِكَ فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهَلْ يَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ (إنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فَالِاسْتِيلَادُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَرِيضِ وَالْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ دُونَ إعْتَاقِهِمْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْسَخُ الِاسْتِيلَادُ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ فَسْخُهُ اسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَمِنْهَا) بَيْعُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهِبَتُهُمَا وَسَائِرُ عُقُودِهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَاَللَّهُ أعلم
* (فرع)
إذا اشتري عبد الجارية ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ إعْتَاقَ الْبَائِعِ نَافِذٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْفَسْخِ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لِمُشْتَرِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِنَفَاذِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَعْتِقُ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ
(وَالثَّانِي)
تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ عِتْقَهَا فَسْخٌ فَقُدِّمَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ فَسَخَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَأَجَازَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ (وَالثَّالِثُ) لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِبَائِعِ الْعَبْدِ وحده فالمتعق بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَبْدِ مُشْتَرٍ وَالْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَبِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَارِيَةِ بَائِعٌ وَالْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي إعْتَاقِهِمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي يُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ فَإِنْ فَسَخَ صَاحِبُهُ نَفَذَ فِي الْجَارِيَةِ وَإِلَّا فَفِي الْعَبْدِ
* وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَأَعْتَقَهُمَا مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ فَلْيُقَسْ الْحُكْمُ بِمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَتَقَ الْعَبْدُ دُونَ الْجَارِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 218)
________________________________________
وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ وَحْدَهُ فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فَفِي الْأَوَّلِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَفِي الثَّانِي الْجَارِيَةُ وَلَا يَخْفَى حُكْمُ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذا اعتق الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إنْ قلنا) الخيار يمنع نَفَذَ عِتْقُهُ فِيمَا بَاعَ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْنَعُ قُلْنَا لَهُ عَيِّنْ أَحَدَهُمَا لِلْعِتْقِ فَإِنْ عَيَّنَ مَا اشْتَرَاهُ كَانَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَإِنْ عَيَّنَ فِيمَا بَاعَ نَفَذَ قطعا * قال المصنف رحمه الله
* (وان كان المبيع جارية لم يمنع البائع من وطئها لانها باقية على ملكه في بعض الاقوال ويملك ردها إلى ملكه في بعض الاقوال فإذا وطئها انفسخ البيع ولا يجوز للمشترى وطؤها لان في أحد الاقوال لا يملكها وفى الثاني مراعى فلا يعلم هل يملكها أم لا وفي الثالث يملكها ملكا غير مستقر فان وطئها لم يجب الحد وان أحبلها ثبت نسب الولد وانعقد الولد حرا لانه إما أن يكون في ملك أو شبهة ملك
* وأما المهر وقيمة الولد وكون الجارية أم ولد فانه يبنى على الاقوال فان اجاز البائع البيع بعد وطئ المشترى وقلنا ان الملك للمشترى أو موقوف لم يلزمه المهر ولا قيمة الولد وتصير الجارية أم لولد لانها مملوكة (وان قلنا) ان الملك للبائع فعليه المهر وقال أبو إسحق لا يلزمه كما لا تلزمه أجرة الخدمة والمذهب الاول لانه وطئ في ملك البائع ويخالف الخدمة فان الخدمة تستباح بالاباحة والوطئ لا يستباح وفى قيمة الولد وجهان
(أحدهما)
لا تلزمه لانها وضعته في ملكه والاعتبار بحال الوضع الا ترى أن قيمة الولد تعتبر حال الوضع
(والثانى)
تلزمه لان العلوق حصل في غير ملكه والاعتبار بحال العلوق لانها حالة الاتلاف وانما تأخر التقويم إلى حالة الوضع لانه لا يمكن تقويمه في حل العلوق وهل تصير الجارية أم ولد فيه قولان كما قلنا فيمن احبل جارية غيره بشبهة فأما إذا فسخ البيع وعادت إلى ملكه (فان قلنا) ان الملك للبائع أو موقوف وجب عليه المهر وقيمة الولد ولا تصير الجارية في الحال ام ولد وهل تصير أم ولد إذا ملكها فيه قولان (وان قلنا) ان الملك للمشترى لم يجب عليه المهر لان الوطئ صادف ملك ومن أصحابنا من قال يجب لانه لم يتم ملكه عليها وهذا يبطل به إذا أجاز البائع البيع وعلى قول أبي العباس تصير
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 219)
________________________________________
أم ولد كما تعتق إذا أعتقها عنده وهى ترجع البائع بقيمتها أو بالثمن فيه وجهان وقد بينا ذلك في العتق وعلى المنصوص أنها لا تصير أم ولد له لان حق البائع سابق فلا يسقط بأحبال المشترى فان ملكها المشترى بعد ذلك صارت أم ولد لانها إنما لم تصر أم ولد له في الحال لحق البائع فإذا ملكها صارت أم ولد
* وان اشترى جارية فولدت في مدة الخيار بنينا على أن الحمل هل له حكم في البيع وفيه قولان
(أحدهما)
له حكم ويقابله قسط من الثمن وهو الصحيح لان ما أخذ قسطا من الثمن بعد الانفصال أخذ قسطا من الثمن قبل الانفصال كاللبن (الثاني) لا حكم ولا قسط له من الثمن لانه يتبعها في العتق فلم يأخذ قسطا من الثمن كالاعضاء (فان قلنا) إن له حكما فهو مع الام بمنزلة العينين المتبعتين فان أمضى العقد كانا للمشتري وان فسخ العقد كانا للبائع كالعينين المبيعتين (وان قلنا) لا حكم له نظرت فان أمضي العقد (وقلنا) ان الملك ينتقل بالعقد أو موقوف فهما للمشترى (وان قلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار فالولد للبائع فان فسخ العقد (وقلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار أو قلنا إنه موقوف فالولد للبائع (وإن قلنا) يملك بالعقد فهو للمشترى وقال أبو إسحق الولد للبائع لان على هذا القول لا ينفذ عتق المشترى وهذا خطأ لان العتق يفتقر إلى ملك تام والنماء لا يفتقر إلى ملك تام
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا وَاضِحَةٌ وَسَبَقَ شَرْحُهَا في الفصل السابق والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن تلف البيع في يد المشترى في مدة الخيار فلمن له الخيار الفسخ والامضاء لان الحاجة التى دعت إلى الخيار باقية بعد تلف المبيع فان فسخ وجبت القيمة على المشترى لانه تعذر رد العين فوجب رد القيمة وإن أمضينا العقد (فان قلنا) إنه يملك بنفس العقد أو موقوف فقد هلك من ملكه (وان قلنا) يملك بالعقد وانقضاء الخيار وجب على يشترى قيمته والله أعلم)
* (الشرح) قوله وجبت قيمته لو قَالَ وَجَبَ بَدَلُهُ كَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 220)
________________________________________
مِثْلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ بَلْ يَبْقَى الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ لِمَنْ كَانَ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَالتَّلَفِ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ نُظِرَ إنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ بُنِيَ عَلَى مَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ هُنَاكَ فَهُوَ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ان شاء الله تَعَالَى (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَكَذَا هُنَا وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْبَدَلُ وَهُوَ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ وَيَبْقَى الْخِيَارُ بِحَالِهِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالْبَدَلُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَجَعَلْنَا إتْلَافَهُ قَبْضًا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ المتولي يبني على أن إتْلَافِهِ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ أَمْ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (فَقَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَفِي انْفِسَاخِهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ بَطَلَ خِيَارُ الْبَائِعِ وَفِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ (إن قلنا) لا يبطل فَذَاكَ فَإِنْ أَجَازَ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ الْقِيمَةَ ورجع إليه الثمن
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ (وَقُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ أَيْضًا فَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الْبَدَلَ وَهُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْقِيمَةِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي كَيْفِيَّةِ غَرَامَةِ الْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ فَوَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ أَيْضًا لِحُصُولِ الْهَلَاكِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفَسِخُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَلَا أَثَرَ لِوِلَايَةِ الْفَسْخِ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْفِسَاخِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُنَا نَقْطَعُ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَفِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ كَمَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا كَمَا لَا يمتنع التحالف بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَيُخَالِفُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ يَنْدَفِعُ بِالْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 221)
________________________________________
اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ الثَّمَنُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَإِنْ تَمَّ الْعَقْدُ وَجَبَ الثَّمَنُ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الثَّمَنَ وَإِنْ تَنَازَعَا في قد رالقيمة فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ وَقَطَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْإِمَامُ وَذَكَرُوا تَفْرِيعًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ حَتَّى انْقَضَى زَمَنُ الْخِيَارِ فَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ ظَاهِرٌ واللع أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَقَبَضَهُمَا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَفِي الِانْفِسَاخِ في التالف الخلاف السابق فَإِنْ انْفَسَخَ جَاءَ فِي الْآخَرِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ بَقِيَ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي إنْ قُلْنَا يَجُوزُ رَدُّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ إذَا اشْتَرَاهُمَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَإِلَّا فَفِي بَقَاءِ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي الْوَجْهَانِ وَإِذَا بَقِيَ الْخِيَارُ فِيهِ فَفُسِخَ رَدَّهُ مَعَ قِيمَةِ التَّالِفِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذا فرعنا عى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُسْتَرَدُّ الثَّمَنُ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ أَبْدَى احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ فِي سُقُوطِ الْقِيمَةِ لِحُصُولِ التَّلَفِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ.
قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَوْدَعِ يَدُ الْمُودِعِ حُكْمًا (قَالَ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجِبُ عَلَى البائع تسليم المبيع ولا على الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا عِنْدَهُ وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَدْفُوعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَلَهُ أَخْذُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ (١) لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ فِي زمن الخيار فان تم القد
________________________________________
(١) كذا بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 222)
________________________________________
وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ وَقَعَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ فَسَخَ
(وَقُلْنَا) هُوَ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَقَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ وَلَيْسَ له الوطئ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وفيه وجه ضعيف ان له الوطئ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ استبراؤها فيه وجهان بناء علي جواز الوطئ (إنْ حَرَّمْنَاهُ) وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ وَإِنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْفَسِخُ لِحُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ
(وَالثَّانِي)
قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النِّكَاحَ بِحَالِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ فُسِخَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ أَوْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ
*
(فَصْلٌ)
فِي مَسَائِلَ وَفُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ
(مِنْهَا) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خِيَارًا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ جَمَعَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا (أَصَحُّهَا) الْمُرَادُ التَّخْيِيرُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَتَقْدِيرُهُ لَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يتخايرا في المجلس فيلزم الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّخَايُرِ وَلَا يَدُومُ إلَى الْمُفَارَقَةِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ فِيهِ بِالْمُفَارَقَةِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ (وَالثَّالِثُ) مَعْنَاهُ إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ فيلزم الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ خِيَارٌ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ السَّابِقِ لِأَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا تَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ وَقُلْنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ فَهَذَا يَنْفَسِخُ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَفْسِيرِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَنَقَلُوهُ عَنْهُ وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَا سِوَاهُ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ الرِّوَايَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ مِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 223)
________________________________________
الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْأُولَى ثُمَّ بَسَطَ دَلَائِلَهُ وَضَعَّفَ مَا يُعَارِضُهَا
ثُمَّ قَالَ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى تَضْعِيفِ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ الْخِيَارُ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ قَطْعِ الْخِيَارِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِبَيْعِ الْخِيَارِ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ بَيْعٌ شُرِطَ فِيهِ خِيَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِالتَّفَرُّقِ) ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَنَّ نَافِعًا رُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ وَرُبَّمَا فَسَّرَهُ قَالَ وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ هَذَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعَ خِيَارٍ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ نَافِعٌ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صحيحه) هذا كلام البيهقى ومن قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ فِي جَامِعِهِ الْمَشْهُورِ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يُخَيِّرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ إيجَابِ الْبَيْعِ فَإِذَا احضره فاختار البيع ليس لَهُمَا خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ هَكَذَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ وَمَنْ ذَكَرَ مِنْهُمْ خِلَافًا صَحَّحَهُ وَنَقَلَ ابْنُ المنذر في الاشرف هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ بن عيينة وعبيد الله بن الحسن العنبري والشافعي واسحق ابن رَاهْوَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي سِلْعَةٍ وَعَيْنٍ وَصَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ حَتَّى يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ إلَى آخِرِهِ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا غَلِطَ الْمُزَنِيّ فِي قوله سلعة وعين فانهما شئ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سَلَفٍ بِالْفَاءِ أَوْ عَيْنٍ وَأَرَادَ بِالسَّلَفِ السَّلَمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَاحْتِرَازٌ مِنْ تَأْوِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِالْقَوْلِ وَهُوَ تَمَامُ عَقْدِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَا بَأْسَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ تَسْلِيمَهُ إلَى الْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَا يُكْرَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فِي مدة الخيار الى البائع وتسليم الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ
* وَإِنَّمَا يسلم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 224)
________________________________________
بَعْدَهَا قَالَ لِأَنَّ قَبْضَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا وَسَلَفًا فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ ثُمَّ فَسَخَا الْبَيْعَ اسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ الثَّمَنَ وَاسْتَرْجَعَهُ مِنْهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْقَبْضَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَالْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَ التَّسْلِيمِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لِحَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ كَالْإِقَالَةِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الْقَبْضُ تَصَرُّفٌ فَلَا يُسَلِّمُهُ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَا يُسَلِّمُونَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَا يُؤَدِّي إلَيْهِ وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ مالك اسقاط الخيار لانه يتضمن الرضا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِالتَّسْلِيمِ الْخَلَاصُ مِنْ عُهْدَةِ ضَمَانِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهَلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ الْآخَرِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ لِأَنَّ هَذَا التَّسْلِيمَ لَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ فلا يسقط حق الحبس
(والثانى)
ليس له لِتَضَمُّنِهِ إسْقَاطَ حَقِّ الْحَبْسِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَلْحَقْنَا بِالْحَبْسِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ نَقْصًا أَوْ زيادة خيار أو أجالا وَشَرَطَا نَقْدًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَلْ يُلْحَقُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَنَذْكُرُهَا بِفُرُوعِهَا مَبْسُوطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ البيع من الشروط (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَغْوٌ
(وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَكَالْمُقَارِنِ وَإِنْ كَانَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَغْوٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إذَا تَقَابَضَا الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ثُمَّ تَفَاسَخَا لَزِمَهُمَا تَرْدَادُ الْعِوَضَيْنِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَبْسُ مَا فِي يَدِهِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهِ فَلَيْسَ لَهُ إذَا طَلَبَ صَاحِبُهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَرُدُّ حَتَّى تَرُدَّ أَنْتَ بَلْ إذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا بِالْمُطَالَبَةِ لَزِمَ الْآخَرَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّ مَا كَانَ فِي يَدِهِ قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ فَإِنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 225)
________________________________________
كُلَّ وَاحِدٍ حَبَسَ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَدْفَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَسْخَ هُنَا رَفَعَ حُكْمَ الْعَقْدِ وَبَقِيَ التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْيَدِ دُونَ الْعَقْدِ وَالْيَدُ تُوجِبُ الرَّدَّ وَهُنَاكَ التَّسْلِيمُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ وَزُفَرُ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد ابن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ يَجُوزُ فِي كل شئ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فِيهِ فَيَجُوزُ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ وَفِي الْجَارِيَةِ وَنَحْوِهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَسَبْعَةٌ وَفِي الدَّارِ نَحْوُ الشَّهْرِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ إذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ مذهبنا بطلان البيع لان فيه غرر وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ أحمد واسحق الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَأَنَّ الْخِيَارَ بَاطِلٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ) قَالَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إبْطَالِ الشَّرْطِ وَصِحَّةِ الْبَيْعِ وَقَالَ مَالِكٌ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ مدة تليق بذلك البيع والله أعلم* (بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ* (الاعيان ضربان نجس وطاهر فأما النجس فعلى ضربين في نفسه ونجس بملاقاة النجاسة فأما النجس في نفسه فلا يجوز بيعه وذلك مثل الكلب والخنزير والخمر والسرجين وما أشبه ذلك من النجاسات والاصل فيه ما رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تعالى حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام) وروى أبو مسعود البدرى وأبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 226)
________________________________________
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن ثمن الكلب فنص على الكلب والخنزير والخمر والميتة وقسنا عليها سائر الاعيان النجسة)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما طَوِيلًا وَلَفْظُهُ فِيهِمَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ (إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يارسول اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ
إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شحومها حملوه ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ) فَقَالَ حَمَلَهُ - بِالْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ - أَحْمَلَهُ أَيْ أَدَامَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ الْأَنْصَارِيِّ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَاسْمُ أَبِي مَسْعُودٍ عَمْرُو بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَزْوَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْبَدْرِيُّ لِأَنَّهُ سَكَنَ بَدْرًا وَلَمْ يشهدها وقال محمد بن إسحق إما الْمَغَازِي وَمُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ إمَامُ الْمَغَازِي وَغَيْرُهُمَا وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ صَاحِبُ الصَّحِيحِ فِي صَحِيحِهِ إنَّهُ شَهِدَهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِينَ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ رُوِيَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ حَدِيثٍ وَحَدِيثَانِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى تِسْعَةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثٍ وَمُسْلِمٌ بِسَبْعَةٍ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا وَقِيلَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَأَمَّا السِّرْجِينُ - فَبِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَبِالْجِيمِ - وَيُقَالُ بِالْقَافِ - بَدَلَهَا وَسَبَقَ إيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا مَمْلُوكًا لِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ فَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَقَالَ النَّجِسُ ضَرْبَانِ نَجِسٌ فِي نَفْسِهِ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا والخمر والنبيد وَالسِّرْجِينِ وَالْعَذِرَةِ وَدُهْنِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَشَعْرِهَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَكَذَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 227)
________________________________________
رِيشُهَا وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَوَاءٌ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا
* وَدَلِيلُ المسألة ما ذكره المنصنف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْفَيْلَجُ - بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ - هُوَ الْقَزُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ وَآخَرُونَ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي بَاطِنِ الدُّودِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مِنْ مَصَالِحِهِ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي فِي جَوْفِ الْحَيَوَانِ قَالُوا وَسَوَاءٌ بَاعَهُ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا وَسَوَاءٌ كَانَ الدُّودُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ فَأْرَةِ الْمِسْكِ أَوْ بَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَدُودَةِ الْقَزِّ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهَا وَنَجَاسَتِهَا (أَصَحُّهُمَا) الطَّهَارَةُ وَجَوَازُ الْبَيْعِ (وَأَمَّا) دُودُ الْقَزِّ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ
لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَسَبَقَ إيضَاحُهَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَزْرِ الْقَزِّ وَلَا دُودِهِ دَلِيلُنَا أَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الطَّاهِرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي حُكْمِ لبن مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكَرْنَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ نَجِسٌ
(وَالثَّانِي)
طَاهِرٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا (إنْ قُلْنَا) إنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَإِنْ قُلْنَا) طَاهِرٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ جَازَ بَيْعُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) طَاهِرٌ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ بَاعَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ تَبَايَعَهَا ذِمِّيَّانِ أَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي شِرَائِهَا لَهُ فَكُلُّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الْخَمْرِ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهَا حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَ المتولي المسألة مبينة عَلَى أَصْلٍ مَعْرُوفٍ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ عِنْدَنَا مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النجاسة
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 228)
________________________________________
(فَرْعٌ)
لَوْ أَتْلَفَ لِغَيْرِهِ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ سِرْجِينًا أَوْ ذَرْقَ حَمَامٍ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ قَبْلَ دِبَاغِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ كَلْبًا مُعَلَّمًا حَتَّى قَالَ بِهِ عظائم تابعة مَالِكٌ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ جِرْوًا أَوْ كَبِيرًا وَلَا قِيمَةَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهُ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ العلماء وهو مذهب أبى هريرة وحسن الْبَصْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادِ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بَيْعُ جَمِيعِ الْكِلَابِ الَّتِي فِيهَا نَفْعٌ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ جَوَازَ بَيْعِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ
عَلَى مُتْلِفِهِ وَإِنْ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةً وَعَنْهُ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَرِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ لِمَنْ جَوَّزَ بَيْعَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ سُحْتٌ فَذَكَرَ كَسْبَ الْحَجَّامِ وَمَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ غَرَّمَ رَجُلًا عَنْ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبِ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَضَى فِي كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ
* وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْفَهْدَ وَلِأَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْحِمَارَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ فَمِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم
* وعن أبى حنيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَعَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابن الزُّبَيْرِ قَالَ (سَأَلْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 229)
________________________________________
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ إنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَلَا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَلَا مَهْرُ الْبَغِيِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناد صحيح حَسَنٍ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِيًا عِنْدَ الرُّكْنِ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ إذَا حرم على قوم أكل شئ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صحيح ولانه حَيَوَانٌ نَجِسٌ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْخِنْزِيرِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَهَكَذَا وَضَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهَا وَلِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ بَلْ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الْجَمِيعِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ
الضَّعِيفَةُ فَارِقَةٌ بَيْنَهُمَا
* وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْفَهْدِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ بِخِلَافِ الْكَلْبِ
* والجواب عن قياسهم على الوصية أنها محتمل فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا وَلِهَذَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ وَالْآبِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا مَعْنَى لِمَنْ جَوَّزَ بيع الكلب لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْكِلَابِ قَالَ وَلَا يُعْلَمُ خَبَرٌ عَارَضَ الْأَخْبَارَ النَّاهِيَةَ يَعْنِي خَبَرًا صَحِيحًا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ فِي شرح مختصر المزني عن ابن العاص أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَهُ جَائِزٌ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ سِيرِينَ والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ وَكَرِهَتْ طائفة بيعه منهم أبو هريرة ومجاهد وطاووس وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا فَجَائِزٌ هذا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَهُ بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 230)
________________________________________
عَنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَوَجَدَ فِيهِ جَمِيعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ أَبِي العباس بن العاص وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الهرة الوحشية فلا يصح بيعها لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِجَوَازِ أَكْلِهَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَلَى الْعَادَةِ بِتَسَامُحِ النَّاسِ فيه ويتعاوزونه فِي الْعَادَةِ فَهَذَانِ الْجَوَابَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدَانِ (وَأَمَّا) ما ذكره الخطابى وابن عبد الله أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَغَلَطٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَوْلُ ابْنِ عبد الله إنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَغَلَطٌ أَيْضًا فَقَدْ رَوَاهُ مسلم في صحيحه من رواية معقل ابن عبيد الله عن أبى الزبير فهذان ثقتان رواياه عن أبى الزبير هو ثِقَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أجمع العلماء عل تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَشِرَائِهَا قَالَ واختلفوا في الانتفاع بسعر الْخَمْرِ فَمَنَعَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالشَّافِعِيُّ واحمد واسحق وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ عَظْمَ الْفِيلِ نَجِسٌ سَوَاءٌ أُخِذَ مِنْهُ بَعْدَ ذكاته أو بعد مَوْتِهِ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ عِظَامَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ الْفِيلَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَعَلَى هَذَا إذَا ذُكِّيَ كَانَ عَظْمُهُ طَاهِرًا وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ بيعه ولا يحل ثمنه وبهذا قال طاووس وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَخَّصَ فيه عروة بن الزبير وابن سريج قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مَذْهَبُ مَنْ حَرَّمَ هُوَ الْأَصَحُّ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ سِرْجِينِ الْبَهَائِمِ الْمَأْكُولَةِ وَغَيْرِهَا وَذَرْقِ الْحَمَامِ بَاطِلٌ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْجِينِ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 231)
________________________________________
ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان لله إذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَهَذَا عَامٌّ إلَّا مَا خُرِّجَ بِدَلِيلٍ كَالْحِمَارِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْعَذِرَةِ فَإِنَّهُمْ وَافَقُوا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهَا مَعَ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الماوردى أن بيعه إنما يفعله الجهلة والارزال فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً فِي دِينِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا نَجِسٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
جِلْدُ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ نَحْوُ مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَمِمَّنْ حَكَى بُطْلَانَ بَيْعِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ الْعَبْدَرِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ كِلَابٌ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ فَمَاتَ قُسِّمَتْ بَيْنَ وَرَثَتِهِ كَمَا يُقَسَّمُ السِّرْجِينُ وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ
الْمُنْتَفَعِ بِهَا
* (فَرْعٌ)
الْوَصِيَّةُ بِالْكَلْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ
* وَالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهَا من النجاسات جائزة بالاتفاق وفي إجازة الْكَلْبِ وَهِبَتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ وَسَنُوَضِّحُ كُلَّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَيُورَثُ الْكَلْبُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الدَّارِمِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ يَجُوزُ قِسْمَةُ الْكِلَابِ وَلَيْسَتْ بَيْعًا وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ إذَا مَاتَ وَخَلَفَ كِلَابًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُقَسَّمُ بِالْقِيمَةِ قال وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ
(وَالثَّانِي)
يُقَسَّمُ عَلَى طَرِيقِ الِانْتِفَاعِ وَقِيلَ عَلَى طَرِيقِ نَقْلِ الْيَدِ (وَالثَّالِثُ) لَا يُقَسَّمُ بَلْ يُتْرَكُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كَمَا لَوْ خَلَفَ وَرَثَةً وَجَوْهَرَةً لَا تُقَسَّمُ بَلْ تُتْرَكُ بَيْنَهُمْ هَذَا مَا حَكَاهُ البغوي (والاصح) أنها تقسم باعتبار قيتمها عند ما يُرَى لَهَا قِيمَةٌ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فأما اقتناؤها فينظر فيه فان لم يكن فيها منفعة مباحة كالخمر والخنزير والميتة والعذرة لم يجز اقتناؤها لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سأل رجل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ تصنع خلا فكرهه وقال أهرقها) ولان اقتناء ما لا منفعة فيه سفه فلم يجز فان كان فيه منفعة مباحة كالكلب
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 232)
________________________________________
جاز اقتناؤه للصيد والماشية والزرع لما روى سالم بن عبد الله عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ ماشية نقص من أجره يوم قيراطان) وفى حديث أبى هريرة (إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع) ولان الحاجة تدعو إلى الكلب في هذه المواضع فجاز اقتناؤه وهل يجوز اقتناؤه لحفظ الدروب فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز للخبر (والثاني) يجوز لانه حفظ مال فأشبه الزرع والماشية وهل يجوز لمن لا يصطاد أن يقتنيه ليصطاد به إذا أراد فيه وجهان
(أحدهما)
يجوز للخبر
(والثانى)
لا يجوز لانه لا حاجة به إليه وهل يجوز اقتناء الجرو للصيد والماشية والزرع فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز لانه ليس فيه منفعة يحتاج إليها
(والثانى)
يجوز لانه إذا جاز اقتناؤه للصيد جاز اقتناؤه لتعليم ذلك (وأما) السرجين فانه يكره اقتناؤه وتربية الزرع به لما فيه من مباشرة النجاسة)
*
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سئل عن الخمر يتخذ خَلًّا فَقَالَ لَا وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَرِيحَةٌ فِي إرَاقَةِ الْخَمْرِ (مِنْهَا) حَدِيثٌ لِأَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ وَلَعَلَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا فمن كان عنده منها شئ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ قَالَ فَمَا لَبِثْنَا إلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ ادركته هذه الآية وعنده منها شئ فَلَا يَشْرَبُهُ وَلَا يَبِيعُهُ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 233)
________________________________________
فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راوية خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا قَالَ لَا فَسَارَرَ إنْسَانًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ سَارَرْتَهُ قَالَ أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا فَقَالَ إنَّ الَّذِي حرم شربها حرم بيعها ففتح المزاد حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ أَمَرَهُ أَبُو طَلْحَةَ أَنْ يُرِيقَ الْخَمْرَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ فَأَرَاقَهَا) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ فِي بَعْضِهَا نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ وَفِي بَعْضِهَا قِيرَاطٌ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْقِيرَاطُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مِنْ عَمَلِهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ يَنْقُصُ مِنْ مَاضِي عَمَلِهِ وَقِيلَ مِنْ مستقبله قال واختلفوا في محل نقص القراطين فَقَالَ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ وَقِيلَ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْضِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّفْلِ هَذَا كَلَامُهُ (وَأَمَّا) اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي قِيرَاطٍ وَقِيرَاطَيْنِ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِنَوْعَيْنِ مِنْ الْكِلَابِ أَحَدُهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا أَوْ لِمَعْنًى فِيهِمَا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فَيَكُونُ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِزِيَادَةِ فَضْلِهَا وَالْقِيرَاطُ فِي غَيْرِهَا أَوْ الْقِيرَاطَانِ فِي الْقُرَى وَالْقِيرَاطُ فِي الْبَرَارِيِّ أَوْ أَنَّهُ فِي زَمَنَيْنِ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَ ثُمَّ زَادَ التَّغْلِيظَ فَذَكَرَ قِيرَاطَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا مَعَ سَبَبِ النَّقْصِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَسَالِمٌ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ
* وَالْجِرْوُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ ضَمَّهَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ عَدْوَى تَعْدُو النَّاسَ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ إنْ كَانَ فِيهِ عَدْوَى وَجَبَ قَتْلُهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ قَتْلُهُ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ قَتْلُهُ ويجوز ارساله
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 234)
________________________________________
وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ وَهُنَاكَ نَبْسُطُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) اقْتِنَاؤُهُ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ الْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَقَالَ المصنف ومن بايعه لَا يَجُوزُ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ (الثَّالِثَةُ) الْخَمْرُ ضَرْبَانِ مُحْتَرَمَةٌ وَغَيْرُهَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْمُحْتَرَمَةُ يَجُوزُ إمْسَاكُهَا وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ يَحْرُمُ إمْسَاكُهَا وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ وَدَلِيلُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الرَّابِعَةُ) يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ وَالْوُقُودُ بِهِ وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ وَالْبُقُولِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَأَشَارَ الرُّويَانِيُّ إلَى وَجْهٍ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا مَكْرُوهٌ وَسَبَقَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بيان حكم الزرع والبقل النابت مِنْهُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْمَاشِيَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي جَوَازِ إيجَادِهِ لِحِفْظِ الدُّورِ وَالدُّرُوبِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ إلَّا لِلصَّيْدِ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي جَوَازِ إيجَادِهِ فِي السَّفَرِ لِلْحِرَاسَةِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَفِي جَوَازِ تَرْبِيَةِ الْجِرْوِ لِلصَّيْدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُبَاحُ اقْتِنَاءُ الْكَبِيرِ لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ
* وَلَوْ أَرَادَ إيجَادَ الْكَلْبِ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ وَلَا يَصْطَادُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ لِيَحْفَظَ الزَّرْعَ أو الماشية إذا صارا لَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ الْكَبِيرِ لِتَعَلُّمِ الصَّيْدِ وغيره وانما الوجهان في الجر
و (أَمَّا) إذَا اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَصْطَادَ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِيمَا بعد فظاهر كلام الجمهور القطع بتحريمه وذكر صاجب الشَّامِلِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ حَكَى عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَلْبُ صَيْدٍ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) (وأصحهما)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 235)
________________________________________
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اقْتِنَاءٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْكِلَابِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ إلَّا كَلْبًا يَصْطَادُ بِهِ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَيْضًا
* (فَرْعٌ)
أَمَّا اقْتِنَاءُ وَلَدِ الْفَهْدِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ كَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهِ طَرِيقَيْنِ (الْمَذْهَبُ) الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْكَلِبُ يُقْتَلَانِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِنْهَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ عَقُورًا وَلَا كَلِبًا لم يجر قَتْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَمْ لَا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ كُلُّهُ منسوخ فلا يحل قتل شئ مِنْهَا الْيَوْمَ لَا الْأَسْوَدُ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا الكلب والعقور * قال المصنف رحمه الله
* (وأما النجس بملاقاة النجاسة فهو الاعيان الطاهرة إذا إصابتها نجاسة فينظر فيها فان كان جامدا كالثوب وغيره جاز بيعه لان البيع يتناول الثوب وهو طاهر وإنما جاورته النجاسة وإن كان مائعا نظرت فان كان مما لا يطهر كالخل والدبس لم يجز بيعه لانه نجس لا يمكن تطهيره من النجاسة فلم يجز بيعه كالاعيان النجسة وإن كان ماء ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز بيعه لانه نجس لا يطهر بالغسل فلم يجز بيعه كالخمر
(والثانى)
يجوز بيعه لانه يطهر بالماء فأشبه الثوب
* فان كان دهنا فهل يطهر بالغسل فيه وجهان
(أحدهما)
لا يطهر لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يطهر كالخل
(والثانى)
يطهر لانه يمكن غسله بالماء فهو كالثوب (فان قلنا) لا يطهر لم يجز بيعه
كالخل (وإن قلنا) يطهر ففى بيعه وجهان كالماء النجس ويجوز استعماله في السراج والاولى أن لا يفعل لما فيه من مباشرة النجاسة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَطْهُرْ كَالْخَلِّ هَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ لانه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 236)
________________________________________
يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ طَهَارَةِ الْخَلِّ وَنَحْوِهِ وَالدُّهْنِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَذُّرِ الْعَصْرِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ فِي طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ مِنْ النَّجَاسَةِ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُتَنَجِّسَةً بِعَارِضٍ وَهِيَ جَامِدَةٌ كَالثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ وَالسِّلَاحِ وَالْجُلُودِ وَالْأَوَانِي وَالْأَرْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فان تستر شئ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّجَاسَةِ الْوَارِدَةِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ الطَّاهِرَةُ الْمُتَنَجِّسَةُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ مَائِعَةً فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ وَالدِّبْسِ وَالْعَسَلِ وَالْمَرَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ (وَأَمَّا) الصِّبْغُ النَّجِسُ فَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْخَلِّ ونحوه وشذ المتولي فحكي فِيهِ طَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ فِي جواز بيعه طريقين كَالزَّيْتِ النَّجِسِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِخِلَافِ الزَّيْتِ عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنَّمَا يَصْبُغُ النَّاسُ بِهِ ثُمَّ يَغْسِلُونَ الثَّوْبَ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَ الشَّاذَّ فِي جَوَازِ بَيْعِ الصِّبْغِ النَّجِسِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْخَلِّ الْمُتَنَجِّسِ قَالَ لِأَنَّهُ يُصْبَغُ بِهِ
* (الثَّالِثَةُ) هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ النَّجِسِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ الْجَزْمُ بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بَلْ يَسْتَحِيلُ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ مِنْ صِفَةِ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ كَالْخَمْرِ يَتَخَلَّلُ (الرَّابِعَةُ) الدُّهْنُ النَّجِسُ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ نَجِسُ الْعَيْنِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ (والضرب الثاني) متنجس بالمجاورة كالزيت والسيرج وَالسَّمْنِ وَدُهْنِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا كُلُّهُ هَلْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَطْهُرُ كُلُّهُ (وَالثَّانِي) لَا يَطْهُرُ وَدَلِيلُهُمَا
فِي الْكِتَابِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَطْهُرُ الزَّيْتُ وَنَحْوُهُ وَلَا يَطْهُرُ السَّمْنُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ والصحيح عند الاصحاب أنه لا يطهر شئ مِنْ الْأَدْهَانِ بِالْغَسْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ قَالَ صَاحِبُ الحاوى وهو
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 237)
________________________________________
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَطْهُرُ الْجَمِيعُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَجْهًا وَاحِدًا (وَإِنْ قُلْنَا) يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ بيعه وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ بَيْعِ الثَّوْبِ النَّجِسِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا تَخْرِيجٌ بَاطِلٌ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ (إنْ قُلْنَا) يطهر الدهن بالغسل جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَسْلِ وَجْهًا وَاحِدًا كَالثَّوْبِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُطَهِّرُ فَوَجْهَانِ وَهَذَا التَّرْتِيبُ غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَمُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ ولم اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ مُنْفَرِدَانِ به فلا يعتد به ولا يغترن بالله وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ طَرِيقُهُ أَنْ يُرَاقَ الدُّهْنُ فِي قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ وَيُحَرَّكُ أَشَدَّ تَحْرِيكٍ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِاشْتِرَاطِ الْقُلَّتَيْنِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّهُ إنْ أَوْرَدَ الدُّهْنَ عَلَى الْمَاءِ اُشْتُرِطَ كَوْنُ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ وَإِنْ أَوْرَدَ الْمَاءَ لَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهُ قُلَّتَيْنِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْغَلَبَةُ لِلدُّهْنِ كَمَا فِي غَسْلِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ
* (فَرْعٌ)
مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ الْمُتَنَجِّسَ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ الْحَدِيثُ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَسْلِ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ
* (فَرْعٌ)
نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ
الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي جَوَازِهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ
(وَالثَّانِي)
تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُلَابَسَتِهِ وَمُلَابَسَةِ دُخَانِهِ وَدُخَانُهُ نَجِسٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ جَارٍ فِي الزَّيْتِ النَّجِسِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ الْمُتَنَجِّسَةِ بِعَارِضٍ وَفِي ودك
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 238)
________________________________________
الْمَيْتَةِ أَيْضًا (وَالصَّحِيحُ) فِي الْجَمِيعِ جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدِي فَإِنْ كَانَ السِّرَاجُ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ النَّجِسُ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُلْقِي دُخَانَهُ الْمُتَنَجِّسَ بِهِ فَلَسْتُ أَرَى لِتَحْرِيمِ هَذَا وَجْهًا فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَاتِ لَا يُمْنَعُ وَكَيْفَ يُمْنَعُ مَعَ تَجْوِيزِ تَزْبِيلِ الْأَرْضِ وَتَدْمِيلِهَا بِالْعَذِرَةِ (قَالَ) وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ نَاشِئٌ مِنْ لُحُوقِ الدُّخَانِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرهُ (أَمَّا) رَمَادُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَنَجَسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) دُخَانُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ إذَا أُحْرِقَتْ وَقُلْنَا رَمَادُهَا نَجِسٌ فَفِي دُخَانِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَجِسٌ وَبِهِ كَانَ يَقْطَعُ شَيْخِي (وَأَمَّا) الدُّهْنُ النَّجِسِ فِي عَيْنِهِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ فَفِي دُخَانِهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) الدُّهْنُ الْمُتَنَجِّسُ بِعَارِضٍ فَدُخَانُهُ أَجْزَاءُ الدُّهْنِ وَمَا وَقَعَ فِيهِ وَنَجَّسَهُ لَا يَخْتَلِطُ بِالدُّخَانِ فَيَظْهَرُ فِي هَذَا الدُّخَانِ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ فَإِنَّ الَّذِي خَالَطَ الدُّهْنَ يَتَخَلَّفُ قَطْعًا وَالدُّخَانُ مَحْضُ أَجْزَاءِ الدُّهْنِ قَالَ وَلَا يُمْنَعُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَطَّرِدَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ وَإِنْ بَعُدَ السِّرَاجُ لِأَنَّ هَذَا مُمَارَسُ نجاسة مع الاسغناء عَنْهَا بِخِلَافِ التَّزْبِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ شئ فَكَانَ فِي حُكْمِ الضَّرُورَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الزَّيْتِ النَّجِسِ وَالسَّمْنِ النَّجِسِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ كَالثَّوْبِ النَّجَسِ وَكَمَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ دُونَ السَّمْنِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْكَلْبِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الله إذا حرم على قوم أكل شئ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا
سَبَقَ وَبِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُ طُرُقِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهِمَا إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّوْبِ أَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الدُّهْنِ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ بِالثَّوْبِ هِيَ اللُّبْسُ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَالْمَنْفَعَةُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 239)
________________________________________
الْمَقْصُودَةُ بِالزَّيْتِ الْأَكْلُ وَهُوَ حَرَامٌ (وَأَمَّا) جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَيْتَةِ لِلْجَوَارِحِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا (وَأَمَّا) الْوَصِيَّةُ بِهِ فَمَبْنَاهَا عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَلِهَذَا احْتَمَلَتْ أَنْوَاعًا مِنْ الْغَرَرِ (وَأَمَّا) الصَّدَقَةُ فَكَالْوَصِيَّةِ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إنْ صَحَّحْنَاهَا وَفِيهَا خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا مُتَّصِلًا بِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أصحابنا لا تجوز هبة الزيت النجس والا التَّصَدُّقُ بِهِ قَالَ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ (فَأَمَّا) عَلَى سَبِيلِ نَقْلِ الْيَدِ فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَلْبِ هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ بِجَوَازِ نَقْلِ الْيَدِ فَهُوَ كَمَا قال ولا يجئ فِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا تَمَلُّكُهُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلْبِ وَأَوْلَى بالجواز * قال المصنف رحمه الله
* (وأما الاعيان الطاهرة فضربان ضرب لا منفعة فيه وضرب فيه منفعة (فأما) ما لا منفعة فيه فهو كالحشرات والسباع التي لا تصلح للاصطياد والطيور التى لا تؤكل ولا تصطاد كالرخمة والحدأة وما لا يؤكل من الغراب فلا يجوز بيعه لان مالا منفعة فيه لا قيمة له فأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل وبذل العوض فيه من السفه)
* (الشَّرْحُ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ
(أحدهما)
أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَهَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ سَبَبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقِلَّةُ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُعَدُّ ما لا قَالُوا وَلَا يُنْظَرُ إلَى حُصُولِ النَّفْعِ بِهِ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا إلَى مَا قَدْ يُفْرَضُ مِنْ وَضْعِ الْحَبَّةِ فِي فَخٍّ يُصْطَادُ بِهِ لِأَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ لَا تُقْصَدُ قال أصحابنا ولا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ زَمَنِ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ صُبْرَةِ الْغَيْرِ فَإِنْ أَخَذَهَا كَانَ عَاصِيًا وَلَزِمَهُ رَدُّهَا فَإِنْ تلفت فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهَا
إذْ لَا مَالِيَّةَ لَهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ وَهَذَا الَّذِي ذكرناه من بطلان بيع الحبة مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِقِلَّتِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَشَذَّ المتولي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 240)
________________________________________
فَحَكَى وَجْهًا " ضَعِيفًا " أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَيْسَ بشئ (السَّبَبُ الثَّانِي) الْحَيَّةُ كَالْحَشَرَاتِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الطَّاهِرُ الْمَمْلُوكُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قِسْمَانِ (قِسْمٌ) يُنْتَفَعُ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالظِّبَاءِ والغزلان والصقور والبراة وَالْفُهُودِ وَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ وَالْعُقَابِ وَمَا يُنْتَفَعُ بِلَوْنِهِ كالطاوس أو صوته كالزرزوز وَالْبَبَّغَاءِ وَالْعَنْدَلِيبِ وَكَذَلِكَ الْقِرْدُ وَالْفِيلُ وَالْهِرَّةُ وَدُودُ الْقَزِّ وَالنَّحْلِ فَكُلُّ هَذَا وَشَبَهُهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ النَّحْلِ هُوَ إذَا شَاهَدَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَإِنْ لَمْ يُشَاهِدَا جَمِيعَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ بلا خلاف لانه يؤول إلى المنفعة والله تعالى أَعْلَمُ
* (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الْحَيَوَانِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَذَلِكَ كَالْخَنَافِسِ والعقارب والحيات والديدان والفأر وَالنَّمْلِ وَسَائِرِ الْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا نَظَرَ إلَى مَنَافِعِهَا الْمَعْدُودَةِ مِنْ خَوَاصِّهَا لِأَنَّهَا منافع تافهة
* قال أصحابنا وفى معناها السِّبَاعُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ وَلَا الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَلَا تُؤْكَلُ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالدُّبِّ وَأَشْبَاهِهَا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى اقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لَهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ
* وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السِّبَاعِ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا بِالدِّبَاغِ مُتَوَقَّعٌ وَضَعَّفُوا هَذَا الْوَجْهَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ وَمَنْفَعَةُ الْجِلْدِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ النَّجِسِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ مُمْكِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ النَّمْلِ فِي عَسْكَرِ مُكْرَمٍ وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالْمَشْرِقِ قَالَ لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ السُّكَّرُ وَبِنَصِيبَيْنِ لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ الْعَقَارِبُ الطَّيَّارَةُ
وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْحِدَأَةُ وَالرَّخَمَةُ وَالنَّعَامَةُ وَالْغُرَابُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ كَانَ فِي أَجْنِحَةِ بَعْضِهَا فَائِدَةٌ جَاءَ فِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي بَيْعِ السِّبَاعِ لِجُلُودِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْكَارًا عَلَى الْإِمَامِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْجُلُودَ تُدْبَغُ وَلَا سبيل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 241)
________________________________________
إلَى تَطْهِيرِ الْأَجْنِحَةِ (قُلْتُ) وَجْهُ الْجَوَازِ عَلَى ضَعْفِهِ الِانْتِفَاعُ بِرِيشِهَا فِي النَّبْلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي النَّبْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْيَابِسَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْعَلَقُ وَهُوَ هَذَا الدُّودُ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ وَعَادَتُهُ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ غَلَبَةُ الدَّمِ فَيَمُصُّ دَمَهُ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَآخَرُونَ يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا مَقْصُودًا وَهُوَ امْتِصَاصُهُ الدَّمَ مِنْ الْعُضْوِ الْمُتَأَلِّمِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي (أصحهما) يجوز
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُؤْذٍ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ الزَّمِنِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ لِلْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْحِمَارُ الزَّمِنُ وَالْبَغْلُ الزَّمِنُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِقُ في بيع السباع التى لا تصطاد
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واختلف أصحابنا في بيع دار لا طريق لها أو بيع بيت من دار لا طريق إليه فمنهم من قال لا يصح لانه لا يمكن الانتفاع به فلم يصح بيعه ومنهم من قال يصح لانه يمكن أن يحصل له طريق فينتفع به فيصح بيعه)
* (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ لَوْ بَاعَ أَرْضًا مُعَيَّنَةً مَحْفُوفَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ فَإِنْ شَرَطَ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الْمَمَرِّ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِالْمَمَرِّ وَإِنْ شَرَطَ الْمَمَرَّ مِنْ جَانِبٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ الْبَيْعُ
فَإِنْ قَالَ بِعْتُهَا بِحُقُوقِهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْمَمَرِّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا كَانَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ أَطْلَقَ بَيْعَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَمَرِّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْمَمَرَّ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْمَمَرِّ وَفِيهِ وجهان (أصحهما)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 242)
________________________________________
بُطْلَانُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَمَرِّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا قَالُوا وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَبِيعَةُ مُلَاصِقَةً لِلشَّارِعِ صَحَّ الْبَيْعُ وَمَرَّ الْبَائِعُ إلَيْهَا مِنْ الشَّارِعِ وَلَيْسَ لَهُ سُلُوكُ مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِهَا الدُّخُولُ مِنْ الشَّارِعِ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مُلَاصِقَةً مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ الْمُرُورُ فِيمَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ بَلْ يَدْخُلُ الْمُشْتَرِي مِنْ مِلْكِهِ الْقَدِيمِ الْمُلَاصِقِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ احْتِمَالًا قَالَ وَالصُّورَةُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا فَلَهُ الْمَمَرُّ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ (أَمَّا) إذَا بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا فَلَهُ الْمَمَرُّ لِأَنَّ الْمَمَرَّ كَانَ ثَابِتًا فَبَقِيَ فَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ الْمَمَرِّ نُظِرَ إنْ أَمْكَنَ إيجَادُ مَمَرٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قطع بعضهم كمن ذراعا من ثوب تنقص قيمته بقطعه * قال المصنف رحمه الله
* (وأما ما فيه منفعة فلا يجوز بيع الحرمنه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (قال ربكم ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطابي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إلَّا قَوْلَهُ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ ضعيف ومعنى أعطابى عَاهَدَ إنْسَانًا بِي وَبَيْعُ الْحُرِّ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع أم الولد لما روي ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (نهى عن بيع أمهات الاولاد ولانه استقر لها حق الحرية وفى بيعها إبطال ذلك فلم يجز)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (١) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا هِبَتُهَا وَلَا
رَهْنُهَا وَلَا الْوَصِيَّةُ بِهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَثَّلَ الْقَوْلَ فِي بَيْعِهَا فِي الْقَدِيمِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ اخْتِلَافُ قَوْلٍ وَإِنَّمَا مَثَّلَ القول أشارة إلى مذهب
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 243)
________________________________________
غيره وقال كثيرون من الخراسانيون لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَعَلَى هَذَا الْقَدِيمِ هل يعتق بِمَوْتِ السَّيِّدِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَالْمُدَبَّرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَعْتِقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعْتِقَ مِنْ الثُّلُثِ قُلْتُ الْأَقْوَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِتَأَكُّدِ حَقِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَقَضَى قَاضٍ بِجَوَازِهِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ فِي نَقْضِ قَضَائِهِ وَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يُنْقَضُ وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ وَلَمْ يُحْكَ غَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْآنَ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خِلَافٍ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَقَدْ ارْتَفَعَ وَصَارَ الْآنَ مُجْمَعًا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد جَوَازَ بَيْعِهَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ الْآنَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَدُّوا بِخِلَافِ دَاوُد وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَلَا خِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُمْ نَفَوْا الْقِيَاسَ وَشَرْطُ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقِيَاسِ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ أَيْضًا بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَلَكِنَّ الشِّيعَةَ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَالْمُعْتَمَدُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ) وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَحِينَئِذٍ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَسْخِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ (مِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ (بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا) رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفى رواية (قال كنا نبيع سرارينا أمهات أولاد وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ بَيْعَهَا كَانَ مُبَاحًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ النَّهْيُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 244)
________________________________________
إلَى زَمَنِ عُمَرَ فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ النَّهْيُ نهاهم والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله (ويجوز بيع المدبر لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رجلا دبر غلاما له ليس له مال غيره فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يشتريه منى فاشتراه نعيم)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أعتق غلاما له عن دين لَمْ يَكُنْ لَهُ غُلَامٌ غَيْرَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عبد الله كان عبدا قبطيامات عَامَ أَوَّلَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي وِلَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ الْمُدَبَّرَ (قَوْلُهُ) نُعَيْمٌ هُوَ - بِضَمِّ النُّونِ - (وَقَوْلُهُ) النَّحَّامُ - هُوَ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ نُعَيْمٌ فَقَطْ وَفِي بَعْضِهَا نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ نُعَيْمٌ النَّحَّامُ فَالنَّحَّامُ هُوَ نُعَيْمٌ وَمَعْنَى النَّحَّامِ السَّعَّالُ وَهُوَ الَّذِي يَسْعُلُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ سَمِعْتُ نَحْمَتَكَ فِي الْجَنَّة أَيْ سُعْلَتَكَ وَقِيلَ هِيَ النَّحْنَحَةُ وَكُلُّ هَذَا صِفَةٌ لِنُعَيْمٍ لَا لِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَسْلَمَ نُعَيْمٌ قَدِيمًا بَعْدَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وقيل ثمانية وثلاثين وكان جواد أو استشهد يَوْمَ أَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَاسْمُ هَذَا الْغُلَامِ الْمُدَبَّرِ يَعْقُوبُ وَاسْمُ سَيِّدِهِ مُدَبِّرِهِ أَبُو مدكور وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ثَمَنِهِ أم لا وسواء كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا هَذَا مَذْهَبُنَا وبه قالت عائشة أم المؤمنين ومجاهد وطاووس وعمر بن عبد العزيز وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ يَجُوزُ إذَا احْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ سَيِّدُهُ وَقَالَ أبو حنيفة ان كَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ
مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الحجاز والشام
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 245)
________________________________________
وَالْكُوفَةِ
* وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بيعه بالاجماع والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز بيع المعتق بصفة لانه ثبت له العتق بقول السيد وحده فجاز بيعه كالمدبر وفى المكاتب قولان (قال) في القديم يجوز بيعه لان عتقه غير مستقر فلا يمنع من البيع وقال في الجديد لا يجوز لانه كالخارج من ملكه ولهذا لا يرجع أرش الجناية عليه إليه فلم يملك بيعه كما لو باعه
* ولا يجوز بيع الوقف لما روى ابن عمر رضى الله عنه قال أصاب عمر رضى الله عنه أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها قال فتصدق بها عمر صدقة لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) ثَبَتَ لَهُ الْعِتْقُ بِقَوْلِ السَّيِّدِ احْتِرَازٌ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ (وَقَوْلُهُ) وَحْدَهُ احْتِرَازٌ من المكاتب وفى الفصل ثلاث مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) بَيْعُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَى الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ النَّصَّ ثَبَتَ فِي الْمُدَبَّرِ وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَةُ مُحَقَّقَةَ الْوُجُودِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ مُحْتَمَلَةً كَدُخُولِ الدَّارِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) بَيْعُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ (الثَّالِثَةُ) فِي بَيْعِ السَّيِّدِ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ بُطْلَانُهُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي الْهِبَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ فَأَدَّى الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ إلَى الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَعْتِقُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ بَاعَ السيد النجوم التى على الكاتب وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ
فَأَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ إلَى الْمُشْتَرِي وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ (نَصٌّ) فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِدَفْعِهَا إلَى الْمُشْتَرِي (وَنَصٌّ) فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 246)
________________________________________
(أَحَدُهُمَا) يَعْتِقُ لِأَنَّ السَّيِّدَ سُلْطَةٌ عَلَى الْقَبْضِ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ زَاعِمًا أَنَّهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ في يدء ضمنه بخلاف الوكيل وقال أبو إسحق المروزى النصان على حالين فَإِنْ قَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ خُذْهَا مِنْهُ أَوْ قَالَ لِلْمُكَاتَبِ ادْفَعْهَا إلَيْهِ صَارَ وَكِيلًا وَعَتَقَ بِقَبْضِهِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ فَلَا وَقِيلَ إن أبا اسحق عَرَضَ هَذَا الْفَرْقَ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ فَلَمْ يَرْتَضِهِ وَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ وَقَالَ هُوَ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْإِذْنِ فَإِنَّمَا يَأْذَنُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ لَا الْوَكَالَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعْتِقُ فَمَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي يُسَلِّمُهُ إلَى السَّيِّدِ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَوَكِيلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعْتِقُ طَالَبَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ بِالنُّجُومِ وَاسْتَرَدَّهَا الْمُكَاتَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ أَصْحَابُنَا (وَإِذَا قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ إنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ فَاسْتَخْدَمَهُ الْمُشْتَرِي مُدَّةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُكَاتَبِ وَهَلْ عَلَى السَّيِّدِ أن يمهله قدر المدة التى كان فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَا إذا استخدمه السيد أبوحبسه وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (أَمَّا إذَا قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ وَإِنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ فَفِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْقَى وَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي مَكَانُهَا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ النُّجُومَ عَتَقَ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُشْتَرِي جَمْعًا بَيْنَ الْحُقُوقِ
(وَالثَّانِي)
يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ وَيَكُونُ انْتِقَالُهُ بِالشَّرْيِ كَانْتِقَالِهِ بِالْإِرْثِ (وَالثَّالِثُ) تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ فَيَنْتَقِلُ غَيْرَ مُكَاتَبٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ أَوْ مَجَّانًا فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ الْعِتْقُ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وَيَكُونُ ذلك افتداء منه كاخلاع الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَكَ وَسَتَأْتِي المسألة مبسوطة مع نظائرها فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ عَقِيبَ كِتَابِ الظِّهَارِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْأَمْوَالِ كَمَا لَا يُعْتِقُ عَبِيدَهُ
وَلَا يُزَوِّجُ إمَاءَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ العين الموقوفة
* ذكرنا ان مذهبنا بطلان بيعها سواء
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 247)
________________________________________
حكم بصحته حاكم اولا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أبا حنيفة فقال يجوز بيعه ما لم يحكم بصحته حاكم
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ (أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا باذن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مسلم مِنْ طُرُقٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ بِأَنَّهَا رَضِيَتْ هِيَ وَأَهْلَهَا بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ بَاعُوهَا
* (فَرْعٌ)
ضَبَطُوا مَا بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ فَكُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ لَيْسَ بِحُرٍّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاحْتَرَزُوا بِالطَّاهِرِ عَنْ النَّجِسِ وَبِالْمَنْفَعَةِ عَنْ الْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا وَالْحِمَارِ الزمن والسباع وبالمال عن الجحش الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْهُونِ وَالْمَوْقُوفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْجَانِي وَقَوْلُهُمْ لَازِمٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ والموصى به * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز بيع ما سوى ذلك من الاعيان المنتفع بها من المأكول والمشروب والملبوس والمشموم وما ينتفع به من الحيوان بالركوب والاكل والدر والنسل والصيد والصوف وما يقتنيه الناس من العبيد والجوارى والاراضي والعقار لاتفاق أهل المصار في جميع الاعصار على بيعها من غير انكار ولا فرق فيها بين ما كان في الحرم من الدور وغيره لما رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمر نافع بن عبد الحرث أن يشتري دارا بمكة للسجن من صفوان بن أمية فاشتراها باربعة آلاف درهم ولانه أرض حية لم يرد عليها صدقة مؤبدة فجاز بيعها كغير الحرم)
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ مَشْهُورٌ رَوَاهُ البيهقى وغيره ونافع هذا صحابي هكذا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَنْكَرَ الْوَاقِدِيُّ صُحْبَتَهُ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ صُحْبَتُهُ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وأقام بمكة
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 248)
________________________________________
وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْنُ الخطاب على مكة والطائف وفيها سَادَاتُ قُرَيْشٍ وَثَقِيفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَبُو وَهْبٍ وَقِيلَ أَبُو أُمَيَّةَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خُزَامَةَ بْنِ جُمَحٍ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ أَسْلَمَ بَعْدَ شُهُودِهِ حُنَيْنًا كَافِرًا وَكَانَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ وَشَهْدَ الْيَرْمُوكَ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَقِيلَ عَامَ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ أَرْضٌ حَيَّةٌ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْبَيْعِ (وَقَوْلُهُ) أَرْضٌ حَيَّةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَوَاتِ (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ الْأَعْيَانَ الطَّاهِرَةَ الْمُنْتَفَعَ بِهَا الَّتِي لَيْسَتْ حُرًّا وَلَا مَوْقُوفًا وَلَا أُمَّ وَلَدٍ وَلَا مُكَاتَبَةً وَلَا مَرْهُونًا وَلَا غَائِبًا وَلَا مُسْتَأْجَرَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ وَالْمَلْبُوسُ وَالْمَشْمُومُ وَالْحَيَوَانُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ بِرُكُوبِهِ أو دره ونسله أو صوفه كَالْعَنْدَلِيبِ وَالْبَبَّغَاءِ أَوْ بِحِرَاسَتِهِ كَالْقِرْدِ أَوْ بِرُكُوبِهِ كالفيل أو بامتصامة الدَّمَ وَهُوَ الْعَلَقُ وَفِي مَعْنَاهُ دُودُ الْقَزِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فَكُلُّ هَذَا يصح بيعه (الثانية) يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ إجَارَتُهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَصْحَابِهَا يَتَوَارَثُونَهَا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الْمِلْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ وَإِجَارَتِهَا وَرَهْنِهَا مَذْهَبُنَا جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا أَمْ عَنْوَةً فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا فَتَبْقَى عَلَى مِلْكِ أَصْحَابِهَا فَتُورَثُ وَتُبَاعُ وَتُكْرَى وَتُرْهَنُ وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ عنوة فلا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ
* وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
(وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ والباد) قالوا وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحرام) أي من بيت خديجة بقوله تَعَالَى (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حرمها) قالوا أو المحرم لا يجوز بيعه وبحديث اسماعيل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 249)
________________________________________
ابن ابراهيم بن مهاجر عن أبيه عبد الله بن يابان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مكه مباح لا تباع وَلَا تُؤَجَّرُ بُيُوتُهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
* وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضى عنها قالت (قلت يارسول اللَّهِ أَلَا نَبْنِي لَكَ بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يَظِلُّكَ مِنْ الشَّمْسِ قَالَ لَا إنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ حَرَامٌ وَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَحَرَامٌ أَجْرُ بُيُوتِهَا) وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ (كَانَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ تُدْعَى السَّوَائِبَ لَمْ تُبَعْ رِبَاعُهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم وَلَا أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ مِنْ احْتَاجَ سَكَنَ وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مِنًى مُبَاحٌ لِمَنْ سَبَقَ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي بَابِ الدَّفْنِ قَالُوا وَلِأَنَّهَا بُقْعَةٌ مِنْ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا كَنَفْسِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَذْهَبِنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الْمِلْكَ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ تَكُونُ الْإِضَافَةُ لِلْيَدِ وَالسُّكْنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَقَرْنَ فِي بيوتكن) (فَالْجَوَابُ) أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَلِهَذَا لو قال هذا الدَّارُ لِزَيْدٍ حُكِمَ بِمِلْكِهَا لِزَيْدٍ وَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِهِ السُّكْنَى وَالْيَدَ لَمْ يُقْبَلْ
* وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ (أين ننزل من دارك في مكة فقال وهل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إرْثِ دُورِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ (فَجَاءَ أبو سفيان فقال يارسول الله أبيدت حضراء قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِالْأَثَرِ الْمَشْهُورِ فِي سُنَنِ البيهقى وغيره (أن نافع
ابن عبد الحرث اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارَ السِّجْنِ لعمر بن الخطاب رضى الله عنه باربع مائة وفى رواية باربعة آلاف) وروى الزبيربن بكار وغيره (أن حكيم بن حرام باع دار الندوة بمكة
________________________________________
(١) كذا بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 250)
________________________________________
مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَا أَبَا خَالِدٍ بِعْتَ مَأْثُرَةَ قُرَيْشٍ وَكَرِيمَتِهَا فَقَالَ هَيْهَاتَ ذَهَبَتْ الْمَكَارِمُ فَلَا مَكْرُمَةَ الْيَوْمَ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي الدَّرَاهِمَ) وَمِنْ الْقِيَاسِ أَنَّهَا أَرْضٌ حَيَّةٌ لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً فَجَازَ بَيْعُهَا كَغَيْرِهَا
* وَرَوَى البيهقي بأسناد عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ قَالَ (رَأَيْتُ الشافعي بمكة يفتى الناس ورأيت اسحق بْنَ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حَاضِرَيْنِ فَقَالَ أحمد لاسحق تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ رَجُلًا لَمْ تَرَ عَيْنَاكَ مثله فقال اسحق لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَجَاءَ بِهِ فَوَقَفَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ إلَى أن قال ثم تقدم اسحق إلَى مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ فَسَأَلَهُ عَنْ كِرَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ عِنْدَنَا جَائِزٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ ترك لنا عقيل من دار فقال اسحق حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ وَعَطَاءٌ وَطَاوُوسٌ لَمْ يَكُونَا يَرَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِبَعْضِ مَنْ عَرَفَهُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ الْحَنْظَلِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ أنت الذى يزعم أهل خراسان أنك فقيهم قال اسحق هَكَذَا يَزْعُمُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُكَ فِي مَوْضِعِكَ فَكُنْتُ آمُرُ بِفِرَاكِ أُذُنَيْهِ أَنَا أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت تقول قال طاووس والحسن وابراهيم هؤلاء يَرَوْنَ ذَلِكَ وَهَلْ لِأَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم أَفَتُنْسَبُ الدِّيَارُ إلَى مَالِكِينَ أَوْ غَيْرِ مَالِكِينَ فقال اسحق إلَى مَالِكِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُ اللَّهِ أَصْدَقُ الْأَقَاوِيلِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَقَدْ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَارَ الْحَجَّامِينَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ لَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال له اسحق سواء العاكف فيه والباد فَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَالْمُرَادُ الْمَسْجِدُ خَاصَّةً وَهُوَ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُ لَكَانَ لَا يَجُوزُ
لاحد أن ينشد في دور مكة وفجاج ضَالَّةً وَلَا يَنْحَرَ فِيهَا اُلْبُدْنَ وَلَا يُلْقِيَ فِيهَا الْأَرْوَاثَ وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ خَاصَّةً فسكت اسحق وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَسَكَتَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ) (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عن أدلتهم فالجواب عن قوله سواء العاكف فيه والباد سَبَقَ الْآنَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) قَوْله تعالى (هذه البلدة الذي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 251)
________________________________________
حرمها فَمَعْنَاهُ حَرَّمَ صَيْدَهَا وَشَجَرَهَا وَخَلَاهَا وَالْقِتَالَ فِيهَا كَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاحاديث الصحيحة ولم يذكر شئ مِنْهَا مَعَ كَثْرَتِهَا فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دورها (وأما) حديث اسمعيل بن ابراهيم ابن مُهَاجِرٍ عَنْ أَبِيهِ فَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَاتَّفَقُوا علي تضعيف اسمعيل وَأَبِيهِ إبْرَاهِيمَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنْ صَحَّ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَوَاتِ مِنْ الْحَرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ فَضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
ضَعْفُ إسْنَادِهِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي زِيَادٍ هَذَا ضَعِيفٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ عِنْدَ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ موقوف علي عبد الله بن عمر وَقَالُوا رَفْعُهُ وَهْمٌ هَكَذَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ
(وَالثَّانِي)
جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ عَادَتِهِمْ فِي إسْكَانِهِمْ مَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ مِنْ بُيُوتِهِمْ بِالْإِعَارَةِ تبرعا وجود أو قد أَخْبَرَ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِشَأْنِ مَكَّةَ مِنْهُ بِأَنَّهُ جَرَى الْإِرْثُ وَالْبَيْعُ فِيهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (منا مباح من سَبَقَ) فَمَحْمُولٌ عَلَى مَوَاتِهَا وَمَوَاضِعِ نُزُولِ الْحَجِيجِ مِنْهَا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى نَفْسِ الْمَسْجِدِ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ مُحَرَّمَةٌ مُحَرَّرَةٌ لَا تُلْحَقُ بِهَا الْمَنَازِلُ الْمَسْكُونَةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَلِهَذَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّورِ دُونَ الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ بَيْعِ الْكِلَابِ لا يكره بيع شئ مِنْ الْمِلْكِ الطَّلْقِ إلَّا أَرْضَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخِلَافِ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ غَرِيبٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا نَهْيٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ
دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَرَمِ هُوَ في بيع الْأَرْضِ (فَأَمَّا) الْبِنَاءُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز بيع المصاحف وكتب الادب لما روى عن عباس رضى الله عنه (أنه سئل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 252)
________________________________________
عن بيع المصاحف فقال لا بأس يأخذون أجور أيديهم ولانه طاهر منتفع به فهو كسائر الاموال)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ وَنَسْخِهِ بِالْأُجْرَةِ ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ وَالدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ الرُّويَانِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ بَيْعَهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَطَعَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَالصَّيْمَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِيضَاحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ يُكْرَهُ بَيْعُهُ قَالَ وَقِيلَ يُكْرَهُ الْبَيْعُ دُونَ الشِّرَاءِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ شَرْيَ الْمُصْحَفِ وَبَيْعَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بِهَذَا بَلْ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَرَى بَأْسًا بِالشِّرَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَنَحْنُ نكره بيعها وقال ابن المنذر في الاشرف اخْتَلَفُوا فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَبَيْعِهِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ شَدَّدَ فِي بَيْعِهِ وَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّ الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ قَالَ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ قَالَ وَكَرِهَ بَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا عَلْقَمَةُ وَابْنُ سيرين والنخعي وسريج وَمَسْرُوقٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ فِي شِرَائِهَا وَكَرِهُوا بَيْعَهَا رُوِّينَا هَذَا عَنْ ابن عباس وسعيد بن جبير وإسحق
* وَقَالَ أَحْمَدُ الشَّرْيُ أَهْوَنُ وَمَا أَعْلَمُ فِي الْبَيْعِ رُخْصَةً قَالَ وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَكَمُ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ باسناده عن ابن عباس ومروان ابن الْحَكَمِ أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ لِلتِّجَارَةِ فقالا لا نرى ان تجعله متجرا ولكن ما علمت بِيَدَيْكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ
* وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُصْحَفِ وَشِرَائِهِ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (اشْتَرِ الْمُصْحَفَ وَلَا تَبِعْهُ) وَبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (اشْتَرِهِ وَلَا تَبِعْهُ) وَعَنْ عُمَرَ
أَنَّهُ قَالَ (كَانَ يَمُرُّ بِأَصْحَابِ الْمَصَاحِفِ فَيَقُولُ نئس التِّجَارَةُ) وَبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ التَّابِعِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَى جَلَالَتِهِ وَتَوْثِيقِهِ قَالَ (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيهِ تَعْظِيمًا لِلْمُصْحَفِ عَنْ أَنْ يبتذل بِالْبَيْعِ أَوْ يُجْعَلَ مُتَّجَرًا قَالَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 253)
________________________________________
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ التَّرْخِيصُ فِيهِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ اشْتَرِ الْمُصْحَفَ وَلَا تَبِعْهُ إنْ صَحَّ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَالشِّعْرِ الْمُبَاحِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ وَكُتُبِ الطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ بَلْ يَجِبُ إتْلَافُهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ وَهَكَذَا كُتُبُ التَّنْجِيمِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالْفَلْسَفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ الْبَاطِلَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (واختلف اصحابنا في بيع بَيْضُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لحمه من الطيور التى يجوز بيعها كالصقر والبازي فمنهم من قال هو طاهر ومنهم من قال هو نجس بناء على الوجهين في طهارة مني ما لا يؤكل لحمه ونجاسته (فان قلنا) ان ذلك طاهر جاز بيعه لانه طاهر منتفع به فهو كبيض الدجاج (وان قلنا) انه نجس لم يجز بيعه لانه عين نجسة فلم يجز بيعه كالكلب والخنزير)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ دُودِ الْقَزِّ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَهُوَ كَالْعُصْفُورِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهِمَا (وَأَمَّا) بَيْضُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَفِيهَا وجهان كمني ما لا يؤكل فيه وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ طَهَارَتُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الطُّيُورِ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا فَزِيَادَةٌ لَا تُعْرَفُ لِلْأَصْحَابِ بَلْ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالرَّخَمَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْجَمِيعِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى طَهَارَةِ هَذَا الْبَيْضِ وَنَجَاسَتِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ شَامِلٌ لِمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَحَكَى الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يجوز بيع دود القولا بَيْضِهِ
*
(فُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 254)
________________________________________
(فَرْعٌ)
بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ جَائِزٌ عِنْدَنَا لَا كراهة فيه هذا المذهب وقطع به الاصحاب الا الماوردى والساشى وَالرُّويَانِيَّ فَحَكَوْا وَجْهًا شَاذًّا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا يُرَبَّى بِهِ الصَّغِيرُ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَالصَّوَابُ جَوَازُ بَيْعِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال ولا نص للشافعي في المسألة هذا مذهبنا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وعن أحمد روايتان كالمذهبين
* وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ وَبِأَنَّهُ فَضْلَةُ آدَمِيٍّ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَبِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُتَّصِلًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَصِلًا كَشَعْرِ الْآدَمِيِّ ولانه لا يؤكل لحمها فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِهَا كَالْأَتَانِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بأنه لبن طاهر منتفع به فجار بَيْعُهُ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَلِأَنَّهُ غِذَاءٌ لِلْآدَمِيِّ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْخُبْزِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُنْتَقَضٌ بِدَمِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ غِذَاءٌ لِلْجَنِينِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَتَغَذَّى الْجَنِينُ بِدَمِ الْحَيْضِ بَلْ يُولَدُ وَفَمُهُ مَسْدُودٌ لَا طريق فيه لجريان الدم وعلى وجه الْمَشِيمَةُ وَلِهَذَا أَجِنَّةُ الْبَهَائِمِ تَعِيشُ فِي الْبُطُونِ وَلَا حَيْضَ لَهَا وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ فَجَازَ بَيْعُهُ كَلَبَنِ الشَّاةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِالْعَرَقِ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ بَلْ يَحِلُّ شُرْبُهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بَيْعِهِ فِي الْعَادَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضِ الْعَصَافِيرِ وَبَيْعُ الطِّحَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَعَنْ الْبَيْضِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَعَنْ لَبَنِ الْأَتَانِ بأنه نجس بخلاف لبن الْآدَمِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيْعِ الْقَيْنَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهِيَ الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ فَإِذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا بِغَيْرِ غِنَاءٍ وَأَلْفَيْنِ مَعَ الْغِنَاءِ فَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذكرها إمام الحرمين وغيره (اصحها) يَصِحُّ بَيْعُهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَزْدِيُّ لِأَنَّهَا عَيْنٌ طَاهِرَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا فَجَازَ بَيْعُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا
لِأَنَّ الْأَلْفَ تَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمُقَابِلِ لِلْغِنَاءِ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصْدَ الْغِنَاءَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فلا قال الشيخ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 255)
________________________________________
أبو زيد المروزى
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقِيَاسُ السَّدِيدُ هُوَ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ ذَكَرَهُ فِي فُرُوعٍ مَبْتُورَةٍ عِنْدَ كِتَابِ الصَّدَاقِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بن زيد عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ) وَفِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسَائِرُ الْحُفَّاظِ قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ هُوَ ثِقَةً وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ وَقَالَ يَعْقُوبُ بن شَيْبَةَ هُوَ وَاهِي الْحَدِيثِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ تَكَلَّمَ فِيهِ بعض أهل العلم في على بن يزيد وَضَعَّفَهُ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ يَعْنِي مِنْ كِتَابِ الْعِلَلِ لَهُ قَالَ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ عَائِشَةَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَخَلَطَ فِيهِ لَيْثٌ
* (فرع)
الكبش المتخذ للنطاح والديك المتخذ للهراس بينه وبين أم حُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ حُكْمُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ فَإِنْ بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ سَاذَجًا جَازَ وَإِنْ زَادَ بِسَبَبِ النطاح والهراس فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (أَصَحُّهَا) صِحَّةُ بَيْعِهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ فِي بَيْعِ الْقَيْنَةِ وَالْكَبْشِ الَّذِي يَصْلُحُ لِلنِّطَاحِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْوَسِيطِ وَكَأَنَّهُ نَوَى أَنْ يَذْكُرَهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ شَيْخُهُ إمَامُ الحرمين عند كتاب الصداق ثم نسبه حِينَ وَصَلَهُ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ إنَاءِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ صَحِيحٌ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَيْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ
* (فَرْعٌ)
بَيْعُ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَتَأْتِي تَعَارِيفُهُ إنْ شَاءَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 256)
________________________________________
الله تعالى في احياء الموات فإذا أصححنا بَيْعَ الْمَاءِ فَفِي بَيْعِهِ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ النَّهْرِ وَبَيْعِ التراب في الصحراء وبيع النجارة بين الشعاب الكبيرة الاحجار وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ جَمِيعُ شَرَائِطِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ (الثاني) بُطْلَانُهُ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ فِيهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ سَفَهٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا السُّمُّ إنْ كَانَ يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَيَنْفَعُ قَلِيلُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ جَازَ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ بَيْعِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ إلَى الْجَوَازِ لِيُدَسَّ فِي طَعَامِ الْكَافِرِ
* (فَرْعٌ)
آلَاتُ الْمَلَاهِي كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَغَيْرِهِمَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُعَدُّ بَعْدَ الرَّضِّ وَالْحَلِّ مَالًا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ شَرْعًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا المتولي والرويانى فحكيا فيه وجها أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ رُضَاضُهَا يُعَدُّ مَالًا فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا وَبَيْعِ الْأَصْنَامِ وَالصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وغيرها ثلاثة اوجه (أصحها) الْبُطْلَانُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ إنْ اُتُّخِذَ مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ صَحَّ بَيْعُهَا وَإِنْ اُتُّخِذَ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا قَالَ وَبِهِ قَطَعَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ بَيْعُ الشِّطْرَنْجِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وأما الغرر فان صلح لبنادق الشِّطْرَنْجِ فَكَالشِّطْرَنْجِ وَإِلَّا فَكَالْمِزْمَارِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَبَنُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهُ قَالَ وَكَذَا لَبَنُ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا أَبَحْنَا لِلْفُقَرَاءِ شُرْبَهُ ويجوز لهم بيعه لانه طاهر منتفع
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ كَنِصْفٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَمْ لَا كَالْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ لِلْإِجْمَاعِ فَلَوْ بَاعَ بَعْضًا شَائِعًا من شئ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 257)
________________________________________
بمثله من ذلك الشئ كَدَارٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَبَاعَ النِّصْفَ الَّذِي لَهُ بِالنِّصْفِ الَّذِي لِصَاحِبِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ صَاعًا بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى هَذَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لِصَاحِبِهِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) لَوْ كَانَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَدْ مَلَكَ نَصِيبَهُ بِالْهِبَةِ مِنْ وَالِدِهِ انْقَطَعَتْ سُلْطَةُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ هَذَا التَّصَرُّفِ لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ عَلَى بَائِعِهِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَهُ بِالصَّدَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ (وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى النِّصْفَ وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ بَعْدَ هذا التصرف
* ولو بَاعَ النِّصْفَ الَّذِي لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَفِي الصِّحَّةِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَيَصِيرُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْمُتَوَلِّي وَاسْتَبْعَدَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِ شُرُوطِ الْمَبِيعِ والله سبحانه وتعالى أعلم
* (بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وغيره) قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع المعدوم كالثمرة التى لم تخلق لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ والغرر وما انطوى عنه أمره وخفى عليه عاقبته ولهذا قالت عائشة رضى الله عنها في وصف أبي بكر رضى الله عنه (فرد نشر الاسلام على غره) أي على طيه والمعدوم قد انطوى عنه امره وخفى عليه عاقبته فلم يجز بيعه
* وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن المعاومة وفى بعضها عن بيع السنين)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع السِّنِينَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ذَكَرَ السِّنِينَ وَالْمُعَاوَمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 258)
________________________________________
الْمُصَنِّفُ وَإِسْنَادُهُ إسْنَادُ الصَّحِيحِ وَلَفْظُ الْمُعَاوَمَةِ فِي التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بَيْعُ تَمْرِ سَنَتَيْنِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِبَيْعِ السِّنِينَ وَبَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَائِشَةَ فَمَشْهُورٌ مِنْ جُمْلَةِ خُطْبَتِهَا الْمَشْهُورَةِ الَّتِي ذَكَرَتْ فِيهَا أَحْوَالَ أَبِيهَا وَفَضَائِلَهُ (وقولها) نَشَرَ الْإِسْلَامِ هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالشِّينِ وَالْإِسْلَامُ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ أَيْ رَدَّ مَا انْتَشَرَ مِنْ الاسلام ودخله من الاختلافات وَتَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا عَلَى غَرِّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَبَيْعُ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ سَنَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
الْأَصْلُ أَنَّ بَيْعَ الْغَرَرِ بَاطِلٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (فَأَمَّا) مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَأَسَاسِ الدَّارِ وَشِرَاءِ الْحَامِلِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَكَامِلُ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَاقِصُهَا وَكَشِرَاءِ الشَّاةِ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا فِي أَشْيَاءَ غَرَرُهَا حَقِيرٌ (مِنْهَا) أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا وَلَوْ بَاعَ حَشْوَهَا مُنْفَرِدًا لَمْ يَصِحَّ
* وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إجازة الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ
* وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِأُجْرَةٍ وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ مُكْثِهِمْ فِي الْحَمَّامِ
* قَالَ الْعُلَمَاءُ مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةُ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ أَوْ كَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ تَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ وَبَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَيَكُونُ اخْتِلَافُهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبَعْضُهُمْ يَرَى الْغَرَرَ يَسِيرًا لَا يُؤَثِّرُ وَبَعْضُهُمْ يَرَاهُ مؤثرا والله سبحانه وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع ما لا يملكه من غير إذن مالكه لما روى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 259)
________________________________________
قال (لا تبع ما ليس عندك) ولان ما لا يملكه لا يقدر على تسليمه فهو كالطير في الهواء أو السمك في الماء)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حَكِيمٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ
* قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَكِيلُ وَالْوَلِيُّ وَالْوَصِيُّ وَقَيِّمُ الْقَاضِي فِي بَيْعِ مال المحجوز عَلَيْهِ وَالْقَاضِي وَنَائِبُهُ فِي بَيْعِ مَالِ مَنْ توجه عليه أداء دين وامتنع من بَيْعِ مَالِهِ فِي وَفَائِهِ فَكُلُّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَصِحُّ فِيهَا الْبَيْعُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَيَخْرُجُ مِنْهُ إذْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ رَهْنٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ أَنَّهُ مَالِكٌ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ فَإِنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ فَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مَالِكًا لِلْعَيْنِ وَإِنْ بَاشَرَهُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ فَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا وِلَايَةٍ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَنَزِيدُهُ دَلَالَةً فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ إنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ إنْ أَجَازَ صح البيع والالغا وهذا القول حكاه الخراسانيون وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَسَيَأْتِي دَلِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* (وَأَمَّا) قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ لَمْ يَعْرِفُوا هذا القول وقطعوا بالبطلان فمراده متقدموهم الْجَدِيدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ إنْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ فَكُلُّ مَنْ بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ رَضِيَ فَالْبَيْعُ وَالْعِتْقُ جَائِزَانِ هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَصَارَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي الْجَدِيدِ أَحَدُهُمَا مُوَافِقٌ لِلْقَدِيمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ وَهَبَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يطرد هذا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 260)
________________________________________
الْقَوْلُ فِي كُلِّ عَقْدٍ يَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا
وَيُسَمَّى هذا بيع الفضولي
* قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ جَارِيَانِ فِي شِرَائِهِ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فإذا اشترى الفضولي لغيره نظران اشترى بعين مال ذلك الْغَيْرِ فَفِيهِ هَذَانِ الْقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهُ (وَالْقَدِيمُ) وَقْفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ نُظِرَ إنْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْعَقْدِ وَنَوَى كَوْنَهُ لِلْغَيْرِ فَعَلَى الْجَدِيدِ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ وَعَلَى الْقَدِيمِ يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَ نَفَذَ لِلْمُجِيزِ وَإِلَّا نَفَذَ لِلْمُبَاشِرِ وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَاشْتِرَائِهِ بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهُ (وَالْقَدِيمُ) وَقْفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُضِفْ الثَّمَنَ إلَى ذِمَّتِهِ فَعَلَى الْجَدِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَلْغُو الْعَقْدُ
(وَالثَّانِي)
يَقَعُ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَعَلَى الْقَدِيم يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فان أجاز نفذ للمجير وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي وُقُوعِهِ لِلْمُبَاشِرِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فِي الْعَقْدِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْمُبَاشِرِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَذِنَ لَهُ أَمْ لَا وَإِنْ سَمَّاهُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَغَتْ التَّسْمِيَةُ وَهَلْ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ أَمْ يَبْطُلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَهَلْ تَلْغُو التَّسْمِيَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) تَلْغُو فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ أَمْ يَقَعُ عَنْ الْمُبَاشِرِ فِيهِ الْوَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا تَلْغُو وَقَعَ عَنْ الْإِذْنِ وَهَلْ يَكُونُ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ قَرْضًا أَمْ هِبَةً وَجْهَانِ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَقْدِ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ الصَّبِيِّ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُعْتَبَرُ إجَازَةُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَ الطِّفْلِ فَبَلَغَ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ الْبَائِعُ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ قَطْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَبَاعَهَا وَتَصَرَّفَ فِي أَثْمَانِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَتَبُّعُ مِلْكِ التَّصَرُّفَاتِ بِالنَّقْضِ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ التَّصَرُّفَاتِ كُلِّهَا كَمَا لَوْ كَانَ تَصَرُّفًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ كُلِّ تَصَرُّفٍ مِنْهَا
(وَالثَّانِي)
لِلْمَالِكِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 261)
________________________________________
أَنْ يُجِيزَهَا وَيَأْخُذَ الْحَاصِلَ مِنْ أَثْمَانِهَا لِعُسْرِ تَتَبُّعِهَا بِالنَّقْضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ وَأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ مِلْكُ الْعَاقِدِ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ القعد صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ كَالْغَائِبِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُ هَذَا الْخِلَافِ بِبَيْعِ الْهَازِلِ هَلْ يَنْفُذُ أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهَانِ والخلاف في بيع التحلية وَصُورَتُهُ أَنْ يَخَافَ غَصْبَ مَالِهِ أَوْ الْإِكْرَاهَ عَلَى بَيْعِهِ فَيَبِيعَهُ لِإِنْسَانٍ بَيْعًا مُطْلَقًا وَقَدْ تَوَافَقَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ لَا عَلَى صِفَةِ الْبَيْعِ وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ عندنا بظاهر العقود ولا بما ينويه العاقدان ولهذا يصح بيع المعينة وَنِكَاحُ مَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ وَنَظَائِرُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَبَانَ أَنَّهُ رَفَعَ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْكِتَابَةَ قَالُوا وَيَجْرِي فِيمَنْ زَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ مَيِّتًا هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ صَحَّ فَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ مَاتَ أَبِي فَقَدْ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ هُنَا الْبُطْلَانُ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى لِغَيْرِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ وَكَّلَهُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَفِي الْفَرْعَيْنِ بَعْدَهُ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِقَوْلَيْ وَقْفِ الْعُقُودِ وَحَيْثُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَا وَقْفِ الْعُقُودِ أَرَادُوا هَذَيْنِ وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخِلَافَ رَاجِعٌ إلى أن الْعَقْدِ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَى التَّوَقُّفِ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ بَلْ يَكُونُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالصِّحَّةُ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ وَهُوَ القديم ناجز لكن الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَدْ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ بُطْلَانُهُ ولا تقف عَلَى الْإِجَازَةِ وَكَذَا الْوَقْفُ وَالنِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ يَقِفُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالنِّكَاحُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَهُ مَنْ عُقِدَ لَهُ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إيجَابُ النِّكَاحِ وَقَبُولُهُ يَقِفَانِ عَلَى الْإِجَازَةِ وَيَقِفُ الْبَيْعُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلَا يَقِفُ الشراء وأوقفه اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 262)
________________________________________
بقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وفى هذا اعانة لاخيه المسلم لانه يَكْفِيهِ نَعْتُ الْبَيْعِ إذَا
كَانَ مُخْتَارًا لَهُ وَبِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّةً وَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ وَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِأُضْحِيَّةٍ وَدِينَارٍ فَتَصَدَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينَارِ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
* (بحديث عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ (دَفَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ فَبِعْتُ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَالًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والترمذي وابن ماجه وهذا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ الْآخَرِينَ حَسَنٌ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ أَصْحَابِ الْغَارِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَرْت أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ لَا أَسْتَهْزِئُ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ وَذَكَرَ مَا سَبَقَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* قَالُوا وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَجَازَ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ قَالُوا وَلِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا لِلْبَيْعِ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ شرطا في النكاح اشترط مقارنتها لعقده فَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ يجوز تقدمه دل علي أنه ليس بشرطه فِي صِحَّةِ انْعِقَادِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي من البيع ما ليس عندي أأبتاع لَهُ مِنْ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ مِنْهُ قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح سبق بيانه أو هذا الفصل
* وعن عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا طَلَاقَ إلا فيما يملك
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 263)
________________________________________
وَلَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا وَفَاءَ نَذْرٍ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ) حَدِيثٌ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَمَجْمُوعُهَا يَرْتَفِعُ عَنْ كَوْنِهِ حَسَنًا وَيَقْتَضِي أَنَّهُ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ أَبْلِغْهُمْ عَنِّي أَرْبَعَ خِصَالٍ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَا تَبِعْ مَا لَمْ تَمْلِكْ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْ الْبَيْعِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى الاجازة كالقبول ولانه باع مالا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ هَذَا مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بَلْ هُوَ مِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ حَكِيمٍ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (أَمَّا) إسْنَادُ أبى داود فيه ففيه نسخ مَجْهُولٌ وَأَمَّا إسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ حديث ابن أبى ثابت وحكيم بن حزام (والجواب الثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَالَةً مُطْلَقَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ الشَّاةَ وَسَلَّمَهَا وَاشْتَرَى وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شِرَاءُ الثَّانِيَةِ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي هُوَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثُ الْغَارِ فَجَوَابُهُ أَنَّ هذا شرع لمن قبلنا وفى كونه شرع لَنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ (فَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِأَرُزٍّ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ بَلْ عَيَّنَهُ لَهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ تَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ مِلْكُهُ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ اعْتَقَدَهُ لَهُ أَوْ لِلْأَجِيرِ ثُمَّ تَبَرَّعَ بِمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ عَلَى الْأَجْرِ بِتَرَاضِيهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوَصِيَّةِ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْغَرَرَ وَتَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ أَنَّ الْبَيْعَ مَجْزُومٌ بِهِ مُنْعَقِدٌ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا الْمُنْتَظَرُ فَسْخُهُ وَلِهَذَا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَفْسَخْ لَزِمَ الْبَيْعُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالصَّوْمِ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لصحته وتتقدم عليه ولان الاذن مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعَقْدِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ كَوْنُهُ مَأْذُونًا له حلة العقد والله
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 264)
________________________________________
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ إنْسَانٌ سِلْعَةً وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ لَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يُنْكِرْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَصِحُّ البيع * قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه كبيع الاعيان
* ثُمَّ إنَّ كُلَّ مَنْ حَكَاهُ إنَّمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ خَاصَّةً وَهُوَ نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ فِي البويطى وهو من المملوكة بالبيع والاجازة والصداق وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض لما روى أن حكيم بن حزام قال يارسول الله إنى أبيع بيوعا كثيرة فما يحل لى منها مما يحرم قال لا بيع ما لم تقبضه ولان ملكه عليه غير مستقر لانه ربما هلك فانفسخ العقد وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وهل يجوز عتقه فيه وجهان
(أحدهما)
أنه لا يجو لما ذكرناه
(والثانى)
يجوز لان العتق له سراية فصح لقوته (فاما) ما ملكه بغير معاوضة كالميراث والوصية أو عاد إليه بفسخ عقد فانه يجوز بيعه وعتقه قبل القبض لان ملكه عليه مستقر فجاز التصرف فيه كالمبيع بعد القبض)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حَكِيمٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ هَذَا وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَقَارًا كَانَ أَوْ مَنْقُولًا لَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَلَا بَعْدَهُ وَفِي إعْتَاقِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَبْضًا سَوَاءٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ أَمْ لَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا أَدَّاهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي تَخْلِيَتَهُ لِلتَّصَرُّفِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ الصَّرْفِ وَسِرَايَتُهُ وَالِاسْتِيلَادُ كَالْإِعْتَاقِ
* وَلَوْ وَقَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي (إنْ قُلْنَا) الْوَقْفُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَإِلَّا فَكَالْإِعْتَاقِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَصِيرُ قَابِضًا حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ الْبَائِعُ يَدَهُ عَنْهُ صار
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 265)
________________________________________
مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ جِزَافًا وَأَبَاحَهُ لِلْمَسَاكِينِ (وَأَمَّا) الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ لَا يَصِحَّانِ وَإِذَا صَحَّحْنَاهُمَا فَنَفْسُ الْعَقْدِ لَيْسَ قَبْضًا بَلْ يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُتَّهِبِ فَلَوْ أَذِنَ الْمُشْتَرِي لَهُمَا فِي قَبْضِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَكْفِي وَيَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ بَعْدَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَكْفِي ذلك المبيع وما بعده ولكن ينظران قصد قبضه للمشترى صح قبض المبيع ولابد مِنْ اسْتِئْنَافِ قَبْضٍ لِلْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وإن قصد قبضه لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ لِلْبَيْعِ وَلَا لِلْهِبَةِ لِأَنَّ قَبْضَهَا يَجِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ تَمَامِ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَاضُ وَالتَّصَدُّقُ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ فَفِيهِمَا الْخِلَافُ (وَأَمَّا) الْإِجَارَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي طَرِيقًا آخَرَ وَصَحَّحَهُ وَهُوَ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَأَمَّا) تَزْوِيجُ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي ضَمَانًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلِهَذَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمَغْصُوبَةِ وَالْآبِقَةِ (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ (وَالثَّالِثُ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَحُكِيَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الاجارة ايضا وإذا صححنا التزويج فوطئ الزوج لم يكن قبضا والله سبحانه أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ أُجْرَةً وَلَا عِوَضًا فِي صُلْحٍ وَلَا إسْلَامُهُ في شئ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِيهِ وَلَا الِاشْتِرَاكُ وَفِي التَّوْلِيَةِ وَالِاشْتِرَاكِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَالُ الْمُسْتَحَقُّ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ غَيْرِهِ قِسْمَانِ دَيْنٌ وَعَيْنٌ (أَمَّا) الدَّيْنُ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْعَيْنُ فَضَرْبَانِ أَمَانَةٌ وَمَضْمُونٌ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) الْأَمَانَةُ فَيَجُوزُ لِلْمَالِكِ بَيْعُ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا تَامٌّ وَهِيَ كَالْوَدِيعَةِ فِي يَدِ الْمُودَعِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْعَامِلِ فَالْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ وَفِي يَدِ الْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَرُشْدِهِ وَرُشْدِ السَّفِيهِ وَإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ وَمَا كَسَبَهُ الْعَبْدُ بِاصْطِيَادٍ وَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ وَنَحْوِهَا أَوْ قَبِلَهُ بِالْوَصِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ السَّيِّدُ مِنْ يَدِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا كُلُّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ
* وَلَوْ وَرِثَ مَالًا فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُوَرِّثُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ أَيْضًا بِأَنْ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا وَمَاتَ
الْمُوَرِّثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمُوَرِّثِ دَيْنٌ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ تعلق
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 266)
________________________________________
الْغَرِيمُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِ الْآخَرِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ إنْسَانٌ بِمَالٍ فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ جَازَ (إنْ قُلْنَا) تُمْلَكُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ (وإن قلنا) بالقبول أو موقوف فلا
* (الضرب الثَّانِي) الْمَضْمُونَاتُ وَهِيَ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ الْمَضْمُونُ بِالْقِيمَةِ وَيُسَمَّى ضَمَانَ الْيَدِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِتَمَامِ الْمِلْكِ فِيهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِعَقْدٍ مَفْسُوخٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ باع عبدا فوجد الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا وَفَسَخَ الْبَيْعَ كَانَ لِلْبَائِعِ بَيْعُ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَقْبِضَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَّا إذَا لَمْ يُؤَدِّ الثَّمَنَ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي حَبْسَهُ إلَى اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا
* وَلَوْ فُسِخَ السَّلَمُ لِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَانَ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ اسْتِرْدَادِهِ
* وَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَفَسَخَ بِهِ الْبَائِعُ فَلَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا وَيَجُوزُ بيع المال في يد المستعير والمسأجر وفى يد المشترى شراء فاسدا والمثبت هِبَةً فَاسِدَةً وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْمَضْمُونُ بِعِوَضٍ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَذَلِكَ كَالْمَبِيعِ وَالْأُجْرَةِ وَالْعِوَضِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ عَنْ الْمَالِ وَالْعِوَضَيْنِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ ثَوَابٍ حَيْثُ صَحَّحْنَاهَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ وَعَلَّلُوهُ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) ضَعْفُ الْمِلْكِ لِتَعَرُّضِهِ لِلِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهِ
(وَالثَّانِي)
تَوَالِي الضَّمَانِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مضمونا في حالة واحدة لاثنين وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّحْنَا بَيْعَهُ كَانَ مَضْمُونًا لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي وَسَوَاءٌ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَوْ لغيره لا يصح هكذا قطع به قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ بيعه للبائع تفريعا عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ تَوَالِي الضَّمَانِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَالَى إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْبَائِعُ لانه لا يَصِيرُ فِي الْحَالِ مَقْبُوضًا لَهُ أَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَفَاوُتِ صِفَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ إقَالَةٌ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ
* وَلَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَغَيْرِهِ
فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَ مَلَكَ فِي صُورَةِ الْهِبَةِ وَتَمَّ الرَّهْنُ وَلَا يَزُولُ ضَمَانُ الْبَيْعِ فِي صُورَةِ الرَّهْنِ بَلْ إنْ تَلِفَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 267)
________________________________________
انفسخ البيع
* هذا إذا رهنه بِغَيْرِ الثَّمَنِ فَإِنْ رَهَنَهُ بِهِ صَحَّ إنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا لِأَنَّ الْحَبْسَ ثَابِتٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَهُوَ كَرَهْنِهِ بِدَيْنٍ آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) بَيْعُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ يَدِ الزَّوْجِ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ الشمهورين فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانَ الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ أَمْ ضَمَانَ الْيَدِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْأَصَحُّ ضَمَانُ الْعَقْدِ (فَإِنْ قُلْنَا) ضَمَانُ الْيَدِ جَازَ كَالْعَارِيَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) ضَمَانُ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَفِي بَيْعِهِ لِلزَّوْجِ الْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
* وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصَّدَاقِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الزَّوْجِ بَدَلَ الْخُلْعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَفِي بَيْعِ الْعَافِي عَنْ الْقِصَاصِ الْمَالَ الْمَعْفُوَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمِثْلِ هَذَا الْمَأْخَذِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَاءَ مَا ذَكَرْنَاهُ صُوَرٌ إذَا تَأَمَّلْتَهَا عَرَفْتَ مِنْ أَيِّ ضَرْبٍ هِيَ (فَمِنْهَا) مَا حَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَرْزَاقَ الَّتِي يُخْرِجُهَا السُّلْطَانُ لِلنَّاسِ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَفْرَزَهُ السُّلْطَانُ فَتَكُونُ يَدُ السُّلْطَانِ فِي الْحِفْظِ يَدَ الْمَقَرِّ لَهُ وَيَكْفِي ذَلِكَ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ لَمْ يكتف بذلك وحمل النص على مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ شئ غَيْرِ مَمْلُوكٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَفَّالُ (قُلْتُ) الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ يَعْنِي بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ لَا بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ الْمَنْعَ الْمَذْكُورَ وَقَالَ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالرِّزْقِ الْغَنِيمَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَدَلِيلُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ وهو الاصح أن هذا القدر من المخالقة لِلْقَاعِدَةِ اُحْتُمِلَ لِلْمَصْلَحَةِ وَالرِّفْقِ بِالْجُنْدِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْأَرْزَاقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا السُّلْطَانُ قَبْلَ قَبْضِهَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ آثَارَ الصَّحَابَةِ مُصَرِّحَةً بِالْجَوَازِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَكَذَا غَلَّةُ الْوَقْفِ إذَا حَصَلَتْ لِأَقْوَامٍ وَعَرَفَ كُلُّ قَوْمٍ قَدْرَ حَقِّهِ فَبَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ صَحَّ بَيْعُهُ كَرِزْقِ الْأَجْنَادِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ
(وَمِنْهَا) بَيْعُ أَحَدِ الْغَانِمِينَ نَصِيبَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْإِشَاعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا كَانَ معلوما
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 268)
________________________________________
وَحَكَمْنَا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْغَنِيمَةِ وَفِيمَا يَمْلِكُهَا بِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ قَالَ (وَمِنْهَا) لَوْ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ (وَمِنْهَا) الشَّفِيعُ إذَا تَمَلَّكَ الشِّقْصَ قَالَ الْبَغَوِيّ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مُعَاوَضَةٌ وَهَذَا أَصَحُّ وَأَقْوَى كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هُنَا ثُمَّ قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ قَدْ سَلَّمَ الثَّمَنَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْمَنْعُ كَالْمُشْتَرِي
(وَالثَّانِي)
الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالْإِرْثِ قَالَ وَلَوْ مَلَكَ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ قَطْعًا وَكَذَا لَوْ مَلَكَ بِرِضَاءِ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الثَّمَنِ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ وَفِي جَوَازِ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهَا) لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ الْمَوْقُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا (وَمِنْهَا) إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ ثَوْبًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ بَيْعُهُ قَبْلَ صَبْغِهِ لِأَنَّ لَهُ حَبْسَهُ بِعَمَلِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ وَإِذَا صَبَغَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِرْدَادِهِ إنْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ قَصَّارًا لِقَصْرِ ثَوْبٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَصْرِهِ فَإِذَا قَصَّرَهُ بَنَى عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ هَلْ هِيَ عَيْنٌ فَتَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الصَّبْغِ أَمْ أَثَرٌ فَلَهُ الْبَيْعُ إذْ لَيْسَ لِلْقَصَّارِ الْحَبْسُ عَلَى هَذَا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا عَيْنٌ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ صَوْغِ الذَّهَبِ وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ وَنَسْجِ الْغَزْلِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ شَهْرًا وَلِيَحْفَظَ مَتَاعَهُ الْمُعَيَّنَ ثُمَّ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَبَيْعُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَجِيرِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ (وَمِنْهَا) إذَا قَاسَمَ شَرِيكَهُ فَبِيعَ مَا صَارَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ يَبْنِي عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إفْرَازٌ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي (فَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ يَدِ شَرِيكِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَنِصْفُ نَصِيبِهِ حَصَلَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَنِصْفُهُ حَصَلَ بِمِلْكِهِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِسْمَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا صَارَ لِصَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا صَارَ لَهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي نِصْفِ مَا صَارَ لَهُ دُونَ نِصْفِهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ فَحُكْمُهَا فِي الْقَدْرِ الْمَمْلُوكِ بِالْعِوَضِ حُكْمُ الْبَيْعِ (وَمِنْهَا) إذَا أَثْبَتَ صَيْدًا
بِالرَّمْيِ أَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هُنَا وَقَالَ الْقَفَّالُ لَيْسَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 269)
________________________________________
هُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِإِثْبَاتِهِ قَبَضَهُ حُكْمًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي زَوَائِدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ يُبْنَى عَلَى أَنَّهَا تَعُودُ إلَى الْبَائِعِ لَوْ عَرَضَ انْفِسَاخٌ أَمْ لَا تَعُودُ فَإِنْ أَعَدْنَاهَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا كَالْأَصْلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ
* وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ (إنْ قُلْنَا) الْحَمْلُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَتَاعًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ فله حكم البيع فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي إبدالها بمثلها ولو تلفت قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَوْ وَجَدَ الْبَائِعُ بها عينا لَمْ يَسْتَبْدِلْ بِهَا إنْ رَضِيَهَا وَإِلَّا فَسَخَ الْعَقْدَ فَلَوْ أَبْدَلَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا برضاء البائع فهو كَبَيْعِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ اشترى شيثا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ فَلَهُ بَيْعُ الْمَبِيعِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ بَاعَهُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ سِلْعَةً وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا وَأَرَادَ الْبَائِعُ بَيْعَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ يَصِحُّ بَيْعُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا فِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ أَوْ فَسْخٌ وَفِيهَا قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ إنَّهَا بَيْعٌ (وَالْقَدِيمُ) إنَّهَا فَسْخٌ (فَإِنْ قُلْنَا) فَسْخٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وكذا قال المتولي (ان قُلْنَا) الْإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَكَالْمَفْسُوخِ بِعَيْبٍ وَغَيْرِهِ فَنُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الضَّرْبِ الثَّانِي
* (فَرْعٌ)
نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْضًا شَرْعِيًّا ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ صَاحِبُهُ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ فَإِنْ تَلِفَ عَبْدُهُ الَّذِي بَاعَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ لِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يَبْطُلُ الثَّانِي لِتَعَلُّقِ حَقِّ
الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِهِ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي قِيمَةُ الَّذِي بَاعَهُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ فَوَجَبَتْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 270)
________________________________________
قِيمَتُهُ هَكَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِهَذَا كُلِّهِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ إلَّا الْمُتَوَلِّيَ فَقَالَ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ (إنْ قُلْنَا) مِنْ أَصْلِهِ بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِعَبْدٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ بَائِعُ الشِّقْصِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ وَلَمْ يَبْطُلْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يُؤْخَذُ الشِّقْصُ مِنْ يَدِ الشَّفِيعِ بَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الشِّقْصِ لِبَائِعِهِ وَيَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِقْلَالُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ إنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا كَمَا لِلْمَرْأَةِ قَبْضُ صَدَاقِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الْبَائِعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ قَبَضَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ وَلَكِنْ يَكُونُ فِي ضَمَانِهِ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ
* وَلَوْ تَعَيَّبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ حتى أن يَقْبِضَهُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الطَّعَامِ عَلَى أربعة مذاهب (أحدها) لا يجوز بيع شئ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ كَمَا فِي الطَّعَامِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ قَالَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ واسحق (وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرْضَ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (وَالرَّابِعُ)
يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 271)
________________________________________
الْمَذَاهِبِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى
* وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ
* قَالَ (لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَايَعُونَ جِزَافًا يَعْنِي الطَّعَامَ فضربوا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَحْسِبُ كل شئ مِثْلَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يقبضه قال ابن عباس وأحسب كل شئ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكِيلَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى) وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا فَالتَّنْصِيصُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِهِ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى مَا مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَعَلَى إعْتَاقِهِ وَإِجَارَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَعَلَى بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ قَبْضِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَمْ تَقْبِضْهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَبِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تباع السلع حيث تبتاع حتى يجوزها التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ اسحق بن يسار عن أبى الزناد وابن اسحق مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ فَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ عِنْدَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِسَمَاعِ ابْنِ اسحق لَهُ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّعَامِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِدَاخِلِ الْخِطَابِ وَالتَّنْبِيهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ مَعَ كَثْرَةِ الْحَاجَةِ إليه فغيره أولى
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النُّطْقَ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَهُوَ حَدِيثُ حَكِيمٍ وَحَدِيثُ زَيْدٍ (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعِتْقِ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِتْقَ لَهُ قُوَّةٌ وَسِرَايَةٌ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ إتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ وَالْإِتْلَافُ قَبْضٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّمَنِ أَنَّ فِيهِ
قَوْلَيْنِ فَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ مُسْتَقِرٌّ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُهُ وَنَظِيرُ الْمَبِيعِ إنَّمَا هُوَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَمَّا بَيْعُ الْمِيرَاثِ وَالْمُوصَى بِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 272)
________________________________________
وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُ الْعَقَارِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى مَالِكٍ وَأَجَابُوا عَنْ النُّصُوصِ بِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُهُ فَيُنْتَقَضُ بِالْجَدِيدِ الْكَثِيرِ والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وأما الديون فينظر فيها فان كان الملك عليها مستقرا كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه ممن عليه قبل القبض لان ملكه مستقر عليه فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض وهل يجوز من غيره فيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لان ما جاز بيعه ممن عليه جاز بيعه من غيره كالوديعة
(والثانى)
لا يجوز لانه لا يقدر على تسلمية إليه لانه ربما منعه أو جحده وذك غرر لا حاجة به إليه فلم يجز والاول أظهر لان الظاهر أنه يقدر على تسليمه إليه من غير منع ولا جحود
* وان كان الدين غير مستقر نظرت فان كان مسلما فيه لم يجز بيعه لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما (سئل عن رجل أسلف في حلل دقاق فلم يجد تلك الحلل فقال آخذ منك مقام كل حلة من الدقاق حلتين من الجل فكرهه ابن عباس وقال خذ برأس المال علفا أو غنما) ولان الملك في المسلم فيه غير مستقر لانه ربما تعذر فانفسخ البيع فيه فلم يجز بيعه كالمبيع قبل القبض
* وان كان ثمنا في بيع ففيه قولان قال في الصرف يجوز بيعه قبل القبض لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بالدنابير فآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم فآخذ الدنابير فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بأس ما لم تتفرقا وبينكما شئ) ولانه لا يخشي انفساخ العقد فيه بالهلاك فصار كالمبيع بعد القبض
* وروى المزني في جامعه الكبير أنه لا يجوز لان ملكه غير مستقر عليه لانه قد ينفسخ البيع فيه بتلف المبيع أو بالرد بالعيب فلم يجز بيعه كالمبيع قبل القبض وفى بيع نجوم المكاتب قبل القبض طريقان
(أحدهما)
أنه على قولين بناء على القولين في بيع رقبته
(والثانى)
انه لا يصح ذلك قولا واحدا وهو المنصوص في المختصر لانه لا يملكه ملكا
مستقرا فلم يصح بيعه كالمسلم فيه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 273)
________________________________________
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِهِ هُنَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ سِمَاكٍ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ وَقَفُوهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ (قُلْتُ) وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي رَفْعِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا وَبَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا وَبَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا مَرْفُوعًا كَانَ مَحْكُومًا بِوَصْلِهِ وَرَفْعِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح لذى قاله الفقهاء والاصوليون ومحققوا الْمُحَدِّثِينَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ (وَقَوْلُهُ) بِالْبَقِيعِ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَتْهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يُصَحِّفُهُ (وَقَوْلُهُ) السَّلَمُ فِي حُلَلٍ هُوَ جَمْعُ حُلَّةٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهِيَ ثَوْبَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا ثَوْبَانِ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالدِّقُّ بِكَسْرِ - الدَّالِ - وَالْجِلُّ بِكَسْرِ - الْجِيمِ - وَهُوَ الْغَلِيظُ (وَقَوْلُهُ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ يَحْتَرِزُ مِنْ أَسَاسِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ غَرَرٌ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا الِاحْتِرَازُ يُكَرِّرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ كَثِيرًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ لَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ أَحْسَنَ تَلْخِيصٍ وَهَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِهِ قَالَ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مُثَمَّنٌ وَثَمَنٌ وَغَيْرُهُمَا وَفِي حَقِيقَةِ الثَّمَنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَا أُلْصِقَ بِهِ الْبَاءُ كَقَوْلِكَ بِعْتُ كَذَا بِكَذَا وَالْأَوَّلُ مُثَمَّنٌ وَالثَّانِي ثَمَنٌ وَهَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ النَّقْدُ مُطْلَقًا وَالْمُثَمَّنُ مَا يقابله على الوجهين (وأصحهما) أَنَّ الثَّمَنَ النَّقْدُ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ نَقْدٌ أَوْ كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا أُلْصِقَتْ بِهِ الْبَاءُ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ فَلَوْ بَاعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ فَلَا مُثَمَّنَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَوْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا ثَمَنَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَادَلَةٌ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِهَذَا الْعَبْدِ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْعَبْدُ ثَمَنٌ وَالدَّرَاهِمُ مُثَمَّنٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ وَجْهَانِ كَالسَّلَمِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فَالْعَبْدُ مُثَمَّنٌ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذَا الْعَبْدِ وَوَصَفَهُ صَحَّ الْعَقْدُ (فَإِنْ قُلْنَا) الثَّمَنُ مَا أُلْصِقَ بِهِ الْبَاءُ فَالْعَبْدُ ثَمَنٌ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَفِي وُجُوبِ تَسْلِيمِ الثَّوْبِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ السَّلَمِ لَكِنَّ فِيهِ مَعْنَاهُ
* فَإِذَا عُرِفَ عُدْنَا إلَى بَيَانِ الْأَضْرُبِ الثَّلَاثَةِ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) الْمُثَمَّنُ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا
الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَهَلْ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِحَقِّهِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 274)
________________________________________
إتْلَافٍ أَوْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلِمُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه (أصحهما) لَا
(وَالثَّانِي)
نَعَمْ (وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ بِهِ هَكَذَا حَكَوْا الثَّالِثَ وَعَكَسَهُ الْغَزَالِيُّ في الوسيط فقال يجوز عليه لابه ولا أظن نقله ثابتا (الضرب الثاني) المثن فَإِذَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ فَفِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْهَا طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ (وَأَشْهُرُهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ جَوَازُهُ (وَالْقَدِيمُ) مَنْعُهُ
* وَلَوْ بَاعَ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ والدنابير (فَإِنْ قُلْنَا) الثَّمَنُ مَا أُلْصِقَتْ بِهِ الْبَاءُ صَحَّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ كَالنَّقْدَيْنِ وَادَّعَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مُثَمَّنًا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ (وَأَمَّا) الْأُجْرَةُ فَكَالثَّمَنِ (وَأَمَّا) الصَّدَاقُ وَبَدَلُ الْخُلْعِ فَكَذَلِكَ إنْ قُلْنَا إنَّهُمَا مَضْمُونَانِ ضَمَانَ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَهُمَا كَبَدَلِ الْإِتْلَافِ (التَّفْرِيعُ) إنْ مَنَعْنَا الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الدَّرَاهِمِ فَذَلِكَ إذَا اسْتَبْدَلَ عَنْهَا عَرْضًا فَلَوْ اسْتَبْدَلَ نَوْعًا مِنْهَا بِنَوْعٍ أَوْ اسْتَبْدَلَ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ فَوَجْهَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرَّوَاجِ وَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَدَلٍ وَبَدَلٍ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ اسْتَبْدَلَ مَا يُوَافِقُهُمَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ وَكَذَا إنْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ شَعِيرًا إنْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ وَفِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ الْبَدَلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُشْتَرَطُ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَوْ تَصَارَفَا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَا وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ
* وَإِنْ اسْتَبْدَلَ مَا لَيْسَ مُوَافِقًا لَهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَالطَّعَامِ وَالثِّيَابِ عَنْ الدَّرَاهِمِ نُظِرَ إنْ عَيَّنَ الْبَدَلَ فِي الِاسْتِبْدَالِ جَازَ وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ (صَحَّحَ) الْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ الِاشْتِرَاطَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَصَحَّحَ) الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ عَدَمَهُ (قُلْتُ) هَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وصححخ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ
* وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ بَلْ وَصَفَ فِي الذِّمَّةِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ الْوَجْهَانِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا لَيْسَ ثَمَنًا وَلَا مُثَمَّنًا كَدَيْنِ الْقَرْضِ وَالْإِتْلَافِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَالٌ بِغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ وَالْقَبْضِ عَلَى مَا سَبَقَ وَذَكَرَ صَاحِبُ
الشَّامِلِ أَنَّ الْقَرْضَ إنَّمَا يُسْتَبْدَلُ عَنْهُ إذَا تَلِفَ فَإِنْ بَقِيَ فِي يَدِهِ فَلَا وَلَمْ يُفَرِّقْ الْجُمْهُورُ بَيْنَهُمَا
* وَلَا يَجُوزُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 275)
________________________________________
اسْتِبْدَالُ الْمُؤَجَّلِ عَنْ الْحَالِّ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي الِاسْتِبْدَالِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَأَمَّا بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ كَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةٌ فَاشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا بِتِلْكَ الْمِائَةِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ مُشْتَرِي الدَّيْنِ الدَّيْنَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَقْبِضَ بَائِعُ الدَّيْنِ الْعِوَضَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ وَلَآخِرَ مِثْلُهُ عَلَى ذلك الانسان فباع أحدهما ماله عَلَيْهِ بِمَا لِصَاحِبِهِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ اتَّفَقَ الْجِنْسُ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بيع الكالى بالكالى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (قُلْتُ) قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إذَا بَاعَ طَعَامًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَخَذَ بِالثَّمَنِ طَعَامًا جَازَ عِنْدَنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى بيع طعام بطعام موجل
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُ الطَّعَامَ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لَا بِالطَّعَامِ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الثَّمَنِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عِوَضًا مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ حُلُولِهِ لَمْ يَصِحَّ (أَمَّا) تَقْدِيمُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ عَمَّا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والقبض فيما ينقل النقل لما روى زيد بن ثابت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يحوزها التجار إلى رحالهم وفيما لا ينقل كالعقار والثمر قبل أوان الجذاذ التخلية لان القبض ورد به الشرع وأطلقه فحمل على العرف والعرف فيما ينقل النقل وفيما لا ينقل التخلية)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ
قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِي التُّجَّارِ لُغَتَانِ - كَسْرُ التَّاءِ مَعَ تَخْفِيفِ الْجِيمِ - وَضَمُّهَا مَعَ التَّشْدِيدِ - وَالْجِذَاذُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الرُّجُوعُ فِي الْقَبْضِ إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أقسام
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 276)
________________________________________
(أَحَدُهَا) الْعَقَارُ وَالثَّمَرُ عَلَى الشَّجَرَةِ فَقَبْضُهُ بِالتَّخْلِيَةِ
(وَالثَّانِي)
مَا يُنْقَلُ فِي الْعَادَةِ كَالْأَخْشَابِ وَالْحُبُوبِ وَالْحِيتَانِ وَنَحْوِهَا فَقَبْضُهُ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان لَا اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ سَوَاءٌ نُقِلَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَوَاتٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثُ) مَا يُتَنَاوَلَ بِالْيَدِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمِنْدِيلِ وَالثَّوْبِ وَالْإِنَاءِ الْخَفِيفِ وَالْكِتَابِ وَنَحْوِهَا فَقَبْضُهُ بِالتَّنَاوُلِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ أَهْمَلَهُ هُنَا مَعَ شُهْرَتِهِ وَمَعَ ذِكْرِهِ لَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَقَدْ لَخَصَّ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَجَمَعَ مُتَصَرِّفَهُ مُخْتَصَرًا وَأَنَا أَنْقُلُ مُخْتَصَرَهُ وَأَضُمُّ إلَيْهِ مَا أَهْمَلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ فِيهِ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا إلَى الْعَادَةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَالِ (وَأَمَّا) تَفْصِيلُهُ فَنَقُولُ الْمَالُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَقْدِيرٍ فِيهِ وَإِمَّا مَعَ اعْتِبَارٍ فِيهِ فَهُمَا نَوْعَانِ (الْأَوَّلُ) مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْدِيرٌ إمَّا لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَإِمَّا مَعَ إمْكَانِهِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ فَقَبَضَهُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ بِتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَارِغًا مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ فَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا أَمْتِعَةٌ لِلْبَائِعِ تَوَقَّفَ التَّسْلِيمُ عَلَى تَفْرِيغِهَا وَكَذَا لَوْ بَاعَ سَفِينَةً مَشْحُونَةً بِالْقُمَاشِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا عِنْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الدَّارِ الْمَذْرُوعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَقْمِشَةِ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
* وَلَوْ جَمَعَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ وَخَلَّى بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الدَّارِ حَصَلَ الْقَبْضُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ البيت كذا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ
* وَفِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْمَبِيعِ فِي حَالِ الْإِقْبَاضِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُشْتَرَطُ فَإِنْ حَضَرَا عِنْدَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي دُونَكَ هَذَا ولا مانع حصل القبض والا فلا (والثاني) يشترط حضور المشترى دون البائع (وأصحهما) لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ يشق فعلى هذا هل يشترط زَمَانُ إمْكَانِ الْمُضِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَفِي مَعْنَى الْأَرْضِ الشَّجَرُ الثَّابِتُ وَالثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ عَلَى الشَّجَرِ قَبْلَ أَوَانِ الْجِذَاذَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ فَالْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 277)
________________________________________
لَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ بَلْ يُشْتَرَطُ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَفِي قَوْلٍ رَوَاهُ حَرْمَلَةُ تَكْفِي التَّخْلِيَةُ لِنَقْلِ الضَّمَانِ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تَكْفِي لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فعلى المذهب إن كان المبيع عبدا بأمره بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ دَابَّةً سَاقَهَا أَوْ قَادَهَا (قُلْتُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَوْ أَمَرَ الْعَبْدَ بِعَمَلٍ لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ عَنْ موضعه أو ركب البهيمة ولم تنتقل عَنْ مَوْضِعِهَا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبْضًا كَمَا لَا يَكُونُ غَصْبًا
* قَالَ وَلَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَلَيْسَ قَبْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْغَصْبِ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ كَمَوَاتٍ وَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَصُّ بِالْمُشْتَرِي فَالتَّحْوِيلُ إلَى مَكَان مِنْهُ كَافٍ فِي حُصُولِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ فِي بُقْعَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْبَائِعِ فَالنَّقْلُ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْهُ إلَى زَاوِيَةٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ مِنْ دَارِهِ إلَى بَيْتٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَا يَكْفِي لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ وَيَكْفِي لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ نَقَلَ بِإِذْنِهِ حَصَلَ الْقَبْضُ وَكَأَنَّهُ اسْتَعَارَ مَا نَقَلَ إلَيْهِ
* وَلَوْ اشْتَرَى الدَّارَ مَعَ أَمْتِعَةٍ فِيهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الدَّارِ وَفِي الْأَمْتِعَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ نَقْلُهَا لِأَنَّهَا مَنْقُولَةٌ كَمَا لَوْ أُفْرِدَتْ
(وَالثَّانِي)
يَحْصُلُ فِيهَا الْقَبْضُ تَبَعًا وَبِهِ قَطَعَ الماوردى وزاد فقال لو اشترى صبرة لم يَنْقُلْهَا حَتَّى اشْتَرَى الْأَرْضَ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّبْرَةُ وَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الصُّبْرَةِ (قُلْتُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مِنْ الْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَمْتِعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْقَبْضِ فَجَاءَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَصَرَّ أَمَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُهُ كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا قَالَ وَلَوْ جَاءَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي ضَعْهُ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَصَلَ الْقَبْضُ فَإِنْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا أَوْ قَالَ لَا أُرِيدُهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ كَمَا لَا يَحْصُلُ الْإِيدَاعُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحْصُلُ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ كَمَا لَوْ وُضِعَ الْمَغْصُوبُ بَيْنَ يَدَيْ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ فَعَلَى هَذَا لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ وَلَوْ تَلِفَ فَمِنْ ضَمَانِهِ لَكِنْ لَوْ خرج مستحقا ولم يجز إلَّا وَضْعُهُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ
الْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَكْفِي لِضَمَانِ الْغَصْبِ (قُلْتُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 278)
________________________________________
احْمِلْهُ إلَيَّ وَاتْرُكْهُ عِنْدِي فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ قَالَ وَإِذَا وَضَعَهُ عِنْدَهُ وَقُلْنَا يَصِيرُ قَابِضًا فَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهُ وَنَقَلَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَتَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا فَلِلْمُسْتَحِقِّ تَغْرِيمُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَلَهُ تَغْرِيمُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ تَغْرِيمُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِحْقَاقِ ضَمَانُ عُدْوَانٍ وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَلِهَذَا لَوْ خَلَا بِمَالِ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ هُنَا قَابِضًا لِيَصِحَّ بَيْعُهُ وَتَصَرُّفُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* وَلَوْ وَضَعَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ بَيْنَ يَدَيْ مُسْتَحَقِّهِ فَفِي حُصُولِ التَّسْلِيمِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَبِيعِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّيْنِ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِقْلَالُ بِنَقْلِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً قَرِيبًا
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَفَعَ ظَرْفًا إلَى الْبَائِعِ فَقَالَ اجْعَلْ الْمَبِيعَ فِيهِ فَفَعَلَ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ وَالظَّرْفُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يَكُونُ الظَّرْفُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ
* وَلَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ أَعِرْنِي ظَرْفَكَ وَاجْعَلْ الْمَبِيعَ فِيهِ فَفَعَلَ لَا يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا (النوع الثَّانِي) أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ تَقْدِيرٌ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ أَرْضًا مُذَارَعَةً أَوْ مَتَاعًا مُوَارَثَةً أَوْ صُبْرَةً مُكَايَلَةً أَوْ مَعْدُودًا بِالْعَدَدِ فَلَا يَكْفِي لِلْقَبْضِ مَا سَبَقَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ بل لابد مَعَ ذَلِكَ مِنْ الذَّرْعِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْعَدِّ
* وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي آصُعٍ طَعَامٍ أَوْ أَرْطَالٍ مِنْهُ يُشْتَرَطُ فِي قَبْضِهِ الْقَبْضُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ فَلَوْ قَبَضَ جِزَافًا مَا اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً وَقَعَ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ (وَأَمَّا) تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ بَاعَ الْجَمِيعَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ فَإِنْ بَاعَ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يصح قال المتولي هذا الوجه لابي إسحق الْمَرْوَزِيِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَبْضُ مَا اشْتَرَاهُ كَيْلًا بِالْوَزْنِ أَوْ وَزْنًا بِالْكَيْلِ كَقَبْضِهِ جِزَافًا
* وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ خُذْهُ فَإِنَّهُ كَذَا فَأَخَذَهُ مُصَدِّقًا لَهُ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ أَيْضًا حَتَّى يَقَعَ اكْتِيَالٌ صَحِيحٌ فَإِنْ زَادَ رَدَّ الزِّيَادَةَ فَإِنْ نَقَصَ أَخَذَ التَّمَامَ فَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ فَزَعَمَ الدَّافِعُ أَنَّهُ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ أَوْ أَكْثَرَ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 279)
________________________________________
وَزَعَمَ الْقَابِضُ أَنَّهُ كَانَ دُونَ حَقِّهِ أَوْ قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فَلَوْ أَقَرَّ بِجَرَيَانِ الْكَيْلِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ خِلَافُهُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَبِيعِ مُكَايَلَةً صُوَرًا (مِنْهَا) قَوْلُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الصبرة كل صاع بِدِرْهَمٍ (وَمِنْهَا) بِعْتُكَهَا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ (وَمِنْهَا) بِعْتُكَ عَشَرَةَ آصُعٍ مِنْهَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ صِيعَانَهَا أَوْ لَا يَعْلَمَانِ إذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
لَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ الرِّضَا بِكَيْلِ الْمُشْتَرِي وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِكَيْلِ الْبَائِعِ بَلْ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَيَّالٍ وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا نَصَّبَ الحاكم أمينا يتولاه قاله الماورى
* (فَرْعٌ)
مُؤْنَةُ الْكَيْلِ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْقَبْضُ تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ كَمُؤْنَةِ إحْضَارِ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ فَإِنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) مُؤْنَةُ وَزْنِ الثَّمَنِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي لِتَوَقُّفِ التَّسْلِيمِ وَمُؤْنَةُ نَقْدِ الثَّمَنِ هَلْ هِيَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ قُلْتُ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) مُؤْنَةُ نَقْلِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو طَعَامٌ سَلَمًا وَلِآخَرَ مِثْلُهُ عَلَى زَيْدٍ فَأَرَادَ زَيْدٌ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ مِمَّا لَهُ عَلَى عَمْرٍو فَقَالَ لِغَرِيمِهِ اذْهَبْ إلَى عمرو فاقبض لنفسك مالى عَلَيْهِ فَقَبَضَهُ فَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحْضِرْهُ مَعِي لِأَكْتَالَهُ مِنْهُ لَكَ فَفَعَلَ
* وَإِذَا فَسَدَ الْقَبْضُ فَالْمَقْبُوضُ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ عَمْرٍو مِنْ حَقِّ زَيْدٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَبْرَأُ فَعَلَى الْقَابِضِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ إلَى عَمْرٍو عَلَى عَمْرٍو
* وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ اذْهَبْ فَاقْبِضْهُ لَهُ ثُمَّ اقْبِضْهُ مِنِّي لِنَفْسِكَ بِذَلِكَ الْكَيْلِ أَوْ قَالَ احْضَرْ مَعِي لِأَقْبِضَهُ لِنَفْسِي ثُمَّ تَأْخُذَهُ لِنَفْسِك بِذَلِكَ الْكَيْلِ فَفَعَلَ فَقَبَضَهُ لِزَيْدٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَقَبَضَ زَيْدٌ لِنَفْسِهِ فِي الثَّانِيَةِ صَحِيحَانِ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ عَمْرٍو مِنْ حَقِّ زَيْدٍ وَالْقَبْضُ الْآخَرُ فَاسِدٌ وَالْمَقْبُوضُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَوْ اكْتَالَ زَيْدٌ وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالَهُ عَلَى مُشْتَرِيهِ وَأَقْبَضَهُ فَقَدْ جَرَى الصَّاعَانِ وَصَحَّ الْقَبْضَانِ فَإِنْ زَادَ حِينَ قَبَضَهُ ثَانِيًا أَوْ نَقَصَ فَالزِّيَادَةُ لِزَيْدٍ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْرًا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ عَلِمْنَا أَنَّ الْكَيْلَ الْأَوَّلَ غَلَطٌ فَيَرُدُّ زَيْدٌ الزِّيَادَةَ وَيَأْخُذُ النُّقْصَانَ وَلَوْ أَنَّ زَيْدًا لَمَّا اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْمِكْيَالِ وَسَلَّمَهُ كَذَلِكَ إلَى مُشْتَرِيهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 280)
________________________________________
فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ الثَّانِي حَتَّى يُخْرِجَهُ وَيَبْتَدِئَ كَيْلًا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ اسْتِدَامَتَهُ فِي الْمِكْيَالِ كَابْتِدَاءِ الْكَيْلِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَمَا تَجْرِي فِي دَيْنَيْ السَّلَمِ تَجْرِي فِيمَا لَوْ كَانَ
(أَحَدُهُمَا)
مُسْتَحَقًّا فِي السَّلَمِ وَالْآخَرُ بِقَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْقَبْضِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْإِقْبَاضِ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ لَا يُوَكِّلَ الْمُشْتَرِي مَنْ يَدُهُ يَدُ الْبَائِعِ كَعَبْدِهِ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ وَلَا بَأْسَ بِتَوْكِيلِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَفِي تَوْكِيلِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ
* وَلَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ وَكِّلْ مَنْ يَقْبِضُ لِي مِنْكَ جَازَ وَيَكُونُ وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي فِي التَّوْكِيلِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ لِلْمُوَكِّلِ (الامر الثاني) أن لا يكون القابض والمقبض وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا فِي الْإِقْبَاضِ وَيُوَكِّلَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَهُ هَذَا فِي الْبَيْعِ وَذَاكَ فِي الشِّرَاءِ
* وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَعَامٌ وَغَيْرُهُ مِنْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَفَعَ إلَى المستحق دراهم وقال اشتريها مثل مَا تَسْتَحِقُّهُ لِي وَاقْبِضْهُ ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَالْقَبْضُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمَقْبُوضِ وَلِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لِي وَاقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الدَّافِعِ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِنَفْسِكَ فَالتَّوْكِيلُ فَاسِدٌ وَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا لِيَتَمَلَّكَهَا فَإِنْ اشْتَرَى نُظِرَ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ وَأَدَّى ثَمَنَهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) بُطْلَانُ الشِّرَاءِ
(وَالثَّانِي)
صِحَّتُهُ
* وَلَوْ قَالَ لِمُسْتَحِقِّ الْحِنْطَةِ اكْتَلْ حَقَّكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْقَبْضِ وَقَدْ صَارَ نَائِبًا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُتَأَصِّلًا لِنَفْسِهِ وَيُسْتَثْنَى عَنْ الشَّرْطِ الثَّانِي مَا إذَا اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْقَبْضِ كَمَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَفِي احْتِيَاجِهِ إلَى النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْتَاجُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَيْلِ إذَا بَاعَ كيلا
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 281)
________________________________________
(فَرْعٌ)
يُسْتَثْنَى عَنْ صُورَةِ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ إتْلَافُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَإِنَّهُ قَبْضٌ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
قَبْضُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ الْمَبِيعِ مِنْ دَابَّةٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَيَكُونُ ما عد الْمَبِيعِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْقِسْمَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُجَابُ إلَيْهَا لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ فَظَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَالرِّضَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ فَإِنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الرِّضَا جَازَ أَلَّا نَعْتَبِرَ الْقَبْضَ كَالشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* هَذَا آخِرُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ بَاعَ شَيْئًا هُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ بِجِهَةِ ضَمَانٍ كَغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ سَوْمٍ صَارَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ مَقْبُوضًا لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ جِهَةُ ضَمَانٍ أَيْضًا فَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَيَحْصُلُ ضَمَانُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ بِجِهَةِ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ قِرَاضٍ صَارَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ مَقْبُوضًا لَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ فِي الْقَبْضِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مُضِيُّ زَمَانٍ يتأنى فِيهِ النَّقْصُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي يَدِهِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ إيَّاهُ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ
* قَالَ وَلَوْ بَاعَ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ الْإِذْنُ فِي الْقَبْضِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي اشْتِرَاطِ مُضِيِّ الزَّمَانِ وَالنَّقْلِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ إذَا نَقَلَهُ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ دَارِ الْبَائِعِ إلَى زَاوِيَةٍ لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ لِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فيه إشكال لانه إذا أخذه وأثبتنا لَهُ لِنَقْلِهِ فَمُجَرَّدُ هَذَا قَبْضٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ كَوْنُهُ قَبْضًا عَلَى وَضْعِهِ فَوَضْعُهُ بَعْدَ احْتِوَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْبَائِعِ لَا يُخْرِجُ مَا سَبَقَ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَبْضًا بَلْ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى يَدِ الْبَائِعِ
* وَقَدْ احْتَجَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ ثُمَّ تَنَازَعَا فِي مَتَاعٍ قَرِيبٍ مِنْ الدَّاخِلِ فَإِنَّ الْيَدَ فيه لرب الدار لا للداخل بخلاف مَا لَوْ كَانَتْ يَدُهُ مُحْتَوِيَةً عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنَّا لَا نَجْعَلُهُ قَبْضًا بِسَبَبِ نَقْلِهِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَلْ لِاحْتِوَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ حَالَةَ النَّقْلِ (فَإِنْ قِيلَ)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 282)
________________________________________
فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْقَبْضَ فِيمَا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ وَأَنَّ الثَّقِيلَ لابد فِيهِ مِنْ
النَّقْلِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ احْتِوَاءَ الْيَدِ عَلَى هَذَا قَبْضًا مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلٍ لِأَنَّ التَّزَاحُمَ لَا يَصْلُحُ قَرَارًا لِهَذَا الثَّقِيلِ فَاحْتِوَاءُ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْإِشَالَةِ كَعَدَمِ الِاحْتِوَاءِ لِاضْطِرَارِهِ إلَى إزَالَتِهِ عَلَى قُرْبٍ (قُلْنَا) هَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّعَامِ (حَتَّى يَحُوزَهُ التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ) وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ بَاقٍ فَإِنَّ احْتِوَاءَ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْحَمْلِ قَبْضٌ حِسِّيٌّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ وَكَانَتْ اليد فيه لمن هو في يده حسا وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ لَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ النزاع بينه وبين مَالِكَ مَوْضِعِ النِّزَاعِ (١) هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ إشْكَالٌ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ مُجَرَّدَ دَفْعِهِ قَبْضًا وَاَللَّهُ سبحانه أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا انْقَضَى الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ حَصَلَ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ بِلَا خلاف ونقل المتولي وغيره فيه إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ) إلَى آخِرِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَقْدِ الْمَلِكِ فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَرَخُصَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَسْلَمَ فِيهَا فَرَخُصَتْ قَبْلَ الْمَحَلِّ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْبَائِعَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ بِذَلِكَ النَّقْدِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ كَمَا لَوْ تَغَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْدِ الَّذِي أَحْدَثَهُ السُّلْطَانُ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِهِ فَهُوَ اعْتِيَاضٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الثَّمَنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ
* دَلِيلُنَا عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي الْتَزَمَهُ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَحْضَرَ دَنَانِيرَ وَدَلِيلُنَا فِي الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شيئا في حال الغلاء فرخصت الاسعار
*
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 283)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَقِيقَةِ الْقَبْضِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْعَقَارِ
وَنَحْوِهِ بِالتَّخْلِيَةِ وَفِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ وَفِي الْمُتَنَاوِلِ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْقَبْضُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ قِيلَ) فَحَوْزُهُ إلَى الرِّحَالِ لَيْسَ بِشَرْطِ الْإِجْمَاعِ (قُلْنَا) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَصْلِ النَّقْلِ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالرِّحَالِ فَخَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَدَلَّ الْإِجْمَاعُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ النَّقْلِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْعَقَارِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ إلَّا التَّخْلِيَةُ وَلِأَنَّهَا قَبْضٌ لَهُ فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
* وَفِي رِوَايَةٍ (كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جِزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (قَالَ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا يُضْرَبُونَ فِي أَنْ يبيعوه مكانهم حتى يؤوه إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تعالى * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء أو السمك في الماء والجمل الشارد والفرس العائر والعبد الآبق والمال المغصوب في يد الغاصب لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الغرر) وهذا غرر ولهذا قال ابن مسعود (لا تشتر والسمك في الماء فانه غرر) ولان القصد بالبيع تمليك التصرف وذلك لا يمكن فيما لا يقدر على تسليمه
* فان باع طيرا في برج مغلق الباب أو السمك في بركة لا تتصل بنهر نظرت فان قدر على تناوله إذا أراد من غير تعب جاز بيعه وإن كان في برج عظيم أو بركة عظيمة لا يقدر على أخذه إلا بتعب لم يجز بيعه لانه غير مقدور عليه في الحال وان باع العبد الآبق ممن يقدر عليه أو المغصوب من الغاصب أو ممن يقدر على أخذه منه جاز لانه لا غرر في بيعه منه)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 284)
________________________________________
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مُنْقَطِعًا ثُمَّ قَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ (وَقَوْلُهُ) فِي بِرْكَةٍ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَالنَّهْرُ - بِفَتْحِ الْهَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَحَدَ شُرُوطِ الْمَبِيعِ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفَوَاتُ الْقُدْرَةِ قَدْ يَكُونُ حِسِّيًّا وَقَدْ يَكُونُ شَرْعِيًّا فَمِنْ الشَّرْعِيِّ بَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْوَقْفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَكَذَا الْجَانِي فِي قول وغير ذلك (وأما) الحسبى فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَلَا السَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْمَمْلُوكَيْنِ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ بَاعَ السَّمَكَ الْمَمْلُوكَ لَهُ وَهُوَ فِي بِرْكَةٍ لَا يُمْكِنُهُ الخروج منها أو طير فِي بُرْجٍ مُغْلَقٍ فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ بِلَا تَعَبٍ كَبِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ وَبُرْجٍ صَغِيرٍ جَازَ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعِبٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ لَا يَصِحُّ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا يُحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى مُؤْنَةٍ كَبِيرَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ بَابُ الْبُرْجِ مَفْتُوحًا فَلَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَا يقدر على تسليمه لتمكنه من الطير ان قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ صَحَّحْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يمنع الماء رؤيته فان منعها فيه قولا بيع الغائب ان عرف المتعاقد ان قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ بَاعَ الطَّيْرَ فِي حَالِ ذَهَابِهَا إلَى الرَّعْيِ أَوْ غَيْرِهِ اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ عَوْدِهَا فِي اللَّيْلِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ لَا يَصِحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الصِّحَّةُ كَالْعَبْدِ الْمَبْعُوثِ فِي شُغْلٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِعَوْدِهَا لِعَدَمِ عَقْلِهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالْفَرَسِ الْعَائِرِ وَالْمَالِ الضَّالِّ وَنَحْوِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ عُرِفَ مَوْضِعُ الْآبِقِ وَالضَّالِّ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تسليمه في الحال هكذا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ
* قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ الْيَأْسُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَلْ يَكْفِي ظُهُورُ التَّعَذُّرِ قَالَ وَأَحْسَنَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَقَالَ إذَا عُرِفَ مَوْضِعُهُ وَعُلِمَ أَنَّهُ يَصِلُهُ إذَا رَامَ وُصُولَهُ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْآبِقِ (قُلْتُ) وَالْمَذْهَبُ ما سبق
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 285)
________________________________________
(وَأَمَّا) الْمَغْصُوبُ فَإِذَا بَاعَهُ مَالِكُهُ نُظِرَ إنْ قَدَرَ الْبَائِعُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ وَتَسْلِيمِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَإِنْ عَجَزَ نُظِرَ إنْ بَاعَهُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْ الْغَاصِبِ لَمْ يَصِحَّ
قَطْعًا وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَقْتَضِي تَكْلِيفَ الْمُشْتَرِي تَعَبَ الِانْتِزَاعِ
* وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَكِنْ لَوْ عَجَزَ من انْتِزَاعِهِ لِضَعْفٍ عَرَضَ لَهُ أَوْ قُوَّةٍ عَرَضَتْ لِلْغَاصِبِ فَلَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا خِيَارَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا حَالَ الْعَقْدِ كَوْنَهُ مَغْصُوبًا فَلَهُ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ مِمَّنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ رَدُّهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمَغْصُوبِ (الصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْآبِقَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَإِعْتَاقُهُمَا بِلَا خِلَافٍ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهَا تقضى التَّمْكِينَ مِنْ التَّصَرُّفِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ بَاعَ مِلْحًا أو حمذا وَزْنًا وَكَانَ بِحَيْثُ يَنْمَاعُ إلَى أَنْ يُوزَنَ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ جِزَافًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبِرْكَةَ لِأَخْذِ السَّمَكِ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْبِرْكَةَ لِيَحْبِسَ فِيهَا الْمَاءَ لِيَجْتَمِعَ فِيهَا السَّمَكُ وَيَصْطَادَهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْبِرْكَةَ يُمْكِنُ الِاصْطِيَادُ بِهَا فَجَازَتْ إجَارَتُهَا كَالشَّبَكَةِ قَالُوا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْبِرْكَةِ لِلْحِيتَانِ أَرَادَ بِهِ إذَا حَصَلَ فِيهَا سَمَكٌ وَأَجَّرَهَا لِأَخْذِ مَا حَصَلَ فِيهَا وَهَذِهِ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ لِأَخْذِ الْغَيْرِ فَأَمَّا الْبِرْكَةُ الْفَارِغَةُ (١) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ بَاطِلٌ فَلَوْ عَادَ الْآبِقُ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَنْقَلِبْ الْبَيْعُ صَحِيحًا عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا لَوْ بَاعَ طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ آبقا
*
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 286)
________________________________________
(فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ بَاعَ سَفِينَةً فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا حَالَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ
كَانَ فِيهَا أَمْ لا فان قدر جاز
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع عين مجهولة كبيع عبد من عبيد وثوب من أثواب لان ذلك غرر من غير حاجة ويجوز أن يبيع قفيزا من صبرة لانه إذا عرف الصبرة عرف القفيز منها فزال الغرر)
* (الشَّرْحُ) الْقَفِيزُ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِهِ التمثيل وأصل القفيز مكيل يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثلث بالبغدادي هكذا ذكره أهل اللغة وانتخاب الْغَرِيبِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْإِرْدَبُّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ صَاعًا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ مَنًا وَالْمَنَا رِطْلَانِ وَالْعَنْقَلُ نِصْفُ إرْدَبٍّ قَالَ وَالْكرستون قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثمانية مكاكيل والمكول صاع ونصف وهو ثلث حجليات والعرق ثلاثة آصع (وقول) الصصنف لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ السَّلَمِ وَمِنْ أَسَاسِ الدَّارِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ كَوْنَهُ مَعْلُومًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ الْمُشْتَرَطُ عِلْمُ عَيْنِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي فُصُولٍ مُتَرَاسِلَةٍ فَبَدَأَ بِاشْتِرَاطِ عَيْنِ الْمَبِيعِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَيْنٍ مَجْهُولَةٍ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدِي أَوْ أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ أَوْ شَاةً مِنْ هذا القطيع أو هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ أَوْ ثَوْبًا مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ من هذين
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 287)
________________________________________
أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُمْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَسَوَاءٌ تساوت قيمهم وَقِيَمُ الشِّيَاهِ وَالْأَثْوَابِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَالَ وَلَكَ الْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ أَمْ لَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي كُلِّ هَذَا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ إلَّا قَوْلًا قَدِيمًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدِي أَوْ عَبِيدِي الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ مِنْ بَيْنِهِمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ الْعَقْدُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَاخْتَلَطَ بِعَبِيدٍ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي مِنْ هَؤُلَاءِ وَالْمُشْتَرِي يَرَاهُمْ كُلَّهُمْ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهُ فَوَجْهَانِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ فَفِيهِ الْخِلَافُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ عِنْدِي أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ وَهَذَا أَصَحُّ
* وَلَوْ فُرِّقَتْ صِيعَانُ الصُّبْرَةِ الْمُتَمَاثِلَةِ فَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي نَظَائِرِهِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عن شيخه القاضى أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ
وَكَمَا لَوْ بَاعَ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَعَيُّنِهِ وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ بِهِ غَرَضٌ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ أحد الصعيان بعينه ولا يجوز ابهامه وأما الدارهم فنحتاج إلَى إثْبَاتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ صُبْرَةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ الْغَرَرِ لَكِنْ لَوْ بَاعَ جزءا شائعا من شئ بمثله من ذلك الشئ بِأَنْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِشَرِيكِهِ بِنَصِيبِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَفَوَائِدِهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
* وَلَوْ بَاعَ الْجُمْلَةَ وَاسْتَبْقَى مِنْهَا جُزْءًا شَائِعًا جَازَ مِثَالُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الثِّمَارَ إلَّا رُبُعَهَا وَقَدْرَ الزَّكَاةِ مِنْهَا وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا فَإِنْ أَرَادَ مَا يَخُصُّهُ إذَا وُزِّعَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ صَحَّ وَكَانَ اسْتِثْنَاءً لِلثُّلُثِ وَإِنْ أَرَادَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا عِنْدَ التَّقْوِيمِ فَلَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِالصِّحَّةِ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 288)
________________________________________
أَكْثَرَ مِنْ قَفِيزٍ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ وَكَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ فَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ بَسَطَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي فَصْلِ بَيْعِ مَجْهُولِ الْقَدْرِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ وَلَا مِنْ عَبْدَيْنِ وَلَا ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابٍ وَلَا مِنْ ثَوْبَيْنِ سَوَاءٌ شَرَطَ الْخِيَارَ أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَحَّ وَإِنْ بَاعَهُ عَبْدًا مِنْ أَرْبَعَةٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدٍ أَوْ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابٍ وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ فِي الصِّفَةِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي صح البيع
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع العين الغائبة إذا جهل جنسها أو نوعها لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الغرر وفى بيع ما لا يعرف جنسه أو نوعه غرر كبير فان علم الجنس والنوع بأن قال بعتك الثوب المروى الذى في كمى أو العبد الزنجي الذى في دارى أو الفرس الادهم الذى في
اصطبلي ففيه قولان (قال) القديم والصرف يصح ويثبت له الخيار إذا رآه لما روى ابن أبى مليكة (أن عثمان رضى الله عنه ابتاع من طلحة أرضا بالمدينة نافله بارض له بالكوفة فقال عثمان بعتك ما لم أره فقال طلحة انما النظر لى لانى ابتعت مغيبا وأنت قد رأيت ما ابتعت فتحاكما إلى جبير بن مطعم فقضى على عثمان أن البيع جائز وان النظر لطلحة لانه ابتاع مغيبا ولانه عقد على عين فجاز مع الجهل بصفته كالنكاح (وقال) في الجديد لا يصح لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن بيع الغرر) وفى هذا البيع غرر ولانه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالمسلم (فإذا قلنا) بقوله القديم فهل تفتقر صحة البيع إلى ذكر الصفات أم لا فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يصح حتى تذكر جميع الصفات كالمسلم فيه
(والثانى)
لا يصح حتي تذكر الصفات المقصودة (والثالث) أنه لا يفتقر إلى ذكر شئ من الصفات وهو المنصوص في الصرف لان الاعتماد على الرؤية ويثبت له الخيار إذا رآه فلا يحتاج إلى ذكر الصفات
* فان وصفه ثم وجده على خلاف ما وصف ثبت له الخيار وإن وجده على ما وصف أو أعلي ففيه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 289)
________________________________________
وجهان
(أحدهما)
لا خيار له لانه وجده على ما وصف فلم يكن له خيار كالمسلم فيه
(والثانى)
ان له الخيار لانه يعرف ببيع خيار الرؤية فلا يجوز ان يخلو من الخيار
* وهل يكون له الخيار على الفور ام لا فيه وجهان (قال) ابن ابى هريرة هو علي الفور لانه خيار تعلق بالرؤية فكان على الفور كخيار الرد بالعيب (وقال) ابو اسحق يتقدر الخيار بالمجلس لان العقد انما يتم بالرؤية فيصير كأنه عقد عند الرؤية فيثبت له خيار كخيار المجلس (وأما) إذا رأى المبيع قبل العقد ثم غاب عنه ثم اشتراه فان كان مما لا يتغير كالعقار وغيره جاز بيعه وقال ابو القاسم الانماطى لا يجوز في قوله الجديد لان الرؤية شرط في العقد فاعتبر وجودها في حال العقد كالشهادة في النكاح والمذهب الاول لان الرؤية تراد للعلم بالمبيع وقد حصل العلم بالرؤية المتقدمة فعلى هذا إذا اشتراه ثم وجده على الصفة الاولى أخذه وإن وجده ناقصا فله الرد لانه ما التزام العقد فيه الا على تلك الصفة وان اختلفا فقال البائع لم يتغير وقال المشترى تغير فالقول قول المشترى لانه يؤخذ منه الثمن فلا يجوز من غير رضاه وإن كان مما يجوز أن يتغير ويجوز أن لا يتغير أو يجوز أن يبقى ويجوز أن لا يبقى ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه لا يصح لانه مشكوك في بقائه على صفته
(والثانى)
يصح وهو المذهب لان الاصل بقاؤه على صفته فصح بيعه قياسا على ما لا يتغير)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لَكِنْ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ لَهُ فِي صَحِيحِهِ (قَوْلُهُ) الثَّوْبَ الْمَرْوِيَّ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَرْوَ الْمَدِينَةِ الْمَشْهُورَةِ بِخُرَاسَانَ وَالزِّنْجِيُّ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا - وَالْإِصْطَبْلُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ (قَوْلُهُ) قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالصَّرْفُ أَيْ فِي بَيَانِ الصَّرْفِ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ وَهُوَ أَحَدُ كُتُبِ الام
* وابن أبى ملكية اسمه عبد الله بن عبد الله ابن أبى مليكة واسم أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - ابْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ التَّيْمِيُّ الْمَكِّيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ كان قاضى مكة لعبد الله ابن الزبير ومؤزنا لَهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ (وَقَوْلُهُ) نَاقَلَهُ بأرض له لكوفة هُوَ - بِالنُّونِ وَالْقَافِ - أَيْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 290)
________________________________________
بَادَلَهُ بِهَا وَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِلْكَهُ إلَى موضع آخر (وَقَوْلُهُ) ابْتَعْتُ مُغَيَّبًا هُوَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ - (وَقَوْلُهُ) عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ السَّلَمِ (وَقَوْلُهُ) نَوْعُ بَيْعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالنِّكَاحِ (وَقَوْلُهُ) خيار تعلق بالرؤية احتراز من خيار الْفَسْخِ كَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ وَعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ وَهَذَا الْفَصْلُ مَعَ الْفُصُولِ الَّتِي بَعْدَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَمْ تُرَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصَّرْفِ مِنْ الْجَدِيدِ يَصِحُّ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ لَا يَصِحُّ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ عَلَى صِحَّتِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصُّلْحِ وَالصَّدَاقِ وَالصَّرْفِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَصَّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الرِّسَالَةِ وَالسِّيَرِ وَالْإِجَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ صِحَّتَهُ وَصَحَّحَ الاكثرون بطلانه ممن صححه المزني والبويطيي وَالرَّبِيعُ وَحَكَاهُ عَنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ فَتْوَى
الْجُمْهُورِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ يُفَرِّعُونَ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمَوْضِعَ وَيَتَعَيَّنُ هَذَا الْقَوْلُ لِأَنَّهُ الْآخِرُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ الْغَائِبِ فِي الْقَدِيمِ وَكِتَابِ الصُّلْحِ وَالصَّرْفِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي مَحَلِّ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) طَرْدُهُمَا فيما ما لَمْ يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا فِيمَا رَآهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْبَائِعُ فَبَاطِلٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْخِيَارَ وَالْخِيَارُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ تَعَبُّدٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ رَآهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَطْعًا سَوَاءٌ رَآهُ الْبَائِعُ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَرَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحَصِّلٌ وَالْبَائِعُ مُعَرِّضٌ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُحَصِّلِ أَوْلَى وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ اخْتِيَارُ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَشِرَائِهِ فِي إجَارَتِهِ وَكَوْنِهِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ إذَا سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي المصالحة عليه وفى قفه (وَأَمَّا) إذَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا غَائِبَةً أَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا أَوْ عَفَى عَنْ الْقِصَاصِ صَحَّ النِّكَاحُ وَحَصَلَتْ الْبَيْنُونَةُ فِي الْخُلْعِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَا خلاف
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 291)
________________________________________
فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَفِي صِحَّةِ الْمُسَمَّى فِيهَا الْقَوْلَانِ فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ
* وَفِي رَهْنِ الْغَائِبِ وَهِبَتِهِ الْقَوْلَانِ وَقِيلَ هُمَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ وَلِهَذَا إذَا صَحَّحْنَاهُمَا فَلَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ وَشِرَاءَهُ فَعَلَيْهِ فُرُوعٌ (أَحَدُهَا) اسْتِقْصَاءُ الْأَوْصَافِ عَلَى الْحَدِّ الْمُعْتَبَرِ فِي السَّلَمِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ وَكَذَا سَمَاعُ وَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَقُومُ وَبِهِ قطع العراقيون (الثاني) إذا كان الشئ مِمَّا لَا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى الْبَاقِي فان كان المرئ صِوَانًا لَهُ - بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا - كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْقِشْرِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَقِشْرِ الْبُنْدُقِ وَنَحْوِهِ كَالْخُشْكَنَانِ كَفَى رُؤْيَتُهُ وَصَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ واللوز ونحوهما بانفراده مادام فِي قِشْرِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَغْيِيرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ (أَمَّا) إذَا رَأَى الْمَبِيعَ مِنْ وَرَاءِ قَارُورَةٍ هُوَ فِيهَا لَمْ يَكْفِ بَلْ هُوَ بَيْعُ غَائِبٍ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ التَّامَّةَ لَا تَحْصُلُ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ صَلَاحٌ لَهُ بِخِلَافِ السَّمَكِ يَرَاهُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي مَعَ سُهُولَةِ
أَخْذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا الْأَرْضُ يَعْلُوهَا مَاءٌ صَافٍ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ صَلَاحِهَا (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ الْبَعْضِ عَلَى قَوْلِنَا بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثالث) قال أصحابنا الرؤية في كل شئ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي شِرَاءِ الدَّارِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدْرَانِ دَاخِلًا وَخَارِجًا وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ وَفِي الْبُسْتَانِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْجُدْرَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَرْضِ وَمَسَايِلِ الْمَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَسَاسِ الْبُنْيَانِ وَالْبُسْتَانِ وَالدَّارِ وَلَا عُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ طَرِيقِ الدَّارِ وَالْمَاءِ الَّذِي يَدُورُ بِهِ الرَّحَى وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَبْدِ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ وَلَا تجوز روية الْعَوْرَةِ وَفِي بَاقِي الْبَدَنِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِ الرَّقْمِ
* وَفِي الْجَارِيَةِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) كَالْعَبْدِ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْخِدْمَةِ وَالتَّصَرُّفِ (وَالثَّالِثُ) يَكْفِي رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَفِي الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُشْتَرَطُ وَفِي رُؤْيَةِ الشَّعْرِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ
* وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّوَابِّ رُؤْيَةُ مُقَدِّمِهَا وَمُؤَخِّرِهَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 292)
________________________________________
وَقَوَائِمِهَا وَرَفْعُ السَّرْجِ أَوْ الْإِكَافِ وَالْجُلِّ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَجْرِيَ الْفَرَسُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَعْرِفَ سيره فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا يُشْتَرَطُ وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ نَشْرُهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ النَّشْرُ فِي بيع الثوب التى لا تنشر أصلا الا عِنْدَ الْعَقْدِ لِمَا فِي نَشْرِهَا مِنْ النَّقْصِ وَالضَّرَرِ
* ثُمَّ إذَا نُشِرَتْ الثِّيَابُ فَمَا كَانَ مِنْهَا صَفِيقًا كَالدِّيبَاجِ الْمَنْقُوشِ اُشْتُرِطَ رُؤْيَةُ وَجْهَيْهِ وكذا يشترط رؤية وجهى البسط والرلالى وَأَمَّا مَا كَانَ رَفِيعًا كَالْكِرْبَاسِ فَيَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِ وَجْهَيْهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (قَالَ) أَصْحَابُنَا ولا يصح بيع الثياب التوزية في المنسو عَلَى هَذَا الْقَوْل وَهِيَ التُّوزِيَّةُ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ زَايٍ - وَيُشْتَرَطُ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا تَقْلِيبُ الْأَوْرَاقِ وَرُؤْيَةُ جَمِيعِهَا وَفِي الْوَرَقِ الْبَيَاضِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الطَّاقَاتِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ
*
(فَرْعٌ)
أَمَّا الْقُفَاعُ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ يُفْتَحُ رَأْسُهُ فَيُنْظَرُ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِيَصِحَّ بَيْعُهُ
* وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي الْكُوزِ مِنْ مَصَالِحِهِ وَلِأَنَّهُ تَشُقُّ رُؤْيَتُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَلَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ يَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ مُعْتَبَرٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَعَلَيْهِ فُرُوعٌ (أَحَدُهَا) إذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الرُّؤْيَةُ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ عَبْدِي التُّرْكِيَّ وَفَرَسِي الْعَرَبِيَّ أَوْ الْأَدْهَمَ أَوْ ثوبي المروى أو الحنطة الجبلية أو السهيلة وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَوْ أَخَلَّ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَقَالَ بعتك ما في كفي أو كمى أو خزانتى أَوْ مِيرَاثِي مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ يَعْرِفُ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُمَا لَا يُشْتَرَطَانِ فَيَصِحُّ بَيْعُ مَا فِي الْكُمِّ وَنَحْوِهِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجِنْسِ دُونَ النَّوْعِ فَيَقُولُ عَبْدِي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ
* وَإِذَا ذَكَرَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ فَفِي افْتِقَارِهِ مَعَ ذَلِكَ إلَى ذِكْرِ الصِّفَاتِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَفْتَقِرُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 293)
________________________________________
وَالصَّرْفِ
(وَالثَّانِي)
يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ مُعْظَمِ الصِّفَاتِ وَضَبَطَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِمَا يَصِفُ بِهِ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي (وَالثَّالِثُ) يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ صِفَاتِ السلم وهذان الوجهان ضعيفان الثالث أضعف من الثاني والثاني قول القاضى أبو حامد المروذى وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ
* فَعَلَى الْمَنْصُوصِ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ مِنْ نَوْعٍ فَبَاعَ أحدهما اشترط تميبزه بِسِنٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ فَإِنْ وَصَفَهَا بِجَمِيعِهَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي نَفْيِ الْغَرَرِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي السَّلَمِ وَالسَّلَمُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ دَارًا بِبَغْدَادَ وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْبُقْعَةِ مِنْ الْبَلَدِ وَجْهَانِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُتَعَجَّلُ إنْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ يُؤَجَّلُ إنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ لَا يُشْتَرَطُ
ذِكْرُ الْبُقْعَةِ مِنْ الْبَلَدِ
* وَإِذَا ذَكَرَ الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ الْمَبِيعُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي بَلَدِ الْبَيْعِ وَكَانَ الْمَبِيعُ فِي غَيْرِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ (الثَّانِي) إذَا شَرْطَنَا الْوَصْفَ فَوَصَفَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ دُونَ مَا وَصَفَ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا وَصَفَ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَأَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا هُنَا (أَصَحُّهُمَا) ثُبُوتُهُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ كَانَ شَرَطَ الْخِيَارَ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* وَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ حَتَّى يَنْفُذَ فَسْخُهُ وَإِجَازَتُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَنْفُذَانِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْفُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ يَنْفُذُ فَسْخُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ دُونَ إجَازَتِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشْتَرِي (وَأَمَّا) الْبَائِعُ ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) لَا خِيَارَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ رَأَى الْمَبِيعَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْخِيَارَ فِي جَانِبِهِ تَعَبُّدٌ
(وَالثَّانِي)
لَهُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَيْنِ كَالْمُشْتَرِي (وَالثَّالِثُ) لَهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 294)
________________________________________
وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ
* وَحَيْثُ قُلْنَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ هَلْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يمتد مادام مجلس الرؤية وهو قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ السِّلْسِلَةِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
(أَحَدُهُمَا)
يَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَثْبُتُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِئَلَّا يَثْبُتَ خِيَارُ مَجْلِسَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَعَلَى الثَّانِي يَمْتَدُّ إلَى انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ قَالَ وَالْفَرْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلى الوارث فالى متى يمتفيه وجهان
(أحدهما)
على الفور
(والثانى)
مادام الْوَارِثُ فِي مَجْلِسِ خَبَرِ الْمَوْتِ وَقَدْ سَبَقَتْ المسألة واضحة (والثالث) هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الرُّؤْيَةِ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَسْتَصْوِبُهُ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إجَازَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي خِيَارِ الْخُلْفِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ خِيَارُ شَهْوَةٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْصٍ وَلَا غَرَضٍ فَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ (الرابع) إذا لم تشترط الرُّؤْيَةَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ رَأَيْتَ الْمَبِيعَ فَلَا خِيَارَ لَكَ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ
(وَالثَّانِي)
الْبَائِعُ فَإِنْ شَرَطْنَا الرُّؤْيَةَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَلَا يَنْفَكُّ هَذَا عَنْ خِلَافٍ قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي شَرْطٍ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ الْأَصَحُّ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسَادِ فَيَتَعَيَّنُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَعَلَّ الْغَزَالِيَّ فَرَّعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَأَى ثَوْبَيْنِ فَسَرَقَ أَحَدَهُمَا فَاشْتَرَى الثَّانِيَ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا الْمَسْرُوقَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَصِفَتُهُمَا وَقَدْرُهُمَا كَنِصْفَيْ كِرْبَاسٍ وَاحِدٍ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وان اختلفا في شئ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 295)
________________________________________
ثَوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ مَرْئِيًّا حَالَةَ الْعَقْدِ وَقَدْ سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَاكْتُفِيَ بِهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اعْتَرَضَ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا الْفَرْعِ فَقَالَ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا تَسَاوَتْ صِفَتُهُمَا وَقَدْرُهُمَا وَقِيمَتُهُمَا مَعَ إجْرَائِهِ الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَالتَّحْقِيقُ يُوجِبُ إجْرَاءَ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْأَوْصَافِ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي كَمَا أَجْرَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأُنْمُوذَجِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لانه اعتمد مساواة غير المبيع فِي الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ كَالْأُنْمُوذَجِ الَّذِي لَيْسَ بِمَبِيعٍ الْمُسَاوِي فِي الصِّفَةِ لِلْمَبِيعِ وَلَا فَرْقَ فَإِنَّ ذِكْرَهُ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ اعتبار للقيمة مع الوصف ولا وجود لمناله فِي هَذَا الْبَابِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَهَذَانِ الِاعْتِرَاضَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فَاسِدَانِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَلَيْسَ هَذَا كَمَسْأَلَةِ الْأُنْمُوذَجِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ الْأُنْمُوذَجِ لَيْسَ مَرْئِيًّا وَلَا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ وَهُنَا سَبَقَتْ رُؤْيَةُ الثَّوْبَيْنِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ يَجِبُ إجْرَاءُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى فَالْفَرْقُ أن الثوبين في الثانية مختلفين فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ بِخِلَافِ الْأُولَى (وَأَمَّا) الِاعْتِرَاضُ
الثَّانِي فَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي نَحْوِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يُشْتَرَطُ الذَّوْقُ فِي الْخَلِّ وَنَحْوِهِ عَلَى قَوْلِنَا بِاشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَلِكَ الشَّمُّ فِي الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ وَاللُّبْسُ فِي الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهَا
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي هَذَا النَّوْعِ اخْتِلَافٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ عَلَى قَوْلِنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَفِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي مَسَائِلِ خِيَارِ الشَّرْطِ
* وَلَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 296)
________________________________________
كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُجِيزًا لِلْعَقْدِ وَهُنَا لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَأَى بَعْضَ الثَّوْبِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ فِي صُنْدُوقٍ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
(وَالثَّانِي)
بَاطِلٌ قَطْعًا لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرَهُ فِيهِ الْخِيَارُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ممتنع والطريق الاول قول أبى اسحق وَالثَّانِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ
* وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ رَأَى أَحَدَهُمَا فقط فان ابطلنا بيع الغائب بطل فيما لم يره وفى المرئى قولا تفريق الصفقة (وان) صححنا بَيْعَ الْغَائِبِ فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فِيهِمَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرَهُ فِيهِ الْخِيَارُ (فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَهُ الرَّدُّ فِيمَا لَمْ يَرَهُ وَإِمْسَاكُ مَا رَآهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ فَاشْتَرَى مَا رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَرَهُ حَالَ الْعَقْدِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا كَالْأَرْضِ وَالْأَوَانِي وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ لَا يَتَغَيَّرُ فِي الْمُدَّةِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالرُّؤْيَةِ
صَحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ ولا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ هَكَذَا قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ الْأَنْمَاطِيُّ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ وَهَذَا فاسد ودليل الجيع فِي الْكِتَابِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِقْلَاصٍ مِنْ تَلَامِذَةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلَ قَوْلِ الْأَنْمَاطِيِّ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ فَوَجَدَهُ كَمَا رَآهُ أَوَّلًا فَلَا خِيَارَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعِ غَائِبٍ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَلَهُ الْخِيَارُ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ ليتبين ابْتِدَاءِ الْمَعْرِفَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِهِ حُدُوثَ عَيْبٍ فَإِنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ الرُّؤْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِي الصِّفَاتِ الْكَائِنَةِ عند الرُّؤْيَةِ فَكُلُّ مَا فَاتَ مِنْهَا فَهُوَ كَتَبَيُّنِ الْخُلْفِ فِي الشَّرْطِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ (الْحَالُ الثَّانِي) أن يكون المبيع مما يتغير في تلك الْمُدَّةِ غَالِبًا فَإِنْ رَأَى مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ يَتَغَيَّرُ فِيهَا فِي الْعَادَةِ فَالْبَيْعُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 297)
________________________________________
بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ (الثَّالِثُ) أَنْ يَمْضِيَ على المبيع بعد الرؤية زمان يُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَبْقَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَغَيَّرَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ أَوْ كَانَ حَيَوَانًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا إنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ الْأَوَّلُ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اخْتَلَفَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي التَّغَيُّرِ فَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ كَادِّعَائِهِ اطِّلَاعَهُ عَلَى الْعَيْبِ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أن يكون حال البيع متذكر الاوصاف فان نسيها لطول المدة ونحوه فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ وَهَذَا الَّذِي
قَالَهُ غَرِيبٌ لم يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَأَى بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى الْبَاقِي صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَذَلِكَ كَصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ تَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى بَعْدَ ذلك باطهنا إلَّا إذَا خَالَفَ ظَاهِرَهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَحَكَى أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِ الصُّبْرَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْبَلَهَا لِيَعْرِفَ بَاطِنَهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ صُبْرَةُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَنَحْوِهَا فَلَوْ رَأَى شَيْئًا مِنْهَا فِي وِعَائِهِ فَرَأَى أَعْلَاهُ أَوْ رَأَى أَعْلَى السَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْخَلِّ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ فِي ظُرُوفِهَا كَفَى ذَلِكَ وَصَحَّ الْبَيْعُ وَلَا يَكُونُ بَيْعَ غَائِبٍ
* وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي بَيْتٍ مَمْلُوءٍ مِنْهَا فَرَأَى بَعْضَهَا مِنْ الْكُوَّةِ أَوْ الْبَابِ كَفَى إنْ عَرَفَ سَعَةَ الْبَيْتِ وَعُمْقَهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا حُكْمُ الْحَمْدِ فِي الْمَحْمَدَةِ إنْ رَأَى أعلاه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 298)
________________________________________
وَعَرَفَ سِعَتَهَا وَعُمْقَهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ صُبْرَةِ السَّفَرْجَلِ والرمان والبطيخ نحو ذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قالوا ولا يكفى في سلة العنب والتين والخوج وَنَحْوِ ذَلِكَ رُؤْيَةُ أَعْلَاهُ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا بخلاف الحبوب (وأما) الثمرفان لَمْ يَلْتَزِقْ بَعْضُ حَبَّاتِهِ بِبَعْضٍ فَصُبْرَتُهُ كَصُبْرَةِ الجوز واللوز فَيَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِنْ الْتَزَقَتْ كَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) الِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَةِ أَعْلَاهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَكْفِي بَلْ يَكُونُ بَيْعَ غَائِبٍ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ اللَّازِقِ وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى قَوْلِ بَيْعِ الْغَائِبِ (واصحهما) وهو قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَمَّا) الْقُطْنُ فِي الْأَعْدَالِ فَهَلْ يَكْفِي رُؤْيَةُ أَعْلَاهُ فيه خلاف حكاه الصميرى قَالَ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ كَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَأَى أُنْمُوذَجًا مِنْ الْمَبِيعِ مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَبَنَى أَمْرَ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ نُظِرَ إنْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كذا وكذا فالبيع بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَالًا وَلَمْ يُرَاعِ شُرُوطَ السَّلَمِ وَلَا يَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْوَصْفِ فِي السَّلَمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ النِّزَاعِ بِخِلَافِ هَذَا
* وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ الْحِنْطَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَهَذَا الْأُنْمُوذَجُ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ الْأُنْمُوذَجَ فِي الْبَيْعِ فَوَجْهَانِ
(أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ البيع لان المبيع غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَإِنْ أَدْخَلَهُ صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ رَآهُ مُتَّصِلًا بِالْبَاقِي وَإِنْ شِئْتَ جَمَعْتَ الصُّورَتَيْنِ فَقُلْتَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ (وَأَصَحُّهَا) إنْ أَدْخَلَ الْأُنْمُوذَجَ فِي الْبَيْعِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُتَمَاثِلَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم
* (فرع)
إذا اشْتَرَى الثَّوْبَ الْمَطْوِيَّ وَصَحَّحْنَاهُ فَنَشَرَهُ وَاخْتَارَ الْفَسْخَ وَلَمْ يُحْسِنْ طَيَّهُ وَكَانَ لِطَيِّهِ مُؤْنَةٌ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَجَبَتْ مُؤْنَةُ طَيِّهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَقَلَهُ إلَى بَيْتِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّ مُؤْنَةَ رَدِّهِ عَلَى الْمُشْتَرِي
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يصح بيع الشاة المذبوحة قبل الفسخ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ أَمْ لَا سَوَاءٌ بَاعَ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ مَعًا أَوْ أحدهما ولا يجوز بيع الاكارع والروس قَبْلَ الْإِبَانَةِ وَفِي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 299)
________________________________________
الْأَكَارِعِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا
* وَيَجُوزُ بيعهما بعد الابانة نية ومشوية وكذا المسموط نيا ومشويا وفى النئ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَسْتُورٌ بِالْجِلْدِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ جِلْدٌ مَأْكُولٌ فَأَشْبَهَ المشوى
* (فرع)
إذا رأى فصار لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جَوْهَرٌ أَوْ زُجَاجٌ فَاشْتَرَاهُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ الْغَرَرِ وَلَمْ يَحْصُلْ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ لِوُجُودِ الْعِلْمِ بِعَيْنِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ رَأَى أَرْضًا وَآجُرًّا وَطِينًا ثُمَّ بَنَى حَمَّامًا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ بِذَلِكَ الْآجُرِّ وَالطِّينِ فَاشْتَرَى الْحَمَّامَ وَلَمْ يَرَهُ وَهُوَ حَمَّامٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا تَغَيَّرَ الصِّفَاتُ وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَحْصُلْ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَى رُطَبًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ تَمْرًا لَمْ يَصِحَّ قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ هَذَا غَرَرٌ كَبِيرٌ تَخْتَلِفُ بِهِ الْأَغْرَاضُ هَذَا إذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْغَائِبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ يَصِحُّ لَوْ رَأَى سَخْلَةً فَصَارَتْ شَاةً أَوْ صَبِيًّا فَصَارَ رجلا ولم يره غير الرُّؤْيَةِ الْأُولَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَفِيهِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَلَا خِيَارَ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَتَبَايَعَاهُ بِشَرْطِهِ فَهَلْ الْعَقْدُ تَامٌّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فيه وجهان
(أحدهما)
قاله أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لَيْسَ تَامًّا لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالرِّضَا بِهِ وَقَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يَحْصُلُ الرِّضَا فَعَلَى هَذَا إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي لَيْسَ بِلَازِمٍ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ جُنَّ أَحَدُهُمَا أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْعَقْدَ تَامٌّ وَلَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَإِنْ جُنَّ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي اسحق أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَيَدُومُ مَا لَمْ يُفَارِقْ الْمَجْلِسَ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْمَجْلِسِ خِيَارَ الثَّلَاثِ وَتَأْجِيلَ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةَ فِيهِ وَالنُّقْصَانَ مِنْهُ وَعِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا بِعَيْبٍ وَلَيْسَ لَهُ شَرْطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ وَلَا تَأْجِيلُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 300)
________________________________________
الثَّمَنِ وَلَا الزِّيَادَةُ فِيهِ وَلَا النَّقْصُ مِنْهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) فَأَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ كَثَوْبٍ فِي سَفَطٍ أَوْ مَطْوِيٍّ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْغَرَرِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ قَوْلًا واحدا قل وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو إسحق وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ الْحَاضِرَ تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى بَيْعِهِ بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ
* وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ مِثْلَهُ بِحُرُوفِهِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ تَخْرِيجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فِي دِمَشْقَ اللفت والبصل ونحوها في الارض قبل قلعه بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ الْغَائِبِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْغَائِبَ يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِخِلَافِ هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْغَائِبَ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ فِيهِ يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ بِخِلَافِ هَذَا
* (فَرْعٌ)
إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا غَائِبًا فَحَضَرَ وَنَشَرَ بَعْضَهُ وَنَظَرَ إلَيْهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ
لا يبطل خياره حتى يرى جميعه
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَضْبُوطًا بِخَبَرٍ فَفِي بَيْعِهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ فِي رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِهَا بِالْعَاقِدِ فَإِذَا وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ عَيْنًا فَإِنْ رَآهَا الْوَكِيلُ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ وَاكْتَفَيْنَا بالرؤية السابقة صح انبيع قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ رَآهَا أَمْ لَا وَلَا خِيَارَ إذَا رَآهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَرَهَا الْوَكِيلُ وَلَكِنْ رَآهَا الْمُوَكِّلُ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 301)
________________________________________
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى مِنْسَجٍ قَدْ نُسِجَ بَعْضُهُ فَبَاعَهُ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ الْبَائِعُ بَاقِيَهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لِعِلَّتَيْنِ (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى جُبَّةً مَحْشُوَّةً وَرَأَى الْجُبَّةَ دُونَ الْحَشْوِ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَرَ أَسَاسَهَا وَقَدْ نَقَلَ الْمَازِرِيُّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَصِحُّ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (مَذْهَبُ) الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا وَصَفَهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا رَآهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا وُصِفَ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ وأيوب السختياني ومالك وعبيد الله بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ نَصْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ صححه بقوله تعالى (وأحل الله البيع) وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ إلَّا بَيْعًا مَنَعَهُ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) وَبِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ وَهْبٍ الْبَكْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ) وَبِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَةِ الْأَسْفَلِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ
* وَاحْتَجَّ الاصحاب بحديثي أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَهَذَا غَرَرٌ ظَاهِرٌ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَعْدُومِ الْمَوْصُوفِ كَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَغَيْرِهِ وَبِحَدِيثِ (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك) وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَهِيَ عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ باتفاق المحدثين
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 302)
________________________________________
وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ مَكْحُولًا تَابِعِيٌّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ ضَعِيفٌ فان أبا بكر ابن أَبِي مَرْيَمَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ مَشْهُورٌ بِالضَّعْفِ وَوَضْعِ الْحَدِيثِ
* وَمِمَّنْ رَوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضَعِيفٌ وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ قَوْلِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَشِرْ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَنَا أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ يَنْتَشِرَ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ اسْتِبَاحَةُ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَرْكِ الرُّؤْيَةِ هُنَاكَ لِمَشَقَّتِهَا غَالِبًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ بَاطِنِهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ كَصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ وَلِأَنَّ فِي اسْتِتَارِ بَاطِنِهَا مَصْلَحَةً لَهَا كَأَسَاسِ الدَّارِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْغَائِبِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مَا لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ الْمَبِيعَ هُنَاكَ يَكُونُ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي حال العقد بخلاف مسألتنا والله سبحانه وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن باع الاعمى أو اشترى شيئا لم يره (فان قلنا) ان بيع ما لم يره البصير لا يصح لم
يصح بيع الاعمى وشراؤه (وإن قلنا) يصح ففى بيع الاعمى وشرائه وجهان
(أحدهما)
يصح كما يصح من البصير فيما لم يره ويستنيب في القبض والخيار كما يستنيب في شرط الخيار
(والثانى)
لا يصح لان بيع ما لم يره يتم بالرؤية وذلك لا يوجد في حق الاعمى ولا يمكنه أن يوكل في الخيار لانه خيار ثبت بالشرع فلا تجوز الاستنابة فيه كخيار المجلس بخلاف خيار الشرط)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَذْهَبُ بُطْلَانُ بَيْعِ الْأَعْمَى وَشِرَائِهِ وَهَذَا مُخْتَصَرُهُ وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ وَشِرَاءَهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْأَعْمَى وَلَا شِرَاؤُهُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى رُؤْيَتِهِ فَيَكُونُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ فَيُقَامُ وَصْفُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 303)
________________________________________
غَيْرِهِ لَهُ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ وَصْفِ السِّلْعَةِ لَهُ وَيَكُونُ الْوَصْفُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَرُؤْيَةِ الْبَصِيرِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ لَمْ تصح أيضا اجازته وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَفِي مُكَاتَبَتِهِ عَبْدَهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ
* وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَلِلْعَبْدِ الْأَعْمَى أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ بِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ فِي النِّكَاحِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا إذَا زَوَّجَ وَكَانَ الصَّدَاقُ مَالًا مَعِيبًا لَمْ يَثْبُتْ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ عَلَى مَالٍ مُعَيَّنٍ (أَمَّا) إذا أسلم في شئ أَوْ أُسْلِمَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَمِيَ بَعْدَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ صَحَّ السَّلَمُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الْأَوْصَافَ ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَصَحِّ الوجهين لانه لا تمييز بين المستحق وغيره فان خلق أُعْمِيَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ الصِّحَّةُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَوْ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالسَّمَاعِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْصُوفًا وَعُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ فَهُوَ كَبَيْعِهِ الْعَيْنَ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَتُحْتَمَلُ صِحَّةُ وَكَالَتِهِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ
مِنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ حَيْثُ قَالَ مَنْ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يُوَكِّلُ فِيهِ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فَالْأَعْمَى لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَنَحْوُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْأَعْمَى رَأَى شَيْئًا لَا يَتَغَيَّرُ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إيَّاهُ إذَا صَحَّحَنَا ذَلِكَ مِنْ الْبَصِيرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَلَكَ الْأَعْمَى شَيْئًا بِالسَّلَمِ أَوْ الشِّرَاءِ حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بَلْ يُوَكِّلُ بَصِيرًا يَقْبِضُهُ لَهُ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ فَلَوْ قَبَضَهُ الْأَعْمَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 304)
________________________________________
شَيْئًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْأَعْمَى فَهَلْ يَنْفَسِخُ هَذَا الْبَيْعُ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْتُ الْأَصَحُّ لَا يَبْطُلُ
* (فَرْعٌ)
الْأَعْمَى يُخَالِفُ الْبَصِيرَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ (إحْدَاهَا) لَا يَجْتَهِدُ فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ فِي قَوْلٍ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا رَاتِبًا إلَّا مَعَ بَصِيرٍ كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعَ بِلَالٍ (الثَّالِثَةُ) لَا يَجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ (الرَّابِعَةُ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا (الْخَامِسَةُ) الْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ (السَّادِسَةُ) لَا حَجَّ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا (السَّابِعَةُ) تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحِلُّ صَيْدُهُ بِإِرْسَالِهِ كَلْبًا أَوْ سَهْمًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّامِنَةُ) لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِجَارَتُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَمُسَاقَاتُهُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ (الْعَاشِرَةُ) لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَصِيًّا فِي وَجْهٍ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَا تَجُوزُ مُكَاتَبَتُهُ عَبْدَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ فِي وَجْهٍ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَا تُؤْخَذُ عَيْنُ الْبَصِيرِ بِعَيْنِهِ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ سُلْطَانًا (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) لَا جِهَادَ عَلَيْهِ (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ قَاضِيًا (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الا فيما تحمله قبل العمى أن بالاستفاضة أو على من تعلق به
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا رأى بعض المبيع دون بعض نظرت فان كان مما لا تختلف اجزاؤه كالصبرة من الطعام
والجرة من الدبس جاز بيعه لان برؤية البعض يزول غرر الجهالة لان الظاهر ان الباطن كالظاهر وان كان مما يختلف نظرت فان كان مما يشق رؤية باقيه كالجوز في القشر الاسفل جاز بيعه لان رؤية الباطن تشق فسقط اعتبارها كرؤية أساس الحيطان وان لم تشق رؤية الباقي كالثوب المطوى ففيه طَرِيقَانِ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كبيع ما لم ير شيأ منه (ومنهم) من قال يبطل البيع قولا واحدا لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لم يره فيه الخيار وذلك لا يجوز في عين واحدة)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي الفروع السابقة والله سبحانه أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 305)
________________________________________
قال المصنف رحمه الله
* (واختلف أصحابنا في بيع الباقلاء في قشريه فقال أبو سعيد الاصطخرى يجوز لانه يباع في جميع البلدان من غير انكار (ومنهم) من قال لا يجوز وهو المنصوص في الام لان الحب قد يكون صغارا وقد يكون كبارا وقد يكون في بيوته م الا شئ فيه وقد يكون فيه حب متغير وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ
* واختلفوا أيضا في بيع نافجة المسك فقال أبو العباس يجوز بيعها لان النافجة فيها صلاح للمسك لان بقاءه فيها أكثر فجاز بيعه فيها كالجوز في القشر الاسفل ومن أصحابنا من قال لا يجوز وهو ظاهر النص لانه مجهول القدر مجهول الصفة وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ
* واختلفوا في بيع الطلع في قشره فقال أبو إسحق لا يجوز بيعه لان المقصود مستور بما لا يدخر فيه فلم يصح بيعه كالتمر الجراب وقال أبو على بن أبى هريرة رضى الله عنه يجوز لانه مستور بما يؤكل معه من القشر فجاز بيعه فيه كالقثاء والخيار
* واختلف قوله في بيع الحنطة في سنبلها (فقال) في القديم يجوز لما روى أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بيع الحب حتى يشتد) (وقال) في الجديد لا يجوز لانه لا يعلم قدر ما فيها من الحب ولا صفة الحب وذلك غرر لا تدعوا الحاجة إليه فلم يجز)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وفى الباقلى لُغَتَانِ سَبَقَتَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ التَّخْفِيفُ مَعَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ (وَقَوْلُهُ) غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَسَاسِ الدَّارِ وَمِنْ السَّلَمِ
* وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ - بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ - وَهِيَ ظَرْفُهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِنْ أَصْلِهِ وَالْجِرَابُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَالْقِثَّاءُ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَهُوَ مَمْدُودٌ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ بَيْعُ الباقلى فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ أَخْضَرَ أَوْ يَابِسًا وَأَمَّا بَيْعُهُ فِي قِشْرَةِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فَإِنْ كَانَ يَابِسًا لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِنَا بِمَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ جاز هكذا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ إلى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 306)
________________________________________
شِرَائِهِ كَذَلِكَ
* وَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ يَجُوزُ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّتُهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمر أن يشترى له الباقلى الرَّطْبُ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَآخَرِينَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (الثَّانِيَةُ) فِي بَيْعِ طَلْعِ النَّخْلِ مَعَ قِشْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (الثَّالِثَةُ) الْمِسْكُ طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ قَوْلُ الشِّيعَةِ قَالُوا لِأَنَّهُ دَمٌ وَلِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ خَلْطٌ صَرِيحٌ وَجَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ وَلَوْلَا خَوْفُ الِاغْتِرَارِ بِهِ لَمَا تَجَاسَرْتُ عَلَى حِكَايَتِهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ أنهم رأوا وبيض الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ دَمٌ فَلَا يَسْلَمُ وَلَوْ سَلِمَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ نَجَاسَتُهُ فَإِنَّهُ دَمٌ غَيْرُ مَسْفُوحٍ كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الظَّبْيَةَ
تَلْقِيهِ كَمَا تُلْقِي الْوَلَدَ وَكَمَا يُلْقِي الطَّائِرُ الْبَيْضَةَ فَيَكُونُ طَاهِرًا كَوَلَدِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ وَبَيْضِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ نَجَاسَتُهُ فَإِنَّ الْعَسَلَ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ بِلَا شَكٍّ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ وَهِيَ نَافِجَتُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ مُطْلَقًا قَالَهُ ابن سيريج لَمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
إنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً وَشَاهَدَ الْمِسْكَ فِيهَا وَلَمْ يَتَفَاوَتْ ثَمَنُهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ بِيعَ مَعَهَا أَوْ دُونَهَا مَفْتُوحَةً وَغَيْرَ مَفْتُوحَةٍ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ
* وَلَوْ رَأَى الْمِسْكَ خَارِجَ الْفَأْرَةِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَبَاعَهُ فِيهَا وَهِيَ مَفْتُوحَةُ الرَّأْسِ صَحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَفْتُوحَةٍ فَقَدْ قَالُوا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ يَتَغَيَّرُ فِيهِ غَالِبًا وَإِلَّا فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 307)
________________________________________
لِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ المسك المخلوط بغيره لم يصح قولا واحد الان الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا الزَّبَادُ فَهُوَ لَبَنُ سِنَّوْرٍ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَلِأَصْحَابِنَا فِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
(أَحَدُهُمَا)
نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
(وَالثَّانِي)
طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمِسْكِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّوَابُ طَهَارَتُهُ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ حِلُّ لَحْمِ كُلِّ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَحِلُّ لَبَنِهِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهِمَا إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمِسْكَ الْمُخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمُخْتَلِطِ بِالْمَاءِ وَالْمُرَادُ إذَا خَالَطَ الْمِسْكُ غَيْرَهُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّرْكِيبِ فَإِنْ كَانَ مَعْجُونًا مَعَ غَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنَّدِّ جَازَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ
*
(فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ وَتَمْيِيزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْهُ وَكَذَا تُرَابُ الصَّاغَةِ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِذَهَبٍ أَمْ بِفِضَّةٍ أَمْ بِغَيْرِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَبَيْعُ تُرَابِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ بِمَا يُخَالِفُهُ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ ذَهَبًا وَوَافَقْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ بِحَالٍ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ فِيهِ كَبَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَقَبْلَ السَّلْخِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ ونحو ذلك فإذا باع ثمرة لاكمام لَهَا كَالتِّينِ وَالْعِنَبِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ بَاعَهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِهَا عَلَى الشَّجَرِ كَوْنُهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ باع الشعير أو الذرة أو السلت مه سُنْبُلِهِ جَازَ قَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ بِلَا خِلَافٍ لان حباته ظَاهِرَةٌ
* وَلَوْ كَانَ لِلثَّمَرِ وَالْحَبِّ كِمَامٌ لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ كَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 308)
________________________________________
وَالْعَلَسِ جَازَ بَيْعُهُ فِي كِمَامِهِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) مَالَهُ كِمَامَانِ يُزَالُ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الآخر إلى وقت الاكل كالجوز واللوز والرانح فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ بِلَا خِلَافٍ ولا يجوز في القشر الا على لَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى الشَّجَرِ لَا رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ حَكَاهُ الخراسانيون يجوز مادام رَطْبًا وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا (أَمَّا) مَا لَا يُرَى حَبُّهُ فِي سُنْبُلِهِ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَالسِّمْسِمِ وَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَمَا دَامَ فِي سُنْبُلِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ سُنْبُلِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَالْمَعْدِنِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (أَمَّا) إذَا بَاعَ هَذَا النَّوْعَ مَعَ سُنْبُلِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ وَفِي الْأَرُزِّ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) صِحَّةُ بَيْعِهِ فِي سُنْبُلِهِ كَالشَّعِيرِ وَلِأَنَّهُ يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ فَأَشْبَهَ الْعَلَسَ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْحِنْطَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ
وَيَجُوزُ بَيْعُ أَوْرَاقِهَا الظَّاهِرَةِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْقُنَّبِيطِ فِي الْأَرْضِ لِظُهُورِهِ وَكَذَا نَوْعٌ مِنْ الشَّلْجَمِ يَكُونُ ظَاهِرًا وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ - وَالْقُنَّبِيطُ - بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ - كَذَا هُوَ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّوْزِ فِي الْأَعْلَى قَبْلَ انْعِقَادِ الْأَسْفَلِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالتُّفَّاحِ
* (فَرْعٌ)
حَيْثُ قُلْنَا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي هذه الصور السَّابِقَةِ فَهَلْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ فِيهِ طَرِيقَانِ سَبَقَا عَنْ حِكَايَةِ الْمَاوَرْدِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ فَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ فِي بَيْعِ الْجَزَرِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ هُوَ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ يُمْكِنُ رَدُّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِصِفَتِهِ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَسَبَقَ ايضاح الفرق
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 309)
________________________________________
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فباع الجوز مثلا في قشره الا على مَعَ الشَّجَرِ أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا مَعَ الْأَرْضِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَوْزِ وَالْحِنْطَةِ وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَتَعَذُّرِ التَّوْزِيعِ
* وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَبْذُورَةً مَعَ الْبَذْرِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ وَفِي الْبَذْرِ تَبَعًا لَهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي الْبَذْرِ ثُمَّ فِي الْأَرْضِ الطَّرِيقَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ لَا يَقُولُ بِالتَّوْزِيعِ بَلْ يُوجِبُ جَمِيعَ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا بِالضَّعِيفِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِهَا وَلَهُ عِلَّتَانِ مَعَ الْحَدِيثِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّهُ بَيْعُ حِنْطَةٍ وَتِبْنٍ بِحِنْطَةٍ وَذَلِكَ رِبًا (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ بَيْعُ حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا
* فَلَوْ بَاعَ شَعِيرًا فِي سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ خَالِصَةٍ صَافِيَةٍ وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ بَاعَ زَرْعًا
قَبْلَ ظُهُورِ حَبِّهِ بِحَبٍّ مِنْ جِنْسِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْحَشِيشَ لَيْسَ رِبَوِيًّا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا
* ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَصِحُّ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي بَيْعِ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالشَّلْجَمِ وَالْفُجْلِ وَهُوَ غَائِبٌ فِي مَنْبَتِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ بُطْلَانُ بَيْعِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِبُطْلَانِهِ أَقُولُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع مجهول القدر فان قال بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح البيع لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الغرر وفى بيع البعض غرر لانه يقع على
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 310)
________________________________________
القليل والكثير ولانه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بقدر المبيع كالسلم
* وان قال بعتك هذه الصبرة جاز وان لم يعرف قفزانها وان قال بعتك هذه الدار أو هذا الثوب جاز وان لم يعرف ذرعانهما لان غرر الجهالة ينتفي عنهما بالمشاهدة قال الشافعي وأكره بيع الصبرة جزافا لانه يجهل قدرها على الحقيقة
* وان قال بعتك ثلثها أو ربعها أو بعتك الا ثلثها أو ربعها جاز لان من عرف الشئ عرف ثلثه أو ربعه وما يبقى بعدهما
* وان قال بعتك هذه الصبرة الا قفيزا منها أو هذه الدار أو هذا الثوب الا ذراعا منه نظرت فان علما مبلغ قفزان الصبرة وذرعان الدار والثوب جاز لان المبيع معلوم وان لم يعلما ذلك لم يجز لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن الثنيا) ولان المبيع هو الباقي بعد القفيز والذراع وذلك مجهول
* وإن قال بعتك عشرة أقفزة من هذه الصبرة جاز لانها معلومة القدر والصفة فان اختلفا فقال البائع أعطيك من أسفلها وقال المشترى من أعلاها فالخيار إلى البائع فمن أي موضع أعطاه جاز لانه أعطاه من الصبرة وإن قال بعتك عشرة أذرع من هذه الدار أو عشرة اذرع من هذا الثوب فان كانا يعلمان مبلغ ذرعان الدار والثوب وانها مائة ذراع صح البيع في عشرها لان العشرة من المائة عشرها فلا فرق بين أن يقول بعتك عشرها وبين أن يقول
بعتك عشرة من مائة ذراع منها وان لم يعلما مبلغ ذرعان الدار والثوب لم يصح لانه ان جعل البيع عشرة أذرع مشاعة لم يعرف قدر المبيع أنه عشرها أو ثلثها أو سدسها وان جعل البيع في عشرة أذرع من موضع بعينه لم يعرف صفة المبيع فان أجزاء الثوب والدار تختلف وقد يكون بعضها أجود من بعض وان قال بعتك عشرة أذرع ابتداؤها من هذا المكان ولم يبين المنتهى ففيه وجهان (احدهما) لا يصح لان أجزاء المبيع مختلفة وقد ينتهى إلى موضع يخالف موضع الابتداء
(والثانى)
أنه يصح لانه يشاهد السمت وان بين الابتداء والانتهاء صح في الدار (وأما) في الثوب فانه ان كان مما لا ينقص قيمته بالقطع فهو كالدار وان كان مما ينقص لم يصح لانه شرط إدخال نقص عليه فيما لم يبع من الثوب ومن أصحابنا من قال يصح لانه رضى بما يدخل عليه من الضرر)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ صَحِيحٌ رَوَاهُ مسلم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 311)
________________________________________
وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَزَادَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) قَالَ الترمذي وهو حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الترمذي والنسائي حسنة فانها مبينة لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ
* وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَفِيزِ وَأَنَّ الذِّرَاعَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ وَالتَّأْنِيثُ أفصح (وقوله) لان نَوْعٌ بِيعَ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِقَدْرِهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَرْطِ الثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بَعْضَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ بَعْضَ الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَعْلَمَا مَبْلَغَ صِيعَانِهَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَيَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ مِائَةَ صَاعٍ فَالْمَبِيعُ عُشْرُ عُشْرِهَا فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَنْزِيلِهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) الْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْ الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُشَاعٍ أَيُّ صَاعٍ كَانَ وَعَلَى هَذَا قَالُوا يَبْقَى الْمَبِيعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا لَمْ يُقَسَّطْ عَلَى
الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ (الْحَالُ الثَّانِي) إن كان لا يعلما أَوْ أَحَدُهُمَا مَبْلَغَ صِيعَانِهَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ فرق صيعانها وقال بِعْتُكَ صَاعًا مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى المذهب وبه قط الْأَصْحَابُ إلَّا الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فَصَحَّحَهُ وَسَبَقَ نَقْلُهُ عَنْهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَصِحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَطَوَائِفُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَصَارَ كالبيع بدرهم مطلق فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُنَزَّلُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ صِفَةَ الدِّرْهَمِ وَلَا وَزْنِهِ لِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا وَكَذَا الصَّاعُ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُفْتِي بِالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ الْبُطْلَانَ فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ الْمُسْتَفْتِي يَسْتَفْتِينِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا عَنْ اعْتِقَادِي (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الصِّحَّةُ فَالْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْهَا أَيُّ صَاعٍ كَانَ فَلَوْ تَلِفَ جَمِيعُهَا إلَّا صَاعًا تَعَيَّنَ الْعَقْدُ فِيهِ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ صَاعًا مِنْ أَعْلَاهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ أَسْفَلِهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ لِأَنَّ رؤية ظاهر الصبرة كرؤية
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 312)
________________________________________
وكلها وهذا الذى ذكرناه من أنه إذا تلفت إلَّا صَاعًا وَاحِدًا تَعَيَّنَ الْعَقْدُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
* وَقَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ لَا يَتَعَيَّنُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ تَلِفَتْ كُلُّهَا إلَّا بَعْضَ صَاعٍ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي إنْ رَضِيَهُ وَسَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ الصَّاعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مجهول القدر وليس متميزا حتى تكفى في الْمُشَاهَدَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَنَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ كَانَ الْمَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا وَاحْتَجَّ الْقَفَّالُ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ كَمَا حَكَيْنَا عَنْ اخْتِيَارِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ الْقَفَّالِ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَجْهُولِ وَالْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ وَالْإِبْهَامُ يعمهما قال وفى الفرق غموض واعترض عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غُمُوضٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ صَاعٍ مِنْ الصُّبْرَةِ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ إلَّا صَاعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ الصُّبْرَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ الْجَوْزِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جِزَافًا وَلَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ
منهما قدرها كيلا ولا وزنا ولكن شاهداها فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَيَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَجْزَاءَهَا مُتَسَاوِيَةٌ وَيَشُقُّ تَقْلِيبُهَا وَالنَّظَرُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِصُبْرَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ جِزَافًا لَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَدْرَهَا لَكِنَّهَا مُشَاهَدَةٌ لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لَكِنْ هَلْ يُكْرَهُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ جِزَافًا وَالْبَيْعُ بِصُبْرَةِ الدَّرَاهِمِ جِزَافًا فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ وَمِمَّنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بَطَلَ الْبَيْعُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَهُ نِصْفَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ عُشْرَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهَا الْمَعْلُومَةِ أَوْ بَاعَهَا إلَّا نِصْفَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهَا الْمَعْلُومَةِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ (أَمَّا) إذَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 313)
________________________________________
قَالَ بِعْتُكَ بَعْضَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ نَصِيبًا منها أو جزءا أو هما أَوْ مَا شِئْتَ وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْعِبَارَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَدْرٌ مَعْلُومٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك قَفِيزًا مِنْهَا جَازَ لِأَنَّهُ بَاعَهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا تَضُرُّ جَهَالَةُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومُ التفصيل والمبيع معلوم بالمشاهدة فانتفقى الْغَرَرُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ
* وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ في شئ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلَفْظُ كُلٍّ لِلْعَدَدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُكَ أَقْفِزَةً مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ حَكَاهُ عَنْهُ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ كَمَا قَالَ فِي نَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ إذَا قَالَ أَجَرْتُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِدِرْهَمٍ
* وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا إذا قال بتعك كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَى جَمِيعِ الصُّبْرَةِ بِخِلَافِ
مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصبرة كل صاع بِدِرْهَمٍ قَالَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ فَيُقَالُ إنْ قَالَ بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ بَطَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ قَالَ وَكَذَلِكَ يُفَرَّقُ فِي الْإِجَارَةِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فَسَوَّى بَيْنَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَصَحَّحَ الْبَيْعَ فِي الصُّورَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ وَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ الْفَرْقُ وَهُوَ صِحَّتُهُ فِي بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَبُطْلَانُهُ فِي بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ عَشْرَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَغْنَامِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَلِمَ عَدَدَ الشِّيَاهِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي الصُّبْرَةِ وَالثَّوْبِ والارض فانه يصح وَيَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ الشِّيَاهِ تَخْتَلِفُ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ قَالَ مِثْلَهُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الثَّوْبِ نُظِرَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ كما ذكر صح البيع وان زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 314)
________________________________________
فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ إلَى الصُّبْرَةِ وَيَلْغُو الْوَصْفُ فَعَلَى هَذَا إنْ خَرَجَ نَاقِصًا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ أَجَازَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُخَيَّرُ بِقِسْطِ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ قَابَلَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ
(وَالثَّانِي)
يُخَيَّرُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قابل الجملة به وان خرج زائد فَلِمَنْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهُ قَطْعًا وَلَا لِلْبَائِعِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَكُونُ لِلْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهُ وَفِي ثُبُوتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثُبُوتُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ فَبَاعَهَا وَهِيَ كَذَلِكَ أَوْ بَاعَ السَّمْنَ أَوْ نَحْوَهُ فِي ظَرْفٍ مُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ رِقَّةً وَغِلَظًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ رُؤْيَةٌ تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُحَقِّقِينَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَوَقْتُ الْخِيَارِ هُنَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الصُّبْرَةِ أَوْ التَّمَكُّنَ مِنْ تَخْمِينِهِ بِرُؤْيَةِ مَا تَحْتَهَا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْبُطْلَانِ فَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّهَا عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ فَبَانَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ
فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ وَهُوَ اختيار الشيخ أبو مُحَمَّدٍ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمِقْدَارِ تَخْمِينًا أَوْ تَحْقِيقًا شَرْطٌ وَقَدْ تَبَيَّنَّا فَوَاتَهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ هِبَةً فَبَاعَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ عُقِدَ فِي عَقْدٍ وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهُ فَبَاعَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ الصُّبْرَةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّاعُ مَجْهُولًا فَهُوَ بَيْعٌ مَجْهُولٌ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا لَمْ يَصِحَّ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لِأَنَّا نَجْهَلُ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَجُمْلَتَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَزِيدُهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَأَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ كَانَ الثَّمَنُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّةَ كُلِّ صَاعٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كتب العراقيين
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 315)
________________________________________
حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) يصح وبهذا قطع إمام الحرمين والغزالي والبغوى وَالرَّافِعِيُّ وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِذَا كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَهُ كُلَّ صَاعٍ وَتُسْعَ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَادَّعَى الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ كُلَّهُمْ جَزَمُوا بِهِ سِوَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَلِطَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى فَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ
* وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ رَدَّ صَاعٍ إلَيْهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةُ آصُعٍ أَخَذْت مِنْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَتْ الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ وَغَيْرُهُمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِذَا كَانَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَتُسْعٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزْيَدَك صَاعًا أَوْ أَنْقُصَك صَاعًا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يُنْقِصُهُ أَوْ يَزِيدُهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَهَبَ لِي مِنْهَا صَاعًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ شَرَطَ هِبَةَ الْبَائِعِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الثَّمَنَ بِجُمْلَتِهِ يُقَابِلُ جَمِيعَ الصُّبْرَةِ إلَّا
صَاعًا مِنْهَا وَهِيَ مَعْلُومَةُ الصِّيعَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ كل صاع بدرهم وتسع دراهم أَعْنِي إذَا كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ جَمِيعَ الصِّيعَانِ الْعَشَرَةِ وَيُعْطِيَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا جَازَ أَيْضًا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً وَإِنْ قَالَ أَزِيدَك مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَصِحَّ بِكُلِّ حَالٍ لِلْجَهَالَةِ
* قَالَ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ الْأَرْضَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك ذِرَاعًا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك ذِرَاعًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَتْ لَهُ صُبْرَةٌ بَعْضُهَا حنطة وبعضها شعير مُخْتَلَطٌ وَبَاعَ جَمِيعَهَا جِزَافًا جَازَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مشاهد وان باع مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ سَوَاءٌ جَازَ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لَهُ صُبْرَةٌ وَلِآخَرَ صُبْرَةٌ فَقَالَ بِعْتُكَ مِنْ صُبْرَتِي بِقَدْرِ صُبْرَتِكَ بِدِينَارٍ لم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 316)
________________________________________
يَصِحَّ الْبَيْعُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا إذَا كَانَ البيع فِيمَا لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالثَّوْبِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ سَوَاءٌ عَلِمَا ذُرْعَانَهَا أَمْ لَا كَمَا قُلْنَا فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ الماوردي في الحاوى إنْ عَلِمَا ذُرْعَانَهَا صَحَّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ يَجُوزُ كَالصُّبْرَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْبَغْدَادِيِّينَ بَعْضَهُمْ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ رُبُعَ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ ثُلُثَهَا فَيَصِحُّ قَطْعًا سَوَاءٌ عَلِمَا ذرعانها أم لَا وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ كل ذراع بدرهم لم صح قطعا ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ تَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهَا مَجْهُولَةً لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ مِنْ اخْتِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّارِ دُونَ الصُّبْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهَا مَعْلُومَةً لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا وَحُمِلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَانَ الْمَبِيعُ
عُشْرَهَا مُشَاعًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَذْرُعًا مُعَيَّنَةً فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ كَشَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ
* وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَرَدْت الْإِشَاعَةَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَرَدْت مُعَيَّنًا فَفِيمَنْ يُصَدَّقُ احْتِمَالَانِ (أَرْجَحُهُمَا) يُصَدَّقُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ مُفْسِدٍ لِلْعِقْدِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مُرَجَّحٌ وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحَةً (وَأَمَّا) هُنَا فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ النَّاوِي لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ بِعْتُكَ مِنْ هُنَا إلَى هُنَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَفَ فِي وَسَطِهَا فَقَالَ بِعْتُكَ أَذْرُعًا ابْتِدَاؤُهَا مِنْ هُنَا وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تُذْرَعُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَيَتَفَاوَتُ بِهِ الْغَرَضُ وَإِنْ قَالَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ هُنَا إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فِي جَمِيعِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 317)
________________________________________
الْعَرَضِ وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَى أَيْنَ يَنْتَهِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهُوَ قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ الاكثرون منهم والرافعي وغيرهم لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَدْ ينتهى الذرع إلَى مَوْضِعٍ يُخَالِفُ الِابْتِدَاءَ وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ هَذَا (الثَّالِثَةُ) إذَا بَاعَ ذِرَاعًا أَوْ أَذْرُعًا مِنْ ثَوْبٍ فَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهُ مَعْلُومَةً لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ وَنَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ ذِرَاعًا وَالْجُمْلَةُ عَشَرَةٌ كَانَ الْمَبِيعُ الْعَشَرُ شَائِعًا كَمَا سَبَقَ فِي الصُّبْرَةِ وَفِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالصُّبْرَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* وَإِنْ كَانَتْ ذرعا مجهولة لهما أو لاحدهما نظران كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ كَالْكِرْبَاسِ الْغَلِيظِ وَنَحْوِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَصِحُّ الْبَيْعُ كَبَيْعِ أَذْرُعٍ مِنْ أَرْضٍ وَصِيعَانٍ مِنْ صُبْرَةٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ شَرْطُ إدْخَالِ نَقْصٍ فِي
عَيْنِ الْمَبِيعِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ واختاره صاحب التقريب القاسم بن القفال الساسى وَقَاسُوهُ عَلَى بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ الدَّارِ وَعَلَى بَيْعِ أَحَدِ زَوْجَيْ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ نقصت قيمتهما بتقدير التفريق والفرق أن ذَلِكَ النَّقْصُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْخُفِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا
* وَإِذَا جَمَعَتْ صُورَتَيْ الثَّوْبِ قُلْتُ إذَا بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ مَجْهُولِ الذُّرْعَانِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ (وَأَصَحُّهَا) إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ حيث قلنا لا يصح أن يواطئ صاحيه على شرائه ثم يقطعه قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيه بَعْدَ قَطْعِهِ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ إنَاءٍ أَوْ نَحْوِهَا صَحَّ بِلَا خِلَافٍ وَصَارَ مُشْتَرَكًا وَلَوْ عَيَّنَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ لَمْ يَصِحَّ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ القياس أن يجئ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ (أَمَّا) إذَا بَاعَ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ جِدَارٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 318)
________________________________________
كان فوقه شئ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِهَدْمِ مَا فَوْقَهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نُظِرَ إنْ كَانَ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ طِينٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ من لبن أو آجر جاز هكذا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا جُعِلَتْ النِّهَايَةُ صِنْفًا مِنْ الْآجِرِ أَوْ اللَّبِنِ دُونَ مَا إذَا جُعِلَ الْمُقَطَّعُ نِصْفَ سُمْكِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي تَجْوِيزِهِ إذَا كَانَ مِنْ آجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ إشْكَالٌ وَإِنْ جُعِلَتْ النِّهَايَةُ مَا ذَكَرُوهُ لِأَنَّ مَوْضِعَ الشِّقِّ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ رَفْعَ بعض الجدار ينقص قيمة الباقي فليفسد الْبَيْعُ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ بَاعَ جِذْعًا فِي بِنَاءٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ النَّقْصَ يَحْصُلُ بِالْهَدْمِ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِذْعِ وَالْآجُرِّ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَاعَ فَصًّا فِي خَاتَمٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا إذَا وُزِّعَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ قَدْ اسْتَثْنَى ثُلُثَهَا فيحصل البيع في ثلثيها بثلاثة آلَافٍ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَلَوْ قَالَ إلَّا مَا يُسَاوِي أَلْفًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ مَا يُسَاوِي الْأَلْفَ مَجْهُولٌ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْتُكَ ملء هَذَا الْكُوزِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَفِي صِحَّةِ البيع وجها
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مِلْئِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ
* وَلَوْ عَيَّنَ فِي الْبَيْعِ أَوْ السَّلَمِ مِكْيَالًا مُعْتَادًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالسَّلَمُ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فِي البيع والسلم ويلغوا تَعْيِينُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا غَرَضَ فِيهَا والله سبحانه وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان قال بعتك هذا السمن مع الظرف كل منا بدرهم نظرت فان لم يعلما مقدار السمن والظرف لم يجز لان ذلك غرر لان الظرف قد يكون خفيفا وقد يكون ثقيلا وان علما وزنهما جاز لانه لا غرر فيه)
* (الشَّرْحُ) الْمَنَا عَلَى وَزْنِ الْعَصَا هُوَ رِطْلَانِ بالبغدادي وفيه لغة ضعيفة من بِتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ السَّمْنِ فِي الظَّرْفِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ السَّمْنُ أَوْ الزَّيْتُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَدْهَانِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 319)
________________________________________
وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِي ظَرْفٍ فَرَآهُ ثم اشترى منه رِطْلًا أَوْ أَرْطَالًا صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ هَكَذَا قَطَعُوا بِهِ ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي بَيْعِ صَاعٍ مِنْ الصُّبْرَةِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا رَآهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ ظَرْفِهِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَ ظَرْفُهُ مِنْ فَخَّارٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ كَانَ زِقًّا وَسَوَاءٌ عَرَفَا وَزْنَهُمَا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا الوزن قال وليس هذا بشئ
* وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ أَوْ رُبُعَهُ صَحَّ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ جَمِيعَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَيُوزَنُ السَّمْنُ فِي شئ آخَرَ وَيُوزَنُ فِي ظَرْفِهِ ثُمَّ يُسْقَطُ وَزْنُ الظَّرْفِ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وينبغى أن يجئ فيه الوجه السابق عن أبى الحسين ابن الْقَطَّانِ فِي مِثْلِهِ فِي الصُّبْرَةِ (الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُوزَنَ مَعَهُ الظَّرْفُ ثُمَّ يَحُطُّ وَزْنُ الظَّرْفِ صَحَّ الْبَيْعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا هَكَذَا تُبَاعُ فِي الْعَادَةِ وَلِأَنَّهُ لَا غَرَرَ (الْخَامِسَةُ) إذَا
قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُوزَنَ الظَّرْفُ مَعَهُ وَيُحْسَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَزْنُهُ وَلَا يَكُونُ الظَّرْفُ مَبِيعًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي بَيْعِ السَّمْنِ أَنْ يَزْنِ مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْوَزْنُ مَعَهُ مَبِيعًا فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَكِيلَ مَعَهَا شَعِيرًا هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَا وَزْنَ الظَّرْفِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إذَا عَلِمَا وَزْنَ الظَّرْفِ وَالسَّمْنِ وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا وَأَحْسِبَ ثَمَنَهُ عَلَيْك وَهِيَ مَعْلُومَةُ الصِّيعَانِ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ حِينَئِذٍ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي هَذَا وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَمُرَادُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي أَوْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَهُوَ كَثِيرُ النَّقْلِ عَنْهُمَا (السَّادِسَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ بِظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ مِنْ المجمو بِدِرْهَمٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَجُمْهُورُ سَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ أَنَّهُمَا إنْ عَلِمَا وَزْنَ كُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ مُطْلَقًا وَهُوَ الاصح
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 320)
________________________________________
عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَبِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مَرْئِيَّةٌ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى فَوَاكِهَ مِنْ أَجْنَاسٍ وَهِيَ مُخْتَلِطَةٌ وَزْنًا أَوْ حِنْطَةً مُخْتَلِطَةً بِالشَّعِيرِ كَيْلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ السَّمْنُ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ الْفَوَاكِهِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا مَقْصُودَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ وَزْنِهِ (السَّابِعَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هذا السمن بعشرة عَلَى أَنْ أَزِنَهُ بِظَرْفِهِ ثُمَّ أَسْقَطَ الثَّمَنَ بِقِسْطِ وَزْنِ الظَّرْفِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَا عِنْدَ الْعَقْدِ عَالِمَيْنِ قَدْرَ وَزْنِ الظَّرْفِ وَقَدْرَ قِسْطِهِ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ هَلْ يَكُونُ الْمُسْقَطُ دِرْهَمَيْنِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عَشَرَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَصَارَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا قَالُوا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ ثُمَّ أَظْرَفَ كَذَا وَزْنُ الظَّرْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيْعُ السَّمْنِ جَمِيعِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ وَزْنِ الظَّرْفِ
*
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى السَّمْنَ وَنَحْوَهُ مَعَ ظَرْفِهِ جِزَافًا صَحَّ الْبَيْعُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا كَانَا قَدْ شَاهَدَا الظَّرْفَ فَارِغًا وَعَرَفَا قَدْرَ ثَخَانَتِهِ أَوْ كَانَتْ ثَخَانَتُهُ مَعْلُومَةً بِالْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ مِمَّا تَخْتَلِفُ ثَخَانَتُهُ وَتَتَفَاوَتُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ السَّمْنَ وَحْدَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ فَإِذَا بَاعَهُمَا فَأَوْلَى بِالْبُطْلَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ الظَّرْفُ يستوفه (١) وَرَأَى أَعْلَاهَا فَإِنْ كَانَتْ جَوَانِبُهَا مُسْتَتِرَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً وَلَكِنَّ أَسْفَلَهَا مستتر قال الاصحاب لَا يَصِحُّ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْجَوَانِبِ عَلَى الْأَسْفَلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فَإِنْ خَرَجَ أَغْلَظَ مِنْ الْجَوَانِبِ ثَبَتَ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً فَخَرَجَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الْمِسْكَ مَعَ فَأْرَتِهِ كُلَّ مِثْقَالٍ بِدِينَارٍ فهو
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 321)
________________________________________
كبيع السمن بظرفه كل رطل بدرهم ويجئ فِيهِ بَاقِي الْمَسَائِلِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ السَّمْنَ مَعَ ظَرْفِهِ جِزَافًا صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ لَبَنًا مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّبَنُ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ وَلَا مَعْلُومٍ (وَأَمَّا) هُنَا فَالْمَقْصُودُ السَّمْنُ وَهُوَ مُتَمَيِّزٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مَعَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى جَامِدًا فِي ظَرْفِهِ كَالدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُوَازَنَةً كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ بِشَرْطِ أَنْ يُوزَنَ مَعَ ظَرْفِهِ ثُمَّ يُسْقِطُ قَدْرَ وَزْنِ الظَّرْفِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْجَامِدَ لَا يُحْتَاجُ إلَى وَزْنِهِ مَعَ ظَرْفِهِ لِإِمْكَانِ وَزْنِهِ بِدُونِهِ قالا وإلى هذا ميل أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الصَّوَابُ إذْ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَلَا غَرَرَ وَلَا جَهَالَةَ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فِي ظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيُسْقَطُ أَرْطَالٌ مُعَيَّنَةٌ بِسَبَبِ الظَّرْفِ وَلَا يُوزَنُ الظَّرْفُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ
لِأَنَّهُ غَرَرٌ ظَاهِرٌ وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واختلف أصحابنا في بيع النحل في الكندوج فقال ابو العباس يجوز بيعه لانه يعرف مقدارة حال دخوله وخروجه
* ومن أصحابنا مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حامد الاسفرايني لانه قد يكون في الكندوج ما لا يخرج وان اجتمع فرخه في موضع وشوهد جميعه جاز بيعه لانه معلوم مقدور على تسليمه فجاز بيعه)
* (الشَّرْحُ) الْكُنْدُوجُ - بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ جِيمٍ - وَهُوَ الْخَلِيَّةُ وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْخَلِيَّةُ عَرَبِيَّةٌ وَيُقَالُ لَهَا الْكِوَارَةُ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا بَيْعُ النَّحْلِ فِي الْجُمْلَةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الْحَمَامَ فَإِنْ كَانَ فَرْخُهُ مُجْتَمَعًا عَلَى غُصْنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَشَاهَدَهُ كُلَّهُ صَحَّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَإِنْ كَانَ فِي الْخَلِيَّةِ وَلَمْ يَرَهُ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَدْ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 322)
________________________________________
سَبَقَ بَيَانُهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَصِفَهُ أَوْ لَا يَصِفُهُ فَإِنْ رَآهُ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ خَرَجَ جَمِيعُهُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ فَفِي بَيْعِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ غَالِبًا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَلَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ مُجْتَمَعًا إلَّا فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَلَوْ اُشْتُرِطَتْ رُؤْيَتُهُ مُجْتَمَعًا لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ غَالِبًا وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ
* فَلَوْ طَارَ لِيَرْعَى فَبَاعَهُ وَهُوَ طَائِرٌ وَعَادَتُهُ أَنْ يَعُودَ فِي آخِرِ النَّهَارِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَقَدْ رَآهُ قَبْلَ طَيَرَانِهِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْحَمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّيْرِ الْأَلُوفِ إذَا بَاعَهُ فِي حَالِ طَيَرَانِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الْغَالِبَ عَوْدُهُ إلَى مَوْضِعِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَعَبْدٍ خَرَجَ لِقَضَاءِ شُغْلٍ وَيُخَالِفُ سَائِرَ الطُّيُورِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إمْسَاكُهَا وَحَبْسُهَا عَنْ الطَّيَرَانِ بِالْعَلَفِ في برجها (وأما) النحل فلابد مِنْ الطَّيَرَانِ لِيَرْعَى وَلَوْ حُبِسَ عَنْهُ تَلِفَ وَلَا يُمْكِنُ
الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا إذَا طَارَ وَاجْتَنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَسَلُ وَالطَّيْرُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَحْبُوسًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَصْلِ بَيْعِ النَّحْلِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ كَالزُّنْبُورِ وَالْحَشَرَاتِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالشَّاةِ بِخِلَافِ الزُّنْبُورِ وَالْحَشَرَاتِ فَإِنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع الحمل في البطن لما روي ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن المجر) والمجر اشتراء ما في الارحام ولانه قد يكون حملا وقد يكون ريحا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ولانه إن كان حملا فهو مجهول القدر ومجهول الصفة وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ
* وإن باع حيوانا وشرط أنه حامل ففيه قولان
(أحدهما)
ان البيع باطل لانه مجهول الوجود مجهول الصفة
(والثانى)
انه يجوز لان الظاهر انه موجود والجهل وبه لا يؤثر لانه لا تمكن رؤيته
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 323)
________________________________________
فعفي عن الجهل به كأساس الدار)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْمَجْرُ - بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ - وَهُوَ بَيْعُ الْجَنِينِ كَمَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْجَنِينِ وَعَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَلِلْأَحَادِيثِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَمَّا) إذَا بَاعَ حَيَوَانًا مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ
(والثانى)
البطلان وقيل يَصِحُّ فِي الْجَارِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ فَيَكُونُ إعْلَامًا بِالْعَيْبِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ قال أصحابنا هما مبينان عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُعْرَفُ أَمْ لَا (أَصَحُّهُمَا) يُعْرَفُ وَلَهُ حُكْمٌ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُعْرَفُ وَلَا حُكْمَ لَهُ وَلَا
قِسْطَ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَسَبَقَ شَرْحُهُمَا هُنَاكَ (وَإِنْ قُلْنَا) يُعْرَفُ صَحَّ هُنَا وَإِلَّا فَلَا
* (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ وَحَمْلَهَا أَوْ مَعَ حَمْلِهَا أَوْ بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ وَمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ فَإِنَّهُ وَصْفُ بَائِعٍ فَاحْتَمَلَ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَنَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ بَلْ يَكُونُ تَوْكِيدًا وَبَيَانًا لِمُقْتَضَاهُ قَالَ هَؤُلَاءِ وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ بعتك هذه الرمانة وجها أَوْ هَذَا الْجَوْزَ وَلُبَّهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ اللُّبَّ بِالْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَتَيْ الرُّمَّانَةِ وَالْجَوْزِ أَيْضًا (وَالْمَذْهَبُ) الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ فِيهِمَا (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَحَشْوَهَا أَوْ بِحَشْوِهَا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ بِعْتُكَ الشَّاةَ وَحَمْلَهَا
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ قَطْعًا لِأَنَّ الْحَشْوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجُبَّةِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ تَوْكِيدًا لِلَفْظِ الْجُبَّةِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 324)
________________________________________
بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَلِأَنَّ الْحَشْوَ مُتَيَقَّنٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ يَكُونُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُبَّةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي صُورَةِ الْجَارِيَةِ وَالشَّاةِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْحَشْوَ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ
* قال أصحابنا ولو بَاعَ حَامِلًا وَشَرَطَ وَضْعَهَا لِرَأْسِ الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَبَيْضُ الطَّيْرِ كَحَمْلِ الْجَارِيَةِ وَالدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهَا لَبُونٍ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لَكِنَّ الصِّحَّةَ هُنَا أَقْوَى (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ صِفَةٍ فِيهَا لَا يَقْتَضِي وُجُودَ اللَّبَنِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَشَرْطِ الْكِتَابَةِ فِي الْعَبْدِ فَإِنْ شَرَطَ كَوْنَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ فِي الْحَالِ كَانَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي شَرْطِ الْحَمْلِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا تُدِرُّ كُلَّ
يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ اللَّبَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَ كَوْنَهَا حَامِلًا أَوْ لَبُونًا وَصَحَّحْنَا الْبَيْعَ فَلَمْ يَجِدْهَا كَذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ كَاتِبٌ فَاخْتَلَفَ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْحَمْلِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ بَاعَهُ لِمَالِكِ الْأُمِّ أَوْ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُتَيَقَّنَةُ الْوُجُودِ مَعْلُومَةُ الصِّفَاتِ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ حَامِلًا بَيْعًا مُطْلَقًا دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بَاعَهَا إلَّا حَمْلَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا إلَّا عضوا منها فانه لا يصح بالاتفاق وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ (١) وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ لِإِنْسَانٍ وَالْحَمْلُ لِآخَرَ بِالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَبَاعَ الْأُمَّ لِمَالِكِ الْحَمْلِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ بَاعَ جَارِيَةً
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 325)
________________________________________
حَامِلًا بِحُرٍّ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حكاهما إمام الحرمين والغزالي واختارا الصِّحَّةَ وَصَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْوَسِيطِ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ بَيْعِ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ بُطْلَانُ بَيْعِهَا
* وَلَوْ بَاعَ سِمْسِمًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْهُ الْكُسْبَ أَوْ بَاعَ قطنا واستثنى لنفسه منه الْخَشَبِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ بَاعَ شَاةً لَبُونًا وَاسْتَثْنَى لَبَنَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا أَنَّهُ يَصِحُّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ قَالَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْأَصْلِ دُونَهُ بِأَنْ يُخْلِيَهُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أنه يَجُوزُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ دُونَ حَمْلِهَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ لِوَاحِدٍ وَالْوَلَدُ لِآخَرَ فَوَكَّلَا رَجُلًا لِيَبِيعَهُمَا مَعًا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي بَيْعِ مِلْكِهِ فَبَاعَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَ الدَّابَّةَ وَيَشْتَرِطَ عِقَاقَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ الْعِقَاقُ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - الْحَمْلُ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ مَنْعُ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْحَمْلِ هَكَذَا أَطْبَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَفْسِيرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَسَّرَ بِأَنَّهُ شَرْطُ اسْتِثْنَاءِ حَمْلِهَا لِلْبَائِعِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هُنَا النَّهْيَ الْمَشْهُورَ عَنْ بَيْعِ الملاقيح والمضامين قالوا والملاقيح بيع مافى بُطُونِ الْحَوَامِلِ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ مِنْ الْمَاءِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَمِمَّنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ قَالَ مَالِكُ بن انس وصاحبا المحمل وَالْمُحْكَمِ الْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَرَّرًا مَعَ الْمَلَاقِيحِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَوَاحِدَةُ الْمَلَاقِيحِ مَلْقُوحَةٌ (وَأَمَّا) الْمَضَامِينُ فَوَاحِدُهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِضْمَانًا وَمَضْمُونًا الْأَوَّلُ كَمِقْدَامٍ وَمَقَادِيمَ وَالْآخَرُ كَمَجْنُونٍ وَمَجَانِينَ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الاول صاحب المحكم والى الثاني الازهرى قال الْأَزْهَرِيُّ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَهَا ظهورها فكأنها ضمنتها
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 326)
________________________________________
قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يجوز بيع اللبن في الضرع لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال (لا تبيعوا الصوف على ظهر الغنم ولا تبيعوا اللبن في الضرع) ولانه مجهول القدر لانه قد يرى امتلاء الضرع من السمن فيظن أنه من اللبن ولانه مجهول الصفة لانه قد يكون اللبن صافيا وقد يكون كدرا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيَاهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عُمَرُ بْنُ فروح وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ اللَّبَنِ في الضرع لما ذكره المصنف ولان لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ حَتَّى يَخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَحْدُثُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الْمَرَضِيَّةُ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ
* فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي فِي ضَرْعِ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ رِطْلًا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ
مَجْهُولٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ وُجُودَ ذَلِكَ الْقَدْرِ (والطريق الثاني) فيه قولا بيع الغائب حكاه الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
* وَلَوْ حَلَبَ شَيْئًا مِنْ اللَّبَنِ فَأَرَاهُ ثُمَّ قَالَ بِعْتُكَ رِطْلًا مِمَّا فِي الضَّرْعِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ كَمَا لَوْ رَأَى أُنْمُوذَجًا مِنْ خَلٍّ أَوْ لَبَنٍ فِي إنَاءٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَدُرُّ فِي الضَّرْعِ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ
* وَلَوْ قَبَضَ قَدْرًا مِنْ الضَّرْعِ وَأَحْكَمَ شَدَّهُ ثُمَّ بَاعَ مَا فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لِغَيْرِهِ (وَالصَّحِيحُ) بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانٍ فِي ضَرْعِهِ لَبَنٌ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَوَانِ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ العلماء في بيع اللبن في الضرع
* قد ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 327)
________________________________________
مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ طاووس يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَجُوزُ شِرَاءُ لَبَنِ الشَّاةِ شَهْرًا وَمِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ قَالُوا لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي الْعَادَةِ وَقَاسُوهُ عَلَى مَا إذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِلْإِرْضَاعِ شَهْرًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَحِقُّ اللَّبَنَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَثَرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَوْنُهُ مَجْهُولًا مُخْتَلِفًا مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي الْعَادَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِلْإِرْضَاعِ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى استئجارها بخلاف مسألتنا والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم لقول ابن عباس ولانه قد يموت الحيوان قبل الجز فيتنجس شعره وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ولانه لا يمكن تسليمه الاستئصاله من أصله ولا يمكن ذلك الا بايلام الحيوان وهذا لا يجوز)
*
(الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ شَرَطَ جَزَّهُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ
* وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْجَزِّ فِي الْحَالِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَلَوْ قَبَضَ عَلَى كِفْلَةٍ مِنْ الصُّوفِ وَهِيَ قِطْعَةٌ جَمَعَهَا وَقَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِهِ عَيْنُ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِقَطْعِ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ لِأَنَّ استبقاءه بكماله ممكن مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا وَقَالَ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّأْسِ قَبْلَ السَّلْخِ وَالْمَذْهَبُ مَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 328)
________________________________________
(فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصَى بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْبَلُ الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَيُجَزُّ الصُّوفُ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ وَمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى الْعَادَةِ وَمَا حَدَثَ يَكُونُ لِلْوَارِثِ
* قَالَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن ابن عباس وابى حنيفة واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُجَزَّ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الرطب والفصيل وَالْبَقْلِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ قِيَاسِهِمْ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِثْنَاءُ جَمِيعِ ذَلِكَ من أصله بغير اضرار بخلاف الصوف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز البيع الا بثمن معلوم الصفة فان باب ثمن مطلق في موضع ليس فيه نقد متعارف لم يصح البيع لانه عوض في البيع فلم يجز مع الجهل بصفته كالمسلم فيه فأن باع بثمن معين تعين لانه عوض فتعين بالتعيين كالمبيع فان لم يره المتعاقدان أو احدهما فعلى ما ذكرناه من القولين في بيع العين التى لم يرها المتبايعان أو أحدهما)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ عِوَضٌ فِي الْبَيْعِ احْتِرَازٌ مِنْ الثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومَ الصِّفَةِ فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ أَوْ قَالَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ مُشَاهَدَةٌ لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ عَلِمَا قَدْرَهَا أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جِزَافًا
* وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ بِالدِّينَارِ الَّذِي في بيتى أو في هميانى أو الدراهم التي فِي بَيْتِي فَإِنْ كَانَ قَدْ رَأَيَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ بدينار في
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 329)
________________________________________
ذِمَّتِك أَوْ قَالَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِك أَوْ أَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِنَوْعِهَا فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقُودٌ لَكِنَّ الْغَالِبَ وَاحِدٌ مِنْهَا انْصَرَفَ الْعَقْدُ إلَى ذَلِكَ النَّقْدِ الْوَاحِدِ أَوْ الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَ فُلُوسًا انْصَرَفَ إلَيْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ تَعَيَّنَ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ أَنَّهَا إنْ كَانَ الْغِشُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا قَطْعًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً وَفِي الذِّمَّةِ (وَالثَّانِي) لَا تَصِحُّ (وَالثَّالِثُ) تَصِحُّ مُعَيَّنَةً وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِالْبَيْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْغِشُّ غَالِبًا لَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا فَتَصِحُّ وَذَكَرَ هُنَاكَ تَوْجِيهَ الْأَوْجُهِ وَتَفْرِيعَهَا وَفَوَائِدَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا انْصَرَفَ إلَيْهَا الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
* وَلَوْ بَاعَ بِمَغْشُوشٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ فِضَّتَهُ ضَئِيلَةٌ جِدًّا فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وحكى الصيمري عن شيخه أبى العباس البصري أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(والثانى)
لا خيار لان غشها معلوم
فِي الْأَصْلِ وَحَكَى هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا)
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ أَوْ نُقُودٌ لَا غَالِبَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ هُنَاكَ حَتَّى يُعَيِّنَ نَقْدًا مِنْهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَقْوِيمُ الْمُتْلَفِ يَكُونُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدَانِ فَصَاعِدًا وَلَا غَالِبَ فِيهَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا لِلتَّقْوِيمِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْسِ الْعُرُوضِ نَوْعٌ فَهَلْ يَنْصَرِفُ الذِّكْرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يَنْصَرِفُ كَالنَّقْدِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَرْضِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ مِنْهَا أَوْ شَعِيرٍ فِي الذِّمَّةِ وَتَكُونُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ الْمَوْجُودَانِ فِي الْبَلَدِ صِنْفًا مَعْرُوفًا أَوْ غَالِبًا لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ يُحْضِرُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيُسَلِّمُهُ فِي الْمَجْلِسِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 330)
________________________________________
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا يَنْصَرِفُ الْعَقْدُ عِنْدَ الاطلاق إلى النقد الْغَالِبِ مِنْ حَيْثُ النَّوْعِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ فَإِذَا بَاعَ بِدِينَارٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَالْمَعْهُودُ فِي الْبَلَدِ الدَّنَانِيرُ الصِّحَاحُ انْصَرَفَ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ الْمُكَسَّرَةَ انْصَرَفَ إلَيْهَا كَذَا نَقَلَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ قالا إلا ان تتفاوت قيمة المكسر فَلَا يَصِحُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ كَانَ الْمَعْهُودُ أَنْ يُؤْخَذَ نِصْفُ الثَّمَنِ مِنْ هَذَا وَنِصْفُهُ مِنْ ذَاكَ أَوْ أَنْ يوخذ عَلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْهُودِ
* وَإِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ التَّعَامُلَ بِهَذَا مَرَّةً وَبِهَذَا مَرَّةً وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ صَحَّ الْبَيْعُ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ غَالِبَانِ وَأَطْلَقَ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ بَيَانِ قَدْرَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرَةِ
(وَالثَّانِي)
صِحَّتُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ الرافعى ويشبه ان يجئ هَذَا الْوَجْهُ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (قُلْتُ) لَا جَرَيَانَ لَهُ هُنَاكَ وَالْفَرْقُ كَثْرَةُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ
* وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُسَلَّمَةٍ أَوْ مُنَقَّيَةٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ مَضْبُوطَةٌ ذَكَرَهُ
الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِدِينَارٍ صَحِيحٍ فَأَحْضَرَ صَحِيحَيْنِ وَزْنُهُمَا مِثْقَالٌ لَزِمَهُ قَبُولُهُمَا لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَإِنْ أَحْضَرَ صَحِيحًا وَزْنُهُ مِثْقَالٌ وَنِصْفٌ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَتَبْقَى الزِّيَادَةُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِمَا فِي الشَّرِكَةِ مِنْ الْغَرَرِ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فَلَوْ تَرَاضَيَا جَازَ ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا كَسْرَهُ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِمَا فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ الضَّرَرِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُدَوَّرًا جَازَ إنْ كَانَ يَعُمُّ وُجُودُهُ هُنَاكَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهُ مُدَوَّرًا وَكَانَ وَزْنُهُ نِصْفَ مِثْقَالٍ فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهِ صَحِيحًا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مِثْقَالٍ وَتَرَاضَيَا بِالشَّرِكَةِ فِيهِ جَازَ فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
* وَلَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ ثُمَّ بَاعَهُ شَيْئًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ فَإِنْ سَلَّمَ صَحِيحًا عَنْهُمَا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَإِنْ سَلَّمَ قِطْعَتَيْنِ وَزْنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ دِينَارٍ جَازَ فَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي تسليم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 331)
________________________________________
صَحِيحٍ عَنْهُمَا فَالْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ (وَأَمَّا الْأَوَّلُ) فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَعْدَ لُزُومِهِ فَهُوَ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَيَلْزَمُهُ نِصْفٌ هُوَ شِقٌّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ لُزُومِهِ فَهُوَ إلْحَاقُ شَرْطٍ فَاسِدٍ بِالْعَقْدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْحَقُ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنِصْفَيْ دِينَارٍ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ لِأَنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ دِينَارٍ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَثُلُثِ دِينَارٍ وَسُدُسِ دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ بَلْ لَهُ دَفْعُ شِقٍّ مِنْ كُلِّ وَزْنٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا إلَى مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهَا صَحَّ الْبَيْعُ ثُمَّ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَقَدْ أَحْضَرَهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَلَى الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ (إنْ قُلْنَا) لَا فَهُوَ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ اُسْتُبْدِلَ وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ (أَمَّا) إذَا كَانَ يُوجَدُ فِي
الْبَلَدِ وَلَكِنَّهُ عَزِيزٌ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ صَحَّ الْعَقْدُ فَإِنْ وُجِدَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُسْتَبْدَلُ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَمْ يَصِحَّ (أَمَّا) إذَا كَانَ النَّقْدُ الَّذِي جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ مَوْجُودًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ اُسْتُبْدِلَ وَإِلَّا فَهُوَ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِذَلِكَ النَّقْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي فَرْعٍ مِنْ مَسَائِلَ كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ وذكرنا فيها اوجها وَتَفَارِيعَهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ إذَا بَاعَهُ بِنَقْدٍ فِي بَلَدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ فِيهِ بِذَلِكَ النَّقْدِ فَدَفَعَ إلَيْهِ النَّقْدَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ فَهَلْ لَهُ الِامْتِنَاعُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) لَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِحِنْطَةٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى رَخُصَتْ (وَالثَّانِي) لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ مَخُوفٍ (والثالث)
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 332)
________________________________________
إنْ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي يَدْفَعُهُ فِيهِ لَا يتعامل الناس فيه بذلك النقد أيضا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ بِوَكْسٍ لَزِمَهُ أَخْذُهُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ الثَّمَنُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَعَيَّنُ وَكَذَا لَوْ عَيَّنَا فِي الْإِجَارَةِ أَوْ الصَّدَاقِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ تَعَيَّنَتْ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) لَوْ تَلِفَتْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَسِخُ عِنْدَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْسِكَ تِلْكَ وَيَدْفَعَ بَدَلَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَيَجُوزُ عِنْدَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ وَجَدَ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ عَيْبًا وَرَدَّهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْبَدَلِ وَعِنْدَهُ لَهُ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهَا عِوَضًا مِنْ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ رَوَاجُهَا لَا عَيْنُهَا وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَعْمَلُ عَمَلَ الْمُعَيَّنِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ أَخَذَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَبَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يُعْطِيَ صَاعًا آخَرَ بَدَلَهُ مِنْ تِلْكَ الصُّبْرَةِ مَعَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِالتَّعْيِينِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الثمن بذمته فلا يجوز تعليقه بها * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز الا بثمن معلوم القدر فان باع بثمن مجهول كبيع السلعة برقمها وبيع السلعة بما باع به فلان سلعتة وهما لا يعلمان ذلك فالبيع باطل لانه عوض في البيع فلم يجز مع الجهل بقدره كالمسلم فيه
* فان باعه بثمن معين جزافا جاز لانه معلوم بالمشاهدة ويكره ذلك كما قلنا في بيع الصبرة جزافا
* وان قال بعتك هذا القطيع كل شاة بدرهم أو هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وهما لا يعلمان مبلغ قفزان الصبرة وعدد القطيع صح البيع لان غرر الجهالة ينتفى بالعلم بالتفصيل كما ينتفى بالعلم بالجملة فإذا جاز بالعلم بالجملة جاز بالعلم والتفصيل (الشَّرْحُ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْقَطِيعِ وَالصُّبْرَةِ وَالْبَيْعِ بِدَرَاهِمَ جِزَافٍ فَسَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا قَرِيبًا فِي مَسَائِلِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْجِزَافَ يُقَالُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا -
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 333)
________________________________________
وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَا شِئْتَ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا أَيْ بِالثَّمَنِ الَّذِي هُوَ مَرْقُومٌ بِهِ عَلَيْهَا أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِقَدْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ غَرَرٌ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) إنْ عَلِمَا ذَلِكَ الْقَدْرَ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ الْمَجْلِسِ صَحَّ الْبَيْعُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ مَجْهُولَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ شَاذٌّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَلِمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ هَذَا كلامهما
* وينبغى أن لا يكفى علمهما
بل يشترط عِلْمِهِمَا بِالْقِيمَةِ قَصْدُهُمَا اسْتِثْنَاءَ الْقِيمَةِ
* وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا حَالَةَ الْعَقْدِ قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ عَلِمَا ذَلِكَ في الحال طريقين (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ الا درهم لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ قِيمَةَ الدِّينَارِ من الدارهم صَحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ الْمَشْهُورُ غريب (والاصح) انهما إذا علما قيمته وقصدا اسْتِثْنَاءَ الْقِيمَةِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هِيَ الدَّرَاهِمُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِذِكْرِ قِيمَتِهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ صَرْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَيَبْتَاعُونَ بِالدَّنَانِيرِ وَيَكُونُ كُلُّ قَدْرٍ من الدارهم معلوم عِنْدَهُمْ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ
* هَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ الْأَصَحُّ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَعَلَى هَذَا إذَا عَبَّرَ بِالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ صَحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 334)
________________________________________
(فرع)
في بيع التلحيه وصورته أن يتفقا على أن يُظْهِرَا الْعَقْدَ إمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُمَا إذَا أَظْهَرَاهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا ثُمَّ يُعْقَدُ الْبَيْعُ فَإِذَا عَقَدَاهُ انْعَقَدَ عِنْدَنَا وَلَا أَثَرَ لِلِاتِّفَاقِ السَّابِقِ وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ وَيُظْهِرَا أَلْفَيْنِ فَعَقَدَا بِأَلْفَيْنِ صَحَّ الْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ وَلَا أَثَرَ لِلِاتِّفَاقِ السَّابِقِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَتَبَايَعَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مِائَةَ دِينَارٍ اسْتِحْسَانًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالُوا لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ الِاتِّفَاقُ صَارَا كَالْهَازِلَيْنِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الِاتِّفَاقَ السَّابِقَ مَلْغِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ عَقَدَا بِلَا شَرْطٍ صَحَّ الْعَقْدُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ كَالْهَازِلَيْنِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا انْعِقَادُ بَيْعِ الْهَازِلِ
* (فَرْعٌ)
رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع الغربان) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَذَكَرَهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
وَلَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عن العقبى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ يَعْقُوبِ الرُّخَامِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ كَاتِبِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ هَذَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ هَذَا ضَعِيفَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ مَالِكٍ وَهِيَ قَوْلُهُ بَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ فَلَمْ يُسَمِّ رِوَايَةَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ قَالَ وَرَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقِيلَ إنَّمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كَذَا قَالَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَشْهُورٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَى هَذَا الحديث عن الحارث ابن عبد الرحمن بن ابى دياب عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرٍو ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَاصِمٌ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ هذا ضعيف
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 335)
________________________________________
أبو عبد اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُرْسَلُ مَالِكٍ
* وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا أَخَذَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَقِيلَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَقِيلَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ وَفِي الْجَمِيعِ ضَعْفٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ وَإِنَّمَا بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِ لِشُهْرَتِهِ وَالْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ
* قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْعُرْبَانِ سِتُّ لُغَاتٍ عُرْبَانٌ وَعُرْبُونٌ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ - فِيهِمَا وَعَرْبُونَ - بِفَتْحِهِمَا وَأَرْبَانٌ وَأَرَبُونٌ وَأَرْبُونٌ - بِالْهَمْزَةِ بَدَلُ الغين - وَالْوَزْنُ كَالْوَزْنِ وَقَدْ أَوْضَحَتْهُنَّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَفِي أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ أَفْصَحُهُنَّ عَرَبُونٌ - بِفَتْحِهِمَا - وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ مِنْهُ عَرَّبْت فِي الشئ وَأَعْرَبْت وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَيُعْطِيَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا أَوْ دَرَاهِمَ وَيَقُولُ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَنَا فَهُوَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَهُوَ هِبَةٌ لَك قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قَالَ هَذَا الشَّرْطَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ قَالَهُ قَبْلَهُ وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّنْبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْمُهَذَّبِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعُرْبُونِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ
فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ جَوَازَهُ قَالَ وقد روينا عن نافع بن عبد الحرث أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ له وان لم يرض فلصفوان أربع مائة قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حديث عمر فقال أي شئ أَقْدِرُ أَقُولُ
* هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ فَأَبْطَلَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِلْحَدِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْغَرَرِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَبْطَلَهُ أَيْضًا أَصْحَابُ الرَّأْيِ
* وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ جَوَازُهُ وَمَالَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ والله سبحانه وتعالى أعلم
*
* قال الصمنف رحمه الله
* (وان كان لرجل عبدان فباع أحدهما من رجل والآخر من رجل آخر في صفقة واحدة بثمن واحد فان الشافعي رحمه الله قال فيمن كاتب عبدين بمال واحد أنه على قولين
(أحدهما)
يبطل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 336)
________________________________________
العقد لان العقد الواحد مع اثنين عقدان فإذا لم يعلم قدر العوض في كل واحد منهما بطل كما لو باع كل واحد منهما في صفقة بثمن مجهول
(والثانى)
يصح ويقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما فمن اصحابنا من قال في البيع أيضا قولان وهو قول أبي العباس وقال أبو سعيد الاصطخرى وأبو إسحق يبطل البيع قولا واحدا لان البيع يفسد بفساد العوض (والصحيح) قول أبى العباس لان الكتابة أيضا تفسد بفساد العوض وقد نص فيها على قولين)
* (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إذا كانت عَبِيدًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
صِحَّةُ الْكِتَابَةِ وَيُوَزَّعُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ
(وَالثَّانِي)
فَسَادُهَا وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا مِنْ مَالِكِيهِمْ أَوْ وَكِيلِهِمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ مُعَيَّنٌ فَاشْتَرَاهُمْ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَنَصَّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عبد معين بثمن واحد أن الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ يَا زَيْدُ هَذَا الْعَبْدَ وَبِعْتُك يَا عَمْرُو
* هَذَا الْعَبْدَ كِلَيْهِمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَا قَبِلْنَا
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْلَعَ نِسْوَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَتَزَوَّجَ نِسْوَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا
مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَنَاتُ بَنِينَ أَوْ بَنَاتُ إخْوَةٍ أَوْ بَنَاتُ أَعْمَامٍ أَوْ مُعْتَقَاتٌ وَيُتَصَوَّرُ مَعَ تَعَدُّدِ الْوَلِيِّ بِأَنْ يُوَكِّلَ الْأَوْلِيَاءُ رَجُلًا وَاحِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَصِحُّ النِّكَاحُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ (وَأَمَّا) الْمُسَمَّى فِي الصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَفْسُدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ (أَصَحُّهُمَا) فَسَادُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) صِحَّتُهُ وَيُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ فَفِيهِمَا أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْفَسَادُ فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ وَالتَّوْزِيعُ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ وَصِحَّةِ الْكِتَابَةِ (وَالثَّالِثُ) يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَفِي الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ (وَالرَّابِعُ) تَصِحُّ الْكِتَابَةُ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَانِ وَإِنْ أُفْرِدَتْ قُلْتُ فِي الْبَيْعِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَفِي الْكِتَابَةِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) قَوْلَانِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 337)
________________________________________
(أَصَحُّهُمَا) الْفَسَادُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ الْفَسَادُ (فَإِذَا قُلْنَا) بِصِحَّةِ الصَّدَاقِ وُزِّعَ الْمُسَمَّى عَلَى نِسْبَةِ مَهْرِ أَمْثَالِهِنَّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيه وَجْهًا أنه يوزع على عدد رؤسهن (وَإِذَا قُلْنَا) بِفَسَادِ الصَّدَاقِ فَفِيمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ أَصْدَقَهُمَا خَمْرًا وَنَحْوَهَا (أَصَحُّهُمَا) مَهْرُ الْمِثْلِ
(وَالثَّانِي)
يُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيعُ وَيَكُونُ الْحَاصِلُ لَهُنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى إذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ لَكِنْ يَدْفَعُ الزَّوْجُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَا يَجِبُ مِنْ نَفْسِ الْمُسَمَّى (أَمَّا) إذَا زَوَّجَ أَمَتَيْهِ بِعَبْدٍ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ فَيَصِحُّ الْمُسَمَّى بِلَا خِلَافٍ فان المستح لِصَدَاقِهِمَا وَاحِدٌ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ بِثَمَنٍ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ بَنَاتٍ وَلِآخَرَ أَرْبَعَةُ بنين فروجهن بِهِمْ صَفْقَةً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ بِأَنْ قَالَ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانَةَ ابْنَك فُلَانًا وَفُلَانَةَ فُلَانًا بِأَلْفٍ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي
(أَحَدُهُمَا)
فِي صِحَّةِ الصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ لِتَعَدُّدِ الْمَعْقُودِ لَهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ فَقَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَا قَبِلْنَا صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ
الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ كَانَ لِلْقَابِلِ نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ إيجَابَهُ لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَقْدٌ فَصَحَّ قَبُولُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَالَا قَبِلْنَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْعَبْدَيْنِ بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا لَوْ بَاعَهُمَا لِوَاحِدٍ فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت نِصْفَهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ صَحَّ الْبَيْعُ فِي نِصْفَيْهِمَا لِلْقَابِلِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 338)
________________________________________
فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قبلت ولم يقل نصفهما وسكت الآخر صخ فِي نِصْفِهِمَا لِلْقَابِلِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْقَبُولِ يَرْجِعُ إلَى مَا يَقْتَضِيه الْإِيجَابُ وَهُوَ نِصْفُهُمَا لَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ قَبِلْت هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُطَابِقًا لِلْإِيجَابِ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت نِصْفَ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان قال بعتك بألف مثقال ذهبا وفضة فالبيع باطل لانه لم يبين القدر من كل واحد منهما فكان باطلا
* وان قال بعتك بألف نقد أو بألفين نسيئة فالبيع باطل لانه لم يعقد على ثمن بعينه فهو كما لو قال بعتك أحد هذين العبدين)
* (الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ تَفْسِيرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّفْسِيرَيْنِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَذَكَرَهُمَا أَيْضًا فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ (وَالْأَوَّلُ) أَشْهَرُ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ له أو كسهما أَوْ الرِّبَا) فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي قِصَّةٍ بِعَيْنِهَا كَأَنَّهُ أَسْلَفَ دِينَارًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ إلَى شَهْرٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَطَالَبَهُ فَقَالَ بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَك عَلَيَّ إلَى شَهْرَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ فَهَذَا بَيْعٌ ثَانٍ قَدْ دَخَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَصَارَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَيُرَدُّ إلَى أَوْكَسِهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ فَإِنْ تَبَايَعَا الْبَيْعَ الثَّانِي قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ كَانَا قَدْ دَخَلَا فِي الرِّبَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 339)
________________________________________
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ بِأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَكُونُ الثَّمَنُ نِصْفَيْنِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يصح * قال المصنف رحمه الله
* (وإن باع بثمن مؤجل لم يجز إلى أجل مجهول كالبيع إلى العطاء لانه عوض في بيع فلم يجز إلى أجل مجهول كالمسلم فيه)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ) عِوَضٌ فِي بَيْعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ وَهُوَ وَقْتٌ مَجْهُولٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا بَاعَ بِمُؤَجَّلٍ إلَى الْحَصَادِ أَوْ إلَى الْعَطَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ إلَى وَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْعَطَاءِ وَهُوَ مَعْلُومٌ لَهُمَا صَحَّ وَابْتَدَأَ الْأَجَلُ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ كَابْتِدَاءِ مُدَّةِ خِيَارِ الثَّلَاثِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ الْعَقْدِ (وَالثَّانِي) مِنْ التَّفَرُّقِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي مَسَائِلِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِي الْأَجَلِ مَسَائِلُ وَفُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى أَلْفِ سَنَةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا الشَّرْطِ فِي صِحَّةِ الْأَجَلِ احْتِمَالُ بَقَائِهِ إلَيْهِ (قُلْتُ) الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ احْتِمَالُ بَقَائِهِ إلَيْهِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ ثُمَّ وَارِثِهِ وَهَلُمَّ جرا لكن لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ بِأَلْفِ سَنَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُعْتَقَدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ (فَأَمَّا) إذَا أَجَّلَ تَسْلِيمَ
الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ أُسَلِّمَهَا فِي وَقْتِ كَذَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَجَّلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مُدَّةً أُخْرَى أَوْ زَادَ فِي الْأَجَلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْإِتْلَافِ لَا يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ
* وَلَوْ أَوْصَى مَنْ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى إنْسَانٍ بِإِمْهَالِهِ مُدَّةً لَزِمَ وَرَثَتَهُ إمْهَالُهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَلْزَمُ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي
* وَلَوْ أَسْقَطَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ الْأَجَلَ فَهَلْ يَسْقُطُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 340)
________________________________________
حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَجَلَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَالصِّفَةُ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الصِّحَاحِ لَوْ أَسْقَطَ صِفَةَ الْجَوْدَةِ وَالصِّحَّةِ لَمْ يَسْقُطْ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْبَيْعِ إلى العطا وَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْآجَالِ الْمَجْهُولَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ يَجُوزُ بِثَمَنٍ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْعَطَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ قال ابن المنذر وروينا ذلك عن ابن عُمَرَ قَالَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا بَاعَ إلَى الْعَطَاءِ صَحَّ وَكَانَ الثَّمَنُ حَالًّا قال وقول ابن عباس أصح
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجئ الشهر وقدوم الحاج لانه بيع غرر من غير حاجة فلم يجز
* ولا يجوز بيع المنابذة وهو أن يقول إذا نبذت هذا الثو ب فقد وجب البيع ولا بيع الملامسة وهو أن يمس الثوب بيده ولا ينشره وإذا مسه فقد وجب البيع لما روى أبو سعيد الخدرى قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيعتين المنابذة والملامسة) والمنابذة أن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره فإذا مسه فقد وجب البيع
* ولانه إذا علق وجوب البيع على نبذ الثوب فقد علق البيع على شرط وذلك لا يجوز وإذا لم ينشر الثوب فقد باع مجهولا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ
* ولا يجوز بيع الحصى وهو أن يقول بعتك ما وقع عليه الحصى من ثوب أو أرض لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نهى عن بيع الحصى) ولانه بيع مجهول من غير حاجة فلم يجز
* ولا يجوز ببع حبل الحبلة لما روي ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع
واختلف في تأويله فقال الشافعي رضي الله عنه هو بيع السلعة بثمن إلى أن تلد الناقة ويلد حملها وقال أبو عبيد هو بيع ما يلد حمل الناقة فان كان على ما قال الشافعي رحمه الله فهو بيع بثمن إلى أجل مجهول وقد بينا أن ذلك لا يجوز
* وان كان على ما قال أبو عبيد فهو بيع معدوم ومجهول وذلك لا يجوز
* ولا يجوز بيعتان في بيعة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 341)
________________________________________
عين بيعتين في بيعة) فيحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بالف نقدا أو بالفين نسيئة فلا يجوز للخبر ولانه لم يعقد على ثمن معلوم ويحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بالف على إن تبيعني دارك بالف فلا يصح للخبر ولانه شرط في عقد وذلك لا يصح فإذا سقط وجب أن يضاف إلى ثمن السلعة بازاء ما سقط من الشرط وذلك مجهول فإذا أضيف إلى الثمن صار مجهولا فبطل)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَعَ تَفْسِيرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي حَبَلِ الْحَبَلَةِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَبَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) وَهُوَ أَنْ يَمَسَّ هُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْمِيمِ - وَيَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَنُنْكِرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ الْمَوْضُوعَةِ لِلضَّعِيفِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ (وَقَوْلُهُ) حَبَلِ الْحَبَلَةِ هُوَ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - فِيهِمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَبَلَةُ هُنَا جَمْعُ حَابِلٍ كَظَالِمِ وَظَلَمَةٍ وَفَاجِرٍ وَفَجَرَةٍ وَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَقَالَ الْأَخْفَشُ يُقَالُ حَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَابِلٌ وَنِسْوَةٌ حَبَلَةٌ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ الْهَاءُ فِي الْحَبَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِنَّ الْحَمْلُ يُقَالُ حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا وَحَبِلَتْ بِوَلَدٍ وَحَمَلَتْ الشَّاةُ - بِالْمِيمِ - وَكَذَا الْبَقَرَةُ وَالنَّاقَةُ وَنَحْوُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يقال لشئ مِنْ الْحَيَوَانِ حَبَلٌ غَيْرَ الْآدَمِيِّ إلَّا مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
* وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ
فَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الحديث ثبت ذلك عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ
* وَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَهُ أَيْضًا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخُ أَبِي عبيد وقاله أحمد بن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَقْوَى لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الرَّاوِي وَهُوَ أَعْرَفُ
* وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا عبيد الذى ذكره المصنف هنا وفى التَّنْبِيهِ هُوَ بِإِسْقَاطِ الْهَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ القاسم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 342)
________________________________________
ابن سَلَّامٍ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ قَالَ الرافعى قال الاصحاب ويجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ فَإِنَّ الْمُنَابَذَةَ مَعَ قرينة البيع في نَفْسُ الْمُعَاطَاةِ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ عَلَى أَنِّي إذَا نَبَذْتُهُ إلَيْك انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ البيع هو بَيْعٌ بَاطِلٌ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِنَبْذِ الْحَصَاةِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ وجمهور الاصحاب وهوان يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَلْمِسُهُ الْمُسْتَلِمُ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لِمَسْكِ مَقَامَ نَظَرِك وَلَا خِيَارَ لَك إذَا رَأَيْته
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا فَيَقُولُ إذَا لَمَسْته فَهُوَ بَيْعٌ لَك (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا وَفِي الْأَوَّلِ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لَهُ حُكْمُ الْمُعَاطَاةِ (وَالْمَذْهَبُ) الْجَزْمُ بِبُطْلَانِهِ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا (وَأَمَّا) بَيْعُ الْحَصَاةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إلَى حَيْثُ تَنْتَهِي إلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ إلَى أَنْ أَرْمِيَ الْحَصَاةَ (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بَيْعًا وَهُوَ إذَا رَمَيْت هَذِهِ الْحَصَاةَ فَهَذَا الثَّوْبُ مَبِيعٌ لَك بِكَذَا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى جَمِيعِ التَّأْوِيلَاتِ (وَأَمَّا) الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ فَفِيهِ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُمَا مَعَ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ لِنَفْسِهِ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ وَلَا بَيْعُ حبل الحبلة ولا بيع الحصاة والمنابدة وَالْمُلَامَسَةِ وَلَا تَعْلِيقُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ بِأَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ أَوْ إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَوْ إذَا غربت الشمس أوما أَشْبَهَ هَذَا فَقَدْ بِعْتُكَهُ وَهَذَا عَقْدٌ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ بيع الغرر (١)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 343)
________________________________________
قال المصنف رحمه الله (ولا يجوز مبايعة من يعلم أن جميع ماله حرام لما روى أبو مسعود البدرى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن حلوان الكاهن ومهر البغى
* وعن الزهري (في امرأة زنت بمال عظيم قال لا يصلح لمولاها أكله لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مهر البغى) فان كان معه حلال وحرام كره مبايعته والاخذ منه لما روى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يقول الحلال بين والحرام بين وبين ذلك امور مشتبهات وسأضرب لكم في ذلك مثلا ان الله تعالى حمى حمى وان حمى الله حرام وان من يرعى حو الحمى يوشك ان يخالط الحمي) وان بايعه وأخذ منه جاز لان الظاهر مما في يده انه له فلا يحرم الاخذ منه) الْخَلْطُ فِي الْبَلَدِ حَرَامٌ لَا يَنْحَصِرُ بِحَلَالٍ لَا يَنْحَصِرُ لَمْ يَحْرُمْ الشِّرَاءُ مِنْهُ بَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِتِلْكَ الْعَيْنِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْحَرَامِ فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّ تَرْكَهُ وَرَعٌ مَحْبُوبٌ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْحَرَامُ تَأَكَّدَ الْوَرَعُ
* وَلَوْ اعْتَلَفَتْ الشَّاةُ عَلَفًا حَرَامًا أَوْ رَعَتْ فِي حَشِيشٍ حَرَامٍ لَمْ يَحْرُمْ لَبَنُهَا وَلَحْمُهَا وَلَكِنَّ تَرْكَهُ وَرَعٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ لَيْسَ هو عين العلطف
* وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ طَعَامٍ حَلَالٍ لِكَوْنِهِ حَمَلَهُ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ بِالزِّنَا أَوْ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَرَعًا بَلْ هُوَ وَسْوَاسٌ وَتَنَطُّعٌ مَذْمُومٌ
* وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي الذِّمَّةِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ حَرَامٍ نُظِرَ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ إلَيْهِ الطَّعَامَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بِطِيبِ قَلْبِهِ فَأَكَلَهُ قَبْلَ قَضَاءِ الثَّمَنِ فَهُوَ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ وَرَعًا مُؤَكَّدًا ثُمَّ إنْ قَضَى الثَّمَنَ بَعْدَ الْأَكْلِ فَأَدَّاهُ مِنْ الْحَرَامِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِهِ فَيَبْقَى الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الطَّعَامُ الْمَأْكُولُ حَرَامًا فَإِنْ أَبْرَأهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ
بَرِئَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَبْرَأهُ ظَانًّا حِلَّ الثَّمَنِ لَمْ تَحْصُلْ الْبَرَاءَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ وَلَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءِ
* وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ بِطِيبِ قَلْبِهِ بَلْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي قَهْرًا فَأَكَلَهُ فَالْأَكْلُ حَرَامٌ سَوَاءٌ أَكَلَهُ قَبْلَ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَ تَوْفِيَتِهِ مِنْ الْحَرَامِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَكُونُ عَاصِيًا بِأَكْلِهِ كَعِصْيَانِ الرَّاهِنِ إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ الْمَرْهُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ أَخَفُّ تَحْرِيمًا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 344)
________________________________________
مِنْ أَكْلِ الْمَغْصُوبِ (أَمَّا) إذَا أَوْفَى الثَّمَنَ الْحَرَامَ ثُمَّ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِأَنَّ الثَّمَنَ حَرَامٌ وَأَقْبَضَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْحَبْسِ وَبَقِيَ الثَّمَنُ لَهُ فِي الذِّمَّةِ وَيَكُونُ أَكْلُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَلَالًا
* وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ كَوْنَ الثَّمَنِ حَرَامًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ عَلِمَ لَمَا رَضِيَ بِهِ وَلَمَّا أَقْبَضَ الْمَبِيعَ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْحَبْسِ بِهَذَا التَّدْلِيسِ فَالْأَكْلُ حِينَئِذٍ حَرَامٌ كَتَحْرِيمِ أَكْلِ طَعَامِهِ المرهون والامتناع من الاكل في كل هَذَا وَرَعٌ مِنْهُمْ
* وَلَوْ اشْتَرَى سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَبَضَهُ بِرِضَا الْبَائِعِ قَبْلَ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ ثُمَّ وَهَبَهُ لِإِنْسَانٍ وَكَانَ فِي مَالِ الْمُشْتَرِي حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ يُوَفِّيهِ الثَّمَنَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْإِنْسَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَكِنَّ الْوَرَعَ تَرْكُهُ وَيَتَأَكَّدُ الْوَرَعُ أَوْ يَخِفُّ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقِلَّتِهِ
* وَلَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ وَفَّى ثَمَنَهُ عِنَبًا لِمَنْ عُرِفَ بِاِتِّخَاذِ الْخَمْرِ أَوْ سَيْفًا لِمَنْ عُرِفَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كُرِهَ أَكْلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَحْرُمْ
* وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ غَزْلَ زَوْجَتِهِ فَبَاعَتْ غَزْلَهَا وَوَهَبْته الثَّمَنَ لَمْ يُكْرَهْ أَكْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فَلَيْسَ بِوَرَعٍ بَلْ وَسْوَاسٍ
* وَمِنْ الْوَرَعِ الْمَحْبُوبِ تَرْكُ مَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إبَاحَتِهِ اخْتِلَافًا مُحْتَمَلًا وَيَكُونُ الْإِنْسَانُ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَ إمَامٍ يُبِيحُهُ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الصَّيْدُ وَالذَّبِيحَةُ إذَا لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَرَامٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَالْوَرَعُ لِمُعْتَقِدِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَرْكُ أَكْلِهِ (وَأَمَّا) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ الَّذِي يَكُونُ فِي إبَاحَتِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِلَا مُعَارِضٍ وَتَأْوِيلُهُ مُمْتَنِعٌ أَوْ بَعِيدٌ فَلَا أَثَرَ لِخِلَافِ مَنْ مَنَعَهُ فَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ وَرَعًا مَحْبُوبًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُوَرِّثُ شُبْهَةً وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشئ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّ دَلِيلَهُ خَبَرُ آحَادٍ فَتَرَكَهُ إنْسَانٌ لِكَوْنِ بَعْضِ النَّاسِ مَنَعَ الِاحْتِجَاجَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهَذَا التَّرْكُ لَيْسَ بِوَرَعٍ بَلْ وَسْوَاسٍ لِأَنَّ الْمَانِعَ لِلْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَمَا زَالَتْ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
* قَالَ وَلَوْ أَوْصَى بِمَالٍ
لِلْفُقَهَاءِ فَالْفَاضِلُ فِي الْفِقْهِ مُدْخَلٌ فِي الْوَصِيَّةِ والمبتدي مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي فِيهِمَا وَالْوَرَعُ لِهَذَا الْمُتَوَسِّطِ تَرْكُ الْأَخْذِ مِنْهَا وَإِنْ أَفْتَاهُ الْمُفْتِي بأنه دَاخِلٌ فِي الْوَصِيَّةِ قَالَ وَكَذَا الصَّدَقَاتُ الْمَصْرُوفَةُ إلَى الْمُحْتَاجِينَ قَدْ يُتَرَدَّدُ فِي حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ وَكَذَا مَا يَجِبُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَكِسْوَةِ الزَّوْجَاتِ وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْتِ الْمَالِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ إذَا قَدَّمَ لَك إنْسَانٌ طَعَامًا ضِيَافَةً أَوْ أَهْدَاهُ لَك أَوْ أَرَدْت شِرَاءَهُ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُطْلَقْ الْوَرَعُ فَإِنَّك تَسْأَلُ عَنْ حِلِّهِ وَلَا يُتْرَكُ السؤال قَدْ يَجِبُ وَقَدْ يَحْرُمُ وَقَدْ يَنْدُبُ وَقَدْ يكره وضابطه مَظِنَّةَ السُّؤَالِ هِيَ مَوْضِعُ الرِّيبَةِ وَلَهَا حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِكِ
(وَالثَّانِي)
بِالْمِلْكِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 345)
________________________________________
(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَالْمَالِكُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا وَهُوَ مَنْ لَيْسَ فِيهِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى طِيبِ مَالِهِ وَلَا فَسَادِهِ فَإِذَا دَخَلْت قَرْيَةً فَرَأَيْت رَجُلًا لَا تَعْرِفُ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا وَلَا عَلَيْهِ عَلَامَةُ فَسَادِ مَالِهِ وَشَبَهِهِ كَهَيْئَةِ الْأَجْنَادِ وَلَا عَلَامَةُ طِيبَةٍ كَهَيْئَةِ الْمُتَعَبِّدِينَ وَالتُّجَّارِ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَا يُقَالُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِأَنَّ الشَّكَّ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ لَهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يُدْرِكُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا لَا يُدْرَى وَبَيْنَ مَا يُشَكُّ فِيهِ فَالْوَرَعُ تَرْكُ مَا لا يدرى ويجور الشِّرَاءُ مِنْ هَذَا الْمَجْهُولِ وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِ وَضِيَافَتِهِ وَلَا يَجِبُ السُّؤَالُ بَلْ لَا يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ فَإِنْ أَرَادَ الورع فليتركه وان كان لابد مِنْ أَكْلِهِ فَلِيَأْكُلْ وَلَا يَسْأَلْ فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى تَرْكِ السُّؤَالِ أَهْوَنُ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ مُسْلِمٍ وَإِيذَائِهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَقْوَاهُ كَلِبَاسِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَهَيْئَاتِهِمْ أَوْ تَرَى مِنْهُ فِعْلًا مُحَرَّمًا تَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى تَسَاهُلِهِ فِي الْمَالِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا يَحْرُمُ الْهُجُومُ بَلْ السُّؤَالُ وَرَعٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ الْهُجُومُ وَيَجِبُ السُّؤَالُ قَالَ وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنُفْتِي بِهِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَلَامَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَرَامٌ فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ فِيهِ حَرَامًا يَسِيرًا كَانَ السُّؤَالُ وَرَعًا (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْلَمَ حاله بِمُمَارَسَةٍ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ ظَنٌّ فِي حِلِّ مَالِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ بِأَنْ يَعْرِفَ صَلَاحَ الرَّجُلِ وَدِيَانَتِهِ فَهُنَا لَا يَجِبُ السُّؤَالُ وَلَا يَجُوزُ أَوْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مُرَابٍ أَوْ مُغَنٍّ وَنَحْوُهُ فَيَجِبُ السُّؤَالُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَعَلَّقَ الشَّكُّ بِالْمَالِ بِأَنْ يَخْتَلِطَ حَلَالٌ
بِحَرَامٍ كَمَا إذَا حَصَلَ فِي السُّوقِ أَحْمَالُ طَعَامٍ مَغْصُوبٍ وَاشْتَرَاهَا أَهْلُ السُّوقِ فَلَا يَجِبُ السُّؤَالُ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنْ تِلْكَ السُّوقِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ حَرَامٌ فَيَجِبُ السُّؤَالُ وَمَا لَمْ يَكُنْ الْأَكْثَرُ حَرَامًا يَكُونُ التَّفْتِيشُ وَرَعًا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الشِّرَاءِ مِنْ الْأَسْوَاقِ وَكَانُوا لَا يَسْأَلُونَ فِي كُلِّ عَقْدٍ وَإِنَّمَا نُقِلَ السُّؤَالُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِرِيبَةٍ كَانَتْ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ كَانَ فِي يَدِ نَاظِرِ الْأَوْقَافِ أَوْ الْوَصَايَا مَالَانِ أَحَدُهُمَا لِمَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ لِمَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ أُخْرَى فَأَرَادَ إنْسَانٌ فِيهِ صِفَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّاظِرِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ ظَاهِرَةً يَعْرِفُهَا الْمُتَوَلِّي وَهُوَ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ جَازَ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ خَفِيَّةً أَوْ عُرِفَ مِنْ حَالِ الْمُتَوَلِّي التَّسَاهُلُ وَأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِخَلْطِ الْمَالَيْنِ وَجَبَ السُّؤَالُ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا عَلَامَةٌ وَلَا اسْتِصْحَابٌ يُعْتَمَدُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا مِنْ دُورِ الْبَلَدِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ دُورًا مَغْصُوبَةً لِأَنَّ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 346)
________________________________________
* ذَلِكَ اخْتِلَاطٌ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ وَالسُّؤَالُ هُنَا وَرَعٌ وَاحْتِيَاطٌ
* وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ عَشْرُ دُورٍ فِيهَا وَاحِدَةٌ مَغْصُوبَةٌ أَوْ وَقْفٌ وَلَا يَعْرِفُهَا وَجَبَ السُّؤَالُ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ
* وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَدَارِسُ أَوْ رِبَاطَاتٌ خُصِّصَ بَعْضُهَا بِالْمَنْسُوبِينَ إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْكُنَ في شئ مِنْهَا وَلَا يَأْكُلَ مِنْ وَقْفِهَا حَتَّى يَسْأَلَ وَيَتَبَيَّنَ الصَّوَابَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ حَيْثُ قُلْنَا السُّؤَالُ وَرَعٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الطَّعَامِ وَالْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَغِيظُهُ فَلَا يَرْتَكِبُ إيذَاءَ مُسْلِمٍ لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ مَنْدُوبٍ قَالَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا السُّؤَالَ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ حَرَامًا وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا نُبَالِي بِغَيْظِهِ فَإِنَّ الظَّالِمَ يُؤْذِي بِأَكْثَرَ من هذا قال الحرث الْمُحَاسِبِيُّ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ أَوْ صَدِيقٌ يَأْمَنُ غَيْظَهُ لَوْ سَأَلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْأَلَهُ أَيْضًا لِلْوَرَعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ شئ كَانَ مَسْتُورًا يُؤَدِّي إلَى الْبَغْضَاءِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ
* قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) لَا فَائِدَةَ فِي سُؤَالِ مَنْ بَعْضُ مَالِهِ حَرَامٌ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي مَالِ الْإِنْسَانِ حَرَامٌ مُخْتَلَطٌ فَأَرَدْتَ مُبَايَعَتَهُ أَوْ الْأَكْلَ مِنْ ضِيَافَتِهِ أَوْ هَدِيَّتَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَكْفِ سُؤَالُهُ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُ سُؤَالُ صَاحِبِ الْيَدِ إذَا كَانَ
ثِقَةً غَيْرَ مُتَّهَمٍ كَمُتَوَلِّي الْأَوْقَافِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ هَذَا الْمَالُ (١) وَكَمَا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الَّذِي أَتَى بِهِ هَلْ هُوَ هَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يؤذي المسؤل وَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ
* وَلَهُ سُؤَالُ خَادِمِهِ وَعَبْدِهِ الثِّقَةِ وَمَتَى سَأَلَ فَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ اعْتَمَدَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ وَعَلِمَ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ جاز له قبوله
________________________________________
(١) كذا بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 347)
________________________________________
* لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ السُّؤَالِ ثِقَةُ النَّفْسِ وَقَدْ تَحْصُلُ بِقَوْلِ الْفَاسِقِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ معروف بالتثبت جَازَ قَبُولُهُ وَمَتَى وَجَبَ السُّؤَالُ فَتَعَارَضَ قَوْلُ عدلين أو فاسقين سقطا ويجوزان يُرَجِّحَ بِقَلْبِهِ أَحَدَهُمَا وَبِكَثْرَةِ الْمُخْبَرَيْنِ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ (فَرْعٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ نُهِبَ مَتَاعٌ مَخْصُوصٌ فَصَادَفَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْئًا يُبَاعُ وَاحْتُمِلَ أَنْ لا يَكُونَ مِنْ الْمَنْهُوبِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ مَنْ عُرِفَ بِالصَّلَاحِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَكَانَ تَرْكُهُ وَرَعًا وَإِنْ كَانَ رَجُلًا مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النَّوْعُ كَثِيرًا فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَنْهُوبِ جَازَ الشِّرَاءُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَنْهُوبِ إلَّا نَادِرًا فَلَيْسَ هُنَا دَلِيلٌ لِلْحِلِّ سِوَى الْيَدِ وَقَدْ عَارَضَهَا عَلَامَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ شَكْلُ الْمَتَاعِ الْمَنْهُوبِ فَالِامْتِنَاعُ مِنْ شِرَائِهِ وَرَعٌ مِنْهُمْ وَفِي تَحْرِيمِهِ نَظَرٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ خَادِمُ الصُّوفِيَّةِ إذَا خَرَجَ إلَى السُّوقِ وَالْبُيُوتِ وَجَمَعَ طَعَامًا وَغَيْرَهُ ثُمَّ قَدَّمَهُ لِلصُّوفِيَّةِ حَلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ وَيَحِلُّ لِغَيْرِهِمْ الْأَكْلُ مِنْهُ بِرِضَاءِ الْخَادِمِ وَلَا يَحِلُّ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ عِيَالٌ وَأَعْطَى لَهُ النَّاسُ شَيْئًا بِسَبَبِ عِيَالِهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِلْكًا لِلرَّجُلِ لَا لِلْعِيَالِ وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ غَيْرَ الْعِيَالِ وَكَذَا مَا يُعْطَاهُ الْخَادِمُ يَقَعُ مِلْكًا لَهُ وَإِنَّمَا يُطْعِمُ الصُّوفِيَّةَ وَفَاءً بِالْمُرُوءَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمْ مِنْهُ بِرِضَاهُمْ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِأَنَّ مَعْنَى الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ الصَّرْفُ إلَى مَصَالِحِهِمْ وَمَبْنَى الْأَطْعِمَةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ صُوفِيًّا الْأَكْلُ مَعَهُمْ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الدَّوَامِ وَإِنْ رَضُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِ جِنْسِهِمْ (وَأَمَّا) الْفَقِيهُ إذَا كَانَ عَلَى زِيِّهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ فَلَهُ النُّزُولُ عَلَيْهِمْ أَوْ كَوْنُهُ صُوفِيًّا وَلَيْسَ الْجَهْلُ شَرْطًا لِلتَّصَوُّفِ قَالَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حَرَكَاتِ بعض الحملى وقولهم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 348)
________________________________________
* الْعِلْمُ حِجَابٌ بَلْ الْجَهْلُ هُوَ الْحِجَابُ وَكَذَا الْعِلْمُ الْمَذْمُومُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ قَدْ يُعْطِي الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ الْمَالَ تَبَرُّعًا لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا وَقَدْ يُعْطِيهِ لِنَسَبِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فان علم الآخذ أن يُعْطِيهِ لِحَاجَتِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُعْطِيهِ لِشَرَفِ نَسَبِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ حَادِثًا فِي النَّسَبِ وَإِنْ أَعْطَاهُ لِعِلْمِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْعِلْمِ كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُعْطِي وَإِنْ أَعْطَاهُ لِدِينِهِ وَصَلَاحِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَخْذُ إنْ كَانَ فَاسِقًا فِي الْبَاطِنِ فِسْقًا لَوْ عَلِمَهُ الْمُعْطِي لَمَا أَعْطَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْأَرْضُ الْمَغْصُوبَةُ إذَا جُعِلَتْ شَارِعًا لَمْ يَجُزْ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ جَازَ وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعُدُولُ عَنْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَعَلَيْهَا سَابَاطٌ مَغْصُوبُ الْأَخْشَابِ وَنَحْوُهَا جَازَ الْمُرُورُ تَحْتَهُ فَإِنْ قَعَدَ تَحْتَهُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّ السَّقْفَ لَا يُرَادُ إلَّا لِهَذَا قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْمَسْجِدِ مُبَاحَةً وَسُقِّفَ بِحِرَامٍ جَازَ الْمُرُورُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْحَرَامِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْقُعُودُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِانْتِفَاعِ بِضَوْءِ سِرَاجِ غَيْرِهِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا جَائِزَانِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْمَوَاضِعُ الَّتِي بَنَاهَا الظَّلَمَةُ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ فِيهَا (أَمَّا) الْقَنَاطِرُ فَيَجُوزُ الْعُبُورُ عَلَيْهَا لِلْحَاجَةِ وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْعُبُورَ وَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا مَعْدِلًا لِأَنَّ تِلْكَ الْآلَاتِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مَالِكٌ كَانَ حُكْمُهَا أَنْ تُرْصَدَ لِلْمَصَالِحِ وَهَذَا مِنْهَا وَإِذَا عَرَفَ أَنَّ الْأَحْجَارَ وَاللَّبِنَ مَغْصُوبَةٌ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْعُبُورُ عَلَيْهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ يَحِلُّ بِهَا ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ ثُمَّ يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ مِنْ الْمَالِكِ الَّذِي يَعْرِفُهُ (وَأَمَّا) الْمَسْجِدُ فَإِنْ بُنِيَ مِنْ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ خَشَبٍ مَغْصُوبٍ مِنْ مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ مِلْكِ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَحْرُمُ دُخُولُهُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالٍ لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ فَالْوَرَعُ الْعُدُولُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يَتْرُكْ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَنَاهُ بِمَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ فَيَكُونُ لِلْمَصَالِحِ (وَأَمَّا) السِّقَايَاتُ فَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْوَرَعُ تَرْكُ الْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ مِنْهَا وَتَرْكُ دُخُولِهَا إلَّا
أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ (وَأَمَّا) الرِّبَاطُ والمدرسة فان كانت أرضها مغصوبة أو الاكتاف كَاللَّبِنِ وَالْحِجَارَةِ وَأَمْكَنَ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا وَإِنْ اشْتَبَهَ فَلَهُ دُخُولُهَا وَالْمُكْثُ فِيهَا وَالْوَرَعُ تَرْكُهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 349)
________________________________________
* قال الغزالي إذا امر السلطان بدفع شئ مِنْ خِزَانَتِهِ لِإِنْسَانٍ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا وَعَلِمَ أَنَّ الْخِزَانَةَ فِيهَا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَالْحَلَالُ فِي أَيْدِي سَلَاطِينِ هَذِهِ الْأَزْمَانِ عَزِيزٌ أَوْ مَعْدُومٌ (١) وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا كَوْنُهُ مِنْ الْحَلَالِ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ الْحَرَامِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ حَلَالٌ قَالَ وَكِلَاهُمَا إسْرَافٌ وَالْأَعْدَلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ حَرَامًا حَرُمَ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَفِيهِ تَوَقُّفٌ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ جَارٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُخْتَلَطُ أَكْثَرُهُ حَرَامًا حَرُمَ الْأَخْذُ مِنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَهَكَذَا مِثَالُ خِزَانَةِ السُّلْطَانِ يَكُونُ مَكْرُوهًا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَخَذُوا مِنْ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ وَنُوَّابِهِمْ الظَّلَمَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو أَيُّوبَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ والمسور ابن مَخْرَمَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ الحجاج والشافعي من هرون الرَّشِيدِ وَأَخَذَ مَالِكٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً وَإِنَّمَا تَرَكَ مَنْ تَرَكَ مِنْهُمْ الْأَخْذَ تَوَرُّعًا
* وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَبِلَ هَدِيَّةَ الْمُخْتَارِ ابن عبيد وزعمت هذه الفرقتان مَا نُقِلَ مِنْ امْتِنَاعِ جَمَاعَةٍ لَا يَدُلُّ على التحريم كما أن الخلفاء الراشدين وابازر وَآخَرِينَ مِنْ الزُّهَّادِ تَرَكُوا الْحَلَالَ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ زُهْدًا
* قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّهُ قَلِيلٌ مَحْصُورٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا نُقِلَ مِنْ رَدِّهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ تَحَقَّقُوا أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ الْمَصْرُوفَ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ حَلَالٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْفُوعُ إليهم حلال وَلَا يَضُرُّهُمْ كَوْنُ يَدِ السُّلْطَانِ مُشْتَمِلَةً عَلَى حَرَامٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ هَذَا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ وَصَرَفُوهُ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ وقد قال جماعة منهم اخذناه كُلِّهِ وَصَرْفُنَا إيَّاهُ فِي الْمُحْتَاجِينَ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ فِي يَدِ السُّلْطَانِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إنَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ الْجَوَائِزَ وَيَحْتَجُّونَ بان عُمَرَ وَعَائِشَةَ لَا يَقْتَدُونَ بِهِمَا لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَرَّقَ مَا أَخَذَ حَتَّى اسْتَقْرَضَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ أَنْ فَرَّقَ سِتِّينَ
أَلْفًا وَكَذَا فعلت عائشة رضى الله عنهما وكذا فعل الشافعي أخذ من هرون الرشيدى وَفَرَّقَهُ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَدَّخِرْ مِنْهُ حَبَّةً وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الْأَمْوَالَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَوَائِلِ بَعْدَ الرَّاشِدِينَ كَانَ مَا عِنْدَ السُّلْطَانِ مِنْهَا غَالِبُهُ حَلَالٌ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الَّتِي فِي أَيْدِي السَّلَاطِينِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ فَإِنَّ مُعْظَمَهَا حَرَامٌ وَالْحَلَالُ فِيهَا قَلِيلٌ جِدًّا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ مَالُ الْمَصَالِحِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَّا لِمَنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَوْ هُوَ مُحْتَاجٌ عاجز
________________________________________
(١) كذا بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 350)
________________________________________
* عَنْ الْكَسْبِ مِثْلُ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرًا تَتَعَدَّى مَصْلَحَتُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْكَسْبِ لَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ عُلَمَاءِ الدِّينِ كَعِلْمِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ طَلَبَةُ هَذِهِ الْعُلُومِ وَالْقُضَاةُ وَالْمُؤَذِّنُونَ وَالْأَجْنَادُ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى هَؤُلَاءِ مَعَ الْغِنَى وَيَكُونُ قَدْرُ الْعَطَاءِ إلَى رَأْيِ السُّلْطَانِ وَمَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ وَيَخْتَلِفُ بِضِيقِ الْمَالِ وَسَعَتِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ السُّلْطَانُ إلَى كُلِّ الْمُسْتَحَقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يجوز لآحادهم أخذ شئ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ (احدها) لا يجوز أخذ شئ أَصْلًا وَلَا حَبَّةٍ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يُدْرَى حِصَّتُهُ مِنْهُ حَبَّةٌ أَوْ دَانِقٌ أَوْ غَيْرُهُمَا فَهَذَا غُلُوٌّ
(وَالثَّانِي)
يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ قُوتَ يَوْمِهِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) يَأْخُذُ كِفَايَتَهُ سَنَةً (وَالرَّابِعُ) يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ حِصَّتُهُ وَالْبَاقُونَ يُظْلَمُونَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْمِيرَاثِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ وَهُنَا لو مات لم يستحق وارثه إرث شئ وَهَذَا إذَا صُرِفَ إلَيْهِ مَا يَلِيقُ صَرْفُهُ إلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا بَعَثَ السُّلْطَانُ إلَى إنْسَانٍ مَالًا لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مَغْصُوبٌ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ وَتَفْرِقَتُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إنْ قَارَنَتْهُ مَفْسَدَةٌ بِحَيْثُ يَغْتَرُّ بِهِ جُهَّالٌ وَيَعْتَقِدُونَ طِيبَ أَمْوَالِ السُّلْطَانِ أَوْ يَجِبُ بَقَاءُ ذَلِكَ السُّلْطَانِ مَعَ ظُلْمِهِ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ مُعَامَلَةَ السُّلْطَانِ وَعُلَمَائِهِ وَأَعْوَانِهِ وَعُمَّالِهِمْ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْأَسْوَاقُ الَّتِي بَنَاهَا السَّلَاطِينُ بِالْأَمْوَالِ الْحَرَامِ تَحْرُمُ التِّجَارَةُ فِيهَا وَسُكْنَاهَا فَإِنْ سَكَنَهَا بِأُجْرَةٍ وَكَسَبَ شَيْئًا بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ كَانَ عَاصِيًا بِسُكْنَاهُ وَلَا يَحْرُمُ كَسْبُهُ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُ وَلَكِنْ إنْ وَجَدُوا سُوقًا أُخْرَى فَالشِّرَاءُ مِنْهَا أَوْلَى لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْأُولَى إعَانَةٌ لِسُكَّانِهَا وَتَرْغِيبٌ فِي سُكْنَاهَا وَكَثْرَةُ أُجْرَتِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ مَغْصُوبٌ مِنْ النَّاسِ مُعَيَّنٌ فَاخْتَلَطَ بِمَالِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ وَأَرَادَ التوبة فطريقه أن يترضى هُوَ وَصَاحِبُ الْمَغْصُوبِ بِالْقِسْمَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ رَفَعَ التَّائِبُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَقْبِضَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا حَكَّمَ رَجُلًا مُتَدَيِّنًا لِقَبْضِ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزَ تَوَلَّى هُوَ بِنَفْسِهِ ذَلِكَ وَيَعْزِلُ قَدْرَ ذَلِكَ فِيهِ الصَّرْفَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ دراهم
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 351)
________________________________________
* أو حبا أو ذهبا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْبَاقِي فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ الْمُخْتَلَطِ وَيُنْفِقَ مِنْهُ قَبْلَ تَمْيِيزِ قَدْرِ الْمَغْصُوبِ فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ يَجُوزُ ذلك مادام قَدْرُ الْمَغْصُوبِ بَاقِيًا وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجَمِيعِ وقال آخرون لا يجوز له أخذ شئ منه حتى يميز قدر المغصوب بنية الابذال وَالتَّوْبَةِ
* (فَرْعٌ)
مَنْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ مُوَرِّثُهُ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ حَرَامٍ وَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةً فَهُوَ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى وَارِثِهِ وَإِنْ كَانَ لِمَالِكٍ لَا يَعْرِفُهُ وَيَئِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْقَاضِي إنْ كَانَ عَفِيفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا لَمْ يَجُزْ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ الْمُسَلَّمُ ضَامِنًا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا مِنْ أهل البلد دينا عالما فان التحكم أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّرْفُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِذَا دَفَعَهُ إلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ بَلْ يَكُونُ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا لِأَنَّ عِيَالَهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ
فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ ذَكَرَهُ آخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ ونقله الْغَزَالِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُ هَذَا الْمَالِ وَرَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ مِنْ يَدِ السُّلْطَانِ قَالَ قَوْمٌ يَرُدُّهُ إلَى السُّلْطَانِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَمْلِكُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَاخْتَارَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ هَذَا وَقَالَ آخَرُونَ يَتَصَدَّقُ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَرُدُّهُ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ رَدَّهُ إلَى السُّلْطَانِ تَكْثِيرٌ لِلظُّلْمِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ مَالِكِهِ (قُلْتُ) الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفٍ بَاطِلٍ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا ظَاهِرًا لَزِمَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلِ الْقَنَاطِرِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ وَأَهَمُّ الْمُحْتَاجِينَ ضِعَافُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 352)
________________________________________
* أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ صَرْفَ السُّلْطَانِ إيَّاهُ فِي بَاطِلٍ فَلِيُعْطِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى نَائِبِهِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لِأَنَّ السُّلْطَانَ أَعْرَفُ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَأَقْدَرُ عَلَيْهَا فَإِنْ خَافَ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ ضَرَرًا صَرَفَهُ هُوَ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي بَاطِلٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ بَعْضُهُ حَلَالٌ وَبَعْضُهُ فِيهِ شُبْهَةٌ وَلَهُ عِيَالٌ وَلَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلِيَخُصَّ نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ وَإِذَا تَرَدَّدَتْ حَاجَةُ نَفْسِهِ بَيْنَ الْقُوتِ وَاللِّبَاسِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا كَأُجْرَةِ الْحَجَّامِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ وَالْحَمَّالِ وَدُهْنِ السِّرَاجِ وَعِمَارَةِ الْمَنْزِلِ وَتَعَهُّدِ الدَّابَّةِ وَثَمَنِ الْحَطَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلِيَخُصَّ بِالْحَلَالِ قُوتَهُ وَلِبَاسَهُ فَإِنْ تَعَارَضَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخُصَّ الْقُوتَ بِالْحَلَالِ لِأَنَّهُ يَمْتَزِجُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَلِأَكْلِ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ أَثَرٌ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ (وَأَمَّا) الْكِسْوَةُ فَفَائِدَتُهَا دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالسَّتْرُ عَنْ الاعين وذلك يحصل وقال الحاسبى يَخُصُّ الْكِسْوَةَ بِالْحَلَالِ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ الْحَرَامُ الَّذِي فِي يَدِهِ حَيْثُ قُلْنَا يَتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا سَبَقَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى نفسه جَوَّزْنَاهُ فَلِيُضَيِّقْ مَا أَمْكَنَهُ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ فَلِيَقْتَصِدْ وَلَكِنْ بَيْنَ التَّوْسِعَةِ وَالتَّضْيِيقِ فَإِنْ ضَافَهُ إنْسَانٌ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَسَّعَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يُطْعِمْهُ شَيْئًا أَصْلًا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَرِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِحَيْثُ لَا يَجِدُ شَيْئًا فَيُطْعِمُهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْفَقِيرِ فَإِنْ عَرَفَ مِنْ حَالِ الْفَقِيرِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ الْمَالَ لَتَوَرَّعَ عَنْهُ أَحْضَرَ الطَّعَامَ وَأَخْبَرَهُ بِالْحَالِ لِيَكُونَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ حَقِّ الضِّيَافَةِ وَتَرْكِ الْخِدَاعِ وَلَا يَكْتَفِي بِأَنَّ ذَلِكَ الْفَقِيرَ لَا يَدْرِي لِأَنَّ الْحَرَامَ إذَا حَصَلَ فِي الْمَعِدَةِ أَثَّرَ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ آكِلُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ الْحَرَامُ أَوْ الشُّبْهَةُ فِي يَدِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَلِيَمْتَنِعْ مِنْ مُؤَاكَلَتِهِمَا فَإِنْ كَرِهَا امْتِنَاعَهُ لَمْ يُوَافِقْهُمَا عَلَى الْحَرَامِ فَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ بَلْ يَنْهَاهُمَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً يُرِيدُ تَرْكَهُ لِلْوَرَعِ فَقَدْ عَارَضَهُ طَلَبُ رِضَاهُمَا وَهُوَ وَاجِبٌ فَلِيَتَلَطَّفْ فِي الِامْتِنَاعِ فَإِنْ عَجَزَ فليأكل وليقلل من ذلك وليصغر اللقمة ويطيل الْمَضْغَةَ وَلَا يَتَوَسَّعُ مِنْهُ قَالَ وَالْأُخْتُ وَالْأَخُ قَرِيبٌ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنَّ حَقَّهُمَا مُؤَكَّدٌ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا أَلْبَسَتْهُ أُمُّهُ ثَوْبًا مِنْ شُبْهَةٍ وَكَانَتْ تَسْخَطُ لَوْ رَدَّهُ فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيَلْبَسْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَيَنْزِعُهُ إذَا غَابَ عَنْهَا وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ إلَّا بِحَضْرَتِهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ الامال حَرَامٌ مَحْضٌ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ ولا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 353)
________________________________________
* تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ مَالِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ مَالَ شُبْهَةٍ فَلَيْسَ بِحِرَامٍ مَحْضٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ إنْ أَبْقَاهُ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا الْبَاقِي
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ وَجَوَّزْنَا إنْفَاقَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مَاشِيًا جَازَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى مَرْكُوبٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّا جَوَّزْنَا لَهُ الْأَكْلَ لِلْحَاجَةِ وَلَا نُجَوِّزُ مَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ الْمَرْكُوبِ فِي الْبَلَدِ مِنْ هَذَا الْمَالِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَلِيَجْتَهِدْ أَنْ يَكُونَ قُوتُهُ فِي جَمِيعِ
طَرِيقِهِ مِنْ حَلَالٍ فَإِنْ عَجَزَ فَلِيَكُنْ مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلى التحلل وَلِيَجْتَهِدْ فِي الْحَلَالِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ سبحانه أعلم
* هذا آخِرُ الْفُرُوعِ الَّتِي انْتَخَبْتُهَا مِنْ إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي مُبَايَعَةِ مَنْ يُخَالِطُ مَالَهُ حَرَامٌ وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِ وَجَائِزَتِهِ فَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَكَرِهَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ قَالَ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَبِشْرُ بْنُ سَعِيدٍ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم أجمعين * قال المصنف رحمه الله
* (ويكره بيع العنب ممن يعصر الخمر والتمر ممن يعمل النبيد وبيع السلاح ممن يعصى الله تعالى به لانه لا يأمن أن يكون ذلك معونة علي المعصية فان باع منه صح البيع لانه قد لا يتخذ الخمر ولا يعصى الله تعالى بالسلاح)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أكره بيع العصير ممن يعصر الخمر والسيف بمن يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى بِهِ وَلَا أَنْقُضُ هَذَا الْبَيْعَ هَذَا نَصُّهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ عُرِفَ بِاِتِّخَاذِ الْخَمْرِ وَالتَّمْرِ لِمَنْ عرف باتخاذ النبيد وَالسِّلَاحِ لِمَنْ عُرِفَ بِالْعِصْيَانِ بِالسِّلَاحِ فَإِنْ تَحَقَّقَ اتِّخَاذُهُ لِذَلِكَ خَمْرًا وَنَبِيذًا وَأَنَّهُ يَعْصِي بِهَذَا السِّلَاحِ فَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ
(أَحَدُهُمَا)
نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ يُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَا يَحْرُمُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَبَيْعُ الْغِلْمَانِ الْمُرْدِ الْحِسَانِ لِمَنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ بِالْغِلْمَانِ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِلْخَمَّارِ قَالَ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُفْضِي إلى معصية
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 354)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ السِّلَاحِ لِمَنْ عُرِفَ عِصْيَانُهُ بِالسِّلَاحِ مَكْرُوهٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْبُغَاةُ (وَأَمَّا) بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بَاعَهُمْ إيَّاهُ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَيْنَا وَجْهًا لَهُمَا والماوردي والشاسى وَالرُّويَانِيِّ شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ
هَذَا الْوَجْهُ مُنْقَاسٌ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ
* وَاحْتَجُّوا لِلْمَذْهَبِ بِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَ السِّلَاحَ لِقِتَالِنَا فَالتَّسْلِيمُ إلَيْهِمْ مَعْصِيَةٌ فَيَصِيرُ بَائِعًا مَا يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا فَلَا يَنْعَقِدُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في صحة بيع العبد المسلم الكافر قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَمَا فِي شِرَائِهِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْجُمْهُورُ صِحَّتُهُ لِأَنَّهُمْ في أيدينا فهو كبيعه لِمُسْلِمٍ
(وَالثَّانِي)
فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَأَمَّا) بَيْعُ الْحَدِيدِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي السِّلَاحِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي آلَاتِ الْمِهْنَةِ كَالْمَسَاحِي وَغَيْرِهَا وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْمَسْأَلَةَ وَجَزَمَ بِهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع المصحف ولا العبد المسلم من الكافر لانه يعرض العبد للصغار والمصحف للابتذال فان باعه منه ففيه قولان
(أحدهما)
أن البيع باطل لانه عقد منع منه لحرمة الاسلام فلم يصح كتزويج المسلمة من الكافر
(والثانى)
يصح لانه سبب يملك به العبد الكافر فجاز أن يملك به العبد المسلم كالارث (فإذا قلنا) بهذا أمرناه بازالة ملكه لان في تركه في ملكه صغارا على الاسلام
* فان باعه أو أعتقه جاز وان كاتبه ففيه قولان
(أحدهما)
يقبل منه لان بالكتابة يصير كالخارج من ملكه في التصرفات
(والثانى)
لا يقبل لانه عقدة لا يزيل الملك فلا يقبل منه كالتزويج والاجارة
* فان ابتاع الكافر أباه المسلم ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه على القولين
(والثانى)
أنه يصح قولا واحد الانه يحصل له من الكمال بالحرية أكثر مما يلحقه من الصغار بالرق)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا وَجَارِيَةً مُسْلِمَةً فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 355)
________________________________________
* (وَمِنْهَا) لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أن يزيل ملكه عنه وورثه أقار به الكفار فدخل فِي مِلْكِهِمْ
هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ بِلَا خِلَافٍ وَيُؤْمَرُونَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذَا الْبَيْعُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا التَّحْرِيمُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ هُوَ نَصُّهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ قَوْلَ الْبُطْلَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ والبغوى وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَمَلُّكِهِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِالسَّلَمِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فِي الْجَمِيعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ الْقَوْلَانِ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُمَا إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَوْتِ مَلَكَ بِلَا خِلَافٍ كَالْإِرْثِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ مُصْحَفًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالْعَبْدِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ حَرَامٌ
* وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ عَلَى الطَّرِيقِ السَّابِقِ بِأَنَّ الْمُصْحَفَ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الِامْتِهَانَ وَالِابْتِذَالَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ
* وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ كُتُبِ حديث النبي صلى الله عليه وسلم حُكْمُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ فِي هَذَا فَيَحْرُمُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ وَفِي صِحَّتِهِ الطَّرِيقَانِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ كُتُبِ الْفِقْهِ الَّتِي فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ فِي هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ بَيْعُ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ لِلْكَافِرِ صَحِيحٌ وَفِي أَمْرِهِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عنه وجهان (والمذهب الاول) قال أصحابنا ويملك الْكَافِرُ الْمُصْحَفَ وَكُتُبَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ بِالْإِرْثِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَهُوَ وَجْهٌ بَاطِلٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا
وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ شِرَاءٍ يَسْتَعْقِبُ عِتْقًا كَقَوْلِ الْكَافِرِ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 356)
________________________________________
* بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْكَافِرُ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ (وَالْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَرَتَّبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَالَ الصُّورَةُ الْأُولَى أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ مُسْلِمِ الْقَرِيبِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا ضِمْنِيٌّ وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهَا وَإِنْ حُكِمَ بِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ وَصَحَّحْنَا الشِّرَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهَلْ يَبْطُلُ بَيْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ كَمَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبِقَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بدليلها إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ فَهَلْ يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي أَمْ يُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَقْبِضُهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيه بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَيَقْبِضُهُ الْقَاضِي عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ وَدَوَامَ الْيَدِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْ إبَاقِ الْعَبْدِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا وَجْهَ لِلِانْفِسَاخِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ مِنْ كَافِرٍ إلَى كَافِرٍ والله سبحانه أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَكَّلَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَلَا الشِّرَاءُ لَهُ بِلَا خِلَافٍ إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فَإِنْ سَمَّى الْمُوَكِّلَ فِي الشِّرَاءِ صَحَّ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ أَوَّلًا لِلْمُوَكِّلِ أَمْ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِحُّ هُنَا
(وَالثَّانِي)
لِلْوَكِيلِ فَلَا يَصِحُّ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْفَرْعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ مُرْتَدًّا وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مُسْلِمًا فَفِي صِحَّةِ شِرَائِهِ الْمُرْتَدَّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ لَهُ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْإِمَامُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ ذِمِّيًّا هَلْ يُقْتَلُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لِلْكَافِرِ عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَهُ أَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ فَبَاعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عيبا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 357)
________________________________________
* فَهَلْ لَهُ رَدُّ الثَّوْبِ بِالْعَيْبِ وَاسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ
(وَالثَّانِي)
لَيْسَ له ذلك كيلا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ (وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ الثَّوْبَ وَلَا يَرْجِعُ فِي الْعَبْدِ بَلْ يَسْتَرِدُّ قِيمَتَهُ وَيَصِيرُ كَالتَّالِفِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي رَدِّ الثَّوْبِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ رَدِّ الثَّوْبِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (أَمَّا) إذَا وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ عَيْبًا فَفِي رَدِّهِ وَاسْتِرْدَادِهِ الثَّوْبَ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
وَنَسَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّ مِلْكَ الْكَافِرِ لَهُ هُنَا يَقَعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ تَمَلُّكِهِ يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ مِنْ تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَحَّحْنَا شِرَاءَ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا فَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَبْضِ أَمْ يُنَصِّبُ مَنْ يَقْبِضُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُ يُمَكَّنُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُمَكَّنُ بَلْ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا يَقْبِضُهُ (وَالثَّالِثُ) يُنَصِّبُ الْقَاضِي من يقبضه وإذا حَصَلَ الْقَبْضُ أَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَلْزَمَهُ إزَالَةَ الْمِلْكِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي يَدِ الْكَافِرِ عَبْدٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أو غيرهما وَلَا يَكْفِي الرَّهْنُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْإِجَارَةُ وَالْحَيْلُولَةُ وَفِي الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَتَكُونُ كِتَابَةً صَحِيحَةً (وَإِنْ قُلْنَا)
لَا تَكْفِي فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ فَيُبَاعُ الْعَبْدُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا صَحِيحَةٌ ثُمَّ إنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْمُكَاتَبِ بِيعَ مُكَاتَبًا وَإِلَّا فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ وَبِيعَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ كَمَا يَبِيعُ مَالَ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُشْتَرِيًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ صَبَرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَيَتَكَسَّبُ لِمَالِكِهِ وَتُؤْخَذُ نَفَقَتُهُ مِنْهُ (وَأَمَّا) إذَا أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلَدَةُ كَافِرٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْلِهَا إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا نَحْوِهِمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ
* وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إعْتَاقِهَا فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لَا يُجْبَرُ بَلْ يُحَالُ بينهما وينفق
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 358)
________________________________________
* عَلَيْهَا وَتَتَكَسَّبُ لَهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إعْتَاقِهَا وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ احْتِمَالًا وَهُوَ ضَعِيفٌ شَاذٌّ
* وَلَوْ مَاتَ كَافِرٌ قَدْ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فِي يَدِهِ صَارَ لِوَارِثِهِ وَأُمِرَ بِمَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ مُوَرِّثُهُ فَإِنْ امْتَثَلَ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ لَا يَدْخُلُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِي مَالِ كَافِرٍ أَبَدًا إلَّا فِي سِتِّ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) بِالْإِرْثِ (وَالثَّانِيَةُ) يَسْتَرْجِعُهُ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي (الثَّالِثَةُ) يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ (الرَّابِعَةُ) إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ (الْخَامِسَةُ) إذَا قَالَ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ وَصَحَّحْنَاهُ (السَّادِسَةُ) إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ النُّجُومِ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ وَهَذِهِ السَّادِسَةُ غَلَطٌ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ فِيهِ لِيَتَجَدَّدَ بِالتَّعْجِيزِ وَتَرَكَ سَابِعَةً وَهِيَ إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَصَحَّحْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ إذَا صَحَّحْنَا هِبَةَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ فَعَلِمَ الْقَاضِي بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَنَعَهُ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ هَذَا كَلَامُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَبْضُهُ كَقَبْضِهِ مَنْ اشْتَرَاهُ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ تَقَايَلَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِهِ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ فَإِنْ أَرَادَ فَسْخَ البيع (فان قلنا) الملك في زمان الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ صَحَّ الْفَسْخُ لَكِنْ إنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ بَيْعًا مَاضِيًا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِابْتِدَاءِ تَمَلُّكٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْعٌ مِنْ الزَّوَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِزَوَالِ الملك في المبيع بنفس العقد ففي تَمْكِينِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ بِالثَّوْبِ الْمَعِيبِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا كَافِرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَأَسْلَمَ في مدة الخيار قال والذى يحتمل قولين
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْبَيْعُ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ لَهُمَا الفسخ والاجارة فَإِنْ أَجَازَا أَلْزَمَ الْمُشْتَرِي بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ عَبْدِهِ الْكَافِرِ لِكَافِرٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 359)
________________________________________
صغيرا أو كبيرا قال بغض أَصْحَابِنَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَلَّا يَبِيعَهُ الصَّغِيرَ وَقَالَ أبو حنيفة يكره بيعه الصغير وقال أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى دِينِ مالكه
* (فرع)
قال أصحانبا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِكَافِرٍ إجَارَةً عَلَى عَيْنِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِمَا وَجْهَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الْجَوَازُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا إلَّا الْجُرْجَانِيَّ فَصَحَّحَ الْبَيْعَ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ لَكِنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ
* فَإِذَا صَحَّحْنَاهَا فَهَلْ يُؤْمَرُ بازالة ملكه عن المنافع بأن يؤجره مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يُؤْمَرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ إيدَاعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ كَافِرٍ وَأَمَّا إعَارَتُهُ إيَّاهُ فَقَدْ جَزَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ
* وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ
الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا ضَعِيفٌ
* (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَيْنِهِ الْجَوَازُ فَالْإِعَارَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنَافِعَ بَلْ يَسْتَنْتِجُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَهَنَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الْمُصْحَفَ عِنْدَ كَافِرٍ فَفِي صِحَّتِهِ طَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ كَبَيْعِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ رَهْنِهِ فَعَلَى هَذَا يُوضَعُ فِي يَدِ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهَدِيَّةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ بَيْعِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ قَالَ لَوْ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَأَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُسْلِمِ وَعَتَقَ عَلَى الْكَافِرِ سَوَاءٌ قُلْنَا تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ أَمْ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا بِاخْتِيَارِهِ فَهُوَ كَالْإِرْثِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ مَذْهَبِنَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 360)
________________________________________
بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
* وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِرْثِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ مِلْكُهُ عَلَى مُسْلِمٍ وَسَبَبُ ذَلِكَ ما فيه من اثبات السلطنة والسبيل لكافر عَلَى مُسْلِمٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَنْ يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وَيُخَالِفُ الْإِرْثَ فَإِنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز بيع الجارية الا حملها لانه يتبعها في البيع والعتق فلا يجوز بيعها دونه كاليد والرجل ولا يجوز أن يفرق بين الجارية وولدها في البيع قبل سبع سنين لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا توله والدة بولدها) وقال عليه السلام (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بينه وبين أحبته يوم القيامة (وإن فرق بينهما بالبيع بطل البيع لانه تفريق محرم في البيع فأفسد البيع كالتفريق بين الجارية وحملها
* وهل يجوز بعد سبع سنين إلى البلوغ فيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز لعموم الاخبار ولانه غير بالغ فلا يجوز التفريق بينه وبين أمه في البيع كما لو كان دون سبع سنين
(والثانى)
يجوز لانه مستغن عن حضانتها فجاز التفريق بينهما كالبالغ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ سَنُوضِحُهُمَا مَعَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هذا فِي فَرْعٍ بَعْدَ بَيَانِ الْأَحْكَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ وَالْبَقَرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحَيَوَانِ دُونَ حَمْلِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً بِفُرُوعِهَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِشَرْطِ أَنَّهُ حَامِلٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي الْعِتْقِ بِلَا خِلَافٍ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ وَطَرْدَاهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْحَمْلِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا (وَالْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ وَالْجَوَازُ فِي صُورَتَيْ الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ
* وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَجْهَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو إسحق الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَلَدَهَا الصَّغِيرَ ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي الرَّهْنِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ مُحَرَّمٌ فَهُوَ مَعْجُوزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ المصنف وجماهير
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 361)
________________________________________
العراقيين (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْإِمَامُ أبو الفرج الرار - براءين معجمتين - الخلاف انما هو في التفريق بعد أن يسقيه اللباء أما قبله فلا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ هَذَا حُكْمُ التَّفْرِيقِ فِي الصِّغَرِ وَهُوَ مَا قَبْلَ سِنِّ التَّمْيِيزِ وَهُوَ نَحْوُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ تَقْرِيبًا
* وَفِيمَا بَعْدَ التَّمْيِيزِ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ وَفِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ
(وَالثَّانِي)
يَحْرُمُ حَتَّى يَبْلُغَ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّتِهِ الطَّرِيقَانِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَحْرُمُ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ رَقِيقَةً وَالْوَلَدُ حُرًّا أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَحْرُمْ بَيْعُ الرَّقِيقِ مِنْهُمَا بِلَا
خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يُقَرُّ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بَلْ يُقَالُ لهما تَرَاضَيْتُمَا بِبَيْعِ مِلْكِ أَحَدِكُمَا لِلْآخَرِ فَذَاكَ وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ يُقَالُ لِلْبَائِعِ تَتَطَوَّعُ بِتَسْلِيمِ الْآخَرِ أَوْ تَفْسَخُ الْبَيْعَ فَإِنْ تَطَوَّعَ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَبُولِ فُسِخَ الْبَيْعُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِالتَّفْرِيقِ لَمْ يَزُلْ التَّحْرِيمُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَلَدِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَزُولُ
* (فَرْعٌ)
اتفقق أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأُمِّ كَالْأُمِّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِ بِنْتِهَا فَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَجَدَّةٌ فَإِنْ بِيعَ مَعَ الْأُمِّ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ بِيعَ مَعَ الْجَدَّةِ وَقُطِعَ عَنْ الْأُمِّ فَفِي تَحْرِيمِهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَأُمٌّ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ وَلَا يَحْرُمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ لِأَنَّ حَقَّ الْأُمِّ آكَدُ وَلِهَذَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَضَانَةِ
* وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَلَا أُمَّ لَهُ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وقيل من الوجهين (والثاني) لا يحرم لماذ كرناه مِنْ ضَعْفِ مَرْتَبَتِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْأُمِّ وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَمَنْ جِهَةِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَلَا أُمٌّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَحْرُمُ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْدَادِ دُونَ الْجَدَّاتِ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلتَّرْبِيَةِ وَأَشَدُّ حُزْنًا لِفِرَاقِهِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ كالاخ والعم وبنيهما وَالْخَالِ وَغَيْرِهِمْ (فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يُكْرَهُ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 362)
________________________________________
وَلَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِمْ وَجْهَانِ كَالْأَبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ اللَّبَنِ إنْ كَانَ لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ كَالذَّبْحِ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ البيان والرافعي فيه وجها شاذا أنه حرام وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُك فأخبرته فقال رُدَّهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ مِنْهُ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِأَنَّهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ مَيْمُونَ بْنَ أَبِي شَبِيبٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ
* وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوالد وولده وبين الاخ وأخيه) وراه ابن ماجه والدارقطني بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
* وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَّ الْبَيْعَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا
* وَعَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ
* وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا أتى بالشئ أَعْطَى أَهْلَ الْبَيْتِ جَمِيعًا وَكَرِهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ جَابِرٌ هذا وهو ضعيف مَشْهُورٌ بِالضَّعْفِ
* وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهُ فَإِنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَسَّانٍ وَهُوَ كَذَّابٌ وَقَدْ انْفَرَدَ بِهِ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ (غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ فَوَرَدَ الْمَاءَ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ وَأَنْظُرُ إلَى عُنُقٍ مِنْ النَّاسِ فيهم الدراري فَخَشِيت أَنْ يَسْبِقُونِي إلَى الْخَيْلِ فَرَمَيْت
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 363)
________________________________________
بِسَهْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخَيْلِ فَلَمَّا رَأَوْا السَّهْمَ وَقَفُوا فَجِئْت بِسَهْمٍ أَسُوقُهُمْ وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مَعَهَا بِنْتٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْت بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ فَنَفَّلَنِي ابْنَتَهَا فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْت لَهَا ثَوْبًا فَلَقِيَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ فَقَالَ يَا سَلَمَةُ هَبْ لى المرأة فقلت يا رسول الله أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْت لَهَا ثَوْبًا ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا سَلَمَةَ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ فَقُلْت هِيَ
لك يارسول الله فبعث بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أهل مكة ففدا بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (باب ما يفسد البيع من الشروط وَمَا لَا يُفْسِدُهُ) * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (إذا شرط في البيع شرطا نظرت فان كان شرطا يقتضيه البيع كالتسليم والرد بالعيب وما أشبههما لم يبطل العقد لان شرط ذلك بيان لما يقتضيه العقد فلم يبطله فان شرط ما لا يقتضيه العقد ولكن فيه مصحلة كالخيار والاجل والرهن والضمين لم يبطل العقد لان الشرع ورد بذلك على ما نبينه في مواضعه إن شاء الله وبه الثقة ولان الحاجة تدعو إليه فلم يفسد العقد
* فان شرط عتق العبد المبيع لم يفسد العقد لان عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة لتعتقها فأراد أهلها ان يشترطوا ولاءها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشتريها واعتقيها فانما الولاء لمن أعتق) وان اشتراه بشرط العتق فامتنع من اعتاقه ففيه وجهان
(أحدهما)
يجبر عليه لانه عتق مستحق عليه فإذا امتنع أجبر عليه كما لو نذر عتق عبد ثم امتنع من إعتاقه
(والثانى)
لا يجبر بل يثبت للبائع الخيار في فسخ البيع لانه ملكه بالعوض وانما شرط للبائع حقا فإذا لم يف ثبت للبائع الخيار كما لو اشترى شيئا بشرط أن يرهن بالثمن رهنا فامتنع من الرهن فان رضى البائع باسقاط حقه من العتق ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يسقط لانه عتق مستحق فلا يسقط باسقاط الآدمى كالمنذور
(والثانى)
أنه يسقط لانه حق شرطه البائع لنفسه فسقط باسقاطه كالرهن والضمين وان تلف العبد قبل العتق ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه ليس للبائع الا الثمن لانه لم يفقد أكثر من العتق
(والثانى)
ياخذ الثمن وما نقص من الثمن بشرط العتق فيقوم من غير شرط العتق ثم يقوم مع شرط العتق ويجب ما بينهما من الثمن (والثالث) أنه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 364)
________________________________________
يفسخ العقد لان البائع لم يرض بهذا الثمن وحده والمشترى لم يلتزم أكثر من هذا الثمن فوجب أن يفسخ العقد)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبَرِيرَةُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ بَرِيرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَتْ حَدِيثًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ) عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ نَذَرَ عِتْقًا عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ ثُمَّ اخْتَارَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِالْإِطْعَامِ وَمِمَّنْ وَعَدَ الْعَبْدَ أَنَّهُ يعتقه (أما) الاحكام فقال أصحابنا الشروط خَمْسَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِأَنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ الرُّجُوعِ بالعهدة أو انتفاع المشترى به كَيْفَ شَاءَ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَكُونُ شَرْطُهُ تَوْكِيدًا وَبَيَانًا لِمُقْتَضَاهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَشْتَرِطَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْعَقْدِ لَكِنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْعَاقِدِ كَخِيَارِ الثَّلَاثِ وَالْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا وَكَشَرْطِ كَوْنِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ خَيَّاطًا أَوْ كَاتِبًا وَنَحْوَهُ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَشْتَرِطَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ يُوَرِّثُ تَنَازُعًا كَشَرْطِ أَلَا يَأْكُلَ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَوْ لَا يَلْبَسَ إلَّا الْخَزَّ أَوْ الْكَتَّانَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْإِشْهَادَ بِالثَّمَنِ وَعَيَّنَ شُهُودًا وَقُلْنَا لَا يَتَعَيَّنُونَ فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بَلْ يَلْغُو وَيَصِحُّ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَرَطَ الْتِزَامَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ بِأَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ أَوْ يَصُومَ غَيْرَ رَمَضَانَ أَوْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى هَذَا فَسَادُ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الرَّابِعُ) أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَازِمٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ (وَالثَّالِثُ) يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ جَمِيعًا كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُمَا وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَحَّحْنَاهُ فَصُورَتُهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ اشْتِرَاطَ عِتْقِهِ (أَمَّا) إذَا بَاعَهُ بشرط ان يعتقه المشترى عن الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَطَ الْعِتْقَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ أَطْلَقَ فَفِي الْعِتْقِ الْمَشْرُوطِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ الْمُلْتَزَمِ بِالنَّذْرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَلِيلِهِمَا (فَإِنْ قُلْنَا) إنه حق للبائع فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 365)
________________________________________
بِهِ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ قُلْنَا) حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِعْتَاقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبَرْ بَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ (وَإِذَا قُلْنَا) بِالْإِجْبَارِ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ وَمِنْ الْفَيْئَةِ فَفِي قَوْلٍ يُعْتِقُهُ الْقَاضِي وَفِي قَوْلٍ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُعْتِقَهُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
يَتَعَيَّنُ الْحَبْسُ (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزَمَ بِأَنْ يُعْتِقَهُ الْقَاضِي كَمَا إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بَيْعُ مَالِهِ فِي دَيْنٍ فَامْتَنَعَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ (أَمَّا) إذَا أَسْقَطَ الْبَائِعُ حَقَّ الْإِعْتَاقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ صَحَّ إسْقَاطُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ إنْ شَرَطَ الرَّهْنَ وَالْكَفِيلَ لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْإِسْقَاطِ كَالْأَجَلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْوَلَاءُ لَهُ قَطْعًا سَوَاءٌ قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَجَّانًا فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَمْ يُجْزِئْهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ وَأَذِنَ فَوَجْهَانِ (أصحهما) يجزئه عَنْ الْكَفَّارَةِ وَعَنْ أَدَاءِ حَقِّ الْعِتْقِ
(وَالثَّانِي)
لا يجزئه وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ اللَّذَيْنِ اشْتَرَاهُمَا بِشَرْطِ العتق قبل حصول العتق ويجوز الوطئ وَتَكُونُ أَكْسَابُهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُمَا عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَوْ قُتِلَا كَانَتْ الْقِيمَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُكَلَّفُ صَرْفُهَا إلَى عِتْقِ غَيْرِهِمَا
* وَلَوْ أَجَرَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَهُ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الثَّانِي فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ
* وَلَوْ أُولَدَ الْجَارِيَةَ لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْإِعْتَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ هَذَا الْعَبْدُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) لَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا الثَّمَنُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ غَيْرَهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ مَعَ الْمُسَمَّى قَدْرُ التَّفَاوُتِ بِمِثْلِ نِسْبَتِهِ مِنْ الْمِثْلِ بِأَنْ يُقَالَ قِيمَتُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعِتْقِ مِائَةٌ وَبِشَرْطِهِ تِسْعُونَ فَيَجِبُ قَدْرُ عُشْرِ الْمُسَمَّى مُضَافًا إلَى الْمُسَمَّى (وَالثَّالِثُ) يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ لِفَوَاتِهِ فِي يَدِهِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 366)
________________________________________
وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ (وَالرَّابِعُ) لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أجاز العقد ولا شئ لَهُ غَيْرَ الْمُسَمَّى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَرَدَ الثَّمَنَ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ
* ثُمَّ هَذِهِ الْأَوْجُهُ هَلْ هِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لِلْبَائِعِ أَمْ مُطَّرِدَةٌ سَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ احْتِمَالَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِطْلَاقِهِمْ (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ أَوْ اشْتَرَى دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَقِفَهَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَرْطِ الْإِعْتَاقِ
* (فَرْعٌ)
جَمِيعُ مَا سَبَقَ هُوَ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْعِتْقَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْوَلَاءِ أَوْ شَرَطَا كَوْنَهُ لِلْمُشْتَرِي (فَأَمَّا) إذَا شَرَطَاهُ لِلْبَائِعِ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَحَكَى جَمَاعَةٌ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْغُو شَرْطُ الْوَلَاءِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَجْهًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا بَاطِلًا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ أَيْضًا شَرْطُ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يُعْرَفُ هَذَا الْوَجْهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ دُونَ اشْتِرَاطِ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِي إنْ أَعْتَقْته فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا عَنْ الْقَاضِي وَسَكَتَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ شَرْطُ الْإِعْتَاقِ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى فَإِنَّ مَقْصُودَ الشَّرْطِ تَحْصِيلُ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَهَلْ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ (الْأَصَحُّ) لَا يَتْبَعُهَا قَالَ الدَّارِمِيُّ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا
والاصح ان له حكم فلا يتبعها
* (فرع)
لو باع بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا صحة البيع وَالشَّرْطِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ الْبَيْعُ فَاسِدٌ لَكِنْ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ الثمن عند
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 367)
________________________________________
أبى حنيفة والقيمة عِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي مِلْكًا ضَعِيفًا كَمَا قَالُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَبِحَدِيثِ (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل) وسنوضحهما قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَهَا فِي شِرَائِهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ (فَإِنْ قيل) انما كان بشرط الولاء (قلت) الولاء يَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطَ الْعِتْقِ (فَإِنْ قِيلَ) فَبَرِيرَةُ كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَالْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ (قُلْنَا) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَفَسَخَ أَهْلُهَا الْكِتَابَةَ وَلِأَنَّ لِلْعِتْقِ قُوَّةَ سِرَايَةٍ فَاحْتَمَلَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ احْتَجُّوا بِهِمَا فَعَامَّانِ مَخْصُوصَانِ بِمَا ذكرناه
*
* قال الصمنف رحمه الله
* (فان شرط ما سوى ذلك مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ بِأَنْ عبدا بشرط أن لا يبيعه أو لا يعتقه أو باع دارا بشرط أن يسكنها مدة أو ثوبا بشرط أن يخيطه له أو فلعة بشرط أن يحذوها له بطل البيع لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أنه نهى عن بيع وشرط) وروى (أن عبد الله ابن مسعود اشترى جارية من امرأته زينب الثقفية وشرطت عليه أنك ان بعتها فهى لى بالثمن فاستفتى عبد الله عمر رضى الله عنهما فقال لا تقربها وفيها شرط لاحد) وروى أن عبد الله اشترى جارية واشترط خدمتها فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تقربها وفيها مثنوية ولانه شرط لم يبن على التغليب ولا هو من مقتضى العقد ولا من مصلحته فأفسد العقد كما لو شرط أن لا يسلم إليه المبيع
فان قبض المبيع لم يملكه لانه قبض في عقد فاسد فلا يوجب الملك كالوطئ في النكاح الفاسد فان كان باقيا وجب رده وان هلك ضمنه بقيمته أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ ومن أصحابنا من قال يضمن قيمته يوم التلف لانه مأذون في امساكه فضمن قيمته يوم التلف كالعارية وليس بشئ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ فِي عَيْنٍ يَجِبُ رَدُّهَا فإذا هلكت ضمنها بأكثر مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كقبض الغاصب ويخالف العارية فان العارية مأذون في اتلاف منافعها ولان في العارية لو رد العين ناقصة بالاستعمال لم يضمن ولو رد المبيع ناقصا ضمن النقصان وان حدثت في عينها زيادة بأن سمنت ثم هزلت ضمن ما نقص لان ما ضمن عينه ضمن نقصانه كالمغصوب ومن أصحابنا من قال لا يضمن لان البائع دخل في العقد ليأخذ بدل العين دون الزيادة والمنصوص هو الاول وما قاله هذا القائل يبطل بالمنافع فانه لم يدخل في العقد ليأخذ بدلها ثم تستحق
* فان كان لمثله أجرة لزمه الاجرة للمدة التى اقام في يده لانه
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 368)
________________________________________
مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ فضمن اجرته كالمغصوب
* فان كانت جارية فوطئها لم يلزمه الحد لانه وطئ بشبهة لانه اعتقد أنها ملكه ويجب عليه المهر لانه وطئ بشبهة فوجب به المهر كالوطئ في النكاح الفاسد وان كانت بكرا وجب عليه ارش البكارة لان البكارة جزء من اجزائها واجزاؤها مضمونة عليه فكذلك البكارة وان أتت منه بولد فهو حر لانه اعتقد انها جاريته ويلزمه قيمة الولد لانه اتلف عليه رقه باعتقاده ويقوم بعد الانفصال لانه لا يمكن تقويمه قبل الانفصال ولانه يضمن قيمة الولد للحيلولة وذلك لا يحصل إلا بعد الانفصال فان القت الولد ميتا لم يضمنه لانه لا قيمة له قبل الانفصال ولا توجد الحيلولة إلا بعد الانفصال فان ماتت الجارية من الولادة لزمه قيمتها لانها هلكت بسبب من جهته ولا تصير الجارية ام ولد في الحال لانها علقت منه في غير ملكه وهل تصير ام ولد إذا ملكها فيه قولان)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ فَغَرِيبٌ وَأَمَّا الْأَثَرَانِ عَنْ عمر رضى الله عنه صحيحان رَوَى الْأَوَّلَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا الْبَيْهَقِيُّ
* وَعَبْدُ اللَّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي أَفْتَاهُ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ مُصَحَّفًا بِابْنِ عُمَرَ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ
* وَالْفِلْعَةُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ - جَمْعُهَا فِلَعٌ وَهِيَ جِلْدَةُ النَّعْلِ وَمَعْنَى يَحْذُوهَا
يَجْعَلُهَا حِذَاءً (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يبن على التغليب اجتراز مِنْ الْعِتْقِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ احتراز من شرط سَقْيِ الثَّمَرَةِ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا مِنْ مَصْلَحَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَنَحْوِهِمَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ فِي عَيْنٍ يَجِبُ رَدُّهَا احْتِرَازٌ بِالْمَضْمُونِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَبِقَوْلِهِ فِي عَيْنٍ عَنْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الِاسْتِيفَاءِ لَا أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ وَبِقَوْلِهِ يَجِبُ رَدُّهَا عَنْ الْمَقْبُوضَةِ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ) سَمِنَتْ ثُمَّ هُزِلَتْ هُوَ - بِضَمِّ الْهَاءِ - (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ العارية (اما) الاحكام فقد ذكرنا الشروط فِي الْبَيْعِ خَمْسَةُ أَضْرُبٍ وَمَرَّتْ أَرْبَعَةٌ وَهَذَا الْخَامِسُ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا سِوَى الْأَرْبَعَةِ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ بِأَنْ باعه شيئا بشرط أن لا يبيعه ولا ينتفع به اولا يعتقه اولا يقبضه اولا لَا يُؤْجِرَهُ أَوْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يُسَافِرَ بِهِ أَوْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ غَيْرَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَوْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُؤْجِرَهُ أَوْ خَسَارَةً عَلَيْهِ ان باعه بأقل أو انه إذَا بَاعَهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا لَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَشْبَاهِهَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 369)
________________________________________
لِمُنَافَاةِ مُقْتَضَاهُ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بِأَنْ يَشْرِطَ شَرْطًا وَاحِدًا أَوْ شَرْطَيْنِ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلًا غَرِيبًا حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِحَالٍ بَلْ يَلْغُو الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِقِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَحِينَئِذٍ الْبَيْعُ عَكْسُ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَفِيهِ قَوْلٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهَا فَإِذَا جَمَعَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ حَصَلَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَفْسُدَانِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ دُونَ النِّكَاحِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِهِ
* هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا وَكَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفْرَدُ كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فَهَلْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِفَسَادِهِمَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا كَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ لَا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ سُكْنَاهَا أَوْ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهَا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ
الْمُدَّةَ الْمُسْتَثْنَاةَ وَيَعْلَمَا قَدْرَهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَيَّنَّاهَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ فساد البيع
(والثانى)
فيه وجهان حكاهما الخراسانيون (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقِصَّةِ جَمَلِهِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الْوَجْهَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ فَهُوَ شَرْطٌ مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ وَإِنْ كَانَ حَالًّا بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْبَدَاءَةَ فِي التَّسْلِيمِ بِمَنْ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْبَائِعِ لَمْ يَفْسُدْ والا فيفسد للمنافاة
*
(فصل)
مَتَى اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا لِشَرْطٍ مُفْسِدٍ أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهُ فَإِنْ قَبَضَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ عَلِمَ فَسَادَ الْبَيْعِ أَمْ لَا وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا إعْتَاقٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ كَالْمَغْصُوبِ وَكَالْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهُ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَلِأَنَّهُ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ (١) وَفِيهِ قَوْلٌ غَرِيبٌ وَوَجْهٌ لِلْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ لِلْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَمْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ به فضمن أجرته كالمغصوب
________________________________________
(١) كذا بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 370)
________________________________________
وَإِنْ كَانَ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْقِيمَةِ الْمُعْتَبَرَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَجِبُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كَالْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِرَدِّهِ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ كَالْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إمْسَاكِهِ (وَالثَّالِثُ) يَوْمَ الْقَبْضِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَهُوَ غَرِيبٌ (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَنَقَلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَوْجُهَ أَقْوَالًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ يَضْمَنُ الْمَغْصُوبَ بِقِيمَتِهِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ يَوْمَ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ حَمَلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا
نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَأَوْجَبُوا قِيمَتَهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ كَالْمَغْصُوبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ وَحَمَلُوا نَصَّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ دُونَ كَيْفِيَّتِهِ وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَارِيَّةِ بِفَرْقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَأْذُونٌ فِي إتْلَافِ مَنَافِعِهَا مَجَّانًا بِخِلَافِ هَذَا
(والثانى)
أنه لورد العارية ناقصة بالاستعمال لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا إذَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ وَغَيْرِهَا أَمْ مُتَّصِلَةً بِأَنْ سَمِنَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ هُزِلَتْ أَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً ثم نسيها وسواء تلفت العين أوردها فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ الْفَائِتَةِ عِنْدَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا إذَا رَدَّ الْعَيْنَ وَقَدْ ذَهَبَتْ الزِّيَادَةُ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ فَلَوْ زَادَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ نَقَصَتْ ثُمَّ زَادَتْ فَرَدَّهَا كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى ضَمِنَهَا قَطْعًا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا وَعَلَى قَدْرِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا أَيْضًا (وَالثَّانِي) لَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغَصْبِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَنْفَقَ عَلَى العبد أو البهيمة المقبوضين بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَرْجِعُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ جَاهِلَيْنِ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ للبائع لانه وطئ شبهة فلو تكرر الوطئ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ لَمْ يَجِبْ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ لَزِمَهُمَا الْحَدُّ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَلَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ فَلَا حَدَّ لِاخْتِلَافِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 371)
________________________________________
* الْعُلَمَاءِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْحَالِ إنه يملكها ملكا حقيقيا فصار كالوطئ فِي النِّكَاحِ بِالْأَوْلَى وَنَحْوُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّ أَبَا حنيفة لا يبيح الوطئ فان كان يثبت الملك بخلاف الوطئ في النكاح بالاولى فحيث قلنا لاحد وَيَجِبُ الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ مَهْرُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَجَبَ مَهْرُ بِكْرٍ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ أَيْضًا (أَمَّا)
أَرْشُ الْبَكَارَةِ فَلِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَأَمَّا) مَهْرُ الْبِكْرِ فَلِأَنَّهُ وَطِئَ بِكْرًا بِشُبْهَةٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِوُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
* قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا يُؤَدِّي إلَى ضَمَانِ الْبَكَارَةِ مَرَّتَيْنِ (قُلْتُ) الا أنه أتلف جزء مِنْ بَدَنِهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ فَلَزِمَهُ أَرْشُهُ وَوَطِئَهَا بِكْرًا فَحَصَلَ لَهُ كَمَالُ اللَّذَّةِ فَلَزِمَهُ مَهْرُ بِكْرٍ وَلَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ الْجُزْءِ وَهُوَ سَابِقٌ لِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا فَصَلْتُمْ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ عَنْ الوطئ فَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ لِأَنَّ تَغْيِيبَ كَمَالِ الْحَشَفَةِ صَادَفَهَا ثَيِّبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ لَذَّةُ جِمَاعِ بِكْرٍ وَيُسَمَّى وَاطِئَ بِكْرٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْأُصْبُعِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَوَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إتْلَافُ بَكَارَتِهَا بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الوطئ فَهِيَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَنْ قَالَتْ لِإِنْسَانٍ أَذْهِبْ بَكَارَتِي بِأُصْبُعِك وَكَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْطَعْ يَدِي أَوْ أَتْلِفْ سَوْأَتِي فَلَا ضَمَانَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ أَحَبْلَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ لِلشُّبْهَةِ وَهَلْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (الصَّحِيحُ) لَا وَلَاءَ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ فَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ حَيًّا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا بِظَنِّهِ فَأَتْلَفَ رِقَّهُ عَلَى مَالِكِ الْأَمَةِ وَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَاطِئِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا فَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ الْقَوْلَانِ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 372)
________________________________________
* الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ أَوَلَدَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِيرُ
* فَإِنْ نَقَصَتْ بِالْحَمْلِ أَوْ
الْوِلَادَةِ لَزِمَهُ أَرْشُهُ
* وَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ مَيِّتًا فَلَا قِيمَةَ لَكِنْ إنْ سَقَطَ بِجِنَايَةٍ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَيَجِبُ حِينَئِذٍ لِلْبَائِعِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَالْغُرَّةِ يُطَالِبُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي لِأَنَّ ضَمَانَ الْجَانِي لَهُ قَامَ مَقَامَ خُرُوجِهِ حَيًّا فَإِنْ كَانَتْ الْغُرَّةُ أَقَلَّ أخذها البائع ولا شئ لَهُ غَيْرَهَا وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَخَذَ قَدْرَ الْقِيمَةِ وَكَانَتْ الْبَقِيَّةُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ
* وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ إلَى الْبَائِعِ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ وَمَاتَتْ فِي الطَّلْقِ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ هَلْ تَحْمِلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ (أَصَحُّهُمَا) تَحْمِلُهَا
* وَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ بِشُبْهَةٍ فَمَاتَتْ فِي الطَّلْقِ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا فِي مَالِهِ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْأَصَحِّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ
* وَلَوْ وَطِئَ حُرَّةً بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فَفِي وُجُوبِ دِيَتِهَا وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
تجب كالامة (وأصحهما) لا تجب لان الوطئ سَبَبٌ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ فِي الْأَمَةِ لان الوطئ اسْتِيلَاءٌ عَلَيْهَا وَالْعَلُوقِ مِنْ آثَارِهِ فَأَدَمْنَا الِاسْتِيلَاءَ كَالْمُحْرِمِ إذَا نَفَّرَ صَيْدًا وَبَقِيَ نِفَارُهُ إلَى الْهَلَاكِ بِالْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ (وَأَمَّا) الْحُرَّةُ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْتِيلَاءِ
* وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ غَيْرُ مُضَافَةٍ شَرْعًا لِعَدَمِ النَّسَبِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ لِأَنَّهُ مُوَلَّدٌ مِنْ فِعْلِهِ
* وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي الطَّلْقِ مِنْ حَمْلِهَا مِنْهُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُسْتَحِقٍّ
* وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا ضَمَانَ الْحُرَّةِ فَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاطِئِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا ضَمَانَ قِيمَةِ الْأَمَةِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَفِي مَالِهِ فِي الْآخَرِ وَمَتَى تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَوْمُ الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ كَمَا لَوْ جَرَحَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَبَقِيَ مُتَأَلِّمًا إلَى أَنْ مَاتَ مِنْهُ وَقِيمَتُهُ عَشْرَةٌ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ (وَالثَّانِي) يَوْمُ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّلَفِ (وَالثَّالِثُ يَجِبُ أَكْثَرُهُمَا كَالْغَصْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا فَبَاعَهُ لِآخَرَ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ يَبِيعُ الْمَغْصُوبَ فَإِذَا حَصَلَ فِي يَدِ الثَّانِي وَعَلِمَ الْحَالَ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الثَّانِي نُظِرَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِمَا سَوَاءً أَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الثَّانِي أَكْثَرَ رَجَعَ الْمَالِكُ بِالْجَمِيعِ عَلَى مَنْ
شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَضَمَانُ النقص
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 373)
________________________________________
* عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَالثَّانِي يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي وَكُلُّ نَقْصٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْأَوَّلِ يُطَالِبُ بِهِ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي وَكُلُّ نَقْصٍ حَدَثَ فِي يَدِ الثَّانِي يُطَالِبُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي وَكَذَا حُكْمُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ
* وَلَوْ رَدَّ الثَّانِي الْعَيْنَ إلَى الْأَوَّلِ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الْأَوَّلِ (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ دَارِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عَبْدَهُ فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ الثَّانِي الْمَشْرُوطَ فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ بُطْلَانَ الشَّرْطِ صَحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُمَا بَانِيَانِ بِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَحَكَاهُ عَنْ وَالِدِهِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا أَثَرَ لَهَا عِنْدَنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ ألا يعتقدا لُزُومَ الْوَفَاءِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَنَظِيرُهَا مِنْ مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَعْلَمَا فَسَادَ الشَّرْطِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى زَرْعًا وَشَرَطَ عَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَحْصُدَهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَقِيلَ شَرْطُ الْحَصَادِ بَاطِلٌ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَسَوَاءٌ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي الطَّرِيقَانِ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرْتُك عَلَى حَصَادِهِ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ بِعْتُكَ وَأَجَرْتُك فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ (وَأَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا الزَّرْعَ بِعَشَرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُك عَلَى حَصْدِهِ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ بِعْت وَأَجَرْت قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ صَحَّ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ فِيهِ وَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْعَمَلِ فِيمَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ فِيهِ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْ الْإِجَارَةِ وُجِدَ قَبْلَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لتخيط
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 374)
________________________________________
* لِي هَذَا الثَّوْبَ وَالثَّوْبُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي الْحَالِ فَلَوْ أَفْرَدَ الشِّرَاءَ بِعِوَضٍ وَالِاسْتِئْجَارَ بِعِوَضٍ بِعَقْدٍ فَقَالَ
اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ خِيَاطَتَهُ وَصِبْغَهُ أَوْ لَبِنًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ جَعْلَهُ آجُرًّا أَوْ نَعْلًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْعِلَ بِهِ دَابَّتَهُ أَوْ جِلْدَةً وَشَرَطَ عَلَيْهِ خَرْزَهَا خُفًّا أَوْ عَبْدًا رَضِيعًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ إتْمَامَ رَضَاعَتِهِ أَوْ مَتَاعًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى بَيْتِهِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْبَيْتَ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَظَائِرِهَا فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا الْبَيْتَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ بَطَلَ الْعَقْدُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ مَجْمُوعَةُ الْبَغَوِيِّ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ
* وَلَوْ اشْتَرَى حَطَبًا عَلَى ظَهْرِ بَهِيمَةٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَهُ إلَى بيته بطل على المذهب كما ذكرناه فَلَوْ شَرَطَ وَضْعَهُ مَوْضِعَهُ صَحَّ قَطْعًا فَلَوْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ مَوْضِعَهُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حتى يصرح باشتراط تسليعه فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي حَمْلَهُ إلَى دَارِهِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ وَهَذَا الْخِلَافُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي الصَّدَاقِ وَنَظَائِرِهَا
* (فَرْعٌ)
الشَّرْطُ الْمُقَارَنُ لِلْعَقْدِ يَلْحَقُهُ فَإِنْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا أَفْسَدَ الْعَقْدَ (وَأَمَّا) الشَّرْطُ السَّابِقُ فَلَا يَلْحَقُ الْعَقْدَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ إنْ كَانَ شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْعَقْدِ لَغْوٌ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) الشَّرْطُ الَّذِي يُشْتَرَطُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَهُوَ لَغْوٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يَلْحَقُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
يَلْحَقُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَالْقَفَّالُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَلْحَقُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَا فِي مَحَلِّ صِحَّةِ الْإِلْحَاقِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الشيخ ابو على السنجى والبغوى وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَأَمَّا (إنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ وَأُمْضِيَ العقد فلا يلحق كما يَلْحَقُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّ جواز
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 375)
________________________________________
* الْإِلْحَاقِ مُطَّرِدٌ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ
* وَلَوْ أَلْحَقَا بِالْعَقْدِ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنَ أَوْ ازْدَادَا بِبَابٍ (١) الْخِيَارِ أَوْ الْأَجَلِ أَوْ قَدْرِهِمَا أَوْ فَعَلَا ذَلِكَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ فِي رَأْسِ مال السلم
أو في الصداق أو الاجارة أو غيرهما من العقود فحكمه حكم الحاق الصحيح الفاسد كَمَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ فَهُوَ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ (فَإِذَا قُلْنَا) يَلْحَقُ فَالزِّيَادَةُ تَلْحَقُ الشَّفِيعَ كَمَا تلزم المشتري ولو حط من الثمن شئ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ فلغو فلا يسقط شئ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ فِي الْعَقْدِ وَيَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِفَائِدَةِ الْحَطِّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ فَفِيهِ الْخِلَافُ فَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْعَقْدِ انْحَطَّ عَنْ الشَّفِيعِ وَلَوْ حُطَّ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ وَسَبَقَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَحَيْثُ فَسَدَ الْعَقْدُ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ أَسْقَطَا الشَّرْطَ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ صَحِيحًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِسْقَاطُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِسْقَاطِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ عَلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) فَسَادُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَلْزَمُ غيره شئ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ أَلْفٌ وَعَلَى الْآمِرِ خَمْسُمِائَةٍ بِالْتِزَامِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ كَذَا عِنْدَ إشْرَافِ السَّفِينَةِ عَلَى الْغَرَقِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ وَكَمَا لَوْ خَالَعَ الْأَجْنَبِيَّ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْ عَبْدَك لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِي فَبَاعَهُ كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْإِشْهَادِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرَى بِالثَّمَنِ أَوْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِهِ أَوْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أو مؤجلا ويجوز ايضا ان يشرط الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ كَفِيلًا بِالْعُهْدَةِ وَيَشْتَرِطَ تَعْيِينَ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الرَّهْنِ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الْوَصْفُ بِصِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الْكَفِيلِ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الْمَعْرِفَةُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ كَقَوْلِهِ رَجُلٌ مُوسِرٌ ثِقَةٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَصْفِ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَمْ يَكُنْ مُبْعَدًا وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْكَفِيلِ فَإِذَا أَطْلَقَ أَقَامَ مَنْ شَاءَ كَفِيلًا وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ عَلَى أصح الوجهين وادعى إمام
________________________________________
(١) كذا بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 376)
________________________________________
* الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ شُهُودًا هَلْ يَتَعَيَّنُونَ
* وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عِنْدَ عَدْلٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عَدْلٍ وَإِلَّا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ عَدْلٍ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ لِيَقْطَعَ النِّزَاعَ فَلَوْ لَمْ يَرْهَنْ الْمُشْتَرِي مَا شَرَطَهُ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ أَوْ لَمْ يُقِمْ كَفِيلًا أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الَّذِي عَيَّنَهُ لَمْ يجبر على شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَلَا يَقُومُ رَهْنٌ آخَرُ وَلَا كَفِيلٌ آخَرُ مَقَامَ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدَيْنِ فَامْتَنَعَا مِنْ التَّحَمُّلِ فَإِنْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُمَا فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ أولا يبيعه لغيره أولا يطأها أولا يزوجها أولا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا المشهور بطلان هذا البيع وسواء شرط واحد أَمْ شَرْطَيْنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ سيرين وعبد الله بن شبرمة التابعان وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ باطل لاغ
* وقال أحمد واسحق إنْ شَرَطَا شَرْطًا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ ونحوها صح البيع ولزم الشرط وان شرط شرطين فأكثر بطل البيع والا فَإِذَا بَاعَ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ وَيُقَصِّرَهُ فَهُمَا شَرْطَانِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فَإِنْ شَرَطَ أحدهما فقط صَحَّ وَلَزِمَ
* وَاحْتَجَّ مَنْ صَحَّحَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِقِصَّةِ بَرِيرَةَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا فَصَحَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ
* وَاحْتَجَّ مَنْ صَحَّحَهُمَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَاشْتَرَى مِنِّي جَمَلًا وَاسْتَثْنَيْت حُمْلَانَهُ يَعْنِي رُكُوبَهُ إلَى أَهْلِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ
* واحتج أحمد بحديث عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحٌ مَا لَمْ
يَضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَطَبَ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كان
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 377)
________________________________________
* مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ فَهُوَ بَاطِلٌ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَبِالْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ بَعْضٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ كَانَ سَابِقًا أَوْ مُتَأَخِّرًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ مَعْنَى اشْتَرِطِي لَهُمْ أَيْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ جَابِرٍ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَّهُ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِ بِالثَّمَنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِي مِنْ أَخْذِهِ وَفِي طُرُقِ الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالَاتٌ وَلَا عُمُومَ لَهَا فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ اضْطِرَابٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الشُّرُوطُ الْجَائِزَةُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ هَذَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَلَا يَلْزَمُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطَيْنِ جَوَازُ شَرْطٍ وَاحِدٍ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ (وَأَمَّا) الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا بِدِينَارٍ نَقْدًا وَبِدِينَارَيْنِ نَسِيئَةً فَيَكُونُ بِمَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ شَرْطَيْنِ مَوْجُودَةٌ فِي شَرْطٍ وَهِيَ الْغَرَرُ
* (فرع)
في مذاهبهم فيمن اشترى شيئا شراءا فَاسِدًا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ بَدَلُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ مِلْكًا ضَعِيفًا خَبِيثًا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْمِلْكِ وَرَدُّ الْعِوَضِ عَلَى
صَاحِبِهِ وَحَقِيقَةُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ الْإِقْبَاضُ فَإِنْ أَقَبَضَهُ مَلَكَهُ مِلْكًا ضَعِيفًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لِلْبَائِعِ انْتِزَاعَهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لَكِنْ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هُوَ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا وَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فَوَافَقْنَا فِي الدَّمِ وَنَحْوِهِ وَشِبْهِهِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقِصَّةِ بَرِيرَةَ فَإِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَرَطَتْ لَهُمْ الْوَلَاءَ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا وَنَفَذَ عِتْقُهَا وَأَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذلك
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 378)
________________________________________
* وقياسا على النكاح فان الوطئ في فاسدة يترتب عليه أحكام الوطئ فِي صَحِيحِهِ وَقِيَاسًا عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنَّ فَاسِدَهَا كَصَحِيحِهَا فِي حُصُولِ الْعِتْقِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان من المس) فَلَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَمْلِكُهُ لَمَا توعده وقياسا عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَلِأَنَّ كُلَّ قَبْضٍ أَوْجَبَ ضَمَانَ الْقِيمَةِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ شَرْطُ الْخِيَارِ عِنْدَ تَمَنُّعِ حُصُولِ الْمِلْكِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ لَهُمْ بِمَعْنًى عَلَيْهِمْ (وَالثَّالِثُ) هُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمُحَقِّقِينَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَالْعَقْدَ كَانَا خَاصَّةً فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ لِمَصْلَحَةِ قَطْعِ عَادَتِهِمْ كَمَا جَعَلَ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ خَاصًّا بِالصَّحَابَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِمَصْلَحَةِ بَيَانِ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ مَا ادَّعُوهُ وَأَنَّ الْأَحْكَامَ فِي النِّكَاحِ تَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لا بالوطئ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بِهِ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ وَالْخُلْعَ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ البضع بالوطئ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ (وَأَمَّا) مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ فَلَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ بَلْ لكونه وطئ شبهة ولهذا تترتب هذه الاحكام على وطئ الشُّبْهَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِوُجُودِ الصِّفَةِ لَا بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ بَطَلَتْ الصِّفَةُ وَلَمْ يُعْتَقْ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَبْدًا أَوْ بَهِيمَةً وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ وقال الاوازعي
واحمد واسحق يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الشَّرْطُ وَبِهِ قَالَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَصُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
* وَقَالَ مَالِكٌ إنْ شَرَطَ مُدَّةً قَرِيبَةً كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ أَوْ رُكُوبَ الدَّابَّةِ إلَى مَكَان قَرِيبٍ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ مَكَانًا بَعِيدًا فَمَكْرُوهٌ
* وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ بَاعَ نَخْلًا عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَاسْتَثْنَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَبْقَى الثَّمَرَةُ عَلَى النَّخْلِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِمَنْفَعَةِ الْبَيْعِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِمَا سَبَقَ وَعَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ بَلْ الْمَنَافِعُ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً قَبْلَ الْبَيْعِ
* وَعَنْ النَّخْلِ أَنَّهَا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةٍ بَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءُ جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ عَيْنِ المبيع
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 379)
________________________________________
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً وَقَالَ فِي الْعَقْدِ لِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَنِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَمَذْهَبُنَا بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثوى واحمد واسحق أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إذَا كَانَ الشَّرْطُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وروى مثله عن ابن عمر وقال أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْوَقْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ فَإِنْ نَقَدَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ نَحْوُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْوَقْتُ نَحْوَ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةٍ جَازَ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ في معنى تعليق البيع فلم يصح
* (باب تفريق الصَّفْقَةُ)
(هِيَ عَقْدُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ كَانَ عَادَتُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَدَهُ علي يد صاحبه عند تمام العقد)
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا جمع في البيع بين ما يجوز بيعه وبين ما لا يجوز بيعه كالحر والعبد وعبده وعبد غيره ففيه قولان
(أحدهما)
تفرق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز ويصح فيما يجوز لانه ليس ابطاله فيهما لبطلانه في أحدهما باولى من تصحيحه فيهما لصحته في أحدهما فبطل حمل احدهما علي الآخر وبقيا على حكمهما فصح فيما
يجوز وبطل فيما لا يجوز (والقول الثاني) أن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما واختلف أصحابنا في علته فمنهم من قال يبطل لان العقد جمع حلالا وحراما فغلب التحريم كما لو جمع بين أختين في النكاح أو باع درهما بدرهمين ومنهم من قال يبطل لجهالة الثمن وذلك أنه إذا باع حرا وعبدا بالف سقط ما يخص الحر من الثمن فيصير العبد مبيعا بما بقى وذلك مجهول في حال العقد فبطل كما لو قال بعتك هذا العبد بحصته من الف درهم (فان قلنا) بالتعليل الاول بطل البيع فيما ينقسم الثمن فيه على القيمة كالعبدين وفيما ينقسم الثمن فيه على الاجزاء كالععد الواحد نصفه له ونصفه لغيره أو كرين من طعام أحدهما له والآخر لغيره وكذلك لو جمع بين ما يجوز وبين ما لا يجوز في الرهن أو الهبة أو النكاح بطل في الجميع لانه جمع بين الحلال والحرام (وان قلنا) إن العلة جهالة العوض لم يبطل البيع فما ينقسم الثمن فيه على الاجزاء لان العوض غير مجهول ولا يبطل الرهن والهبة لان لا عوض فيه ولا يبطل النكاح لان الجهل بالعوض لا يبطله (فان قلنا) ان العقد يبطل فيهما رد المبيع
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 380)
________________________________________
* واسترجع الثمن (وان قلنا) إنه يصح في أحدهما فله الخيار بين فسخ البيع وبين امضائه لانه لا يلحقه ضرر بتفريق الصفقة فثبت له الخيار فان اختار الامساك فبكم يمسك فيه قولان
(أحدهما)
يمسك بجميع الثمن أو يرد لان ما لا يقابل العقد لا ثمن له فيصير الثمن كله في مقابلة الآخر
(والثانى)
أنه يمسكه بقسطه لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ جَمِيعَ الْعِوَضِ إلَّا فِي مُقَابَلَتِهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُهُ فِي مُقَابَلَةِ أحدهما واختلف أصحابنا في موضع القولين (فمنهم) من قال القولان فيما يتقسط العوض عليه بالقيمة فأما يتقسط العوض عليه بالاجزاء فانه يمسك الباقي بقسطه من الثمن قولا واحدا لان فيما يتقسط الثمن عليه بالقيمة ما يخص الجائز مجهول فدعت الضرورة إلى أن يجعل جميع الثمن في مقابلته ليصير معلوما وفيما يتقسط الثمن عليه بالاجزاء ما يخص الجائز معلوم فلا حاجة بنا إلى أن نجعل جميع الثمن في مقابلته (ومنهم) من قال القولان في الجميع وهو الصحيح لانه نص علي القولين في بيع الثمرة قبل أن تخرج الزكاة والثمار مما يتقسط الثمن عليها بالاجزاء (فان قلنا) يمسك بجميع الثمن لم يكن للبائع الخيار لانه لا ضرر عليه (وان قلنا) يمسك بحصته فهل للبائع الخيار فيه وجهان
(أحدهما)
أن له الخيار لانه تبعضت عليه الصفقة فيثبت له الخيار كما يثبت للمشترى
(والثانى)
لا خيار له لانه دخل على بصيرة لان الحر
لا يؤخذ منه بثمن
* وإن باع مجهولا ومعلوما (فان قلنا) لا تفرق الصفقة بطل العقد فيهما (وان قلنا) تفرق وقلنا انه يمسك الجائز بحصته بطل البيع فيه لان الذى يخصه مجهول (وإن قلنا) يمسكه بجميع الثمن صح العقد فيه
* وان جمع بين حلالين ثم تلف أحدهما قبل القبض بطل البيع فيه وهل يبطل في الباقي فيه طريقان
(أحدهما)
أنه على القولين في تفريق الصفقة لان ما يحدث من الهلاك قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ فِي ابطال العقد فوجب أن يكون كالموجود في حال العقد فيما ذكرناه
(والثانى)
لا يبطل إلا فيما تلف لان في الجمع بين الحلال والحرام انما بطل للجهل بالعوض أو للجمع بين الحلال والحرام في العقد ولا يوجد ههنا واحد منهما فعلى هذا يصح العقد في الباقي وللمشترى الخيار في فسخ العقد لانه تفرقت عليه الصفقة فان امضاء أخذ البافي بقسطه من الثمن قولا واحدا لان العوض ههنا قابل المبيعين فانقسم عليهما فلا يتغير بالهلاك)
* (الشَّرْحُ) تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَابٌ مُهِمٌّ يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ وَالْفَتَاوَى فِيهِ فَأَنَا أُلَخِّصُ مَقَاصِدَهُ وَأُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* فَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ شَيْئَيْنِ فَهُوَ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ تَجْمَعَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنْ تَجْمَعَهُمَا فِي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 381)
________________________________________
* عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الضَّرْبُ لَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَقَعُ التَّفْرِيقُ فِي الِابْتِدَاءِ
(وَالثَّانِي)
فِي الِانْتِهَاءِ فَالْحَالُ الْأَوَّلُ يُنْظَرُ فِيهِ إنْ جَمَعَ فِيهِ شَيْئَيْنِ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمْعٌ كَجَمْعِ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسِ نِسْوَةٍ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ فِي الْجَمِيعِ بِلَا خِلَافٍ
* وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ مَا لَا يَمْتَنِعُ جمعها فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَابِلًا لِلْعَقْدِ بِأَنْ جَمَعَ عَيْنَيْنِ لَهُ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ أَوْ من جِنْسٍ لَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْقِيمَةِ كَعَبْدَيْنِ وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ مُتَّفِقَيْ الْقِيمَةِ كَقَفِيزَيْ حِنْطَةٍ وَاحِدَةٍ وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ
* وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَابِلًا لِلْبَيْعِ دُونَ الْآخَرِ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَاَلَّذِي لَيْسَ قَابِلًا لِلْبَيْعِ قِسْمَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا كَمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ وَفِي صِحَّتِهِ فِي عَبْدِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ فَفِي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَمْعُ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَصَارَ
كَمَنْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ جَمَعَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسِ نِسْوَةٍ (وَالثَّانِيَةُ) جَهَالَةُ الْعِوَضِ الْقَابِلِ لِلْحَلَالِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ إذَا وَزَّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَبْدِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لَوْ أَفْرَدَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِضَمِّ غَيْرِ مَالِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الشِّقْصِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ مَا يَقْبَلُ الْبَيْعَ بِالْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى بِأَنَّهَا مُنْكَرَةٌ بِمَنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الدِّرْهَمَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ أَوْ الْخَمْسِ بِأَوْلَى مِنْ مُشَارِكِهِ فَبَطَلَ فِي الْجَمِيعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى وَقَعَ فِي الْعَقْدِ مَعْلُومًا وَسَقَطَ بَعْضُهُ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ كَمَا إذَا رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّمًا وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَأَتَّى تَقْدِيرُ التَّقْوِيمِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ تَغَيُّرِ الْخِلْقَةِ كَمَنْ بَاعَ حُرًّا وَعَبْدًا فَالْحُرُّ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لَكِنْ يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ رَقِيقًا وَفِي هَذَا النَّوْعِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ الْحُرَّ وَنَحْوَهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْبَيْعِ بِحَالٍ
* وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَمُكَاتَبَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ متقوما بِدَلِيلِ وُجُوبِ قِيمَتِهِمَا عَلَى مُتْلِفِهِمَا (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَتَأَتَّى تَقْدِيرُ تَقْوِيمِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ تَغَيُّرِ الْخِلْقَةِ كَمَنْ بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْخَلِّ وَالْمُذَكَّاةِ وَالشَّاةِ طَرِيقَانِ (اصهما) طَرْدُ الطَّرِيقَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيمَا إذَا جَمَعَ حُرًّا وعبدا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 382)
________________________________________
*
(والثانى)
القطع بالفساد لانه لابد فِي التَّقْوِيمِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُقَوَّمُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ
* وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ بَعْضُهُ لَهُ وَبَعْضُهُ لِغَيْرِهِ كَعَبْدٍ أَوْ صَاعِ حنطة له نصفهما أو صاعي حِنْطَةٍ لَهُ أَحَدُهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ هُنَاكَ فِي مِلْكِهِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ إنْ عَلَّلْنَا بِالْجَمْعِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ عَلَّلْنَا بالجهالة صح لان حصة المملوك معلومة لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّقْوِيمِ الَّذِي
لَا يُفِيدُ إلَّا ظَنًّا
* وَلَوْ بَاعَ الثِّمَارَ الَّتِي وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبُ فِي الْبَاقِي كما ذكرنا فيمن باع عبدا له بصفة
* وَلَوْ بَاعَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَالتَّرْتِيبُ فِي الثَّانِي كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
الْمَذْهَبُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ كَعَبْدٍ لَهُ نِصْفُهُ وَكَذَا صَاعُ حِنْطَةٍ وَثَوْبٌ وَصَاعَيْ حِنْطَةٍ مِنْ صُبْرَةٍ مُسْتَوِيَةٍ لَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ مِمَّا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَعَبْدِهِ وعبد غيره أو وَحُرٍّ أَوْ كَخَلٍّ وَخَمْرٍ وَمَيْتَةٍ وَمُذَكَّاةٍ وَخِنْزِيرٍ وَشَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَالصَّحِيحُ) صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ قَالَ الرَّافِعِيُّ تَوَسَّطَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيْنَ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَقَالُوا (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ فِي الْمَمْلُوكِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَالْفَسَادُ فِيمَا يَتَوَزَّعُ عَلَى قِيمَتِهِ قَالَ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْقِسْمَيْنِ
* (فَرْعٌ)
لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدَانِ عَالِمَيْنِ بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلَيْنِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَاقِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ الْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ عَالِمًا فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي هذ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ لَوْ وَزَّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَبْدِ فُلَانٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ شَيْخَيْ أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُ سَدِيدٍ بَلْ الْوَجْهُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ قَوْلَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَهُوَ شَاذٌّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ وَهَبَهُمَا أَوْ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ وَغَيْرَهَا أَوْ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فِي الَّذِي يَمْلِكُهُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ إنْ عَلَّلْنَا بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ صَحَّ إذْ لَا عِوَضَ هُنَا وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْجَمْعِ بَيْنَ حَلَالٍ وَغَيْرِهِ فَلَا
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 383)
________________________________________
وَإِنْ شِئْتَ قُلْت فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ وَلَوْ جَمَعَ فِي شَهَادَتِهِ بَيْنَ مَقْبُولٍ
وَغَيْرِهِ كَشَهَادَتِهِ لِابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ فَفِي قَبُولِهَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ هَذَا الْخِلَافُ (الْمَذْهَبُ) الْقَبُولُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَالَهُ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي مَالِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ فَكَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ حِصَّةِ الْمَمْلُوكِ فَقَطْ إذَا وُزِّعَ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يبذل جميع العوض الا مُقَابَلَتِهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُهُ فِي مُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ لِأَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ لَا ثَمَنَ لَهُ فَيَصِيرُ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ
* ثُمَّ فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُمَا مَخْصُوصَانِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَقَسَّطُ عَلَى أَجْزَائِهِ فَالْوَاجِبُ الْقِسْطُ قَطْعًا لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ (وَأَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَالثَّمَرَةُ يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا بِالْأَجْزَاءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْوَاجِبُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقِسْطِ فَوَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَقِيلَ هُمَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ الْخِيَارُ لِتَبْعِيضِ الثَّمَنِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ نَقْصٌ فِيمَا يَخُصُّ مِلْكَهُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا خِيَارَ لَهُ قَطْعًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ وَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقِسْطُ
(وَالثَّانِي)
جَمِيعُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ عَالِمًا وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهُ فِي مقابلة العبدين فلم يلتزم في مقابلة الحلال الاحصته
* وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَحُرًّا أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَكَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ فَأَجَازَ أَوْ عَالِمًا فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الطَّرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقِسْطُ
(وَالثَّانِي)
الْجَمِيعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْجَمِيعُ وَهَذَا الطَّرِيقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالٌ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ فَهُوَ غَلَطٌ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وابن أبي هريرة والمارودي وَمِمَّنْ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الافصاح والبغوى وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْقِسْطَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْجُهٌ (أشهرها) وبه قطع الدارمي والبغوى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يُقَدَّرُ الْحُرُّ عَبْدًا وَالْمَيْتَةُ مُذَكَّاةً وَالْخِنْزِيرُ شَاةً
وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ
(وَالثَّانِي)
يُقَدَّرُ الْخَمْرُ خَلًّا وَالْخِنْزِيرُ بَقَرَةً (وَالثَّالِثُ) يُنْظَرُ إلَى
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 384)
________________________________________
قِيمَتِهَا عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهَا قِيمَةً وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْوَجْهَ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ فَقَالَ وَكُلُّ هَذَا خَبْطٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ نَكَحَ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَصَحَّحْنَا نِكَاحَ الْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةِ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْمُسَمَّى وَالرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَضَعَّفَهُ جِدًّا وَقَالَ هَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ فِيهِ إجْحَافًا بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي النِّكَاحِ (وَأَمَّا) تَخْيِيرُهُ في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل فَلَا يَزُولُ بِهِ الْإِجْحَافُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قَدْ يَكُونُ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى فَفِيمَا يَلْزَمُهُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَهْرُ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) قِسْطُهَا مِنْ الْمُسَمَّى إذَا وُزِّعَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَمَهْرِ مِثْلِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْأَمَةِ وَإِذَا اخْتَصَرْت الْخِلَافَ جَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهَا) الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ
(وَالثَّانِي)
قِسْطُهَا مِنْ الْمُسَمَّى (وَالثَّالِثُ) جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَرْعٌ)
لَوْ باع ربويا بجنسه فخرج بَعْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مُسْتَحَقًّا وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي فَالْوَاجِبُ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ وَعَبْدًا آخَرَ وَالْجَمِيعُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْمَجْهُولِ قَطْعًا (وَأَمَّا) الْمَعْلُومُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَبْنِي عَلَى مَا لَوْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ وَأَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَصِحُّ فِيمَا هُوَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ هُنَا فِي الْمَعْلُومِ (وَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ يَصِحُّ فَهُنَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ (إنْ قُلْنَا) جَمِيعُهُ صَحَّ وَلَزِمَهُ هُنَا أَيْضًا جَمِيعُ الثَّمَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْطُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِحَّ هُنَا فِي الْمَعْلُومِ لِتَعَذُّرِ التَّقْسِيطِ وحكى البغوي والرافعي وغيرهما هنا قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَعْلُومِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ فَسَادُ الْبَيْعِ فِي الْمَعْلُومِ
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 385)
________________________________________
(فَرْعٌ)
(١) مَحَلُّ الْفَرْعَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْكِتَابِ إذَا اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ دُونَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَهُ فِي صَفْقَةٍ وَمَالَ غَيْرِهِ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَطَرِيقُ بَيَانِ تَعَدُّدِهَا وَاتِّحَادِهَا أَنْ يَقُولَ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّيْئَيْنِ ثَمَنًا مُفَصَّلًا فَقَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ وَهَذَا بِمِائَةٍ فقبلهما المشتري كذلك على التفصيل فان قال قبلت هذا بالالف وهذا بالمائة فَهُمَا عَقْدَانِ مُتَعَدِّدَانِ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ مَا سَمَّى لَهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ جَمَعَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبُولِ فَقَالَ قَبِلْتهمَا أَوْ قَبِلْت فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
الصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةٌ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا مُتَعَدِّدَةٌ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِمَا سَمَّى لَهُ لِأَنَّ الْقَبُولَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الايجاب فإذا وَقَعَ مُفَرَّقًا وَكَذَلِكَ الْقَبُولُ
* وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ أَيْضًا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَإِنْ اتَّحَدَ الْمُشْتَرِي وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا لِرَجُلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَهَلْ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَتَعَدَّدُ كَالْبَائِعِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْنِي عَلَى الْإِيجَابِ السَّابِقِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا وَجَبَ وَهُوَ وَاحِدٌ
* وَلِلتَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ فَوَائِدُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا (مِنْهَا) إذَا حَكَمْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَوَزَنَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَزِمَ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ نَصِيبِهِ إلَيْهِ مِنْ الْمَبِيعِ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ (وان قلنا) بالاتحاد لم يجب تسليم شئ إلَى أَحَدِهِمَا وَإِنْ وَزَنَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ حَتَّى يَزِنَ الْآخَرَ لِثُبُوتِ حَقِّ الْحَبْسِ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ قِسْطِهِ مِنْ الْمَبِيعِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْقِسْطَ فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ وَهَذَا شَاذٌّ (وَمِنْهَا) إذَا قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَخَاطَبَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فَقَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ مَالِكَا عَبْدٍ لِرَجُلٍ بِعْنَاك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَوَجْهَانِ (حَكَاهُمَا) الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ
(وَالثَّانِي)
صحته كما يجوز لاحد المشتريين رَدُّ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَعِيبِ
* وَلَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِعْتُكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ والبغوي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَتَيْنِ زوجتكهما بِأَلْفٍ فَقَبِلَ إحْدَاهُمَا
بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ فِيهِمَا
* وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ وَقُلْنَا الصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي أَوْ وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِي تَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَاتِّحَادِهِ بِالْعَاقِدِ أم المعقود له فيه
________________________________________
(١) (تنبيه) هذا الفرع عبارته هكذا في الاصل فانظر وحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 386)
________________________________________
أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رُؤْيَتُهُ دُونَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ
(وَالثَّانِي)
الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْقُودِ لَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُضَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ (وَالثَّالِثُ) الِاعْتِبَارُ فِي طَرَفِ الْبَيْعِ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وَفِي الشِّرَاءِ بالعاقد وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ فِي الشِّرَاءِ بِالْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْمَعْقُودُ لَهُ الْإِذْنَ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْمُبَاشِرِ بِخِلَافِ طَرَفِ الْبَيْعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ (وَالرَّابِعُ) الِاعْتِبَارُ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْمُوَكِّلِ وَفِي الْبَيْعِ بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا إنْ تَعَدَّدَا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ اعْتِبَارًا بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِوَكَالَةِ رَجُلَيْنِ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْعَاقِدَ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَهَلْ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ وَأَحَدِ الِابْنَيْنِ طَلَبُ الْأَرْشِ يُنْظَرُ (إنْ وَقَعَ النَّاسُ بِمَنْ رَدَّ الْآخَرَ بِأَنْ رَضِيَ بِهِ أَوْ تَلِفَ) (١) فَلَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ أَيْضًا (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَبِيعَ عَبْدًا لَهُمَا أَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فَبَاعَ الْجَمِيعَ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخْرَى يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَاهُ لِرَجُلٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَلِنَفْسِهِ فَفَعَلَ وَخَرَجَ الْعَبْدُ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَعَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ يَجُوزُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لها فَلِأَحَدِهِمَا رَدُّ نَصِيبِهِ لِرِضَا الْبَائِعِ بِالتَّشْقِيصِ وَإِنْ جَهِلَهُ فَلَا (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي بَيْعِ عَبْدٍ
وَرَجُلَانِ رَجُلًا فِي شِرَائِهِ فتبايعه الوكيلان فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَوَكَّلَ آخَرُ آخَرَيْنِ فِي شِرَائِهِ فَتَبَايَعَهُ الْوُكَلَاءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقَعَ التَّفْرِيقُ فِي الِانْتِهَاءِ وَهُوَ صِنْفَانِ اخْتِيَارِيٌّ وَغَيْرُهُ فَالِاخْتِيَارِيُّ هُوَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَنَشْرَحُهُ بِفُرُوعِهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) غَيْرُ الِاخْتِيَارِيِّ فَمِنْ صُوَرِهِ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ وَنَحْوَهُمَا أَوْ ثَوْبًا وَعَبْدًا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا
________________________________________
(١) هذه العبارة هكذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 387)
________________________________________
قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الْآخَرِ فَيَفْسَخُ الْعَقْدُ فِي التَّالِفِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْبَاقِي طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ عِلَّتَيْ الْفَسَادِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُنَاكَ (فَإِذَا قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ فِيهِ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَجَازَ فَبِكَمْ يُجِيزُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِسْطُ الْبَاقِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْعِوَضَ هُنَا قَابَلَ الْمَبِيعَيْنِ مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَالَ الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهَلَاكِ بَعْضِهِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ (أَصَحُّهُمَا) التَّقْسِيطُ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ وَهُوَ قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ إلْحَاقًا لِلطَّارِئِ بِالْمُقَارَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقِسْطِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا خِيَارَ لَهُ
* وَلَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَصَارَ بَعْضُهُ خَمْرًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ كَتَلَفِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَالْحُكْمُ مَا سَبَقَ
* وَلَوْ تَفَرَّقَا فِي السَّلَمِ وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ قَبَضَ الْبَعْضَ فَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي فِيهِ الطَّرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يَنْفَسِخُ
* وَلَوْ قَبَضَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ تَلِفَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الِانْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلَافٌ
مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّوَرِ السَّابِقَةِ وَهِيَ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْآخَرِ وَهَذَا أَوْلَى بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِتَأَكُّدِ الْعَقْدِ فِيهِ بِانْتِقَالِ ضَمَانِهِ إلَى الْمُشْتَرِي
* هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الِانْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَوْلَى بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِتَلَفِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي (وَإِذَا قُلْنَا) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ ويسترد الثمن ان كان سلمه (وأصحهما) لابل عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ اكْتَرَى دَارًا وَسَكَنَهَا بَعْضَ الْمُدَّةِ ثُمَّ انْهَدَمَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي الْمَاضِي الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَقْبُوضِ التَّالِفِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ فَعَلَى هَذَا هَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِيهِ الْوَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا فَسْخَ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى حِصَّةُ الْمَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالِانْفِسَاخِ أَوْ قُلْنَا لَهُ الْفَسْخُ فَفَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمَاضِي وَيَسْتَرِدُّ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ دَفَعَهُ
* وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ وَكَانَ الْبَاقِي مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَقُلْنَا لَوْ انْقَطَعَ الْجَمِيعُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فينفسخ هُنَا فِي الْمُنْقَطَعِ وَفِي الْبَاقِي
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 388)
________________________________________
الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِمَا (فَإِذَا قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ فَلَهُ الْفَسْخُ فَإِنْ أَجَازَ فَيَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فقط (وان قلنا) لو انقطع الْجَمِيعَ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ كَانَ الْمُسَلَّمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ فِي الْجَمِيعِ وَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْقَدْرِ الْمُنْقَطِعِ وَالْإِجَازَةُ فِي الْبَاقِي فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لَهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا هَلْ لَهُ إفْرَادُهُ بِالرَّدِّ (الْأَصَحُّ) لَيْسَ لَهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَأَبِقَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ فِي الثَّانِي لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْآبِقِ (١)
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ مَا يَمْلِكُهُ وَغَيْرُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً
* ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِيهِمَا مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ مَالًا وَغَيْرَهُ كَخَلٍّ وَخَمْرٍ وَعَبْدٍ وَحُرٍّ وَشَاةٍ وَخِنْزِيرٍ وَمُذَكَّاةٍ وَمَيْتَةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ جَمَعَتْ مَالًا وَمَالَهُ حُكْمُ الْمَالِ كَعَبْدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ بَطَلَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَصَحَّ فِي عَبْدِهِ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْمَالِ فَإِنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا وَقَدْ يَحْكُمُ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا قَالَ وَإِنْ جَمَعَتْ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ
صَحَّ الْبَيْعُ فِي مَالِهِ وَوَقَفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَلَى إجَازَتِهِ إنْ أَجَازَ نَفَذَ وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَالصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ فِيمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَبُطْلَانُهُ فِي غَيْرِهِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان جمع بين بيع واجارة أو بين بيع وصرف أو بين عبدين بشرط الخيار في أحدهما دون الآخر بعوض واحد ففيه قولان
(أحدهما)
أنه يبطل العقدان لان أحكام العقدين متضادة وليس أحدهما بأولي من الآخر فبطل الجميع
(والثانى)
أنه يصح العقدان وينقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما لانه ليس فيه أكثر من اختلاف حكم العقدين وهذا لا يمنع صحة العقد كما لو جمع في البيع بين ما فيه شفعة وبين ما لا شفعة فيه وان جمع بين البيع والنكاح بعوض واحد فالنكاح لا يبطل لانه لا يبطل بفساد العوض وفى البيع قولان ووجههما ما ذكرناه
* وان جمع بين البيع والكتابة (فان قلنا) في البيع والاجارة إنهما يبطلان بطل البيع والكتابة (وان قلنا) إن البيع والاجارة يصحان بطل البيع ههنا لانه لا يجوز أن يبيع السيد من عبده وهل تبطل الكتابة يبنى علي تفريق الصفقة (فان قلنا)) لا تفرق بطل (وان قلنا) تفرق بطل البيع وصحت الكتابة)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا جَمَعَ في العقد مبيعين مختلفي الحكم كثوبين
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 389)
________________________________________
شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَسَلَمٍ أَوْ إجَارَةٍ وَسَلَمٍ أَوْ صَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْعَقْدِ فِيهِمَا وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ فِيهِمَا وَصُورَةُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِعْتُك عَبْدِي وَأَجَرْتُك دَارِي سَنَةً بِأَلْفٍ وَصُورَةُ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ بِعْتُك ثَوْبِي وَمِائَةَ صَاعٍ حِنْطَةً سَلَمًا بِدِينَارٍ وَصُورَةُ الْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ أَجَرْتُك دَارِي سَنَةً وَبِعْتُك مِائَةَ صَاعٍ سَلَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ
* وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً وَثَوْبًا بِشَعِيرٍ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْحِنْطَةِ وَمَا يقابلها من الشعير واجب وَلَا يَجِبُ فِي الْبَاقِي فَهُوَ كَبَيْعٍ وَصَرْفٍ (وَالثَّانِيَةُ) إذَا جَمَعَ بَيْعًا وَنِكَاحًا وَقَالَ زَوَّجْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ وَبِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِمِائَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ أَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك عَبْدَهَا
وَهِيَ فِي حِجْرِهِ أَوْ رَشِيدَةٌ وَكَّلَتْهُ فِي بَيْعِهِ صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُمَا وُزِّعَ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِلَّا وَجَبَ فِي النِّكَاحِ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَإِذَا قُلْنَا) بِالتَّوْزِيعِ فَهُوَ إذَا كَانَتْ حِصَّةُ النِّكَاحِ فِي صُورَةِ تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ فَهَذِهِ صُورَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ كَانَا لِاثْنَيْنِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي وَزَوَّجْتُك (١) بِنْتِي بِأَلْفٍ فَقَدْ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَتَحْقِيقُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا لِشَخْصٍ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ فَبَاعَهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ جَمَعَ بَيْعًا وَكِتَابَةً فَقَالَ لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى نَجْمَيْنِ إلَى كَذَا وَكَذَا وَبِعْتُك ثَوْبِي هَذَا جَمِيعًا بِأَلْفٍ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ بِالْبُطْلَانِ فِيهِمَا فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَفِي الْكِتَابَةِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ الْقَطْعِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَفِيهِ الْقَوْلُ شاذ السابق
* (فرع)
في شئ مِنْ مَسَائِلِ الدُّورِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
* فَإِذَا بَاعَ مَرِيضٌ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ بِعَشَرَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بعض المبيع وفى الباقي طريقان (أصحهما) عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا وَصِيَّةٌ وَهِيَ تُقْبَلُ مِنْ الْغَرَرِ مَا لَا يُقْبَلُ غَيْرُهَا فَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْبَاقِي فَفِي كَيْفِيَّتِهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ وَالْقَدْرُ الَّذِي يُوَازِي الثَّمَنَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَبْطُلُ فِي الباقي
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 390)
________________________________________
فَيَصِحُّ فِي ثُلُثَيْ الْعَبْدِ بِالْعَشَرَةِ وَيَبْقَى مَعَ الْوَرَثَةِ ثُلُثُ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَالثَّمَنُ وَهُوَ عشرة وذلك مثلا الْمُحَابَاةِ وَهِيَ عَشَرَةٌ وَلَا تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ إذَا أُزِيدَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَجَبَ أَنْ يَزِيدَ إلَى الشِّرَاءِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَتَدُورُ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ الْبَيْعُ يَخْرُجُ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ
يَدْخُلُ فِيهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ الْبَيْعُ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا وَيَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ بِطُرُقٍ (مِنْهَا) أَنْ يُنْسَبَ ثُلُثُ الْمَالِ إلَى قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْمَبِيعِ بِمِثْلِ نِسْبَةِ الثُّلُثِ مِنْ الْمُحَابَاةِ فَنَقُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُلُثُ الْمَالِ عَشَرَةٌ وَالْمُحَابَاةُ عِشْرُونَ وَالْعَشَرَةُ نِصْفُ الْعِشْرِينَ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ خَمْسَةٌ كَأَنَّهُ اشْتَرَى سُدُسَهُ بِخَمْسَةٍ وَوَصَّى لَهُ بِثُلُثِهِ وَيَبْقَى مَعَ الْوَرَثَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَالْمَبْلَغُ عِشْرُونَ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمُحَابَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَيْفِيَّةِ فَرَجَّحَ كَثِيرُونَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالُوا وَالثَّانِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَرَجَّحَ آخَرُونَ الثَّانِيَ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْحُسَّابِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَابْنُ اللَّبَّانِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (باب الربا) الرِّبَا مَقْصُورٌ وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَتَثْنِيَتُهُ رِبَوَانِ وَاخْتَارَ الْكُوفِيُّونَ كَتْبَهُ وَتَثْنِيَتَهُ بِالْيَاءِ بِسَبَبِ الْكَسْرَةِ فِي أَوَّلِهِ وَغَلَّطَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ قَالَ الثَّعْلَبِيُّ كَتَبُوهُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ إنَّمَا كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَلُغَتُهُمْ الرِّبَوَا فَعَلَّمُوهُمْ صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ قَالَ وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو سِمَاكٍ الْعَدَوِيُّ بِالْوَاوِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ بِسَبَبِ كَسْرَةِ الرَّاءِ وَأَقَرَّ الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْبَاءِ قَالَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كَتْبِهِ - بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ - وَالرِّمَاءُ بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ - وَالرُّبْيَةُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ لُغَةٌ فِي الرِّبَا وَأَصْلُهُ الزيادة وأربى الرجل وأرمى عامل بالربا
*
* قال المصنف رحمه الله
* (الربا محرم والاصل فيه قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وقوله تَعَالَى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) روى في التفسير حين يقوم من قبره وروى ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ الربا وموكله وشاهده وكاتبه)
*
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 391)
________________________________________
(الشَّرْحُ) الْمَسُّ الْجُنُونُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وغيرهم قوله تعالى (الذين يأكلون الربا) مَعْنَاهُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) وقوله تعالى (لا يقومون) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ (إِلا كَمَا يقوم الذى يتخبطه الشيطان) قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ التَّخَبُّطُ هُوَ الضَّرْبُ عَلَى غَيْرِ الِاسْتِوَاءِ وَيُقَالُ خَبَطَ الْبَعِيرُ إذَا ضَرَبَ بِأَخْفَافِهِ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا رَدِيئًا وَلَا يَهْتَدِي فِيهِ هُوَ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَهِيَ النَّاقَةُ الضَّعِيفَةُ الْبَصَرِ قَالُوا فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُصِيبُهُ بِالْجُنُونِ حِينَ يَقُومُ مِنْ قَبْرِهِ فَيُبْعَثُ مَجْنُونًا فَيَعْرِفُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ أَنَّهُ مِنْ أَكَلَةِ الرِّبَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ وَلَكِنْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الْمُحَقِّقُونَ سَمِعَهُ وَهِيَ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَشَاهِدَهُ بِالْإِفْرَادِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَشَاهِدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ (وأما) الْأَحْكَامُ فَقَدْ أَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُجْمَلٌ فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ وَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا فَهُوَ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً (وَالثَّانِي) أَنَّ التَّحْرِيمَ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا تَنَاوَلَ مَا كَانَ مَعْهُودًا لِلْجَاهِلِيَّةِ مِنْ رِبَا النِّسَاءِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَالِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ وَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا حَلَّ أَجَلُ دَيْنِهِ وَلَمْ يُوَفِّهِ الْغَرِيمُ أَضْعَفَ لَهُ الْمَالَ وَأَضْعَفَ الْأَجَلَ ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَلِ الْآخَرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قَالَ ثُمَّ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِزِيَادَةِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ مُضَافًا إلَى مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرُّوذِيِّ
* (فَرْعٌ)
يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِهِ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ جَرَى بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وحربي سواء دخلها المسلم بِأَمَانٍ أَمْ بِغَيْرِهِ هَذَا مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 392)
________________________________________
وأحمد وأبو يوسف والجمهور
* وقال أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُهَاجِرَا مِنْهَا وَإِذَا بَاعَ مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ رَجُلَانِ فِيهَا وَلَمْ يُهَاجِرَا فَتَبَايَعَا دِرْهَمًا بدرهين جَازَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَلِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحَةٌ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ أَوْلَى
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَلِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمَانِ مُهَاجِرَانِ وَكَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ وَحَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُرِّمَ هُنَاكَ كَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هُنَاكَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَوْ صح لتأولناه عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُبَاحُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ أَمْوَالَ الْحَرْبِيِّ مُبَاحَةٌ بِلَا عَقْدٍ فَلَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الدَّعْوَى إنْ دَخَلَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمَانٍ فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَالْعِلَّةُ مُنْتَقِضَةٌ كَمَا إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ فَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُ فِيهَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَمْوَالِهِمْ تُبَاحُ بِالِاغْتِنَامِ اسْتِبَاحَتُهَا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ولهذا تباح ابضاع نسائهم بالسبي دون العقد الفاسد
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والاعيان التى نص على تحريم الربا فيها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح والدليل عليه ما رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر والبر والشعير بالشعير والملح بالملح الاسواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو استزاد فقد أربى (فأما) الذهب والفضة فانه يحرم فيهما الربا لعلة واحدة وهو أنهما من جنس الاثمان فيحرم الربا فيهما ولا يحرم فيما سواهما من الموزونات والدليل عليه انه لا يجوز أن يكون تحريم الربا لمعني يتعداهما إلى غيرهما من الاموال لانه لو كان لمعني يتعداهما إلى غيرهما لم يجز اسلامهما فيما سواهما من الاموال لان كل شيئين جمعتهما علة واحدة في الربا لا يجوز اسلام أحدهما في الآخر كالذهب والفضة والحنطة والشعير فلما جاز اسلام الذهب والفضة في الموزونات والمكيلات وغيرهما من الاموال دل على أن العلة فيهما لمعنى لا يتعداهما وهو أنه من جنس الاثمان)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي
هَذِهِ الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا فَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَسَائِرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ والشيعة
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 393)
________________________________________
والغاسانى وسائر ثقاة النَّاسِ لَا تَحْرِيمَ فِي الرِّبَا فِي غَيْرِهَا وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ طَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ تَحْرِيمُ الرِّبَا عَلَيْهَا بَلْ يَتَعَدَّى إلَى مَا فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي السُّنَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا (فَأَمَّا) الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَالْعِلَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وَهَذِهِ عِنْدَهُ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِمَا لَا تَتَعَدَّاهُمَا إذْ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعِلَّةُ فِيهِمَا الْوَزْنُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فالحق بهما كل موزون كالحديد والنحاس والرصاس وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَكُلِّ مَا يُوزَنُ فِي الْعَادَةِ وَوَافَقَ أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِي مَعْمُولِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ فِي التِّبْرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِمَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ على خيبر فقدم بثمر حبيب فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا قِيمَتَهُ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا نعنى وَكَذَلِكَ الْمَوْزُونُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَوْزُونٍ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ قَالُوا وَلِأَنَّ عِلَّتَكُمْ قَاصِرَةٌ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَدَّى الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَهُمَا الْأَصْلُ الَّذِي اسْتَنْبَطْتُمْ مِنْهُ الْعِلَّةَ وَعِنْدَكُمْ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا فَاسِدَةٌ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهَا فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ قَدْ عَرَفْنَاهُ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْعِلَّةِ أَنْ يَلْحَقَ بِالْأَصْلِ غَيْرُهُ (وَالْوَجْهُ الثاني) أن القاصرة صحيحة ولكن المتعدية أَوْلَى قَالُوا فِعْلَتُكُمْ مَرْدُودَةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ قَالُوا وَلِأَنَّ عِلَّتَكُمْ قَدْ تُوجَدُ وَلَا حُكْمَ وَقَدْ يُوجَدُ الحكم ولا علة كالفلوس بخراسان وغيرهما فَإِنَّهَا أَثْمَانٌ وَلَا رِبَا فِيهَا عِنْدَكُمْ وَالثَّانِي كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهَا مَعَ أنها لسيت أَثْمَانًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إسْلَامُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ بِالْإِجْمَاعِ
كَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ كَانَ الْوَزْنُ عِلَّةً لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ إسْلَامُ الْحِنْطَةِ فِي الشَّعِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي الدَّنَانِيرِ ولان أبا حنيفة جوز بَيْعَ الْمَضْرُوبِ مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ قَالُوا) خَرَجَتْ بِالضَّرْبِ عَنْ كَوْنِهَا مَوْزُونَةً (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ
* وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِهِمْ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ قَدْ قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ مِنْ كلام
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 394)
________________________________________
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ (الثَّانِي) جَوَابُ القاضى أبو الطَّيِّبِ وَآخَرِينَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّ الْمِيزَانَ نَفْسَهُ لَا رِبَا فِيهِ وَأَضْمَرْتُمْ فِيهِ الْمَوْزُونَ وَدَعْوَى الْعُمُومِ فِي الْمُضْمَرَاتِ لَا يَصِحُّ (الثَّالِثِ) أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمَوْزُونُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِمْ لَا فَائِدَةَ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ بِأَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِهَا فَإِنَّ الْعِلَلَ أَعْلَامٌ نَصَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَحْكَامِ مِنْهَا مُتَعَدِّيَةٌ وَمِنْهَا غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ إنَّمَا يُرَادُ مِنْهَا بَيَانُ حِكْمَةِ النَّصِّ لَا الِاسْتِنْبَاطُ وَإِلْحَاقُ فَرْعٍ بِالْأَصْلِ كَمَا أَنَّ الْمُتَعَدِّيَةَ عَامَّةُ التَّعَدِّي وَخَاصَّتُهُ
* ثُمَّ لِغَيْرِ الْمُتَعَدِّيَةِ فَائِدَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَلَا تَطْمَعُ فِي الْقِيَاسِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ مَا يُشَارِكُ الْأَصْلَ فِي الْعِلَّةِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَأَجَابُوا عَنْ الْفُلُوسِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا كَوْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وليست الفلوس كذلك فانها وان كانت ثمنا في بعض البلاد فليست من جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
(وَأَمَّا) دَاوُد وَمُوَافِقُوهُ فَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وبقوله (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) وَبِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الْإِبَاحَةُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ تمر حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا وَإِنْ كان كرما أن بيعه بِزَبِيبٍ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بكيل طعام نهى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا الطَّعَامُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى طَعَامًا (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ خَصَّهُ بِالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ (قُلْنَا) ذِكْرُ بَعْضِ ما يتناوله الْعُمُومُ لَيْسَ تَخْصِيصًا عَلَى الصَّحِيحِ (فَإِنْ قِيلَ) الطَّعَامُ مَخْصُوصٌ بِالْحِنْطَةِ (قُلْنَا) هَذَا غَلَطٌ بَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يُؤْكَلُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نفسه) وقال تعالى (فلينظر الانسان إلى طعامه) إلَى قَوْله تَعَالَى (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا) الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مني ومن لم يطعمه فانه منى) وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُك قُلْت مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إلَّا مَاءَ زَمْزَمَ فَسَمِنْت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي قَالَ إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (مَكَثْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمانا مالنا طعام الا الا سودان الْمَاءُ وَالتَّمْرُ رَوَاهُ) (١) وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُمَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا (وَقَوْلُهُمْ) أَصْلُ الْأَشْيَاءِ الاباحة ليس كذلك بل مذهب داود
________________________________________
(١) بياض بالاصل.
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 395)
________________________________________
أَنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَنَا كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا قَالَ أصحابنا وقولنا غَالِبًا احْتِرَازٌ مِنْ الْفُلُوسِ إذَا رَاجَتْ رَوَاجَ النُّقُودِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوَانِي وَالتِّبْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهِيَ الَّتِي نَقَلَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ الْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ قَالَ وَمِنْ أصحابنا من جمعهما قال ولكه قَرِيبٌ
* وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا وَلَيْسَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهَا وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِيهِمَا بِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَاجَتْ الْفُلُوسُ رَوَاجَ النُّقُودِ لَمْ يُحَرَّمْ الرِّبَا فِيهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يُحَرَّمُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ (وَأَمَّا) مَا سِوَاهَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا رَبَا فِيهَا عِنْدَنَا فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا ومؤجلا ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي والرافعي عن أبى بكر الاولى مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْعُومًا أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
*
* قال الصنف رحمه الله
*
(فاما الاعيان الاربعة ففيها قولان (قال) في الجديد العلة فيها أنها مطعومة والدليل عليه ما روى معمر بن عبد الله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الطعام بالطعام مثلا بمثل) والطعام اسم لكل ما يتطعم والدليل عليه قوله تعالى (وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) وأراد به الذبائح وقالت عائشة رضى الله عنها (مكثنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم سنة مالنا طعام الا الا سودان الماء والتمر وقال لبيد لمعفر قهد ينازع شلوه
* غبس كواسب ما يمن طعامها
* وأراد به الفريسة والحكم إذا علق على اسم مشتق كان ذلك علة فيه كانقطع في السرقة والحد في الزنا ولان الحب مادام مطعوما يحرم فيه الربا فإذا زرع وخرج عن أن يكون مطعوما لم يحرم فيه الربا فإذا انعقد الحب وصار مطعوما حرم فيه الربا فدل على أن العلة فيه كونه مطعوما فعلى هذا يحرم الربا في كل ما يطعم من الاقوات والادام والحلاوات والفواكه والادوية وفى الماء وجهان
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 396)
________________________________________
(أحدهما)
يحرم فيه الربا لانه مطعوم فهو كغيره
(والثانى)
لا يحرم فيه الربا لانه مباح في الاصل غير متمول في العادة فلا يحرم فيه الربا
* وفي الادهان المطيبة وجهان
(أحدهما)
لا ربا فيها لانها تعد للانتفاع برائحتها دون الاكل (والثاني) أنه يحرم فيها الربا وهو الصحيح لانه مأكول وانما لا يؤكل لانه ينتفع به فيما هو أكثر من الاكل
* وفى البزر ودهن السمك وجهان
(أحدهما)
لا ربا فيه لانه يعد للاستصباح
(والثانى)
أنه يحرم الربا فيه لانه مأكول فاشبه الشيرج (وقال) في القديم العلة فيها أنها مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة والدليل عَلَيْهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الطعام بالطعام مثلا بمثل) والمماثلة لا تكون الا بالكيل أو الوزن فدل على أنه لَا يُحَرَّمُ إلَّا فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يوزن فعلى هذا لا يحرم الربا فيما لا يكال ولا يوزن من الاطعمة كالرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما أشبهها)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ (١) (وَقَوْلُهُ) وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْأَرْبَعَةُ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ الْأَرْبَعَةُ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ الْأَرْبَعُ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِالْأَعْيَانِ الْأَجْنَاسَ فَأَثْبَتَ الْهَاءَ (وَقَوْلُهَا) الْأَسْوَدَانِ هُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَتَسْمِيَةِ الشَّيْئَيْنِ بِاسْمِ أَحَدِهِمَا كَالْأَبَوَيْنِ
وَالْقَمَرَيْنِ والعمرين ونظائره فان الماء لبس بِأَسْوَدَ (قَوْلُهُ) فِي بَيْتِ لَبِيدٍ لَمُعَفَّرٍ هُوَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ - وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إذَا أَرَادَتْ فِطَامَهُ عَنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا تَقْطَعُهُ عَنْ الرَّضَاعِ أَيَّامًا ثُمَّ تَعُودُ إلَى إرْضَاعِهِ أَيَّامًا ثُمَّ تَقْطَعُهُ عَنْ الرَّضَاعِ أَيَّامًا ثُمَّ تُرْضِعُهُ تَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ جُمْلَةً فَإِذَا فَعَلَتْ هَذَا قِيلَ عَفَّرَتْ الظَّبْيَةُ وَلَدَهَا وَمُعَفَّرٌ هُوَ هَكَذَا فَسَّرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَفَسَّرَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ الَّذِي سُحِبَ فِي التُّرَابِ وَعُفِّرَ بِهِ وَالْقَهْدُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ - قِيلَ هُوَ الْأَبْيَضُ وَقِيلَ أَبْيَضُ فِيهِ كُدُورَةٌ وَفِيهِ حُمْرَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ وَجَمْعُهُ قِهَادٌ (وقوله) تنازع شلوه أي تحادف أَعْضَاءَهُ (وَقَوْلُهُ) غُبْسٌ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ ذِئَابٌ جَمْعُ أَغْبَسَ وَهُوَ الَّذِي لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ (وَقَوْلُهُ) كَوَاسِبُ أَيْ تَكْسِبُ قُوتَهَا (وَقَوْلُهُ) مَا يُمَنُّ طَعَامُهَا فِيهِ تَأْوِيلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مِنَّةَ عَلَيْهَا فِيهِ بَلْ تَأْخُذُهُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ لَا بِالسُّؤَالِ وَالْمَسْكَنَةِ بِخِلَافِ السِّنَّوْرِ وَشَبَهِهِ
(وَالثَّانِي)
مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ وَلَا يَنْقَطِعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (أجر غير ممنون) وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتٌ آخَرُ يُظْهِرُ مَعْنَى هَذَا وَهُوَ خَنْسَاءُ ضَيَّعَتْ الْفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ
* عرض الشائق طوفها وبعامها الْخَنْسَاءُ بَقَرَةٌ وَحْشِيَّةٌ وَالْفَرِيرُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ - وَلَدُهَا (وَقَوْلُهُ) يَرِمْ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ يُفَارِقُ وَعُرْضُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - وَهُوَ النَّاحِيَةُ وَالشَّقَائِقُ جَمْعُ شَقِيقَةٍ وَهِيَ رَمْلَةٌ فِيهَا نَبَاتٌ وَقِيلَ أرض
________________________________________
(١) كذا بالاصل فحرر
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 397)
________________________________________
غَلِيظَةٌ بَيْنَ رَمْلَيْنِ (وَقَوْلُهُ) طَوْفُهَا - بِفَتْحِ الطَّاءِ وَرَفْعِ الْفَاءِ - وَهُوَ ذَهَابُهَا وَمَجِيئُهَا وَهُوَ فَاعِلُ يرم وبعامها - بضم الباء الموحدة وبالعين المعجمة وبرفع الميم - معطوف على طوفها والبعام الصَّوْتُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِمُعَفَّرٍ مَكْسُورَةٌ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَمَعْنَى الْبَيْتَيْنِ أَنَّهَا ضَيَّعَتْ وَلَدَهَا فَلَا تَزَالُ تَطُوفُ فِي نَاحِيَةِ الرِّمَالِ لِطَلَبِهِ ظَانَّةً أَنَّهُ هُنَاكَ وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ الذِّئَابَ تَجَاذَبَتْ أَعْضَاءَهُ وَأَكَلَتْهُ (وَأَمَّا) لَبِيدٌ صَاحِبُ هَذَا فَهُوَ أَبُو عَقِيلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ الْعَامِرِيُّ الصَّحَابِيُّ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ كَانَ مِنْ فُحُولِ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَكَانَ مِنْ الْمُعَمَّرِينَ عَاشَ مِائَةً وَأَرْبَعًا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقِيلَ فِي أَوَّلِ خلافة معاوية رضى الله عنهم (قَوْلُهُ) فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ احْتِرَازٌ مِمَّا يَتَأَثَّرُ مِنْ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَمَا يَلْقَى مِنْ الْأَطْعِمَةِ
رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَرَى فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فِي الْأَصْلِ (وَقَوْلُهُ) غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ فِي الْعَادَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّيْدِ وَالْبِزْرِ - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْقِثَّاءُ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّهَا الطَّعْمُ فَيُحَرَّمُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَطْعُومٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ غَيْرُهُمَا وَلَا يُحَرَّمُ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي السَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُقُولِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَطْعُومِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يُحَرَّمُ إلَّا فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَعَلَى هَذَا لَا رِبَا فِي السَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالتَّفْرِيعُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَدِيدِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا يُعَدُّ لِلطَّعْمِ غَالِبًا تَقَوُّتًا وَتَأَدُّمًا أَوْ تَفَكُّهًا أو تداويا أو غيرها فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحُبُوبُ وَالْإِدَامُ وَالْحَلَاوَاتُ وَالْفَوَاكِهُ وَالْبُقُولُ والتوابل والادوية وغيرها فَيُحَرَّمُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وسواء ما أكل غالبا أَوْ نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ وَهُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ وَسَوَاءٌ مَا أُكِلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
لَا رِبَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْأَكْلِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي الْمَصْطَكَى وَالزَّنْجَبِيلِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) المشهور ويحرم فِيهِمَا الرِّبَا
(وَالثَّانِي)
لَا رِبَا فِيهِمَا حَكَاهُ (١) والرافعي وَقَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا رِبَا فِي الْمَصْطَكَى وَيَجْرِي تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ كَالْإِهْلِيلَجِ وَالْإِبْلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا وَغَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ واتفق
________________________________________
(١) بياض بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 398)
________________________________________
عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَيُسْتَعْمَلُ قَلِيلُهُ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّقَمُونْيَا لَا رِبَا فِيهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْمَاءُ (إذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَهَلْ يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُحَرَّمُ هَكَذَا صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ صَاحِبِ
الِانْتِصَارِ الْإِبَاحَةَ فَإِنَّهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَ مَطْعُومًا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ (قُلْنَا) ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ فَصَارَ مُسْتَثْنًى (وَأَمَّا) الْأَدْهَانُ فَأَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أحدها) مَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ كَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبُطْمِ وَدُهْنِ الْفُجْلِ وَالْخَرْدَلِ والصنوبر وأشبهاهها فَيُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا أَيْضًا لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي فَأَشْبَهَ الْإِهْلِيلَجَ (١) (الثَّالِثُ) مَا يُرَادُ لِلطِّيبِ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالزِّئْبَقِ وَالْبَانِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ نَقَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ وَفِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (فَإِذَا قُلْنَا) انها ربوية لم يجز بيع شئ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَا بيع بعضها مُتَفَاضِلًا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِالشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ قَالُوا لِأَنَّهَا كلها شيرج اختلفت رَائِحَتُهُ بِحَسَبِ مَا جَاوَرَهَا مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ (الرابع) مَا يُرَادُ لِلِاسْتِصْبَاحِ كَدُهْنِ السَّمَكِ وَبِزْرِ الْكَتَّانِ وَدُهْنِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ (وَأَمَّا) قول إمام لحرمين وَالْغَزَالِيِّ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الطِّينُ الْأُرْمَوِيُّ رِبَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْغَزَالِيِّ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (وَأَمَّا) الطِّينُ الَّذِي يُؤْكَلُ سَفَهًا وَيُقَالُ لَهُ الْخُرَاسَانِيُّ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عن العراقين قَالَ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَمَالَ إلَى أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
فِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أصحهما)
________________________________________
(١) كذا بالاصل وانظر أين الضرب الثاني
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 399)
________________________________________
لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعُودِ الْمُطَيِّبِ أَيْضًا وَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا
* (فَرْعٌ)
لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ بِشَاتَيْنِ وَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَدَجَاجَةٍ بِدَجَاجَتَيْنِ وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا إلَّا الْوَجْهَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِلَّا وَجْهًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ فِي السَّمَكِ الصِّغَارِ الَّتِي يُمْكِنُ ابْتِلَاعُهَا فِي حَيَاتِهَا أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ أَكْلِهَا حَيَّةً وَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الْأَطْعِمَةِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا حَيَّةً لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً فَيَجُوزُ بَيْعُ سَمَكَةٍ بِسَمَكَاتٍ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ
(وَالثَّانِي)
لَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ لَا رِبَا فِي النَّوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ لِلْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ طَعَامًا لِلْبَهَائِمِ فَأَشْبَهَ الْحَشِيشَ
* (فَرْعٌ)
لَا رِبَا فِي الْجُلُودِ وَالْعِظَامِ إنْ كَانَ يَجُوزُ أَكْلُهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنْوَاعُ الْحَشِيشِ الَّتِي تَنْبُتُ فِي الصَّحَارِي وَتُؤْكَلُ فِي حَالِ رُطُوبَتِهَا وَأَطْرَافِ قُضْبَانِ الْعِنَبِ لَا رِبَا فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تقصد للاكل عادة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيها الربا فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا ونسيئة ويجوز فيها التفرق قبل التقابض لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أجهز جيشا فنفدت الابل فأمرني أن آخذ على قلاص الصدقة فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى ابل الصدقة) وعن علي كرم الله وجهه (أنه باع جملا إلى أجل بعشرين بعيرا) وباع ابن عباس رضى الله عنه بعيرا بأربعة أبعره واشترى ابن عمر رضى الله عنه راحلة بأربع رواحل ورواحله بالربذة واشترى رافع بن خديج رضى الله عنه بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا
* ولا يجوز بيع نسيئة بنسيئة لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ
بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ قال أبو عبيدة هو النسيئة بالنسيئة)
* (الشرح) حديث ابن عمر وبن العاصى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ عنده
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 400)
________________________________________
حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو بن العاصى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا ظَهْرٌ قَالَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَاعَ ظَهْرًا إلَى خُرُوجِ التَّصَدُّقِ فَابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ وَبِالْأَبْعِرَةِ إلَى خُرُوجِ التَّصَدُّقِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ رَوَاهَا أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ على أن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاعَ جَمَلًا لَهُ عُصَيْفِيرٌ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ لَكِنَّ فِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ مِنْ طَرِيقِ حسين ابن مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ فَلَمْ يُدْرِكْهُ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الموطأ والشافعي عن مالك عن نافع وذكره الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا (وَأَمَّا الْأَثَرُ) عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَصَحِيحٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مداره على موسى بن عبيدة الزيدى وَهُوَ ضَعِيفٌ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ الْقِلَاصُ - بِكَسْرِ الْقَافِ - جَمْعُ قَلَصٍ وَالْقَلَصُ جَمْعُ قُلُوصٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الشَّابَّةُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَقَوْلُهُ) أَخَذَ مِنْ قِلَاصِ الصَّدَقَةِ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ من والذى في سير أبى داود والبيهقي وغيرهما في ومعناهما السَّلَفُ عَلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (وَأَمَّا) الرَّاحِلَةُ فَالْبَعِيرُ النَّجِيبُ وَالرَّبَذَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ مُعْجَمَةً مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالْكَالِئُ بِالْهَمْزِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ ففى الفصل مسألتان (احداهما) أَنَّ مَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَطْعُومِ لَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعِيرٍ بِأَبْعِرَةٍ وَشَاةٍ بِشِيَاهٍ وَثَوْبٍ بِثِيَابٍ وَصَاعِ نَوْرَةٍ أَوْ جص أو اشنان بِصِيعَانٍ وَرِطْلِ غَزْلٍ بِأَرْطَالٍ مِنْ جِنْسِهِ وَأَشْبَاهِهِ وَكُلُّ هَذَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَسِيئَةٍ بِنَسِيئَةٍ بِأَنْ يَقُولَ بِعْنِي ثَوْبًا فِي ذِمَّتِي بِصِفَتِهِ كَذَا إلَى شَهْرِ كَذَا بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ إلَى وَقْتِ كَذَا فَيَقُولُ قَبِلْت وَهَذَا فَاسِدٌ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيَانِ عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ
وَالْمِلْحُ وَلَهُمْ فِيهَا عَشَرَةُ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) مَذْهَبُ أهل الظاهر ومن موافقهم أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِي) مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الرحمن بن كيسان الاصم ان العلة فيها كَوْنِهَا مُنْتَفَعًا بِهِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالثَّالِثُ) مَذْهَبُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الْجِنْسِيَّةَ تُحَرِّمُ الرِّبَا في كل شئ بِيعَ بِجِنْسِهِ كَالتُّرَابِ بِالتُّرَابِ مُتَفَاضِلًا وَالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ وَالشَّاةِ بِالشَّاتَيْنِ (الرَّابِعُ) مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْفَعَةُ فِي الْجِنْسِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ ثوب
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 401)
________________________________________
قِيمَتُهُ دِينَارٌ بِثَوْبَيْنِ قِيمَتُهُمَا دِينَارٌ وَيَحْرُمُ بَيْعُ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ دِينَارٌ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دِينَارَانِ (الْخَامِسُ) مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقَارُبُ المنفة فِي الْجِنْسِ فَحُرِّمَ التَّفَاضُلُ فِي الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْجِنْسِ فَحُرِّمَ التفاضل في منافعها وكذلك الباقلى بِالْحِمَّصِ وَالدُّخْنِ بِالذُّرَةِ (السَّادِسُ) مَذْهَبُ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ جِنْسًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي جِنْسٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ وَغَيْرِهَا ونفاه عمالا زَكَاةَ فِيهِ (السَّابِعُ) مَذْهَبُ مَالِكٍ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا مُدَّخَرَ جِنْسٍ فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا كَانَ قُوتًا مُدَّخَرًا وَنَفَاهُ عَمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ كَالْفَوَاكِهِ وَعَمَّا هُوَ قُوتٌ لَا يُدَّخَرُ كَاللَّحْمِ (الثَّامِنُ) مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مكيل جنس فحرم الربا في كل ميكل وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْأُشْنَانِ وَنَفَاهُ عَمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ (التَّاسِعُ) مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَحَرَّمَهُ فِي كُلِّ مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَنَفَاهُ عَمَّا سِوَاهُ وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ أَوْ يُؤْكَلُ وَلَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالسَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ (الْعَاشِرُ) أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومًا فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَمْ لَا وَلَا رِبَا فِيمَا سِوَى الْمَطْعُومِ غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا (فَأَمَّا) أَهْلُ الظَّاهِرِ فَسَبَقَ دَلِيلُهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمْ (وَأَمَّا) الْبَاقُونَ فَدَلِيلُنَا عَلَى جَمِيعِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَيْضًا هَذِهِ الْآثَارُ مَعَ الْحَدِيثِ المذكور في الكتاب
* وعن جابرا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْ دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
* وَاحْتُجَّ لِابْنِ كَيْسَانِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا الرِّفْقُ بِالنَّاسِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجَمِيعِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْآثَارِ وَالْمَعْنَى وَبِحَدِيثِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَيْنِ وَالْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَفْسَدُوا عِلَّتَهُ بِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ التِّجَارَاتِ وَالْأَرْبَاحِ
* وَاحْتُجَّ لِابْنِ سِيرِينَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ والفضة بالفضة والبربر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ اخْتِلَافَ الْأَصْنَافِ وَهِيَ الْأَجْنَاسُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي بَيْعِ عَبْدَيْنِ بِعَبْدٍ
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 402)
________________________________________
وَأَبْعِرَةٍ بِبَعِيرٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَالْمُرَادُ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ إذا اختلفت ومنعه فيها إذا اتفقت لامنعه فِي غَيْرِهَا
* وَاحْتُجَّ لِلْحَسَنِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْقَدْرِ مَوْجُودٌ فِي الْقِيمَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي الْقِيمَةِ كَمَا امْتَنَعَ فِي الْقَدْرِ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا سَبَقَ وَلَا نُسَلِّمُ إلْحَاقَ الْقِيمَةِ بِالْقَدْرِ
* وَاحْتُجَّ لِابْنِ جُبَيْرٍ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْقَدْرِ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا مَرْدُودٌ بِالْمَنْصُوصِ عَلَى جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَاحْتُجَّ لِرَبِيعَةَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ إنَّمَا كَانَ حَثًّا عَلَى الْمُوَاسَاةِ بِالتَّمَاثُلِ وَأَمْوَالُ الْمُوَاسَاةِ هِيَ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْحَيَوَانِ وَفَاسِدٌ أَيْضًا بِالْمِلْحِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ بِالنَّصِّ وَعَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ لَا رِبَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا
* وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِأَنَّ عِلَّتَهُ أَكْثَرُ شَبَهًا بِالْأَصْلِ فَهِيَ أَوْلَى وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مُنْتَقَضٌ بِالرُّطَبِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ بِالنَّصِّ وَلَيْسَ مُدَّخَرًا (فَإِنْ قيل) الرطب يؤول إلى الادخار (قلنا) الربا جاز فِي الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَمْرًا أَوْ الْعِنَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ زَبِيبًا
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْكَيْلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّسَاوِي فَكَانَ
عِلَّتَهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكَيْلِ مِعْيَارًا كَوْنُهُ عِلَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا جَوَازُ بَيْعِ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ وَثِيَابٍ مِنْ جِنْسِهِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَمَنَعَهُ مالك وأبو حنيفة (١) لَا رِبَا فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا كَالْحَفْنَةِ وَالْحَفْنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُكَالُ فِي الْعَادَةِ قَالَ وَكَذَا لَا رِبَا فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبَيْضِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الَّتِي تُبَاعُ عَدَدًا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ الرِّبَا فِي كُلِّ ذَلِكَ لِعُمُومِ النُّصُوصِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَشَاةٍ بِشَاتَيْنِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا سَوَاءٌ كَانَ يَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ وَالنِّتَاجِ أَمْ لِلْأَكْلِ خَاصَّةً
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَلَا بِبَعِيرٍ إذَا كَانَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلذَّبْحِ كَالْكَسِيرِ وَالْحَطِيمِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا اللَّحْمُ فهو كبيع لحم بلحم جُزَافًا أَوْ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ السابقة في بيع بعير ببعيرين وأبعره
*
________________________________________
(١) كذا بالاصل
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 403)
________________________________________
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ بَيْعِ كُلِّ مَا لَيْسَ مَطْعُومًا وَلَا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ التَّأْجِيلُ فِي بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نَسِيئَةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي بيع الابل بالابل مؤجلة ولانهما عِوَضَانِ لَا تَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَحْرُمُ فِيهِمَا النَّسَاءُ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبَ قُطْنٍ بِثَوْبِ حَرِيرٍ إلَى أَجَلٍ وَلِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ نَقْدًا فَكَذَا النَّسِيئَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
جَوَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرُ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّ الْأَجَلَ فِي الْعِوَضَيْنِ فَيَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَلِكَ فَاسِدٌ كَمَا سَبَقَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَنَّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بالحديث أنه مرسل
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فاما يحرم فيه الربا فينظر فيه فان باعه بِجِنْسِهِ حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التقابض لما روى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ والتمر بالتمر والبر بالبر وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شئتم إذا كان يدا بيد) فان باعه بغير جنسه نظرت فان كان مما يحرم الربا فيهما لعلة واحدة كالذهب والفضة والشعير والحنطة جاز فيه التفاضل وحرم فيه النساء والتفرق قبل التقابض لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يدا بيد) فان تبايعا وتخايرا في المجلس قبل التقابض بطل البيع لان التخاير كالتفرق ولو تفرقا قبل التقابض بطل العقد فكذلك إذا تخاير
* وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فان لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان
(أحدهما)
يجوز ابداله لان ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه
(والثانى)
لا يجوز وهو قول المزني لانه إذا ابدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز
* وان كان مما يحرم بهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لاجماع الامة على جواز اسلام الذهب والفضة
المجموع شرح المهذب - جـ 9(ص: 404)
________________________________________
في المكيلات المطعومة)
* (الشرح) حديث عبادة رواه مسلم والنساء - بالمد - والتأجيل قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا بَاعَ مَالًا رِبَوِيًّا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِهِ فَيُحَرَّمُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ (الثَّانِي) أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنَّهُمَا مِمَّا يُحَرَّمُ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ بِالْعَسَلِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ (١) وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَحَيْثُ شَرَطْنَا التَّقَابُضَ فَمَعْنَاهُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَا بَأْسَ أَنْ يَطُولَ مَقَامُهُمَا فِي مَجْلِسِهِمَا وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِطُولِهِ مُتَمَاشِيَيْنِ وَإِنْ طَالَ مَشْيُهُمَا وَتَبَاعَدَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ افْتِرَاقِهِمَا
* وَلَوْ بَاعَهُ دِينَارًا فِي الذِّمَّةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الذمة ووصفا الْجَمِيعَ أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نَقْدٌ غَالِبٌ وَلَمْ يَكُنْ الْعِوَضَانِ حَاضِرَيْنِ ثُمَّ أَرْسَلَا مَنْ أَحْضَرَهُمَا أَوْ ذَهَبَا مُجْتَمَعَيْنِ إلَيْهِمَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ الْبَيْعُ وَسَلِمَا مِنْ الرِّبَا
* وَلَوْ وَكَّلَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْقَبْضِ وَحَصَلَ الْقَبْضُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْعَاقِدَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَمَتَى تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَصَلَ الْقَبْضُ بَطَلَ الْعَقْدُ وَيَأْثَمَانِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ يَكُونُ هَذَا رِبًا جَارِيًا مَجْرَى بَيْعِ الرِّبَوِيِّ نَسِيئَةً وَلَا يَكْفِيهِمَا تَفَرُّقُهُمَا فِي مَنْعِ الْإِثْمِ وَإِنْ كَانَ يَبْطُلْ كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ مَعَ التفاضل باطل ويأثمان به قال أصحابنا قال تَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَأَرَادَا أَنْ يَتَفَرَّقَا لَزِمَهُمَا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِئَلَّا يَأْثَمَا وَإِنْ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الَّذِي لَمْ يُقْبَضْ وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الْمَقْبُوضِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَصِحُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَهُوَ كَالتَّفْرِيقِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَبْطُلُ لظاهر الحديث فانه يسمى يدا بيد
* آخر المجلد وإلى هنا انتهى كلام الشيخ مصنفه أبو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ شَرَفِ النَّوَوِيِّ فَأَدْرَكَتْهُ الْمَنِيَّةُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَفَعَنَا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَحَسْبُنَا اللَّهُ ونعم الوكيل.